الفصل الثانى والخمسين

7.4K 176 1
                                    


أشرقت الشمس ببهجتها وآشعتها الذهبية التى أقسمت أن تزعجها.. تململت مريم فى فراشها حين أصابتها آشعة الشمس لتوقظها من نومتها العميقة.. شعرت بمن يقبض على يدها.. ففتحت عينيها الزرقاوتين وتطلعت حولها لتجد نفسها فى غرفة بلون البحر الذى يبعث الراحة فى النفوس.. لفت وجهها بألم من جلستها الطويلة فوجدت يوسف يقبض على يدها بكفه يحتضنها وهو يتكإ على الفراش ونائم بعمق كما يبدو عليه الإرهاقفنومته غير مريحة بالمرة.. كان يبدو كالطفل الصغير الذى نام من شدة تعبه بعد اللعب.. ابتسمت بحب ومسدت على شعره الغير مهندم.. كان يوسف منذ صغره ونومه خفيف جداً.. فور شعوره بيدها على رأسه انتفض بفزع.. حين رآها استيقظت وتبتسم له قال بسرعة " انتى كويسة.. حاسة بإية " هدأته قائلة " اهدى.. انا كويسة " ثم أكملت بحزن " البيبى مات.. صح " ابتسم قائلاً " لا لسة موجود.. وان شاء الله ييجى بالسلامة " شعرت بالسعادة الشديدة فارتمت بأحضانه وهى تحمد الله على حمايته لطفلها الذى لم ير الدنيا بعد.. بادلها العناق قائلاً بندم " أنا آسف " ابتعدت عنه وهى تنظر له بعدم فهم " فقال شارحاً " انتى استنجدتى بيا وانا ملحقتش انقذك.. لو كنت واخد بالى منك مكنش دة حصل " تلمّست وجنته بحنان قائلة بابتسامة صغيرة " متلومش نفسك.. انا مكتوب لى دة يحصل مكنتش هتقدر تمنعه.. الحمد لله انها عدت على خير.. والبيبى كويس " ابتسم لها بامتنان ثم اقترب منها.. أمسك وجهها بين يديه وقرّبها منه فأغمضت عينيها حين شعرت بقبلته على شفتيها.. ذابت بين يديه وغاب الاثنان فى عالمهما الخاص حتى أخرجهم صوت دقات الباب.. دفعته مريم بعيدا عنها بفزع لينظر لها يوسف بغيظ قائلاً " حتى المستشفى مش عارفين يخلونا على راحتنا فيها.. احنا هنرجع البيت بعد ما تخرجى.. مينفعش كدة " قهقهت عالياً ليسمعها الطارق من الخارج ففتحوا الباب ودلف عبد الله وخالد وياسمين وياسين.. حزنت مريم لعدم وجود والدتها.. ألا تهتم بالاطمئنان عليها.. شعر يوسف بالضيق من وجود أخيه.. لاحظته مريم فابتسمت له بمشاكسة.. رحبت بهم قائلاً " منورين.. بس مكنش لازم تيجوا.. انا كويسة وهخرج انهاردة ان شاء الله " رد يوسف بحزم " مش هتخرجى من هنا غير لما الدكتورة تقول " أكّد عبد الله على حديث قائلاً " ايوة يوسف معاه حق " زمت شفتيها بضيق فكانت تبدو كالأطفال.. غمزها يوسف بعينيه فلم تستطع كتم ابتسامتها.. لاحظ ياسين ما يدور بينهما لتشتعل نار الغيظ والغيرة بداخله.. لقد شعر بالغضب الشديد حين علم من ياسمين خبر حملها من أخيه.. الآن باتت مهمته أصعب.. بينما ياسمين قالت مازحة " مش هاين عليكى تقعى فى الفيلا عندكم.. الجنينه اتعكت " ضحك الجميع على مزاحها لتقول مريم بغيظ " اتعكت.. بدل ما تقولى لى فداكى يا مريوم " رد يوسف بدلاً من ياسمين قائلاً بابتسامة عاشقة " فداكى الف جنينة يا روما " أخفضت أنظارها بخجل شديد.. فعائلتها بجانبها وهو يغازلها كما لو كانا بمفردهما.. وكان ياسين يقف بعيداً يلقى عليهم نظراته الحاقدة.. انقضت جلستهم ثم رحلوا بعد قليل.. بينما يوسف سأل الطبيبة عن موعد خروجها فأخبرته بأنها يمكنها الذهاب الليلة.. كانت ياسمين قد أحضرت ملابس نظيفة لها فقال يوسف بخبث وهو يعطيها الملابس " تحبى اساعدك " ردت بسرعة " لا " ضحك عليها لتغتاظ هى.. تسائل بمكر " متأكدة " ردت بثقة " اة " أخذت الملابس ثم دلفت الى المرحاض.. ارتدت الفستان الرمادى ولم تستطع غلق السحاب فيدها لا تستطيع الوصول إليه.. تذمرت بغيظ وتمتمت " كان لازم تجيبى فستان يا ياسمين " سمعها يوسف من الخارج فكتم ضحكاته حتى لا تسمعه ثم قال بجدية مزيفة " خلصتى يا روما " ردت بتلعثم " اااا.. ها.. اة ثوانى بس " كان واثقاً أنها لن تخرج حتى لو بعد أيام فقال ضاحكاً " طب اخرجى كدة " فتحت الباب فتحة بسيطة وهى تنظر أرضا بخجل.. فهى من رفضت مساعدته.. فلتدفع ثمن ذلك.. حاول كتم ضحكاته بصعوبة ثم قال مبتسماً حتى ظهرت غمازتيه " لفى " توردت وجنتيها ثم التفت ببطء شديد.. كما توقع لم تستطع إغلاق السحاب.. اقترب منها وأبعد شعرها الطويل لتظهر رقبتها البيضاء.. شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح رقبتها.. انقطعت أنفاسها وهى تتمنى أن ينتهى بسرعة.. بينما هو نظر لظهرها.. حين شعرت بيده تلمسها ارتجفت تلقائياً.. أغلق السحاب ببطء وهو يتمنى أن تطول الثوانى ليبقيا كذلك.. انتهى أخيراً لتلتف هى بنظرات منخفضة وخجل يغطى ملامح وجهها.. رفع وجهها بأصابعه لتقابل عينيه الرماديتين التى أسرتها.. لم تشعر بنفسها سوا وهى محاصرة بين ذراعيه التى تقبض على خصرها بينما هو قد انقض على شفتيها ينهل من شهدها.. لم تستطع قدميها أن تحملانها فكادت تقع حين التقطها بين يديه وعاود تقبيله لها.. أفاق الاثنان بعد قليل فأبعد يوسف وجهه عنها ليجدها تلهث لانقطاع أنفاسها.. لم تجرؤ أن تنظر له فابتعدت عنه والتقطت حجابها ثم ارتدته تحت أنظاره العاشقة.. خرجا سوياً ثم استقلا السيارة وعاد بها يوسف الى فيلا عبد الله الراوى.. كانت الساعة تدق الثامنة.. انتبه يوسف الى رنين هاتفه فنظر له ليجد المنبه الذى يذكره بميعاد الجلسة.. أغلقه بعدم اهتمام ثم وضع الهاتف بجيبه لتقول مريم متسائلة " مردتش لية " قال بلا مبالاة " دة منبه " ردت باهتمام " عندك مشوار ولا اية " رد بضيق " اة بس مش رايح.. مش مهم " قالت بحزم " هتروحنى الفيلا وروح مشوارك يا يوسف " كاد يعترض الا أنها أوقفته قائلة " هتوصلنى وتروح " تأفف بضيق ولم يرد.. يكره تلك الجلسات بحق.. يكره دخول المشفى من الأساس.. وصل الى الفيلا فترجلت من السيارة.. تابعها بنظراته حتى اطمئن من دخولها ثم ذهب الى مشفى الطبيب إبراهيم.. حاول إبراهيم أن يقنعه بالعملية ولكن كان رد يوسف حازماً وهو يقول " مش هعملها يا دكتور.. العملية آخر حاجة ممكن افكر فيها عشان علاجى " دخل الى الغرفة المجهزة للجلسة فيسمع صرخاته المتألمة كل من يمر من أمامها.. انقضى العذاب أخيراً ليبدأ العذاب الآخر.. الإعياء المتكرر والصداع المزمن.. جلس بسيارته لساعة كاملة حتى شعر باستعادة بعضاً من قوته الهزيلة وقد بدأ الصداع يحتل رأسه كعادته بعد كل جلسة.. فرك عينيه ذات الرؤية الضبابية ثم شغل سيارته وسار ببطء عائداً الى الفيلا.. ولم ينتبه الى تلك العيون التى تترصده..

فى منزل شادى.. بالتحديد فى غرفة النوم.. كان يستلقى على فراشه عارى الصدر لا يرتدى سوا سروال منزلى بينما سارة تقف أمامه بقميص نوم قصير وهى تسكب بعض الخمر.. قالت متسائلة " تفتكر نبعت حد يقول لعبد الله " رد شادى مبتسماً بشر " انا عملت كدة من زمان " عقدت حاجبيها بعد فهم فيقول شارحاً " بعتت واحد من رجالتى لشركته وقال له ياخد باله من تصرفات ابن اخوه من غير ما يقول لية.. فريدة قالت لى انها سمعته بيتكلم فى الموبايل مع واحد من البودى جارد وقال له يراقب يوسف ويقول له على تحركاته " ثم أكمل براحة " وقالت لى ان ياسين ممكن نطلع منه بمصلحة.. فبعتت حد يراقبه هو كمان ولاحظت انه بيروح لكباريه كتير.. بالفلوس رشيت حراس المكان.. وانا كنت عارف ان هييجى يوم ويوسف يروح ورا ياسين.. وفعلا حصل.. وطبعأ عبد الله باعت راجل وراه.. لما دخل يوسف هناك.. الراجل سأل الحراس عنه.. قالوا له انه بييجى هنا كتير يسكر ويقعد مع بنات.. وطبعا الراجل راح قال لعبد الله اللى سمعه.. وبما ان يوسف بيروح مستشفى ياخد جلسات كيماوى رشيت ممرضة هناك تقول لجاسوس عبد الله انه بيتعالج هنا من المخدرات.. وبرده الراجل لما عرف كدة  راح قال لعبد الله.. وانا عرفت من الدكتور اللى بيعالجه انه مش راضى يعمل العملية وممكن فى اى وقت يفلسع.. فبكدة ضمنت ان انا فى السليم ويوسف هيموت موتة ربنا بعد ما ياخد صدمته من عمه " ضحك عالياً بعدما انتهى من حديثه بصوت تشمئز منه الآذان بينما سارة تصفق له بإعجاب على خطته الذكية..

بينما فى منزل حمزة.. كان يجلس على فراشه يفكر بعمق فى حال صديقه تلك الايام.. عندما أخبره يوسف بأن خالد سيتقدم لطلب يد ياسمين.. انتظر حتى تنقضى الجلسة على خير حتى يذهب لعبد الله ويقول له عن مرض صديقه.. انتظر يومين.. والآن هو الوقت المناسب.. انتفض من جلسته ثم أخذ من خزانة ملابسه ما استطاعت يده أن تلتقطه ثم استقل سيارته وذهب لفيلا عبد الله الرواى..

بينما يوسف قد وصل أخيراً الى الفيلا بعد عناء.. دلف للداخل بصعوبة فى الحركة فوجد الجميع يجلس بالصالون.. بينما عبد الله فور رؤيته ليوسف ببشرته الصفراء وجسده الهزيل انتفض واقفاً وهو يقول بمزيج من السخرية والاحتقار " أهلا بالبيه المحترم "

#نوران_الدهشان
متنسوش الڤوت 💜

" معذبتى " لنوران الدهشانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن