الفصل العاشر

18.2K 426 13
                                    


_كل عام وأنت بخير يا ميدا.
هتف بها عزيز ببعض التحفظ وهو يصافحها في منزل والدتها حيث أقامت حفل عيد ميلادها...
فابتسمت بطريقتها العملية لتقول ببساطة:
_لا داعي للتهنئة...أنا لا أعرف لماذا يحتفل الناس بأعياد ميلادهم...من الأولَي أن أحزن لأن عاماً من عمري ذهب ولن يعود.
هز رأسه وهو يقول بشبه ابتسامة:
_لا فائدة!!أفكارك الغريبة دوماً مثيرة للجدل.
اتسعت ابتسامتها وهي تميل رأسها هامسة بدلال:
_لكن لا تنكر أنها دوماً صائبة!!!
عاد يهز رأسه وهو ينظر لعينيها هامساً بشرود:
_ما عدتُ أعرف مقياساً حقيقياً للصواب والخطأ.
اقتربت منه خطوة لتحيطه بهالتها السحرية المميزة وهي تقول ببطء واثق:
_لأن بوصلتك فاسدة...مؤشرها ثابتٌ في اتجاه واحد لا يتغير....نعم...قلبك أيها الشاعر ليس هو الدليل في عالمٍ كهذا.
رفع رأسه لأعلى للحظات...
ثم قال بضيق:
_هذا الجو الصاخب لا يناسبني...عودي لضيوفك...وسأذهب أنا إلى شرفة الحديقة الخارجية.
قالها وهو يعطيها ظهره ليتوجه نحو الشرفة حيث احتلّ القمر عينيه لدقائق طويلة...
طالما كان القمر يذكّره بماسته...
خاصة هذه الليلة...
وقد بدا في وضع الهلال كأنه منكسر!!
وكذلك ماسته الآن في غربتها التي لا يعرف عنها شيئاً...
لكنه موقنٌ من أنها تتألم دونه!!!
طالما حدثته نفسه بأنه لا يستحقها...
وبأنه كان أضعف من أن يحافظ على حبها له...
لكنه ما عاد يعرف سبيلاً للتراجع...
لقد اختارت ماسة طريق الفراق لهما معاً...
وليس بوسعه إلا أن يسير فيه!!!
ربما لو عادت...
لو سمحت له أن يطرق بابها من جديد...
فلن يتركها أبداً !!!
قطعت أفكاره وهي تهمس خلفه بدلالها المعهود:
_هل تسمح لي برفقتك ؟!
تنهد في حرارة ثم همس بفتور:
_يسعدني هذا...لكن لا داعي لتتركي ضيوفك.
سارت بضع خطوات حتى وقفت قبالته لتقول بابتسامتها الواثقة:
_أظن أنك تحتاجني أكثر منهم...
ابتسم وهو ينظر إلىها هامساً بتعجب:
_أنا أحتاجك؟!
التمعت عيناها ببريق ثقتها المعهود وهي تقول:
_لقد قرأت خاطرتك الأخيرة ورغم أنني لا أحب هذا النوع من الشعر ولا تستهويني أفكاره...لكن آخر بيتٍ فيها قد لفت نظري.
ضاقت عيناه وهو يتأملها بتفحص...
فتلاعبت أناملها بهاتفها الذي تحمله حتى وصلت لصفحة مدوّنته...
وبدأت في قراءة خاطرته الأخيرة بصوت مسموع:
ويوم افترقنا...
تناسيتُ اسمي...
تناسيتُ قلبي...
تناسيتُ ما كان ينبض فيه...
تناسيتُ عمراً بحبك أضحى..
حصن الأمان الذي أبتغيه...
وأصبحتُ صنماً بلا أغنياتٍ...
بلا أمنياتٍ...
وسخطت على القلب لياليه...
أُسائل يا قلبي...
متى ستصحو...
فألقي القناع الذي أرتديه؟!!!
وأسأل يا صبحُ...
متى ستطلع...
لتكشف ظلمة ما أرتئيه...؟!!
لكن قلبي ...
قد تاه مني...
ما عدتُ أعرف ما يبتغيه...
والصبح ما عاد بعدكِ صبحي...
أضحي رماداً...
بلون الغيوم.....
وضلّت عن الكون أغانيه...
والفرح بعدكِ نجمٌ عنيد...
بعيدٌ عني...
بعيدٌ عني...
بعيدٌ عني...
فما يُدنيه؟!!!
وكم مرّ يا عمري منذ افترقنا...
ولازال قلبي ذاك الشريد...
يموت...
فتُحييه ذكرى منكِ...
يصحو...
ويموت من جديد...
فأسأل يا قلب...
لازلتَ تعشق؟!!!
فيقول حقاً إني أسيرٌ...
والعشق قيدٌ من حديد...
أذوب اشتياقاً لعهدٍ مضي...
فمن ذا يذيب جبال الجليد؟!!!
أريد الخلاص من الأسر لكن..
حنايا الفؤاد لا تستجيب...
أريد افتراقاً...
أم أريد لقاءً...
ماعدتُ أعرف ماذا أريد!!!
انتهت من قراءتها لتعيد عبارته الأخيرة بلهجة ذات مغزي:
_ما عدتُ أعرف ماذا أريد.
ثم رفعت رأسها إليه قائلة بنبرة مؤكدة:
_لهذا تحتاجني أيها الشاعر...لأنك حقاً لا تعرف ماذا تريد.
أشاح بوجهه في ضيق وهو يزفر بقوة...
لماذا فعلت هذا؟!!!
لماذا قرأت خاطرته بصوتها؟!!!
لماذا أقحمت نفسها بينه وبين ماسته؟!!!
ولو قرأ ما برأسها لعلم أن هذا -بالضبط-ما كانت تريده!!!!
نعم...
أول خطوة لتحتل عقله أن تنتزع منه وهم حبه القديم أولاً...
ولن يكون هذا إلا لو استغلت ثغرات الظروف لتستبدل صورة حبيبته القديمة بصورتها...
لا...لن يحدث هذا في يوم وليلة...
بل ...رويداً رويداً...
حتى يبتلع الشاعر طُعم اصطياده كاملاً...
وبعدها ....!!!!!
تألقت ابتسامة قاسية على شفتيها الجميلتين عندما أكمل لها عقلها فكرتها....
ثم عادت تقول بنبرة انتصار واضحة:
_صدقني يا عزيز...عندما يخذلك اختيار القلب...فلن تجد سوى اختيار العقل كي يؤازرك!!!
==========
_كُلي يا دعاء...لا تخجلي يا حبيبتي...البيت بيتك.
هتفت بها والدته في ودٍ ظاهر وهي تربت على كتفها...
فابتسمت لها دعاء برقة....
لكن ابتسامتها ماتت على شفتيها عندما هتف هو بلهجته القاسية:
_لا تفرطي في تناول الطعام...حتى لا يزداد وزنك أكثر.

ماسة وشيطان   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن