الفصل الثالث عشر

4.3K 111 1
                                    


قمة الغباء أن تدع شخصا يعلم كل مشاعرك و أسرارك وخفايا نفسك و يوجهك ويقترح عليك بدون أن تعمل عقلك وتمنحه ثقتك المطلقة ، فالغباء الذي ترتكبه مرة واحدة لك عذر فيه ، أما إذا ارتكبته مرتين فقد آن أوان فكرك أن ينتبه ويتعقل ، أما إذا ارتكبت حماقتك ثلاثا فاعلم إنما في دمك حماقة لا تذهب إلا إذا غيرت عقلك كاملا و نضجت نضجا ينقصك فحتما أنت لم تنضج
- قابلني في المكتب بعد ساعة .
أغلق الهاتف و التفت إلي والدة زوجته ثم تابع حركته و أخرج من خزانة صغيرة مخفية في الأثاث دفترا صغيرا :
- أنا هكتبلك شيك باسم حوا بضعف مبلغ المؤخر وهعمله بتاريخ لسة عليه شهر .. لما شعبان يجيلك وريهوله و قوليله لو ساعدتني ألاقي حوا هديك نسبتك الضعف عشان اطمن على بنتي وكمان محدش غيرها يقدر يصرف الشيك .
نظرت له بغرابة صامتة وهو يعطيها الشيك ، فأردف :
- طالما له مصلحة وفلوس مش هيسكت غير لما يعرف طريقها ، و اللي حصل ده أنا هدفعه تمنه بس أطمن عليها الأول و أفهم موضوع الغصب ده لأنه واضح أني وثقت فيه زيادة عن اللازم
- يعني عايز تفهمني أنك مكنتش تعرف ؟
- أنا اتفاجئت أن عمي كان بيشتغل عندنا في الشركة .. وموضوع الغصب ده عمري ما كنت أتخيله يحصل .. أنا مأكد عليه ، المهم روحي دلوقتي وبعد ما أخلص كلام معاه هتلاقيه جايلك متحسسيهوش بحاجة قوليله إني اللي جيتلك وقولتلك زهقت و معدتش هستناها .. أوعي تغلطي عشان نعرف نوصلها ، ممكن يكون خباها عشان الطلاق يتم وياخد الفلوس
- ممكن يعمل كده ؟
- طالما من الأول عمل كل ده مش بعيد يعمل ألعن من كده .. نشوف بس إيه اللي وراه ومش هخليه يعدي باللي عمله 
انصرفت أم حواء بوجوم .. لقد خانها التفكير ، فهي برغم بساطتها حقا إلا أنها ترى الصدق واضحا في عيون وكلمات آدم ، و ربما أيضا قد شكت من قبل في شعبان أنه يفعل ما يفعل بدون علم رئيسه ليصل لقدر أكبر من المال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت في جانب خفي و هي ترى صديقتها تعود من جديد للحبيب العائد .. العائد من الغربة و من الهجر و من الطلاق .. تذكرت آدم ، كم كانت تحلم بالفرحة معه .. كم كانت تحلم باستقرارهما ، كل ما خشته حدث لها و كأن خوفها مغناطيسا جاذبا لما تخاف ، كم اشتاقت له ولملامحه .. عيناه الداكنتين وسماره الأصيل و ذقنه الحليق و تلك اللمعة في ابتسامته لها لاتعلم من أين تأتي .. كل يوم يسألها قلبها بإلحاح : هل أحبها حقا أم أنه كان يقضي معها بعض الوقت ، قررت أنها ستحدث والدتها .. تطمئن عليها .. تتأكد أن الحبيب لم ينس .. حقا تشتاق لملامح وجهه ، تشتاق إليه لدرجة أنها يخيل إليها أنه واقف في الردهة الكبيرة بعد أن أنهى المأذون عقد قران صديقتها .. مهلا
مهلا إنه هو حقا وليس تخيلا .. إنه هنا يحضر عقد قران حياة وعاصم !!!
أسرعت بالالتفاف حول طرف الحائط الذي كانت تستند عليه .. قلبها يخفق بعنف .. تشعر أنه يكاد ينخلع .. وضعت يدها لا إراديا على بطنها تربت على صغيرها المختفي كما هي الآن
التفت فجاة بعد أن شعر باضطراب في نبضه .. يشعر بها .. قلبه يخبره أنها قريبة .. يكاد أنفه يشم عطر شعرها .. يكاد يشعر بلمسة يدها ، يشعر أنه يكاد يُجن .. يريدها ولا يريد سوى قربها ، يكاد يخرج من عقله .. يكاد يصرخ في وسط الجمع أن عودي حبيبتي لا اريد سواكِ .. ولكن هيهات فكلها تهيؤات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- نورتي يا حياة .. أنتي أصيلة صحيح ، مبروك يا حبيبتي
- ربنا يخليكي يا طنط الدنيا منورة بوجودك
أتت لميا من الداخل كانت تضع طفلها لينام :
- مبروك يا حياة .. بس كان حقك قلتي مش هكتب كتابي من غير مامته و أخته وإلا إحنا بقينا معسكر الأعداء .
شعر عاصم بالإحراج من حديث أخته بعدما جاءت حياة بنفسها لتفرحهم بعد رفض والده حضورهم :
- حياة جت بنفسها عشان تفرحكم .. و مكانتش تعرف أنكم مش موجودين إلا لما مشافتش حد
- مالكيش حق يا لميا .. حياة بنت حلال مش بتاعت الكلام ده
- آه طبعا .. هو أنا معرفهاش ، بس أنا عارفة بابا بيحبها إزاي وكان هيسمع كلامها
ردت حياة برغم ضيقها إلا أنها سيطرت على صوتها وردت بهدوء :
- أنا لو كنت عرفت الموضوع ده بدري ولو ساعة واحدة كنت اتحايلت على عمو ومسيبتهوش غير لما تيجو
- عارفة يا حبيبتي .. ما أنتِ عند بابا أغلى مننا كلنا
قالتها وهي تلف يدها بإشارة جماعية أحرجت عاصم ووالدته أكثر ، فقد كانت لمياء مصممة على تلك الحرب و الغيرة القديمة من حب الجميع لحياة وتدليلهم لها ، دفع هذا اصم للانصراف بعيدا عن هذا التوتر و العداء الذي ما أن يفكر أن اخته نسيته إلا أنها تعود وتتذكره مرة أخرى ، جذب حياة برفق من كفها و اعتذر وهو يسير جاذبا إياها وراءه ليجلسا بعدها في مكان هادئ يطل على النيل
جلس مواجها لها نظراته الولهة تعبر تلك المنضدة الحاجز بينهما .. يقلب رأسه و يعدله مئات المرات ليجد مقدمة جيدة ليبدأ حديثه معها ولكن وجودها أمامه جعل كل جهوده تذهب هباءً ، حتى تلك الموضوعات التي قد أعد العدة ليتحدث فيها تطايرت من عقله ليقع فريسة خفقات قلبه المجنونة التي تلح عليه أن يخبرها بحبه
- عايز تقول إيه ؟
- هاه .. أبدا ، أنا بس مبسوط إن الوضع بيتصلح بينا لأننا في الأول و الآخر سند لبعض
- مش فاهمة قصدك .. أي وضع بالظبط اللي اتصلح
- وضعنا يا حياة .. احنا كاولاد عم أولا و أخيرا و أنا مقدرش أسيبك في الدنيا لوحدك ولا أسيب عمي للأغراب وأتفرج ، حياة بصي ليا و أنا بكلمك .
- ليه ؟
- عشان تحسي بمعنى كلامي ، حقيقي أول مرة في حياتي أبقى خايف أتكلم ، خايف كلامي يبقى معناه مش واضح
- نظرت له حياة ولكن نظرتها بها لوم وتحدي :
- أنا فاهماك كويس .. أنت يا عاصم اللي مش قادر تفهم صح
- فهميني .. أنا عايزك ترتبيني من الأول ، اعتبريني طفل لسة بيتعلم الكلام و علميني أكلمك إزاي كلام تقبليه ويوصل اللي جوايا ليكي
- مين قال إن اللي جواك مش عارفاه ؟! أنا عارفة كل حاجة بس أنت اللي مصر تتجاهل الحقائق
- مش متجاهل حاجة و الله .. أنا عارف قصدك .. عشان موضوع اللي حصل مني قبل كده ، أنا اتسرعت أوي يا حياة بس يمكن كان له ميزة عايزك تفكري فيها كويس
- إيه هي ؟
- إن المرة الأولي مكانتش برغبتي ولولا اللي حصل يمكن كانت فكرة إني اتجوزت بغير إرادتي فضلت موجودة ، لكن دلوقتي أنا جايلك بنفسي و حاربت عشان أوصلك .. فكري فيها إنك اتجوزتي اللي حبك و عرف قيمتك و جالك بقلبه مش عشان أبوه وعمه
- أخفضت رأسها وقد أحست بالاضطراب من وقع كلماته ، ربما كان قلبها ينتظر مثل هذا الحديث
- أنا مش هضغط عليكِ .. أنا هسيبك براحتك و قدامنا وقت بس أوعديني
- رفعت رأسها متسائلة :
- أوعدك بإيه ؟
- اوعديني تديلي فرصة أصلح اللي ما بينا
- شعرت بدمعة خائنة تتسلل لتطل على وجه عاصم رغما عنها فمدت أصابعها لتمسحها سريعا :
- و تفتكر اللي انكسر ممكن يتصلح ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- أتأخرت ليه يا شعبان ؟ أنا خلقي ضاق .
- معلش يا باشا .. أصلي كنت في مشوار بعيد شوية و عما وصلت
- طيب أقعد عايزك
- خير يا باشا .. أؤمرني
- الجوازة اللي كنت بتقولي عليها لسة موجودة ؟
- أيوة يا باشا هتروح فين يعني
- طيب إديها ميعاد تقابلني .. أنا عايز أشوفها قبل الجواز مش كل مرة أجي على وشي ع المأذون على طول
- أمرك يا باشا ، بس يعني مقولتليش .. إيه اللي غير رأيك ؟
- زهقت .. هقعد أستنى لأمتى ويا عالم هتيجي و ألا لأ ، خلاص بأه مش عايزاني مع السلامة و رحت إديت شيك لمامتها بالمؤخر واتوصيت شوية .. ما أنا انبسطت معاها برضو بس ياللا مش مهم
- طيب ما أنت اللي طلقت يا باشا
- كنت متنرفز يا شعبان و هي كل شوية زن زن وأنت عارف الستات
- أه يا باشا حافظهم أنت هتقولي
- خلاص يا شعبان .. هستنى العروسة تيجيلي بنفسها يوم الخميس في الكافيه اللي في النادي جنب تراك الخيل
- علم و ينفذ يا باشا .. أطير أنا أوصل المراسيل للعروسة
- ماشي
- خرج شعبان من عند آدم ليرفع آدم هاتفه :
- هو هيخرج دلوقتي من الباب لابس بنطلون جينز كحلي و تيشيرت رصاصي .. أوعى يحس بيك ، وابقى بدل مع الالاتنين التانيين وميغبش عن عينك
- أنهى محادثته ، و أخرج من حافظته أوراقا أخذ ينظر إليها بحقد .. أعرف بس آخرك يا كلب و هوديك في داهية متعرفش تخرج منها تاني ، أوصل بس لحوا و أفضالك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- فتحت الباب لتأخذها المفاجأة :
- شعبان ؟!
- فاجأها بالفعل أنه ذهب إليها كما أخبرها آدم ، فبدت مفاجأتها طبيعية حتى إن شعبان بخبرته لم يكشف أنها كانت تنتظره .
- أيوة شعبان .. إيه .. شفتي عفريت ؟
- لا أبدا اتفضل .. كنت لسة عايزة أكلمك
- ما أنا جايلك بخصوص نفس الموضوع .. آدم بيه جاب المؤخر و زيادة جبتين .. عشان بس تعرفي إن مفيش حاجة تستخبى عليا
- طيب ما تقولي هنحلها إزاي ؟
- قالتها وهي تمد يدها له بالشيك المفعن بالأرقام :
- ذهل من الشيك فحقا يحتوي رقما لم يره قبلا في كل الزيجات التي دبرها لآدم .. لكن ما سيستفيد من الشيك و هو باسم الغائبة ؟!!
- وده هعمل بيه إيه ؟ أنا عايز فلوسي وابقو واصرفوه براحتكم
- هديك نصه يا شعبان بس تلاقي بنتي قبل معاد الشيك وهي تصرفه وأديك نصه .. قلت إيه ؟
- بس دي هجيبها منين؟؟ دي فص ملح وداب
- معرفش .. لازم تشوف حل ، معاد الشيك لو فات محدش مننا هيستفيد حاجة وبنتي هتفضل بعيد وياعالم حاله إيه .. ساعدني وخد النص مش تلت زي ما كنا متفقين على المبلغ القديم
- طيب إديني يومين كده أدعبس وأبقى أقولك هنعمل إيه
- هستناك يا شعبان متتأخرش عليا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- حسيت إن عقلي فوت وأنا بفكر فيه .. انتبهت في آخر لحظة أنه هو بجد مش تهيؤات من خيالي عشان وحشني ونفسي أشوفه
- يا نهارك أبيض .. شوفتيه !! فين وإزاي ؟
- هنا يا حياة .. هنا في بيتكم في وسط الناس وقرايبكم
- شكله إيه طيب
- شكل الصورة دي
أخرجت هاتفها لتريها صورته التي وضعتها خلفية
- مخدتش بالي منه يا حوا .. كان فيه ناس كتير وأنا كنت مركزة مع عاصم ، أقولك أستني أسأل ماما يمكن يقرب لحد من أخوالي
أخذت الهاتف و ذهبت لوالدتها :
- ماما يا ماما يا ست الكل
- شكلك عايزة حاجة و جاية تتمسحي فيا زي عادتك
- كده يا ماما ؟! بتشكي في حبي ليكي
- لا بشك ولا بقطع .. هاتي م الآخر عايزة أخلص الملوخية قبل أبوكي ما يوصل
- سؤال صغير بس
وضعت الهاتف أمام أعين والدتها :
- ده تعرفيه ؟
- مين ده ؟
- ركزي يا مامتي أنا اللي بسألك .. مين ده ؟
- مش عارفة يابنتي .. يمكن صاحب حد من ولاد أخوالك وألا من أصحاب عاصم
- عاصم!! تفتكري يا ماما ده صاحب عاصم ؟
- مش متأكده يا بنتي الشباب كانوا كتير امبارح
- طيب يا ماما .. شكرا على المعلومات اللي مالهاش لازمة دي
- بقى دي آخرتها ؟! آه يا ندلة
- خلاص يا سوسو بقى بضحك معاكي يا سهير .. الله !
- لأ زعلانة .. لو عايزة تصالحيني خدي قشري التوم ده
- هو الصلح بالتوم اليومين دول !!! مضطرة أوافق ميهونش عليا زعلك يا ساوساو
أخذت رؤوس الثوم و جلست إلى جوار حوا :
- طلعت متعرفهوش .. بس قالتلي إحتمال يكون من أصحاب عاصم اللي كان عازمهم امبارح
- إيه الريحة دي ؟ مش قادرة
- قامت مسرعة و هي تضع يدها على فمها لتمنع القيء لتتساءل حياة :
- إيه الوحم الغلس ده ؟!!! هي كل ما هتشم حاجة هتقوم ترجع ؟! لا أنا لازم أفكر جديا في موضوع الخلفة .. لازمتها إيه غير الترجيع اللي كل شوية ده ؟!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت من نومها على نغمة الرسالة .. لم تكن تفكر سوى في عاصم ، فتحت عينيها وهي تبتسم أمسكت هاتفها واحتضنته قبل أن تفتحه وتصدمها الرسالة التي وصلتها .. لم يكن عاصم ، لقد كان أحمد !! حقا أصبحت تمقته ، لم تشعر ناحيته بارتياح وذلك الضيق يزداد ولا سبيل لها للتخلص منه الآن ، فهو ورقة ضغط جيدة للوصول لثأرها من عاصم
" صباح الخير يا.. و ألا أقول يا مدام دكتور عاصم .. كلميني "
كم كرهت أسلوبه في السيطرة عليها .. هو كان مدركا جيدا لأنها لا تزال طفلة ولم تر عاصم لسنوات طويلة وزيجتها لم تكن برأيها ولكنه لم يدرك ذلك الحب النامي بداخل حبة القلب تجاه الغائب الذي أخيرا عاد ، فتحت هاتفها و ضغطت على زر الاتصال:
- أيوة يا أحمد .. فيه حاجة تخص الشغل ؟
- شغل إيه يا حياة ؟ أنت مش حاسة بيا .. أنا قلبي مولع من امبارح وأنت بيتكتب كتابك عليه
- أظن الكلام ده قلناه قبل كده .. و مش هينفع تكلمني دلوقتي إلا لو فيه حاجة تخص الشغل ، لازم تراعي إني على ذمته لما أبقى حرة نفسي ساعتها نتفاهم
و قبل أن يرد أغلقت بوجهه الهاتف وزفرت بضيق :
- أنا اللي جبته لنفسي .. يعني كان لازم أغيظه بأحمد ؟! أديني أنا اللي طالع عيني
سمعت الباب يدق فتركت سريرها وفتحت الباب لتجد والدتها
- سوسو بنفسها بتخبط على باب أوضتي .. يا أحلى صباح
- صباح اللي بتغني .. قومي يا بكاشة البسي وتعالى عاصم قاعد برا مع أبوكي مستنيينك عشان تفطرو
- ارتدت ملابسها وخرجت من باب غرفتها وقبل أن تصل لغرفة الطعام من الردهة الصغيرة وجدت وجهها يحتضن باقة زهور صغيرة و جميلة  رائحتها مميزة و تدغدغ المشاعر .. أغمضت عينيها لا إراديا وهي تستنشق بعمق ذلك الشذى الذي دغدغ مشاعرها يخبرها أنه يحبها .. فتحت عينيها أخيرا حين انتبهت أنه تباطأ في الحديث معها لتجده ينظر إليها بتركيز لم يحوّل عينيه عنها مستمتعا بما يراه
- هتفضل تبصلي كده كتير ؟
- أيوة .. حاليا بقى من حقي و مش ناوي أتنازل عن حقي تاني
- طيب ياللا عشان مستنيينا على الفطار
- بتهربي مني ليه يا حياة ؟ بقيتي تكرهيني أوي كده امتى ؟
- أنا عمري ما كرهتك .. أنت عارف أنك دايما عندي كأخ كبير و سند ليا و لبابا
- أثارت ضيقه بكلماتها بينما لمعت عينيها و هي تنظر للأسفل لتخبئهما
- أخ يا حياة !! ياللا عشان نفطر ولو أنك سديتي نفسي
- كتمت ابتسامتها و مرت أمامه سعيدة بتوتره ، ثم التفتت إليه فجأة :
- ميرسي ع الورد .. جميل أوى
- سبقته قبل أن يظهر انفعاله الذي يحاول السيطرة عليه .. تناول الجميع إفطارهم و عاصم لا تبارح عينيه وجهها ، تغافلت هي عن نظراته مدعية عدم انتباهها له برغم أن انتباهها منصب عليه بالكامل
- الحمد لله .. يدوم يا طنط ، طيب يا عمي .. هاخد حياة وننزل احنا عشان منتأخرش
- وقبل أن تعترض على كلماته كان قد وصل لباب الغرفة و أردف لها بحزم بدون انفعال :
- ياللا بينا يا حياة
- ثم انصرف ، قبلت والدتها ووالدها والتفتت لوالدتها :
- إبقى بصي على حوا يا ماما كانت تعبانة أوي بليل
جلست إلى جواره في السيارة قبل أن يلقي عليها نظرة سريعة ثم تحرك ، كانا صامتين طيلة الطريق لم يقطع صمته سوى أن مد يده و فتح جهاز المذياع الذي صدح من خلاله صوت فيروز "أنا لحبيبي و حبيبي إلي " كان يشعر أن هذه الأغنية أتت الآن ليبعثها من قلبه لقلبها .. لا عجب أن الكلمات تمس إحساسه فهو يتمناها أن تظل معه .. يتمنى أن تكون له دائما ليس بمجرد أن قرانهما معقودا ولكن يريدها أن تبادله نفس مشاعره ، ما أحلى أن يكون الشعور قويا متبادلا بعيدا عن التظاهر .
جلسا في مكتبيهما ، بمجرد أن دخلت سمعت نغمة الرسالة فتذكرت رسالة أحمد صباحا .. زفرت وهي تلتقط هاتفها من الحقيبة :
- " أنا لحبيبي و حبيبي إلي " مقولة سمعتها اليوم أتمنى أن تصبح حقيقة .. عاصم
كادت ترقص فرحا لذلك الحب الذي تمنت أن تعيشه ولكن دخول أحمد الإعصاري قطع عليها فرحتها :
- ممكن أفهم إيه اللي بيحصل ده ؟!
ردت ببرود :
- و هو إيه اللي بيحصل ؟
- جاية معاه في عربيته كمان يا حياة ! مش عاملالي أي اعتبار
وقفت بهدوء واتجهت ناحيته و رفعت رأسها بحزم :
- إحنا هنا في مكان شغل .. ومش من حقك تعلق على تصرفاتي ، و اللي جيت معاه جوزي مش واحد من الشارع ، واحنا خطوبتنا أصلا اتفسخت من قبل كتب كتابي عليه ، و محدش قالك استنى ، و دلوقتي يا باشمهندس اتفضل شوف شغلك ولو عندك حاجة تقولها خليهالك لأن محدش هيسمعها
- أنتي بتتكلمي جد يا حياة؟!
- إيه في كلامي مفهمتهوش عشان أعيده ؟! لو حابب تعترض على حاجة قولها لبابا دا لو تقدر تقولها أصلا .
خرج ملفوفا بإحراجه من حديثها ، كان يتخيل أنه سيسهل عليه أن يربكها و يجعلها تطلب الطلاق سريعا ولكن من الواضح أنه حسبها خطأ ، لابد له أن يغير أسلوب تدخله حتى يستعيدها من عاصم مرة أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جالسة تضفر شعر أختها الصغيرة شاردة بكل ما مضى عليها ، تعي أن عليها أن تبدأ حياتها منذ البداية مرة أخرى ولا تضع أملا مرة أخرى في رجوعه ، لقد تركها تواجه مصيرها من قبل ولا داعي لها أن تضع أملا على حبها الذي بداخل قلبه ، هؤلاء الفتيات الصغار من لهن سواها ؟! ليكن هن كل ما لديها و كذلك والدتها ، أنهت ضفيرة أختها التي انسلت بهدوء و تركتها كما هي تنظر في الهواء كما هي حياتها بلا هدف ، دخلت أمها :
- هتفضلي كده لحد أمتى يا نوال ؟! مش قولنا يا بنتي صفحة ونطويها ؟!!
- مش قادرة يا ماما ، مش عارفة مين فيهم كسرني أكتر .. سامح لما سابني أواجه الدنيا لوحدي و مصدقنيش و ألا الحيوان التاني اللي كان السبب في ميلة بختي ؟!
- يا بنتي انسي .. انسي الاتنين متفكريش فيهم ميستاهلوش تضيعي وقت فيهم أكتر من اللي ضاع .. بكرة ربنا يعوضك و يرزقك باللي يستاهلك
- خلاص يا ماما معتش عايزة أتجوز ولا أحط أمل على راجل يسيبني في عز أزمتي ويقول ياللا نفسي ، معدش يفرق معايا أصلا
قبل أن تكمل والدتها يقاطعهما جرس الباب فتقوم نوال لتفتح الباب و تحملق للقادم بذهول :
- أنت ؟؟؟؟
#ماجدة_بغدادي
#ماجووو

حيـــــاة .. على يمين طلاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن