الثاني والثلاثون

15.9K 364 13
                                    


_ألم تعثر على حبيبة القلب بعد؟!
هتفت بها يسرا بنبرتها المستفزة وهي تراقب شرود فهد عبر نافذته...
فالتفت نحوها من شروده بزفرة مشتعلة...
لتقترب هي منه مردفةً بدهشة لا تخلو من تقريع:
_شهران مرا على وفاة عمي جاسم ولازلت عاجزاً عن الخروج من قوقعتك هذه!!!
أطرق برأسه دون رد للحظات...
قبل أن يرفعه نحوها ليقول بحزم:
_من قال هذا؟!أنا أخذت قراراتي في كل ما يتعلق بحياتي القادمة!
اقتربت منه أكثر وهي تتفرس ملامحه بتفحص ...
عندما أردف هو بنفس الحزم:
_سأرد كل حق أعرفه إلى صاحبه ...لعل هذا يخفف من أوزار أبي -رحمه الله- ....وما بقي لي أنا وماسة سأقسمه بيننا ...سأستغل نصيبي في بدء عمل جديد بعيد تماماً عن نشاط أبي السابق.
اتسعت عيناها بصدمة للحظة قبل أن تهتف باستنكار:
_أنت مجنون؟!أي حقوق هذه التي تريد ردها لأصحابها؟!أنت تتحدث في مليارات ...هل ستتخلى عنها بهذه البساطة لتبدأ من جديد؟!
تنهد بحرارة وهو يشيح بوجهه عنها ليعاود شروده في النافذة مع قوله بألم:
_هذه المليارات التي تتحدثين عنها لم تشفع لأبي في النهاية...لم تخفف عنه مثقال ذرة من ألم في مرضه الأخير...عاش عمره يجمعها حراماً ليستعر بنيرانها في النهاية...فمن بنا العاقل ومن المجنون؟!
هزت رأسها بعدم اقتناع وقد ساءها تخليه عن ثروته بهذه البساطة لتعود تهتف بمكابرة:
_دعك من هذه المثاليات التي لا تسمن ولا تغني من جوع...اعترف أن كلامك هذا ليس من رأسك...هل هذا ما بقي لك من أفكار حبيبة القلب الغادرة التي سممت عقلك قبل أن تهرب منك؟!!
انعقد حاجباه بغضب وهو يشعر بالندم لأنه صرح ليسرا بما عرفه عن وجود جنة على قيد الحياة...
لكنه لم يستطع وقتها إلا أن يفعل...
كان كالمجنون وهو يدرك فجأة أي شرك وقع فيه بسذاجة عندما صدق قصة موتها الملفقة!!!
لقد حاول بعد وفاة أبيه جمع أي معلومات من رجاله عن جنة لكنه لم يصل لشئ!
حتى حسام عجز عن مساعدته هذه المرة فلم يستطع العثور على طرف خيط خاصة وقد سافرت هي باسم مستعار لا يعرف عنه شيئاً!!!
للأسف...الأمل الآن أن تظهر جنة من تلقاء نفسها !!!
وظنه أنها ستفعلها قريباً!!!
جنة التي يعرفها لن تفعل شيئاً كهذا غدراً ولا ظلماً...
من المؤكد أن لها أسبابها وهو لن يهدأ حتى يعرفها...
لكن مهما كانت مبرراتها فهو لن يسامحها على ما ناله -هو- بسببها...
على حرقة قلبه طوال هذه الأشهر وهو يظنها فارقت الحياة...
بل وبسببه!!!
فليعثر عليها أولاً ...وبعدها سيريها كيف يكون ثأره ثمناً لهذا العذاب الطويل!!!
لكن يسرا عادت تقطع عليه سيل أفكاره بعبارتها المستفزة:
_تفعل كل هذا لأجل واحدة خدعتك لتهرب منك؟!
_بل لأجل نفسي!!
هتف بها بنبرة حاسمة وهو يعاود الالتفات إليها قبل أن يردف بصدق:
_لأجل نفسي يا يسرا...نفسي التي وجدتها على طريق الحق ولن أضيعها ثانيةً بين متاهات الضلال...
ثم صمت لحظة ليردف بنبرة أكثر حسماً:
_أما جنة...فسأجدها...ولن أحكم عليها حتى أسمع منها...ساعتها فقط سأقول كلمتي بشأنها!
==========
إهداء
_إلى "شبه" رجل نظر في مرآته فظن نفسه رجلاً...
ولو نظر في مرآتي لأدرك الفارق!!!
قرأتها زهرة في المطعم -الذي صار محل اجتماعهن معاً -بصوت مسموع على خاتمة رواية طيف الجديدة...
فضحكن جميعاً بصوت مسموع عدا جنة التي أشاحت بوجهها دون رد...
عندما سألت ماسة طيف باهتمام:
_لمن هذا الإهداء يا طيف؟!يبدو مقصوداً!
ثم صمتت لحظة لتردف ببعض الحرج:
_ألا ترينه غريباً بعض الشئ؟!
ضحكت طيف ساخرة وهي تستخرج إحدى سجائرها من علبتها قائلةً:
_لو كان بيدي لعممتها على جميع الرجال...لكن ما باليد حيلة!
هنا ضحكت ماسة ببعض المرح لتقول مدافعة:
_لا...ليس كل الرجال سواء...أخي كاد يموت حزناً على زوجته الأولى وظل مخلصاً لها...ورغم أن الظروف اضطرته لزواج ثانٍ لكنه لم يمس الأخرى وفاءً لحبيبته.
فضحكت طيف ضحكة ساخرة طويلة قبل أن تمط نهايات كلماتها بحركة مقصودة مع قولها باستهجان:

ماسة وشيطان   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن