أسود II |إكتشاف المجهول ☔︎ ✓

الجُزء السادِس عَشَر|القِصّة الأولى

الجُزء السادِس عَشَر| ‏أحِبّك لِأن دُخولَك لِحياتي أعظَم ما قَد حَصَل لي، ولِأنّك حَتى في صَمتَك قادِر عَلى زَرع الطَمأنينَة بِداخِلي، لابُد أن تَعلَم بِأنّك شَخص مُميّز لِلغاية، وأنَني مَحظوظَة لِأنّك جُزءٌ مِنّي، مَرّة واحِدَة في العُمر يُرزَق الإنسان بِشخص يُشبِههُ تمامًا ويَأتي عَلى مَقاس قَلبِه، وأنت هٰذا الشَخص العَظيم، لا أعلَم ماذا أقول سِوى أُحِبّك..
* * *

هُناك فَترات إنتِقاليّة في حَياة المَرء تُغيّر مَناطِق الأشياء في حياتَهُ، يُعيد تَرتيب الأشخاص في قَلبِه، يُخرِج الكَثير مِنهُم حتى لا يَبقى إلّا شَخصين يَكتَفي بِوجودَهُما، ويَصِل في هٰذِه المرحَلَة إلى الإكتِفاء وسهولَة تَقبُّل غياب الجَميع عَنه، تَقِل رَغبَتَهُ في الكَلام، ويَكتَفي بِإيماءات صَغيرَة تِجاه كُل شَيء، ينظُر لِكُل الأشياء بِهُدوء، يتأمّل الأشخاص وَفي داخِلَهُ يتسائَل هَل الجَميع مِثلَهُ!، أم أنّهُ أُصاب بِلعنَة الإدراك لِحقيقَة الوجود، يُصبِح كُل شيء غَير مُثير لِلمشاعِر، الكَلِمات والأفعال لا تُساعِد في شَيء، أجمَل الأشياء لا يُبالي بِها، ويتمنى لو يأخُذ إستِراحَة طويلَة مِن الحياة ومَن فيها، إنّها مَرحلَة مُرهِقَة، لا تَعلَم فيها هَل أنت تحوّلت لِشخص قوي، أم لِشخص فاقِد لِلحياة ومُتبلِّد، يتخبّط عقلَك في إحتِمالات مُتعِبَة، تتمنى أن تتوقّف عَن التفكير ولٰكِنّك كُلما أغلَقت عَيناك هاجَمتَك كُل الأفكار السوداويّة المُرعِبَة..

هلّا جِئتِ أيتُّها الليلكيّة لِحمايَتي!
فَقلبي تحوّل إلى مَقبرَة مَهجورَة، وعَقلي ينجَرِف إلى أفكار تَقتُلَني، وحدَهُ وجودَكِ يعقِد هُدنَة مَع الألَم، وحَدها عَيناكِ توقِف كُل إضطِراباتي، قبلُكِ كانَت كُل أشيائي ميّتَة، قبلُكِ كان كُل شَيء يَقِف على الهاويَة، حتى جِئتِ لِتنقذيني، قَبلُكِ كانَت اللُغَة مُبتَذلَة، وكُل فِعلٌ فَنّي مُمِّل، الآن أحتاج لِأخلُق لُغَةٌ تُناسِبُكِ، لُغَة تَشبَهُكِ في صَوتَها، وفي حَركاتَها، ولُغَةٌ مُقتَبسَة مِن عِطرُكِ الذي يضُّم الكَثير مِن أنواع الزُهور، الآن أحتاج أن أصنَع ألوان جَديدَة، لِأرسُمكِ بِها، وفُرشاة ناعِمَة أكثَر حتى لا أخدِش ملامِحُكِ، الآن أحتاج إلى تَغيير نوتات ألحاني، وإلى تَغيير دوزانَة قَلبي، عليّ أن أتجدد، فقبلُكِ كُل سنوات عُمري كانَت باليَة، مُمتلِئَة بِغُبار الألَم، والآن أنا رَجُلٌ ولِد مِن جَديد، لدي عُمر مَليء بِالجمال بِوجودَكِ، قبلُكِ كُنت بَشِع لا أطيق النَظر إلى وَجهي المليء بِالخيبَة، رُجل مُتهكِّم كَلِماتَهُ مؤذيَة، جارِحَة ومُميتَة، الآن أنا ذو حَرفٌ جَميل، ونَبرَة مُسالِمَة، مَعكِ أنا عَقدت هُدنَة مَع ذاتي البَشِعَة..

صَعبٌ علينا يا زَهرَة البنَفسج اليوم أن نَعيش بِقلبٍ سَليم، قلبي مُمتلئ بِالخُدوش، وقلبُكِ حالَهُ أصعَب، لِهٰذا أنا اليوم أكتُب وأنامِلي تَرتَجِف، كلِماتي تبدو باهِتَة، وخطي مُتعرِّج، وكأنني أكتُب بِقَلبي الأعرَج إليكِ، أكتُب لَكِ أشياء ثُم أمحيها لِأنّها تبدو مُشوّهة، وبِالرُغم مِن ذٰلِك أكتُب إليكِ لِأني لا أعرِف سَبيل لِقول كُل شَيء لَكِ، فَفمي خَجول ومَشاعِري جامِحَة، إن الكلام صعبٌ عليّ حد الإختِناق بِالأحرُف، وأمامُكِ أنتِ تَذهَب فَصاحتي، لُغَتي وَكَلِماتي، أيتُّها الليلكيّة، لا أعرِف كَيف يكون سَهل الموت إلّا وأنا بين يداكِ، ولَم أكُن أعلَم بِأنّي سأعشَقَكِ بِهٰذا القَلب المُتعَب حد الغَرق والمَرض بِكِ، أخاف ألّا ينصِفُكِ عِشقٌ كَهٰذا، وأخاف حينَما تُغادريني ألّا تَعودين، أنا دون وَطَن لولاكِ، دون قَلب لولا دُخولَكِ إلى حُدود عُتمَتي، أنا دون حياة لَولا عِشقي لَكِ، مريضٌ أنا، قَلِق، ومُشوّش، ولا أعرِف كَيف يهدأ عَقلي وَقَلبي إلّا مَعكِ..