الفصل الخامس والثلاثين

8.1K 181 2
                                    


فى صباح اليوم التالي.. بالتحديد كانت الساعة تدق السادسة.. لم تنم مريم ليلها.. فقد كانت منتظرة ذلك الإتصال لتطمئن.. مرت ربع ساعة أخرى حين وجدت هاتفها يهتز وشاشته تنير.. التقطه بسرعة وردت.. قالت بلهفة " عملت اية يا خالد " رد خالد مطمئناً " متقلقيش كل حاجة تمام " تنهدت براحة شديدة ثم اغلقت الخط لتنام ملئ عينيها والابتسامة تعلو شفتيها..

بعد عدة ساعات بالشركة.. كان يوسف يجلس على مكتبه وأمامه حمزة وخالد.. قال يوسف بهدوء " شكلك عايز يقول حاجة.. خير " ابتلع خالد ريقه وقال بغضب " عادل شكرى " قطب حمزة جبينه قائلاً " ماله الزفت دة " ظلت ملامح يوسف باردة ولم يتحدث فأكمل خالد قائلاً " اول امبارح اتصل بمريم يا يوسف.. وطبعا اختى متعرفوش.. ردت عليه وهددها انها تجيب له ملف صفقة الحديد لشركة future يا إما هيقتلك.. مريم كلمتنى بعدها وملتنى الرقم.. من غير ما تقول لى اى حاجة.. عرفت انه رقمه.. وضغطت على مريم عشان تقول لى هو كان بيكلمها لية.. اخدت الملف منها وغيرت شوية تفاصيل فيها هتفلسه.. ورجعته لمريم وهى اديته لواحد من رجالته وطبعاً كنت مراقبها من بعيد عشان ميشكش فى حاجة.. حالياً.. شركته مفيهاش سيولة لإنه ضيع فلوسه ع التغيير اللى انا عملته فى الصفقة " كانت ملامح يوسف لا تنذر بالخير أبداً.. قال من بين أسنانه بغضب هادئ " سيبونى لوحدى " نظر الإثنان لبعضيهما فأشار حمزة لخالد بعينيه أن يقوما.. اتجها للخارج وقال خالد متسائلاً " هو ماله " رد حمزة بهدوء " اكيد اتضايق عشان مريم لجأت لك " نظر له خالد مندهشا ثم اتجه بأنظاره الى باب المكتب المغلق ينظر له بتعجب..

أما يوسف.. فقد كان يمسك بقلم مكتبى.. احمرت عينيه وكسر القلم الى نصفين غاضباً ثم ضرب المكتب بيديه.. طلب منها منذ أول زواجهم أن لا تخفى عليه أى شئ مهما كان صغيراً.. والآن تخفى عليه هذا الأمر.. لقد وصل عادل شكرى إليها.. أصبحت فى خطر.. عليه أن يتخلص منه لحماية أهل بيته.. ماذا لو كان قد اذاها وهو بالطبع لا يعلم بتهديده لها.. لجأت الى أخيها لينقذها من مصيبتها.. وتجاهتله.. أجل تجاهلته.. ألم تخبره قبل ذلك أنه حمايتها وأمانها.. لماذا لم تخبره.. ابتسم بتهكم.. أظننت أنها أحبتك ولو قليلاً.. إنها تشعر بالأمان فقط فى وجودى.. ممتنة لأننى أسعدها.. أما الحب.. قلبها لا يعرف له طريقاً.. لحظة لحظة.. لقد انتبه الى أمر ما.. كيف علم عادل أن الملف بمنزله.. إنه يراقبه بالتأكيد.. وبالتالى يراقب مريم.. شعر بالخوف من المستقبل لأول مرة بحياته.. دعا الله أن يحفظها سالمة من كل سوء.. يا إلهى.. اتسعت عينيه صدمة عندما جال بخاطره إن كان علم بتواجده بعيادة الطبيب ليلة أمس.. من الممكن أن يعلم ما بى ويخبر كل شخص يعرفه بمرضه اللعين.. تنهد بغضب ثم اكمل عمله بحاجبين مقطبين شاعراً بالصداع قد بدأ يعاوده..

كانت هى بالمنزل.. نائمة بفراشها.. استيقظت على صوت زقزقة العصافير.. قامت وتمطعت براحة شديدة.. وجدت صندوقا متوسط الحجم موضوعا على الكومود.. ابتسمت بسعادة والتقطه.. فتحته برفق ونظرت لما بداخله ثم شهقت من الصدمة عندما وجدت أفخر أنواع الشيكولاتة الفرنسية مع كارت صغير ووردة حمراء.. لقد اصبح معتادا على ايقاظها على كلماته العذبة.. تشعر أن شيئاً ينقصها بدون هذه الكروت.. فتحته وقرأت ما به " تنْظُرينَ إلىَّ وكأنَّ العَالمَ تبخَّر ولمْ يبقَ سوى أنا وأنتِ.. أحبُّكِ " ضمتها الى قلبها مغمضة العينين والابتسامة تزين ثغرها الصغير.. وضعته والوردة مع رفاقهما بالدرج ثم تناولت إحدى الشيكولاتة.. مضغتها بتلذذ شديد فطعمها رائع.. وضعت الصندوق جانباً ثم دخلت الى المرحاض وتحممت.. خرجت تلف منشفة كبيرة حول جسدها ثم انتقت من خزانة ملابسها فستاناً قصيراً منزلياً باللون الأبيض به دوائر حمراء صغيرة وحزام أحمر رفيع وبدون حمالات.. وجدت الفطور على الطاولة فاتسعت ابتسامتها حتى وصلت من الأذن الى الأذن.. يالجرعات السعادة التى اعطاها لها زوجها الحبيب منذ الصباح الباكر.. تناولت فطورها بنهم شديد ثم جلست أمام التلفاز تحمل على ساقيها صندوق الشيكولاتة وقد أكلت نصفها..

بشركة يوسف الراوى.. دق هاتفه فنظر للمتصل.. وجده ياسمين.. رد عليها قائلاً بهدوء " السلام عليكم ازيك يا ياسمين " ردت بنبرة مرحة " وعليكم السلام.. انا تمام الحمد لله.. وأنت يا فتى " ابتسم ابتسامة صغيرة قائلاً " الحمد لله.. اقول له موافقتك " ردت بتعجب " هو باين عليا اوى كدة " انفلتت منه ضحكة قائلاً " وباين إنك واقعة كمان " علم أنها الآن بالتأكيد توردت وجنتيها من الخجل فقال بحنان " كبرتى يا مينو.. ربنا يطول فى عمرى لحد ما اسلمك لخالد بنفسى " ردت بلهفة " وهتشيل ولادى كمان ان شاء الله " ثم اكملت مازحة " وبعدين اية تسلمنى دى.. هو انا شحنة حديد يا عم " ضحك على حديثها بشدة قائلاً " طب اقفلى يا لمضة عشان أقول لعريس الغفلة " اغلق الخط واتجه الى مكتب حمزة.. قال لخالد مبتسماً " عايزك تيجى لنا الفيلا بعد خطوبة حازم " عقد خالد حاجبيه بعدم فهم متسائلاً " لية " رد يوسف مبتسماً " عشان تتقدم لأختى بس طبعا بعد موافقة والدتك " لحظة.. أقال.. أقال التقدم لياسمين.. قفز من كرسيه قائلاً بسعادة " بجد يا يوسف وافقت " هز رأسه بإيجاب فكاد خالد يجن من شدة فرحته.. ستصبح زوجته قريباً.. حمد الله كثيراً بينما قابله حمزة بالتهانى والمباركات..

بالمساء.. كانت مريم قد حضرت بعض الطعام الخفيف بمساعدة ياسمين بالطبع.. نظمته بطريقة رائعة ووضعته على الطاولة ثم جلست وانتظرت دخوله.. مرت ربع ساعة حينما دلف الى الشقة حاملاً جاكيت بذلته على كتفه وأزرار القميص بأكملها عدا زرين مفتوحة.. قامت بسرعة وابتسمت له.. نظر لها بهدوء ثم دلف الى غرفته.. تعجبت من تجاهله لها ولكنها ذهبت وراءه وحاولت مساعدته.. ابتعد عنها قائلاً ببرود " مفيش داعى " التمعت الدموع فى عينيها من معاملته لها.. أشاح بأنظاره عن عينيها حتى لا يضعف من جراء بكاءها ثم تركها ودلف الى المرحاض ليتحمم.. خرج بعد عدة دقائق لافاً منشفة حول خصره.. وجدها تجلس على فراشه وتحمل بيدها ملابسه كانت قد أحضرتها له.. عندما رأته ذهبت اليه ومدت يدها بالملابس.. أخذها منها دون أن يتحدث.. ارتدى التى شيرت وكاد يخلع المنشفة فشهقت بصدمة وخرجت مسرعة.. ابتسم على فعلتها رغم غضبه منها.. اكمل ارتداء الملابس ثم مشط شعره وخرج لها.. رأى الطاولة مجهزة بعشاء خفيف.. بالتأكيد حضرته هى.. لعن غبائه لأنه عاملها بهذا الجفاء وهى من تحاول اسعاده.. جلس بجانبها على كرسى المائدة واطعمها بيده كعادته.. كان الصمت يعم المكان.. لم يحاول أحدهما أن يوجه حديثه للآخر.. انتهيا بعد قليل فقامت هى وحملت الأطباق وقد ساعدها قليلاً..

جلسا أمام التلفاز ولم ينتبه أيا منهما لكلمة مما تقال.. كان أول من قطع صمتهما مريم قائلة " انت زعلان منى " رد بهدوء " خالد قال لى على كل حاجة " نظرت له بترقب ممزوج بالخوف منتظرة ردة فعله.. تسائل بهدوء " مقولتليش لية " ابتلعت ريقها عندما شعرت بجفاف حلقها ولم ترد.. جز على أسنانه بغضب وتحكم فى اعصابه حتى لا تنفلت قائلاً بهدوء غاضب " انا جوزك يا مريم.. وابوكى واخوكى وسندك وامانك.. عايز احس انى من اولوياتك.. أكون أول واحد تلجأى له.. اول واحد ييجى فى بالك فى الفرح والحزن.. عادل شكرى مش سهل وممكن يإذيكى.. خالد مش هيلحقك لو دة حصل.. بالعكس.. انا اللى هبقى جنبك وهنقذك " نظرت له موافقة تؤيد كلامه.. بالفعل هو زوجها.. كان يجب أن تخبره أولاً قبل اللجوء الى أخيها.. قالت بصوت منخفض " كنت خايفة عليك " رد بتجهم " لية " لم ترد فكرر سؤاله بغضب " لية يا مريم " كذلك الصمت فقال للمرة الثالثة بعصبية شديدة " انطقى " لا تعلم كيف قالتها ولكنها خرجت من حلقها أخيراً بعصبية " عشان بحبك " تسمر عدة لحظات ينظر لها بصدمة قائلاً " انتى قولتى اية " ردت بخفوت " بحبك " شعر بدقات قلبه تزداد ويكاد يطير من شدة سعادته.. لقد استجاب الله لدعوته.. لقد قالتها حقاً.. تبادله حبه.. لقد رأى الحب يقطر من كلماتها.. حملها من خصرها ودار بها عدة مرات بسعادة بالغة قائلاً " انا اسعد انسان في الدنيا انهاردة " كانت هى تشعر بالسعادة والخوف.. دعت الله أن يمر الأمر على خير.. أنزلها واقترب بوجهه من شفتيها.. أمسك شعرها بيده وخصرها باليد الاخرى يقربها منه حتى كادت تلتصق به.. هجم على شفتيها يقبلها برقة شديدة ممزوجة بالشوق والحب والخوف.. حاوطت عنقه بذراعيها فحملها وذهب الى غرفتها التى كانت قبل ذلك غرفة نومهما.. شعرت بالرعب يدب فى اوصالها.. لا لا هى غير مستعدة لذلك.. أنزلها برفق شديد على الفراش وقبلها ثانية وكانت تلك المرة أعمق.. غابا سوياً فى عالم آخر أفاق هو منه عندما شعر بتوترها وارتعاشة جسدها.. علم مما هى خائفة.. ابتسم لها يطمئنها واستلقى بجانبها على الفراش واغمض عينيه شاعراً براحة وسعادة أزالت كل ما ألمَّ به من ألم.. شعرت بالدم يدب فى عروقها من جديد.. حمداً لله لم يطلب منها شيئاً.. استلقت بجانبه ونامت بين احضانه وقد توسدت صدره.. شعرت بالأمان والدفئ يحاوطانها من كل جانب.. ابتسمت براحة وغطت فى نوم عميق بعد لحظات بينما هو يشعر بسعادة الدنيا قد تجمعت بقلبه اليوم.. همس فى اذنها قائلاً " بعشقك " قبلها من شعرها ثم استند برأسه على رأسها ونام بعد فترة قليلة وقد زارته حوريته فى أحلامه..

#نوران_الدهشان
متنسوش الڤوت 💜

" معذبتى " لنوران الدهشانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن