مكُنتش عايزة أكون أم وأعتقد إنها كانت حاسَّة بدا
لمَّا بدأنا أنا وريان نتقابل، كُنت قلقانة شوية من حقيقة إن عنده بنت، وكُنت بتمنى لو الأمور كُلها تتظبَّط من غير ما أبذِل فيها أي مجهود، أنا فاكرة أول مرة قابلتها، كانت ليلة خميس، فاكرة إني وصلت بيته وأنا غرقانة من المطر تمامًا، ساعتها كانت أول مرة أخاف منها، كانت واقفة تحت السلم بتبتسِم وأنا بقلَع الجاكيت المبلول بتاعي، بصيتلها وابتسمت، بس زي ما تكون ملامحها ثبتت على الابتسامة المُخيفة دي: عينيها واسعة، ابتسامتها كبيرة ومُمتنَّة من الودن للودن، حسيت بقشعريرة بتملى جسمي كُله وأنا ببُصلها، قلعت الجاكيت ودخلت ناحية غُرفة المعيشة بسُرعة، كُنت سامعاها وهي بتطلَع السلم ببطء وبخطوات تقيلة، صوت خطواتها فضل يتردَّد لثواني، كان بيعلي وبيزيد، مُستحيل بنت صُغيَّرة تقدَر تعمل صوت زي دا أثناء طلوعها على سلم
ريان ابتسم وهو بيقول: " هتتعودي عليها "
بس هو كان متوتِّر وهو بيقول الجُملة دي، كُنت حاسَّة بتوتُّره، كان بيفرك إيديه ببعض بقوة لدرجة إن ضوافره بدأت تعلِّم في راحة إيده، كُنا سامعين صوتها من فوق، وكُنت شايفاه بيبُص لفوق ناحية صوت الخطوات اللي جاي من الدور العلوي، من فترة قليلة جدًا كان شخص مُختلف، شخص لطيف وبيضحَك طول الوقت وإحنا بناكُل سوا في مطعم، أو الشخص اللي بيحضني بلُطف وإحنا بنتفرَّج على فيلم في السينما، لكن ريان دلوقتي كان مُختلِف، كان باين عليه التوتُّر والإرهاق، كان باين عليه العصبية، كان باين عليه إنه مخبي عليَّا حاجة ومش عايزني أعرفها
يومها قررت أمشي الساعة 7 مساءً، وصلني لحَد الباب وحضني وتمنى ليَّا ليلة سعيدة، مطولتش ولا سهرنا سوا لأني كُنت حاسَّة إن فيه حاجة تقيلة وغلط في الموضوع، أنا مش بفهم أوي في المشاعر الروحانية دي، بس كُنت حاسَّة إن فيه حاجة بتطردني برا المكان، عارفين الشعور اللي بتحسوه لمَّا بتقفلوا نور غرفة المعيشة وتجروا تدخلوا أوضة النوم بسُرعة، عشان هناك لسَّه فيه نور وأمان، وبتجروا عشان تهربوا من الشيطان اللي بيطاردكُم في ظلام الأوضة، هو دا الشهور اللي كُنت حاسَّة بيه، بس للأسف مكانش مُستمِر لثواني بس، لأ ... كان أطوَل، لمَّا طلب مني أقعد شوية كمان، وافقت، عشان أنا بحبه، وعشان أنا مش عايزة أكون غبية، أكيد بيته مش مسكون يعني
لكن صوت الخرابيش بدأ الساعة 8 بالظبط ...
الصوت كان جاي من فوق راسنا بالظبط، صوت خربشة الضوافر البطيئة ... القوية ... الضوافر اللي بتخربش الخشب ببطء، بيتكرَّر على الأرض لدقيقة ورا دقيقة، صوت خربشة الخشب مُزعج لدرجة إني كُنت حاسة إنها بتخربش بشرتي أنا، بصيت لريان، بصلي وابتسم بحُزن وهو بيبُص على الأرض وبيقول: " من فضلك ... تجاهليها، لو نزلت هنا ... متبصيش ناحيتها، هي بس بتجذب الانتباه ليها مش أكتر "
