00:00.

12.4K 368 49
                                    

[كَطيرٍ شريدٍ هادِئ في ظِلالِ عتمَتِه، معزوفَتِه كانتْ الصَخب الذِي حَرّكَ دواخِلَهُ فَإرتجَفَ هُدوئَهُ]

———

- بارِيس، فرنسَا.

رَكَضَ خِللل ذاكَ الزقاقِ المُظلِم، تَوَقَفَ أسفَل إحدَى الأسقُفِ البارِزَةِ لِمَبنى عريقِ قديمِ الطِراز كَان موقِعه في تِلكَ المنطِقةِ الفسيحَة نهايةِ الزِقاقِ، أنزَلَ حقيبتِه الحَالكة المُبتلَّةِ كَحالِ ثيَابه وإلتفتَ ناظِرًا للمَبنَىٰ بِإندهاشٍ.

قَد وصَلَ وجهَته بِسَببِ أن ضَلَّ الطريقَ.

إبتِسامَةً مُرهَقةً إعتلتْ ملإمِحهُ، تنفَس بِعُمقٍ ودلَف للداخِل، الباب كَان مفتوحًا مُسبقًا وبِما أن المبنَىٰ قديمٍ ومُتهَالكْ فقد خَمّن أنّهُ ليس هُناكَ أيّةُ زُوارٍ في المنطِقة، لَاسيمَا فِي هكذَا طَقس.

البابُ الرئيسي كانَ مُطِلًا علىٰ صالةٍ كبيرةٍ تحتوي علي الآلآتِ المُوسيقيةِ، خطوةٍ تِلوَ الأُخرى باتَ يتَفحصُ تِلكَ الآلآت بيده، لَمْ تُستخدَم مُذ فترةٍ ولهذَا قد كَانت مُغطاةً بِالأترِبةِ.

غمرَه الحُزن لأجلِها.

"أتحتاجُ مُساعدة؟" إلتفَتَ البُندُقِي نحو صَاحب اللكنَة الفرنسيَة العتيقَة التِي قاطعَت وحدته، كان كَهلًا علىٰ كُرسيٍ مُتحرِكٍ ينظُر ناحيَةَ الفتَىٰ بِملامِحٍ كساهَا السكُون.

"آسف إن كُنتُ مصدر إزعاجٍ هُنا" أردفَ الدخِيل مُنحنيًا بزاويةٍ تسعينيةٍ مُراقِبًا بطرفِ عينَيه ذاكَ القعيدِ يتحرك نحوَهُ "لابأس، لقد كُنت هادئًا صُدمتُ برؤيةٍ أحدهم هُنا" عَقدَ الفتَى حاجبيهِ بعدمِ فهمٍ، لما قد لا يتواجَد أحدهَم فِي مكانِ راقٍي كهذا؟

في النهايَةِ هُوَ فضَّلَ عدم التَطفُل والسؤالِ.

"سألتُ أحَدهُم عن مكانٍ يُمكنني فيه الحُصولِ علىٰ وقتٍ لِعزفِ البيانُو وقد أرشَدنِي لِهُنا لِذا أستمِيحك عذرًا أن أحصُل علىٰ مُرادِي من هذَا المكَان العتيقِ"

أشارَ الفَتَى بسبابتِه نحو البيانو الكبيرِ في أحدِ الزوايَا المركُونة، تمنَى مِن أعمقِ نُقطةٍ في قلبِه أن يوافِقَ على هذا الطلبِ البسيطِ، ليس كما لو أنهُ سيأخُذ البيانو لمهجَعِه هُو سيستخدمه هُنا.

الفتَى قد نظرَ بإنزعاجٍ لذلِكَ الكهل يُقهقه علىٰ كلامِ المُراهق الصغير كما دعاهُ، أليسَ مِنَ المُفترضِ أن لكُلِ مقامٍ مقال؟، كَان الأصغَر جادًا ولبقًا ومعَ ذلكَ يتلقي السُخريةِ!

تضايقَ وبشدةٍ دون أن يسمعَ تبريراتِه حتىٰ.

"مضَى زمن طويل مُنذُ آخر مرةً قد حظت أجنحةُ هذه القاعاتِ بِألحانٍ تَرفُ لها القلوبِ حُزنًا كانت أم سعادة، هُجرت أرواحُ هذا المكانِ وهاجرت لِلملاهي، الشبابُ في سنكَ يتبِعونَ الشهواتِ وما يُفسد قلوبِهم، أنا مُتفاجِئٌ أنَّكَ أتيتَ لهذا المكانِ كي تعزِفَ الحانًا ومعزوفاتٍ يا فتى"

"أنا حقًا أحتاجُ لذلِك، أحتاجُ أن أُنهِي لحني، أحتاجُ لإيجادِه وعزفِي هُو الحلُ الوحيد للعثور عليه" نبرةُ الفتَى كانت خائبةً تخللتهَا تِلكَ البحَّة المُترجيةِ وقد إلتمسَ العجوزِ الصدقَ فيهَا.

هُو فِي الواقِع لن يرفُض أن يعزفَ أحدهم علىٰ الآلآت المركُونةِ في سبيلِ إحياءِ هذا المكانِ  وبَثّ روح الموسيقىٰ بِه من جديد ولكن ذاكَ الفتَى قد جعلهُ فُضوليًا كثيرًا فَنادرًا ما يأتِي أحدُهم هُنا، نادِرًا ما يأتِي الصُبيانَ بحثًا عن مشاعِرهم في الموسيقَى.

وذاكَ الصَبِي قد أتي بحثًا عن مشاعِره في مَعزوفة؟

"عَمن تُريد البحث؟" الكهَل قد تناوبَ دورهُ بِالسؤال الذي طرأ علىٰ مسامِع الصبي، رفع رأسهُ مُحدقًا بينَ مُبصرتَي القعيد عَلَّ وعسى تصلهُ الإجابةِ عَن طيبِ خاطِر، ولكن لسانهُ قد تمردَ وعصاهُ.

"يأتِي الناسُ لباريِس بحثًا عن راحتِهم، سعادتِهم، عن أحباءهم أو ذِكراهُم، فماذا تظُن أيُها السيد بشأنِ حجَّتي للقدُوم؟ جئتُ هُنا بحثًا عنه .. عن وهج دَربي الضائِع ..



























"ومعزوفتِي هي من ستحضِرُه لِي"

𝗠𝝣𝗟𝗢𝗗𝗬 𝗢𝗙 𝗧𝗛𝝣 𝗥𝗔𝗜𝗡 | 𝗧𝗞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن