أُقبع في غيابه السجون ولم تعلم عنه أيّ شيء حتى أيقنت أنه قد قُتل وأُرسل إلى العالم الآخر غدرًا، وبعد أكثرُ من أربع سنين عجاف، اتصل بوالدته خلسة، لم تعرف صوته! لم تصدق! كانت تظنّ أنهم يخدعونها، احتضنت الهاتف في صمتٍ مُريب، كانت تبكي بطريقةٍ يعتصر لها القلب ألمًا وحزنًا، يالله! كيف هُم سيلاقونك يوم القصاص، كيف ستصبّ عليهم عذاب هذه الدعوات؛ اللهمّ أحرق قلوبهم وفتّت أكبادهم، وعجّل بالإنتقام منهم!
كان يقول لها هامسًا أزيلي الحزن عن قلبك يا أُمّي لم أفكر بحجم مصائبي بقدر ما كان يُثقلني مصاب حزنك على فراقي، أريد أن أخبرك بأمر ربّما يهوّن عليك ثقل تلك الأيام ولربّما أخفف عن نفسي وزر تحميلك كلّ هذا الحزن، ختمت القرآن يا أمي! علمت أن لحامل القرآن فضلًا على أهله، فواصلت الليل بالنّهار رغم أنه لم يكن لديّ مصحف، أُعيد ترتيل الآيات التي يلقيها عليّ صديقي فأحاول بقدر الإمكان أن لا تضيع منّي واحدة، كنت أخاف رحيلي قبل أن أبني قصرًا يكون لنا موعدًا في الجنّة! لكن الله لطيفٌ، ودعواتك كانت تصلني دائمًا وبكل حين.
حفِظت الأربعين النوويّة والكثير من الأحاديث، أترين ما يصنعه السجن منا عندما نكون أهلًا للحق؟ أود إخبارك أنني بأفضل حالاتي رغم كلّ الذي عانيته وقاسيته من الأهوال، كوني سعيدة لأجلي، حقًا. سنلتقي يومًا، وسترين صغيرك الذي تمنيته أن يكون، سترين ما فعلته الزنزانة بولدك رّبما ما لن تفعله المدارس والجامعات وربّما أفنيتُ عمري كلّه بين حوائطهنّ وما كنتُ بهذا الفضل يومًا، فالحمد لله كثيرًا، الحمد لله يا أُمّي، أعيدي لقلبكِ الحياة.
شعرَت في حينها بأنّها تحمل أفراح العالم في قلبها، وأن جبال الأحزان والألام قد انهمرت من على عاتقها، نسيت أن تُخبره أنّهم هُجِّروا وأُحرق بيت طفولته وكلّ الذكريات، نسيت أن تخبره أن أباه ابيضّت عيناهُ من الحزن وخسِرَ إحداهما، نسيت أن تخبره أن أخيه قد قُتل وأبناء عمّته الثلاثة أيضًا، أما ابن عمّه قد خسر أطرافه وأصبح مقعدًا، نسيت أن تخبره أن أصدقائه قد مضوا ورحلوا، ومن بقيَ منهم كانوا أشدُّ الأعداءِ لهم، نسيت أن تخبره أن جدته على فراش موتها كانت تبكي اشتياقًا لرؤيته، نسيت أن تخبره أن أخته التي كان يراها صغيرة ويصطحبها في يده خوفًا عليها أينما ذهبت، قد تزوّجت وأصبحت أمًا لثلاث أطفال! نسيت أن تخبره أن أخيه الذي كان في عامه الأوّل أصبح يذهب إلى المدرسة ولا يخطر على باله كثيرًا أنه حقًا لديه أخٌ أكبر.. وربّما إن رآه لن يعرفه، نسيت أن تخبره بكلّ مافعلته يد الطاغوت بهم، وفسحت مكانًا للفرح فقط أن يبادرها. أن يأتيها زائرًا بعدما أضحى الحزن أمرًا ثقيلًا..
أنت تقرأ
جَسدٌ يُجيدُ الحِواراتِ الصَامتَة.
Short Story#القصه-القصيره #واقع مبنيه علي احداث واقعيه ------*-----------*----------*---------*-------*aya يحكى بأنّ فتاة شعرت بالغضب لعدم تحقق ما تتمنى وفي يوم ميلادها في تمام الساعة الحادية عشر وإحدى عشر دقيقة تمنت الموت وماتت! في الحقيقة أنا أيضاً تمنيت أ...