الفصل الثانى

15.5K 278 8
                                    

بعدما خرج يوسف من فيلته اتجه لسيارته وتولى القيادة ذاهبا الى مقر شركته.. بعد 10 دقائق كان قد صف سيارته بالجراج دخل الى الشركة ولكن قبل ذلك كان قد القى التحية على حارس الأمن قائلا " السلام عليكم.. ازيك يا عم سعيد " ابتسم له الرجل بترحيب كبير قائلاً بابتسامة واسعة " وعليكم السلام ورحمة الله.. بخير والحمد لله يا بيه " ضحك يوسف قائلاً وهو يربت على كتف عم سعيد " بيه اية بس يا عم سعيد دة انا اد ولادك " ثم أكمل بتذكر " انا عملت لك زيادة ف المرتب.. انهاردة اول الشهر عدى على الحسابات وخد مرتبك " تهلل وجهه فرحا وقال بامتنان " ربنا يبارك فيك يا بشمهندس وميحرمناش من خيرك " ابتسم له يوسف بطيبة ثم ذهب قاصدا المصعد.. ضغط رقم 13..هو الطابق الذى به مكتبه ومكتب السكرتير ومكتب رئيس مجلس الإدارة.. صعد طابقين ووجد الباب يفتح ويدخل شاب فى الثلاثين من عمره.. طويل القامة وعريض المنكبين.. له شعر أسود قصير ولحية كثيفة منمقة وبشرة برونزية.. كما ان له بنيان قوى.. ابتسم له يوسف فور رؤيته قائلاً " صباح الخير.. ازيك يا حمزة " بادله حمزة الابتسامة قائلاً بمزاح " يا صباح اللى بتغنى.. بخير الحمد لله.. ازيك يا سوفة " ابتسم يوسف بغيظ وقال " تعرف لو كان حد معانا وسمع منك سوفة دى.. كنت قتلتك " ثم اكمل بمزاح " هيبتى يا جدع " ضحك الاثنان بأخوية واضحة.. حمزة هو الاخ الثانى ليوسف الذى لم تلده أمه.. كبرا سوياً ودخلا نفس الكلية.. يعتبره يوسف صندوق أسراره.. يعلم عنه كل شىء الا سراً واحداً لم يخبره به.. كل منهما يعرف فيما يفكر به الآخر بمجرد النظر له.. من عائلة متوسطة الحال هو الابن الوحيد لوالديه.. يعمل والده كموظف حسابات ببنك.. اما والدته ربة منزل.. كرست حياتها لزوجها وولدها.. يحمل الكثير من صفات يوسف من الحنان والطيبة والالتزام أيضاً.. مرح جداً.. هو رئيس مجلس الإدارة بالشركة.. لائتمان يوسف عليه بكل شيء.. وصلا الى الطابق المقصود أخيرًا.. اتجه حمزة مع يوسف الى مكتبه الخاص.. كان المكتب كله باللون الأسود عدا الحوائط رمادية.. عندما تدخل ترى المكتب بالمنتصف من خشب الزان امامه كرسيين من نفس النوع.. وعلى اليسار طاولة صغيرة وطويلة تحمل آلة صنع القهوة وبعض الأكواب.. وكرسيين جلديين بينهما طاولة.. وعلى اليمين.. انتريه باللون الأسود مكون من اريكة عريضة تتحول الى سرير وكرسيين.. وعلى الحوائط الكثير من البراويز لآيات القرآن الكريم.. فكان المكتب ذا ذوق عالى وبسيط.. جلس يوسف على كرسيه الخاص خلف مكتبه وجلس حمزة أمامه.. مرت ساعتان وهما يتحدثان بأمور العمل.. عندما انتهى حمزة من تنظيم الأوراق التى معه.. عاد بظهره للخلف قائلاً بمزاح ساخر " انا بقيت حاسس انى مكنة بشتغل 24 ساعة.. نفسى آخد أجازة بقى " أومأ يوسف موافقا وهو يقول " نخلص من الشغل اللى ورانا ومشاكل عادل شكرى دى وبعدها خد اجازة " رد حمزة بحنق " انا مش عارف الراجل دة عايز مننا اية " رد يوسف بلا مبالاة " هيعمل اية يعنى سيبه.. مش هيعرف يعمل حاجة.. احنا شغلنا كله فى السليم " قال حمزة متنهدا " على رأيك.. ميقدرش يعمل حاجة " ثم أكمل بخبث " الا قول لى يا سوفة.. مفيش حاجة كدة ولا كدة " فهم يوسف ما يقصده.. فنظر له بغضب بينما يقول بهدوء عكس ما تحمله نظراته " أظن انت عارف إجابة سؤالك كويس.. انا لا عايز أحب ولا اتحب.. أنا حياتى كلها شغل.. مش فاضى للكلام الفارغ دة.. انا رديت عليك بهدوء المرة دى.. المرة الجاية مش هبقى هادى كدة " رد حمزة مبتسماً بمراوغة " يا عم مانا عارف بس بحب انكشك كل فترة كدة " ثم قال بعدما تحول للجدية " يلا اسيبك بقى عشان اروح اكمل شغلى " قال كلمته الاخيرة وهو يتجه للخارج قاصدا مكتبه.. بينما يوسف التف بكرسيه للخلف.. وقام ليقف امام النافذة ليفكر بهدوء واضعا يده اليسرى فى جيب بنطاله ويده اليمنى على النافذة .. تذكر حياته منذ ولادته.. تذكر والدته.. السيدة فاطمة من العائلة البسيطة التى تزوجها أحمد الراوى صاحب الشركات والمصانع بعدما وقع بحبها.. كان والده صارم الطباع وقاسى جداً ولكن كان هذا خارج منزله فقط.. أما مع زوجته فكان حنونا لأقصى حد.. يتغير كلياً حين يكون معها.. ازدادت حياتهما سعادة عندما ولد يوسف.. حتى اظلمت فجأة بوفاتها من إثر أزمة قلبية مفاجئة لأنها مريضة قلب.. كان وقتها يوسف بعامه الرابع فقط.. تحول بعدها أحمد الراوى تغيراً جذرياً.. أصبح قاسى القلب متلبد المشاعر.. حتى على ولده الوحيد.. كان يتركه لأيام برعاية الخدم لا يعلم عنه شيئاً.. حتى تفاجئ يوسف بأحد الأيام بدخول أبيه ومعه فتاة يقال لها زوجته.. عاملته بقسوة شديدة.. تحبسه بغرفته وتمنع عنه الطعام والشراب لأيام عدة.. تضربه بكل وسيلة ممكنة.. كالعصا الخشبية والحزام الجلدى والمكواة أيضاً.. رأى أياماً شديدة العذاب وكل هذا ولا يدرى والده شيئاً فهى تتحول أمامه للملاك الوديع.. حتى حان ولادة التوأم ياسين وياسمين.. أحبهما يوسف بشدة من كل قلبه كان وقتها لازال فى السابعة من عمره.. لا يحمل قلبه اى ضغينة.. خف سوط زوجة أبيه عليه.. كان يرعاهما يوسف فى ظل انشغال الأم بالنادى وممارسة الرياضة لاستعادة جسدها بعد الولادة.. كان يذهب اليهما ليلاً عندما يبكيان ويطعمهما ويلعب معهما.. ظن ان العذاب انتهى بمجرد ولادتهما.. ولكنه عاد مرة اخرى عندما كبرا وصارا بعامهما الثانى.. عادت لضربه مرة اخرى بطريقة أشد وقست عليه أكثر لدرجة أنها كانت تجعله ينام مع الخدم مفترشا الأرض بدون غطاء فى ليالى الشتاء.. كبروا ثلاثتهم وشهد ياسين وياسمين الذل الذى يتعرض له اخيهما الغير شقيق.. حتى تغيرت شخصيته تماماً للأسوأ.. شديد العصبية والقسوة تحجرت مشاعره ومعها قلبه حينما بلغ الخامسة عشر.. يظل خارج المنزل لوقت متأخر من الليل دون الاهتمام بأخويه.. كان يؤنبه ضميره كثيرا على عدم اهتمامه بهما ولكن ينفض تلك الفكرة تماما حين يرى معاملة زوجة أبيه له.. وحين وصل لعامه الثامن عشر توفى الأب وزوجته بحادث سير قوى.. عاد ثانية للأخ الحنون مشفقا على اخويه.. وعندما علم عمه عبد الله بالأمر عاد من أميركا مصطحبا خالد وأميرته الصغيرة.. مريم.. عشقها منذ الوهلة الأولى كانت هى ذات التسعة أعوام.. اعتبرها يوسف ابنته.. يصطحبها معه للمدرسة ثم يذهب لكليته.. كانت تبكى بسبب والدها وتذهب لتشكو له فيأخذ لها حقها.. كان حمايتها وأمانها.. الا أنها تغيرت تماماً حين اصبحت بعامها الخامس عشر.. نضجت وصارت تعتبره غريباً عنها.. وتحطم قلبه لذلك.. ابتعدت عنه كثيرا وباتت تكرهه حين قال لها انه لن يستطيع التحدث معها بحرية كما قبل لان دينه يحتم عليه ذلك.. الى عامه الثلاثون الآن.. هو لازال يعشقها.. ويدعو الله ان تصبح له فى يوم من الأيام.. لم يخبر أحدا بهذا حتى صديقه الوحيد حمزة وكلما سأله صديقه يرد عليه بحدته التى رأيناها منذ قليل.. تذكر كل هذا وهو يقف شاردا أمام المرآة.. حتى جلس حينما شعر بصداع يحتل رأسه بدرجة غريبة.. كان ألما لا يحتمل.. أمسك جبهته بألم ظاهر.. ثم دق الباب...!

" معذبتى " لنوران الدهشانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن