٥٠

3.7K 132 23
                                    

الفصل الخمسون
ظلت تطرق الباب بعنف وصرخاتها المستغيثة بياسين  لا تتوقف... بينما ظل ياسين مكانه عاجزًا لا يملك إلا أن يهتف لها مُطمئنًا_متخافيش يا فطيمة.. أنا جنبك..
جسدها المرتعشة خانها ولم تعد تقوى على الطرق، حاولت الجلوس والراحة لكن أنفاسها اللاهثة برعب وخوفها منعها من ذلك، دارت حول نفسها تستمد أنفاسًا بدأت تغيب عنها.... بينما جسدها بدأ في الإسترخاء رويدًا رويدًا.. الظلمة تلف عينيها بقوة، لتستسلم أخيرًا بكل يأس لمصيرها..عادت الكهرباء سريعًا على غير المتوقع، رحمةً به وبها من ذلك العذاب.. ليركض ياسين ناحية المصعد ويضغط زر الصعود مُوقنًا أن مكروهاً قد أصابها وإلا لما استكانت وهدأت...
صرخ ياسين بإسمها وهو يراها مُلقاة على أرضية المصعد
_فطيمة..
حملها بين ذراعيه بسرعة واندفع بها ناحية الشقة، وخوفًا من أن يتركها وحدها هاتف سيف وأخبره بعجالة عما حدث، ليخبره سيف بأنه قادمًا إليه ومعه طيب، وأوصاه ألا يتحرك من جانبها..
أغلق ياسين الهاتف وأخذ يدور في الحجرة ذهابًا وأيابًا، يلعن حظه التعس معها، لكن رغم ذلك لم ينس أن يُهديها نظراته الخائفة، ويقترب متفحصًا يحاول إيقاظها من غيبوبتها..
دمعت عيناه تأثرًا وهو يراها بتلك الحالة وجهها الشاحب، وجسدها الهزيل الذي لم يتحمل رياح الكُرَبِ طوال تلك الفترة،
لولا أنه يشفق عليها ويلتمس لها ألف عذر، لطلقها وأبتعد... لكن قلبه مازال موصلًا بها، يشعر بما تعانيه...
أفاق على طرقات سيف للباب، اندفع ناحيته ليفتح مستقبلاً له بكل قلق...
لطالمًا حملت له نظرات أخيه الأمان والأطمئنان ذلك الذي يحتاجه الآن، وسيف كما عوّده سخيًا كريمًا، معطاء دون طلب، يعرف ما يحتاجه فيبسط نظراته به.
همس سيف بإحترام
_اتفضل يا دكتور
ربت سيف على كتف ياسين  هامسًا _متقلقش تلاقيها اتخضت..
اومأ ياسين مُتقبلًا دعم سيف دون كلمها، ليسارع سيف بقوله
_ادخل ورا الدكتور، خليك جنبها..
توجهت خطواته الثقيلة ناحية الحجرة يتابع ما يفعله الطبيب بروح خاوية، ليطمئنه الطبيب بكلمات مقتضبة، يقسم إنه لم يفهم منها شيئًا...
خرج سيف مع الطبيب يوصله وبعدها عاد حاملًا الدواء،
همس سيف وهو يجلس بجانب ياسين في دعمٍ محسوس
_هتبقى كويسه..
هتف ياسين وهو يخفي نظراته في آسى وقلق
_خايف تدخل فصدمة تاني وأنا بجد تعبت ومش ناقص..
بإبتسامة باهتة همس سيف وهو يربت على كفه بدعم
_استهدى بالله... كده، وبإذن الله ميحصلش حاجه.
تمتم ياسين بقلبٍ مهزوم
_يارب..
همس سيف ونظراته المبتسمة تسقيه الدعم عبر كلماتٍ
_معلش أهدأ، هتعدي بصعوبات كتير... مش من أول موقف خلاص تعبت...
تمتم ياسين بشتات _مش عارف... بس مكنتش اتمنى فرحتي تتكسر..
ابتسم لها سيف قائلًا بحنان _ولا اتكسرت ولا حاجه... كله هيعدي بإذن الله ونبقى بأحسن حال... وساعتها أفرح زي ما أنت عايز...
صمت قليلًا ثم قال وهو يربت على خصلاته كطفلٍ صغير _المهم استفدنا منها أزاي وطلعنا بأيه..
همس ياسين يفصح عما فيه وهو ينظر لسيف بإهتزاز _خايف على أدهم..
همس سيف بفخر بينما عيناه تتألقان بنظرة إعجاب _أدهم قوي وهيعدي المحنة متقلقش ...
أومأ ياسين برضا لكل ما قاله سيف ليوصيه سيف قائلًا وهو ينظر لحجرة فطيمة _خلي بالك منها يا ياسين، أنا عارف إنك بتحبها... وهحافظ عليها.. اصبر وخلي بالك طويل... وكله هيعدي بخير... ثم تابع بنبرة حانية _وعلشان خاطر بدر،هو يستاهل كل خير وياما ساندنا، و عمل وبيعمل معانا كتير... والأكبر من كده إنه أمنلك عليها رغم كل الي حصل ولسه بيعاني منه، مش بسهولة بدر يسيبلك حته منه إلا لو واثق فيك.. انحدرت نبرة سيف لتوسل خافت _إياك تخون الثقة الكبيرة دي ياسين، خليك لأخر لحظة راجل وقد المسئولية..
هتف أخيرًا وهو ينهض من مكانه _خليهم يقولوا سيف عرف يربي.
ابتسم ياسين بوهن، ليقترب منه سيف ويضمه بحنان ابوي ليهمس ياسين بإمتنان شديد _ربنا يخليك ليا يا والدي..
أبتعد سيف عنه يقول _هروح أشوف هنَا والولاد طالما طلعت من المستشفى... راحوا عند بيت جدهم بقالي يومين مشفتهمش.
أومأ ياسين بالموافقة وحينما أقترب من الباب جائه اتصال، عقد سيف حاجبيه بقلق وهو يرى اسم المتصل الذي يلمع على الشاشة، ارتجف قلبه رهبةً أحسها ياسين وسارع بالسؤال وقد انتقلت إليه عدوى القلق _مين.. ؟
أجاب سيف بإقتضاب _المستشفى.
تعلقت أنظارهم بالهاتف في خوف كما قلوبهم المرتجفة، أجاب سيف بصوت مهزوز _ايوه
ليرد الطرف الأخر بفرحة_أستاذ سيف أدهم فتح عينيه واتكلم.
أشرق وجه ياسين بسعادة وهو يستمع لما يُقال بينما اندفع سيف يهتف بفرحة _أنا جاي حالًا..
ودّع سيف ياسين، وقبل أن يغادر ابتسم قائلًا له _مش قولتلك كله هيعدي..
خرج سيف تاركًا ياسين، تزهر في قلبه ورود الأمل
________________________
وعلى الناحية الأخرى كان أحدهم ينازع في أحلامه، وقد زاره طيفها وتوسله المجىء، انتفض بدر من نومه فزعًا يصرخ بإسمها دون وعي _فطيمة...
ما إن تبين ما حوله حتى تماسك، أنتفضت جهاد من نومتها تشاركه الفزع، أنارت الحجرة بنور خافت والتفت إليه تسأله بقلق _بدر في إيه...؟
رغم عاصفة القلق التي اجتاحته وأقتلعت ثباته، إلا إن صوتها الدافىء الذي أنساب على مسامعه يذكره بإنتهاء أيام الوِحدة العجاف، بعث في نفسه الهدوء والسكينة.
ربت على كفها المستريحة على كتفه وهو يهمس بإنفاس متقطعة _الظاهر كابوس...
التفتت تقول بإشفاق بعد أن ربتت على كتفه بحنان _نسينا نجيب ميه، هقوم أجبلك حالًا..
شيّع ذهابها بقلب خافق متأرجح بين السعادة والقلق، حتى جاءت تحمل دورقًا وكوب، ناولته الماء هامسة _أشرب وارتاح.
أعطاها الكوب وأراح ظهره، وتفاصيل ذلك الكابوس تعاود أقتحام أفكاره من جديد..
فتح عينيه ليجدها تنظر إليه بترقب وقلق لم تستطع إخفاؤه، همس بدر وعيناه تتألقان بنظرة عاشقة _شكرًا إنك معايا.
همست بإبتسامة مرتجفة _أنا الي المفروض أشكرك على كل الحب الي فقلبك ليا...
عاد يغلق عينيه بقوةمن شراسة أفكاره والتي تتجه رغمًا عنه الكابوس وفطيمة، تلك التي تركها وحدها في عالمٍ تجهله، كان قاسيًا معها بشدة، لكن الظروف أرغمته على ذلك، عليه أن يخرج من تلك القوقعة وذلك الجحيم، ياسين رجل يُعتمد عليه، لن يخذله أبدًا... إن شك يومًا فليُذكر نفسه بأن لكل قاعدة إستثناء وياسين إستثناء تلك القاعدة..
أراح بدر رأسه دون حديث على كتف جهاد، لتسحبه هي لأحضانها.. تريح رأسه المكدود فوق خافقها النابض بعشقه... قطعت سيل أفكاره المتدفق قائلة وقد استشعرت بحدثها ما يعانيه
_متخفش على فطيمة يا بدر... هتتجاوز المحنة هي وياسين..
نطق بحرارة وهو يغلق عينيه بقوة _خايف..
أجابته واناملها ترتفع لتداعب خصلاته بحنان بالغ _متخفش، أنا عارفه ياسين كويس..
عند تلك النقطة انحرفت أفكاره لطريقٍ آخر، لتتابع جهاد دون قصد _متأكدة من أن سيف هيكون معاهم..
اقتضبت ملامحه المنهكة بضيق، بينما وقفت غصة غيرته الشديدة في حلقه تمنعه الحديث،
سقطت نظراتها فوق ملامحه وهي تهمس _بل العكس أنا خايفة على  ياسين هو الي يتعب...
سألها بضيق_ليه.. ؟
أجابته بهمسٍ خافت وهي تواصل مداعبة خصلاته بأناملها _علشان مفيش حد زيك يا حبيبي..
همس وقلبه يرفرف بين جناته من نغمتها الخاصة في نطقها للكلمة والتي تجعل قلبه يعزف لحنًا فريدًا.
_ايه جاب ده جنب ده.. ولا هو أي غزل وخلاص يا أستاذة..
ضحكت قائلة بصدقٍ وحرارة _هفضل أقولك طول الوقت كل الكلام الحلو الي في الدنيا يمكن أقدر أكفر عن غفلتي وأعوض الي فات.. بمناسبة ومن غير مناسبة.
همس بدرًا مستمتعًا وهو يحاوطها بذراعيه في تملك _والله ولسانك الطويل بقا يقول كلام حلو، ميتشبعش منه...
تابعت قول ما تقصده متفادية حديثة_بدر أنت دلعت فطيمة دلع مش هتلاقيه فأي حد،الي شافته معاك ملا عنيها وقلبها، مهما عمل ياسين مش هيقدر يسد مكانك...
همس بدر وعيناه تشردان في البعيد _هما بناتي وأصحابي وأخواتي... لو مدلعتش أنا مين هيدلع.؟
امتزج همسها الدافىء مع تنهيدة حارة وهي تقول
_بحسك أبويا واخويا وصاحبي.. كل حاجه فيك.. دنيا بحالها بكل حلوها  فيك يا بدر.. ؟
ابتعد عنها بدر يهمس بشقاوة
_من كتر ما أنا مش مصدق... محتاج اسجلك يا أستاذة الكلام الحلو ده.
همست وهي تحيط وجهه بكفيها بينما عيناها تخصه بنظرة حب دافئة _قولي بقا يا سيادة وكيل النيابة إيه يخليك تصدق وهعمله.
همس وحاجباه يرتفعان في خبث _يدخل المتهم القفص.
_____________________________
انتفضت فطيمة من نومتها مزعورة تنظر حولها بإرتجاف وما إن تبينت ما حولها حتى تنفست براحة، نظرت لياسين النائم يجلس بجانبها بينما رأسه ترتاح عند موضع كفها، ويديه تتشبثان بكفها بقوة.. سحبت كفها من بين أنامله بهدوء.. وابتعد تبكي بصمت
استيقظ ياسين على صوت أنينها الخافت رفع رأسه يسألها بقلق _فطيمة إنتِ بخير..؟
هزت رأسها بصمت بينما عيناها لا تتوقفان عن سكب الدموع
جلس بجانبها يسألها وهو يمرر كفه على رأسها بحنان _بتعيطي ليه دلوقت مش إنتِ الي كنتِ عايزه تهربي.
همست بحسرة مريرة وشبح الخوف يتجسد أمامها _موقف صعب.
همس بتأكيد وأنامله تعكف على مسح دموعها بحنان _معلهش.. كنتِ عايزه تمشي ليه يا فطيمة.. ؟
صرخت بإنفعال _علشان أعرف بدر جابني هنا ليه.؟ ..هو مش عايزني ؟
أجابها مُتذكرًا كلام أخيه وابتسامته الدافئة تتعلق بفمه _ليه ميكونش حس إني محتاجك أكتر منه وعايزك جنبي.
أشاحت بإعراض غير مقتنعة بما تقول ليُكمل ياسين برضا_بدر عارف إني بحبك وهحافظ عليكي.
رغم ما غزى قلبها من مشاعر لكنها صرخت بإنفعال _إنتوا متعرفوش تحبوا حد أنتوا بس تعرفوا تقتلوا.
انقبضت ملامح ياسين بألم ليهتف بضيق_مين أحنا..؟
أجابت بإشمئزاز واضح جلبته لها أفكارها السوداء _الرجاله.
رفع حاجبه يقول بإستنكار _حتى بدر..؟
أنفعالها زاد عن الحد فهتفت غاضبة _لا طبعًا...
بسخرية أجابها _ليه هومش راجل..؟
كقطة شرسة هاجمته بعنف _لا راجل وأحسن منكم.
هتف يُغيظها رغم حنقه منها وغضبه _اعتبرني استثناء القاعدة زي بدر..
لم يزر ملامحها الإقتناع وأشاحت مكتفيةبنظرة ساخطة.. لينسحب ياسين من جانبها هاتفًا، _هروح احضرلك عشا.
اغلقت الباب خلفه  وامسكت بهاتفه تحاول الإتصال ببدر، الذي ما إن رأى اسمه حتى أجاب بلهفة _ازيك يا ياسين أخبار فطيمة إيه...
وصله نحيبها فانتفض من جلسته المسترخاه يهمس _فطيمة.
عاتبته بهمسٍ خافت من بين دموعها _هونت عليك يا بدر..؟
أعتدل يقول برزانة _معلش يا حبيبتي.. دا جوزك ومحتاجلك..اقعدوا مع بعض وحلوا مشاكلكم واتفقوا.
قبل أن ترد وصلها همس لطيفة الجانبي بإسم جهاد وحديثهم  لتصرخ فطيمة بإنفعال..._هتتجوز يا بدر..؟
تابعت تسرد تفاصيل المؤامرة التي حاكتها بعقلها _خلصت مني علشان تتجوز، ونسيت رحيمة... أنت أناني ومبتفكرش غير فنفسك..
تبدلت ملامح بدر للحزن لينتبها كل من جهاد ولطيفة في ترقب، همس بدر بنبرة متحشرجة _ايوة يا فطيمة أنا فعلا أناني..
أسبل جفنيه في آسى يُمطر على قلبه الحزن والقهر، قهر على أيامه التي تبددت معها ورغم ذلك تختار نفسها، الكِبَر الذي مسه في رعايتهم ورغم ذلك كان الجحود مكافآته.
صرخت فطيمة بتسلط _ماشي يا بدر مش إنت خلصت مني علشان تعيش حياتك  أنا بقا مش خليك تشوفني تاني.
اغلقت الهاتف وتركته يتخبط في كلماتها... وتهديدها
اندفعت جهاد ناحيته مشفقة عليه تقول بحزن أحاط وجهها _معلش يا بدر صغيره وتفكيرها محدود..
مسح بدر وجهه قائلًا بإرهاق_لا عادي.. دلوقت تهدأ
عاتبته لطيفة _متزعلش يابدر.. إنت عارفاها مجنونه..
ليهمس بدر بتأكيد وهو يفرك جبهته حزنًا _وعارف إن الي قالته هتعمله...
انسحب من اجتماعهم بعد أن أوقعته التعاسة في فخها اللعين.
وهناك هتف ياسين يعاتبها  بحنو  بعد أن اسمتع لحديثها _ليه كده يا فطيمة بدر ميستاهلش منك كده..؟
صرخت بغضب فقدت السيطرة عليه _متدخلش فحياتنا أنا حره..
ابتلع ياسين كلماته بعد أن نجح في إحكام السيطرة على غضبه، وضع الطعام جانبًا وخرج من الحجرة دونما رد، فأي يرد قد يكلفه الكثير.
________
الفقاعة التي عزلتهما سويًا عن الحياه، انهارت وتسربت، ليفيقا معًا وقد منحهما القدر حياة جديدة، لقاء بعد موعدٍ طويل..
اندفع سيف يهتف وكله أمل بإفاقتها _حمدالله على السلامة يا رقية..
رفعت رأسها تجاوب بوهن _الله يسلمك..
تحركت شفتها تريد أن تسأل عنه، لكنها خائفة من الإجابة، فهي لن تتحمل.. سارع سيف بلهفة بعد أن شعر ما يتنازع في عينيها خاصة مع التفاتتها المهتزة _أدهم اتحسن كتير وبدأ يستجيب..
انتفضت تسأل بفرحة _بجد..؟
أجابها سيف بإبتسامة مطمئنة _مش بس كده دا فاق وسأل عليكي..
نهضت من مكانها كأن الوهن والضعف لم يزوراها يومًا، تهتف بفرحة جنونية _بجد يا سيف بجد..؟
هز سيف رأسه بتأكيد وهو يقول بتحفيز _شدي حيلك أدهم هيحتاجك، وكمان علشان الدكتورة فادية تعبت جدًا لما تعبتي..
همست بحزن _ماما...!
أجابها سيف بإشفاق _جاتلك كتير وكانت جنبك بس من كتر زعلها تعبت جدًا ورقدت بالبيت..
همست رقية بحزن ودموعها تنساب على وجنتبها _يا حبيبتي يا ماما..
نهض سيف يهتف برفق _حبايبك محتاجينلك يا رقية بلاش ضعف وإستسلام، استحملي علشانهم، هما أقوياء بوجودك جنبهم.
أومأت رقية بموافقة بينما أناملها المرتعشة ترتفع، لتكفكف دموعها..
_________________________
جلس على الكنبة الواسعه مكدود الرأس مثقل الصدر، عينيه تشردان في الثقف فلا يرى إلا صورتها، جاءت حفصة وجلست بجانبه تسأله بقلق _رحيم إنت كويس..؟
اعتدل في جلسته قائلًا _الحمدلله يا حفصة إنتِ عامله إيه..؟
ملّست على بطنها هامسة ونظراتها تشع دفئً_الحمدلله بخير.
اتجهت نظراته تلقائياً لبطنها الذي بدأ في الظهور فأبتسم هامسًا _ربنا يقومك بالسلامة..
ابتلعت غصتها هامسة بهروب _مكلمتش نيرمين.. ؟
مسح وجهه قائلًا بتأكيد وهو ينظر إليها بحدة_حفصة متحاوليش أنا مش هكلم نيرمين الأمر خلاص انتهى، اقتنعي بقا.
تركت نظراتها تجوب ملامحه بإستكشاف، ما الذي انتهى..؟
حتى حين ينطق اسمها، تبرق عيناه  بلمعة  خاصة ٍ،تتوهج روحه ، بينما أنفاسه تحكي قصة أخرى من العذاب...
عادت نظراته الشاردة إليها يسألها _أمي أكلت.؟
أجابت بتأكيد _أيوة... أكلت مع أمي ونامت وكمان خالك بات في المندرة انهردا كان فاكرك مش هتيجي..
ابتسم رحيم هامسًا بدفء_ربنا يخليكم لينا..
أهدته ابتسامة رائعة من ثم صمت كلاهما في تفكير، قطعه هو بسؤاله الأخر _أكلتي..؟
هزت رأسها بنعم ليقترب منها قائلًا_أنا عايز أكل ولازم تاكلي معايا...
همس قائلة _طيب... هفضل معاك..
هتف قائلًا بمرح يكسر به جو الكآبة المحيط بهما _الي أعرفه الحامل بتاكل ١٠ مرات... كل وجبة بتلاته.
ضحكت قائلة سعيدة بإهتمامه وإن كان كذبًا لكنه يساعدهما على النسيان والتجاهل _يااه كل ده..
نهض من مكانه قائلًا بحسم _ايوه طبعًا ويلا قدامي نجهز العشا.
بعد دقائق كان يفترش أرضية المطبخ أمام الباب الخلفي المُفضي على الأرض الزراعية، يجلس قائلًا _خلينا ناكل على الأرض أحسن
جلست أمامه تساعده، هتف بإمتعاض_الأكل ماله كده..؟
هتفت بينما عيناها تخطفان نظرة للأصناف الموجودة أمامه _ايه مش حلو..؟
هز رأسه بعدم استحسان قائلًا _يعني مش قوي...
أخذته أفكاره سريعًا لها، لمرات معدودة تناولا فيها الطعام معًا، تولى عن الأكل هامسًا بعدة عدة لقيمات معدودة _الحمدلله..
همست حفصة بإستنكار _ملحقتش تاكل يا رحيم، الي يشوفك وإنت بتجهز كل ده يقول هتمسح الأطباق..
ابتسامة باهتة رسمها على ثغرة وهو يقول _كنت فاكرك هتشجعيني.
همست بأسف _معلش يا رحيم.. مش قادرة بجد..
هز رأسه متفهمًا، بينما غصة أخرى تكاد تخنقه، حرمته كل شىء حتى أخْذُ أنفاسه بسهولة، فعندما تحضر هي في أذهانه يفقد كل جميل قيمته ومعناه، هي قطعة السكر التي تُحلي أيامه ولياليه، المارشيملوا شديدة الذوبان.
ابتسم لذلك الخاطر، لقد اشتاق المارشيملوا كثيرًا...
رنين هاتف أخرجه من شروده، ليتذكر أن فضل نسي معه الهاتف.... لم يهتم أن يرى اسم المتصل ولا أن يعرف هويته، نهض يقول بإهتمام _حفصة هروح أودي تليفون عمي وارجع، اعمليلي كوباية شاي...
خطًأ لا يعرف هل سعى إليه قلبه، أم خانته أنامله، فتح الإتصال.. فرفع الهاتف مرتبكًا يعتذر للأخر.
لكن صوتها الناعم رفرف حول أذنه يغرقه في دوامة أخرى
_فضل.. فضل..... عمي..
وقف صامتًا ، متصلب الجسد والملامح ينتظر تتابع حديثها بلهفة وشوق، يبتسم رغمًا عنه لمرحها ومشاكستها عمها
_ايه يا فضل فينك غبت كتير عليا يا حبيبي..
قبضة اعتصرت قلبه من ندائها لعمها على هذا النحو، اغمض عينيه بقوة، يحاول السيطرة على نفسه،
اندفعت حفصة تسأله بقلق بعد أن أخافها وقوفه وتصلبه _رحيم..
هتفت نيرمين بعدما عبر إليها صوت حفصة صافعًا _مين.. ؟
ليهتف رحيم وقد اندفع تاركًا المكان لحفصة، _أنا مش عمك.
بغباء لا تدري أكان مقصودًا تخبره به أنها تنغمس في نسيانه  حتى أنها نسيت صوته، أم غباء خلّفته لحظة شوق قاتلة وعدم تصديق. _مين بيتكلم..؟
ووسط حزن القلب لم يكن هناك متسعًا لسخرية، هتف بصوت باهت متحشرج وتحدي لم يتخلى عنه ، يدق به اسمه على جدران عقلها_رحيم .
ارتبكت وظهر ذلك على أنفاسها المترددة، لكنها سرعان ما هتفت بتجاهل _اه... طيب عمي فين...؟
رمى كلماته إليها بضيق _معلش هو نسي تلفونه معايا.
تمنى لو طال الحديث ليشبع منها، لكنها صفعته بتجاهل أخر، هتفت بزفرة ملل ضائقة _ابعتله التليفون..
وقبل أن يرد عليها اغلقت الهاتف بسرعة غير عابئة به،
كاد أن يحطم الهاتف بين أنامله من شدة غضبة... لولا بقايا صبر قدم حمله قلبه لها.
أما هي فجلست موضعها تبكيه اشتياقًا، أو كان ينقصها أن تسمع صوته الأن..؟ وهي التي تجاهد لتتناسى...
____________________________________
كان منهمكًا في أداء عمله كما تعوّد، طرّق خافت اعقبه دخول لسكرتيره الخاص يخبره بإخطار من المحكمة،..
انعقد حاجباه في تساؤل سرعان ما تبدد حين اعتنقت عيناه الأحرف...
اتسعت عيناه بصدمة وهو يمر على الكلمات بسرعة خاطفة، اختطفت معها أنفاسه، وسلبته رضاه
انهار جالسًا يحملق في الأوراق غير مستوعبًا، يحاول السيطرة على تشتته الواضح، لقد سلبته زوجته كل ما يملك حتى أحقيته في الخلاص منها، بحكم محكمة سعت إليه في الخفاء تطلقت منه وأخذت كل شىء، أموال والدها التي حفظها لديه وأمواله التي شقي وتعب كثيرًا في تحصيلها..
أعلن هاتفه عن وصول رسالة، رفع هاتفه بأعين زائغة يفضي محتوياتها بصدمة أكبر، لم تكن الرسالة إلا منها
تخبره بل تهدده  إن عاد لن تتركه حيًا، وبالنسبة لطفلها فهو ليس بإبنه ولديها ما يثبت، فلينساه تمامًا ولا يعود من بلده ثانية وإلا فلن تتركه تلك المرة حيًا.

.....








































أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن