٤٥

3.4K 101 16
                                    

الفصل الخامس والأربعون
خطوات فضل كانت واثقة، بينما شفتيه كانتا تحكيان قصة أخرى من سعادة أخيرًا نالها، وعدًا وفى به.
أما خطوات رامي فكانت ثقيلة مترددة، ملامحه تعكس نفورًا شديد من تلك الرحلة مجهولة النتائج.
اصطدم برحيم أمامه فهتف بترحاب شديد
_كيفك يا رحيم...
أجاب رحيم بوهنِ وعيونه تختلس النظرات المترقبة تجاه رامي.
_ازيك يا عمي..
عرفهما قائلًا بإبتسامة منتشية بها لمعة من انتصار_رامي
مد رحيم يده بترحاب رغم ملامحه المقتضبة، ليتابع فضل بذلك الانتصار الخفي _ابن عمك واخو نيرمين..
تصلب جسده رحيم، تحت وقع إقراره والذي كان  دلو من الثلج سُكب عليه... عيونه ركضت لرامي في اهتمام...
بتعالي بغيض هتف رامي _أهلًا...
تبدلت ملامح رحيم المقتضبة لأخرى منزعجة كارهة... سارع رامي بالقول وابتسامة ساخرة تقفز على فمه
_ابوك فين...؟ لسه عايش ولاااااا..
هتف رحيم بحدة وغضب وهو يشمل رامي بنظرة ضائقة
_العمر الطويل ليه... ربنا يديه الصحة...
جلس رامي ببرود ساحبًا سيجارًا بدأ بإشعاله وهو يقول بتلكأ_ي ارب..
حتى تلك الدعوة استخسرها به.. دخانه كان يتراقص أمامه كتلك الذكرى الحية بعقله... وياللعجب نفس الكرسي العتيق الذي جلس عليه قديمًا منتظرًا أن يجود عليه عمه بحقه...
هتف فضل يدحر الصراعات الخفية في عيون كل منهما _أبو رحيم فين...
هتف رحيم وقد اتخذ مجلسه بجانبهم منتظرًا _بيريح شوية.. ؟
أستأذن فضل لرؤية أخاه واعلامه بمجىء رامي .
ضحكة عابثة انطلقت من حنجرة رامي أثارت استفزازه... و استفسار أخر أرسله له رحيم ببغض لايدري سببه، ليسارع بالتفسير _ربنا يريحه دايمًا... اختنقت الضحكة وتحولت فجأة لقتامة وسواد القاه بوجه رحيم _مع إني أشك إنه هيرتاح.
صرخ رحيم بغضب فقد عليه سيطرته_ما تحترم نفسك... وتحترم بيت الكبير الي إنت فيه....
ليهتف رامي بفحيح بينما يداه تضربان على حافة الكرسي بعنف _وبيتي... ليّ فيه زيك.
سيف العداء البارز من نظراته لو طال رحيم لقسمه نصفين دون ندم، فكرهه الذي يحمله تجاههم لو أخرجه لأحرقهم غير مستثنيًا.
أوقفهم هتاف فضل بعدها رأهما يقفان متأهبين لنزاع قاتل..
_بس...
هبط فضل درجات السلم بسرعة، اقترب يبعدهما قائلًا
_حُصل ايه..؟
ابتعدا كلاهما بقلوب نافرة، يدُسان في نظراتها السم.
هتف فضل  وهو ربت على جمرات رامي بحنانه
_تعالى نرتاح دلوكيت وبعدين نشوف.
هتف رامي بغضب وهو يعاود الجلوس في إصرار بينما نظراته تدور حول رحيم
_مش هنرتاح.. عايز اشوف أختي علشان امشي..
هدأه فضل قائلًا _اصبر لما نرتاح ونمهدلها
صرخ رامي فهما بمقتٍ_لسه هتمهد.. فاكرني فاضي للدراما دي...هتف رحيم صارخًا بوجهه _أمال جاي ليه حضرتك.. ؟
بقسوة هتف رامي وهو يحرق رحيم بنظراته _جاي اشوف أخرة القرف بتاعكم..
تماسك فضل بأعجوبة، لا يريد غضبًا أو إنفلات يندم عليه... هتف ينهي الشجار بعد أن سئم غرور رامي وعجرفتة
_اطلع يا رحيم ناديها....
بخطوات ثقيلة بطيئة غادر رحيم لحجرتها، متجاهلًا احساس بالخوف سيطر عليه منذ دخول رامي... يتمنى في قرارة نفسه أن يعود ذلك المتعجرف  خائبًا...
لكن الخيبة كانت تتربص به هو، تُعلن بذراعين مفتوحتين السخرية منه... خواء وبرودة لفحته منذ أن وطأت قدماه الحجرة، شىء ما داخله انتفض من صقيعها... عيناه المتوجسة شملت الحجرة ولم تحصل على هدية رؤياها.. تراجع مُفكرًا إين ذهبت..؟ استدار فصفعته ضلفتي الخزانه المفتوحتين بترحابٍ شديد لخلوهما وفراغهما من محتوياتها... شعور بالإختناق كتّفه، وسحق هدوئه...وتسأل أين غادرت..؟
هل عادت لمنزل عمها..؟
لكن لماذا..؟
طائر مذبوح بين جنباته يرفرف مولولًا... يخبره مع كل زهقة من أنفاسه أن يرتجف.. فالخواء سيسكن روحه من الآن.
هرول للأسفل منتزعًا روحه من زحمة الأفكار... قابله سؤال عمه الملهوف _فينها....
كلمته خرجت دون مراعاة، متلحفة بقلق خطير
_مش عارف...
الخزي يصفعه مجددًا ونظرات رامي في ترقب حار لدماء تماسكه...
انطلق غير عابىء بنداء عمه.. يسابق خطواته للعثور عليها...
دخل المنزل في مدة قصيرة قطعها.. نفس الصقيع والخواء...
عاد أدراجه مهمومًا أمام نظرات عمه المهتزة  هتف بضياع
_مش قاعده...
سؤال عمه كان مرتعشًا
_راحت فين..؟
بتلعثم خانق وفكرة تزجره حد الموت
_هدومها وحاجتها مش قاعده...
طرح افكاره أمام فضل.. فسارع فضل بإنتفاضة
_يعني ايه..؟
بهذيان همس وعيناه تدوران في كل اتجاه
_مش عارف..؟
صرخ به فضل وهو يقيده من تلابيبه
_عملت فيها إيه..؟
رمش يستوعب ما يحدث وغصة الفقد تخنقه، همس بضياع
_خلينا ندور عليها...
تركه فضل ويداه تدفعانه للخلف في وعيد، انطلق يبحث عنها ملهوفًا نادمًا... ليته ما تركها فريسة لأنانية رحيم... ؟
دون أن يخبر رامي بحث عنها... حتى عاد منكسرًا يضرب كفًا بكف
_راحت فين...؟
رحيم كان عاجزًا عن الرد، تائهًا في جُب غيابها المظلم... رامي كان أول من أحدث جلبه داخلهم
_أسألوا حد من الشغالين..
صرخ فضل ينادي لظيمة، يسألها برجاء سبق خوفه
_مشوفتيش نيرمين يا خالة..؟
سؤاله أصابها بالتوتر، الخوف لكنها تغلبت عليهما قائلة بلهفة أم
_شوفتها رايحة ناحية المحطة ومعاها شنطة...
صرخ بها فضل _ممنعتهاش ليه..؟
همست بإرتجاف وفي عينيها مزيجًا من العطف والرجاء
_حلفتني مجولش لحد...
بلهفة سألها رحيم وهو يقف أمامها _امتى ده..؟
هتفت بعد تفكير _من الصبح...
اندفع فضل وخلفه رامي، يلحق بهما رحيم.. لكن نداء والده أوقفه
_رحيم...
قدماه اعلنتا الخيانة، رفعتا راية الاستسلام... تقاعستا عن حمل جسد ثقل بهمومه وخطاياه... سؤاله كان مرتجفًا ككله
_بت عمك فين..؟
_مشيت
نطق بها رحيم في أسف، ليعلن جسد والده الإنهيار التام وكأن هروبها القشة التي قسمت ظهر البعير بحمله الثقيل...
صرخات رحيم تزامنت مع سقوط والده المدوي... والذي اصدرته عصاه الخشبية الصلبة..
_أبوي ...
___________________
كان الطريق طويلًا مُوحشًا كطول أيامها ولياليها، يمر عليها ما يمر لكنها ساكنة تنظر للطريق الذي يجري مع عربات القطار، الهواء يصفعها كلما اقتربت من النافذة  هامسًا بأذنها _انتهى كل شىء ولم يبقى لها شىء حتى تلك الصلة الواهية التي كانت تربطها به... تقطعت الحبال جميعًا لينفلت معهم حبل تماسكها.. والآن هي ليست بحاجة لروابط دم مزيفة ولاحتى  ندم أوتكفير من آخر هي بحاجه أن تتيه في هذا الكون الواقف تنغمس فيه بكل ألآمها وأوجاعها
.وقف القطار مُعلنًا عن استراحة قصيرة وانتهاء لطريق طويل مظلم.. لكنها ساكنة تتيه في الصحب وعبارات السلام الفاترة...
همس حاني متعجب  أفاقها مما هي فيه
_إنتِ رايحه فين يا بنتي... ؟ كل الناس نزلت..
شملت الرجل العجوز بنظرة تائهة لتقول بعدها بخفوت وإستجداء
_مش عارفه..
ضرب الرجل كفًا بكف وهو يقول بإشفاق حقيقي
_لا حول ولاقوة إلا بالله..
لتنتبه هامسة بصوت مرتجف
_رايحه القاهرة...ايوة القاهرة
بشكِ أجابها وهو يتأمل شحوبهاواهتزاز نظراتها
_احنا وصلنا القاهرة قومي يا بنتي..
بخطى متعثرة نهضت تضم حقيبته الصغيرة التي تحتوي بين ضفتيها بعضًا من ملابسها... وقفت على باب عربة القطار تنظر يمينًا ويسارًا ولا تعلم اي وجهة ستسلك.. لكن لا وقت لإستسلام باهت أو دموع قهر... هي بكت بما فيه الكفاية حتى لم تعد تشفع لها عينيها الجميلة ضعف نظرها ولا تشوش رؤيتها...
هبطت بخفة تتجول في طرقات المحطة، تسير هنا وهناك... أحيانًا تجلس وأحياناً أخرى تقف... لا معلومة او فكرة تطرق رأسها عن مكان يحتويها...االمحطة تخلو من الناس شيئًا فشىء... نظرات الريبة ممن حولها تخترقها.. تصيبها بالتوتر.. هل عليها أن تخاف من إختطاف او اغتصاب..؟ وهي التي عانت من كلاهما حتى لم يبقى من روحها إلا فتات عفنة.
شيئًا فشىء اتسعت ابتسامتها لتتحول لضحكة هزلية.
عرّت الضحكة روحها، سلبتها الحقيقة أمان روحها، فبكت... رغم كل شىء... سمحت أخيرًا لدموعها بالإنهمار.. ومن بين دموعها لم تنس أن تتفقد ما حولها في وحشة وغربة، تنادي بهمسٍ كالمجذوبة _يا جدي...
ذكرياتها لم تحمل سواه سندًا، داعمًا في أحلك أيامها... ما عاداه كان سرابًا لهثت فيه بجنون حتى جلست هنا تتسول الاهتمام والعطف بجوعٍ شديد...
______________________________
هروبه كان جسرًا عبرت منه لمكانه، لحقت به بعدما راسلها الآخر يتوسلها ألا تتركه ألا تضعف وتضل الطريق مرة أخرى، تتمسك بحقها فيه، هو يحتاج إليها، يحتاج من يمسك بيده يُشعره أنه ذا قيمة رغم سواده.. يحتاج من يرغب فيه وبشدة بعد أن تعرى... توسلها ألا تتركه لنفسه ونوازعه الخفيه...
لحقت به حتى وقف أمام بناية سيف، ترجل من السيارة حذرًا متشتتًا مراقبًا ولكم أحزنها ذلك..
خلفه كانت هي تركض باحثة عن مواجهة أخرى تُلقي فيها اعترافًا  بالعشق...
دخل الشقة بعد أن طرق على بابها مترقبًا بحذر، استقبله سيف بلهفة لم يخفها ودفء فاضت به عيناه... عناق اخوي ومحبة خالصة تبادلاها... ليهتف بعدها أدهم بسرعة وكأن هناك من يلاحقه
_أخباركم ايه...؟
اجابه سيف بحنانه المعهود _بخير الحمدلله... أنت عامل إيه طمني عليك..
بأسى هتف أدهم _كويس...
عاتبه سيف بمحبة حتى لا يُثقل عليه _طولت الغيبه..
_اتعودوا
نطقها كإقرار، ليرتبك سيف ويسأله بخوف لم يداريه
_ليه بتقول كده...؟
ابتسامة ساخرة ألقاها بوج صديقه وهو يقول بأسى _فكرك  هفلت منهم...
ربت سيف على ساقه وهو يقول مُبدلًا الحديث_متقولش كده ربنا مع الحق...
بيأس شديد وزهد صبغ كلماته _معدتش تفرق صدقني... أنا مستنى الموت ومش خايف منه... مبقاش في حاجه أعيش علشانها..ولا 
ليأتي همسها راغبًا ممزوجًا بعذابها
_بس أنا عيزاك....
تبعثرت روحه أمام طوفان مشاعرها، نبضاته قرعت كطبول حربٍ حامية... تطلع إليها في دهشة لتتابع هي بنظرات لا تحتوي سواه
_أنا وآسر محتاجينلك ومش هننتازل عنك..
انسحب سيف تاركًا معارك النظرات تدور بينهما، هتف أدهم بجمود، سيطر به على مشاعره العطشى لرحيق همسها
_إنتِ ايه جايبك هنا..؟
اقتربت تهمس بإبتسامة تخضبت بدماء عشقها المنحور
_قلبي.. زي كل مره..
تسلل إليه الضعف من تأثير كلماتها الصادقة، هتف بتماسك واهي
_رقية....
قاطعته قائلة وأنفاسها تثور شيئًا فشىء
_وحشتني...
اهتز جسده لوهلة من وقع تلك المشاعر على روحه ... استدار يحمي قلبه منها، يغمض عينيه ساحبًا نفس طويل مرتجف، بينما كفاه كانت تقبضان على الكرسي بقوة في استنجاد.... صرخ بها يقاومها بضراوة
_امشي من هنا...
التحدي كان يُزين كلماتها وانفعالها
_لا...
صرخ بها وعينيه ترفض التقاء عينيها الصارخةبالمشاعر
_عايزه إيه تاني.... مش عملتي الي عيزاه... ؟
اندفعت تواجهه وهي تقول بقوة
_عيزاك...!.... وعملت كل ده علشانك..
سخريته كانت الراعي الرسمي لذلك الحوار
_يا شيخة وعيزاني أصدق....
احتدت نظراته وهو يُكمل بقسوة اطفأت مشاعرها لوهلة _إنتِ عملتي كل دع علشان نفسك وبس... سبق صحفي يا أستاذة...
توسلته بحرقة وقلب مكلوم، بينما يداها ترتفعان إليه تهزه _لا حرام يا أدهم متظلمنيش.
أخذ نفسًا عميق ليقول بعدها بهدوء _رقية ابعدي عني.. خدي ابنك وارجعي...
بعزيمة هتفت وهي تواجه نظراته بقوة أكبر _مش هسيبك...
تخطاها قائلًا بقوة تاركًا يدها تسقط بجانب جسدها في قسوة...
_امشي... أنا مش عايز حد...
على صراخهما خرج سيف، ليقول بعدها أدهم برجاء وعيناه تحتضناها في نظرة خفية طويلة مودعة
_متنساش الي اتفقنا عليه ... ثم تابع ويده ترتفع لمقبض الباب _شكلها قربت...
بهتت ملامح سيف بعد أن أدرك معنى كلماته، تذكر ذلك الاتفاق الذي سحب به أدهم وعدًا بحماية رقية وصغيره ..... وحديث آخر طويل
ناداه بلهفة _استنى يا أدهم...
ركض فارًا من ذلك العشق، تاركًا سيف يناديه بحزن، أما هي فجلست منكمشة تفرغ ما في قلبها من بكاء...
حاول سيف تهدأتها لكن عقلها كان معه، عالق في دوامته لا يفكر في سواه.. مسحت دموعها وغادرت تاركة هنا وسيف خلفها ينزفان وجعًا على تلك الحال...
لكن القدر كان يخبىء لهما لقاء قريب موشوم بالكثير.. مما لن ينسياه  ما حييا...ركبت سيارتها لا تكاد ترى من دموعها، لكن كل شىء تبدد فجأة ليحتل الخوف والقلق قمة مشاعرها
سيارات تكاد تطير من سرعتها، دائرة محكمة حولها.. لتقع بعدها أثيرة لهم...تصرخ بنجدة
_في إيه..؟ انتوا مين..؟
سحبوها من سيارتها بعنف.. قيدوا ذراعيها خلف ظهرها  بسهولة، أغموا عينيها بقماشة سوداء... لتسمع بعدها فحيحًا قاسي _احنا حبايب أبو أدهم..
ارتجفت أكثر ليقول بنبرة ساخرة بعد أن راقه خوفها
_متخافيش.. إنت هتموتي بطريقة أحلى..
أنهى كلماته بضحكة عالية صاخبة، قطعها بهتافه الحاد
_خدوها.... 
____________
فلاش باك..
وفي منزل بدر كان سيف يدخل طالبًا مقابلته على وجه السرعة، جلس منتظرًا قدوم بدر على جمر مشتعل من الخوف، كل دقيقة تمر يفقد فيها ثباته.. طلب منه أدهم في رسالة غريبة أن يذهب  لأن الوقت حان... حمل تلك الأوراق التي أوصاه أدهم بإعطائها لبدر وانطلق بحثًا عن أمل..
جائه بدر مُرحبًا يتوارى خجلًا من فعلة أخته، لقد بدأ يستعيد جزءًا من وعيه وقوته... صلابة قلبه، هتف بترحاب لشديد
_ازيك يا سيف...
بادله سيف سلامه  وجلس بعدها لا يعرف من أين يبدأ ، طال الصمت بينهما ليهتف بدر بإعتذار
_أنا آسف... على الي حصل
قاطعه سيف قائلًا وهو يمد يده ببعض الأوراق لبدر في عجالة وكأن الوقت وحشًا يطارده
_بدر أنا جايلك فموضوع تاني... مسألة حياة أو موت..
توسلات سيف التي انطلقت من عينيه والتي أرفقها بكلماته الصادقة وأخيراً عند ذِكره الموت.. استحضر بدر وعيه كاملًا.. اعتدل في جلسته يولي سيف اهتمامًا خاص وهو يسارع بالسؤال في لهفة
_خير يا سيف.. إنت قلقتني.. ؟
بأسف حقيقي همس سيف _عارف الي إنت فيه.. بس الي أنا جايلك علشانه مهم برضو وهينقذ حياة ناس كتير أولهم أدهم ومراته من الموت...
تحفز بدر بكل خلاياه، هتف قائلًا بإهتمام
_ده ابن خالتك الصحفي.؟
أومأ سيف بموافقة ثم تابع بروح منكسرة_احنا متعشمين فيك يا بدر... الموضوع مش سهل... وعلشان خاطر ابنهم اعمل حاجه..
هتف بدر بقلق حقيقي وهو ينظر ليد سيف المحتوية للأوراق_أنا تحت أمركم...
تناول منه بدر الورق وبدأ في تصفحة ومع كل ورقة كانت ملامحه تتبدل لأخرى شرسة، هتف بغضب
_ايه كل قضايا الفساد دي....؟ عدّدها قائلًا بذهول
_مخدرات _تجارة أعضاء_تجارة رقيق... وذهوله فاق الحد حين اعتنقت نظراته تلك الأسماء المدونة ليصرخ بإندفاعٍ وثورة
_دول ناس كبار جدًا...
هز سيف رأسه بأسف مؤكدًا _للأسف...
ارتفعت كف بدر تضغط على خصلاته بقوة بينما يردد بشتات
_يا الله _ايه ده... ولاد الكلب دمروا البلد..
هتف سيف بلهفة وترقب _هنعمل إيه..؟ حياة أدهم فخطر.... وكمان ممكن مراته بعد ما نشرت جزء منها.
ترك بدر الأوراق جانبًا، مسح وجهه نافضًا أثار الذهول عنه، مستردًا بعضًا من فطنته ورجاحة عقله... يفكر من أين يبدأ...
دقائق تحت نظرات سيف المترقبة، حتى هتف بوعي
_أدهم.. فين دلوقت .. ؟
ابتسم سيف براحة، عندما اطمئن لمساعدة بدر لهما...
________________
وفي ناحية أخرى كان بدر يخرج من حجرة النائب العام مُنطلقًا حيث ينتظره سيف...
قابلهم بدر قائلًا بجدية شديدة _كله تمام.... افهم بقا هقولك إيه بالضبط...سار الجميع على الخطة المتفق عليها، أدهم غامر واقتحم بثبات جلسة لكبار رجال الأعمال،في مكان يعرفه جيدًا ولطالما زارهم فيه،بعد أن زرع به بدر جهاز تتبع وسماعة حتى يعرف ويصل لكافة التفاصيل،أجهزة عالية الدقة والحداثة يصعب اكتشافها بسهولة.
هاتفهم وأخبرهم أن لديه مستندات أخرى ويريد مساومة، واجه مصيره بصلابه حتى ينتهي ذلك الكابوس ... فإما نجاة أو موت... لكنهم أحسوا بالغدر منه، لم يطمئنوا له... بدأو بالغدر واحتجزوه ليتم التخلص منه بعدما يقر بمكان المستندات.... لكنه لم يحسب حساب أن يسبقوه بخطوة...
باك..........
جلس واحدًا منهم أمام أدهم يقول بينما أنفه تسقط على مسحوق البودرة فتشتمه بقوة
_منورنا يا سيادة الصحفي..
طالعه أدهم بإشمئزاز واضح، جعل الأخر يبتسم قائلًا بعد أن استنشق ما يُكفيه
_قولتيلي بقا الورق فين...؟
بضحكة ساخرة ونظرات متشفية هتف أدهم ببرود
_ورق إيه..؟
أصدر الأخر صوتًا بغيضًا من فمه يحوي بعضًا من إستنكار وهو يقول _لا بلاش السكة دي...
بسخرية هتف أدهم وإشمئزازه منه يزداد
_عند النائب العام.
دار الأخر حول أدهم قائلًا بثبات
_كنت بتخدعنا بقا...؟
بإبتسامة هازئة هتف أدهم _اقل واجب والله....
هتف به الآخر وهو يدفع الكرسي بقدمه فيسقط أدهم
_وسخ زي أبوك...
أخذ أدهم نفسًا طويل ثم قال بهدوء يستفز الآخر
_بالضبط كده... انا ابن أبويا وهفضل كده.. لغاية ما أموت
رفعه الأخر من خصلاته وهو يهمس بوعيد _طب قبل ما تروحله بقا عندي ليك مفاجآة هتعجبك جدًا.
ارتجف أدهم رغم ثباته،... ضحك الآخير قائلًا وهو يوجه ضرباته القوية لأدهم حتى خارت قواه وبدأ في الإستسلام لفقدان وعيه... وقبل أن يغيب عن دنياه همس الآخر بفحيح
_لما تفوق هتلاقيها جنبك... بجد لذيذة المفاجآة.
_________________
هذا كل ما تتذكره قبل أن تفقد وعيها... وبعد مدة لا تدركها رنى لأذنها
همسات خافته مع لفحات دافئة خشنة لأنفاس هالكة ، حاولت الاعتدال لكن قيد ذراعيها منعها، انسابت دموعها تبلل تلك القماشة السوداء في رعب كاد ينزع روحها ...
وقّع أقدام تقترب جعلتها تكتم أنفاسها زعرًا وخوفًا... أرهفت السمع بقوة فجائها هتاف الأخر القاسي والذي تتذكره جيدًا
_فوقوه....
صوت مياه تُصب بقوة دفعت شهقاته للخروج من
ثُباتها العميق، هتف الأخير بصوته المنفر لها
_نورتنا يا أدهم...
ضمت فمها حتى لا تُخرج شهقاتها إليهم كاشفة عن استيقاظها..
رمش أدهم يستوعب ما حوله، وتلك القيود التي تلف كل جسده، هتف الآخر ساخرًا بقوة
_ايه رأيك تبص يمين..
زحفت نظراته الخائفة  تجاه ما ذكره، اتسعت عيناه على أخرها وهو يراها ممددة على الأرض وقد قُيدت ساقيها وذراعيها
_رقية....
صرخ بها أدهم وعيناه المشتعلة بالغضب تحاوطها بقوة، عاد يصرخ  بينما جسده يهتز بعنفٍ
_عايز منها إيه..؟
اتكأ الآخر يهمس بإبتسامة متشفية _عادي بنستمتع سوا.
ابتعد الآخر مُتجهًا ناحية رقية، انحني يسحبها من ذراعيها قائلًا _مكنتش اعرف إن المنتج المصري اتطور كده...
صرخ أدهم بعنف ومحاولاته للخلاص من قيده تزداد قوة
_متمدش أيدك عليها.. هقتلك
امتدت يده تحل وثاق عينيها، بينما رغبته في قهره تزداد اشتعالًا في صدره... أقترب منها كثيرًا فأشاحت مرتعبة...
صرخ أدهم بقوة وهو يرى انكسارها وخوفها
_حسابك معايا أنا مش معاها..
هتف الآخر متلذذًا _بالعكس.... شملها بنظرة جائعة ثم أكمل بهستيريا فضحت عدم توازنه
_بعدين طالما مراتك بالجمال ده يبقى نخلي الحساب يجمع.
امتدت يد الآخر لجسد رقية تتحسسه فصرخت بقوة وهي تحاول الإبتعاد عنه
_ابعد... عني ...
صرخ به أدهم في غضب وحرقة وهو يحاول التملص من قيده والحلاق بها.. :_سيبها يا كلب متمدش ايدك عليها..
لكن الآخر قهقه بشماته قائلًا وهو يدور حول رقية المقيدة بكرسيها :_اسيب ايه ياابني دي فرصتي... عشت سنين احلم باللحظه دي...
قالها وهو ينحني ليتنفس رقية بقوة وكأنها وجبة دسمة يستعد لإلتهامها في شهية..
كتمت رقية شهقاتها وهي تتمايل في خوف رافضة ما يفعله بها ذلك المجنون المختل من حين لأخر ترسل نظرات توسلية لأدهم القابع في مكانه يعتصر ألمًا عليها ولا يملك إلا طمئنتها بهزة رأس ونظرة حانية وهتاف قوي يتردد صداه :_متخافيش يا حبيبتي أنا معاكي.
تركها ذلك المجنون تتجرع مرار الانتظار للقادم واتجه ناحية أدهم يلكمه بقدمة في أي منطقة من جسده متلذذًا بتأوه أدهم الخافت، تفاقمت الجراح وبدأ أدهم ينزف من كل مكان بجسده.. وبدأ رويدًا في فقدان الوعي رغم المقاومة المستميتة الشرسة
هتفت رقية بحشرجة ألم ترسل استغاثتها للسماء
:_قوم يا أدهم... أدهم.... لا يا أدهم... قومي عشاني.. يارب..
زمجرت بكرسيها في عناد وتملص وبدأت تتحرك طالبة الخلاص.
اقترب منها ذلك المختل ينهرها :_اهدي اهدي..
لكنها قاومت خوفها ببسالة وظلت تصرخ... فلطمها الأخير على وجهها حتى سكن جسدها في استسلام.. إلا من دموع متمردة... وتوسل نابض بخافقها.
صرخ ذلك المجنون بغضب حين فقد أدهم الوعي وحرمه من رؤية انتصاره عليه وتلذذه بتعذيبه ورؤيته ملتاعًا على حبيبته.
خرج هائمًا تاركًا لهما يعانيان... سقطت رقية بكرسيها ضاربة بألمها عرض الحائط لكن كل ما يهمها هو رؤيته والإطمئنان عليه، تخطت المسافة الفاصلة بينهما زحفًا حتى وصلت إليه.. أخفضت رأسها تهمس بلوعة :_أدهم.. أدهم...
لم تتلقى استجابه سريعة فعصف بها بكاء مرير لكنها لم تستسلم من بين شهقاتها كانت تعاود الهمس متوسلة :_أدهم قوم يا أدهم... قوم علشان خاطري..
ماهي إلا ثواني معدودة وفتح أدهم عينيه، أصدر سعالًا خافتًا ليبدأ الهمس من بعده :_روكا.. روكا..
هتفت مبتهجة :_أدهم أنت كويس..
بلتعثم صحبه تعثر في خروج أنفاسه همس :_أنا كويس متخافيش..
بكت بحرقة قائلة :_أنا خايفة يا أدهم خايفة.
حرّرك رأسه بتثاقل حتى وصل لرأسها.. قرب رأسه من رأسها حتى لامسها.. طمأنها رغم خوفه :_متخافيش يا حبيبتي... متخافيش... ربنا كبير.
انقضى المساء بظلامه وهما ينكمشا ببعضهما يتدفأ بأنفاسها..
بعد مرور مدة طويلة همس أدهم بقلق :_روكا إنتِ كويسه..
أجابت بصدق :_لا..
شاكسها أدهم رغم ما يعانيان حتى يمتص خوفها :_اكدبي عليا طيب..
قالت بخفوت :_إنت كويس...
قال أدهم بمرارة وهو يقترب منها أكثر وكم كان يتمنى أن يحضتنها :_كويس يا روكا متقلقيش..
قالت رقية ببداية بكاء وقد بدأت أنفاسها باللهاج :_أنا خايفه على آسر...
هدأها أدهم قائلًا :_متخافيش اكيد سيف هيخلي باله منه...
فتح عنيف للباب جعلاهما يغلقا عينيهما من قوة النور المتجه ناحيتهم... همس أدهم بحذر :_خليكي قوية ومتستسلميش ومتدّخليش بينا..
همست رقية بإنهيار :_خايفه عليك...
ابتسم أدهم رغم ألمه هامسًا :_اعترفي إنك بتحبيني...
انكمشت فيه أكثر كجواب على سؤاله فعاد يهمس وهو يمسح برأسه على رأسها :_عايزك تعرفي حاجه واحده بس إني بحبك.. و محبتش غيرك فحياتي يا روكا...
همست بضعف اخترق قلبه وزاد من ألمه :_وانا بحبك يا أدهم... هفضل أحبك... طول عمري ولو عيشنا عايزه أكون معاك...
ابتسم أدهم أدهم سعيدًا منتشيًا بكلمات ذلك الأعتراف الذي ظل يتمناها طويلًا يرجوها مرارًا أن تطلق سراحه من داخل قلبها..
حين وصلته زمجرة الرجل همس قائلًا :_سامحيني يا رقية.
دخل ذلك المختل وقام بتعديل وضعية أدهم ومعه رقية ليتلذذ بما سوف يصنعه لهما أقترب من رقية كثيرًا حتى التصق بها وانحنى يهمس بإبتسامة خبيثة :جاهزة يا رقية..
أشاحت بعيدًا في صمت، انحنى يشتمها قائلـا بوقاحة :_حلو البرفان ده... شكلنا هنستمتع..
هنا خرج أدهم عن سيطرته وصرخ بتحذير :_إياك تلمسها يا كلب..
ابتسم له الآخر بهدوء وتابع ما يفعله بصمت... حل وثاق رقية الي كانت ترتعش مرتعبة مما ينتظرها.. سحبها من شعرها يقودها ناحية حجرة منزوية.. تحت صرخات أدهم المُهددة  اللاعنة.. ورغم ذلك لم يزداد إلا إصرارًا وعزيمة على كسرهما..
دفعها لفراش صغير بتلك الحجرة  قائلًا وهو يشرع في خلع قميصه :_اتفرج بقا حبيبي...
انطلقت صرخات رقية تشق سكون المكان.. تتملص منه يمينًا ويسارًا... تحاول الإندفاع للباب ناحية أدهم لكنه في كل مره كان يدفعها بقوة... أقترب منها يقيد جسدها بذراعيه، يضمها إليه محاولًا تقبيلها وإنتهاك حرمة جسدها.. فتصرخ هي بإستغاثة...
ظل أدهم يزمجر مكانه بغضب وجنون حتى سقط أرضًا وبدأ يزحف بكرسيه ناحيتهما..
لم يشفع لرقية عجزها وضعفها بل زاد ذلك من جشاعة ووحشية الأخر وظل يحاول مرة بالقوة وأخرى بالضرب حتى بدأ جسدها يتهاوى ويفقد ثباته.. جن جنون أدهم وظل يصرخ بإسمها
:_لا يا رقية فوقي...
حاولت فتح عينيها لكن ألمها غلبها.. وانهارت على الفراش بضعف... استدار الأخر فاردًا ذراعيه يقول بتشفي :_ركز بقا يا حبيبي..
وقبل أن يستدير مرة أخرى كانت رقية تهوي على رأسه بقطعة من الخشب الغليظة.. اختل توازنه وبدأ في الترنح.. استغلت رقية الفرصة وركضت ناحية أدهم.. هتف أدهم وعيونه تراقب الأخر بحذر
:_فكيني.. بسرعة...
امتثلت لكلماته، حلت وثاقه... لينهض أدهم مستعدًا لمواجهة دامية مع الأخر الذي بدأ في استعادة وعيه... اشتبكا في شجار عنيف.. انتصر فيه أدهم.. وحين أطمئن لنصره اندفع ناحية رقية المنكمشة.. سقط أمامها على ركبتيه هامسًا بتعب شديد وانفاس لاهثه :_إنتِ كويسه..حصلك حاجه  ؟
شخصت عيونها خلف أدهم رافضة ما تراه... جف حلقها ولم تستطع النطق.. حثها أدهم بقلق :_رقية مالك..؟
امتزج صراخها الرافض مع صوت طلقات الرصاص المندفعة بقوة لظهر أدهم... مدت كفها تحركها في توسل أن يتوقف.. لكن الأخر كان غضبه أعماه ولم يعد يرى إلا القصاص... حين تحركت رقية جانبًا لتقف مانعة له من إطلاق الرصاص... كاد أن يصيبها هي الأخرى لكن جسد أدهم  كان سدًا منيعًا وحائلًا دون العبور إليها.. فبرغم وهنه وقوته الضائعة تمكن من سحبها تجاهها ومحاوطتها بجسده ليحميها.. ليفرغ الأخر المزيد من رصاصاته في ظهره متشفيًا... غير عابىء بصراخ الأخرى الذي توقف مع سكون جسد أدهم...
وعلى الناحية الأخرى كان بدر يطلق عدة رصاصات على الآخر مُنهيًا بذلك ما يحدث... لمحت رقية بدر وبجانبه سيف يلهث من شدة أنفعالة ففقدت الوعي تمامًا...
________________________________________


  

أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن