اللي حَصَل دا أسوأ كوابيس أي أب وأم، أعطيناه شنطته، وشُفناه وهو بيجري في حديقة البيت الأمامية رايح ناحية باص المدرسة، قعد في الكرسي بتاعه، وشاور لنا وهو مُبتسِم، فضلت أراقبه لحَد ما الباص بعد، بس مكنتش أعرف إني مش هشوفه تاني
فضلت أستناه يرجع من مدرسته لحَد الساعة 4 تقريبًا، في النهاية أدركت إنه كدا إتأخّر زيادة عن اللزوم وإن دا مش طبيعي، اتصلت بالمدرسة، قالولي إنه فعلًا راح وحَضَر كُل الحصص بشكل طبيعي، كلمنا أصدقائه وأهلهم وقالوا إنهم شافوه وهو خارج من المدرسة عادي، لكن بيتر صديقه المُقرّب قال إنه مركبش معاهم الباص وهُمّا راجعين، اتصلنا بالشُرطة على طول وبلغناهم بكُل اللي حَصَل
وبسُرعة جدًا خرجنا أنا وزوجي وبدأن نخبّط على كُل باب في الحي، ونسألهم لو كانوا شافوه النهاردة، طبعًا كان معانا صورة ليه وهو مُبتسِم وسعيد
طبعًا زي ما إنتم متوقعين، محدش ساعدنا، كُلهم قالوا إنهم ميعرفوش عنه حاجة، بس منهم شوية دعوا لنا، ولا واحد منهم عرض إنه يساعدنا، منهم ناس مكانتش مُهتمة أساسًا، كانوا بيبتسموا ببلاهة وإحنا بنقولهم إن ابننا تاه ومش لاقيينه
والأيام بدأت تتحوّل لأسابيع وإحنا مش لاقيينه، اختفى بدون ما يسيب أي أثر، الشُرطة كمان مقدروش يوصلوا لأي حاجة، لكنهم على الأقل مكانوش بيتضايقوا من اتصالاتي وسؤالي كل يوم لو كانوا لقوا جديد، كان مسموح ليّا بس أتكلّم مع موظف مُعيّن هناك في العلاقات العامة، لكنه كان متفهّم ولطيف، المُكالمات بدأت تقل بالتدريج، طول عمرنا بنسمع عن جرايم زي دي، لكن من الصعب جدًا إنك تتخيّل إنها مُمكِن تحصل ليك ... لابنك
اضطرينا ندوّر بنفسنا في الأنهار والخنادق الموجودة في البلدة، مكُنتش عايزة نعمل كدا، بس زوجي أصر، شيء قبيح إنك تدوّر على جُثة ابنك في البرك الطينية والمصارف والأنهار المُتجمدة، في اللحظات دي كُنت بتمنى يكون مخطوف بس، على الأقل هيكون لسّه عايش
بعد شهور اكتشفنا إني حامل، ودي كانت حاجة لطيفة جدًا، هي طبعًا مش محاولة لاستبدال ابننا المفقود، لكن الحياة بتستمر، ولازم إنت كمان تستمر معاها، لازم تنسي الكُرسي الفاضي اللي على الترابيزة، لازم تتجاهل الأوضة اللي لسّه فيها ريحته، لازم تعمل كدا وإلا الحُزن هيموتك
.
في يوم من الأيام جوزي كلمني بعد ما خَلَص شُغل، أنا فاكرة اليوم دا والمُكالمة دي كويس أوي، كُنت في المطبخ بحضّر العشا لمّا اتصل بيّا
صوته كان مليان فرحة وهو بيقول: " لقيته! "
سألته بدهشة: " إيه؟ "
قال بفرحة مش طبيعية: " لقيت سيمون! "
التليفون وقع مني على الأرض، كُنت حاسّة بصدمة غير طبيعية، مسكت سماعة التليفون وإيدي بتترعش
