الفصل ١٥

4.3K 140 13
                                    

الخامس عشر
نهض بدر منتفضاً تتسع عيناه على الواقفه أمامه مستنجده، يسألها بقلق وهو يقف أمامها يتفحصها
_خير يا جهاد...
مرت على ملامحه الفزعة بيأس ثم انهارت على أقرب كرسي تنتحب بندم مخلوط بالخوف... انخلع قلبه وشحبت ملامحه سألها بنبرة مرتجفة مذهولاً من إنهيارها بهذا الشكل
_حصل حاجه...؟
رفعت عينيها المغرورقة بالدموع تقول بنبرة ندم خانقة
_كلامك طلع صح يا بدر...
رمش يستوعب كلامها وشىء من القلق تشعب بصدره، سارعت تقول وهي تفرك أناملها بإضطراب وقد بدت شاحبة يتملكها ضعف
_عرفت كل حاجه عن خالد..
التقط نفساً مرتجفاً وبعدها سألها بإهتمام
_ايه..؟
راقبها وهي تمسك بحقيبتها وتُخرج كارت ميموري صغير.... وتقرّبها مرتعشة
_اتفضل...
أخذها منها ينظر إليها بإهتمام وقد اكتسبت ملامحه جدية
_ميموري...؟!
خفق قلبه بعنف، توحشت نظراته وهي تسرد عليه التفاصيل... بعدها انتفض مُتجهاً لمكتبه يقول بحزم
_يلا بينا...
سألته وهي تستقيم
_على فين.. ؟
ارتدى الجاكيت الخاص به وهو يقول بدبلوماسية
_هتروّحي معايا....
قطبت تسأله وهي تنظر لولدها الساكن في صمت
_على فين يا بدر..؟
التقطت بدر خوفها ونظر لكريم قائلا بإبتسامة مطمئنة
_عند فطيمة...
خرج دون أن يوضح وتبعته هي بصمت ركبا السيارة... ظللهما صمت مضطرب... كانت تطالع الشارع من نافذة السيارة بقلق وقلب مرتعش... عقلها يصور لها ما قد يحدث لها هي وولدها... وكيف سيمر الأمر..؟
زفرت اسمه مع النفس المضطرب؟
أنت فين يا زياد...؟
نظر لها بدر نظرة جانبية ثم قال دون أن يُظهر على وجهه اي ملامح
_متخافيش... بس المهم لازم تختفي لأن خالد أكيد عايز الميموري.
ارتعش جسدها ونظرت إليه مفزوعة فتابع بعملية وهو ينظر لكريم عبر المرآة
_هتيجي معايا دلوقت البيت...
استنكرت الأمر وعبست مرددة
_البيت..!
ابتسم يقول باهتاً
_هتقعدي مع أختي فطيمة.. دا أأمن مكان....وكمان هكون مطمن عليكي....
نطقها بخفوت وكأنه يخشى أن تفضحه نبرته وتبوح بما يعتمل ذلك القلب من حب،اخترقت الجملة قلبها مُحدثة وقع لطيف نشر اللون الزهري على وجنتيها واذابها بخجل لم تفهم سببه....
همست بضعف وقد توترت نظراتها
_هو أنا كده مش هزعجكم.؟
اسلوب لطيف منها للقبول على ما قرره.. ابتسم يذيب خجلها بخفته ومرحه..
_هتزعجيهم... ؟... ضحك متابعًا.... متقلقيش ربنا يستر أنتِ متقوليش رجعني اموت أحسن....
عقدت حاجبيها وذمت شفتيها فأردف يقول بنصف ضحكة
_هتشوفي عملي صدقيني....
اخذت نفس طويل ونظرت عبرالنافذة من جديد.. عائلة مجنونة وعليها أن تتحمل.. فليس لديها بديل..
___________
لامه صديقه بعتاب
_أنت عارف دي مين... ؟وأخت مين... ؟
لّوّح ياسين بيده في لا مبالاة وإحتقار
_تكون زي ما تكون دي قليلة أدب مش متربية...
نظرات الهلع التي ارتسمت على وجه صديقه والشىء البارد الصلب الذي التصق بجبهته جعله يتسدير لينظر ما الخطب.، ارتعاشة طفيفة تغزو جسده الساكن في رهبة...
ما إن التقت العينان حتى كان بدر أول من يهتف
_ياسين..
ابتلع ياسين ريقه الجاف وابتسم قائلا بلهفة
_بدر باشا...
اخفض بدر سلاحة فالتقط ياسين نفسًا مطمئناً، لكن فطيمة هتفت منتحبة
_هو ده يا بدر.... ؟
نظر بدر لوجه ياسين الذي تركت عليه فطيمة بصمتها الخاصة ثم زفر بحنق وهو يقول لياسين
_معلش يا ياسين تعيش وتاخد غيرها...
ابتسم ياسين قائلا وهو ينظر لفطيمة
_فداك يا بدر باشا...
هتفت فطيمة معترضة بغيظ
_ايه الي بتقوله ده يا بدر..دا ضربني.. ؟
صرخ بها بدر متفهمًا الأمر
_بتستهبلي يا فطيمة مش شايفه وشه.... هو أنا تايه عنك...
شلفطتي خلقته وجاية تقولي ضربني.
ابتسم ياسين ليُغيظها وتابع بفخر
_الحكومة فخدمة الشعب...
هتفت فطيمة وهي تضرب قدميها في الأرض
_شايف ايه.... لو حد غير ياسين كنت صدقتك لكن أنا عارف ياسين كويس..
هتفت مستنكرة بإزدراء لا تخفيه
_تعرف ده..؟
هتف ياسين وهو يبتسم
_هحكيلك واحكم أنت...
اعترضت فطيمة وهي تقف قباله في تحدي
_لا أنا الي احكي...
نادى بدر على صديق ياسين قائلا بتعب
_هاتلي يا بني كرسي وكوباية شاي...
كان يعلم أن الأمر سيطول... فطيمة لن تترك الأمر فجلس بهدوء يستمع لكليهما في صبر وهو يرتشف شايه ببرود...
وهما يحكيان ويحتدان ويتراشقان بالكلمات والسُباب الخافت أحياناً، بعد مدة طويلة تمطأ بدر وهو يتثائب
_خلصتوا أقوم اروح...
نظرا لبعضهما ياسين ضاحكاً وفطيمة مستنكرة حانقة.. نظر بدر للمبنى بإعجاب ثم هتف
_مين الي صمم البتاع ده..؟
هتف ياسين بفخر
_أنا يا باشا...
ربت بدر على كتفه
_جدع يا ياسين...
صرخت فطيمة مستنكرة في غضب
_انت المهندس الشريك الرابع..
هز ياسين رأسه...
قطع بدر الحديث قائلا
_انتو شركا اهو استهدوا بالله وطلعوا الشيطان... ثم أمر فطيمة
_اعتذريله
نظرت بحدة لبدر معترضة بتشبث
_بدر...
أمر بدر بثبات وحِدة وقد تخلى عن مرحه
_اعتذري يا فطيمة...
هتف ياسين مستغلاً الأمر
_والله يا باشا ما لمستها..
نظر له بدر يقول بتصديق به لمحة من إعجاب
_عارف يا ياسين وواثق فيك.
هدرت فطيمة بعنف وهي تنظر لبدر غير مستوعبة
_بتنصره عليا يا بدر..
صرخ بها بدر في جدية
_اعتذري يا فطيمة
عقدت فطيمة ساعديها وقالت بنبرة باكية مستسلمة
_أنا آسفة...
فغر ياسين فمه بإندهاش وهو يتأمل تلك العنيدة التي اطاعت أخيها بإستسلام..
غادر بدر وتركهما كل واحد منهما في جهة يعملان بدأب وحماس ليفتتحا مشروعهما المشترك...
وفي نهاية اليوم وعند حلول المساء وقفت فطيمة تُعدل من ملابسها استعداداً للرحيل...
كان ياسين يتقدم هو صديقه وحين وصل لمكان وقوفها وراقب ملامحها الحزينة منذ ماحدث.... وسكونها....
همس خلف ظهرها بينما يسير ببط
_وأنا بردو أسف..
نظرت خلفها بسرعة حين وصلها ذلك الهمس الخافت... كان قد ابتعد متجاوزًا لها بضع خطوات هو وصديقه.. وقفت تُشيعه حائرة. ربما كان همساً خيالياً... وقبل أن تستدير كان هو يستدير ناظرًا إليها يرسل إليها غمزة
_أنه هو ولم تتخيل...
وأدت ابتسامة مجنونة كادت تقفز على شفتيها.. وحافظت على عبوس وجهها وغضبها واستدارت تُكمل هي وصديقتها ما تفعلان..
___________
وقفت أمام ماكينة التصوير تحاول التعلم بصبر... كابدت كثيرًا حتى عثرت على ذاك العمل، رغم أنها لن تجني إلا القليل إلا أنه سيكفيها مر  الاحتياج...
ثبت الاستاذ أحمد عويناته وهو يشرح بصبر
_خلي بالك يا آنسة نجوى...
ابتسمت برزانة وتابعت بهدوء ما يقوله وكلها منتبه...
ما بال الشقاء بات مقروناً بإسمها.. يتهادى بين أروقة قلبها... تنهت بحسرة على ما آل إليه حالها... وجلست تنتظر باقي تعليمات الأستاذ أحمد صاحب المكتبة...
******************
ساقته قدماه حيث التجمع الشهري لهم والذي دائما ما يتنصل منه ويتحجج بالعمل ولا يحضره... رن جرس الباب منتظرًا أن يغرق بأثقاله وسط محبتهم..، ينغمس فيها وينسى ما يعانيه من تخبط...
اتسعت ابتسامة سيف حين فتح الباب ورآه، بادله أدهم الأبتسامة، دائما ما كان سيف متفهماً طيب القلب عكسه تماماً.... ادخله سيف بعد أن احتضنه باخوية...
_اتفضل....
نظرة واحدة للموجودين أمامه جعلته يدرك أنه غاب كثيراً وفاته الكثير حتى أضحى وجوده معهم شىء غريب يثير التساؤل... ابتلع غصة في حلقة ودخل متراخي العينين... يكتم مشاعره...
توقفت أنفاس الجميع بإنتظار حين علىّ صوتها يخبرهم بثقة
_جهزتلكم بقى المخروطة على طريقة رقية..
التقت الأعين في حديث صامت للجميع، صاخب لكليهما فقط، متأرجح بين الغضب والاشتياق....نظرا لبعضها وكأن المكان خلا من الجميع عداهما.... تصاعدت أبخرة الذكريات وشكلت كل الصور حتى وصلا لصورة كللها الفراق
ضم أدهم شفتيه بحزن وإنقباض مع صمت الجميع، وتراجع خطوة منسحباً يقول بخفوت
_هاجي فوقت تاني...
استوقفه صوت سيف مبتسماً يسأله
_مش عايز تشوف حد...؟
ابتلعت رقية ريقها ونظرت لابنها الذي تعلق برقبة سيف،
القى أدهم رفضا عنيف حين أمسك بالباب
همس سيف في أذن الصغير فانطلق الصغير يهتف بحيوية
_بابا.....
اهتز جسد أدهم وضج قلبه بالمشاعر، صخب الشغف كان يدوي بأذنيه.... استدار ببطء لاهياً عن الدنيا... ينظر للصغير نظرة كاملة مشتاقة..
لما يمهله سيف ودفع الصغير إليه دفعاً،...
تساقطت دموع رقية متحسرة ما كانت تتمنى ذلك، أقصى أمانيها كانت حياة دافئة مفعمة بالمشاعر. .عائلة صغيرة يغمرها الحب.. لكنها الآن هي وأدهم يصارعان في حلبة الانتقام، يتقاتلان بشراسة والنصر لمن يؤلم الأخر أكثر... لم تعد تحتمل انسحبت للشرفة تسلب الهواء دافعة الإختناق بعيدًا..
خلع أدهم ثوب الجمود وتخلى عن غروره.. احتضن الصغير بقوة متأوهاً ببط، ينثر القبلات على وجهه بإشتياق أدمع له البعض...
أصدر الصغير زعراً لما يحدث، فربت سيف على كتف أدهم قائلا
_حمدالله على سلامة آسر....
سحب آدهم ونفسه من ركام مشاعره وزحام أشواقه وقال ناظراً لسيف بإمتنان
_الله يسلمك..
اندفعت إيمان تُهني أخيها بجمود،... وكذلك عمرو وهنا...
نظر أدهم لياسين الذي بات ابتلاع ريقه ظاهراً...
ضيّق أدهم عينيه قائلا موجها حديثه لياسين المنتظر برعب
_ابن واحد حمار مش كده...؟
ابتسم ياسين بإرتجاف وقال محاولا التخفيف
_مش قوي يعني...؟
ترك أدهم الصغير بعد أن طبع قبلة على جبينه ونظر لسيف بمغزى فهز سيف رأسه بتفهم...
مشى أدهم ببطء ناحية ياسين بينما ظل يتراجع ياسين رافعاً رأسه مُطلقاً مبررات متتالية
_أنا.. مكنتش عايز اضايقك...؟ رقية... قالتلي متقولش... اهو واحد مننا كان مطمن وخلاص... ؟
كور أدهم قبضتيه مستعدًا وحدق في ياسين مرسلا توعد يليق بحجم ما خبأئه...
تمتم ياسين مستسلماً
_أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله...
ركض أدهم خلف ياسين الذي ظل يقفز من هنا لهناك... يهتف بكلمات غير مفهومة من فرط تنفسه... ولهاثه العنيف...
ركض آسر وياسين الصغير فرحين ظناً أنها لعبة وظلا يهللان... دخل ياسين الشرفة وتبعه أدهم... حاول الإمساك بياسين لكنه أختبأ خلف رقية، تجاهلها أدهم... ولم يلتفت لهمسها
_خلاص يا أدهم....
التقت العينان في حديث صامت جعل أدهم يغرق فيه ويغفل عن ياسين
انسحب ياسين وتركهما هي واقعة بين أحضانه والحائط ولاتدري بأيهما تمسك...
مر على ملامحها بدقة، يرسمها داخل صفحات قلبه يسلب عطر أنفاسها بإستغاثة مريض وهي دوائه،غامت عيناه بشوق لم يقدر على إخفائه فقد سلبه قربهما كل قوة وكل عناد..، تسللت كفيه تعتنق خصرها فارتجفت ورفعت نظراتها إليه في استنجاد غير منطوق، بهتت أكثر حين رأت نظرات أدهم القديمة التي عشقتها يومًا نظرات يخصها بها وحدها يحمل هو تفسيرها ويضن عليها بها.. لمحت خيط من رجاء يمر عبر تلك النظرات فتحيرت أكثر... سخونة أنفاسه ضربت صفحة وجهها فأفاقت تقول بزمجرة غضب
_ابعد يا أدهم...
لم يعد يتحمل ذلك الجمود والقيوة وهو الذي اشتاق حد الوجع وجودها أمامه بكل تلك الفتنة يأجج نيران شوقه ورغبته...
صرخت بعنف وقد عاودتها كل ذكرياته المؤلمة
_أدهم..
انتفض مبتعدًا يغمض عينيه مبتلعًا خيبته... محاولا التماسك حتى لا يظهر بكل ذلك الضعف...
نظرت إليه بعلوّ هامسة بفحيح
_متقربليش...
اشاح يلتقط عدة أنفاس، فأنسحبت هي بإندفاع غاضب... أمسكت بحقيبتها.. صرخت على طفلها.. امسكته وغادرت به...
دخل إليه  سيف يسأله بذهول من غضبها
_حصل إيه يا أدهم؟
أجلى أدهم صوته الغائب في إنفعالات مشاعره وقال بشىء من توسل لياسين الذي لحق بسيف
_روح وصلها يا ياسين متسيبهاش تروّح لوحدها هي وآسر
بعدها أبدل أدهم الحوار بإبتسامة وحده من يعرف تفسيرها
_في مخروطة...؟
_______________
مرت مرحلة الخطر بسلام وتم نقله لحجرة عادية، دخلوا مهللين... يتهافتون عليه... والدته تحتضنه بشوق ووالده يحمد الله سرًا وجهرًا... بينما كانت هي تنزوي في ركن بعيد تتأمل سكونه وصمته بألم ذلك الذي عهدته جامحًا... ثائرًا...
انصرف بعدها الجميع مطمئنين... بينما بقيت معه هي... لتساعده بعدما أصرت على ذلك، شفقة بزوجة عمها الشاحبة وأعمامها خائري القوى...
أقتربت منه تقول بنبرة دافئة يتهدل منها الحزن
_حمدالله على سلامتك...
لاحظت اهتزاز جسده ردًا على كلماتها، فتراجعت قليلًا في وجل لكن عيناها لم تتخلى عن احتضان جسده... يوخزها قلبها بشدة عليه وعلى حاله..بعدها بقيت معه هي وحدها تجاهد عنفه وتسيطر على غضبه بصبرها 
جلست أمامه تطعمه الزبادي وقد تحلّت بصبر عظيم لمقاومة عنفه ونفوره...قدمت معلقتها منتظره أن يتلقفها لكنه أبىّ فزاد إصرارها... وحسته بصوتها الناعم
_لازم تأكل علشان الدوا..
فتح فمه بإقتضاب وعزة نفسه تمنعه التمتع بعطاياه من خدمته وتحملها ذلك...
انحدرت كفها مع تحركه وتململه فلطّخ الزبادي فمه... شهقت في   ضيق..سارعت بجذب محرمة ورقية وقربتها تمسح فمه.. فأصابها غضبه وهاجمها إعصاره... دفع كفها ومن ثم دفع الطاولة التي أمامه بتخبط... اندفعت علبة الزبادي وضربت وجهها فتلطخ... انتفضت من ثورته وتماسكت تقول بينما تسيطر على نفسها بقوة
_ماسك زبادي.... كنت محتجاله....
شاهدت سكونه ودهشته قالت مبتلعة دموعها... في مرح مصطنع
_ناقصني خيار... ويبقى ماسك تمام... نفض الغطاء بقوة ويأس، غير قادرًا على زلزلة ثباتها أو مضايقتها ببعض كلمات متسارعة مندفعة... شعر بالعجز فتمدد بإستكانه...
ذهبت هي للحمام تغسل وجهها... إنهار تماسكها وانفجرت في بكاء صارخ... وصل لأذنه فتألم له... ما عاد يحتمل شفقتها ولا يحتمل مساعدتها ولا ظلمه لها... ماعاد يحتمل فكرة كونه سيظل حبيس غرفة بجدران سوداء لا يسمع فيها سوى صوت خادمته المطيعة التي أحضرها له والده ووصاها به....... ود لو يصرخ مثلها لكنه مكبل غارق في أفكاره ولا خلاص... ضغط الزر فجاءت الممرضة... جاء سؤالها فخرج توسله
_عايز منوم...
قطبت مستنكرة فألح برجاء
_عايز منوم... خلي الدكتور يكتبلي منوم
هدأته قائلة بعملية
_حاضر هبلغ الدكتور...
خرجت هي على أثر إستغاثته حين خرجت الممرضة
_شايفه مالوش لزمة المنوم طالما أنت كويس... كده ممكن تتعود عليه..
نهرها مفرغًا إنتقامه بها
_مالكيش دعوة.... إنتِ دكتورة... ؟
ابتلعت مرارتها وجلست تقول بإختناق
_لا.. براحتك....
ضميره يضرب طبول الحرب عليه... يوخزه ويؤنبه فيتأوه ويئن وجعًا.... فيسكنه برجاء... يريدها أن تتعب وتبعد ولا تعاني... أن تفر متنصلة من مسئوليتها تجاهه... لكنه ينحت في صخر.. يتعب ولا تتعب ييأس ولا تيأس.
يرفضها وهي لا تكل ولا تمل.. تطيع بصبر وتتقبل بإستكانه.. حين يتحرك ترفرف حوله في لهفة.. متلهفة لأي نداء مساعده... تتلمس جبينه بغتتة فينتفض ويحفر الألم أخاديد على وجهه... يرفضها.. فتتقبل وتبتعد وبعدها تعود وقد شحذت همتها... تمسك كفه في مؤازرة لا يحتاجها لكنها تفعل... وحين تنهي الممرضة عملها تربت بحنان على كفه... تُطيب ألمه... تمسح بمسك روحها قلبه...يشعر بها تدثره بعطف... يأتي الطعام فيزمجر رافضًا مساعدتها... لكنها تقدمه عنوة... تضعه أمام شفتيه بصبر راكله صياحه وعنفه وغضبه.. فيلتقطه مرغماً وقد يأس هو أن تكف.... تزيد عذابه لا تنهيه...
هتف يقول لوالده بإصرار
_خد بت عمي معاك يا بوي...
نظرت لعمها الذي نظر لها على الفور... اهتزت نظراتها وسكنها الفزع... هزت رأسها وكأنها تنفي تهمة ألصقت بها.. فعاد نعيم بوجهه يسأل رحيم
_ليه يا ولدي... ؟
_مش محتاج حد..؟
قالها بحدة جعلت نيرمين تنكمش برهبة... اعترض والده بشىء من عطف
_ليه يا ولدي... بت عمك واخده بالها منك.... ووقت ما تحتاجها هتلاقيها جنبك...
هزت رأسها تؤكد لعمها أنها ستفعل.. لكن غضب رحيم وصل لأقصاه وتمادى
_مش محتاجها ولا هحتاجها....الممرضات واخدين بالهم مني ومن شغلهم...
عاجله والده برفض مفعم باللين والشفقه
_لا دوول أغراب أنما دي مرتك....
تقبضت يد رحيم بعنف، صدرت من فمه زمجرة أجفلت والده... صرخ رحيم بإنفلات وهو يضرب بكفه على الفراش
_مش عايزها....
انسكبت دموعها على وجهها المقهور تتراجع خطوات في ألم تضم كفيها لصدرها، تخشى أن يصيب قلبها سهامه السامة....
هدائه والده وهو ينظر لها بحزن بالغ
_حاضر يا ولدي....
وانسحب الوالد في خزي من أفعال رحيم، خرج ليجدها على كرسي بجانب الحجرة تضم جسدها من أعاصيرهم... جلس جانبها فعاجلته بنظرة قاتلة وهمس مرتجف
_والله يا عمي ما عملت حاجه...
مسح عمها على ظهرها وهو يغتصب من بين أوجاعه ابتسامه حانية يقول برفق
_عارف يا بتي معلهش استحملي... هو عاجز...
دفنت وجهها بين كفيها تطيع بلا نقاش
_حاضر يا عمي....
رفعت رأسها تمسح دموعها ثم قالت بتأكيد وهي تشير لفمها
_هفضل معاه.. مش هتكلم ومش هخليه يسمع صوتي...
أومأ العم بتفهم وربت على ظهرها من جديد وهو يشعر أنه يُثقل عليها..
دخل مرة أخرى لرحيم قائلا
_خلاص يا ولدي هاخدها معاي...
سرى الرضا في أوردته وتمدد على فراشه لينعم بالراحة التي لن ينالها.
في الصباح نهضت كعادتها باكرًا ورفرفت حوله تطمئن عليه شعر بها  فتنهد بقلة حيلة. لقد خدعه والده وأخبره أنها ستذهب لكنها موجودة يشم رائحتها الخاصة حوله...  شعر بعجزه في تلك اللحظة... هتف بحزن وإستسلام
_ممشتيش ليه... ؟
وقفت متصلبة ترمش مستوعبة كلماته ومفاجآته.. عاد يهمس مجددا بحرقة
_فاكره علشان أعمى مش هعرف...
ابتسم ساخرًا وأردف بوجع
_أنتِ عايزه تثبتي إيه بالضبط...
صمت طويل قطعته شاعرة إنه آتى وقت البوح.... تقدمت بهدوء وجلست جانبه تقول بنبرة كسيرة
_مش عايزه حاجه... ولا أثبت حاجه يا رحيم...
شعر برفرفة الفراشات داخل معدته حين نطقت اسمه بذلك الشكل المهلك.... شعر بأنفاسها تقترب وهمسها بدأ يختلط بأنفاسه.. عطرها يغزو أنفه بقوة... يبدو أنها أقتربت كثيرا وباتت تواجهه...
همست مجددًا... بوجع نابع من داخلها
_اعتبرني ممرضة يا رحيم...
من قال لها تنطق اسمه وتعيده مرات ومرات... زم شفتيه وهو يهمس مستفهمًا
_بترضي عمك..؟
ابتسمت تقول بهدوء فلاول مرة يتحدث معها ويستفسر دون غضب
_عمي تعبان وتعب أكتر لما عملت الحادثة....
تابعت بقلب يئن شفقة
_حسيته كبر وشاخ بدري.... ومرات عمي مش حِمل سهر... ومش هتستحمل تبعد عنك وتكون مطمنه... وجودي هنا معاك مطمنهم... لازم أقعد لغاية ما ترجع بالسلامة..
قال سؤاله غير المتوقع
_وأنتِ عايزه ايه...؟
ابتسمت ساخرة من السؤال.. فمنذ متى كانت لها حرية الإختيار.. دائما مرغمة مجبرة... وعليها القبول بصمت وإن كانت تنازع... نظرت إليه طويلا.. لكن تلك المره هي اختارت أن تكون بقربه أقرب إليه من اي أحد.. ربما تكفيرًا عن ذنب لم تقترفه بحقه...
تقبضت ملامحه بألم وقد ظن أنها مُرغمة لكنها سارعت قائلة تطرد عن ملامحه أي حزن
_أنا عايزه أكون هنا....
قالتها بخفوت وكأنها تهمس بقصيدة حب. همس دافىء هبط على قلبه المشتعل كالنسمات الرقيقة المنعشة...
قالت بتوسل حار
_صدقني مش هضايقك.... أنا هنا علشان راحتك وبس...
تجولت كفه على الغطاء رغبة في سحبه... فتقدمت متلهفة للمساعدة.. مدركة أن الحديث انتهى اشتبكت الأيدي في صمت، برودة تشع سحرًا ودفء يشع خوفًا وتراجع... سحب كفه وقد استشعرت ضيقه عبر انقباض ملامحه... غطته وأمّنت جسده الوان من البرد وجلست بعدها منتظرة...
مر وقت طويل ولم تعرف إن كان نام أوظل مستيقظًا تهاجمه الأفكار بشراسة مثلها....
طرقت الممرضة ودخلت بوجبة خفيفة وقالت بعملية
_خليه يأكل ولو حاجه بسيطة..
نظرت نيرمين بطرف عينيها له منتظرة رد فعل قد يجعلها تطلب من الممرضة أن تحاول هي.. لكنه كان صامت وساكن متقبل الأمر...
غزت أنفه رائحة الخوخ فأيقن أنها قريبة جدًا منه، همست برجاء يحفه الإرتباك
_ ساعدني
ثم قالت وهي تنحني تُعدّل من وضع وسادته
_هرفع السرير شوية...
همسه كان صدمة عنيفة لكنها مفرحة.. أخيراً تخلى عن جموده المقلق..
_مش عايز أكل...
ابتسمت تقول بحماس
_هتاكل علشان عايزه احكيلك حاجه مهمة..
حرك رأسه للجهة الأخرى وفمه يلتوي بإبتسامة ساخرة طعنتها.. لكنها أقتربت ورغم ارتعاشتها التي استشعرها عبر جسده ساعدها. ورحمة بها وبه من ذلك التخبط والمشاعر الكثيرة الثائرة.. ساعدها واعتدل قليلًا يصدر تأوه متألم جعلها تهمس بأسف
_آسفه...
اعتدل رُحمة بها هي من تلك المشاعر التي جعلت أنفها تُحمر بشدة خجلًا...قرّبت الطاولة وبدأت في إطعامه... همست بإبتسامة رغم الألم الساكن مقلتيها
_حفصة جات...
توقف فمه عن البلع وتصلب جسده، قربت قطعة الفاكهة من فمه متابعة في إسترسال
_كانت بتعيط أوي... جات كتير وكان نفسها تشوفك...
اعتصر الألم محياه الهادى... واندهش مما تقوله.. فتابعت تزيح عنه ثقل السؤال..
_وعدتها لو فوقت هقولك....
كاذبة لم تعدها، ولم تتقبلها حفصة من الأساس،... اشفقت عليه من حيرته وأردفت...
_أنا عارفه إني حِمل تقيل عليك...، مسحت دمعة هاربة من عينيه وتابعت بحسرة  وإنكسار
_بس صدقني أنا ماليش ذنب... صمتت قليلا تشحذ همتها ثم تابعت
_أنا بردوا اتجبرت زيك.. وليا حياتي ودراستي الي اتحرمت منها... ونفسي ارجع لحياتي ولجدي...
انهمرت دموعها بسرعة موجعة  تلك هي الحقيقة الكاذبة، ماذا إن عادت لجدها هل تستقيم الحياه..؟ هل ستمحي خمس سنوات من عمرها وهل ستعود حياتها كما السابق وتلتئم الجراح..؟
تابعت نافية  عن عمها كل سىء
_عمي بس كان عايز يعوضني عن غيابه عني وفكر لما يرجعني ويجوزني منك بيكفر عن غلطه فحقي وإنه سابني...
مسحت دموعها وتابعت بثقة
_أول ما تقوم بالسلامة أنا هقول لعمي أني عايزة امشي...
انتحبت وتعالى صوت نشيجها يخترق قلبه..، ومن بين المها همست بأسف
_أنا آسفه مش قصدي أأذي حد.... أنا بردو اتأذيت..
كان صامت يستمع بصبر لما تقوله نبرتها الصادقة كانت تخترق قلبه وتدك حصونه...... براءتها تخبره كم كان قاسيًا معها.... هل أوجعوها لهذا الحد..؟
مد كفه يبحث عن كفها حتى عثر عليها تشبث بها وجذبها.. توقفت عن النحيب مرتجفة تتابع ما يفعله بها وإجابته الممثله في أفعال.... قرّب كفها الحاملة لقطعة الفاكهة وقربها من فمه... لامست أناملها شفتاه فارتجف هو تلك المرة وذاب جليده أكثر وأكثر...
همس وهو يبعد الطاولة
_كفاية... الدواء
ضغطت زر بجانبها فحضرت الممرضة أعطته الدواء ورحلت..
عاد يهمس بخفوت واهن
_في مكان سرير بتنامي  عليه...؟
همست وهي تجلس على الفراش المجاور وقد ادهشها اهتمامه للمرة الأولى
_ايوه....
عاد يهمس من جديد وهو يتململ في جلسته وقد شعر بالتعب
_ساعديني أنام...
انتفضت بحماس وأقتربت منه ساعدته حتى اعتدل في نومته... أعطاها ظهره يهمس بقلب مهموم
_تصبحي على خير....
_وأنت بخير
همستها وعادت للفراش تتقلب عليه بإرهاق.... حتى نامت أخيراً
___________
حذرها قائلا بتهديد واضح
_فطيمة تحترمي نفسك وبلاش مقالب وشغل هبل... جهاد دماغها زفت وبتفهم بالعكس وأنا مش ناقص..وجودها هنا مهم....
هتفت فطيمة قائلة بخبث
_مهم لمين بالضبط يا بدر... ؟
ارتبك وبان على ملامحه التخبط ليقول بعدها بغيظ
_فطيمة مش ناقصك...
استدارت تقول وهي تعقد ذراعيها
_مقدمتش السبت علشان تلاقي باقي الأسبوع
احتج بدر وامسكها من ذراعيها يديرها قائلا وقد فهم مقصدها
_بلاش دور البريئة ده علشان الواد اتشلفط.. .
ضحكت فطيمة بإستمتاع ليقول بدر بحنق
_ياسين طلع اصلا محترم ومكسرّش رأسك... أنا لو مكانه كنت عملتلك محضر..
ضحكت فطيمة  ترمش بعينيها لتغيظه
_على فكرة دا اعتذرلي...
ضرب بدر كفًا بكف يقول محبطًا
_والله ابن ناس....
عادت تسأل بفضول وهي تتعلق برقبته
_بدر تعرفه منين..؟
ابعد ذراعيها قائلا من بين أسنانه في نفاذ صبر
_مش وقته.... اخلصي مش عايز جهاد تحس غير مرغوب فوجودها...
رفعت حواجبها تقول بينما تطالع ملامحه العاشقة
_غير مرغوب ايه.. وفي واحد هيموت عليها هنا...
اتسعت عينا بدر ونهرها بضيق
_فطيمة....
لوت فمها متهكمة
_خلاص.... عيني فيه وأقول أخيه....
خرج بدر وهو يقول بخفوت وهو يتذكر ياسين وتعليقاته
_ما جمع إلا ووفق....
تبعته فطيمة ترحب بجهاد..وابنها
_______________
هتفت فطيمة وهي تجلس متربعه على الآريكة
_هعرفك على أخواتي.... ولا تعرفيهم..؟
ارتبكت جهاد ونظرت لبدر بإستنجاد خفي لكنه أشاح بعيدًا بإحباط.. عادت جهاد بنظراتها لفطيمة تهز رأسها قائلة
_لا....
نهضت فطيمة تقول بحماس
_طيب استني...
مسح بدر وجهه وداخله يفور قلقًا من فطيمة، مسح جبهته وبدأ منتظرًا فطيمة ومفاجآتها...حين رآها قادمة تركض والالبوم الخاص بهم بين يديهها هتف
_استر يارب.... يا منجي نجي...
نظرت له جهاد متفهمة لكنه ابتسم لها ونهض قائلا بإستعجال كاذب
_هروح أنا أشوف شوية شغل..
ركض للخارج غير عابىء بنداء فطيمة، أما جهاد فابتسمت بخبث وقد علمت حين رأت الألبوم سر نهوض بدر المفاجىء
جلست فطيمة وفتحت الألبوم وكانت أولى الصور للطيفة..
حين أبصرتها جهاد هتفت بإنبهار
_دي تشبه بدر خالص...
نظرت فطيمة لجهاد تهز رأسها مكملة
_مش بس كده... دي سره... وحبيبته... هما الاتنين واحد بيفهموا بعض جدا كمان...
قطبت جهاد متحيرة يتسلل إليها شعور بغيض لا تعرفه، أعادت النظر لصورة لطيفة مجددًا...
غيرت فطيمة لتظهر صورة رحيمة.. ابتسمت فطيمة وقالت بحماس
_دي توأمتي رحيمة...
شعرت جهاد بمدى التواصل والحب بينهم.. نظرات فطيمة لأخوتها كانت مليئة بالحب والحنان، شىء دافىء يتسرب لمساماتها... حين ترى ابتسامة فطيمة وانبهارها بما حققوه معاً..
اكملت فطيمة واشارت لصورة
جميلة... حبيبة التوأمتان خريجي طب النساء والأسنان.... كانتا جميلتان جدا يشبهان بدر في ضحكته ومرحة وانطلاقه...
ما بين التعريف بالعائلة كانت صور بدر الطريفةمع إخوته... كانت جهاد تضحك بإنطلاق وهي تستمتع بمشاهدة صوره المضحكة.... صور أخرى له بالجامعة كان وسيمًا لا تنكر، جذًابا... حلو المعشر... باسم الوجه بهي الطلة.... يثور للخير ويتصدى للشر لا يوقفه شىء... عادت من تلاطم خواطرها على هتافه المستاء
_خلصتوا تقطيع فينا... ؟
كتمت جهاد ضحكتها وأشاحت بعيدًا بينما فطيمة نهضت تقول لتغيظة
_خلصنا يا بدر... قولت بما إن جهاد هتقعد معانا لازم تعرفنا....
هتف بدر ساخرًا وهو يضع كفوفه في جيوب بنطاله
_قصدك لازم نتفضح...
لامته فطيمة وهي تنظر لجهاد قائلة
_اخص عليك يا بدر... حتى اسأل جهاد..
حينها تذكرت جهاد أحدى صوره انفجرت ضاحكة ولم تتحكم في نفسها... وقف بدر مأخوذًا بتلك الضحكة التي صدر صداها بقلبه المغرم... تلك الضحكة التي أعادت له الكثير من الذكريات المدفونة....
اعتذرت جهاد وهي تحاول السيطرة على ضحكاتها
_آسفه بجد....
كتمت فطيمة ضحكتها وانسحبت متعللة بتجهيز الغداء وتفقد كريم...همس بدر وهو ينظر للأعلى بغيظ
_واضح يا فطيمة...
لكن داخله ممتن لتلك الصور... مدين لها بضحكة خطفت قلبة لم يرها منذ زمن... ضحكة خلت لياليه المظلمة منها ...
كلما نظرت له جهاد كانت تكتم ضحكاتها فاضطرت للنهوض والاعتذار
_هروح أساعد فطيمة بعد أذنك...
هز بدر رأسه وجلس يتفحص الألبوم ليرى ما الذي جعلها تضحك هكذا... بين كل  صفحة وأخرى كان يهتف بإنزعاج
_الله يخرب بيتك يا فطيمه...
_________________
سأل أدهم وهو يستريح على حافة مكتبها
_الأستاذة فين..؟
بهتت ملامحه وجف حلقه حين أخبرته السكرتيرة
_خدت مصور وصحفي وراحت تغطي المظاهرة  الي في الميدان...
انتفض أدهم صارخًا بصدمة وعدم تصديق
_نعم... إيه الجنان ده... ؟
حركت السكرتيرة رأسها وهي تلوي شفتيها في ذهول، لكن أدهم ثار بغضب من تهورها وإندفاعها... ركض يسابق خطواته بقلب متلهف خائف.، سيحطم رأسها حتمًا.. ما الذي تفعله به أتظن حياتها ملكًا لها وحدها... خرج من المبنى شياطين تلاحقه، قلبه يضرب بعنف وقسوة وعقله يصور له ألآف من الصور البشعة وما قد تتعرض له... صعد سيارته وساقها على أقصى سرعة ممكنة يضرب المقوّد بغضب مجنون..
ترجل من سيارته وسار يبحث عنها بنظرات يهزها القلق.. ماذا لو حدث لها مكروه..؟ مسح جبهته وقد ضاقت أمامه الدنيا حين لما يجدها في محيط نظره... امسك الهاتف محاولا الاتصال بها... لعن تهورها وعنادها حين ضرب سمعه صوت إنغلاق هاتفها...
سار بضع خطوات مقتحمًا الجموع يبحث بين الوجوه بإهتمام وفزع حتى وجدها مُلقاه على الأرض... حجابها مُلقى جانبها وخصلاتها تتبعثر حولها... المصوّر يحاول مساعدتها لكنها منهكة خائرة القوى..
صرخ بإسمها واندفع ناحيتها بقلق... ما إن وصل إليها حتى جذبها  لأحضانه يسألها بقلق واضع
_إنتِ كويسه...
هزت رأسها بإرهاق وهمست بتوسل وهي تنظر لحجابها
_حجابي يا أدهم...
جذبه ومازال يضمها إلى صدره حاميًا لها من عبث المارين والمندفعين...لحظة غير عادية سرقاها من الزمن وتجردا فيها من كل شىء يبعدهما إلا رابط مقدس اسمه العشق... تطلعت له بتشوش وقد شعرت بالأمان والراحة لرؤيته....نظراته القلقه المرتبكة ذكّرتها بتلك اللحظة التي اجتمعا فيها ليلتحما ويكونا شيئًا واحد... ذلك الخوف يذكرها يوم أنقذها من براثن صديق أخيها لتكون له لا لغيره
كانت مستسلمة تتشبث به بخوف، ضمها لصدره بقوة وهو يسألها وقد داهمته كل الذكريات مثلها... وتصدعت قشرة جفائه ولا مبالاته.. ظهر عشقه لها وخوفه عليها برىء من كل خبث.. طاهرًا من كل دنس...
_بجد كويسه....؟
هزت رأسها دون كلام وجسدها الضعيف يخذلها ولا تقوى على الإبتعاد أو تعنيفه.... شعر بثقل جسدها فعاد ينظر إليها، وجدها فقدت الوعي...
حملها بين ذراعيه وركض بها ناحية سيارته وهو يلعنها ويلعن حظه  الذي أوقعه بها....تدفع نفسهًا للهلاك دفعًا ولاتقدر على المقاومة حين تنغرس بأوحاله... أراحها على الكرسي الخلفي وانطلق بها للمنزل.... والذي لم يكن إلا منزله..
___________________________
تسألت ببكاء صامت وهي تجلس قُرب والدها
_أحنا مش هنروح نطمن على رحيم.. ؟
نظر إليها بطرف عينيه ثم نظر لوالدتها التي مصمصت حزنًا.. ،التفتت إليهما حفصة تسأل بقلق وهي تمسح دموعها المتساقطة
_في إيه رحيم حصله حاچه..؟
أسرعت أنامل والدها على مسبحته تلتهم حباتها وهو يصارع الحقيقة داخله شفقة على ابنته الوحيدة... انتفضت حفصة تقول  بإصرار
_عايزه اطمن على رحيم يا أبوي... لازم أشوفه...
بكت والدتها بحرقة فانقبض قلب حفصة وجلست تحت ساقي والدتها تتوسلها بإرتجاف
_في إيه...؟ هتموتوني ليه من القلق.. ؟
سارعت والدتها بلهفة
_بعيد الشر عنك.... يا بتي....
صرخت بها حفصة وقد نفذ صبرها
_رحيم م....
قبل أن تنطقها وتنهار جالسة أرضًا في حزن.. كان والدها يُخبرها بأسف
_رحيم فاق وكويس بس...
نظرت إليه حفصة وقد التقطت نفسًا يغمرها بالراحة وهدأت ثورة قلبها...
_بس إيه... كمل يا بوي..؟
كان توسلها حار جعله يقول وهو يشيح برأسه
_رحيم ممكن ميشوفش تاني يا حفصة..
ضربت حفصة لكفيها على وجهها صدمة، ثم هتفت وهي تطبع قبلة على يد والدها
_خليني أشوفه يا بوي.. مره واحده...
نظر إليها والدها بإشفاق ثم أشاح قائلًا بغصة
_مينفعش يا حفصة.. روحتي مره.. كفاية...
شخصت تتسائل بإنتفاضة قلب مجروح
_ليه يا بوي...
هتفت والدتها بصمود
_مرواحك مبقاش ينفع يا حفصة... رحيم دلوقت متجوز..
ضربتها الكلمة في مقتل وأفاقتها من غيبوبتها الإرادية غشت رؤيتها بنور الحقيقة... جلست تنتحب في توسل خافت متألم
_طيب اشوفه مره واحده بس... اطمن عليه وبعدها مش هروح تاني..
نهرها والدها وقد شعر بالذنب لأجلها لكنه لن يتحمل ما يؤذي كرامتها وينقص من قدرها..
_كفاية يا حفصة خُلص الكلام...
انكمشت حفصة على نفسها تحتضن ساقيها المضمومتين وهي تهمس بوجع
_مقدرش مشفهوش يا أبوي...
رحل والدها وتركها لوالدتها... التي اقتربت منها تضمها إليها هاتفة بمؤازرة
_اهدي يا حفصة.. أبوكي عنده حق يا بتي... مرت رحيم عنده ولو روحتي مش زينة عشانك...
رفعت نظراتها الدامعة تقول بشفاه مرتعشة
_بس دِه رحيم يا أما... رحيم
ضمت والدتها رأسها لصدرها تهوّن عليها قائلة
_فدر يا بتي...
همست بقلب دامي مفطور
_جنبي ومشفهوش.. مطمنش عليه...؟
ربتت عليها والدتها قائلة بألم
_مبفاش ينفع يا حفصة...
دفنت حفصة وجهها بين طيات ملابس والدتها تبكي بحرقة قلب معذب بالهوى يضن عليه الزمان برؤية حبيبه...

أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن