الجُزء الأول|المتخفي بِالفن

98.8K 4K 644
                                    

الجُزء الأول| أنت متورّط في حياة ليست على مقاسك، يملؤك الشعور بأنك مختلفٌ عن العالم الذي يُحيط بك.
-غيوم ميسو.
* * *

إيطاليا| فلورنسا

قَبل إطلاق الأحكام هل فَكّر الناس ما خَلف كُل فَرد مِن أسرار ومَعارِك خاضَها؟، الوحيدين مَثلًا!، هل هُم هٰكذا خُلِقوا وحيدين!، الأشرار هل خُلِقوا سيئين!، التُعساء، المُنعزلين والهارِبين!، صُنع مَن كُل هؤلاء؟..
إنهُم مِن صُنع المُجتمَع، صُنع البَشر المقرّبون وصُنع الأذيّة التي تأتِ مِن الأحب، لِأن الله خَلقنا بِقلوب نَقية بيضاء لاتعرِف الكُره والحُزن، كُل هٰذا التشوّه هو مِن صُنع البشر كُل ما يحل بِالأرض ومن عليها مِن صُنع سُكّانها..

المُتخفّي مِن العالم بِالفَن
المعروف المجهول، وعِدّة ألقاب أطلِقت عٰلى ذاك الرسّام الذي يمتَلِك كُل تِلك الشعبيّة بِسبب جمال وعُمق لوحاتَهُ، وإنسِجام معرض الرسم مع كُل اللوحات المُعلّقّة في الحوائط المطليّة باللون الأسود دون تداخُل أي لون مُناقِض لَهُ..

هو ليس فقط رسّام بل كاتِب لايحضُر حفلات التوقيع، يُرمز لِكتاباتَهُ بالبؤس والمُعاناة ومن يقرأ لَهُ يعرِف تمامًا معنى الوِحدة التي يعيش فيها، وهٰذا كان أكثر جُزء يجذِب الناس لَهُ، فوجود قُرّاء مُتلهِفين لِلأشياء المُحيرّة والمليئة بالغموض هو ما جَعلَهُ اليوم محط الإهتِمام، ليس فَقط بِسبب شخصيّة هٰذا الفنان بل بِسبب أعمالَهُ المليئة بالغرابة والبؤس..

وقفت أمام لَوحة مُلطّخة بِالألوان الغامِقة
وكأنّها تتكلم عَن الظلام، كُل اللوحات هُنا تتكلّم عن المُعاناة، عن الوِحدَة وعَن الظُلم، كان معرض سوداوّي بَحت، لاوجود لِلأمل في أي لوحة مِن اللوحات، كُلّها تُعبِّر عن شخصيّة تعيش في عالَم سوداوي لايعرِف الألوان الزاهيّة، وهُناك اسم واحد غامِض تحت كُل لوحة "NEGRU" تحت عِنوان "الموت الأبكم" ، بِإمكان الواقِف أمام هٰذِه اللوحة وأمام الرجُل الذي مُتكِئ على اللاشيء والذي حولَهُ الكثير مِن المارّة، معرِفة كميّة الوِحدة التي يشعُر بِها الرسام، ومع إتكائَهُ على الهواء والإزدِحام ذٰلِك كانت هُناك يد كَبيرَة تقبض على رأسّهُ وكأنها تُريد تهشيمَه، كانت رسمَة غامِضة لايفهمها سِوى الذي رسمها ولٰكِن التي كانت تَقِف وتتأمّلها بِعيناها السوداء الواسِعة كَشمسان مُشِعّان، استوقفتها تِلك اللوحّة وكأنّها مرسومة خصيصًا لَها، أو أنها رأت شيئًا لايراه سِواها..

أعادَت شعرَها الأسود الطويل لِلخَلف وإستمرّت بِمُطالَعتها لِلرسمّة مُحاوِلة حل لُغزًا ما!، أو حتى التعرُّف على الشخص الذي رسمها، وكأنّها أُخِذت إلى عالَم آخر مَعزول عن المكان الذي هي فيه، رُبما شخص غيرها لَن يستمِر بالتحديق في لوحة بائِسة كُل هٰذا الوقت ولٰكِنّها أُنثى مَصنوعة مِن الغرابَة لا يستهويَها ما يلهَث خلفَهُ الجميع، أو ما يعجُب الأغلب، هي مُتفَرِّدَة، تَبحث عن كُل جَديد لا يُغري أحد سِواها، عَن أغاني لايسمعها غيرها، وعَن كُتب لا يَقرأها إلّا من يمتَلِكون ذوق غريب مُنفرِد عن بقيّة البَشر، تَجِدها في أماكِن لايزورها إلا الأقليّة، وتُحدِّق في تَفاصيل الأمكِنة والملامِح التي تُشارِكها المكان، تحرُّكاتَهُم الصغيرة ونَظرات أعيُّنَهُم، تستهويها الأشياء الفريدة مِن نوعها، تُغريها ظِلال الغموض التي تجعلها تخوض حربًا مع أفكارها، وتعلَم بِأنّها تُعاني بِسبب فرط مُلاحَظتها..

أسود II |إكتشاف المجهول ☔︎ ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن