- انتي طالق يا حياة .
انطلقت كلمته التي لم يحسب حساب خروجها بتلك السرعة .. انطلقت كرصاصة استقرت في قلب حياة و كذلك في قلبه .. لم يكن يدري أنه سهل إثارته لهذا الحد .. لم يكن يدري أنه بيده وضع نهاية حزينة مؤلمة لقصة حب كان يحلم أنها ستبدأ قبل بضع ساعات من نهايتها المفجعة ، انطلقت كلمته لتنطلق في إثرها حياة تعدو هاربة من مشاعرها و دموعها المنسكبة و خيبات أملها المتكررة .. انطلقت بسرعة لتخفي كل هذا الحزن وتدفن بقلبها أكوام الألم و تفرغ عيونها من سيول الدموع المنذرة ، نظرَهُ تابعها حتى اختفت خلف باب غرفتها ، الندم سكن أنظاره بالفعل مع خروج أول حرف أعلن عصيانه على إحساسه وانطلق ليتراص بجوار أحرف أخرى قاتلة .. ذبحتهما معا ، نكس رأسه وخرج من البيت في صمت تحت كل تلك النظرات المذهولة .. بل و خرج من الحارة ومن الشارع بأكمله .. انطلق هاربا لعل هربه هذه المرة ينشله من كل هذا الألم ولكن هيهات فألمه معلق بوتينه ينبض مع قلبه .. يكسوه كجلده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ألو
قالتها حياة بصوت لا حياة فيه .
- أيوة يا حياة .. مالك ؟ إيه اللي حصل ؟ طمنيني مالك ؟
- طلقني .
خرست كل الكلمات هنا وارتبكت الدموع وهي تتصارع في نزولها على طرفي الهاتف .. تعالت الشهقات من الناحيتين .. حقا كانت قصة وانتهت ولكن أجمل ما فيها قلب يبكي لبكائك وصديق يؤلمه جرحك ، لا يهم مدى الخسارة إن كان المكسب ما زال موجودا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختفى ساعات عن الأعين و أغلق هاتفه و ماتت في عينه كل مغريات الحياة .. أي غباء هذا الذي ارتكبه ؟ ! و أي حُمقٍ وخرق ؟! ليت لسانه شل ليتريث عن رعونته التي أفسدت ما حلم به .. لكن لنكن صادقين .. أليس هذا ما انتويته بالفعل منذ ثمان سنوات ؟! بماذا نفعك عندك و رأسك اليابس كحجر ؟ دموعها التي انطلقت كنزيف منفجر آلمت قلبه آلاف المرات .. ترى هل ستسامحه يوما لتعد إليه ؟ كان قبل ساعة من طلاقهما يتحرق شوقا لسماع صوتها ومعرفتها ،فاجأه صوت آدم :
- كنت عارف إني هلاقيك هنا .. موطن الأحزان .
- نظر إليه ثم أعاد رأسه ثانية للأمام بلا رد .
- أنا لما لقيت تليفونك مقفول اتصلت على البيت وقالولي خرج وميعرفوش مكانك عرفت أنك طلقت ونفسيتك تعبانة دورت شوية بس افتكرت موطن الأحزان اللي كنا بنيجي فيه لما قصة حب من بتوع الجامعة تبوظ ونقعد نواسي بعض .
- قابل الحديث بالصمت كأنه لا يسمعه .
- طيب طلقت ليه طالما أنت كنت عايزها ؟
زفر زفرة طويلة ثم انحنى قليلا فاندفعت دموعه التي كانت مختبئة كل هذا الوقت وسرعان ما تحولت لنهنهات وانهيار استمر لقرابة الساعتين لا يفعل شيئا سوى النحيب و البكاء .. بكى ما لم يبكه من قبل .. بكى كطفل فقد أمه في الزحام وقتلت قلبه الوحدة وأسره الخوف .. لم يبك هكذا طيلة عمره حتى عندما كان طفلا لم يذرف الدموع إلا بشح شديد .. الآن و الآن فقط عرف الكرم طريق عينيه فأحسن ضيافة الندم .
مرت ليلة حالكة السواد عليه قاتلته فيها ذكرياته معها .. حبها الطفولي وضفيرتيها وابتسامتها وغمازتها التي تقفز بنشاط حين تبتسم .. كل ما فيها .. ذكرى رؤيته لها ولم يعرفها بينما استدل قلبه عليها .. جعل يتقلب في فراشه ويسب نفسه ويلعنها ويكيل الفظائع لعقله ولسانه الذي قطع شريان الحياة بلفظة واحدة ليصمت كل أمله مرة واحدة ، أشرق الصباح يضحك كأنه شامت على قلبيهما الجريحين وكلاهما لم ينم و لم تجف لهما عين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- صباح الخير .. ممكن بعد إذنك أروح لصاحبتي النهاردة ؟
- نظر لها صامتا ثم أشاح بنظره مرة أخرى بلا رد ؛ فمزاجه متعكر منذ الأمس من صدها وملاعبتها له و مما حدث مع صديقه أيضا
- أرجوك يا آدم .. صاحبتي عيانة أوي ومشفتهاش من قبل ما نتجوز و لا عزمتها .. مش هتأخر هي ساعة .. أرجوك .
- نبرة صوتها المترجية لفتت انتباهه وجعلت آلاف المقارنات تدور داخل عقله :
- مصممة يعني تستأذني ؟! إفرضي قلت لأ ؟
- طيب متشكرة
- قالتها غاضبة واستدارت لترحل من أمامه فمد يده استوقفها ممسكا ذراعها بلطف فاستدارت رغما عنها وتقابلت عيناهما :
- بقول أفرضي .. أفرضي مش بقول لأ .. كنتي هتعملي إيه ؟
- ابتلعت ريقها بتوتر من قربهما ونزعت عيناها عنه وتهربت نظراتها و خرج صوتها مترددا خجولا:
- كنت مش هروح .. هعمل إيه يعني !
- يعني كان ممكن من غير ما تقولي تخرجي من الشغل تروحيلها وأنا كده كده بتأخر ومبجيش غير بليل ومكنتش هعرف ولا تحتاجي تستأذني .
- نظرت له بصدمة :
- إزاي ده ؟!! مقدرش طبعا و لا ينفع أروح مكان من غير إذنك ، و حرام الست تخطي خطوة من غير علم زوجها و موافقته .
- نظر لها بانبهار ، فقد كانت كل زوجاته السابقات – إن صح القول أنهن زوجات – يخرجن ويتنزهن ويتزاورن مع صديقاتهن بلا استئذان منه وحينما اكتشف مرة عدم وجود زوجته وغضب انفعلت بشدة رافضة هذا السجن و أنها ليست طفلة .
- يعني لو مامتك راحت مكان من غير إذن باباكي كان بيتخانق معاها . وألا هو أصلا قالها متروحش مكان من غير إذنه ؟
- أولا ماما عمرها ما خرجت قبل ما بابا يعرف الأول وعمرها ما عملت حاجة من غير إذنه ، ثانيا بابا واثق في ماما جدا و عارف أنها مش هتروح مكان من غير ضرورة وكان كتير يقولها وتستنيني ليه هو أنا يعني كنت هرفض ؟! وهي تقوله لأ طبعا ميصحش لازم موافقتك الأول .
- يعني لو رفضت مش هتروحي ؟
- أيوة للأسف مع أنها تعبانة أوي وأنا نفسي أطمن عليها .
- طيب موافق بس بشرط .
- إيه هو ؟!
- أرجع ألاقيكي في البيت
- قفزت بفرحة وقبلته في وجنته في ظل دهشته :
- متشكرة أوي .. أوي .. بإذن الله مش هتأخر و هتيجي تلاقيني وهعملك كمان الأكل اللي بتحبه
- جرت مسرعة من أمامه قبل أن يخرج من حالة شروده ، ضرب كفا بكف :
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. أنا قلت نهايتي هتيجي على إيدها محدش صدقني .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- صعبان عليا أوي يا ماما .. بقاله يومين مكلش حاجة وطول الوقت حابس نفسه في أوضته ووشه بقى أصفر كركم .
- بطلي خيابة كلها كام يوم و يفوق .. الحمد لله انه خلص من الجوازة دي خليه يشوف مستقبله .
- ليه يا ماما .. دي حتى حياة متخرجة من الجامعة الأمريكية و جميلة وشغل عمي إبراهيم اتوسع بعد ما كان حتة ورشة بقى توكيل صيانة و دلوقتي واخد توكيل تجميع سيارات و الفلوس هتبقى معاهم زي الرز و هيعيش في نعيم وياخد فلوس عم ابراهيم دي كلها .. مش هو أولى من الغريب ؟!
- متبقيش خايبة .. أخوكي بقى دكتور كبير و قيمة وإن كان على الفلوس ممكن بسهولة يجيب أكتر منها وبعدين في الأول و الآخر هيورث مع المحروسة وهينوبه من الحب من غير جواز .. يقرف نفسه ليه بالنسب ده .
- ماما .. إنتي قدامك واحدة تانية ؟ إنت متعمليش كده غير لما تبقي متأكدة إن فيه بديل .
- أيوة يا حبيبت أمك .. مستوى تاني خالص .. حاجة تشرف بصحيح بنت سفير و دكتورة زميلته و مال وعز و جمال .. شفت صورتها على تليفون أخوكي .. حاجة كده زي نجمات السيما .
- بجد يا ماما ! دي كانت تبقى حكاية .. على الأقل أرفع راسي قدام جوزي ، طيب مقولتيليش ليه؟
- مكانش فيه وقت .. كنت عايزة أخلص بسرعة من البت دي .. يوم ما كانت هنا الخبيثة خلته يشوفها قدام باب الصالون وشاغلته لحد ما جه سأل عليها وغلوشت عليه بالعافية .
- طيب لما هو بيحب زميلته زعلان ليه كده على حياة زي ما يكون كان واقع في حبها ؟
- لأ هو كان شايفها مناسبة ليه مش موضوع حب يعني ، وفهمت أنها اللي عايزاه وبتجري وراه
- و بابا ؟
- ماله ؟
- عرف حكاية زميلته دي ؟
- لأ .. وأوعي حد يعرف .. اصبري شوية مش عايزين أبوكي يزرجن ويبوظلنا الدنيا ، لما الدنيا تروق و أبوكي يهدا هقوله بمعرفتي .. دا ضغطه عالي من ساعتها و متنرفز على طول وهيفرقع فوشنا لو عرف .
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- حياة حبيبتي .
قالتها وهي تفتح باب غرفة حياة لترتمي جوارها بالفراش وتحتضنها وتدمع العيون
- شفتي اللي جرالي يا حوا .. مكنتش فاكرة أني ههون عليه ، دا كان لسة عايز ياخد وقت يقرر إذا كنت أعجبه وألا لأ .
- هو الخسران .. خسر قلب مش هيلاقي زيه .. متزعليش نفسك ، و الحمد لله أنك عرفتي مصيرك بدل التعليقة اللي كان معلقهالك لا كنتي متجوزة و لا مخطوبة ولا خالية .
- أنا اللي خسرت يا حوا .. خسرت عمري اللي كان بيعدي في غيابه و خسرت قلبي اللي مات من كتر ما وقفته و منعته يحب أو يشوف غيره عشان أنا على ذمته ، خسرت كتير .. 8 سنين بشهورها وايامها ولياليها وساعاتها وكل لحظة فيها .. أنا حاسة أني خلاص معتش عايزة أعيش تاني .. أنا كرهت الدنيا اللي بتعذبني و تدوس عليا ، معدش فاضل في حياتي حاجة أعيش عشانها ، بابا بعد ما عاصم سافر دخلني مدارس أجنبي ودفع فلوس كتير أوي و أقوله ليه يا بابا يقولي عشان لما يرجع هيبقى دكتور وتليقي بيه وميلاقيكيش قليلة ولولا كنتي واخدة منحة تفوق و عرفتك في الجامعة مكنتش خلصت الجامعة الأمريكية و دفعلي فلوس أكمل دراسات عليا برضو عشانه .. رحت أتعلمت الإتيكيت و اللغات عشان أشرفه و أليق بيه .. أنا وقفت حياتي بسببه يا حوا و دلوقتي حط ده كله تحت جزمته ، أنا ليه مش مكتوبلي أفرح .. هو أنا وحشة أوي كده عشان قلبي يتكسر كل الكسور دي ؟! قوليلي يا حوا .. هو أنا أستاهل كده ؟
كما تصاحبت خطاهما و قلبيهما تصاحبت شهقاتهما وهما تبكيان بكل الألم .. تحتضنها حوا وتهدهدها وتبكي معها
- لا يا حبيبتي .. أوعي تقولي كده .. أنتي قلبك أنضف و أطهر قلب قابلته في حياتي ، هو اختبار من ربنا اتحملي وربنا هيهونه عليكي ويعوضك خير ، أوعي تفكري في اللي فات وكفاية اللي ضاع مش عايزين نضيع عشانه اللي جاي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- لسة برضو مكلتش حاجة ؟
- أبدا يا حاج .. من ساعتها وهي حالتها ربنا اللي يعلم بيها ولا حطت لقمة في بوقها ولا بتبطل عياط .
- وبعدين يا حاجة .. هنسيبها كده هيجرالها بعد الشر حاجة .
- حوا عندها جوا بتحاول تأكلها أي حاجة .
- ربنا يخليهم لبعض .. لو كانت حياة ليها أخت مكانتش هتحبها أكتر من حوا ، متعرفيش عملو ايه في الشيك اللي مضوه ؟
- الراجل صاحب الشيك مصبرش عليهم وقبل ما حياة تقولها أن الفلوس اتدبرت كان الراجل جرى جاب المأذون وكتب على البنية وخدها .. استغل رقدت أبوها وحاجتهم .
- لا حول ولا قوة إلا بالله ، مقولتليش ليه يا ام حياة كنت أقفله ؟
- كان خلاص اتجوزها .. بس واضح يعني ان الدنيا مش وحشة أوي معاها .. ربنا يهدي سرها .
- يا رب و يعوض بنتنا خير عن اللي شافته .
- بالمناسبة يا حاج قبل ما أنسى .. الست أم الدكتور عاصم ساعة لما كانوا هنا لمحتلي أنهم عايزين حتة الأرض طالما الجوازة متمتش .. أنا بقول ترجعها للحاج أسعد مش عايزين حاجة.
- أما ست حرباية بصحيح ! مراعتش اللي احنا فيه وبتتكلم في أرض و فلوس .. دانا صرفت عليهم أد تمن الأرض دي ميت مرة .
- لأ يا حاج .. أنت صرفت محبة عشان أخوك مش عشانها .. متضيعش ثوابك ، إن كان على الأرض الله الغني مش أرضهم اللي هتغنينا .
- أنا بنيت مصنع التجميع على الأرض دي يا أم حياة .. هردهالهم إزاي بس ؟! كمان مقدرش أسدد لهم تمنها دلوقتي أنا ورايا أقساط للبنك بفلوس المعدات ومعدش معايا سيولة خالص .
- خبطت المرأة بجزع على صدرها :
- يعني إيه ؟! دي هتفضحنا وتقول طمعنا فيهم .. يعني يارب مش كفاية ميلة بخت البت اللي حيلتنا كمان نتفضح وأم عاصم تفرج علينا الناس .
- ادعيلنا أنتي بس يا حاجة ربنا يفرجها .. أنا هستسمح أسعد يصبر علينا شوية و هديله تمنها زي ما أي حد كان هيشتريها .
- ربنا يستر .. المهم بس ربنا ينجيلنا بنتنا ويعدي الأيام دي على خير .
- يارب يا أم حياة .. ربنا يسمع منك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل البيت ليفاجأ بهدوء تام .. كان قد أعتاد أن يعود فيجد الأنوار مضاءة والتليفزيون و فراشته الصغيرة تجوب المكان جيئة و ذهابا .. تحضر عشاء و غداء وتدعوه في كل حين للطعام الذي تطهوه بيدها .. لقد اعتاد على طعامها اللذيذ الذي يذكره بطبخ أمه و حنان أمه .. الذي حرم نفسه منه .. كيف ينعم ولم يفعل لها شيئا يمحي وجع الخيانة .. كيف يستمتع بحنانها وقد ترك نفسه غارقا في أزمته النفسية لتعمل و تعوله و هو يكتفي بالاختباء والبكاء .. عاد من تفكيره و قد لمح ضوء منبعث من أسفل باب غرفتها .. اقترب قليلا ليسمع صوتها .. ليس واضحا تماما و كأنها تغني ولكنه لا يدري ماذا تقول .. لم يميز حرفا ، ذهب لفراشه متعجبا من نفسه .. هل اكتفى بمجرد وجودها معه ؟ هل سيتستبقيها بلا هدف سوى أن تبقى ؟
استيقظ من نومه ليصل إلى سمعه صوتها بعيدا جميلا غنيا بالدفء .. تغني ايضا ولكن لا يعلم أغنيتها تلك .. لكنه شيئا جميلا مهدئا لأعصابه .. ظل في فراشه حتى تظل هكذا تصدح كيفما شاءت ولا تنهي ما تفعل .. أيا كانت ما تقوله فإنه يعجبه ويسعده و لا يدرك كيف يحدث هذا .. بل لا يهتم كيف .. كل ما يهمه أن تظل معه ويستيقظ هكذا كل صباح على نغمات تتردد من حلقها وهي تذهب و تجيء وتحضر طعام الإفطار الذي تصر على تحضيره له كل يوم برغم أنه لم يُفطر معها مرة .. لكن رائحة القهوة و البيض و طبق الفول تعطيه أملا و سعادة وهو متجه لأمه صباحا ، انقطع صوتها عن أذنيه فغادر فراشه واغتسل وارتدى ملابسه واستعد للمغادرة ، خرج فوجدها كما اعتاد تجلس على السفرة تجهز بعض الشطائر :
- صباح الخير ،الفطار جاهز .
- صباح النور .. بالهنا و الشفا ، مش هينفع أفطر .. إفطري انتي ، هشوفك في الشركة .
- قبل ما تمشي .. ممكن أستأذنك أروح لصاحبتي .
- طيب بس متتأخريش .
قال كلمته وغادر تاركا إياها تتقاذفها الأفكار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مترددة تجر قدماها رغما عنهما .. تخشى ما تقبل عليه .. يؤنبها ضميرها وفي كل خطوة وخفقات قلبها كطبول حرب تصم آذانها ، كلما تقدمت خطوة أحرقتها نار ضميرها ، وكلما تأخرت خطوة أنبها عقلها .. لمتى ستنتظرين و كأنك في انتظار حكم بإعدامك .. اسبقيه قبل أن يسبقك بقوته و يجبرك على انعدام القيمة ويخسف بقيمتك أرضا كنتِ ملكة لها من قبل ، أرهقت من تلك الحرب الدائرة بداخلها ، لم تكن لتفعلها أبدا و تذهب مكان بلا إذن زوجها .. هذا ما تربت عليه .. حتى و إن كان زواجها هذا لا يروقها و زوجها يسلبها حقها أن تعش كزوجة تشعر باحترامها لا فتاة رخيصة تتزوج وتطلق بحفنة نقود ، طرقت الباب بأيد مرتعشة فيفتح الباب من فوره وتطل عليه سيدة خمسينية جميلة أنيقة وجهها يطل منه حنانا يشبه ذاك الذي تمتلكه والدتها :
- أنتي حوا ؟!
- أيوة يا فندم .
- اتفضلي ادخلي .. ومالهاش لزوم كلمة يا فندم دي إنتي مرات ابني مش أغراب .
- حاضر يا طنط
اصطحبتها حتى الشرفة التي أعدت فيها الجلسة لتبدو حميمية لطيفة بعيدة عن الرسمية والتكلف و قد أعدت لهما مشروبا ويبدو أنها كانت تنتظرها وتعد لاستقبالها ، جلست المرأتان تتناولان المشرب وتتحدثان حيث قصت حواء كل ما حدث بتفاصيله لوالدة آدم و أسباب الزيجة و دوافعها للقبول .. تقبلت السيدة كل ما سمعته و لم تبدِ استياءً من زواج ولدها الذي لم تحضره وعدم ذكره لها أثناء زواجه حتى أن الجميع أعتقد أن والدته متوفية .
- انتي خريجة إيه يا حوا ؟
- أنا خريجة إدارة أعمال من الجامعة الأمريكية السنة اللي فاتت .
- مشتغلتيش ؟
- الشغل كان من ضمن الصفقة في الشركة عند آدم على إني أحتفظ بشغلى حتى بعد الطلاق .
- خلينا منجيبش سيرة الطلاق .. آدم مش وحش هو بس عانى كتير .
- مش أنا اللي بجيب سيرة الطلاق .. دا ابن حضرتك اللي اتجوزني على شرط الطلاق ، و حاسة إن الجواز ده حرام وضميري مش مرتاح .
- هو ميعتبرش جواز بالمنظر ده ، ونظرت إليها نظرات ذات مغزى ، لكن بيدينا أن نحوله لزواج حقيقي .
- يعني إيه ؟
- إنتي بتحبي آدم ؟
- أنا ملحقتش أعرفه عشان أحبه .. الموضوع كله بالنسبة ليه مجرد وقت يقضيه ومش مهتم لا يعرفني ولا يعرفني عليه .
- تبقى دي مهمتك .. أنا هحكيلك مشكلة آدم ، هو كان متعلق أوي بوالده ، و فجأه بدأ يهملنا و يقضي وقته كله برا ، ولما يبقى موجود في البيت يبقى عصبي و مش طايقنا ، طبعا أنا كنت حاسة أن فيه واحدة ست في الموضوع و عملت نفسي مش عارفة و حاولت أرضيه و أرجعه ليا تاني بس المنافسة كانت أقوى منى .. البنت كانت بتشتغل في الشركة و صغيرة وبتلاعبه باحتراف وهو عمره ما كان ليه في الخبث والحركات دي وقدرت تاخده مننا ، كل ده طبعا أثر على آدم وخلاه أعصابه مهزوزة لحد ما فجأة باباه بلغنا أنه هيسيب البيت وهيتجوز البنت دي و لو مش عاجبني يطلق عادي مش متمسك بيا .. كنت هطلب الطلاق لأن كرامتي اتجرحت منه أوي بس وضع آدم النفسي أجبرني أسكت وأجلت الفكرة مستنية الوضع يهدا ويستقر ، لكن اللي حصل إن الوضع اتدهور و والد آدم بدأ يخسر فلوسه ويصرف باسراف على مراته الجديدة اللي مكانتش بتشبع مهما يجيب لها ، وضع الشركة اتهز ومعدش حد قادر يرجعه عن اللي بيعمله و الفلوس قلت لدرجة إني اضطريت أشتغل سجاد يدوي هنا في البيت و أبيع للجاليريهات و الناس و أحاول أدبر فلوس المعيشة هنا بدأ أخواته وشركائه في الشركة يطالبوه بفلوسهم وأرباحهم و حقوقهم و صفوا الشركة تقريبا واللي فضل شوية أصول صغيرة هنا قامت العروسة بانت على أصلها و فضلت تنرفز فيه لحد ما طلقها في لحظة غضب فرفعت عليه قضية بالمؤخر الكبير اللي كان كاتبه و باع مخازن مواد بناء كاملة بالخسارة عشان يقدر يديها الفلوس ومن زعله مات و آدم مقدرش يشوفه وهو بيحتضر ولا يكلمه رغم أن والده طلبه كتير و طلب منه يسامحه بس آدم مقدرش ولحد دلوقتي جارحه أوي أن باباه اتخلى عنه و أنه مات وهو مقدرش يسامحه أو يودعه ، و الجواز بالنسبة ليه صفقة وكل حاجة بفلوس وليها تمن .
- ياااااه .. كل ده جواه ! أنا هحاول أقربه مني بس ساعديني و عرفيني إيه اللي بيحبه و اللي بيكرهه وادعيلي أنجح .
- ربنا معاكي .
دق الباب و استأذنت والدة آدم لتفتح لتجده آدم .. يقف بوجهها
- آدم !! أنت مش كنت هنا الصبح ؟! إيه اللي رجعك دلوقتي ؟!
#ماجدة_بغدادي
#ماجووو

أنت تقرأ
حيـــــاة .. على يمين طلاق
Genç Kız Edebiyatıصديقتان تمران بظروف سيئة مع أزواجهن ترى كيف ستستعيدان حياتيهما وأزواجهما ؟ هل تصمد خططهما البريئة أمام الطامعين ؟