السادس عشر

215 15 9
                                    


*****************

العاشرة صباحاً:

-

كانت الفتاة تكمل احدى اعمالها في الطابق السفلي تاركةً الاخر غارقاً في نومه بعد ارهاق اليوم المُنصرف! حدقت حالما انهت تنظيف اخر قطعةٍ في احدى غرف الجلوس فتجدها قد تخطت العاشرة وبضع دقائق، قطرات المطر كانت المؤنس الوحيد لها اثناء عملها لكنها تشعر بالفراغ نوعاً ما كونها عطلة نهاية الاسبوع ولا يصدح في المنزل صدى صوت الاخر، لذا قررت الصعود وتفقده علّه قد استيقظ لكنه لا ينوي المغادرة بسبب ما حدث!

اعادت ما كان مبعثراً إلى مكانه السابق ومن ثم اخذت خطواتها نحو الأعلى عقب غسل يديها ، بدأت بفتح الباب بهدوءٍ وبطء في حال كونه لم يستيقظ لكنها قد ذُهلت حالما وجدت السرير خالياً ، أوشكت على لفظ اسمه بصوتٍ العٍ علّه يجيبها فتعلم أين يجلس لولا عيناها اللتين التقطتا هَيئته جالساً في احدى زوايا الشّرفة ، يضمّ ساقيه إلى صدره محدقاً بعيّنين ملئهما الحزن ناحِية السّماء الممطرة بثبوت و كأنه يلقى خطاباً خلال تلك القطرات غير شاعرٍ بالأخرى التّي راقبته لدقائق متتابعة لكنه لم يشّعر بشيءٍ اثر عقله الممتلئ بالخفايا ..

-جِينا:

راقبته لثواني صامتة بريبة ، ذلك الهدوء المحيط به و الحُزن الخاطف لعقله لم يكن محصوراً على الشجار معنا ، فعادته بعده لا تشابه هذه الأن ، حالما طغى لون الحُزن عليه وبات جَلياً بعينيه أيقنت أن سهماً ما قد أصاب نُقطةً حيويةً بمشاعره ، لا حركة تأتي منه سوا رجفةٍ غير إرادية ينفُثها جسده رغماً عنه اثر جلوسه بجوٍ باردٍ كهذا بقميص عمله الأبيض الخَفيف ذاك ، اقتربت بعدما حملتُ الغطاء ذاته الذّي كان يحويني به كلما جذبني معه إلى مكتبه محيطةً جسده به برفق ليشعر بيّ لكنه بدا بضعفٍ شديد حمله على ألا يضع عينه بعينيّ ، بادلته ابتسامةً صغيرة بعدما قرفصت أمامه ممررةً اصابعي بين خصلاته شبه المبتلة مفرغةً ما أتى بخاطري : لم أعهد فتايّ مستسلماً ووحيداً هكذا ، ما الذّي قد تراكمّ عليّك لإيصالك إلى هذه النقطة ؟

رأيته يشد الغطاء بكفيه وعيناه قد واجهت الأرض مطولاً ليردف بنبرةٍ مهتزةٍ إثر شعوره بالبرد: أ-أنا ب-بخ-خير فـ ...

لم تنل إجابته تلك رضايّ ولم أعجب بمقدار تهربه من النظّر إلى عينيّ وكأن غيرةً ما قد أصابتني لتحديقه بكل شيءٍ عداي لأرفع وجهه بكلا كفيّ أحثه على النّظر بعينيّ مقاطعةً إياه: أنت لست بخير، يمكنني قراءة حزنك من عيّنيك لا تكذب عليّ، إذا كنت تشعر بالتردد حِيال غضبي منك بالأمس فهو ليس غضباً بقدر قلقي، أنا لن أحادثك إن كنتُ قد سمحت لغضبي بالاعتلاء على كل مشاعري، مَا يُشغلك جِيان؟ لمَ تبدو كشخصٍ قد اُجبر على الانزواء في ظل الحزن ما بك؟ ...

لم أتلقى أيّ إجابة لفظيةٍ منه، بل كانت عَيناه تحمّل نوعاً من العِتاب الثقيل والألم، بيد أنه قد قبض على كفيّ برفق محاولاً إنزالهما عن وجنتيه لكن خاصته كانت تهتز كأنها تعكس حالّ روحه، لملمتُ شتات نفسي وضياع الرّوح الذّي قد اصابني من نظراته المنكسرة واقفةً أمامه أحثه على الوقوف واتباعي حتى تركته يجلس على السّرير مغلقةً باب الشرفة لئلا يلتقط المزيد من البرد فأطرافه تكاد تتجمد إن بقيّ للحظاتٍ أطول! فرقت ذراعي محيطةً إياه بهما بينما يدفن وجهه بعنقي مستجيباً لي ويداه قد أخذت تشد قميصي ببعض القوة، كأنه قد كان محتاجاً لهذا العناق عَقب تعبه لكن رهبته مما حدث في الليلة السابقة حال بينه وبين الإدلاء برغبته البسيطة تلك...

أنقذنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن