رهاب الحب 💕

11 1 0
                                    

انتبه زكرياء متأخرا جدا لمشكلة وجد نفسه يعاني منها ، اكتشف انه رغم تفوقه في دراسته و في وظيفته إلا أنه قليل الحيلة في تعامله مع الجنس الآخر ، عرف كل هذا عندما أصبح يفكر بالارتباط والزواج ! كان يرفض ذلك الزواج التقليدي ويعتبره اهانة في حق قناعاته ومركزه العلمي والمعرفي ، كيف يرضى لنفسه ان يكون زواجه بهذه الطريقة البالية والقديمة ؟ لذلك عندما جاءت والدته بصورة لفتاة جميلة حتى يتعرف عليها رفض ذلك بقوة ،هناك أشياء في الدنيا يجب أن نعتمد فيها على قدراتنا الذاتية ومشاعرنا وأحاسيسنا الشخصية .

أراد أن يعتمد على نفسه في البحث عن شريكة حياته ، اعتقد بغرور أن الأمر سهل فاكتشف أن الموضوع في غاية من الصعوبة والتعقيد ، منعه كبرياءه واعتزازه بمبادئه أن يرجع مرة أخرى لوالدته التي مافتئت تعرض خدماتها في البحث عن العروس لكنه يرفض بقوة وجد نفسه يبتسم ، تذكر أنه سمع مرة من صديق طفولته خالد أن شرارة الحب كصعقة الكهرباء تسري في كل الجسم ، فالمخ يفرز كمياء الحب فتسجيب كل الجوارح والاحاسيس أخذ يتخيل صور كل البنات الغير المتزوجات من داخل عائلته و أقاربه لكنه لم يشعر بتلك ” التبوريشة” التي يسببها كمياء الحب في الجسم ، انتقل يستحضر صور الموظفات اللواتي يشتغلن معه في الشركة لكن بقي جسمه على حاله و كأن عطبا في دماغه يمنعه من أن يفرز تلك الكمياء الساحرة ! اتسعت دائرة بحثه لتشمل كل فتيات الحي و المدينة ، حتى المعلمة التي تدرس لأخيه الصغير والطبيبة التي عالجت والدته المريضة ، وابنة الحاج عبد القادر صديق والده التي التقاها أكثر من مرة وهي تبالغ في التودد إليه… كل هؤلاء لم يحركن في نفسه شيئا ، شعر بالملل وأيضا بالخوف ، الخوف من أن يكون خللا ما يمنع حدوث هذه المعادلة البيولوجية الكميائية داخل جسمه !

استهزأ من فكرة الذهاب إلى الطبيب ، شعر أنها فكرة بلهاء لا تستحق حتى مجرد المناقشة ، استغرب كيف ذهب به خياله إلى حد هذه الفكرة الحمقاء لكن مع الوقت أخذت الفكرة تنضج وتكبر أكثر فأصبح يعتزم بجد زيارة الطبيب ، لكن ترى أي تخصص يناسب مرضه ؟ هل طبيب نفسي أم اختصاصي في الرأس والدماغ أو الغدد أو الأعصاب ؟ ترى نقص في كمياء الحب يدخل ضمن أي فرع من فروع الطب ؟

في المساء وهو عائد من العمل شاهد فتاة تدخل إلى منزل قرب منزله ، صدفة التقت عينه ببريق عينيها فحدث ما يشبه تلك الشرارة التي يحدثها عود الثقاب لحظة احتكاكه بعلبة الكبريت ، شعر وكأن الزمن توقف تلك اللحظة ، أحس بتغيير غريب داخله ، قلبه يدق اكثر ونشوة لذيذة وسعادة تخترقه ، انتبه لنفسه وقال بدهشة وفرح :

– لعل الكمياء اشتغلت أخيرا !

دخل منزله وأغلق عليه حجرته فوجد نفسه يقفز ويرقص ويكلم المرآة :

– أنا شخص سلييييم !

شعر بالتعب فاستلقى على ظهره يسترجع صورة فتاته التي هيجت كل هرمونات الحب النائمة …

وهم على مائدة العشاء كانت والدة زكرياء تحدث والده عن الجيران الجدد الذين حلوا بداية الشهر الفائت للسكن في المنزل الذي بجوار منزلهم ، شعر أن دقات قلبه تكاد تُسمع عندما بدأت والدته تحكي عن بنت الجيران سعاد وحسن تربيتها وجمالها ..

اذن اسمها سعاد ، أكيد والدته سوف تبارك هذا الزواج لو انه طلب منها ان تخطبها له لكنه لم يكن يريد أن يسلك هذا الطريق، يريد زواجا أكثر تحضرا ورومانسية ، كان يريد عندما يكبرا في السن (هو وسعاد) فيصيرا شيخين هرمين يتذكران بحنين وشغف قصة جميلة جمعتهما قبل الزواج .

عزم أن يقوم بخطوة شجاعة، ويكلمها ! مجرد التفكير في ذلك جعله يرتبك ويتصبب عرقا ، لماذا لا يفكر في حل آخر ؟ تذكر صديقه خالد عندما كان يأتي عنده ليكتب له رسائل غرامية في منتهى الرقة والرومانسية لماذا لا يكتب هذه المرة لنفسه وليس لصديقه خالد، أعجبته الفكرة وان كانت قديمة ومتجاوزة لكنها الحل الأمثل له !

كتب رسالة رقيقة جدا أفضل بكثير مما كان يكتب لصديقه خالد ، عبر فيها عن اعجابه ورغبته التقدم لخطبتها ، وضع الرسالة في جيبه وخرج قرب المنزل ينتظرها، رآها فجأة تقترب ، درجة انفعاله و ترقبه وصلت إلى الحد الأقصى حاول اللحاق بها لكنه لم يجرء أن يقترب منها لم يجد الشجاعة لذلك !

حاول في اليوم الموالي لكنه لم يتمكن كانت شجاعته تخونه في آخر لحظة !

في اليوم الثالت كانت سعاد رفقة أختها ، شعر زكرياء بخيبة أمل كبيرة لكنه فجأة ابتسم كأنه وجد حلا لورطته تذكر حيلة سمعها مرة من صديقه خالد كان يسميها حيلة ” مرسول الحب ” ! بسرعة نادى على أخيه الصغير أيوب ذو السنوات الخمس ضمه إليه بحنان زائد وناوله قطعة شكولا ثم طلب منه أن يوصل الرسالة لبنت الجيران ، فرح أيوب بالشكولا وبالمهمة التي كُلف بها ، لم يجد أي حرج في الدخول لبيت الجيران بينما بقي زكرياء ينتظر عودته بفارغ الصبر !

عاد أيوب وهو يحمل قطعة شكولا ثانية ، أخذ زكرياء يستجوبه بدقة ويحته أن يحكي كل التفاصيل …. شعر زكرياء بسعادة كبيرة عندما علم أنها قرأت رسالته

أراد زكرياء أن يتقدم خطوة أخرى أكثر جرأة فكتب لها يسألها عن هاتفها

لم يعد يكتب الرسائل أصبح يحدثها في الهاتف ، كان حديثه مختصرا وخجولا جدا لكن مع ذلك شعر وكأنه حقق أمرا عظيما ، كان فخورا بنفسه وجرأته !

أراد مرة أخرى أن يتقدم خطوة حاسمة في تاريخ علاقته بها ، لقد فكر أن يطلب صورتها ! لكنه كان يخشى أن يكون بطلبه هذا قد جاوز كل حدود اللياقة والأدب ، خشي أن جرأته قد تغضبها وتكون سببا في انهاء هذه العلاقة الجميلة وهي مازلت في مراحلها الأولى !

لكن المرأة من طبيعتها يعجبها الرجل الخشن ،الشجاع والجريء هكذا سمع مرة من صديقه خالد !

أخذ هاتفه وبعد أن بلع ريقه قال بصوت رخيم :

– أرجوكِ لا تسيء الظن بي

سكت قليلا وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، استجمع كل شجاعته وقال :

– ممكن صورتك ؟ أعاهدك أن لا يراها أحد…

قاطعته ضحكة سعاد فقالت متسائلة :

– صورتي ؟ كانت قد أخذتها والدتك الأسبوع الماضي وعلى ظهرها عنوان صفحتي في الفايس البوك هناك كل صوري من يوم مولدي إلى آخر صورة أخذتها هذا الصباح !

جَسدٌ  يُجيدُ  الحِواراتِ  الصَامتَة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن