الجُزء الرابِع عَشر|دِيْسَمبِرْ الغِيَابْ

33.6K 1.9K 1.3K
                                    

الجزء الرابِع عَشر| كفى عبثًا بهذا القلبِ إنّي
‏مللتُ من القطيعةِ والتمادي
‏فَليتَ الشّوقُ ينزعُني بعيدًا
‏لكي لا تَلتقي يومًا أيـادي
‏ولا الذّكرى تؤرّقُني فأرجَع
‏حَبيباً هائِمًا رُغمَ إبتِعادي
‏ولا الصُّدف المريرة تَلتقيني
‏بطيفهِ دونَ أطيافِ العبادِ..
* * *

أنا لَست مِن الحَقبَة الزمنيّة هٰذِه
أُريد أن أعود بِالزَمن إلى الخَلف، أن أعيش في قرن الثمانينات أو السبعينات، حينَها رُبما لَم تَكُن كُل الأشياء صعبَة حَد الجنون كاليَوم، لَقد تقدّم كُل شيء في حياتنا هٰذِه الأيّام، الهواتِف، الثياب، السيارّات وكُل شيء عَدا الحُب، يخفَت وتَقِل قيمَتَهُ، حتى بدى ساخِرًا ومُخيفًا، سابِقًا كان الحُب كالمُخاطرات المُهلِكَة، كانت الرسائِل صعبَة الوصول وأكثر شَغفًا، تَصِل بعد عَناء وإنتِظار طويل، وتبقى قيمة أحرُفها غاليّة، تُختَم بِالشمع الأحمر وبِاسماء زائِفَة حذرًا، كان الحُب خَجول جِدًا، بريء وقيمَتَهُ غاليّة، أراني أشتاق لِزمن لَم أعيشَهُ، لِروائِح لا أعرِفها، ولِوجوه غريبَة عَني، غريب أنا عَن هٰذا العالَم، ولا أعرِف ألعَيب مِني أم مِن الزَمن!..

اليوم يُصادِف الأول مِن ديسمبر
أعلَم بِأنّها في هٰذا التاريخ ستَبحَث عَنّي، فَهي أُنثى الفضول، وديسمبر لَن يزيدَها إلّا حاجَةً وعِشقًا، لِرجُل وجودَهُ زائِف وضبابي، تَنتابَني حيرَة كَبيرَة كَيف لِأُنثى فاتِنَة العقل، أن تَتنازَل لِرجُل سوداوي إلتَهمَت قلبَهُ الأوجاع، وكَيف لِي أن أعشَقها بِقلب تالِف لَم يبقى مِنه شيء!، سيكون ظُلم عَظيم في حَق أنوثَتها الطاغيَة على كُل شيء، أخاف ألّا يكفيها قَلبي، ألّا يستطيع إحتِوائَها، ولا أخاف شيء آخر سِوى أن يكون عِشقها لي عِبارَة عَن عزاء، عزاء لِقلبَها العليل..

أُنثى مِثلَها عليّ أن أحمِلها في كَلِماتي وقَلبي، وإن كان يبدو فِعل أنانيٌ مِنّي، أن أُقحِمَها لِخوض عِشق سوداوي مليء بِالأُحجيات، ولٰكِنّها أُنثى الفضول، وكُلّما كُنت شديد الغُموض إزداد شَغفها نَحوي، أنا صَعب الحل، صَعب الفِهم والبقاء مَعي أمر مُرهِق، فَكيف سأستطيع الحِفاظ على قَلبها في مأمَن، بَعيدًا عَن كُل تعقيداتي المُرهِقَة لِلعقل والقَلب، والتي تَجعلَني في صِراع مَع ذاتي، كَيف سيحتَمِل قَلبَها عَبثي!، وبَعثرَتي على أوراقي ولوحاتي!، كم ألَم سيستغرِق هٰذا العِشق!، وكَم سيصبِر تحت وطأة كُل هٰذِه العواصِف التي تَعيث فسادًا فينا!، هل أُنثى مِثلَها تَمتلِك قلب قوّي، لِدرجَة المُخاطَرَة لِلمشي في أرض قَلبي المُلغَمّة!، لا يجتَمِع الفضول والصَبر مَعًا، فَهل ستصبِر هي على تقلُّبات قَلبي الغير مُفسرّة، أيكون عِشقها لي غير مصحوب بِشروط، وأحكام تُقيد قَلبينا!..

أُريد أن أعشَقها دون شروط
دون أن تَقِف بيننا الأوجاع، أُريد أن تَرقُص فرحًا مَعي وأن تَنسى من هي، أُريد أن تَسقُط كُل المُبرِرات والأعذار، أن ألمِسها بِأنامُلي دون إمتِناع، ألّا يبقى حاجِز الحقيقَة السوداء بيننا، وأن يسقُط ثوبَها الأسود بين يَداي، أُريد أن أرسُمها في جُدران قَلبي بِألوان زاهيَة، ولن أنسى الأسود في عينيها ولا شاماتَها الحُرّة، أُريد أن أنسى حقيقَة أنني مَبتور القَلب وأنّي أعشقَها ناقِصًا، أُريد أن أعشقَها كَطِفلَة خُلِقت مِن الفَن لِأكون أنا والِدها، لرُبما تُنهي مأساة قَلبي، تَملئ روحي المثقوبَة زهرًا، وتُكمِل لوحَتي الناقِصَة!..

أسود II |إكتشاف المجهول ☔︎ ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن