الفصل الثانى والثلاثين

8K 166 5
                                    


بمنزل يوسف الراوى.. كانت مريم تجوب الصالون ذهاباً وإياباً بقلق شديد.. لقد دقت الساعة منتصف الليل ولم يأت يوسف بعد.. دعت الله فى نفسها أن يكون بخير.. كان الهاتف بيدها فضغطت رقمه الذى تحفظه عن ظهر قلب.. وكان الرد المعتاد.. إن الهاتف مغلق أو غير متاح.. فرشت سجادتها وصلت بخشوف وبكاء صامت داعية الله أن يرده لها سالماً..

بالمستشفى.. كان حمزة يجلس بجانب يوسف يربت على كتفه بحنان لعله يهون عليه ولو جزء صغير من ألمه.. بينما يوسف كان يغطى وجهه بكفيه.. جسده يؤلمه بشدة.. عقله منهك.. قال بخفوت " آسف " علم حمزة علام يعتذر صديقه فقال مبتسماً بمرح لعله يخفف عنه " والله معدتى مقلوبة بس ولا يهمك " بادله يوسف الابتسامة ثم قام فجأة قائلاً " قوم نمشى " قام حمزة وكاد يسانده حتى لا يقع لكن أوقفه يوسف بيده قائلاً بحزم " إياك.. أنا كويس " أرجع حمزة يديه وسارا سوياً حتى وصلا لسيارة حمزة.. استقلاها وأخرج حمزة هاتف يوسف من جيبه وأعطاه له قائلاً " أنا قفلته لما لقيت مريم اتصلت بيك " نظر له يوسف بغضب فقال بتلعثم " أقصد المدام " لم يرد بل أمسك هاتفه وفتحه.. وجد 30 اتصال منها.. تنهد وحاول التعديل من نبرة صوته حتى لا يبدو فيه التعب ثم اتصل بها.. ردت من أول رنة قائلة بغضب " لسة فاكر ترد.. انا كنت هموت وانا قاعدة هنا مش عارفة انزل ادور عليك.. موبايلك مقفول لية ها " انفلتت منه ضحكة صغيرة.. فقد استشعر القلق بصوتها رغم أنها تحادثه بغضب.. قالت بعصبية " وبتضحك كمان " توقف عن الضحك وقال كاذباً " كان ورايا شغل كتير ومفيش شبكة فى الشركة " ردت بغضب شديد " ومهانش عليك تتصل من اى حتة تقول لى " حاول تهدأتها ثم قال بهمس " بحبك " سكتت على الفور ثم قالت بحنق مزيف " تعالى حالاً " رد مبتسماً " حاضر " أغلق الخط وظل ينظر من نافذة السيارة بشرود.. بمنتصف طريقهم.. قال لحمزة بشرود " الدكتور قال لك اية " نظر له حمزة ولم يرد فكرر يوسف سؤاله بتصميم.. زفر بضيق ثم قال " كان بيقول لى ع الأعراض الجانبية بعد الجلسة " رد بهدوء " اللى هى اية " تنهد قائلاً بحزن " إغماء متكرر ونوم طويل وإعياء والصداع وممكن تنسى كتير " ثم أكمل بحزن شديد " للأسف مينفعش تاخد مسكن " لم يرد بل أكمل النظر من النافذة حتى وصلا الى المنزل.. ذهب حمزة بينما صعد الى شقته مستقلاً المصعد.. يتمنى إلقاء نفسه على الفراش.. فيكفى ما حدث اليوم حتى يتمنى الراحة.. فتح الباب ودلف للداخل.. تفاجأ بها ترتمى بأحضانه وتبكى بشدة.. ربت على شعرها يطمئنها بأنه بخير.. لعن ذلك المرض للمرة المليون لأنه السبب بكاء حوريته الآن.. قالت من بين بكائها " تعرف انا كنت عاملة ازاى وانا مش عارفة اوصل لك.. مكنتش حاسة بأمان.. عرفت احساسك دلوقتى لما جربت " لحظة.. أهذا اعتراف منها بأنها تعتبره أمانها.. أقالت ذلك للتو.. أمسك وجهها بين يديه وقبلها من جبينها بعمق قائلاً " آسف لإنى قلقتك اوى كدة " لم ترد بل ألقت نفسها بين أحضانه مرة ثانية.. تريد الشعور بالأمان مرة أخرى.. ولن تجده الا بين ذراعيه.. يكفى الدفئ الذى تشعر به حينها.. ظلا هكذا لعدة دقائق.. ابتعدت عنه ومسحت أنفها بكم اسدالها كالأطفال.. ابتسم من فعلتها تلك.. قالت بحنان " غير هدومك عشان تاكل " أومأ موافقاً رغم أنه يريد النوم فقط.. لكن لم يشأ إحزانها.. دلف الى غرفته وتحمم بمعجزة.. فقدماه لا تستطيعان حمله.. استند على طرف حوض الإستحمام.. ظل هكذا لعدة دقائق ثم قام وسار يستند على ما يقابله.. ارتدى سروال قطنى أسود ثم نادى على مريم بصوت منخفض لا يخرج من حنجرته.. وكأنها استمعت إلى نداءه فوجدها تدلف الى غرفته قائلة " اكيد عايز تغير ع الجرح " هز رأسه دون أن يتحدث فذهبت الى الحمام وأتت بعلبة الإسعافات الأولية ثم جلست على ركبتيها أمامه تقوم بمهمتها.. ولحسن حظه كان الجرح قد بدأ يتلاءم فلم يشعر بألم قوى.. حمد الله فى سره فلا ينقصه ألم آخر يكفى ما به.. جذبته من يده الى الخارج دون أن تنتبه أنه لا يرتدى شيئاً من الأعلى.. أجلسته على الأريكة وأتت بصينية متوسطة الحجم عليها طعام العشاء.. أطعمته بيديها حتى أصبحت الأطباق فارغة ولم تتناول هى إلا بعض اللقيمات.. ابتسم لها بامتنان فبادلته الإبتسامة ثم أمسكت يده وقاما سوياً لغرفته.. شعر بمعدته تؤلمه بشدة.. تذكر ما قاله حمزة عن إعياءه.. فقال لها بهدوء " هدخل الحمام وجاى " أومأت بإيجاب بينما دلف الى مرحاضه وأغلق الباب بإحكام ثم أفرغ كل ما فى جوفه بالحوض.. نظر لنفسه بالمرآة المعلقة فوق الحوض.. لاحظ اصفرار بشرته واحمرار عينيه الشديد.. غسل وجهه وخرج لها.. وجدها نائمة بفراشه مغمضة العينين.. استلقى بجانبها وقد ظن أنها نامت.. لكنه تفاجأ بها تلتصق به رغم أنه لا يرتدى شيئاً.. حاوطها بذراعه ثم غط فى نوم عميق بعد لحظات..

فى صباح اليوم التالي.. استيقظ من نومه على صوت أذان الظهر.. وجدها غير موجودة بالغرفة.. تحمم وارتدى بذلة رمادية وقميص أسود ومشط شعره وارتدى ساعته ثم خرج.. وجدها تجلس أمام التلفاز.. عندما رأته قالت مبتسمة " صباح الخير.. هحضر الفطار " تذكر ما حدث له بالأمس فأوقفها قائلاً " متعمليش حسابى انا اتأخرت ع الشغل " نظرت له بحزن ثم ابتسمت قائلة " طيب " ابتسم باعتذار " متزعليش بس متأخر والله " ابتسمت بتفهم فقبلها من جبينها ثم ذهب.. جلست تنظف شقتها.. وعندما انتهت ذهبت الى غرفتها ترتدى ملابسها.. اتصلت بسارة صديقتها لتقابلها حتى يذهبان للكلية سويا..

اما هو.. عندما خرج استقل سيارة اجرة لوجود سيارته بجراچ الشركة.. بعد قليل وصل الى مقصده.. صعد الى الطابق الذى به مكتبه.. وجد حمزة يقف بمكتب السكرتير يبحث عن ورق ما.. عندما رآه حمزة قال بغضب " انت اية اللى جابك.. المفروض ترتاح " ابتسم لقلق حمزة عليه.. حمد الله أن هناك صديق له مثل حمزة بحياته.. رد مبتسما " انا كويس الحمد لله متقلقش " هدأ حمزة قليلاً ولكن لازال يبدو على ملامحه الغضب من استهتار صديقه بصحته.. قال مقطباً جبينه " مفيش شغل مهم روح " رد يوسف نافياً " هقعد فى مكتبى من غير شغل يا عم الله" ابتسم حمزة قائلاً " خلاص تعالى اقعد معايا " وافق يوسف على مطلبه وذهبا الى مكتب حمزة.. قال يوسف متسائلاً " لسة والد حنين مردش عليك " رد حمزة مبتسماً " قال لى موافقتها امبارح قبل اللى حصل " تهللت أساريد وجهه قائلاً بفرح لصديقه " الف الف مبروك يا حمزة " رد حمزة بسعادة " الله يبارك فيك يا يوسف.. عقبل ما تفرح باخواتك " قال متذكراً " خالد اتقدم لياسمين بس لسة مردتش على طلبه " رد حمزة بابتسامة عريضة " الإتنين يستاهلوا كل خير ربنا يوفقهم " أمّن يوسف على دعائه.. أعطاه حمزة بعض الأوراق قائلاً " امضى على دول " أخذ منه الأوراق وفعل ما قال.. إلا أنه ترك القلم من يده وأمسك رأسه بألم.. قال حمزة بقلق " الصداع " لم يرد يوسف.. علم من شكله إجابة سؤاله.. ظل يربت على كتفه يسانده.. بينما يوسف قد بدأ يتأوه بألم.. كتم صرخاته داخل فمه.. ظل هكذا لربع ساعة حتى بدأ الصداع يهدأ.. تمالك نفسه بعد قليل ثم قام وذهب الى مكتبه دون أن يتحدث.. علم حمزة لم فعل ذلك.. هو لا يريد الظهور ضعيفاً أمامه.. مر اليوم وعاد يوسف الى منزله..

بيوم الجمعة.. كان يجلس حمزة وعائلته بمنزل محمود.. كان يرتدي بذلة رمادية وقميص أبيض ورابطة عنق سوداء.. وشعره ممشط بجاذبية ولحيته مهندمة وينفذ منه عطر رجولى رائع.. كانت حنين تجلس أمامه بجانب والديها تنظر الى الأرض بخجل شديد عندما لاحظت نظراته التى تقفز منها السعادة.. كانت العائلتان متفاهمتين بشكل كبير.. حمد الله على تيسير الأمور.. اتفق الوالدان على أن تكون الخطوبة مع عقد القران بعد أسبوع من الآن.. مرت الجلسة على خير وذهبت العائلة.. بسيارة حمزة.. كان يجلس والده بجانبه ووالدته بالخلف.. قالت سمية " والله البنت سكرة وزى القمر ما شاء الله ومامتها حبيتها كإنى اعرفها من سنين " وافق الوالد على كلامها قائلاً " فعلاً وابوها راجل محترم وذوق.. يا زين ما اخترت يا حمزة " انشرح قلبه من حديثهما.. سمع رنين هاتفه فوجد المتصل يوسف.. ابتسم ورد عليه.. قص عليه كل ما حدث وأخبره بموعد العقد.. انتهت المكالمة على تهانى يوسف له ومباركته للزواج..

قضى العروسين ليلهما يحمدان الله على رزقه بالآخر.. وقد ناما براحة شديدة يحلمان بيوم تتويجهما زوج وزوجة..

فى صباح اليوم التالى.. اتصلت حنين على ياسمين تخبرها بضرورة التسوق لإحضار الفستان فاتفقتا على الخروج بعد صلاة العصر.. اتصلت ياسمين على مريم واخبرتها فاستئذنت من يوسف وقد وافق الأخير على أن لا تتأخر.. تقابلن أمام المول فاحتضنوا بعضهن  بشوق وقالت ياسمين بمرح " مبروك يا كلب البحر " ردت حنين ضاحكة " الله يبارك فيكى يا خرتيتة " قالت مريم بابتسامة صغيرة " الف مبروك يا حنين ربنا يتمم لكم على خير " ابتسمت حنين بلطف قائلة " الله يبارك فيكي يا حبيبتي " دلفن للمول وسرن كثيراً.. مرت ساعتان ولم تنتقى حنين أى شئ.. قالت ياسمين بتعب " رجلى وجعتنى يا حنين اخلصى بقى " ردت بضيق " مفيش حاجة عاجبانى " اكملن سيرهن مرة أخرى حتى توقفت حنين فجأة أمام أحد الفساتين.. نظرت له مبهورة من شدة جماله.. لقد كان باللون السماوى مزركش بورود متوسطة الحجم من الدانتيل بأكمام واسعة قليلاً وله ياقة قصيرة.. ضيق من الصدر ويتسع الى الأسفل.. قالت مبهورة " هو دة " دلفت الى المحل برفقة ياسمين واخذته ثم دلفت الى غرفة التبديل.. ارتدته وخرجت الى ياسمين.. عندما رأتها أطلقت صافرة اعجاب قائلة " ما شاء الله زى القمر.. الفستان تحفة عليكى " ابتسمت حنين وظلت تدور به من السعادة.. اشترته وانتقت ياسمين من نفس المحل فستان بيج سادة.. إلا أنه مزين من الأسفل بفصوص صغيرة من اللؤلؤ وكذلك الأكمام.. كما اختارت مريم فستان بنى بسيط بأكمام قصيرة قليلاً تصل الى بعد مرفقيها.. مزين من الأسفل بأوراق شجر خضراء وله حزام من الخصر باللون الزيتونى خرجن من المحل ثم ذهبن الى عدة محلات أخرى لشراء باقى المستلزمات فابتاعت حنين خمار أبيض وحذاء مغلق بكعب عالى باللون ذاته.. بينما ابتاعت ياسمين خمار اوف وايت وحذاء مغلق بكعب قصير وحقيبة صغيرة باللون ذاته.. واشترت مريم طرحة زيتونية طويلة وحذاء مفتوح باللون الأخضر وحقيبة صغيرة باللون نفسه انتهين من شراء كل شئ ثم عادت كل منهن الى منزلها..

أما حمزة فقد ذهب برفقة يوسف وخالد وياسين الى نفس المول بعد ذهاب الفتيات اليه بيوم.. دلفا الى محل كبير لبيع البذلات الرجالية.. انتقى حمزة بذلة كحلية اللون تحتها صديرى باللون ذاته وقميص أبيض مع رابطة عنق باللون الأزرق الفاتح وحذاء أسود لامع بينما انتقى يوسف بذلة باللون الجملى لها صديرى بنفس اللون وتحته قميص باللون الأخضر الداكن ورابطة عنق بنية مع حذاء بنى.. أما خالد فانتقى بذلة رمادية لها ياقة سوداء وتحتها قميص أسود ورابطة عنق رمادية مع حذاء أسود.. أما ياسين فانتقى بذلة سوداء وقميص أبيض مع بيبيونة باللون الأحمر وحذاء أسود

#نوران_الدهشان
متنسوش الڤوت 💜

" معذبتى " لنوران الدهشانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن