لم يكن لأهالي قريتنا الفقيرة من شيء تفتخر به أمام القرى الأخرى المجاورة إلا أمرا واحدا خصنا الله به دون بقية الخلق، فقريتنا البسيطة والمسالمة والتي توجد عند سفح الجبل اختارها الله أن تجاور مملكته في الأرض، بعد العشاء كان الرب يغادر عرشه في السماء فينزل خلف الجبل، لم تكن تفصل مملكته عن قريتنا إلا هذا الجبل المنتصب بيننا، أليس هذا أمرا يدعو إلى التفاخر والسعادة
لم يتجرأ أحد من القرية صعود الجبل، حدثنا كاهن المعبد أن رجلا خالف أوامر الرب وقصد الجبل ليلا؛ لكنه قبل أن يصل إلى قمته ليشاهد من هناك مملكة الله احترق وصار في لمح البصر رمادا. الإحساس بأن الرب هناك على مرمى حجر من القرية كان ذلك بقدر ما يفرحنا يخيفنا كثيرا، فكنا لا نتجرأ على مجرد التفكير في صعود الجبل. فقط الكاهن من كان من حين إلى آخر يحمل قرابين أهالي القرية إلى الضفة الأخرى تقربا إلى الرب، يضع الكاهن القربان ثم يقفل راجعا لا يلتفت يمينا أو يسارا، يظل بصره شاخصا إلى الأرض ثم يتسلق الجبل مسرعا نحو القرية. كنا نحرص دوما، على الرغم من فقرنا، أن يكون القربان جيدا يليق بعظمة الرب. جاء المطر شحيحا في العام الماضي، وحل الجفاف بالسواقي والآبار، أخبرنا الكاهن بأنه غضب وعقاب من الله لأن أحدا من الأهالي تباطأ في تقديم حصته من القربان. تبا لماذا العبيد لا يقدرون جيدا غضب الآلهة
ابتكر الرب طريقة خاصة من أجل التحاور معنا، فعندما نشاهد النار تشتعل فجأة في قمة صومعة المعبد نعلم أن الإله يود مخاطبتنا، كنا نركض جميعا نحو المعبد وعند بوابته نجد صحيفة معلقة على الجدار، إنها رسالة السماء إلى أهل القرية.
آخر مرة شاهدنا النار تستعر فوق الصومعة كان ذلك في موسم جني فاكهة العنب. كنت أقف أشاهد بمتعة البنت “نور” وقد عرت عن ساقيها، فأمسكت بحواشي فستانها الأحمر إلى الأعلى وتوسطت قصعة كبيرة تجدف بقدميها عناقيد العنب وهي تغني رفقة فتيات القرية. ركضنا نحو المبعد وكانت صحيفة السماء معلقة على الجدار وقد كُتب عليها “شراب العنب”، فصاح الحاكم: “قربان الرب براميل من الشراب تحملها الدواب نحو الجبل
لبست نور فستانها البرتقالي الجديد المطرز برسم عناقيد العنب والورد، وسرحت شعرها الأسود إلى ظفيرتين جعلتهما ممدودتين جهة الصدر، ووضعت على رأسها طوقا للياسمين. اتجهنا صوب الساحة لنحتفل مع الأهالي بموسم جني العنب، كان المشهد احتفاليا حيث صخب الموسيقى والغناء والفرح، أمسكتني نور من يدي وصرنا نتوسط الراقصين، كانت نور ترقص بغنج تساير بخلخال قدميها الحافيتين إيقاع الطبول والدف، يا الله ما أجملك، نور حين يتورد خداك بلون حمرة الشمس التي تتهيأ للرحيل.
فجأة شاهدت الحاكم يشق صفوف الناس ويمسك نور من خصرها ثم يرفعها إليه، رأيت نور معلقة وهي تضرب بقبضتي يديها على صدره تحاول التخلص منه بينما الحاكم لا يبالي بصراخها، يضحك ملء شدقيه ويقول: “سأتزوجك الليلة أيتها الشهية”، يا له من حاكم أبله كيف طاوعته نفسه أن تمتد يداه إلى امرأة ليست له؟ ألا يعلم أنه بفعله الشنيع قد اعتدى على القانون والأعراف؟ ألا يخشى غضب الرب الذي يقبع هناك خلف الجبل؟ كل أهالي القرية يعرفون العلاقة المتينة التي تجمعني بنور من أيام كنا طفلين نلهو بين المروج وجداول المياه حتى أن المعبد كان قد بارك حبنا في موسم جني التفاح الماضي.. تبا، لماذا يمنعني الحراس من الاقتراب من الحاكم لكي أبطش به وأخلص نور من قبضته؟ سمعته يقول وهو يختبئ خلف عساكره “إنك يا فتى لن تستطيع منافستي”. الجبان لا يستوعب أني من أجل نور أنافس كل حكام الأرض، وليس فقط حاكم القرية.
أنت تقرأ
جَسدٌ يُجيدُ الحِواراتِ الصَامتَة.
Short Story#القصه-القصيره #واقع مبنيه علي احداث واقعيه ------*-----------*----------*---------*-------*aya يحكى بأنّ فتاة شعرت بالغضب لعدم تحقق ما تتمنى وفي يوم ميلادها في تمام الساعة الحادية عشر وإحدى عشر دقيقة تمنت الموت وماتت! في الحقيقة أنا أيضاً تمنيت أ...