أشعر بأنني أعاني من مصيبتين، الأولى هي أني أمارس أحقر مهنة وُجدت في الكون، بينما الثانية وهي الأخطر أني لا أتقن أي حرفة أخرى لكي أعيل أسرة مكونة من زوجتي بيترا وابنتي المعاقة مارسيلا ذات العشرين سنة، النقود التي أحصل عليها وعلى قِلَّتِها أستطيع بها أن أسدد ثمن كراء الغرفة وتوفير ضروريات الطعام والشراب.لا أدري كيف سيكون عليه حالي لو أني توفقت عن ممارسة هذه المهنة البغيضة، وكيف سأتصرف مع تلك العجوز الحدباء ذات الأنف المعقوف مادلين عندما تقف كعادتها أمام باب الغرفة عند أول الشهر تنتظر مجرد خروجي لتطالبني بوجهها كثير التجاعيد والحفر بسومة الكراء؟ وكيف سأتدبر مصاريف الطعام؟ حقيقة أني استطعتُ أن أدّخر بعض المال طيلة سنوات من العمل لكنه لن يصمد إلا لأسابيع قليلة وينتهي.
أشعر بأن مهنة “كاتب بالإيجار” هي قدري، هكذا وفي سن مبكرة جدا وجدتني صدفة أكتب للآخرين، كان ذلك في أواسط الخمسينات من القرن الماضي وأنا تلميذ في الصف الأخير من المرحلة الإعدادية حين طلب مني الولد المدلل باتريك الثخين صاحب الخدين المنتفخين والأحمرين باستمرار أن أكتب له موضوعا في مادة التعبير على أن يقتسم معي خبزه المحشو بشطائر اللحم المجفف اللذيذ.
لم أكن أعلم ساعتها حينما قبلت عرضه الشهي أني أضع أول قدم لي في مهنة ” كاتب بالإيجار”، كانت سعادتي لا توصف وأنا أرى باتريك الكسول وهو يركض مرتديا سرواله القصير الذي لا يتجاوز الركبة نحو والده عميد الشرطة مزهوا بنتيجة “حسن جدا” التي تحصل عليها في فرض مادة التعبير، شعرت بأن تفوقه هو في الواقع تفوقي أنا، ألست أنا من فكر وكتب وأبدع؟ أما باتريك فهو مجرد ممثل كومبارس يتقمص دورا ليس بدوره.
انتشر الخبر بسرعة داخل الفصل وصرت كاتبا لأكثر من تلميذ، لم تعد شطائر اللحم المجفف تثيرني، بل أصبحت أشترط قطعة نقدية من ربع خولدة لكل نص أكتبه، أضحت العروض تأتيني من فصول أخرى وصرت أقضي جل أوقاتي في الكتابة، مع المدة أخذ أسلوبي في التعبير والأدب يتطور بشكل مُلفت ومطرد، عرفت ذلك من خلال عبارات التشجيع والتنويه التي كان يدونها الأستاذة حين يعلقون على كتاباتي وإن كانوا يعتقدون أنها كتابات أصدقائي. هؤلاء الممثلون الكومبارس لا يستطيعون كتابة سطر واحد، ومع ذلك كانوا فرحين، لم يستوعبوا أنه عندما تضع اسمك تحت أي نص لا يعني ذلك أنك صاحبه، هؤلاء الكسالى لا يعلمون أن النصوص الأدبية تحمل في شفيرتها الوراثية خصائص كاتبها الأصلي أو البيولوجي، أما هم فمجرد آباء بالتبني لنصوص ليست من أصلابهم.
أهملت الرياضيات والجغرافيا والتاريخ واللغات واجتهدت أكثر في مادة الآداب، حتى إنني خصصت جزءا من المبلغ المالي الذي استطعت أن أوفره لشراء رواية هاملت لشكسبير الشهيرة، والبؤساء لفيكتور هيغو الرائع. لا أدري هل شغفي بالقراءة مرده إلى حبي للمطالعة أم فقط من أجل تطوير مهاراتي في الأسلوب والتعبير مصدر رزقي وتجارتي، كأي تاجر حينما يقتني أدوات ضرورية لتجارته.
أنت تقرأ
جَسدٌ يُجيدُ الحِواراتِ الصَامتَة.
Short Story#القصه-القصيره #واقع مبنيه علي احداث واقعيه ------*-----------*----------*---------*-------*aya يحكى بأنّ فتاة شعرت بالغضب لعدم تحقق ما تتمنى وفي يوم ميلادها في تمام الساعة الحادية عشر وإحدى عشر دقيقة تمنت الموت وماتت! في الحقيقة أنا أيضاً تمنيت أ...