Part 26: خبايا مكشوفة

1K 39 63
                                        

"إن من الصعب على شخص آخر غيري أن يعرف عمق الألم الذي أعانيه ؛ وذلك لسبب بسيط هو أنه ليس أنا... بل آخر"

فيودور دوستويفسكي









يقف عند النافذة يراقب الطريق التي لا تخلو من السيارات و من المارة، يمد عينيه إلى الأفق لتضيع في زرقة السماء الصافية التي يتوسطها قرص الشمس الباهت نسبيا، يوم آخر من أيام الخريف الذي يبدو طقسه و كأنه يذكرهم ببدايات الربيع إلا أن خريف قلبه قد حل و الغيوم قد آستوطنت سماء روحه المكفهرة، يطلق تنهيدة ملئت حرقة و توجسا قبل أن تمتد يده و تسحب الستائر السوداء لتخفف حدة الضوء في أرجاء الغرفة ثم يتوجه بخطوات وئيدة،منكسرة نحو ذلك الشاب الذي قد توسط سريره و آستسلم للنوم، لاحظ العقدة المرتسمة بين حاجبيه و آرتعاش رموش عينيه بالإضافة إلى قطرات العرق التي تتصبب من جبينه و تسلك طريقها على قسمات وجهه الممتعضة، لا شك و أنه يرى كابوسا يؤرق نومه! فقد كانت هذه حاله طيلة الليل، لا ينام قليلا حتى يستيقظ مطلقا صرخات رعب تشق طريقها لتستقر في فؤاد الأكبر تُصَدِّعُهُ و تهشمه لعشرات القطع.

  إقترب منه ليجلس على الكرسي المجاور لسريره، إمتدت يده نحو إناء مُلِئَ ماءً باردا، أسقط فيه منشفه قطنية صغيرة، سرعان ما آلتقطها مجددا ليعتصرها ثم يضعها على جبين آبن الثمانية عشر ربيعا، خلل أنامله في شعره لبضعة لحظات ثم أخذ يربت على رأسه بخفة لتلين ملامحه قليلا.

زفر بخفة وهو يستشعر الصداع الذي ألم به، يزعجه مشاهدة صغيره طريح الفراش يصارع ذكريات أخفاها عقله في متاهاته  القصية و يزعجه أكثر ذلك الإحساس بالنقص و الفراغ الذي يدرك جيدا بأنه يسيطر عليه، فليس من السهل بأن تواصل الحياة و أنت خالٍ من ماضيك، منقوص من ذكرياتك. و لكن ماذا عساه يفعل و كيف يتصرف حتى لا يكرر الماضي نفسه و لا يضطر الراقد أمامه إلى عيش تلك المعاناة مرة أخرى؟

إرتعاشة خفيفة سرت عبر جسده و هو يستعيد تلك الأيام المريرة، أسبوع قضاه شقيقه في المشفى غير راغب بالمغادرة،يثير نوبة من البكاء و الفوضى كلما طُلِبَتْ منه العودة إلى المنزل، كان يقضي معظم وقته بجانب سرير جونسو يبكيه و يتوسله الإستيقاظ، يتمسك بيديه و يرجوه أن لا يفارقهم، و رغم أن الأطباء قد أخبروهم بأن لا يرفعوا آمالهم عاليا فالمريض قد أصيب بتلف في العمود الفقري و بعدة كسور بمؤخرة الرأس نتج عنها نزيف دماغي حاد إلا أن ريووك ظل إلى جانبه يدعوه تارة بصمت و أخرى بهمس أن يتمسك بحبل الحياة و يستعيد عافيته. كان الألم يتآكله و تأنيب الضمير ينهش روحه الغضة إذ لولا آستهتاره لما جازف آبن خالته بحياته لينقذه من موت محتم.

و لكن كيف تقنع طفلا في العاشرة من العمر بأن لا ذنب له في كل حدث و بأن جونسو لم يقايض سلامته بحياته هو و بأنها فقط الأقدار تُسَيِّرُ حياتهم كما تهوى؟

هيونغ : من أنت؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن