جلس مكانه في الطائرة عائداً لمدينته بعدما انتهت زيارته -الصادمة- لعاصي الرفاعي...
لقد ضاعت منه ماسته ...
ضاعت للأبد...!!!
ستبقى حبيسة قصر عاصي الرفاعي ولن يستطيع أحد انتزاعها منه...
عاصي الرفاعي الذي يعرف -كما الجميع- مدى تسلطه وجبروته...
لكن من يلوم الآن سوى نفسه؟!!!
هو الذي عجز أن يعشقها كما يعشق "الرجال"...
فأضاعها من يده ك"الأطفال"...
والآن دوره ليبكيها ك"النساء"!!!
وجواره كانت ميادة تتأمل شروده بتفحص...
عزيز لا يبدو على طبيعته منذ بداية هذه الزيارة ...
بل بالتحديد منذ بدأت زوجة عاصي الرفاعي بالحديث...
لقد انتفض جوارها ساعتها عندما سمع صوتها بل إنه خرج خلفها عندما غادرتهم متذرعةً بإعيائها...
هل من المعقول أنه خرج ليحدثها؟!!!
هل امتلك الجرأة ليفعلها؟!!!
لقد اعتذر عاصي منها بعدها بتهذيب لا يخلو من غضب استشعرته واضحاً ليخرج خلفهما....
لكن الغريب أنه كان أكثر هدوءاً عندما عاد إلىهما بعدها بل إنه ودعهما بترحيبٍ خالٍ من التحفظ الذي استشعرته بحدسها في بداية لقائه بهما!!!!
فما الذي حدث بالخارج وقتها؟!!!
ظلت غارقةً في أفكارها المتخبطة لدقائق طويلة حتى التفت هو نحوها ليسألها بحنانٍ يغزوه حزنٌ لم تفهم سببه:
_هل أنتِ بخير؟!
ابتسمت ابتسامة حقيقية وهي تشعر بصدق حنانه الذي يلون روحها الباهتة بلونه الدافئ...
والذي منحه لها بلا حساب منذ ليلة زفافهما رغم أن "قلب الشاعر" لم يزل يحرّمها على نفسه كزوجة...
صحيحٌ أنها تظهر أمامه عدم مبالاتها بهذا الأمر وطالما زعمت له أن زواجهما ليس بالنسبة إلىها أكثر من صفقة رابحة...
لكنها في نفسها تعتبر فعلته إهانةً تستوجب في شرع -أنوثتها - أقصى عقوبة!!!
لهذا أمالت رأسها بدلالٍ تجيده ثم احتضنت ذراعه لتسند رأسها على كتفه ناظرة لفيوضه الزمردية بلمعتها العسلية والتي اكتست بظلالٍ من حزنٍ أسود ....لتهمس بغنج:
_كانت رحلةً شاقة...أتمنى لو لا نعيدها!
أسند رأسه على رأسها المستريح على كتفه ثم ربت على كفها قائلاً بشرود:
_اطمئني...لن نعيدها!
زادت لهجته الغامضة من شكوكها فعادت تسأله بحذر:
_هل يعني هذا أننا سنرفض شراكة عاصي الرفاعي؟!
أومأ برأسه قائلاً بنفس الغموض الذي احتل شروده :
_ما عادت تجوز لي معه شراكة...هو أخذ كل شئ!!
ضاقت عيناها بتفحص لملامحه وسؤالها القادم يجذبه من شروده قسراً:
_ماذا تعني بأنه قد أخذ كل شئ؟!
انتبه في التوّ لما تفوه به دون قصد فرفع رأسه ليشيح بوجهه بعيداً للحظات...
قبل أن يقول بحزم :
_أنا سأكتفي بمشروعي...لو أراد أبي شراكته فليفعل.
كانت تعلم أنها تضغط علىه أكثر لكنها أكملت الحوار بقوة:
_لم يكن هذا رأيك عندما قبلنا دعوته إلى هنا.
زفر زفرة مشتعلة ثم هتف بحدة لم تجد هي لها مبرراً:
_لم أشعر بالراحة في الحديث معه...رجلٌ متغطرسٌ بارد يظن نفسه قد ملك الدنيا بين كفيه!!!
أومأت برأسها بلا اقتناعٍ حقيقي لكن ذكاءها أخبرها أنه من الأفضل إنهاء الحوار الآن...
فأغمضت عينيها متظاهرةً بالنعاس على كتفه حتى انتهت رحلتهما بالطائرة....
ولم يكادا يصلان إلى منزلهما حتى ابتدرته بقولها:
_سأجري اتصالاً هاماً...اسبقني أنت لغرفتنا ولو أردت النوم فلا بأس!
اغتصب ابتسامة باهتة وهو يربت على رأسها قبل أن يذهب لغرفتهما بخطواتٍ متثاقلة ورأسٍ منكّس كما العائدُ من جنازة بعدما فقد أغلى من يملك!
والواقع أن هذا حقيقةً كان ما يملأ قلبه الآن....
كلمات ماسة التي ألقتها -كالرصاص-في صدر رجولته أصابته بمهارة....
لقد تخاذل وضعف وجبن...والآن يندم وقتَ لم يعد ينفع الندم!!!
بدّل ملابسه بلا وعيٍ تقريباً ثم تمدد على فراشه يناظر السقف بشرود ....
وقلبه يكاد ينزف ألماً وحسرة...
قبل أن يرحمه عقله بالاستسلام لغيبوبة نومٍ طمعاً في الهروب!!
وفي مكانها تناولت ميادة هاتفها لتتصل بالرقم الذي سيفك لها كل هذه الطلاسم....
فهي لن تهدأ حتى تتبين لها كل الحقائق ...
وخيوط اللعبة يجب أن تبقى كاملةً في يدها...
لهذا ما كاد الاتصال يُفتح حتى هتفت بمرح مصطنع:
_عمي شاكر...كيف حالك؟!
ضحكة رائقة وصلتها متبوعةً بهتافه الودود:
_كيف حالكِ أنتِ يا ابنتي؟!! وكيف حال عزيز؟!
انتقت كلماتها بحذر وهي تقول ببساطة مصطنعة:
_نحن بخير...لقد عدنا لتوّنا من (.....).السيد عاصي الرفاعي دعانا هناك ليناقش معنا فكرة المشروع التي اقترحتها عليك.
وصلتها ذبذبات التوتر في صوته ممتزجةً بدهشته وهو يسألها:
_عاصي دعاكما لبيته؟!أمرٌ غريب!!
حاولت التظاهر بالسذاجة وهي تقول بمرح:
_وما الغرابة؟! نحن عروسان...والمناظر هناك ساحرة...الرجل لم يدخر وسعاً في الترحيب بنا هناك بل إنه دعانا لنزهةٍ نيلية خلابة...لقد كانت زيارةً مميزةً ومختلفة.
لم يرد عليها للحظات استشعرت فيها حيرته أكثر...
فأردفت بنفس اللهجة المتباسطة:
_وزوجته أيضاً تبدو امرأةً رائعة!
لم تكد تتم عبارتها حتى اخترق أذنها هتافه القلق:
_زوجته؟!!!هل التقيتما بزوجته؟!
أجابته بالإيجاب في اقتضاب ...
فأردف بقلقٍ أكبر:
_أيهما؟!الأولى أم الثانية؟!
كان يدرك سذاجة سؤاله فهو يعلم أن زوجة عاصي الرفاعي الأولى لا تغادر فراشها بسبب ظروف حملها...
لكنه كان يريد التأكد مما في باله...
لتجيبه ميادة بقولها:
_لا أدري...هي كانت ترتدي نقاباً على وجهها...ويبدو أنه يقدرها كثيراً فهو لم يترك كفها منذ دخل بها حتى غادرتنا!
سمعت صوت زفرته الحانقة قبل أن يسألها بترقب:
_هل تحدثت إلىكما؟!
تأكدت شكوكها بعض الشئ لكنها أجابته محاولةً استنباط المزيد:
_ليس كثيراً...فقد اعتذرت بسرعة وتركتنا.
ثم أردفت ببطء وهي تلقي بآخر أوراقها:
_لكنّ عزيز لم يبدُ على طبيعته هناك...حتى أنه أخبرني برفضه لشراكة عاصي الرفاعي رغم تحمسه في البداية.
أنت تقرأ
ماسة وشيطان
Chick-Litأنا ماسة! لا أدري في الواقع من اختار لي هذا الاسم... من الطبيعي أن يسمي الابن والداه... لكن اللقيط من يسميه؟!!!! قصة منقولة للجميلة الكاتبة ❤نرمين نحمدالله❤