الفصل الخمسين

7.9K 180 4
                                    


فى صباح اليوم التالى.. استيقظ يوسف من نومه شاعراً بالإرهاق.. اعتدل فى جلسته ونظر لمريم النائمة بجواره.. وجدها تكاد تقع من الفراش.. فهى نائمة على طرفه تقريباً وكأنها تخاف أن يلمسها دون قصد.. وتحتضن نفسها كهيئة الجنين.. نظر لها بألم ثم قام ودلف الى المرحاض.. كان يقف والماء يسيل على جسده بأكمله لعله يزيح بعضاً من همومه.. طوال عمره يتحمل أى شئ.. ولكن أصبح الأمر صعب عليه الآن.. لا يستطيع تحمل كل هذا دفعة واحدة.. أيجدها من فريدة ام من عبد الله أم من ياسين أم من شادى أم من عادل شكرى أم من مرضه.. ماذا يفعل.. أغلق صنبور الماء ثم خرج لافاً منشفة حول خصره.. نظر لما حوله فلم يجدها بالغرفة.. تنهد بتثاقل.. فعليه مصالحتها الآن أيضاً.. ارتدى سروال جينز اسود وقميص أسود.. ولم يهتم بتمشيط شعره حتى.. كاد يخرج حتى وجدها تدلف الى الغرفة.. نظر إليها بإمعان ليجد ملامحها ذابلة.. بينما هى كانت تشعر بالضيق منه.. فلم يهتم حتى بأن يطمئنها عليه وعندما عاد لم يكلف نفسه عناء الاعتذار.. لم تنظر له.. اتجهت الى المرحاض عندما توقفت فجأة حين قال لها برجاء " مريم أنا آسف " التفت له ولم ترد فكرر قائلاً " آسف.. متزعليش منى " ابتسمت له بتفهم ثم أخذت ملابسها من الخزانة ودلفت الى المرحاض.. بينما هو شعر بالراحة قليلاً لأنها سامحته ولم تعلق على غيابه أمس.. انتظرها حتى خرجت بعد قليل مرتدية سروال منزلى واسع باللون الأسود وعليه بلوزة قصيرة باللون السماوى بنصف أكمام.. أطلقت العنان لخصلاتها الحريرية وينفذ منها رائحة الياسمين.. ابتسم لها فبادلته بابتسامة صغيرة ثم قالت بحزن " مش هتقول لى كنت فين " صمت يوسف قليلاً لا يعلم ماذا يقول.. ثم قال بضيق بعد عدة لحظات صامتة " ينفع مجاوبش " نظرت له بغضب ثم خرجت من الغرفة متجهة الى الأسفل.. زفر بضيق.. فمن المستحيل أن يفضح أخيه أمام أى شخص حتى وان كان هذا الشخص هو زوجته.. ذهب وراءها ثم دلفا الى غرفة الطعام ثم جلس كل منهما على كرسيه.. لاحظ يوسف نظرات عبد الله المركزة عليه ولكنه تصنع جهله.. قال عبد الله بعدم اهتمام مزيف " وانت روحت فين امبارح يا يوسف.. شوفتك خارج بالليل وكإن حد بيجرى وراك " انتظرت مريم اجابته فرد يوسف بهدوء ينافى شعوره بالضيق " مشوار ضرورى مكنش ينفع يتأجل " لم يسأل عبد الله عن ماهية هذا المشوار مما أشعر يوسف بالراحة.. لتقول مريم وهى مقطبة جبينها " انا هروح انهاردة للدكتورة وممكن اتأخر فهجيلكم عند ياسمين " رد يوسف بتساؤل " وانتى هتروحى لياسمين لية " نظر له خالد بذهول قائلاً  " يوسف.. انت نسيت انى هاجى اتقدم لها انهاردة " ضرب يوسف جبينه لاعناً ذاكرته ومرضه للمرة المليون.. رد بتأفف " انا نسيت اقول لها هى شخصياً.. لازم اكلمها " اتجهت أنظار الدهشة له من الجميع.. كيف ينسى أمر كهذا.. بينما عبد الله كان يطالعه بتركيز وشك.. قام يوسف من مكانه قائلاً " كملوا فطار.. أنا هروح اكلمها " صعد لغرفته وأمسك هاتفه ثم اتصل بها.. انتظر حتى أتاه الرد وياسمين تقول " يوسف.. ياسين راجع امبارح مضروب فى وشه " تجاهل ما قالته قائلاً بجدية " اجهزى عشان خالد جاى يتقدم لك بعد صلاة العشا " أغلق الخط دون سماع ردها ثم عاد اليهم مجددا.. جلس معهم على الطاولة دون أن يضع لقمة فى فمه.. وقد لاحظ الجميع هذا بالطبع.. صعد يوسف ومريم الى غرفتهما بعد الانتهاء من تناول الفطور.. قال يوسف بجدية " معادك امتى مع الدكتورة " ردت مريم بغضب دفين " بعد ساعتين " ثم اردفت " بتسأل لية.. ناوى تيجى معايا ؟ " رد يوسف مبتسماً " اكيد طبعاً.. هى دى عايزة سؤال " ردت مريم غاضبة " بس انا مش عايزاك معايا.. هتصل بسارة ونروح سوا " قال بهدوء رغم ضيقه من كلماتها " هى سارة بقت جوزك وانا معرفش.. انا اللى هاجى معاكى.. دة ابننا احنا مش ابنها " رغم سعادتها من اهتمامه ولكنها غاضبة منه لأنه لا يعتبرها شريكته فى حياته.. لعدم اخباره لها بمكان ذهابه.. نظرت له بضيق مصطنع ولم ترد بينما هو شعر بالغضب من تصرفاتها الطفولية..

بفيلا يوسف الراوى.. كانت ياسمين لاتزال تضع الهاتف على اذنها متسمرة.. اقال إن خالد سيأتى اليوم.. سيتقدم بطلب يدى حقاً.. كم انتظرت هذا اليوم بفارغ الصبر.. انتفضت من فراشها واتجهت الى خزانة ملابسها.. أفرغت ما بها بجميع أنحاء الغرفة وهى تفكر بحيرة ماذا ترتدى اليوم.. اتصلت بحنين لتخبرها بأنها تحتاجها الان لتجيب الأخيرة بأنها ستأتى لها بعد ساعة..

بينما ياسين كان فى غرفته يقف أمام المرآة ويطالع وجهه الذى أصابه الكدمات.. شعر بالغيظ والغضب.. من هو ليضربه ويقول له لا تفعل كذا وكذا.. هو المسؤول الوحيد عن حياته.. ما دخله اذن.. زفر بضيق وقد التمع فى عينيه الاصرار.. عزم على فعل ما ينويه ولن يتوانى أبداً عنه..

بينما فى العيادة.. كان يوسف يجلس بجانبها ويمسك يدها شاعراً بالسعادة الحقيقية.. يكفيه أنه سيصبح أبا عن قريب كى لا يحزن.. دعا الله كثيراً أن يتزوج مريم ويكون له طفل منها هى.. وقد استجاب الله لدعاءه.. حمد الله فى نفسه على نعمته التى رزقه بها وقد كان يقبّل يدها كل دقيقة تقريباً وهو يبث لها فى قبلته كل حبه وأشواقه وسعادته بطفله.. كانت هى تشعر بالسعادة البالغة من اهتمامه به.. فقررت مسامحته.. قالت له مبتسمة " بحبك " بادلها ابتسامة عاشقة قائلاً بهمس " وانا بموت فيكى " اردف وهو يشد قبضته على يدها " انا محتاجك.. خليكى جنبى واوعى تسيبينى " لم تفهم مقصده من قول تلك الكلمات ولكنها شعرت فجأة بنغزات تؤلم قلبها وكأنه ينذرها بقدوم الأسوأ.. هدأت نفسها وابتسمت له ثم وضعت يدها الاخرى على كفه وهى تقول بتأكيد " عمرى ما اسيبك.. هو فى حد بيعرف يعيش من غير ما يتنفس " ابتسم لها ممتناً وكأنها أزاحت هم ثقيل يؤرقه.. دلفا بعد قليل الى الطبيبة لتقوم الأخيرة بفحصها.. انتهت بعد فترة قصيرة وهى تقول بابتسامة صغيرة " البيبى زى الفل.. بس هكرر لك تانى.. اهتمى بصحتك وارتاحى عشان الحمل يثبت " أومأت بإيجاب ثم نظرت ليوسف فوجدته يطالعها بعتاب لأنها لا تهتم بنفسها فبادلته بابتسامة مازحة.. خرجا من العيادة واستقلا السيارة عائدين الى الفيلا.. تسائلت مريم قائلة " تفتكر نسميه اية " رد يوسف مبتسماً " لو ولد هيبقى آدم " أردفت مريم " ولو بنت هتبقى فاطمة " نظر لها يوسف بدهشة.. أستسمى ابنتها على اسم والدته حقاً.. لقد تمنى أن يرزق بفتاة ليقوم بتسميتها على اسم والدته.. وها هى زوجته تقوم بذلك دون أن يطلب منها.. ابتسم لها شاكراً وهو يجذبها الى أحضانه فتعلقت به بشدة حتى وصلا بعد 10 دقائق الى الفيلا..

بفيلا يوسف الراوى.. كانت الساعة قد قاربت على صلاة العشاء والفتاتان بغرفة ياسمين.. كانت ياسمين مرتدية فستان باللون الكافيه به زهور بيضاء من الأسف وحزام اوف وايت من الخصر وعليه خمار وحذاء مغلق بكعب عالى باللون ذاته.. ولم تضع أيا من مساحيق التجميل.. كانت رائعة بحق تسرُّ من ينظر إليها.. كانت تشعر بالتوتر الشديد وتفرك يديها ببعضهما.. كما أصبحت حرارة جسدها عالية مما أدى إلى تورد وجنتيها بحمرة محببة.. سمعت أذان صلاة العشاء قامت الفتاتان لتؤديا صلاتهما.. دعت ياسمين أن تمر الليلة على خير.. انتهت لتشعر ببعض الراحة والهدوء.. سمعت صوت الباب يغلق من الأسفل.. انتفض قلبها فهبطت الى الأسفل بخطوات بطيئة وحنين وراءها.. وجدته يوسف ومريم.. زفرت براحة وقد التقطت أنفاسها أخيراً.. قفزت على باقى الدرج مسرعة ثم جريت عليه واحتضنته بقوة.. بادلها العناق بحنان أبوى.. ابتعدت عنه بعد قليل ثم احتضنت مريم التى قالت بفرحة " الف مبروك يا مينو.. ربنا يتمم لكم على خير " ردت ياسمين قائلة بسعادة طفولية " الله يبارك فيكي يا روما " ثم رفعت يديها الى السماء قائلة بمزاح " امين يارب " ضحك الاثنان عليها ثم رحبا بحنين التى بادلتهم بابتسامة صغيرة .. بينما سمع الجميع صوت دقات الباب.. فقفزت ياسمين الى الأعلى مسرعة وقد صعدت حنين وراءها تحت أنظار مريم ويوسف الضاحكة على شدة خجلها.. فتح الباب لتدلف العائلة.. كان خالد وسيماً بشدة.. فكان يرتدى بذلة رمادية بياقة سوداء وقميص أسود مع رابطة عنق بيضاء وحذاء أسود لامع.. وينفذ منه رائحة عطر رجولية.. بينما فريدة كان وجهها وكأن عليه غضب الله.. متجهمة الملامح ولم تبتسم حتى ولو مجاملة لهم.. وقد لاحظ يوسف هذا بالطبع.. فيبدو أن عمه قد أجبرها على الموافقة.. جلس الجميع ورحب بهم يوسف ثم صعد لياسمين.. كانت هى بالأعلى يرتجف جسدها كمن سقط عليه ماء مثلج فى الشتاء.. حاولت حنين تهدأتها قائلة " يا حبيبتى هتعدى على خير ان شاء الله.. خدى صينية العصير وانزلى.. وانا هجيب الباقى.. متقلقيش كدة " حاولت ياسمين الاقتناع بكلماتها ونفذت ما قالته.. فأخذت الصينية التى بها المشروبات بأصابع مرتجفة حتى وجدت يوسف امامها يطمئنها بعينه.. فشعرت بالاطمئنان قليلاً وهبطت الدرج بخطوات بطيئة.. بينما ياسين فى غرفته ارتدى ملابس كاجوال ثم مشط شعره وذهب إليهم قبل خروج ياسمين.. رحب بهم ليقول خالد مازحا " عامل اية يا مضروب.. اية الكدمات دى كلها " رد ياسين بابتسامة صفراء " خناقة بسيطة مع صحابى " عاتبه عبد الله على مشاكلته لأصدقاءه بينما يوسف لم ينظر له حتى او يوجه له أى حديث.. حتى ياسين لم يحاول ذلك.. بل جلس بعيداً عنه قليلاً حتى أتت العروس..

#نوران_الدهشان
متنسوش الڤوت 💜

" معذبتى " لنوران الدهشانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن