Ch 15

298 15 0
                                    

البارت الخامس عشر

قال بعد أن نظر إلى عيني بنظرة آلمتني ثم استدار لجهة البحر :" لا شيء . نعم انا احبك كما تحبني . انسى الموضوع الآن ، و اعتبرني لم أقل شيئاً . يمكنك الذهاب ان شئت ."
شعرتُ بالحزن الشديد عليه كوني تظاهرت بعدم فهمي لمشاعره و عدم اخباره بحقيقتي لكي اخلصه من هذا العذاب و لو قليلا قلت :" حسنا. و لكن هل تحتاجني إلى جوارك ؟"
قال ببرود و لم ينظر الي حتى :" لا شكرا جيمي ."
قلت له:" حسنا أراك غداً في المركز. "
ثم تركته و لم يقل لي شيئاً .
حاولت أن استوعب ما جرى و لكن يبدو أن الأمور قد خرجت عن مسارها . لكن لا يجب أن يحدث ذلك . فمارك وقع ضحية ذنب لم يرتكبه . أشعر بالحزن الشديد عليه كثيرا ، فما شعر به و يضنه بنفسه امراً مؤلماً و محزنناً . ان مشاعره صادقة جداً و لكنه يظن بأن تلك المشاعر خاطئة . ماذا سأفعل الآن يا اللهي ؟ كيف سأكفر عن ذنبي هذا ؟ فأنا لا احتمل رؤية مارك يتعذب هكذا أمامي بدون أن أفعل شيئا. و في نفس الوقت لا أستطيع الكشف عن سري

له و إخباره بحقيقتي فأنا متأكدة أنه سيطردني حينها و سأخسر كل ما تعبت بجنيه طوال هذه المدة المنصرمة. ساعدني يا اللهي أرجوك .
كان قلبي يعتصرني بشدة و أشعر بالضيق و التكدر في داخلي لم أستطع تجاهل الأمر فعدتُ للمنزل و قررت اخبار د. بن بما يجري عله يرشدني و ينصحني لحل مفيد لكلا الطرفين.
فأنا لا أستطع أن أنكر إن في داخلي مشاعر غريبة تجاه مارك أخشى منها بشدة و أحاول أن لا اعترف بها. فأنا لم أعد أؤمن بهذا الشيء اطلاقاً .
عدت إلى البيت و أنا اتسائل لما يتصل بي د. بن كعادته دائما ، و يطمئن عليّ ؟
وصلتُ للمنزل و انا اشعر بالقلق و لا اعرف لما ؟ ما أن وضعتُ المفتاح وجدت الباب مفتوحاً ، استغربت الأمر ثم دخلتُ و أنا متوترة و قلقة و أحاول أن اسيطر على نبض قلبي المضطرب . انتابني الرعب حين وجدت المنزل مظلم و بعض الشعاع الذي يعكس الفوضى التي حدثت هنا فكل شي كان محطماً و مبعثراً بالكامل .
ناديت بصوت خائف و قلق على د. بن :" ابي ، ابي أين أنت؟ "

لكن لم يجبني أحد .
و بينما أنا اتوغل للداخل ببطئ و خوف تعثرت بشيء حاولت تميزه بصعوبة بين الضوء الخافت فأتضح انه سيد جيم و لكن مهلاً لما مغطى بالدماء هكذا ؟
هلعتُ ما أن حاولت أن استوعب الأمر ثم أصبت بنوبة خوف كبيرة قادتني بسرعة الى غرفة د. بن و أنا أحاول أن أبعد تلك الأفكار السيئة من عقلي و أتمنى أن أجده جالساً على سريره يقرأ كتابه كالعادة ، و لكن ما أن دخلت غرفته رأيت ما فتق أوجاعي مرة أخرى و هيج نزيف روحي التي كنت احاول ان اضمد جراحها منذ ذلك الحادث. رأيت ما أشعل النار في قلبي و حطم فؤادي الذي حاولت أن أجمع شتاته ، رأيت ما اظلم الدنيا في عيني و غلق كل أبواب الحياة في وجهي .
رأيت د. بن مقتولاً و مرمياً على الأرض بجانب سريره.
اقتربت منه ببطيء و انا احاول تكذيب ما أراه. جلست إلى جواره و وضعت رأسه في حجري و قلت بعد أن حاولت جمع ما تبقى لي من قوة ، التي انهارت ما أن رأيت د. بن في هذه الحالة :" أبي ، أبي ، إفتح عينيك ، قل شيئا ارجوك ."

انهارت قواي و بدأت أبكي بشدة و أنا أقول :" لا تتركني بمفردي أرجوك ، تكلم معي ، أنطق ولو بحرف واحد ارجوك أبي ."
فتح عينيه بصعوبة و قال و هو يتمتم بكلمات حاولت جاهدتاً فهمها:" ابنتي ، حمداً لله من اني تمكنتُ من رؤيتك قبل أن اموت . إنتبهي لنفسكِ و خذي حذرك من بيتر ."
قلت بسرعة و أنا ابكي و أحاول جمع شتات روحي :" ابي ، أخبرني من فعل بك هذا ؟"
قال بصعوبة بالغة :" انه .. انه ... بيتر. "
فتحت فمي و صرخت بألم :" لاااااااا أبي."
قال و كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة :" كريستينا، ابنتي ... كوني أكثر حذرا ، لقد جاؤوا الى هن.ا بحثاً عنكِ . ابنتي ..." ثم سكت بعدها يتأوه من الألم ..
قلت بسرعة و انا ابكي:" لا تقل شيئا أبي أرجوك . دعني اخذك إلى المشفى. "
حاولتُ ان انهض لأتصل بالأسعاف لكنه اوقفني بعد ان مسك بيدي قائلا :" لا تذهبي ، ابقي بجواري ، اريد أن أقضي لحظاتي الأخيرة بقربك لا بسيارة الاسعاف. " ثم أبتسم و قال بألم كبير :" اسمعي جيداً ما سأقوله لكِ ، انا أثق بك كثيرا .. و أعلم بأنك ستحقق مبتغاكِ ..

لذا فقلد سجلتُ كل املاكي بأسمكِ حتى لا تكوني بحاجة لأحداً من بعدي ."
قلت و انا أبكي :" و لكن يا أبي لا اريد شيئا سواك . فقربكِ مني يكفيني ، لا تتركني ارجوك، صدقني سأضيع من بعدك ."
رفع يده بصعوبة و مسح دموعي :" اعدكِ بأني سأراقبك من فوق ."
ثم بدأ يتنفس بصعوبة بالغة و يسعل دماً فقال :" وداعاً اب..ب..نتي ."
ثم فارق الحياة...
لم استطع تصديق الأمر ، و لكن هل مات د. بن حقاً ؟ لا اعرف كيف أصف لكم شعوري وقتها و رب السماء يعجز لساني عن نطق كم الالم الذي شعرت به . لقد أسودت الدنيا في عيني و بدأت بالصراخ و البكاء و انا احضن د. بن بقوة محاولةً إيقاظه بقولي " أبي .. أبي ارجوك لا تتركني ، أستيقظ ارجوك."
شعرت بنفس الوجع الذي أصابني لحظة فقداني لعائلتي و كأن بها روحي قد عادت لتلك اللحظة ، فشعرت بكل شيء حتى صوت الإنفجار و شدة الآلام التي أصابتني وقتها كلها عادت لي دفعة واحدة و كأن بي قد رميت من السيارة للتو .

و كأن النار التي شبت في السيارة في تلك اللحظة قد شبت الآن في داخلي.
لم اعرف ماذا أصابني وقتها ؟ شعور لا يمكن وصفه ، ألم لا يمكن تحمله ، صدمة لا يمكن توقعها ، جراح لا يمكن تضميدها .
استجمعت ما تبقى لي من قوة و اتصلت بالشرطة ، ما أن وصولوا قاموا بتطويق المكان و أخذوا جثث العمال في المنزل و جثة سيد جيم و جثة ابي للمشفى للتشريح .
دخلتُ في صدمة كبيرة و شعرت بخيبة أمل من هذه الدنيا التي لا تسمح لي بأن أبتسم او أحب او أحيا أبدا .
كنتُ منهارة جداً ، شعرتُ بالذنب على كل ما حصل و انني المسؤولة الوحيدة على موت كل هؤلاء الابرياء . فلو لم ادخل حياتهم لما حدث ما حدث معهم . كانوا سيعيشون بسلام و امان و لا يعرفون معنى كلمة خطر . و لكن بمجيئي جلبتُ لعنة الموت معي و ألقيت بها عليهم ففتكت بهم جميعا .
انها لعنة ترافقني أين ما ذهبت ، لعنه تقتل كل من يحبني او احبه . و إلا لما يموت الأشخاص الذين احبهم و يحبوني .
فقد ماتوا عائلتي الذين احبهم . ثم بعد ذلك

مات د. بن الذي اعتبرته عائلتي الثانية و كذلك كل الخدم في ذلك المنزل الذي كانوا يكنون لي الحب و الاحترام . لما يحدث ذلك ؟
هل يجب اذهب بعيداً و اعيش في مكان لا يوجد فيه اشخاص لكي يحبوني و احبهم ؟ هل ارمي بقلبي بعيداً و لا اسمح للحب ان يطرق أبوابه من جديدة حتى لا اصيب الذين يحبوني بالأذى ؟
ثم قررت بأني سأقتل مشاعري و سأميت قلبي و لا اسمح له أن يقتل مزيدا من الأشخاص.
اسفة يا أنا ، و لكن انه الحل الافضل لكي انقذ احبابي و لا تصيبهم لعنة الموت مرة أخرى بسببي .

يتبع ....
ميس عباس النعيمي
قراءة ممتعةأعزائي

الحب سيأتي يوماًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن