_اعتنيْ بنفسك...ولو احتجتِ شيئاً هاتفيني.
قالها فهد وهو يستعد لمغادرتهما عقب إتمام عقد الزواج قبل أن يرمق عاصي الذي بدت على وجهه أمارات معاناته الصامتة...
ليميل على أذنها هامساً بحزم حنون:
_مهمتك صعبة...كوني صبورة!
أومأت ماسة برأسها مطمئنة فمنحها عناقاً مؤازراً أخيراً قبل أن يعود بخطوات ثابتة نحو عاصي ليصافحه بود مع قوله:
_مبارك يا سيد عاصي.
صافحه عاصي بحاجبين منعقدين مكتفياً بإيماءة صامتة ليغادرهما فهد بعدها ومعه الخادم...
وما إن شعرت ماسة بخلوّ المكان حتى اندفعت نحو عاصي لتتعلق بذراعيها في عنقه مع قولها بمرح لم تعرفه يوماً:
_سجل يا تاريخ! ماسة أحرزت أول هدف انتصار في هذه العلاقة!
ضمها بأحد ذراعيه بينما حافظ على الآخر جواره...
ليبتسم ابتسامة شاحبة ولازال حاجباه على انعقادهما فابتسمت بحنان وهي تمد أناملها لتفك انعقادهما بنفسها هامسةً بعاطفتها السخية:
_ابتسامة وتقطيبة...ذراعٌ يعانق وآخر يتمنّع...ملامح صاخبةٌ بالحديث مع شفاه مطبقة بالصمت..
ثم صمتت لحظة لتطبع على شفتيه "هدية" ناعمة تليق بهمسها:
_ستبقى "سيد الأضداد" الذي أعشقه بكل تناقضاته!!
أفلتت أنّة خافتةٌ من بين شفتيه تزامنت مع ضغط ذراعه المحتضن لها أكثر فأتبعت "هديتها" اليتيمة بالمزيد والمزيد على شفتيه مع استطرادها الهائم:
_حبنا المنقوص اكتمل...أخيراً.
ثم تأوهت بخفوت وهي تخفي وجهها في صدره هامسة :
_أخبرك سراً؟!
انفرجت شفتاه للحظة قبل أن يعاود إطباقهما من جديد مكتفياً بضغط ذراعه الذي اشتد عليها رغم حركة أنامله "الرفيقة" التي صاحبته على طول ظهرها مع استطرادها:
_تلك الأيام التي تلت فراقنا كنت أعاتب نفسي فيك...لماذا لم أعشقك يوماً كما تعشق المرأة زوجها؟!لماذا بقيت علاقتنا محصورة في إطار الصداقة تارة والأبوة تارة أخرى؟!حتى في أشد لحظاتنا العاطفية حميميّةً كنت أكتفي بالأخذ دون العطاء!
ثم رفعت عينيها إليه تعانق غابات زيتونه التي تفتقد اشتعالها القديم لتهمس بحرارة:
_قمصاني الطويلة...عقدة شعري المعقوص...صقيع كلماتي المتحجرة...كل هذا يجب أن يتغير!
وكأنما داعبت كلماتها وتراً منسياً في قلبه!!
هو لم يكن "غافلاً" عن "تحفظها" هذا الذي تحكي عنه لكنه كان يدرك ب"حدسه" منبعه !!
ماسة امرأة لا تجيد الرقص على حبال "المتاح" بدعوى "الرضا"...
"رقصتها" ينبغي أن تكون على أرض ثابتة ملساء تناسب "رشاقة" خطواتها العاشقة...
وإلا فكيف تأمن "حافية القدمين" من "أشواك" المصير؟!!
"رقصتها" ينبغي أن تكون في مكان هادئ...وبلا ألحان!!
رنين "خلخال" أنوثتها لا يحتاج لصخب نغمٍ يشوش عليه!!
يكفيها إغواء "نظرة" تنفلت كجواد طليق من بين رموشها الحارسة ...
لتحمل لهب الشمس و حِدّة السيف ولذة العسل!!!
"رقصتها" لا كرقص "الغواني"في ظلام الحيرة والشكوك...
بل كرقص "الملكات" على بلاط القصور تحت الأضواء...
أو كرقص "حوريات البحر" عندما يصعدن برؤوسهن فوق الماء ليعانقن الشمس ويسحرن أعين البشر!!!
"رقصة" ماسة العاشقة كشعاع الشمس...
سحره "يكتمل" في حريته واختراقه لكل ما يشرق عليه...
و"ينقص" عندما تحجبه الجدران!!!
لهذا لم يتعجب عندما شعر بأناملها تتحسس وجهه برقة مثيرة مع همسها:
_أشتاق الآن أن أفرد شعري على كتفيك...أن أرتدي لأجلك أرق أثوابي...أن أُسمعك أَحرّ عبارات الغزل ...همساتٍ لم يعرفها قلبي إلا لك...لك وحدك!
ثم مدت أناملها تنتزع عنها حجابها لتحرر شعرها من رباطه قبل أن تهز رأسها برفق مع استطرادها:
_أريدك أن تراني الليلة كأجمل مرة رأيتني فيها!
التوت شفتاه بابتسامة ساخرة متشحة بالمرارة لكن شفتيها المغرمتين كانتا لها بالمرصاد...
مرة...تلو مرة...تلو مرة...
حتى تحولت ابتسامته الساخرة لأخرى راغبة ناسبت همسها هي الدافئ بعدها:
_لن تراني يوماً أفضل مما ستراني الآن...منذ متى يبصر العاشقون بعيونهم؟!
ثم سحبت أنامله الحرة قسراً لتدور بها على ملامحها مردفة:
_أرأيت؟!معي حق؟!صحيح؟!
تأوه بخفوت وصورتها في مخيلته تسطع وسط كل هذا الظلام كشمس متوهجة...
هو يراها!!!
حقاً يراها!!!
عيناها تلتمعان ببحور فضتهما وتنبضان بعشق لم يشعر بهدير موجه- كما الآن -من قبل!!
رموشها ترفرف فوقهما كحمائم حرة بلا قيود...
شفتاها تشتعلان بعاطفة هو وحده يعرف كيف يطفئها ...
وخصلات شعرها تهيم بفوضوية حول وجهها لتعمق الإحساس ب"حرية اللوحة" !!!
لوحة؟!!!!!
نعم...وهل أجمل من هذه لوحة؟!!
لكنه وبرغم الصخب المشتعل في أعماقه ظل صامتاً دون رد...
هو "رجلٌ" لا يعشق بلسانه!!
كلمات الحب لديه "عملة زائفة" لا يُتعامَل بها في "سوق" المغرمين!!
و هي "امرأة" لا تسمع في الحب ب"أذنيها"...
بل ب"قلبها"!!
قلبها الذي كان يسمع الآن دويّ دقات قلبه يكاد يقسم بسخاء على ما بخلت به كلماته!!
لهذا خفضت رأسها لتميل على صدره أخيراً بقبلة عميقة مع همسها:
_قلبك يفهمني عندما أخصه بقبلاتي...يدرك معناها تماماً كما أريده .
ثم بسطت كفها على صدره مكان قلبه تماماً لتردف:
_قلتَ لي يوماً إن الحب تمثال من شمع ينصهر بلهب الخطايا...لكن حبنا كان من حجر...صمد في وجه اللهب حتى انطفأ وبقي هو راسخاً مكانه!
أطلق آهة خافتة وهو يشيح بوجهه وكأنه يهرب من فيض عشقها هذا الذي يرى نفسه لا يستحقه...
لكن "الصرخات" عادت تدوي في أذنيه كما كانت ليلة الحادث...!!!!!!!
وكما تبعتها في كل ليلة بعدها!!!
تلك "الصرخات" التي أيقظت ضميره لتجلده بسياط الذنب...
وكأنها في كل مرة تذكره بذنوبه...
بماضيه...
بما يجب أن ينتظره من عقاب...!!
تلك "الصرخات" التي تحمل له كل مرة نفس النبوءة...
"لن تفرح"...
"لن تهنأ يوماً بمعاش"
"لن تنال من النار دفئاً...بل احتراقاً"
"حتى التوبة حرّمت على شيطان مثلك"
"ستعيش عاصياً وتموت وحيداً"
"لن تفرح"
"لن تفرح"!!!
فارتجف جسده ارتجافة خفيفة وعرقٌ خفيف قد بدأ يظهر على جبينه ...
لتقرأ هي خبيئته بما يحمله قلبها العاشق من دراية به...
فاحتضنت وجنتيه براحتيها تداعبهما بحنان مع همسها الذي حمل الآن بعض الرجاء:
_أريد أن أطلب منك شيئاً...وأرجو ألا تخيب رجائي!
تنهد بحرارة حارقة وكأنه يخرج معها بعضاً من لهيب روحه...
قبل أن يومئ برأسه منتظراً كلماتها عندما استجمعت هي شجاعتها لتهمس مناقضةً كل ما يملؤها من خجل:
_أريد أن نفرح هذه الليلة...أن ننسى كل ما كان بل وما سيكون...
ازداد انعقاد حاجبيه لتدرك صعوبة ما تطلبه لكنها لم تستسلم...
بل التصقت به أكثر لتردف بنبرة أكثر حرارة:
_إذا كنت أنت زاهداً في فرحتك بي...فأنا أذوب اشتياقاً لفرحتي بك...لن أدّعي صبراً لا أملكه...اخرج من سجنك وانطلق معي بلا قيود...
أنت تقرأ
ماسة وشيطان
ChickLitأنا ماسة! لا أدري في الواقع من اختار لي هذا الاسم... من الطبيعي أن يسمي الابن والداه... لكن اللقيط من يسميه؟!!!! قصة منقولة للجميلة الكاتبة ❤نرمين نحمدالله❤