أسود II |إكتشاف المجهول ☔︎ ✓

الجُزء السادِس|أُلفَة قَلب

الجُزء السادِس|أنت لا تَعرِف مَدى جَمالَك، تَظُن أن إنعِكاس المِرآة الجامِدَة لِوجهَك هي حَقيقَتك، فاتَك الكَثير، يؤسِفُني أنّك لا تَستَطيع أن تَرى لَمعَة عَينيك حين تَضحَك، أو كَيف تَهرُب مِنك إبتِسامَة خجولَة حين تتحدّث، نَظراتَك الحادّة، وتِلك المليئة بِالعَتب، تَفاصيلَك الجَميلَة كَثيرَة كَثيرَة..
* * *

ليس القصد دومًا مِن العُزلة هو الهُروب مِن شيئًا ما، هُناك مَن يلجئ لِلعُزلة ليُعيد تَرتيب روحَهُ المُبعَثرَة بِفِعل الأيام والأشخاص، ليواجِه ذاتَهُ وإلى أي بُعد وَصل، فالبَعض يعتَزِل الناس لِأنّهُم سببوا لَهُ إختِناقًا، بِكلِماتَهُم، أفعالَهُم، وكُل ما يلقونَهُ عليه دون رَحمَة، يحتاج لِلإبتِعاد حَتى لا ينفَجِر بِكُل سخطَهُ في وجوهَهُم، لِأن الانسان مَهما كانت طاقة تحمُّلَهُ كبيرَة لابُد وأن تَصِل إلى حدْ النِهايَة، حدْ التَعب مِن كُل شيء، مِن الكَلام، مِن الحرَكَة، مِن الأيماء بِالرِضاء حينما كان يُريد قول لا، مِن الضحكات المُجامِلَة، مِن المُحاوَلَة لِلبقاء على قَيد البقاء مَع المُحيطين..

يَصِل المرء إلى مَرحلَة التعب، فينفَصِل عَمّن حولَهُ وهو بينَهُم، نَظرَتهُ لِلأشياء باهِتَه، يستَمِع لِأحاديثَهُم وهو يُفكِّر لِمَ هو عالِق في هٰذا المَكان، مَع هؤلاء الأشخاص اللذين لايفهموا شيء مِما في داخِلَهُ، العُزلة الحقيقيّة هي أن تكون في مَكان لا تُريدَهُ مَع أشخاص لا تتوافق مَعهُم فِكريًا، لا تستطيع مُشارَكتَهُم آرائك، أو حتى التكلُّم عَن أفكارَك، أن تكون حَبيس ذاتَك، تختنِق بِالكَلِمات وتَنطُق مالا تُريد قولَهُ، فقط لِتُصمِتَهُم، العُزلة دومًا تكون في داخِلك، مشاعِرَك، أفكارَك، كَلِماتَك وحتى تخيُّلاتَك، معزول كُل هٰذا عَن العالم، عمّن يُحيطون بِك..

لَعنة البشريّة اليوم هي أن تمتَلِك فِكرًا مُتمرِدًا، تَفهَم أكثر مِمّن حولَك، تكون مُختلِفًا عَن تِكرارَهُم، شاذًا بِكُل شيء، رائِع ولامِع بِطريقَة مُلفِتَة، مُعقّد بِتفكيرَك الجامِح والذي لايقبل أي شيء مُبتذل وتَقليدي، تبقى تَنتَظِر أن تَجِد من هو مِثلك، بِذات الفِكر والقلب، ولٰكِن ما لاتَعرِفَهُ هو بِأنّك ستبقى وحيد تمامًا إن إنتَظرت شخصًا يُشابِهك في كُل شيء، لَن تَجِد وإن بَحثت في كُل بقاع العالَم، أنت نُسخة واحِدة فقط، لا تُكرر، وهٰذا ما يُميزَك، هٰذِه هي لَعنة الإختِلاف..

أن تَبقى مُنعزِلًا عَن العالَم بِفكرك
صامِتًا لا تنطُق بِشيء، تبكي لِأسباب قد يراها البعض غبية، كَموت بَطل روايَتك، أو إنتِهاء نُسخ الكِتاب الذي تَبحث عَنه لِمُدّة أشهُر، تَحزن لِغياب القَمر، وتَرقُص فَرحًا لِأكتِشافَك لِأُغنية تَصِفَك، تُحزِنك الأشياء التي تُسعِد الناس، وتُسعِدك أحداث تُبكيهُم، أنت هٰكذا في عالَمك الخاص، وحينما يقَع في حُبك أحدَهُم، سيبقى مُنبهِرًا بِك دائِمًا، لِأنّك فَريد، مُختَلِف ولا تُشبِه أحد سوى نَفسك، لِهٰذا حتى وإن حاول مُغادَرتك سيعود لِأنّهُ لَم يستطِع أيجاد من يَشبهَك، لِأن الحصول عليك شيء ثَمين، لِأنّك نادِر وبعيد عن تَفاهات العالم الذي يهتَم لِكُل ما هو سطحي وخارِجي..