٢٢

3.2K 123 4
                                    

الفصل الثاني والعشرون...
الابتسامة الساخرة حركت بداخلها حنق وضيق... أخذت عدة أنفاس وهي تبتعد عنه باخلة عليه بإعتذار لهذا الخطأ والصدام... تلك الملامح كانت تطوف بعقلها.. استدارت لتراه مرة آخرى لكنها لم تجده... كورت شفتيها مطلقة نفخًا وانطلقت لمقصدها...... بعد عدة دقائق كانت تجلس أمام أحد موظفي تلك البناية العريقة تراقب اشمئزازة غير المُعلن من أوراقها... تلمح فتوره وتحقيره غير مصدومة لكنها منزعجة... رفع لها نظراته التي تطل منها السخرية يسألها
_بس كده يا فندم دي مؤهلاتك..؟
هزت رأسها تلعن تبجح نظراته بها... ليغلق الملف ويعلن بكل صلف ليس لمن مثلها مكان هنا..
_للأسف يا فندم... المؤهلات دي غير مقبولة هنا إحنا مبنقبلش غير الكوادر والمتميزين....
صمت طويل اعقبه بالتواء فم ساخر يخبرها بإستعلاء تقرائه في نظراته
_وأنا مش شايف أي ميزة لحضرتك... يادوب حاصلة على شهادة الإعدادية..
بهدوء سحبت أوراقها وغادرت دون أن يصرخ لسانها بكلمة، عاجزة عن ردع تلك السخرية، مكبلة عن أخذ حقها... فهي ليست بصاحبة حق.. هي من آتت لذلك المكان برغبتها يداعبها حلم القبول... متغاضية عن كونها لا تناسب ذلك المكان ولا تنتمي له... أخبرها ذلك المبنى الفخم حين رآته أن لا مكان لمن مثلها.. لكن هو الأمل... حين يطرق قلوبنا تغشى عيوننا غمامة وردية حالمه...
خرجت بخفة من المكان.... لكن نداء ذلك السمج المتعالي أوقفها
_يا آنسه....
استدارت متعجبة تهمس
_نعم....!
مازالت أذناه تقبض بإهتمامك على سماعة الهاتف والذهول يركض هاربًا من نظراته إليها.. يخبرها بوجه مصدوم
_استني.... تعالي من فضلك...
عقدت حاجبيها في عدم فهم... خطت تلك المسافة بتثاقل غريب وكأنها تخطو لأبواب الهلاك...
وضع سماعة الهاتف بعد أن أخبر المتصل بطاعة
_حاضر يا فندم.. حاضر..
بإرتباك طلب أوراقها وهو يخبرها
_لو سمحتي الملف...
سلمته بصمت وحيرة،.. إمضاء وختم زين بهما الورق ليرفع رأسها ويخبرها بإبتسامة تناقض تلك التي استقبلها بها
_مبرووك يا فندم لقينا لحضرتك وظيفة...
دق قلبها بعنف يتأرجح بين الفرح والخوف... خوف لا تعلم مصدره.. لكن التغيير المفاجىء أرعبها وطالما رهبت التغيير السريع بأنواعه وخافت تبعاته .. شعرت بالمكان يضيق حولها وحِدثها يخبرها أن في الأمر خطب ما... ؟ روحها تساق للجحيم مُكبلة.... نفضت ذلك الشعور الغريب عنها وهي تلعن ذلك الخوف.. ولما الخوف....ستنتمي قريبًا لمكان راقٍ.. سيوفر لها الأمان ولبطونهم الجائعة الشبع...
استلمت منه الأوراق بصمت وغادرت حيث وجّهها.. تتلقى المزيد والمزيد من الأوراق والإمضاءات ووسط كل ذلك وفي توهة لم تسأل ولو لمره قبل أن تخوض حرب الإمضاءات تلك ماذا ستعمل هنا..؟
خرجت خائرة القوى والعزم تلفظ بحمد تُسكّن به خوفها... تلوم نفسها على عدم السؤال... لكن تعود وتسكّن خوفها
_غدًا ستأتي للعمل وتعرف.... ومهما إن عملت في ذلك المكان فهو أفضل من بهدلتها....
**************************
سألها بدر بإهتمام بعد ما بدى من فتور في صوتها
_مالك يا لطيفه؟
بذات الابتسامة التي تماثل اسمها قالت
_مفيش يا بدر.. يمكن مجهدة من الشغل..
كان سؤاله واضح صريح  دون مواربة
_لطيفة مرتاحه فشغلك ده..؟
صمتت تفكر... لا جواب يسعفها.. فهي نفسها لاتعلم الإجابه
_اه كويس يابدر أحسن من القعده لوحدي...
ترك بدر معلقته وسألها وقد شعر بشىء غامض تخبئه عنه لطيفه
_جوزك فين يا لطيفة...؟
نظرت حولها تنادي عليه.. لكنها كالعاده لم تجده.. زفرت بإحباط ثم قالت والدمعة تخنقها
_خرج يا بدر....
سألها بدر بإقتضاب ونبرة حادة
_هو مبيقعدش في البيت ولا ايه..؟
اخذت عدة أنفاس تستجمع بها رباطة جأشها ثم قالت متقطعة
_نظام شغله كده يا بدر...
زوى بدر ما بين عينيه بقلق... وقبل أن يصارحها بقلقه وعدم راحته لصوتها وغيابها الذي بات كثيرًا... قالت بسرعة هاربة من مشاعرها... تدفع إنهيارها بعيدًا
_سلام يا بدر هشوف الولاد....
اغلقت بسرعة اختطفت بدر من واحة راحته... ترك المعلقة والهاتف واتكأ يفكر ويسترجع كلماتها المضطربة... لطيفة
الطيبة الحانية.. باتت صامتة يزين نبرتها الإنكسار.. تغيب فترات عنهم... وهو الذي تعودها مقيمة معهم عبر الهاتف...
هل أخطأ حين وافق على تلك الزيجة.. ؟
هل تساهل حين أرسلها له بثوب زفافها...؟
هل أخطأ حين تركها له في تلك البلاد وحيدة غريبة..؟
لا يعلم... لكن الأمر مقلق للغاية... ضغط على رأسه التي امتلأت بضجيج الأفكار... وتمدد على الكرسي في عمله أملًا في راحة مزعومة..
___________
تمخضت أفكارها الثائرة عن قرار.. رفعت الهاتف وحين وصلها صوته
_ايوة يا طوفي يا حبيبتي..
قالت بضيق وهي تجوب الحجرة
_أنت فين يا محمد...؟
قال بإرتباك
_فمشوار وراجع يا حبيبتي....
بحدة وعصبية هتفت
_يا محمد إنت جيت امتى.. ؟ يا دوب اكلم بدر الاقيك مشيت...
حاصرته فهرب بضحكة سخيفة وحجة واهية
_معلش مشوار ضروري...
هرب كعادته في الحديث
_اخبار بدر إيه.. ؟
قالت بإختناق ويأس
_كويس يا محمد بيسلم عليك...
سألها بنبرة فرحة
_قبضتي انهردا... ؟
أجابت بحزن عميق وضيق يكتنفها
_ايوة ودفعت الإيجار يا محمد.
تهلل صوته بالرضا
_فل أوووي.. اطلبيلنا بقى بيتزا على ما ارجع...
لم يمهلها الرد وأغلق الهاتف.. جلست مكانها بائسة حزينة.. منذ أن وفّر لها العمل وهو يرمي على كاهلها كل الأعباء.. يُثقلها بالمصاريف ولوازم المنزل... يتملص من جميع مسئولياته حتى أصبحت أمًا وأبًا... ملست على بطنها تقول وكلها مدمر
_يارب
****************
احتد الصراع بينهم في تصاعد مريب جعل فطيمة تهتف بتهديد أهوج
_والله لو مش عاجبك امشي يا بشمهندس ياسين...
نظر لها بحدة يقول مغتاظًا
_لا مش إنتِ الي تقرري يا فطيمة.. إحنا أربع شركاء
نظرت لعلياء وأحمد تقول بعنجهية أثارت حنق ياسين
_بس إنتوا من غيري وغير بدر أخويا مكنتوش هتطلعوا تصاريح بالسرعة دي ولا تخلصوا حاجه أصلًا..
ختمت كلماتها بنظرة متعالية هازئة... جعلت ياسين يجز على أسنانه بغضب مجنون.. هتف بصراخ
_إنتِ بتذلينا... ؟!
عقدت ساعديها وأشاحت تقول بهدوء
_لا خالص بس  بفكركم...
تخصر ياسين.. وأقترب منها يقول بينما يشملها بنظرة حاقدة كارهه
_إنتِ قليلة الذوق... وطالما وصلت لأنا وأنتوا يبقى بناقص...
بهتت ملامحها وقالت مستفهمة
_تقصد إيه..؟
نظر ياسين لصديقه قائلًا
_أنا كده جبت أخري... ومستحيل هشتغل مع البني آدمه دي....
سارع صديقه قائلًا
_تقصد إيه... ؟
قال ياسين وهو يرمقها بنفور
_أحنا مش هننفع مع بعض... هي شايفه إنها صاحبة فضل علينا وبتذلنا وعيزانا نمشي على هواها.. وأنا بصراحه مينفعنيش الشغل ده ومبحبوش.... وخلصت... كل واحد يروح لحاله...
نظرت له بتعالي  هامسة وهي على هدوئها المستفز
_بالسلامه.... هو أنت ايه يعني... ؟ الف مين يتمنى يشاركنا..
قال بإستهزاء
_والله... بس عامة ياريت تلاقي واحد بس من الألف يستحملك...
شهقت مستفرة تسأله بغضب
_إنت قصدك إيه.... ؟
خطأ للخارج بعد أن شمل المكان بنظرة متحسرة ثم وقف يقول بخفوت حزين
_مقصدش يا أخت الباشا .....
خرج ياسين بينما جلست فطيمة مذهولة مصدومة مما آل إليه الأمر ما كانت تتوقع انتفاضة ياسين ولا تخليّه عن ببساطة عن حلمه وتعبه... فشلت خططها ووقعت هي في الفخ
عاتبتها علياء بحزن
_ليه كده يا فطيمة بجد حرام عليكي...
لوّحت فطيمة بعدم اهتمام وبالها مازال مشغولًا.. بينما خرج أحمد ليلحق بياسين يحاول تهدئة الأمر... انتفضت فطيمة تحمل حقيبتها وغادرت للمنزل...
___________
هتفت جهاد وهي ترتشف من كوب قهوتها
_معقول.. بس متوقع..
مطت فطيمة شفتيها قائلة بيأس
_شوفتي... ادي نتيجة الخطة بدل ما يخاف.. ساب كل حاجه..
قالت جهاد وهي تجلس بجانبها محتضنة
_قولتلك يا فطيمة ياسين هيعند.. أنا عارفه ياسين وسيف كويس...
قطع بدر الحوار الدائر قائلا بغضب وهو يلقي سلسلة مفاتيحه بعشوائية نابعة من غضبه
_فعلا الأستاذة عرفاهم كويس كان لازم تأخذي بكلامها
هتفتا كلتاهما بإندهاش
_بدر...
صاح بدر بحنق وقد يأس من أفعال فطيمة
_افهم ايه العمايل دي...؟ إنتِ متربتيش والله...
ترقرت الدموع في عيني فطيمة وقالت معاتبة
_أنا يا بدر... ؟
هدأته جهاد قائلة
_خلاص يا بدر هي هتصلّح كل حاجه...
قاطعتهم فطيمة بعناد
_لا.. مش هتصلح
اتجه بدر ناحيتها عاضًا شفتيه في غضب.. امسكها من ذراعيها وانهضها قائلًا
_غصب عنك... و هتطلعي منه المشروع وتسيبيهم..
قالت فطيمة بتشبث بينما تحتفظ بدموعها في كبرياء
_لا مش هيحصل هو مشي مع السلامة...
حاولت جهاد تخليصها من قبضته لكنه كان متمسك بها بشدة... ثواني ودفعها قائلًا
_طيب والله يا فطيمة ما إنتِ طالعه من البيت ولا أوضتك... لما أشوف اخرتها معاكي.... مشاكل مشاكل ودلع مالوش أول من آخر.. مفيش احترام ليا خالص ولا لأي حد...
ألقى نظرة أخيرة عليها ليوجه كلماته التالية لجهاد
_عقليها يا أستاذة مش تملي دماغها بكلام فاضي...
اتسعت عينا جهاد وقالت مندهشة
_أنا بملى دماغها....
قال بدر وهو يعاود إلتقاط مفاتيحه
_كان أولى تبلغيني بنيتها مش بس عرفاهم ومش عرفاهم... وفري معرفتك يا أستاذة لسيف وأخوة وخدي خطوة...
تحفزت جهاد واحتدت ملامحها كادت أن تنطق لكن بدر أكمل
_علياء كلمتني وبلغتني بالي حصل وإنهم خلاص لو ياسين مرجعش واتفقوا هما كمان هيطلعوا...
انكست فطيمة رأسها بخزي ليقول بدر بسخرية مريرة
_فرحانة أنتِ بأخوكي الباشا وماشيه تلطشي في الناس.. وفالأخر يطلع أخوكي معرفش يربي...
صمتت جهاد متحاملة على غضبها حزينة  ومشفقة عليه من تلك المشاكل التي لا تنتهي...
اندفع لحجرته في صمت ليصفعه مجىء رحيمة العاصف فيقف ليقول متحسرًا داعيًا بحرقة
_ربنا يأخذني ويخلصني منكم ومن قرفكم...
انفجرت فطيمة في نوبة بكاء قوية لتحضنها جهاد وتربت عليها... وعقلها مشغول به وبحاله... فلا يكاد
يخرج من مشكلة إلا وتبتلعه أخرى... حياته مليئة بالمشاحنات والمصاعب وكاهله مثقل بهموم إخوته وعمله وبينهما هو ينازع بروح باهتة حزينة...
__________________
ربما لو دفعه أحدهم لمياه البحر لما اغتسل داخله هكذا... ذهب للمشفى مدفوعًا بشىء لا يعرف ماهيته.. شىء سيطر عليه وحرّكه.. سلب لبه في لحظة خاطفة وقاده.... تخلى عن أدهم وذهب... دخل المشفى مصدومًا مغيب العقل يتطلع حوله في تيه غير معهود يحمل كاميرته لأول مره منذ زمن...أراد الذهاب وحده.. أو ربما خاف نظرة أحدهم له حين يعرف إين القت به رقية....
كان يسير بخطى هادئة متزنة يتطلع حوله فتندفع إليه ترحيبات الأطفال العفوية.. يتعثر في ضحكاتهم البريئة.. إحداهم تلقي إليه القبلات في محبه غير مفهومة... تنازع نظراتهم الفناء بالأمل ويبارزن بضحكتهم شبح الموت....
دخل بعض الغرف وخرج منها خائف مترقب مرتعش الفؤاد.. كله يهتز.... يوزع الألعاب والبلونات دون حديث فقط ابتسامة... حجرة واحدة... دخلها ليصطدم بجسد هزيل أثير الأجهزة صفارة الموت تدق في كل حين وبوق الخوف يصرخ في أذنه فتنقبض ملامح الصغير ويسلب نفسًا طويل يعينه على التحمل... فتح عينيه وقد أحاطها الذبول والضعف... ابتسم فابتسم له أدهم تلقائياً.... أغمض الصغير عينيه وابتسامته تتبخر شيئًا فشىء يهتز جسده في نفضه قوية غير مستسلمة للسكون الأبدي الذي يطلبه الجسد المنهك... وحين تهدأ.. يعاود الصغير التقاط نفسًا طويل ويفتح عينيه من جديد يبتسم لأدهم... ابتسامة تعني كل الحياة... طالبة راغبة ومستنجدة... تحركت كف أدهم وقد اختطفه الموقف.. مسح على جبين الصغير وهو يهديه أروع الابتسامات بل أجملها واحلاها ممن يخبئها أدهم في صندوق أسراره..... فتح الصغير عينيه بفرحة بلغت عينيه من ذلك الحنان والإحتواء.. وكأنه يحتمي به من الوجع وشدته...
تسارعت أنفاس الصغير فقبض أدهم بلهفة جنونية على كفه... عينيه كانت زائغة على ملامح الصغير وإنطفائه الذي بات وشيكًا... كاد يجن، قبض على كفه بقوة.. تستجديه عيناه ألا يغيب.. تتوسله ألا يذهب... مرت بسلام وفتح الصغير عينيه... فالتقط أدهم نفسًا عميق ونهض يود الهرب... وضع الهدية بجانب الصغير وغادر خطوات للخلف ونظراته مازالت تعتنق الجسد الهزيل وأخيراً انتزع روحه من أثر اللحظة وغادر للخارج على الفور يسابق زمنًا ولحظة لن يعود بعدها كما كان...
******
رفع هاتفه وأخبرها بإقتضاب وفي نبرته تتأرجح اللوعة وتغفو اللهفة
_عايز أشوف ابني يا روكا....
خفق قلبها بعنف وانتصبت من جلستها حين سمعت لفظ تدليلها من بين شفتيه بنبرة مستكينة أقرب للتوسل... أجابت وهي تستجمع شجاعتها من سطو أنفاسه المتلاحقة
_تعالى شوفه يا أدهم....
نفس طويل حار أطلقه ليقول بعدها بنفس النبرة التي تدغدغ مشاعرها
_عايز أشوفه بره يا روكا...
لم تملك إلا الإستسلام له رغمًا عن قرارات عقلها
_حاضر يا أدهم فين...؟
قال أدهم منهيًا الحديث فقواه تخور ويضعف
_اي مكان تحبيه...
هتفت موافقة بصوت واهن متعب
_حاضر يا أدهم...
بعد دقائق كانت تجلس ممسكة بصغيرها تنتظر قدومه... أخفضت نظراتها بتعب تداعب خدي صغيرها الساكن بترقب ينتظر تنفيذ وعود والدته له بجلب الحلوى والآيس كريم...
دراجة نارية وقفت أمامها فسعلت بتعب ورفعت نظراتها مستعدة لتوبيخ مقتحم خلوتها.. نظرة واحدة كانت كفيلة لأن تدرك أنه هو...
مد كفه إليها قائلا
_تعالي....
نظرت لكفه الممدودة مترددة، حثها بنظرة صادقة منه. فسلّمته كفها دون تراجع أو تردد، نظرت للكفان المتعانقان برجفة.. ثم رفعت نظراتها لعينيه، شعور غريب اجتاح كيانها لتغمض عينيها أثيرة للحظة... هتف أدهم وهو ينظر لصغيره الساكن بدهشة طفولية...
_يلا يا بطل...
أفاقت رقية وصعدت خلفه، بينما أخذ هو الصغير أمامه.. كانت تمسك بقميصه في تباعد تريده.... مأخوذة بسحر اللحظة...
أما الصغير فكان مبهورًا يصرخ في فرحة رقص لها قلب أدهم..
انطلق لمكان أراد فيه أن يكون أدهم... أدهم الذي رآه اليوم وشعر به.. الذي حاربة ونكأ ظهوره جراح الماضي..
___________
استيقظ منتفضًا، عينيه تدور بالحجرة بينما لسانه يهمس بتلقائية
_نيرمين.... نيرمين...
مسح وجهه وقد استوعب أنه الآن بحجرته وأن ما رآه لم يكن إلا حلمًا... بل كابوس عاشه حتى سُلبت أنفاسه...
أمسك هاتفه ملهوفًا لسماع صوتها والإطمئنان عليها... أغلق هاتفه ونهض من على الفراش وعقله يصارع تلك الأفكار التي هيأها له ذلك الكابوس...... وقف في شرفته يتنفس الهواء لدقائق في خلوة صامته يشوبها تفكير عميق بها وحدها... لم يقطعه إلا صوت رسائل حفصة.. والقدر يعلن بكل تجبر.. حتى التفكير بها لن تناله....
*************
هتف خالها وهو يناولها الحقيبة
_قومي يلا الناس بتتصل...
نهضت من نومتها متأففه.. تعلن تزمتها
_لا.. بلاش انهردا ماليش نفس...
رفع خالها حاجبه يأمرها بغلظة لم تعتادها
_لا يلا...
كان صوتها الأعلى والأكثر حسمًا
_لا.... يا خالي قولتلك...
جلس خالها مكانه يقول بنبرة خافتة باردة لم تستسيغها
_براحتك...
توجست خيفة من تلك النبرة المستسلمة المناقضة لنظراته  السوداء.. ليقول خالها بنصف ضحكة شيطانية
_أخبار زيزو إيه..؟
عقدت ذراعيها تقول بعدم اهتمام
_زيزو مين...؟
تابع خالها وهو يلف سيجاره المعتاد بتأني بينما يرمقها بطرف عينيه المظلمة
_الدكتور زياد....
وقفت مكانها متصلبة وقد أيقنت إن خالها يبحث خلفها، كان لابد أن تأخذ حِذرها من ذئب جائع لأي جيفة نتنه....
تصنعت اللامبالاة وهتفت بعدم اهتمام
_مين دكتور زياد...؟
اهتزاز حدقتيها جعل خالها ينتشي غرورًا وثقة.. أثر الصمت مع إكسابها فرصة هو وحده سيدها... ليقول بعدها متلاعبًا
_براحتك يا دكتورة.... بلاش انهردا التوزيع...
غادر وأثرت هي الصمت ليستدير بعدها قائلًا
_مش عارف مين زياد... الظاهر اتلخبطت ..
قالها مُصدرًا ضحكة مجلجة ارسلت بين اضلعها الرعب... اغلقت الباب وهي تسبه وتلعنه.. ثم جلست على فراشها تمسك بصورته وهي تسأل نفسها
_إلى أين سيأخذها ذلك العشق الغريب
*******************
أدلى دلوه وقال بنظرة خجل بعد صمت وتردد كبير
_خلي بالك من نفسك يا بتي..
ابتسمت له بوهن لتسأله بصدق
_هشوفك تاني..ولا خلاص يا عمي....
نظر لملامحها الحزينة بوجع فاض ليقول بعدها وهو يمسك حقيبته
_سبيها لله.....
هزت رأسها بتفهم، وقد أدركت أنه ألقاها في غياهب الجُب وحدها وعليها أن تنتظر  إما الخروج وحدها أو إنتظار من ينتشلها منه....
هتف متوارًيا من نظراتها اللائمة
_خلصت ورقك وكل حاچة.. علشان تكملي دراستك..
التوى فمها بإبتسامة ساخرة وهي تقول بتهكم مرير
_كتر خيرك....
اقترب يطبع قبلة دافئة على رأسها وهو يودعها
_مع السلامة...
همست بضعف تغالب عبراتها
_مع السلامة...
قبل أن يرحل هتفت وهي تضع أمامه هدية رحيم لها
_خد يا عمي...
سألها وهو يرمق اللفة بدهشة
_ايه دي...؟
ابتلعت غصتها المرير وقالت بحشرجة ألم
_حاجه كده إديها لرحيم...
ردعها بصوته الجاف وهو يزفر حانقًا
_يا بتي خلاص....
قالت منهية الجدل حاسمة الأمر
_دي تخصه... اديهاله وقوله شكرًا معادتش من حقي...
أخذها فضل ودسها في حقيبة يده.. ثم ودعها.. اغلقت الباب وركضت لحجرتها مزيلة الستار عن انهيارها... القت بجسدها المتعب على الفِراش تبكي بقهر... بينما تحتضن بين ذراعيها.. قميصه القطني.. ذلك الذي سرقته خلسة من خزانته.. ليؤنس وحدتها... ويكن سرًا يخصها ويسكن روحها.. كلما غلبها شوقها تشممته وتنفست رائحته... عل ألمها يهدأ ووجعها يسكن....
نادها جدها بصوت متعب فانتفضت ملبية ترتدي ثوب التماسك والفرح وهي أبعد ما يكون عنهما ...
********
غاب كثيرًا ولا أحد يعرف مكانه ولا تلك الجهة التي أخذته.. جلست متحيرة في أمرها.... هل كان ينقصها
رعاية والدته.. هل باتت ملجأ وملاذ لكل من لا ملاذ له.. أم ممرضة مأجورة.... تنهدت بقلة حيلة وهي تستعد لمغادرة المكتبة.. فقد انقضت ساعات عملها وعليها المغادرة لتلحق بذلك العمل الآخر الممل مجهول الهوية..
صوت ارتطام وتأوه جعلها تستدير فزعة.. لتصطدم نظراتها به.. شهقت بفزع مما تراه... صرخت بأسمه وهي تتجه ملهوفة تجاهه
أمام مكتبته رموا بجسده الواهن بعد أن سلبوه بجبروتهم قوته.. ولم يتركوا قطعة في جسده إلا ووشموها بالألم...

أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن