00:02.

3.8K 215 21
                                    

[أستمرُ في الركضِ ورائكَ، وكأنكَ سرابٌ كُلما أحاول الإمساكَ بِكَ تختفي]

———

ماضينا حاضِر بداخِلنا لا يُوجد أصعبُ مِن نسيانِه، قد سَبقَ وتَعَرى مِن نفسِه لأجلِ السلامِ ولكِنه ما سَلِم، مُنذُ سنواتٍ يهرُب من واقِعه يركُض خوفًا مِن السقوطِ ويستمِرُ في الركضِ، لم يسبِق وأن توقفَ عن الركضِ من مخاوِفه.

ولكِنها رافقتهُ في أحلامِه كُل مساء.

كُنا صِغارًا ذاتَ يومٍ نرمِي بأنفُسِنا للسماءِ ونحنُ على يقينٍ أنها ستمُّدُ أجنِحتهَا وتُمسكَنا، نُبحرُ بِلا قيودٍ في عالمٍ لم نَرى منهُ سِوى قِناعِه.

ذاتَ يومٍ فِي الصغرِ عَزِمنَا علي إمساكِ النجومِ وأقدامَنا في الهواء مُحلِّقَة حَتى سقطنَا في الهاويةِ المُظلمةٍ، فتحنَا أعيُنَنا علىٰ الكِبَرِ في القاعِ.

وهُناكَ حتى النجومِ قد بَدت بعيدةً للغايةِ.

-

مَررَ أنامِلهُ علىٰ مفاتِيحِ البيانُو مُستشعِرًا نغمَاته الهادئةِ، تَمَكَن مِن الشُعورِ بتِلكَ الأصواتِ وما تحمِلهُ مِن حُزنٍ وسوءٍ بين طياتِها.

دُو | دومًا أُبحِرُ علىٰ مَتنٍ قاربٍ هارِبًا مِن العدمِ وأجهلُ السببِ .. أستمِرُ في الهربِ.

رِي | ريثَما أُفكِرُ في الإسراعِ كي لا يصلُني المجهولِ، أجِدُ نفسيَ باكِيًا، خاشيًا، خائِفًا.

مِي | ميلًا فَميلًا قطعتُه حتى ظننتُ أنّي بلغتُ السَدّينِ وهُناكَ توقفَ القاربُ، أبحرتُ كثيرًا وتغيرتُ قليلًا.

لم يتغير المكانَ بتغيِرُ الزمانِ، لم يتغير شيء أبدًا، إكتشفتُ الأمرَ للتوِ. القارب لم يتحركَ سِوى بِمُخيلتي لأنَهُ لا وجودَ للقاربِ أصلًا، ولأنني فاشلٌ لقد كُنتُ أهرُبُ مِن نفسِي طوالَ الوقتِ.

خوفًا من مواجهةِ الحقيقةِ.

علىٰ الأقل هذا ما كان يستمعُ له، ذاكَ هو الصوتَ الذي يستمرُ في التردُدِ بعقلِهِ كُلما صرخَت مفاتيحَ البيانو، هذا ما همس بهِ البيانو ذاتَ ليلةٍ.

تنهيدةً عميقةً، ها هُو ذا يسترجِعُ الحانَهُ في مُخيلتِه، أخرجَ أوراقَهُ واضِعًا إياها أمامَهُ، سيسترجِعهُ مهما كَلفهُ الأمر، كُل ما فقدهُ ستُرُدّه معزوفتهُ إليه يومًا.

' لَم أرغب يومًا في دخولِ حياةَ أحدَهُم، ولم أرغَب في أن أكونَ أنيسَ وحدةَ شخصٍ ما

لم أُرِد أن أكون مُهمًا بالنسبةِ لأحدِهِم، لم أكُن مُتأكِدًا أنني استطيعُ حمايةَ هذا الشخصَ أو البقاءُ معهُ حتى النهايةِ

لقد كُنت خائِفًا مِن أذِيةِ ذاكَ الشخص، لقد خِفتُ أن أتأذَى، لقد كانَ مؤلمًا كفايةً بالنسبةِ لنا مُحاولاتِنا الفاشلةِ في إنقاذِ أنفُسنَا

لقد تركتُهُ وحيدًا بحلولٌ اللحظةِ الأخيرةَ هو الآخر '

قلبَ صفحَتهُ لتنقلبَ ذكرياتَهُ بعد إنهاءه عزفَ مقطوعتهِ الأولى، اناملهُ قد وجدت طريقها تلمِسُ تِلك الرسوماتِ العشوائيةِ علىٰ سلالمه الموسيقيةِ.

لقد تمنَي لو كان مُمسكًا بأيدي صاحِبها عوضًا عن لمسِ نقوشِه القديمةِ، لقد إشتاق وما أعظمُ ألمَ الفِراقَ عندما تنهشَكَ ذكراهُ.

أسندَ رأسهُ على مفاتيح البيانو مُصدرًا أصواتًا مُزعجةً لا تُضاهَى شيئًا بجانبِ ضوضاء رأسَهُ، نادِمٌ بشدةٍ كونه سمحَ لَهُ بالرحيلِ، أسدلَ جُفنيهُ مُعاقبًا ذاتَهُ بِغضِّ نظرهِ عن العالم.

لقد فَضّل الإستسلامَ لماضيه كَالعادة ..














مثلَ الجُبَناء تمامًا.

𝗠𝝣𝗟𝗢𝗗𝗬 𝗢𝗙 𝗧𝗛𝝣 𝗥𝗔𝗜𝗡 | 𝗧𝗞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن