الفصل التاسع عشر

3.3K 96 2
                                    


جلس مترددا كما ذهب مترددا ، يغزو الجفاف حلقه و يتخيل عديدا من السيناريوهات حول نهاية لقائهما ، يتخيل أن الوضع كارثي بكل المقاييس و سينتهي بشكل أسوأ ، فقد ثقته بأعصابه ؛ فذاك الشخص يريد أن يتزوج بأمه .. أمه!! كيف يتخيل أن أحدا غير أبيه يلمس أمه و يعيش معها و يسيران سويا متشابكي الأيدي ؟!! كيف سيستطيع أن يكون هادئا في موقف كهذا ؟ حقا إن أمه ليست صغيرة و هو أيضا ليس صغيرا و لكن الفكرة كلها في داخله أن أمه غير كل النساء .. لا يعيب صورتها شيء ولا يمكن أن تستعبدها رغبة أو يدفعها شوق مثل باقي النساء ، إنها في نظره تتصف بالكمال .. و كأنها نصف إله اختار أن يسير على الأرض فقط لأجله ، توقف عند فكرة نصف إله ليجد نفسه قد ابتعد به التفكير حتى حدود اللامعقول ، فليس ثمة أنصاف آلهة سوى في قصص الإغريق و جبال الأولمب الفارغة من أية مظاهر للآلهة ، أجُننتُ أنا ؟!! إنها بشر و أنا بشر و كلنا في النهاية إلى زوال ، و لكن فكرة أن تتزوج و يشاركني فيها رجل آخر فكرة غير مقبولة .. لا قلبي و لا عقلي يستطيع استيعابها .
- أهلا يا أستاذ آدم .
- أهلا بحضرتك .. أنا جاي النهاردة أعتذر عن سوء التفاهم اللي حصل ، هو أنا تفكيري .....
قاطعه بإشارة من يده :
- مالوش لزوم تشرح حاجة أنا مقدر الموقف ككل و مش زعلان منك ، أنت من معزة ولادي و معرفش أنت فاكر و ألا لأ بس أنا شيلتك و أنت صغير و لاعبتك أد ما شيلت ولادي ولاعبتهم.
- الحقيقة أنا فاكر بس أن حضرتك كنت صاحب والدي قبل ما تسيب الشركة و العلاقة تتقطع قبل التدهور اللي حصل في الفترة الأخيرة .
- الله يرحمه والدك كان أكتر من أخ .. أنا في الوقت ده شفت حاجات معجبتنيش على مستوى الشغل و على مستوى التصرفات الشخصية و نبهته أن ده ممكن يخرب البيت و يخسره للأبد و مسمعنيش ، فحاولت أضغط عليه بإني هستقيل ففوجئت بقرار إقالتي ، عشان كده سافرت و محاولتش أرجع .
- حمدالله على السلامة .. أنا كنت جاي عشان أعرف من حضرتك موضووع الجواز ده .
- يا آدم أنا مقدر شعورك و غيرتك على والدتك .. و احنا كبرنا و محتاجين ونس ، معدناش شباب و المسالة عندنا مش زي ما أنت فاهم أو بتتخيل ، لكن شرعا مينفعش أننا نونس بعض من غير رابط شرعي ، أنا ولادي عايشين في كندا و زوجتي توفت ، و أنت طول الوقت في الشركة و على أقصى تقدير بتشوف والدتك مرة في اليوم يمكن لا تتعدى نص ساعة ، يمكن تتعب فجأة خلال اليوم .. تحتاج حد يحسسها أنها مش لوحدها ، ممكن تكسل تتغدا عشان هتاكل لوحدها ، فكر يا آدم بس فكر و أنت حاطط نفسك مكانا و إحنا مش أعداء يابني ولا حد يقدر ياخد مكانتك عند والدتك ولا ينقص حبها ليك .
أنهى شوقي كلماته التي ألجمت منطق آدم .. أحبطت كل ذلك الفوران الذي بداخله ، و كل تلك الثورة التي كانت تشنها أعصابه عليه ليتشاجر مبعدا أمه عن تلك الزيجة التي تؤرقه ، ودع الرجل بكلمات جوفاء وانصرف .. جلس في ذلك المكان الذي شهد جلساته مع حواء حين كانا يخرجان سويا و يتنزهان على النيل .. لقد فقد المنيل جماله و فقد النيل روعته منذ غادرته حواء، و ها هي والدته أيضا تتركه .. أحس برغبة في البكاء بقوة و الصياح ..تمنى لو أنه يجد صدر حواء ليبكي في حضنها ، انتحى جانبا بعيدا عن الناس و ترك لعينيه العنان لتطلق بكاءً محبوسا منذ أن تزوج أبيه بأخرى غير أمه مرورا بوفاته و اختفاء حواء وصولا لزواج أمه غير المتوقع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصلت لبيت قديم مهجور على أطراف المدينة ، ميزته منذ اللحظة الأولى ففتحت الباب سابقةً مرافقها و اندفعت تجري داخلة يحدها الشوق لذكريات جميلة مضت و دفنت مع أحباب غابوا عن الحياة .. جرت لتحتضن شيئا من عطرهم القديم و ذكرى طفولتها .. حين أنهت صعود الدرجات وجدت النور مضاء فدفعت الباب و دخلت مسرعة لتجد أمها واقفة في انتظارها لترتمي بأحضانها وتندفع شلالات الدموع من عينيهما .
- مفيش فايدة فيكم .. تزعلوا تعيطوا تفرحوا تعيطوا .
التفتت على الصوت .. إنه صوت أبيها .. صوته سليما عاديا فنظرت له لتجده واقفا على قدميه لا مشلولا كما تعودت أن تراه في الفترة الأخيرة ، تركت حضن أمها لتستقر بحضن أبيها و هي تستكمل بكائها:
- الحمد لله يا بابا أنك قمت بالسلامة .. الحمد لله .
- أنا آسف يا بنتي .. كل اللي جرالك ده بسببي .
- ولو كان حصلي أد كده عشر مرات و أنت تقوم بالسلامة عمري ما أزعل .
دخل من الباب ذلك الشاب بلحيته الكثيفة يحمل حقيبتها :
- طبعا من لقى أحبابه يا ست حوا .. ناس تتاخد بالحضن و ناس تشيل الشنط .
- هههههههه سوري يا حازم .. متعرفش ماما و بابا كانوا واحشيني إزاي .
- معرفش إزاي ؟! دا محدش عرف أدي ، بس الحمد لله إني رجعت في الوقت المناسب .
- مقولتليش جيت أمتى ؟ و كنت مختفي فين ؟ و ليه معرفناش أخبارك و معرفناش نوصل لحد يقولنا حاجة عنك ؟
- كل دي أسئلة ؟؟؟ اهدي عليا شوية .
- جاوب ياللا هموت و أعرف كل ده
- الأول يا حوا .. هو أنتي حامل ؟
- أخفضت وجهها للأرض و لمعت الدموع في عينيها مرة أخرى :
- أيوة
قالتها بصوت مخنوق ارتجف له قلب والدتها التي شددت على احتضانها وهما جالستين على الأريكة .
- طيب و زعلانة ليه ؟ كان مفروض لما عرفتي أنك حامل تقولي لآدم .. شرعا مش من حقك تخبي حاجة زي كده ، و يمكن كان ربنا صلح ما بينكم و رجعتو لبعض بدل الأفلام البوليسية اللي أنتِ عايشة فيها دي .
- خفت يا حازم .. خفت أوي آدم ميقبلش بالطفل ده أو يقولي أجهضه ، طبعا مكنتش هسمع كلامه بس الوضع بيني و بينه كان هيتوتر أكتر .
- قلب أمك يا بنتي ، متخافيش طول ما أنتِ في حضني .
والدها :
- حتى لو مش عايزه ، ضافره عندنا بالدنيا .. متحمليش هم ، ربنا مش هينسانا .
- طيب أنا هتصرف في الموضوع ده .. كل اللي عليكي ترتاحي وتشبعي من حضن ماما و بابا و تهتمي بالواد الشقي ده حبيب خالو .
- حبيب خالو برضو !! اسمه حبيب جدو حازم ، خالو دي بتاعتي أنا.. يا جدو .
- يا بت أنتِ بطلي استفزاز ، جدو دا إيه ؟!! أنا لسة صغير ، على فكرة أنا اللي هسميه زي ما سميت أمه على أول حرف من اسمي .
- هتسميه إيه ؟
- حزلئوم .
ضحكوا جميعهم :
- يا رخم .. طيب قولي حكايتك إيه ؟ و ليه اختفيت بعد ما سافرت ؟
- هقولك عشان أخلص من زنك .. بعد ما وصلت روما اكتشفت أني اتنصب عليا و أن مفيش عقد ولا شغل ، اتخانقت مع الراجل اللي كان طالع معانا يوصلنا من كتر نرفزتي ، كنت متخيل أمك وأنا راجع بعد ما صرفت القرشين اللي حيلتها هي و أبوكي عشان أسافر بيهم ، كل أحلامي و البنت اللي كنت بحبها و مسافر عشان أجيب فلوس شبكتها و أتجوزها راحت قدام عنيا ، و أنا بتخانق معاه ضربته على دماغه اتفتحت و شفت الدم بينفجر في وشي و غرق الدنيا حسيت أن حياتي كمان ضاعت .. هربت ، معرفتش رايح فين ؟ مش معايا أي فلوس ولا معايا ورق سليم و سايب مصيبة ورايا .. ربنا وقع في سكتي واحد بينقل مواشي من بلد لبلد على عربية كبيرة ركبني و اتفقت معاه اشتغل عنده في المزرعة لحد ما ربنا يفرجها .. كان راجل كبير في السن وابنه كان مدمن مخدرات وسابه و ساب البيت و المزرعة ومحتاج حد يساعده ، قعدت عنده سنتين في إيطاليا مشفتش فيها غير المواشي و المزرعة ، و لما رجع ابن صاحب المزرعة قالي اهرب .. هو مش هيسكت إلا لما ياخد كل حاجة عشان المخدرات و ممكن تتخانق معاه ، بعد ما لميت هدومي وخدت القرشين اللي حوشتهم مقدرتش أهرب و أسيبهم .. مهما كان الراجل و مراته كبروا و محتاجين سند و ابنهم هيبهدلهم ، قعدت تاني و فكرت أبيع المزرعة من غير ما حد يعرف و أهرّب الفلوس و أبعتلهم عشان يبعدوا عن ابنهم .. بس رفضوا لأنه مهما عمل ابنهم ، فاقترحت عليهم يبيعوا المواشي على الأقل و لمينا فلوس بسرعة و هربنا احنا التلاتة سوا لتركيا و سابوله جواب أنه يوم ما يتعالج هيرجعوله .. عشنا في تركيا شوية و لميت فلوس بدل اللي اتنصب عليا فيهم و فلوس أمك و بدأت أسأل و توصلني أخباركم .. الراجل اللي خبطته عايش زي القرد و بطل نصب لما حس أنه كان ممكن يموت ، و حبيبتي طلعت هي النصابة و بعتتني أسافر عشان يخلالها الجو و تتجوز واحد غني و عجوز و تورثه و في النهاية سمعت موضوع تعب أبوكي .. تخيلت أختي اللي ربتني هي و جوزها عايشين إزاي في الضيقة دي و فلوسها و دهبها اللي باعتهم معايا ، عافرت لحد ما خلصت ورقي لأني كنت عايش مطارد مش معايا أي ورق .. ناس حبايبي رجعولي الفلوس بطريقتهم و أنا سلمت نفسي هناك و اتبهدلت لحد ما أثبتوا أني معملتش جرايم و رحلوني .. أول ما وصلت عرفت حكايتك و رحت جبت أبوكي و أمك هنا للبيت الكبير بتاع أمنا و أبونا ومحدش يعرف عنه حاجة .. وضبته و قعدنا و جيتلك .. دلوقتي احنا مش تحت إيد حد .. و هشوف هنعمل إيه .. بالمناسبة أنا مسكت الشغل مكان أبوكي في شركة آدم .
- يااااااه !! كل ده يا حازم ؟!!
- أكتر من عشر سنين يا حوا .. كنت سايبك طفلة بتتعلقي في رقبتي وتعيطي وأنتِ بتقوليلي متمشيش يا حازم وتسيبنا .
- ياريتك ما كنت مشيت .
- كل شيء قدر و مكتوب .
- و حشتني أوي يا حازم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صرخ في وجوه الرجال الواقفين محني الرؤوس :
- أنا مشغل شوية بهايم .. بقى كلهم اختفوا و أنتم نايمين على ودانكم ؟!
زادت ثائرته وانهال ضربا على وجوههم ، حاولوا أن يتجنبوا ضرباته العشوائية .. فبرغم قوتهم الظاهرة و أجسادهم المتطاولة كثيران بشرية ضخمة إلا أنه كان يجيد إيلامهم :
- شوية هفأ زيكم يضيعوا من إيدي ألوفات .. إزاي حتة بت لا راحت ولا جت تضحك على كل الشنبات دي ، ياللا ورايا على بيت صاحبتها نشوفها هي كمان اختفت زي أمها و أبوها و ألا لأ
- انطلقوا جميعا إلى بيت حياة و اقتحموا البيت بعد أن كسروا الباب الخارجي .
- عاصم .. إلحقني .. فيه ناس كسروا باب البيت و بيرزعوا على باب الشقة
انتفض عاصم فقد كان نائما .. و أتاه صوت حياة ليفزعه :
- متخافيش يا حياة .. ثواني و أبقى عندك .. خليكي معايا ع التليفون متقفليش .
أمسك هاتفه و هب من فراشه وقفز ليفتح باب حجرته ويخرج صارخا بأبيه :
- ياللا يا بابا .. فيه ناس بتتهجم على عمي إبراهيم .
قال كلماته وهو يتقلد عصا حديدية ثقيلة من تلك التي كان يرفع بها الأثقال الكبيرة في ورشة عمه .
نزل من السلم بمنامته وشعره المشعث و لم ينتظر أبيه الذي قام مهرولا وراءه محاول اللحاق به .. وفي يده مسدس !
في بيت العم إبراهيم كسر رجال شعبان الباب يتقدمهم فتحي بينما شعبان ينتظرهم بالأسفل .
- فين البت اللي اسمها حوا ؟
الحاج ابراهيم بقوة مهتزة تناسب سنه الكبير :
- أنت إزاي تجيلك الجرأة تقتحم بيوت الناس في انصاص الليالي كده ؟ أنت مين ؟
- مالكش دعوة أنا مين ؟ أنا بقولك فين حوا ؟
- معندناش حد بالاسم ده ، و اتفضل امشي من هنا قبل ما أطلبلك البوليس يلمك أنت و شوية التيران اللي جاررهم وراك .
انطلقوا بإشارة من فتحي وفتحوا أبواب الغرف ليفتشوا عن حواء بينما يدخل عاصم الذي تنحى شعبان جانبا و هو يراه قادما ، دخل عاصم ب " العتلة" ملوحا بها وباغت أحد الرجال بضربة في ضهره ليصرخ مستديرا يواجه عاصم بمدية صغيرة فتحها في وجهه ، فعاجله عاصم بضربة أخرى على يده التي تمسك المدية لتسقط منه و يتجمع كل الرجال الذين كانوا بالداخل و يواجهون عاصم الذي أتى والده من ورائه ممسكا بمسدسه موجها إياه ناحيتهم ويحاول باليد الأخرى يبعد عاصم عن أيديهم :
- اللي هيقرب هضرب عليه نار .. كله يرمي اللي في إيده في الأرض .
- انصاع الرجال تحت المفاجأة وما هي إلا دقائق و أتت الشرطة التي داهمت المكان في صمت ليجد الجناة أنفسهم بين الشرطة من جانب و عاصم و أبيه من الجانب الآخر .
كل هذا يحدث تحت نظر شعبان الذي انتحى جانبا في الحارة و كأنه لا يعنيه شيئا مما يحدث ليجد الجميع يغادرون في سيارة الشرطة ووراءهم عاصم و أبيه و عمه إبراهيم في سيارة عاصم بعد أن غيروا ملابس النوم بأخرى .. انصرف شعبان بهدوء من الحارة ليكمل باقي مخططه بعد أن اختفت حوا و الشيك ، لابد أن يكمل مسيرته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ليلة حافلة بكى فيها كل ما لم يبكيه من قبل جلس بداخل شقته ونام في فراش حواء ربما يستمد من موضع وجودها بعض الحنان الذي يفتقده و الأمان الذي اختفى معها .
دق الباب بإلحاح مما دفعه أن يقوم نزقا ليفتح فوجد شعبان أمامه :
- عايز إيه يا شعبان ؟
- إيه رأيك في العروسة يا باشا ؟ فات يومين بعد ما شفتها و البت وافقت و مقولتليش أتمم و ألا إيه ؟
- معجبتنيش يا شعبان .. نسوانك كسر زيك .
- طيب يا باشا هشوف غيرها .. إحنا ورانا إيه إلا مزاجك ، بس كان عندي خبر كده وقع في إيدي صدفة .. معرفش إذا كان يهمك و ألا لأ .
- قول ما أنت أخبارك زي وشك .
- احمممم .. صاحبك يا باشا .
- صاحبي مين يا شعبان؟ انطق .
- الدكتور عاصم .
- ماله ؟
- مش عارف أقولهالك إزاي ؟! بس امبارح الواد أخو مراتي الغبي اللي اسمه فتحي كلمني أروح اضمنه م القسم و لما طلعنا عشان دخل بيت ناس بالقوة .
- رد عليه آدم بزفرة :
- أنا مالي بفتحي و زفت !!
- ما أنا جايلك في الكلام يا باشا .. الواد ده قالي أن فيه بت كانت واعداه بالجواز و بعدين غطس شوية رجع لقاها اتجوزت .. الواد قال يمكن عشان ظروفها صعبة و كانت محتاجة فلوس ، المهم هي كانت لسة بتكلمه و على علاقة ببعض و مستنيها تطلق زي ما قالتله ، قام عرف لما راقبها أنها مقرطساه و مطلقة و قاعدة عند ناس متعرفهمش و على علاقة بواحد قريبهم وكل كام يوم بتروح تقابله .. وفي وسط كلامه لقيته بيقول حوا و عاصم و ربطت الكلام ببعضه عرفت أنه بيتكلم على أن حوا على علاقة مع عاصم صاحبك و أنه لما راح اتخانق مع عاصم و قرايبه خد البت و خلى البوليس ياخده هو واصحابه .
- و كأن عيناه تحولتا لزجاج بارد مغروس في وجهه ، و كأن جفاف عشرات السنين بلا مطر في حلقه .. اجتاحته كل العذابات .. أكان عاصم منذ البداية يعلم مكانها و يكذب ؟ يا لخيانة الأصدقاء التي تحيل العسل مرا .. رد بعكس كل ما يجيش بنفسه :
- و أنا دخلي إيه يا شعبان ، أنا خلاص طلقتها و مش عايزها .. صحيح ندالة من صاحبي أنه يمشي مع واحدة كانت شايلة اسمي و الله أعلم عرفها امتى .. بس يولعوا ، الواطي ده أنا هقطع علاقتي بيه .
- يعني إيه يا باشا ؟! هتسيبه كده ينفد من إيدك ؟ وياخد المؤخراللي اديتهولها يعيشوا بيه ؟
- يا غبي أنا لما بطلق و ارمي المؤخر لواحدة مببصش للي برميه ، اجري بس أنت شوفلي عروسة حلوة .. عايز عروسة عنيها ملونة .
- رد مصدوما :
- حاضر يا باشا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- بقولك الخطة فشلت .. بارد ولا همه .. كل اللي قاله أن صاحبه طلع واطي و خلاص .
- طيب و العيال اللي في الحبس دول .
- متخافش يا باشا هم عارفين هيقولوا إيه .. قالوا أنهم غلطوا في العنوان و كانوا بيدوروا على قريبتهم اللي هربت من أهلها و كتبوا تعهد و مشوا .
- طيب مجابلكش سيرة على حاجة تانية ؟
- حاجة زي إيه يا باشا ؟
- أي حاجة أنت مقولتهاش يا شعبان .. ما تفتح مخك شوية .
- اللي أعرفه قولتهولك يا باشا .. و بعدين يا باشا تفتيخ المخ و الذكاء ده عندك ، أنا يدوب بنفذ أوامرك و ما شاء الله الرصيد في البنك معدي ال 6 مليون .
- ههههههه عاجبينك الملايين يا شعبان ؟
- طبعا يا باشا .. كفاية فقر بقى و بهدلة .
- فتح مخك معايا و تنفذ اللي بقولك عليه عشان يبقو أد كده مرتين تلاتة .
- أوامرك يا باشا .
- البت دلال أخبارها إيه ؟
- مستنية إشارة منك يا باشا .. بس الراجل ده طلع حويط أوي و ناشف مهيش عارفة تاخد منه حاجة و عاملة نفسها مش هاممها لحد ما نوصل للي عايزينه .
- كويس أوي .. متحاولش تشوفها لحد ما يعملها توكيل أو حتى يدخلها شريكة ، ونقدر ندخل البضاعة جوا بضاعته و نستلمها هنا وغحنا في السليم .
- دي تبقى حتة ضربة يا باشا هترفعنا في العلالي .
- دي بس أول صفقة .. بكرة مش هنلاحق على الخير .
- يا باشا قول إن شاء الله عشان تتم
- ههههههههه بحسدك على عمق إيمانك يا شعبان .
- تربيتك يا باشا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- خلاص ، معدش هينفع نستنى أكتر من كده .. تعالي .
- بس يا لميا أنا ملحقتش أعمل اللي اتفقنا عليه .. دا كان بيقفل السكة في وشي و ميكلمنيش ولما أكامه تاني يقولي معلش أصل تليفوني عايز يتصلح .
- خلاص مش مشكلة .. تعالي بس و هنظبط كل حاجة ، الشريحة بتاعتي اللي بكلمك منها دي محدش يعرفها و شارياها باسم عاصم ، هحطها بالتليفون اللي هي فيه في حاجته واعزم حياة بمناسبة رجوع ماما للبيت .. المهم تكوني جيتي .. قدامك أسبوع بالكتير .
- طيب هقدم على أجازة مستعجلة بس يكون في حسابك إني مش هقدر أطول عن اسبوع .
- لو ملحقناش حاجة في الأسبوع ده هبقى أضربلك شهادة طبية أنك جالك تيفود و كنتي تعبانة أهو تقعدي كمان أسبوع .. نفشكل الجوازة الأول و بعدين نخطط للجاي .
- أديني وراكي لما نشوف آخرتها .
- آخرتها عز .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- لقيتي حاجة يا ماما؟
- مفيش حاجة يا عاصم .. أنت قلقتني على الفاضي ، قعدت تقولي بابا بيقعد طول النهار برا .. بابا مبيباتش في البيت ، و الراجل من يوم ما جيت بيرجع من الشغل على البيت و م البيت ع الشغل .
- يا ماما والله كان غايب من الشغل و واحد زميله قالي أنه واخد أجازة مكانش بيروح .. غير عم حمدي اللي في الكشك على ناصية الحارة كذا مرة يقولي باباك نزل بليل و مجاش لحد ما قفلت.
- معرفش يا عاصم ! ورق أبوك كله هنا مفيهوش حاجة غريبة و تليفونه مفيهوش غير مكالماته معاك ومع عمك ابراهيم و مكالمتين تلاتة لاختك و الصيدلية و تليفوني في آخر أسبوعين قبل ما أرجع .
- طيب نفهم إيه من كده ؟
- قبل أن تجيبه دق الباب
- منفهمش حاجة .. اسكت دلوقتي اختك جاية بولادها و دي بقت قوقة وما هتصدق تندب و تقرفنا.
- طيب هفتح لها
- فتح الباب و تناول الصغير من يدها و قبلها :
- أهلا يا لولو .. نورتي ، أهلا بحبايب خالو
- دخلت مسرعة :
- حبيبتي يا ماما نورتي بيتك .. نورتي الدنيا غصب عن عين اللي كارهينك .
- تعجبت أمها من الحديث و تدخل عاصم :
- مين دول اللي كارهين أمك ؟! هو أي تخريف و السلام !
- مش تخريف .. أنت بس مش عارف تفتح عنيك .
- فتحيهالي ياختي يمكن شايفة بحكمتك الفظيعة اللي مش عارف أشوفه .
- عمك إبراهيم هو اللي مكانش عايزها عشان الأرض .
- ردت عفاف :
- بس يا لميا بطلي تخريف .. عمك طول عمره بيحب أبوكي و عمره ما قواه علينا ولا اتدخل بينا.
- اسكتي انتي يا ماما .. الحرباية مراته ملت دماغه وهو ملا دماغ بابا ، بقى معقول بابا اللي مكانش بيطيق يبعد عنك يوم يقدر يسيبك كل ده ؟!
- اغتاظ عاصم من لغتها :
- و بالمرة بقى حياة هي كمان عايزة تخلص من حماتها مش كده ؟
- لا .. مقدرش اقول حاجة على حياة هي كانت في الوقت ده أنت مطلقها و كانت مخطوبة لواحد تاني و مش في دماغها .
- هز عاصم رأسه بيأس ، وتكلمت والدته :
- اسكتي يا لميا .. اسكتي يا بنتي وقومي أكلي الولاد قبل ما ابوكي ييجي عشان نعرف نقعد نتغدا
- طيب سكت .. بكرة تقولوا لميا قالت .
- لما ييجي بكرة بإذن الله يا ست لميا إبقي تعالي فكرينا ، قومي قومي .. أكلي عيالك الله لا يسيئك .
- قامت لتدخل المطبخ و هي تلوي شفتيها .
جلس عاصم بجوار والدته و هي تحمل منه الصغير وتقبله بينما باقي الأطفال ذهبوا وراء أمهم :
- بنتك بقت لا تطاق يا ماما .
- معرفش إيه اللي جرالها .. تفتكر متخانقة مع جوزها وألا حماتها وبتطلعهم علينا ؟!
بهدوء تركت المطبخ و انسلت لغرفة عاصم و تركت الهاتف في معطف له في خزانة الملابس و عادت إلى حيث كانت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يعني إيه اختفت ؟ أمال هنقولها إزاي أن عاصم كان على علاقة بصاحبتها ؟
- ده في مصلحتنا يا باشا ، اختفائها معناه إنها على علاقة بيه ومش عايزة حد يعرف ، أنا بدات خلاص الرسايل و زمان دماغها لفت .
- طيب أنا المفروض أتدخل دلوقتي ؟
- لا يا باشا اصبر .. أنا وصيت البت السكرتيرة بتاعته كمان أنها تتنحنح شوية عليه عشان يبقى رسمي .. لو نفد من واحدة التانية توقعه ، و ساعتها تظهر أنت يا باشا وتبقى القلب الحنين .
- ماشي يا فتحي .. بس مش مسامحك على الأيام اللي اختفيت فيها .
- يا باشا كنت بحاول أجيب أخبار عن البت اللي اختفت دي بس فص ملح وداب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا يا عاصم تخوني
كانت هذه كلمات آدم و هو يوجه لكمة قاتلة لعين عاصم الذي استقبلها بذهول دون أي رد فعل سوى أن سقط على الأرض .
#ماجدة_بغدادي
#ماجووو

حيـــــاة .. على يمين طلاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن