الفصل العاشر

4.5K 124 3
                                    

حينما يصمت القلب احتراما لآلام الآخرين فتلك إذن هي الإنسانية ، ولكن حينما يضج القلب مع آلامهم فعلينا أن نعترف أنهم لا يزالون في القلب سكان .. بل أصحاب مكان ، كان هذا حال نبض حياة حين صرخ عاصم بلوعة : فقدت أمي ، ترجتها عيناه ألا تتخلى عنه ، استعطفتها نظرته أن تؤجل أية إنتقامات حتى يضمد جرحه النازف ، شعرت وقتا ما أن فقدانه لأثر أمه ما هي إلا وسيلة لبقائها ولو قليلا في ظلال وجوده القديم على اسمه كزوجة .. هل يصح القول حبيبة ؟ أم أنه تخطى حدود المعقول ليذهب للاعقل ويهذي كشاب فارغ العقل يكاد ينتحر حبا في امرأة لم يرد عينيها سوى مرة؟!!
- مش قادة أحدد يا حوا .. أنا بالفعل مش طايقة أحمد .. حاساه تقيل على قلبي .
- هو تقيل يا حبيبتي عشان قلبك شايل حد تاني بالفعل
- أعمل إيه طيب ؟ أنا مش سهل أنسى كده في أيام حاجات اتكونت واتراكمت جوايا طول سنين عمري
- أنتِ كنتِ محتاجة فرصة تستردي فيها نفسك وتروقي .. بس للأسف عمو ابراهيم اتسرع في الموضوع ده
- الحقيقة هو مضغطش عليا .. أنا اللي اتدبست وحسيت أنه لزقلي ومش عارفه اتصرف إزاي .. لولا إختفاء طنط عفاف كان زمانا حددنا معاد الخطوبة .
- صحيح عملتوا إيه ؟ معرفتوش راحت فين؟
- أبدا .. كأن الأرض انشقت وبلعتها ، حتى شغلها قالو إن تاني يوم ما مشيت من عند لميا راحت لهم الصبح وكان شكلها تعبان أوي وخدت أجازة بدون مرتب وقالتلهم هتجهز ورقها وتعمل معاش مبكر ومن ساعتها محدش شافها
- وعاصم عامل إيه ؟
- هيتجنن .. له واحد صاحبه كل يوم بيدور معاه عليها في مكان .. لولاه متحمله كان زمانه اتجنن ، معدش بيروح خالص لما بيتعب بييجي يقعد هنا مع بابا ويعيط زي الأطفال ويقعد يقول أنا السبب .
- هي كانت زعلانة من حاجة ؟
- مش عارفة .. محدش قال تفاصيل وماما قالتلي لو حابين حد يعرف كانوا حكوا .. مسألناش بس بنحاول نساعد
- حقيقي حاجة توجع .. ربنا ما يوجع قلوبنا على غالي
- آمين يا رب .
_______________
- بقالها أسبوع مش باينة خالص يا آدم .. هي زعلانة لأنها حتى الشغل مبتروحش عشان محدش يعرف مكانها
- زعلانة ليه ؟ عشان باباك يعني ؟
- ده سبب من الأسباب .. كمان فهمت من لميا أن حماتها كانت عايزة اعرف ايه اللي مقعدها عندهم ولقحت بكلام ولما لميا اتخانقت مع جوزها هي قالتلهم انا مروحة ومشيت
- طيب تفتكر لو انت مكانها تروح فين ؟
- أمي مش ست ضعيفة .. هي أكيد فكرت في حل تقدر تنفذه وبتعاقبنا ببعدها عننا عشان تخلي بابا ضميره يأنبه .
- وباباك ؟
- بابا ده حكاية .. بيحاول يحسسني أنه مش مهتم ومش واخد باله إني ملاحظه وهو بيطلع صورهم كل يوم بليل يشوفها وفاكرني نمت ، كنت هقوله انت السبب وأنا متضايق بس هو أصلا متماسك بالعافية ومن يومها وضغطه عالي وصحته بتدهور
- ربنا يطمنكوا عليها
- يارب .. طمني أخبارك إيه مع العروسة ؟
- الحمد لله .. إحنا دلوقتي مستقرين وأقرب لبعض .. خدت على وجودها وهي خدت عليا .. بقيت عامل زي البيبي في حضن أمه
- هتعرفها على والدتك امتى ؟
- بصراحة قلقان اوي من الخطوة دي .. احتمال كبير ماما متقبلهاش .. الجوازة اصلا مكانتش تعرف بيها
- حاول تمهد لوالدتك و في أقرب فرصة يتعرفوا على بعض .. كمان عايز الفت انتباهك لحاجة
- إيه هي ؟
- هو أنت ولا مرة في الجوازات اللي قبل كده واحدة فيهم حملت ولو بالغلط ؟ والا انت كنت متفق معاهم مفيش حمل ؟
- الحقيقة كلهم كانوا من النوع اللي بياخد باله حتى اللي كانوا مش مطلقات ولا ارامل مفروض أنهم بنات بس ممكن يكونو عاملين حسابهم عشان الجوازة طياري
- عموما حاول تكشف احتياطي اطمن على نفسك برضو
- باذن الله .. اول ما نطمن على والدتك هروح اكشف .. بالمناسبة انا كلمت حد معرفة في الشئون الاجتماعية يسأل عن نزلاء دور المسنين .. ممكن تكون فكرت فيها كحل .. بس تفتكر هتجيب مصاريف الدار منين ؟
- ماما كان في أيدها أسورة دهب وكام خاتم ممكن يقضوها شوية عما تدبر أمورها .. اول ما توصل لحاجة طمني
- حاضر متقلقش أن شاء الله هنلاقيها
_________________
- اللي مش قادرة أفهمه .. انت اتجوزت كل الجوازات دي امتى ؟ وازاي بدأت الموضوع بتاع كل كام شهر جوازة ؟
- ههههههههههه بصي يا ستي .. انا كنت متعقد ومكتئب بعد وفاة بابا .. كنت زعلان منه عشان اتجوز واحدة على امي كان كل همها فلوسه ولما تعب فكرته هيروق ومرضتش أكلمه واتفجعت اوي بموته .. المهم فضلت معملش حاجة في حياتي غير الشغل لحد ما موظفة بعتتلي مع شعبان أنها معجبة اوي بيا وعندها استعداد تتجوزني ولو في السر .. كنت متردد اوي وخصوصا أن اكتئابي وقتها خلاني سيبت البيت وعايش مع نفسي .. شعبان شجعني اوافق على أساس أن فيه وضوح في العلاقة وهنتجوز بالحلال و هحدد ادفع كام بمزاجي .. اتجوزتها وبقت طايرة من الفرحة .. بقيت مستغربها جدا .. متجوزة في السر ومش ضامنة اني استمر معاها ومبسوطة .. فهمت بعد كده أن طليقها مهددها ياخد حضانة الاولاد خصوصا أن والدتها متوفية .. كانت بتسيبهم مع اختها يومين في الاسبوع وتقضيهم معايا زي الطفلة وبعد ست أو سبع شهور طليقها عرف بالجواز فاطلقنا .. الجوازة التانية موظفة أرملة شرطت أن العقد يبقى عرفي عشان ولادها والمعاش لأنها محتاجة فلوس لطلبات ولادها ودي حسستني انها بتقابلني تقضية واجب وكانت قرفانة من نفسها وبتعيط كل مرة نتقابل فيها مكملناش شهرين وطلقتها واديتها الفلوس اللي اتفقنا عليها بعد كده مبقتش اعد .. بس كلهم عاملين حسابهم أن الجوازة متطولش كانت اطول جوازة فيهم قعدت سنة وشهرين وطلبت الطلاق فجأة عشان خطيبها الاولاني رجع من السفر وعايزة ترجعله .. اخر جوازة قبلك كانت غريبة جدا .. مكانتش طايقاني وبتدعي عليا في وشي و فهمت شعبان أنها بتتجوز عشان تداري غلطة مع خطيبها .. لكن لما اتجوزتها كانت بنت ! معرفش إزاي وكنت عايز أسألها بس أسلوبها معايا كان صعب اوي ودي قفلت ٣ شهور بالعافية .. وجيتي انت غيرتي كل حاجة في قلبي .. اول مرة واحدة تعرف عني كل حاجة واطمن معاها كده واتمنى منتفارقش ابدا .
- حكايتك غريبة اوي يا آدم .. ووضع شعبان في حياتك يخوف .. نصيحة مني دور وراه .. هو مش زي ما مفهمك
- تقصدي إيه ؟
- هو شغال سمسار جواز عندك عشان يقبض فلوس
- أنا عارف .. هو واضح جداً في الموضوع ده مبيدعيش الصداقة
- عموما انا مش مرتاحاله
- ههههههههههه حقك يا حبيبتي .. هو خلاص كده دوره خلص معايا .. أنا مكتفي بيكِ
_____________________
- أظن كده كفاية أوي يا حياة !
- هو إيه ده اللي كفاية ؟
- بقالنا أسبوعين مأجلين الفاتحة عشان مرات عمك .. وكل يوم رايحة جاية تساعدي عاصم وتكلميه كل شوية في الفون .. أنا مش مالي عينك والا ايه ؟
- الأسلوب ده مش عاجبني يا باشمهندس .. ابن عمي وعمي في أزمة وطبيعي نراعي شعورهم .. ثم إن لما يروح يسأل عن والدته عند واحدة زميلتها عايز واحدة معاه عشان أهلها والا جوزها ميتضايقش
- وهو مفيش واحدة غيرك؟! ما ياخد أخته
- أخته بتدور هي كمان هي بتروح لناس واحنا بنروح لناس .. طنط عفاف ست اجتماعية و صاحباتها كتير
- انا كل ده ميخصنيش .. انا عايزك معتيش تكلمي عاصم ده تاني .. وتفهمي باباكي يديله نصيبه ويفسخ عقد الشراكة .. يا أنا يا هو يا حياة .
- وحضرتك تحب إيه كمان ؟! أنا ماشية قبل ما ضغطي يعلا واضطر افرقع قدام الناس هنا في إدارة المصنع
____________________
- كده يا أمي تخضيني عليكي .. أنا مشفتش الراحة وانا مش عارفلك مكان
- غصب عني يا عاصم .. ملقتش حد عايزني ولا مكان قابلني .. حتى بنتي جوزها بقى مش مرتاح وحماتها مش طايقة قعادي
- مقولتليش ليه ؟
- خفت تزعل مع أختك
- أنا زعلت عليكي أكتر .. خلاص يا أمي أنا أخدت شقة وهنطلع من هنا عليها وهقعد معاكي
- طيب و .. و هتسيب باباك ؟
- هسيبه فين يعني .. هو في بيته ومش هسيبه وهفضل اروحله بس مقدرش اسيبك لوحدك
- ربنا يخليك ليا يا حبيبي .. مش عايزاك تزعل مني .. أنا كنت حابة انك تاخد احسن واحدة في الدنيا .
- مش عايز اتكلم في الموضوع ده يا أمي .. بعدين نبقى نتكلم .
- يعني لسة زعلان
تنهد عاصم بألم :
- خلاص يا أمي اقفلي الموضوع ده .. أما أبقى أجل أزمتي نبقى نتعاتب .
صمتت عفاف وهي تلوم نفسها .. لم يعد بإمكانها أن تحصل على العفو لا من زوجها ولا من ولدها .
__________________
- صباح الخير يا عم حمدي
- صباح النور يا دكتور .. والله زمان يا ابني لما كنت تعدي عليا وانت رايح مدرستك تشتري الحلويات  ليك والحياة وتفوت تصبح على عمك قبل ما تمشي
- و هي دي أيام تتنسي يا راجل يا طيب
- كانت ايام حلوة ربنا يفرحك يابني
- قولي يا عم حمدي .. هو انت شفت العريس اللي جاي يتقدم لحياة ؟
- مخدش بالي يا بني .. ما اتقدمتلهاش انت ليه مش أنت أولى ؟!
- أنا أولى طبعا يا عم حمدي وخصوصا إن كان مكتوب كتابنا وطلقتها في ساعة غضب .
- طلقتها ؟!
- للأسف .. والعريس ده جه بسرعة عشان يلحقها قبل ما أصالحها ونرجع لبعض .. نفسي حد ابن حلال يقنعه يشوف واحدة تانية .. هما يعني البنات خلصوا مفضلش غيرها
- ربنا يبني يبعده عن طريقها وترجعو لبعض
- أيوة ادعيلنا .. أنت عارف لو رجعتلي .. هحليلك بوقك
- ربنا يفرحك
استدار الرجل ليرى بعض زبائنه ليهمس عاصم لنفسه :
- هي بقت حرب يا باشمهندس ونشوف مين فينا اللي هيزيح التاني من طريقه
___________________
- آدم .. إيه اللي جابك دلوقتي ؟
- إيه يا ماما إنت مش عايزاني آجي و ألا إيه ؟!
ارتبكت بشدة ووضح على وجهها الاصفرار :
- ليه يعني ؟! هو أنا أكره أشوفك ؟!
- أومال فيه إيه عندك مخليكي مرتبكة ؟
قالها وهو يتحرك للداخل وقلبه يدق طبولا ترقص عليها كل شياطين الأرض .
- أبدا مفيش .. دا .. دي واحدة صاحبتي و ......
قبل أن تكمل كلماتها فاجأها بفتح باب غرفة الصالون حيث تجلس حواء التي انتبهت على دخوله المباغت فبهتت
- إنت ؟
- آدم .. أنااااا .... أناااااا
- أنت بتلعبي بيا مع أمي ؟! برافو عليكو .. أنا كنت صدقت
- يا ابني متظلمناش .. اقعد بس وأنا هشرحلك
- مش عايز شرح من حد .. انتي طالق يا مدام حوا
#ماجدة_بغدادي
#ماجووو

حيـــــاة .. على يمين طلاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن