للحكايـــة قُيــود إسراء ناصر
الفصل الأول
- قد تنساق وراء قلبک رغماً عنک .. رغم أنکَ تعلم جيداً عقوبة اتباعه إلا أنکَ مؤمنٌ بقدراتک ومؤمن بغايتک التي تسعي إليها ويحدث ما يحدث من تعسرات المهم أنکَ تعيش مغامرة الفوز بغايتک مهما بلغ صعوبة الوصول إليها .....
•ها هو يقف أمام باب منزلها في الحي القديم يتطلع لشرفتها المتهالكة التي يغطيها الغبار كلياً بشوق وندم في آنٍ واحد ،مرّ علي رحيلها اثني عشر شهراً لم يتواني فيهم يوماً عن المجئ إلي هنا والتطلع لشرفتها لعلها تأتي وتطفئ نار شوقه المتأججة داخله .. كان يظن أنها ستختفي يوماً .. أو عدة أيام .. أو شهراً ولكنها لم تظهر منذ هذا اليوم المشئوم الذي قضي علي آخر أمل له في نجاحه في أي علاقة عاطفية يمر بها .. فهو كان يريد أن يختبر ذاته استقدر علي المثابرة والمعافرة من أجل الفوز بها والوقوف أمام عادات وتقاليد مجتمعه ام ستضعف وتستسلم لقرارات والدته المشابهة لعادات مجتمعه العقيمة التي قضت علي حياة الكثير من الفتيات اللاتي ظلمتهن قرارات المجتمع الذكوري الذي يحتويهن ولكن يا للأسي هذه كانت المرة الرابعة التي أثبتت فيها ذاته أنه غير قادر علي إتمام أي علاقة عاطفية ..
أرجع رأسه للوراء يستند علي المقعد الأمامي لسيارته وهو يضع يده علي المقود أمامه يطيل النظر لمدخل باب بيتها التي تفوح منه رائحة الأتربة يتذكر يوم حادث "جويرية" عندما طيّبت خاطره ببضع كلمات ثم تركته تدلف لهذا المدخل .. كان يود وقتها أن يمسک بيدها بقوة يعيدها إلي أحضانه كي يستمد منها قوة وحنان يسانداه في هذا الموقف العصيب ولكن كبريائه منعه .. ضرب المقود بقوة لغبائه في هذه اللحظة .. لغبائه لتركها .. ولكن الأوان قد فات وخسر آخر خيط كان سيربطه بها للأبد ..
أدار محرك سيارته وانطلق بها مسبباً سحابة غبار وصوت ضجيج عالي يدل علي غضبه أو ربما شوقه ...•وصل المنزل في ساعة متأخرة من الليل فوجده هادئاً .. مظلماً حيث يبدو أن الجميع نيام .. جلس علي الأريكة التي تتوسط البهو الكبير في المنزل واضعاً رأسه بين كفيه بتعب فهو يبذل مجهود فوق طاقته بالتفكير بها رغم اختفائها فهو لا يعرف اي مكان يَقصُد كي يلتقيها فهو كمن يبحث عن إبرة في كَوْمَةُ قش ..
- أخيراً جيت يا "سليم"
رفع رأسه ينظر لمصدر الصوت بعيون خالية من الحياة فوجد شقيقته تقف أمامه بوجه شاحب وملامح قلقة فأكملت هي بنبرة مهتزة:
- ماما كانت مستنياک بس تعبت ونامت من شوية
لم يرد عليها أيضاً هذه المرة بل وقف يتأهب للصعود لغرفته فأوقفته هي قائلة بصوت باكي:
- عشان خاطري يا "سليم" اتكلم ،متعودتش اشوفک ساكت ومستسلم كدة ،عايز تزعق زعق ،عايز تلوم ماما لومها بس متسكتش
جذبها لأحضانه في اللحظة التالية مشدداً علي جسدها بداخله وكأنه يحفرها فيه فهو من كان يحتاج لهذا العناق وليست هي ليقول بصوت خفيض ضعيف:
- مش عارف من غيرك كنت هعيش ازاي ،بحمد ربنا كل يوم إنه نجاکِ من الحادثة دي
اجهشت هي في البكاء لكلماته البسيطة التي لامست قلبها فهي تعلم خير علم أنه يحبها حباً جماً ولا يستطيع الإستغناء عنها مهما حدث فهي نقطة ضعفه الوحيدة في الحياة فقالت بصوت متحشرج من بين بكائها:
- لو بتحبني صحيح اخرج من الحالة اللي أنت فيها دي ،انت بقالك سنة يا "سليم" من البيت للشغل ومن الشغل للبيت لا بتقابل حد ولا بتتكلم مع حد ،دايماً مشغول في القضايا ومش بتدي راحة لنفسك ،انا خايفة عليک يجرالك حاجة
وضع وجهها بين كفيه يمسح بأطراف إبهامه دموعها الغالية علي قلبه ليقول بهدوء رغم الألم الذي يتصدع بداخله:
- متقلقيش عليا أنا كويس
ثم استطرد يقول بابتسامة مترددة:
- هطلع أنام تصبحي علي خير يا حبيبتي
قبّل جبينها بحنو ثم رحل سريعاً يصعد درجات السُلم متجهاً إلي غرفته بينما هي ظلّت مكانها تفكر في حالة أخيها ،أحقاً الحُب يغيرنا .. يجعلنا نفقد الحياة في لحظة خسارته ولكنها وجدت الإجابة سريعاً فهي عندما كادت تفقد "عِمران" كانت ستؤدي بحياتها إلي الهلاك فدعت ربها أن يصل أخيها لحبه سريعاً قبل أن يأذي ذاته ويأذيهم ....
أنت تقرأ
للحكايــة قُيــود
Romanceالمقدمة: -صابرة .. عنيدة .. جامحة أنتِ يا أمُ ماء الحياة ،تتلاطم الرياح بکِ فتصمدين أكثر وأكثر ،عانيتِ الفقد مراراً وتكراراً ومازلتِ ذات روح مغوارة تأبي الخنوع أمام كاشحيکِ .. ولكن ماذا عن قلبك يا صاحبة العيون الفيروزية ؟! أسيقدر علي فک قيوده أم سين...