الواحد والثلاثون

15.4K 355 12
                                    


_زهرة هذه تبدو طيبة القلب!أرأيت كيف استقبلتنا بحرارة هنا؟!
قالتها ماسة لفهد وهي تعاونه في رص ملابسه في الخزانة عقب دخولهما لشقتها الصغيرة في "أبو ظبي"...
لتستطرد بعدها في محاولة منها لطمأنته:
_أظننا سنكون صديقتين...هي جارتي هنا وستعمل معي في المشفى...يمكنني الاعتماد عليها لو احتجت شيئاً هنا.
لكن فهد التفت نحوها ليقول بضيق خفي:
_لكن ذاك الطبيب لا يريحني...نظراته نحوكِ كانت...
_فهد!!
هتفت بها تقاطعه بحزم...قبل أن تأخذ نفساً عميقاً لتردف بابتسامة شاحبة:
_لا تخف عليّ!
زفر مشيحاً بوجهه للحظة قبل أن يكتنف كتفيها بكفيه قائلاً بقلق:
_وكيف لا أفعل؟!أنتِ الآن في أضعف حالاتك وأخاف أن يدفعكِ هذا الضعف في طريقٍ ليس لكِ.
أسندت جبينها على صدره للحظات وكأنها تستمد منه بعض القوة...
قبل أن ترفع عينيها إليه لتقول بامتنان حقيقي:
_من قال أنني في أضعف حالاتي؟!!أنا قوية بك...وبأمي...بعزيز...ودعاء...
ثم شردت ببصرها في ماضٍ بدا الآن بعيداً كبعد السماء ...
لتهمس بخفوت:
_ماذا تقول إذن عن أيام كنت فيها وحدي تماماً؟!
دمعت عيناه بتأثر وهو يقبل جبينها بمواساة...
فابتسمت وصوتها يستعيد تماسكه لتشير بعينيها نحو- الوسادة -التي أصر على إحضارها معه إلى هنا لتقول بنبرة ذات مغزى:
_والآن أخبرني...هل ضعفتَ أنت كي أضعف أنا؟!
رمق الوسادة -الأثيرة- صاحبة العطر المميز بنظرة دافئة حملت كل مشاعره...
نعم...إنها وسادة جنة التي لم يعد يستطيع النوم إلا عليها...
وكأنها -بقايا وطنٍ - يصر أن ينتمي إليه مهما أجبروه على الاغتراب...
تسأله إن كان قد ضعف؟؟!
لا...لم يفعل ولن يفعل...
فقد وهبته -جنته المفقودة- قَبَساً من "وهج البندق" الذي تغلغل بين أعماقه ليمنحه قوةً لن تبهت أبداً...
لهذا عاود الالتفات نحوها ليرقع ذقنها إليه هامساً بحزم حنون:
_افهميني يا "حبيبة أخيكِ"...أنا لا أقصد أن أحرّم الحب عليكِ...على العكس...كم أتمنى لو أراكِ سعيدةً مطمئنة في كنف رجل يستحقكِ خاصةً بعد كل ما عانيتِه...كل خوفي فقط أن يستغل أحدهم فراغاً بقلبك.
_فراغاً بقلبي؟!!
تمتمت بها بمرارة تحمل الكثير من الاستنكار الذي أساء هو فهمه...
فزفر بقوة مع قوله بحذر:
_لا تنسيْ أنكِ لازالتِ على ذمته...رسمياً!!!
أغمضت عينيها بألم لتكتم آهة كادت تخونها...
رسمياً؟!!
ليته كان هكذا فحسب...
ليتها كانت الأوراق- فقط- هي ما تثبت أنها كذلك...
دقات قلبها تقسم أنها "على ذمته"...!
خطوط باطن كفها ترسم خريطة عشق تثبت أنها "على ذمته"...!!
بقايا "سحر أنامله" على منابت شعرها تحكي أسطورةً تؤصل أنها "على ذمته"...!!!

دموعها المحتضنة لصورته خلف سجون رموشها لو أطلقتها لكانت نشيداً يردد أنها... "على ذمته"!!!
وكأنه بداية العشق ومنتهاه...
وأول الرجال وآخرهم...
فكيف تكون إذن إلا..."على ذمته"؟!!!
لكنها فتحت عينيها أخيراً لتقول بتماسك:
_لا داعي لقلقك هذا...أختك تجيد التصرف.
مط شفتيه بعدم اقتناع ثم قال بتردد:
_أنا أفكر في مد فترة إقامتي معكِ هنا...حتى...
لم يكد يتم عبارته حتى رن هاتفه باسم "يسرا"...
فابتسمت ماسة وهي تلوح بكفها هاتفة ببعض المرح:
_قلبها يشعر بك!
رمقها بنظرة عاتبة سبقت زفرة ضيق قبل أن يفتح الاتصال ليصله صوتها ب"هستيريتها " المعهودة:
_أين أنت؟!!لم تهاتفني عندما وصلت كما اتفقنا...أنت نسيتني...نسيتني يا فهد!!!
أبعد الهاتف عن أذنه يتقي صراخها المنفعل للحظات...
قبل أن يتمالك ضيقه ليقول بحِلم يُحسَد عليه:
_لا يا يسرا...لم أنسَكِ...انشغلت فقط ببعض الأمور.
وردها كان بكاءً انخرطت فيه بانفعالٍ مَرضي لا يُستغرَب في حالتها...
فرقت ملامحه وهو يردف بحنان :
_لا تبكي...أنا عائد قريباً...اهدئي يا يسرا...الأمر لا يستحق كل هذا.
_بل غداً يا فهد...غداً...سأنتظركِ من الآن!
قالتها يسرا بانفعال فضح مشاعرها فتنهد بحرارة ليمنحها وعداً بعودة قريبة قبل أن يغلق الاتصال برفق...
فغمغمت ماسة التي كان صوت يسرا يصلها من فرط ارتفاعه :
_يسرا تحتاجك حقاً يا فهد...طبيبها يقول أنك سبب رئيسي في استجابتها للعلاج.
أومأ برأسه موافقاً قبل أن يلقي هاتفه بعدم اكتراث على الفراش الذي جلس عليه أخيراً ليغمغم بصوت مُرهَق:
_معكِ حق...لكنني أخشى تبعات هذا...أحياناً أشعر أنني أخطأت باستمراري معها ...يسرا تنجذب نحوي كل يوم أكثر من سابقه...وقرار انفصالنا يزداد صعوبة ساعةً بعد ساعة...ولا أدري ما الحل!!
جلست جواره لتربت على ركبته بتفهم...
فالتفت نحوها ليقول بحيرة:
_أنا كنت صريحاً معها منذ البداية...أخبرتها أن قلبي لن يَسَع امرأةً بعد جنة...لكن تعلقها بي لم يعد يعرف حداً...وأخاف أن يؤثر هذا سلباً على علاجها.
تنهدت ماسة بحرارة قبل أن تقول أخيراً بتعقل:
_طالما لا ترى فيها أكثر من صنيع معروف فأتممه للنهاية...كن جوارها بعقلك وجسدك وأبقِ قلبك ل"مالكته".
ثم تناولت "وسادة جنة" من جوارهما لترفعها أمامه مردفةً بنبرة ذات مغزى:
_افعل ما يرضيك أن تواجه به وسادتها كل ليلة...ما يليق بك وب"الأستاذة".
==============
_فهد...افتقدتك جداً...سبعة أيام كاملة!!!
هتفت بها يسرا وهي تندفع نحوه في بهو المنزل فور وصوله وحركة جسدها تعد بعناق وشيك...
لكنه اكتفى بمصافحة فاترة مع نظرة زاجرة في عينيه وهو يبتعد بجسده ...
قبل أن يغمغم بما يشبه الاعتذار:
_لم أكن أستطيع الحضور قبل أن أطمئن تماماً على ماسة كما اتفقنا.
ثم تلفت حوله قائلاً بدهشة مشوبة بالضيق:
_ما هذا الذي فعلتِه؟!
كانت قد أخلت المكان من الأثاث ليبدو أكثر اتساعاً...
بينما امتلأت أرضيته بشموع مربعة صغيرة صنعت مع الموسيقا الهادئة المنبعثة من أحد الأركان مزيجاً رومانسياً ناعماً...
خاصةً مع ثوبها ال"كلاسيكي" الأرجواني عاري الأكتاف و الذي انسدل على جسدها باحترافية تصميمه ليبرز مفاتنها بإغراء زادته لهجتها حرارةً مع همسها:
_ما رأيك في هذه المفاجأة؟!أعجبتك؟!
قالتها وأنامله في كفه تزداد تشبثاً به...بينما أناملها الحرة تتعلق بكتفه مع تمايل جسدها بنعومة مع الألحان...
لكنه ابتعد عنها برفق ليترك كفها قائلاً بضيق لم يفقده حلمه:
_نعم...لكنني متعَبٌ من السفر...سأستأذنكِ في الصعود لغرفتي ...تصبحين على خير.

ماسة وشيطان   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن