وأخيراً وجد الجرأة ليدخل إلى غرفة نومه التي لم يستطع دخولها منذ أيام...
بالتحديد منذ أخبره فهد بالحقيقة التي كتمها طوال هذه السنوات...
هي كانت خائنة!!!
هي كانت مع رجل غيره هنا...على نفس الفراش!!!
نفس الفراش الذي ظل ينام عليه طيلة هذه السنوات إكراماً لذكراها!!!
هو الذي كان يجلد نفسه كل ليلة بذنبه القديم لأنه تزوج امرأة سواها في "الحلال"..
وهي التي عاشت تخدعه بوجهها البرئ في العلن...لترقص سراً على مسارح "الحرام"!!!!
هو الذي رمى ابنته في العراء خوفاً من أن تعلم هي....
وهي التي هتكت شرفه على مرأىً ومسمع من ابنه؟!!!
فبئست المقارنة!!!!
تقدم نحو الفراش بخطوات متثاقلة...
وعيناه تجتران آخر ذكرى "حية" له معها...بقبلتها الدافئة على وجنته...وابتسامتها التي كانت تجيد صباغتها بالنقاء...وصوتها الذي كان ينافسها في قوة خداعه...
لتحتل صورتها الأخيرة كيانه كله الآن وجسدها مسجىً على ذات الفراش ليلتها مضرجةً بدمائها وقد فارقت الحياة...وهو واقفٌ أمامها يصرخ بابنه يكاد يقتله بسبب فعلته!!!!
وما بين الصورتين كاد رأسه يضج بمشاعره الصاخبة...
صورتان كلتاهما خادعة!!!
فلا هي كانت بالبراءة التي كانت تدعيها؟!!
ولا ابنه قتلها بسبب فساده؟!!
هل تدركون شعور رجلٍ بلغ هذا العمر ليدرك فجأة أنه عاشه كله مخدوعاً؟!!!
هل سمعتم عن الأخسرين أعمالاً؟!!
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؟!!!
هل جربتم حسرة من بلغ آخر الطريق ليدرك في منتهاه أنه ...ضالّ!!!
هذا بالضبط ما كان يمور بصدره وهو واقفٌ -بهذا الحمل الثقيل على قلبه- أمام الفراش...
ليرفع كفه الخالي أمام وجهه مباعداً بين أنامله وهو يهمس بذهول:
_كيف تسرب العمر هكذا من بين أصابعي لأجدني في النهاية ...مجرد خاسر كبير؟!!!
ثم دمعت عيناه وهو يتذكر طفلة رضيعة حملها بين ذراعيه يوماً ...ثم رماها بلا أدنى شعور ودون حتى أن يهتم بمصيرها...
ليعاود همسه الكسير:
_لو كانت على قيد الحياة...فهي شابةٌ يافعة الآن!!
ثم اختنق بغصة حلقه وهو يحدث نفسه بألم:
_أنا حتى لم أعرف اسمها!!!بعتها بلا ثمن فداءً لسراب!!!!
قبل أن تنطلق من حلقه آهة ألم حملت كل انكساره وخيبته...
ليتذكر بعدها مؤخراً ما فعله بابنه وزوجته!!!
وكل هذا لأجل ماذا؟!!!
لأجل حفنة أموال لن تشاركه قبره!!!
لأجل مركز وسلطة لن تدوم له كما لم تدُم لغيره!!!!
لأجل متع زائلة يشعر الآن فقط كم كانت لا تستحق!!!!
وبهذا الإدراك الأخير أخرج قداحته الأنيقة من جيب سترته ليشعل النيران في طرف ملاءة الفراش ....
وكأنه بهذا سيحرق هذا الماضي الذي التهم عمره كله دون أن يشعر...
ثم وقف مكانه يراقب اشتعالها بشرود ....
وضميره الذي استيقظ مؤخراً يعاود جلده بسياط ندمه...
ندم لم يعد ليفيد أحداً بعدما نفد السهم في قلب الضحية!!!
لينتبه أخيراً من شروده على صوت هاتفه الذي رن بجيبه فوجده اتصالاً من مدير حملته الدعائية بخصوص الانتخابات الأخيرة...
وكأنما انقلب حاله بلحظة!!!
ليعاود طمعه دفن ضميره تحت أثقال طموحٍ "شبّ"عليه ويبدو أنه "سيشيب" عليه!!!
نعم...يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان:الحرص وطول الأمل!!
وحصاد سنواتٍ من الذنوب لن ينطفئ بندم ساعة!!!
لهذا وجد نفسه يفتح الاتصال بلهفة ليطمئن من الرجل على آخر تطورات الوضع...
قبل أن يغلق الاتصال منتبهاً للحريق الصغير الذي نشب في الغرفة...
فخرج منها بخطواتٍ متثاقلة قبل أن يلقي نظرة أخيرة على الفراش المشتعل...
ثم نادى أحد الخدم ليأمره بإطفاء هذا الحريق بسرعة وإغلاق هذه الغرفة للأبد!!!!
لكنه ما كاد يغادر المنزل حتى وجد هاتفه يعاود رنينه فانعقد حاجباه بضيق وهو يقرأ اسم المتصل...
أو بالأدق...المتصلة!!!
أشاح بوجهه للحظات في ضيق وهو يفكر في تجاهل الاتصال...
ثم فتحه أخيراً ليهتف بترحاب مصطنع:
_أهلاً يسرا...كيف حالك يا ابنتي؟!!
لكنه اصطدم بصراخها الهستيري :
_أين فهد يا عمي؟!!كيف يسافر ويترك عروسه هكذا ببساطة ولو لأجل العمل؟!!كما أن هاتفه مغلق دوماً؟!!ما الذي تخفيه عني؟!!
فزفر بخفوت وهو يبعد الهاتف قليلاً عن أذنيه اللتين أصمهما الصراخ ..
ليقول بارتباك:
_هو مشغولٌ للغاية يا ابنتي...لا يكاد يجد وقتاً لأي شئ...أنتِ لا تعلمين مدى اهتمامه بعمله!!!
كان يعلم أن حديثه هذا لن يقنع طفلاً صغيراً...فما باله بامرأة كيسرا ؟!!!
فهد الأحمق سيزج به في مشاكل لا قِبل له بها مع رفعت الصباحي وابنته!!!
وهو لا يدري ما الذي ينتوي فعله بعد ما حدث بينهما!!!
لكنه يثق أنه لن يبتعد كثيراً!!!
مادامت هذه المرأة قد اختفت تماماً من حياته فهو سيعود إليه صاغراً...
ربما سيحزن قليلاً وربما يعيش فترة ناقماً عليه...
لكنه حتماً سيعود!!!
لن يستطيع الاستغناء عن حياته الرغدة التي اعتادها !!
سيعود!!!
سيعود!!!
وبهذا اليقين أردف بثقة محدثاً تلك المشتعلة على الجانب الآخر من الاتصال:
_بضعة أيام فقط يا ابنتي...وسيعود إليكِ!!!
بينما أجابته هي بالمزيد من صراخها المعترض...
قبل أن تغلق الاتصال بعنف وهي تلقي هاتفها جانباً تكاد تلهث من فرط انفعالها...
ما الذي يحدث من وراء ظهرها؟!!
أين اختفى فهد؟!!
ولماذا هجرها هكذا بسرعة ؟!!
أنت تقرأ
ماسة وشيطان
ChickLitأنا ماسة! لا أدري في الواقع من اختار لي هذا الاسم... من الطبيعي أن يسمي الابن والداه... لكن اللقيط من يسميه؟!!!! قصة منقولة للجميلة الكاتبة ❤نرمين نحمدالله❤