الكلاب البوليسيه

28 0 0
                                    

صبيحة سفري بالطائرة إلى المغرب اجتاحتني مشاعر متناقضة., كنت أشعر بفرح طفولي لذيذ فاتحول فجأة لطفل كبيرء ألاعب أبنائي بنشاط وكأني في عمرهم الصغيرء أقفز بحيوية وأنا أنزل الدرجء أقف أمام المرآة فأسرّح شعري إلى الوراء كما كنت أفعل أيام صباي وشبابي حتى ابتسامتي تكبر فتصير أقرب إلى ابتسامة طفولية يمتزج فيها الكثير من الطيبوبة والدهشة

. لكن يجتاحني أيضا شعور بالخوف الشديدء كانت تتملكني رهبة غريبة كلما تذكرت أني سوف أركب الطائرة, فيصعد بقوة معدل هرمون الخوف في دميء آه يا إلهي! كيف أتخلص من هذا الشعور الذي يثقل صدري كصخرة تجثم على أنفاسيء ربما مع مرور الأيام ساتخلص من خوفي وهواجسي حين تكرار ركوبهاء هكذا ظننت وأنا أصعد للمرة الأولى الطائرة ف العام الأول لهجرتي لهولندا ها قد مرت الآن قرابة العشرين سنة لكني ما زلت كما كنت من قبل أشعر بنفس الخوف والرهبة.

وصلت مطار «اندهوفن» فوقفت فْ الصف حاملا حقيبتي الصغيرة انتظردوري لتسليم أمتعتيء فجأة رأيت فتاة كانت تقف أمامي, لايفصلني عنها سوى حقيبتها الصغيرة الأنيقة الموضوعة على الأرض الفتاة ريما ف ربيعها الثاني طويلة القامة, ذات شعر أشقر كثيف صففته على شكل ضفيرة واحدة مائلة الى الأمام جهة خدها الأيسر؛ حاحداها الكثيفان

يطلان على عينين زرقاوين وبشرة صافية تميل إلى الحمرة وجدتني لا أستطيع أن أبعد نظري عنهاء فالنظرة الأولى لا نحاسب عليها. تمنيت أن تبقى عيناي مشرعتين لا تغادران النظرة الأولى أبدا. انتبهت أنها لاتضع أصباغا على وجهها أو على أظافرهاء كان جمالها من الذنوع الهادئ الصافي الذي يمنح النفس والعين كل الهدوء والطمأنينة, جمالها مثل شلالات جنوب إفريقياء ما زالت على طبيعتها من يوم أن خلقها الله. وأنت تقف أمامها تشعر بالرهبة والدهشة ولا تملك إلا أن تقول بخشوع: «سبحان الله» الجمال الذي يقربك إلى الله لايمكن أن يكون حرامًا أبدًا.

رأيتها تفتح حقيبتها اليدوية وتسحب كتابًا لشكسبير رواية «العبرة بالنهاية», رفعت رأسها فالتقت عيناها الزرقاوان ببريق عيني.. آه يا إلهي إنها تبتسم لي, ابتسامتها تشبه كثيرًا ابتسامة طفلة بريئة, جميلة, تحملها بين ذراعيك ثم تقذف بها إلى الهواء فتتلقفها من جديد وهي تملأ

الدنيا قهقهة وضحكا

وجدتني أنسى ذاك الشعور المرعب الذي كان ينتابني قبل قليل, فقلتٌ وكأني أطمئن نفسي:

- إنه بالفعل فال حسن أن يستقبلني هذا الصباح بوجه طفولي موغل في الحسن والجمال.

فجاة شعرت وكأن شيئًا يتحرك بالقرب من قدميء كان كلبا أسود رفقة شرطيء الكلب يشم أمتعتي من جهة اليمين واليسار من فوق وتحت ثم انتقل مسرعا إلى حقيبة الفتاة الحسناء ليعيد نفس عملية الشم مرة أخرى» الكلب بدا متوترا يشم الحقيبة ويعيد الشم مرة ثانية وثالثة ثم جلس بالقرب من الحقيبة لا يغادرهاء الشرطي وضع قطعة حلوى في فم الكلب ثم سمعته يهمس له:

- أحسنت أيها الكلب الشجاع على ما يبدو لقد عثرت على المخدرات!ا

بعد ذلك أخذ الشرطي الفتاة إلى مكان مجهول. كان من الصعب علي

إن أتخيل كيف لامرأة أن تلبس الطهر والصفاء وفي داخلها كل هذا ا مكر والخداع؛ كيف لامرأة تشعرك بجمال الحياة وهي تحمل في حقيبتها كل إسباب الموت والدمار.

عندما انتهيت من إجراءات تسليم الأمتعة, توجٌّهت صوب مكتب شرطة الحدود للتأشير على جواز سفريء وأنا في الطريق شاهدت نفس الفتاة واقفة في صف آخر لطائرة متوجهة نحو إسبانيا تحمل نفس الحقبية وتقرأ نفس الكتاب وكلب أبيض هذه ا مرة يشم الحقائب. وقفتٌ والدهشة بادية علي وعلى تعابير وجهي, فسمعت موظفا با مطار يكلم صديقه:

- اليوم تخرج دفعة جديدة من الكلاب البوليسية وعليها أن تجتاز امتحانا تطبيقيًاء امتحان الشم!

🎉 لقد انتهيت من قراءة جَسدٌ يُجيدُ الحِواراتِ الصَامتَة. 🎉
جَسدٌ  يُجيدُ  الحِواراتِ  الصَامتَة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن