المهرج البائس

9 3 0
                                    

مهنته مهرج … يضع صباغة حمراء ، سوداء وبيضاء في وجهه ، يرسم فما كبيرا ضاحكا ، يلبس لباسا مزركشا غريبا وحذاءا كبيرا على شكل قارب ، مهمته أن يزرع الضحكة في الوجوه …

لم يكن أبدا يدري ماذا سيقول ! يصعد إلى الخشبة ، يقف ، ينظر إلى جمهوره ثم تأتيه الأفكار ،غالبا ما يُشرك معه أحدا من الجمهور في العرض ! لم تكن عروضه تتشابه ، في كل مرة يلعب دورا جديدا مع شخصيات جديدة يختارها من الجمهور ، في الأسبوع الماضي شاركته الخشبة طفلة صغيرة ، اقترح عليها أن يناما برهة ثم يستيقظا ليجدا أن العالم أصبح يحكمه الأطفال ! تطفأ الأنوار ، ينام المهرج والطفلة على خشبة المسرح ، يستيقظان ، الطفلة هي من تحكم العالم …

يضع المهرج تاجا فوق رأس الطفلة ، ثم يسألها عن أول قرارات حكمها ؟

تتلعثم الملكة الصغيرة ، تحمر وجنتاها خجلا .. لم تقل شيئا !

المهرج يدعوها لأن تسرع أكثر ففترة حكم الصغار لا تدوم إلا وقتا وجيزا !

الملكة تضحك ثم ينطلق لسانها تريد أن تسابق الزمن ! تدعو الملكة الصغيرة المهرج لكتابة قانون العالم الجديد:

– الشكولاطا تباع بثمن رخيص … لا أقول تباع بلا ثمن !

– ممنوع السب و الخصومة بين الآباء …

– ممنوع ضرب الأطفال ( الملكة تضع كفها على خدها الأيمن كأنها تتذكر صفعة مازالت عالقة في ذهنها الصغير )

– رحمو يجب أن تعود للمدرسة !

يسألها المهرج : من هي رحمو ؟

الملكة ، بحزن تجيب : رحمو كانت تجلس بجانبي في القسم ، افتقدتها ، أخبرتنا المعلمة أنها انقطعت عن الدراسة لتشتغل خادمة في احدى البيوت !

تسكت الملكة ، تبتسم كأنها تذكرت شيئا آخر

– نريد مزيدا من شطائر البطاطس مقلية في الزيت عوض البطاطا المطبوخة !

يصفق كل من كان في القاعة وينتهي العرض

بالأمس اختار المهرج امرأة حامل ، لم يكن يريد أن تشاركه المرأة في العرض بل أراد الجنين الذي في بطنها!

يقترب المهرج من المرأة ، ينحني إلى بطنها المنتفخة ويهمس :

-ألو ، هل تسمعني أيها الجنين ؟

الجنين لا يرد ! المهرج يحاول مرة أخرى بصوت مرتفع :

-ألو ، هل تسمعني ؟

الجنين مرة أخرى لا يرد !

المهرج فرحا ، على ما يبدو أنه وجد حيلة يستفز بها الجنين ليتكلم ! يغمز بعينه الجمهور ويقول بمكر :

– عفوا أيها الجنين الثخين ، الكسول و النعسان نم لن نزعجك !

يذهب بسرعة المهرج خلف المرأة ليتقمص دور الجنين

الجنين أخيرا يتكلم ! بصوت رقيق يقول :

– أيها المهرج البئيس ، انت هو الثخين والكسول والنعسان !

المهرج سعيد جدا ، أن الجنين قد نطق ! فيسأله :

أيها الجنين الجميل ، هل أنت جنين ذكر أم أنثى ؟

الجنين ضاحكا :

لا هذا سر بيننا نحن الثلاثة ، أنا و ماما

المهرج : طبعا وبابا
الجنين ضاحكا : لا

المهرج : ومن الشخص الثالث ؟

الجنين : أنا وماما وجدتي من ماما ! بابا غالبا آخر من يعلم !

المهرج : مرحبا بك أيها الجنين ، قريبا سوف تخرج إلى الدنيا

الجنين : حدثني أيها المهرج عن الدنيا

المهرج : آه …. لا داعي أيها الجنين النقي ، استمتع وانت في بطن والدتك ، الأيام الجميلة عادة تنقضي بسرعة!!

هذا المساء ، كانت القاعة غاصة بالجمهور ، خرج إليهم المهرج ، كان

شاردا ، ضحكته باهتة ونظراته حزينة ، ظل لثوان يبحث بعينين تائهتين عن أحد من الجمهور ليشاركه حوارا جديدا ، وجد نفسه فجأة ينظر إلى مرآة كبيرة كانت جوار الخشبة ، اقترب منها ، شعر كأنه يرى نفسه لأول مرة ! أخذ يخاطب المرآة ويحكي.

حكى لها عن ابنه الذي تركه يحتضر في احدى المستشفيات العمومية ، لأنه لا يملك المال الكافي لاجراء العملية ، سالت دموع المهرج غزيرة ملونة بالأبيض ، الأسود و الأحمر ….

تلك كانت آخر مرة يقف ذاك المهرج فوق الخشبة

جَسدٌ  يُجيدُ  الحِواراتِ  الصَامتَة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن