_أظنكِ ستُرزقين طفلة...يقولون إن الفتاة تجعل أمها في حملها أجمل!!
قالتها رحمة بحنان وهي تراقب وجه ميادة الذي استدار بفتنة زائدة مع تقدم شهور حملها...
فابتسمت ميادة الجالسة جوارها على أريكة صالة منزلها البسيطة لترد بامتنان:
_شكراً يا عمتي...أنتِ تعتنين بي كثيراً.
ربتت رحمة على كفها وهي تقول بمزيج من حنان ولوم:
_ألن تدعوني "أمي" بعد؟!
ارتبكت نظرات ميادة لتهرب بعينيها إلى الأرض وهي تشعر بكثير من الذنب...
ماذا لو علمت رحمة عما تدبره مع شاكر؟!
هل ستبقى متشبثةً بهذا الطلب الأخير؟!!
وبرغم أنها كانت تعاتب نفسها كثيراً فيما يدور خلف الستار...
لكن عقلها كان لا يزال يدير دفة أمورها كما اعتادت...
ولو أن الأمر لم يعد يسيراً كالسابق..
فالصراع بين قلبها وعقلها يزداد ضراوة في كل يوم تقضيه هنا منعمةً بعاطفة رحمة وعزيز!!
لكن رحمة انتشلتها من كل هذا عندما تجاوزت عن إجابتها التي لم تمنحها لها ...
لتمد أناملها ببطء فتبسطها على بطن ميادة متمتمةً بالرقية الشرعية في خشوع...
تأملتها ميادة بدهشة وهي تتابع حركة شفتيها بترقب مشوب بفضولها...
حتى انتهت رحمة مما تفعله فغمغمت ميادة بحيرة:
_ماذا كنتِ تفعلين؟!
اتسعت ابتسامة رحمة الحنون وهي تجيبها ببساطة:
_أرقيكِ...كي يحفظكِ الله مع طفلك.
ثم ضحكت لتشع ملامحها بطيبة أكثر مع سؤالها:
_ماذا؟!!ألم تسمعي عن الرقية من قبل؟!
عضت ميادة على شفتها بانفعال فضحته ملامحها وعيناها تغيمان في ماضٍ بعيد....قبل أن تهمس بتأثر:
_بلى...جدتي كانت تفعلها أحياناً في طفولتي.
تنهدت رحمة بحرارة ثم قالت بنبرتها الحنون:
_رحمها الله...يبدو أنها كانت تحبك كثيراً.
دمعت عينا ميادة رغماً عنها وهي تعود بذهنها لتلك الفترة الحرجة من حياتها لتتمتم بلا وعي:
_لم يحبني أحد...لم أكن سوى حِمل ثقيل سعى الجميع للتخلص منه.
تفحصت رحمة شرودها بتمعن وقد شعرت أنها وضعت يديها على طرف خيط قد يوصلها لقلب زوجة ابنها غريبة الطباع...
فجذبت ذقنها إليها برفق مع سؤالها المباشر :
_وهل أحببتِ أنتِ نفسك؟!
اتسعت عينا ميادة بصدمة للحظة قبل أن تتنمر ملامحها فجأة لتلتمع عيناها السوداوان ببريق حاد مع قولها:
_نعم...أحببتها...ولا أظنني سأفكر يوماً إلا فيها...وحدها ميادة تستحق مني الاهتمام...الجميع قد يغدر في لحظة...لكنني مستعدة تماماً لهذا...لقد عودت نفسي كيف أكون قوية وحدي دون حاجة لأحد.هزت رحمة رأسها لبضع ثوانٍ ثم نظرت في عينيها مباشرة لتقول بحكمة:
_لا يا ابنتي...للأسف...أنتِ لم تحبي نفسكِ كما تظنين...أنتِ زدتِ شقاءها أكثر عندما تجاهلتِ حاجتها الحقيقية بينما تغرقينها بما لا تحتاجه...
ثم ربتت على ركبتها لتردف بحنان:
_يقولون أن حاجات الروح أكثر ضراوة من حاجات الجسد...والروح ياابنتي لا تتوهج إلا بجذوة الحب...ومتى انطفأت فلن يسعد بعدها جسد ولن يهدأ دونها بال.
_سلم لسانكِ يا "حاجة"!!!
هتف بها عزيز الذي خرج من غرفة نومهما لتوه ثم توجه نحو رحمة مقبلاً كفها...
فابتسمت له مع دعاء بالبركة قبل أن يجلس هو في المنتصف بينهما ليضمهما معاً بذراعيه قائلاً بمرح:
_هل فاتني شئ أثناء نومي؟!
خفق قلب ميادة بعاطفة خاصة وهي تلصق نفسها به أكثر مناقضةً كل ما كانت تدعيه...
وقد بدا لها هذا المشهد -لهم جميعاً معاً -كحلم بعيد طالما راودها يوماً...
بعائلة حقيقية تنعم معها بالحنان والدفء قبل أن يندثر كل هذا تحت أنقاض عمرٍ عاشته تزعم أن وحدة قلبها هي سر قوتها!!
بينما قامت رحمة من مكانها لتسمح لهما بمزيد من الخصوصية -كعادتها- وهي تقول لعزيز بمرح مشابه:
_فاتك الكثير...سأترككما معاً كي تحكيه لك زوجتك.
قالتها ثم عادت إلى غرفتها لتغلق بابها خلفها برفق فتابع عزيز خطواتها بحنان..
قبل أن يلتفت نحو ميادة ليقبل وجنتها بعمق هامساً بنبرته الدافئة:
_هل فاتني الكثير حقاً؟!
رفعت عينيها إليه بنظرة طويلة لتغرق في بحوره الزمردية التي ماجت الآن بعاطفة خالصة هدهدت روحها بسحرها الأخاذ الذي بسط سطوته عليها للحظات...
قبل أن تطرق برأسها لتفرك أناملها بحركة عصبية....
لكنه رفع ذقنها إليه ليعاود سؤاله بنبرة أكثر جدية:
_ما الأمر يا ميدا؟!أشعر أن شيئاً ما يؤرقك!
هزت رأسها نفياً كاذبة وهي تغمض عينيها ...فتنهد بعمق ثم قال بحذر:
_منذ عرفتِ عن عودة ماسة للعاصمة وانفصالها عن زوجها.
فتحت عينيها فجأة لتشتعل نظراتها بغضب أكد له ظنه ...
رغم أنها حاولت تكذيبه بقولها الذي مزج برودها بسخريتها:
_تظنني أغار؟!أم تظن قصتكما لازالت تحمل مشاهد إضافية؟!
ورغم السخرية الواضحة في نبرتها لكنها بداخلها كانت تعلم أن هذا الأمر صار هاجسها الآن...
بعدما علمت عما استجد بشأن ماسة وهي تخشى أن ينهار هذا العالم الآمن من حولها...
لقد جربت شعور "النبذ" من قبل من أقرب الناس إليها....
وتدرك أكثر من أي أحد كيف هي قسوته...
فهل تتجرع هذا الكأس من جديد مع عزيز ؟!!
لكنها لن تتجرعه وحدها هذه المرة...
طفلها سيشاركها إياه!!!
فهل ستحتمل ؟!!
_لا يا ميدا!
انتشلها من خواطرها بعبارته لتعاود الاستسلام لأسره الزمردي الذي اكتسب قوة خاصة مع قوله الحازم:
_الإجابة على السؤالين هي "لا"....فقصتي معها لن تحتمل المزيد...وأنتِ...
ثم صمت لحظة ليقترب بوجهه منها أكثر مردفاً بقوة وكأنه يضمد بكلماته جروح روحها بحنان خبير:
_أنتِ امرأة لا تليق بها غيرة...لن ينتزع منكِ أحد شئ تريدينه دون إرادتك.
كان يعلم أنه يغازل ذاك الجزء" القوي " بشخصيتها والذي تحاول هي دوماً تعزيزه...
رغم أنه كان يدرك -بطول تعامله معها -أن خلف هذه الواجهة الصلبة طفلة ضعيفة تبكي في صمت...
وعليه أن يتعامل مع "الاثنين" بحذر كي يكسبهما معاً!!!
لهذا رفع خصلات شعرها التي تهدلت على جبينها ليضعها خلف أذنيها بحنان ...
فبدت له صفحة وجهها بوضوح أكبر كأجمل ما تكون...
قبل أن يقربها إليه أكثر بذراعه الآخر الذي يضمها... مع همسه الدافئ أمام عينيها:
_هل تدركين قوة ما بيننا؟!
فارتعشت حدقتاها لتبدو من خلفه صورة باهتة لعاطفتها التي حاولت إخفاءها بهمسها الذي امتزجت مرارته بسخريته:
_وما هو الذي بيننا؟!
ابتسم بحنان ممتزج بامتنانه ثم قبل جبينها بعمق ليجيبها بثقةٍ ودّ بحق لو تصلها كما يشعر بها:
_ما بيننا حياة قبلتِ أنتِ أن تشاركيني مُرّها وأقسمت أنا ألا يكون حلوها إلا لكِ.
دمعت عيناها بانفعال وهي تشعر بصدق حديثه...
بينما تناول هو أناملها ليقبل أطرافها واحداً واحداً ولازال يأسرها بزمرديتيه مع استطراده بنفس النبرة:
_كل يوم...بل كل لحظة تتشبثين معي هنا بعالمي الذي اخترته تجعلكِ تكبرين بعيني أكثر...
أنت تقرأ
ماسة وشيطان
Chick-Litأنا ماسة! لا أدري في الواقع من اختار لي هذا الاسم... من الطبيعي أن يسمي الابن والداه... لكن اللقيط من يسميه؟!!!! قصة منقولة للجميلة الكاتبة ❤نرمين نحمدالله❤