00:03.

3K 180 39
                                    

[عِندما جَلسنا تحتَ الشجرة ولمستُ وجهك لأولِ مرةً بَقيَّ القليلُ مِن جمالِكَ عَلى يديِّ مُنذ ذلكَ اليوم حتى الآن وأنا اسيرُّ رافعًا يديّ لِيراهَا الناس]

———

٢٠٠٦م.
عُمرُ الـ١٢.

شمسُ الصباحِ كانت تُضئُ الأرجاء فترةَ ما بعدَ الظهيرةِ، كانت هُناكَ تِلكَ الأشجارُ تتمايل بشغفٍ علىٰ لحنِ موسيقاهُ في جهازِ التشغيلِ خاصتِه.

جالسُ بهدوءٍ كَهدوُءِ بحْرَ الليلِ علىٰ الأرجوحَةِ في الحديقةِ يُؤرجِحُ قدميه في الهواء كونهَا لا تَطأُ رِمال الأرضَ أسفلِه، تنهَد بإنزعاجٍ كونَ الأرجوحَةٍ قد توقفَت للمرةِ الحاديةَ عشرةَ.

لو أن رَفيقَهُ الروحِيُ هُنا ما كَان لِيُعانِي، لقد فَرّ هربًا للحديقةِ كي يُخففَ حُزنَهُ ولكن في كُل مرةِ تتوقف فيها الأرجوحةِ يشعُر كما لو أن مقطوعتِه هي ما توقفت في ذروةِ مُفضلتِه.

هَبّ نسيمُ الرياحِ فجأةً مُحرِكًا خُصلاتِهِ السوداءِ إهتزَّت معهَا مشاعِره، فتحَ عينيهِ مُستشعِرًا حركَةُ الأرجوحَةِ النسبيةِ مرةً أُخرَى، لا يُمكنُ لِلهوتء تحريكَ ثُقله على الأرجوحةِ مِن تلقاءِ نفسه!

مُستحيل وليسَ كُلَ مُستحيلٍ مُمكِن.

لَفّ رأسَهُ ناظِرًا نحوَ الأطولِ بملامِحٍ راسِيَةٍ، ما إن لمحَ الإبتسامَةَ الهادِئةَ على محياهِ حتىٰ نظرَ أمامَهُ مرةً أُخرَىٰ "مَا الذِي أتَى بِكَ؟ هذا المكانُ مِلكٌ لِي ولا أسمحُ لَكَ بإزعاجِي فيه لذا غادِر"

همهَمَةٌ خافِتَةٌ صَدرتَ مِن المعنِّي تليهَا أصواتَ خطواتِهِ المُبتعدةِ وحركةِ الأرجوحَةِ تباطُئيًا.

شَهقَ الأقصَرُ بخفةٍ وقفزَ أرضًا كي يتثَني لهُ الوقتُ يَلحَقَ بالآخر، أمسكَ برسغِه وصرخِ بنبرةٍ غاضبةٍ "مَن أخبركَ أن تذهَب؟ ألا تَرى أننِي مُنزعجٌ مُنذُ الصباحِ بسببِكَ؟ هل تخليتَ عني بهذهِ السُرعةِ؟"

إلتفتَ الأطولَ نحوهُ بذاتَ الإبتسامَةِ الوديعَة،
خَلل أنامِلهُ الرفيعةِ بينَ شعرِه مُبعثِرًا إياهُ بِخفةِ.

"مَن قال أنّي ذاهِب بِلا عودةً؟ أنتَ هُنا مُنذ الصباحٍ وقد أخذتُ الغداء لِكلانا كُنت سأحضرهُ-.."

قاطعَهُ الأصغرِ بِعناقٍ دافئ مُسيجًا يديهِ حولَ خصرِ الأطولِ، كَان تمامًا كمنْ يحتضِنُ دُبَّهُ خوفًا مِن وحوشِ الليلِ في عقلهِ عِندَ الصِغَر.

"لما غادرتَ المدرسةِ فورَ وصولِكَ صباحًا؟ هل أذاكَ والدَكَ مرةً أُخرىٰ؟" نطَقَ الأجعَد شاعِرًا بحركةِ رأسِ الأصغرَ النافيةِ في معدتِه "أنتَ من أذاني"

"ماذا فعلتُ أخبرنِي، جرحتُك بِلا قصدٍ أنا؟" اومأ الأصغر رافِعًا وجهَهُ كاشِفًا عن لمعَةَ عينيهِ للآخر.

"إنتظرتُكَ هُنا فترةً طويلةً كي نذهب سويًا للمدرسة ولكنكَ ذهبتَ بدوني، سمحتَ لِجينا بالجلوسِ في مقعدي وأخبرتها عن حُبكَ للمقطوعةِ فا كما أنكَ عزفتَ مقطوعاتنَا لهَا، هل إستبدلتني بها؟"

قهقهَ الأطولَ علىٰ غيرةِ الآخر اللطيفةِ بنظرِه، أنزل نصفهُ العلوي مُقبِّلًا رأس الصغير.

"لقد كُنتَ مَتعبًا أمس ظننتُك لن تحضُر، جينا قد جلست بمقعدِكَ كي تدونَ بعضَ المُلاحظاتِ مني لم أكُن لأسمحَ لها بالبقاءِ، لقد عزفتُ لها المقطوعاتِ كي أُخبرها بكم أن ذوقَكَ في إنتقاءِ المُوسيقىٰ يأسِرُنِي، وأنت تعلم أنني لا أتوقف عن سردِ حُبي للمقطوعهِ فا حتىٰ ولو لِلدجاجَةِ في حظيرةِ جدّي"

لطالما كَان الأجعَد كارِهًا كبيرًا لِلتبرير، هو لم يسبِق لهُ وأن بَرر لأحدِهم أسبابَ أخطاءِه، لقد فَضّل دومًا الخصوصيةَ مُذ الصغَرِ ولكِن كُل ذلكَ يندثِرُ بسهُولةٍ ما إن يتعلقُ الأمرُ بـ رفيقِه الروحي.

هُو بـ النسبةِ لهُ خارجٌ عن المألوفِ.

"آسفٌ فَا خاصتِي لن أتحدث مع جينا مرةً أُخري، سأقطعَ ساقَ من يقتربُ مِن المقعدُ ٨ لأجلِكَ، وسأحتفظُ بمقطوعاتِنا لكلينا"

"ولكنهُم عرفوا بِها، لم تعُد سِرًا" عبوسٌ لطيفٌ إكتسَىٰ ثغرَ الأصغرِ مُزينًا ملامِحهُ لأكثرِها براءةً

"أعِدُكَ وعدَ الخِنصرِ سأنسِجُ لحنَ معزوفَةٍ جديدةٍ لأجلِكَ، ستكونُ الخاصةِ بنا فقط كما أنتَ خاصٌ بي"

لقد تَوصّل لِلحلِ وتَمّكنَ مِن إسعادِ الصغيرِ، هُوَ كانَ عازِمًا علىٰ إسعادِه وبَثّ روحٍ طيبةٍ داخِلَ قلبِه، لقد كانَ الموتُ هينًا علىٰ كسرِ فؤاده ولذلك أطلقَ وعدًا أقسَم على حِفظه، ولكنَهُ قد نسى تمامًا أنّه ..
































تجرِي الرياحُ بِما لا تشتهي السُفن.

𝗠𝝣𝗟𝗢𝗗𝗬 𝗢𝗙 𝗧𝗛𝝣 𝗥𝗔𝗜𝗡 | 𝗧𝗞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن