الفصل التاسع

6.9K 181 3
                                    

أغلق الهاتف ليجد زوجته أمامه تنظر إليه بعتب ، تنهد بضيق وقال بهدوء : ماذا تريدين إحسان ؟
لماذا لم تخبر ليلى أن أخاها يتصل كل يوم لأجلها ؟ ولماذا لم تخبرها أن والدتها أتت أكثر من مرة في الماضي لرؤيتها وأنت منعتها ؟
قال بلهجة حادة : إحسان لا تتدخلي في هذا الأمر من فضلك.
اتسعت عيناها بدهشة : المرأة ستموت كامل ، وتريد أن ترى ابنتها قبل أن تتوفاها المنية ، وأنت تعاقبها على ما حدث بينكما في الماضي! 
نظر لها بدهشة واصفر وجهه وقال بارتباك : ماذا تقولين ؟ من أين أتيت بهذا الكلام الفارغ ؟
نظرت له بقوة : أنا اعلم كل شيء كامل ، كل شيء ،ليس لأني لم أتحدث معك ولم أعاتبك على ما فعلته من قبل ، معناه أني غافلة عما حدث ، لا ولكني لم أشأ أن أعكر صفو حياتنا وخاصة أن الأمر لم يتم كما أردته يا سيادة المستشار .
نظر لها بقوة : لآخر مرة أقول لك إحسان لا تتدخلي بهذا الأمر ، ولتعلمي لن أسمح لك بإيذاء ليلى .
ابتسمت بخفة : أتساءل من منهما تهمك أكثر ماجدة أم ليلى ؟
صرخ بحدة : إحسان.
نظرت له بحدة ، ورفعت رأسها بكبرياء وتركت له المكتب وانصرفت من أمامه بغرور كعادتها ، لينهار هو جالسًا ويتذكر ما مضى ليؤنب نفسه على ما حدث
***   
أعلنت مجموعة الأجراس عن وصول أحد إلي الجاليري لترفع نظرها عن كشوف الحسابات التي أمامها لتراه واقفًا بطلته الشقية : مساء الخير يا صديقتي العزيزة .
دق قلبها بفرح لرؤيته فابتسمت ثم نهرت نفسها ونهرت قلبها ألا يخفق من أجله ،اتسعت ابتسامته وهو يتقدم إليها : اشتقت لرؤيتك يا عزيزتي ، كيف حالك ؟
__الحمد لله ، كيف حالك أنت ؟ وكيف لبنان معك ؟
__ إنها بلد جميلة جدًا ، هيا اخبريني عما كنت تريدين أن تخبريني عنه عندما اتصلت بك من المطار، أم أخبرك أنا أولاً عما أردت أن أخبرك به وأتيت إلي هنا رأسًا من المطار بخصوصه ؟!
ابتسمت وقالت بتوتر : تفضل ، آت بما عندك .
هز رأسه وابتسم بشقاوة : لا ،سأستخدم القاعدة الشهيرة النساء أولًا ، تفضلي
ابتسمت بتوتر : أريد أن ادعوك لخطبتي.
جمد وجهه وصمت وهو يتساءل هل ما سمعه صحيح ؟ لينظر إليها بعينين خاليتين من التعبير لتنطلق ضحكته مجلجلة بالمكان ،رفعت حاجبها وعيناها تسأله عن سبب ضحكه بتلك الطريقة .
ليكتم ضحكته بصعوبة وقال بلهجة عبثية : حقًا ؟! متى ؟
قالت بنبرة حادة إلي حد ما : علام تضحك وليد ؟
__المعذرة ، لم أقصد ولكني لم أتخيل أبدًا أنك ستخبرينني بشيء كهذا .
لمع الغضب بعينيها : لماذا ألست كسائر الفتيات ؟
__بل أنتِ أميرة الفتيات ،صمت ليسأل بجدية : إذن الأمر جديًا .
رفعت رأسها بترفع : نعم
شحب وجهه فجأة ليقول بنبرة باردة : مبارك ياسمين .
ابتسمت لينظر إليها ويقول بهدوء : هل أنت سعيدة ؟
اتسعت ابتسامتها : بالطبع ، أنا اقضي أجمل أيام حياتي .
رمش بعينيه ليقول بألم تحكم أن لا يظهر في صوته : من سعيد الحظ ؟
قالت بتلقائية وكأنها اعتادت أن تنطق الاسم من نعومة أظافرها : هشام .
اختلجت عضلة صدغه بطريقة لا إرادية وقال بنبرة قوية : لماذا لم تخبريني عنه من قبل ؟
نظرت له بدهشة : لأن لم يكن بيننا شيء من قبل
قال بحدة : و الآن ؟
قالت بلهجة عبثية والشقاوة تلمع بعينيها : يوجد الكثير .
أردفت دون أن تلاحظ أن وجهه أصبح شاحبًا كالأموات : هيا أخبرني بما تريد أن تخبرني به .
فتح فمه ليطبقه مرة أخرى وتنهد ليقول : كيف أمضيت يوم الجمعة ؟
ردت سريعًا كاذبة وهي لا تعلم ما الذي دفعها للكذب : أمضيته برفقة هشام  ، ذهبنا إلي السينما فنحن الاثنان ذوقنا واحد في الأبطال ، لقد وجدت أشياء كثيرة بيننا مشتركة .
ابتسم والألم يتصاعد بداخله : مبارك يا صغيرتي.
وأنت ، ماذا فعلت في رحلتك ؟
ابتسم وهو يشيح بنظره بعيدا عنها هل سيخبرها بأنه كان أسبوع في الجحيم ، لم يقضي لحظة مفرحة به ، ويوم الجمعة كان أسوء جمعة قضاها بحياته ،كان أسبوع خالي وبارد وأنه لم يستطع أن يعبث مع الفتيات كما اعتاد لأنه كلما أغمض عيناه رآها أمامه وكلما نظر في اتجاه رآها أمامه ، كان يحلم بها في منامه وفي استيقاظه أيضًا ، ولكنه لن يستطيع أن يخبرها بكل هذا فالحاجز بينهما ارتفع إلي السماء ولن يستطيع القفز من فوقه .قال بهدوء وهو يكذب ببراعة كعادته : أنتِ تعلمين لبنان مليئة بالفتيات الحسناوات.
ابتسمت بسخرية : كالمتوقع دائمًا .
ابتسم باتساع : نعم ، كالمتوقع دائمًا .
نظر لها وهو يشعر أنها المرة الأخيرة التي سيراها بها لتقول بهدوء : ستأتي للخطبة ، أليس كذلك ؟
قال بسعادة : طبعا ، هل أستطيع أن لا أحضر خطبة صديقتي الصغيرة ؟
تشاغل بالنظر إلي بعض المعروضات : متى الخطبة ياسمين ؟
تنحنحت : يوم الجمعة بإذن الله
التفت إليها بحدة : أية جمعة ؟!
ابتسمت بتوتر : الجمعة القادمة ، بعد يومان .
اصفر وجهه بشده وشعر انه يريد أن يصرخ بها بأنه يحبها وأن لا تتركه ،ليعم الصمت عليه وينتبه من بين أفكاره على صوت الأجراس يعلن عن قدوم أحدًا ويشعر بالغل يتصاعد بداخله وهو يسمع صوت الشخص القادم وهو يقول: ياسمين حبيبتي ، هل أنت مستعدة ؟
***
يدور بالحديقة وهو يشعر بالضيق ، اليوم هو اليوم الرابع على التوالي وهي لم تحضر، يشعر بالقلق عليها ، لا يعلم سر غيابها ويريد أن يستفسر ولكنه لن يستطيع ولا يريد أن يقتنع أنها تركت العمل من اجل ما فعله معها آخر مرة كانت هنا ،سأل "احمد" و "هنا" عن سبب غيابها  ولكنهما ردا عليه أنهما لا يعلمان غير أن الأستاذة بإجازة وستعود الأسبوع القادم.يشعر بأنه سيفقد عقله كلما فكر بأنه لم يراها منذ أربعة أيام ، زفر بضيق وتأفف عندما وجد خالد أمامه ،خالد الذي ابتسم وكأنه يعلم سر ضيقه وغضبه هذه الأيام اقترب منه بهدوء : ما بك يا عبده ؟ تتشاجر مع الفراشات في الحديقة .
زفر وقال بقوة : لا شيء يا بك ،ضائق ليس إلا .
ابتسم خالد ونظر إلي ما وراءه باهتمام ليقول بهدوء : ليلى.
انتفض من سماعه لاسمها وظن أن خالد يتلاعب به وخاصة أن الوقت تجاوز الرابعة عصرًا ، لينظر إلي خالد بحده فيقول الأخر بصدق وكأنه فهم ما تعني نظراته : ليلى قادمة .
لف سريعًا ليراها بالفعل آتيه نحوهما وتبتسم ابتسامتها الرقيقة التي تجعل قلبه يخفق بشدة معلنًا العصيان عليه  .
اقتربت منهم في هدوء وهي تبتسم وتكرر بداخلها  لا تنظري إليه ليلى ، أنه غير موجود ، لا تنظري إليه فقط لا تنظري إليه .رسمت الابتسامة على شفتيها وهي تتقدم باتجاه خالد وقالت بمرح : مرحبًا خالد ، كيف حالك ؟
ابتسم خالد : بخير ، كيف حالك ليلى .
ابتسمت : بخير الحمد لله ، عمي موجود ؟
ارتبك خالد وهو ينقل نظره بينها وبين عبد الرحمن الذي لم تلتفت له مطلقًا وكأنه غير موجود بجانبه لينظر إليها : نعم ، لقد عاد يوم الجمعة بعد أن انصرفتِ.
اتسعت ابتسامتها : حسنا ، أريد أن أراه .
نظر خالد لعبد الرحمن الذي لمع الغضب بعينيه وهو يشير إليها أن تتقدمه وقال بابتسامه : تفضلي .
اتسعت عيناه والغضب يعلو بداخله وهو يراها تسير برفقة خالد إلي داخل الفيلا دون أن تنطق معه بحرف واحد ، نظر حوله ليتأكد بأنه موجود وأنه لا يتخيل ما حدث ، ليشتم بسخط ويقول بقهر : حسنًا ليلى ، سنرى .
خطت بداخل الفيلا بتوتر لتبتسم عندما سمعت صوت سيادة السفير الحنون وهو يعلو مرحبا بها : مرحبًا بنيتي ، اشتقنا إليك .
تقدمت نحوه لتصافحه بحب : حمد لله على سلامتك عمو ، كيف حالك ؟
ابتسم : نحن بخير والحمد لله ، كيف حالك وحال العروس الغالية .
اتسعت ابتسامة ليلى : نحن بخير والعروس بأفضل حال الحمد لله.
ردد بحنان : الحمد لله .
مدت يدها له بظرف وردي اللون : تفضل عمي ، إنها دعوة لحضور الخطبة ،أتيت لأوصلها لسيادتك ، تفضل .
أخذ الدعوة منها وهو يبتسم : العقبى لك يا صغيرتي .
ابتسمت بخجل وهي تنهض : اسمح لي يا عمو فأنا لا بد أن أذهب للمنزل لملاقاة ياسمين ، فأمامنا أشياء كثيرة علينا إنجازها .
نهض الرجل الوقور ليصافحها : متى ستنيرين بيتنا ثانية؟
__إن شاء الله بعد الخطبة مباشرة ، يوم السبت القادم ، اتفقت مع منال على ذلك.
__يتمم الله لهما على الخير .
خرجت من الغرفة برفقة السفير لتجد خالد يبتسم لها : منال ستأتي حالاً.
هزت رأسها بابتسامة ليقول السفير : عبد الرحمن سيوصلك ليلى ، ولا أريد سماع اعتراضات .
كتم خالد ابتسامته وهي رفت بعينيها لتبتسم بتوتر : إن شاء الله عمو .
لتتسع ابتسامتها وهي ترى منال آتيه نحوها : مرحبًا بالخائنة .
احتضنتها بحب : مرحبًا بك حبيبتي ، كيف حالك ؟
__تريدين معرفة كيف حالي ، كنت اتصلت لتسألي عن حالي .
ضحكت ليلى : أنت تعلمين أني غير متفرغة بسبب خطبة ياسمين .
ابتسمت منال : يتمم الله لها على الخير ، والعقبى لك أنت الأخرى.
ابتسمت بخجل ، وناولتها مظروف وردي : هذه دعوة مخصوص باسمك وباسم خالد بك ، مني أنا شخصيًا .
__تسلمين ليلى ، شكرًا عزيزتي.
نهضت : سأنتظرك منال
نظرت إلي خالد الواقف بجوار النافذة : أكيد سنأتي.
نظرت ليلى حولها : أين أحمد وهنا ؟
__يبدلان ملابسهما فخالد وعدهما بالذهاب إلي السينما .
__وقت سعيد بإذن الله ، سأنصرف أنا أبلغيهما سلامي . 
__إن شاء الله ، موعدنا السبت.
ردت ليلى وهي تخرج من الباب : بإذن الله .
ابتسمت لتسرع بخطواتها لتزفر بضيق وهي تراه أمامها يسد باب الفيلا بالسيارة وواقف متكئ عليها بجزعه وينظر إليها بنظرة باردة ، جعلت القشعريرة تسري بجسدها .
***

بعد انصراف ليلى نظرت إلي الظل العاكس في زجاج الشرفة للساكن أمامها وينظر إلي الخارج كأنه ينتظر أحدًا قادم ، عقدت حاجبيها وهي ترى ابتسامته الجميلة تتألق على شفتيه ويلمع الخبث بعينيه ، رفرف جناحي قلبها لرؤية اللون الأزرق بعينيه يلمع، لتبتسم رغمًا عنها ، ثم تؤنب نفسها وتسكت رفرفة قلبها لتقول بصوت جامد : خالد .
رفع حاجبيه باندهاش لسماع اسمه من بين شفتيها ، فهي لا تتكلم معه منذ آخر مرة تكلما معًا بالحديقة ، بل تتجاهله كليًا  ، قال بهدوء وهو ينظر إليها عبر زجاج الشرفة : نعم .
عقدت حاجبيها لتقول بهدوء : أريد أن أتحدث معك بأمر هام .
ضحك ضحكة قصيرة ساخرة : ستتكرمين وتتنازلي وتتكلمي معي ، يا للهول .
التفتت حولها بتوتر من  سماع أحدًا آخر للحوار الذي يدور بينهما لتقول بتوتر: سأنتظرك بغرفتي ، لا تتأخر لو سمحت .
رفع حاجباه بدهشة وزم شفتيه بغضب وهو يراقبها وهي تصعد إلي الدور العلوي ليتمتم بحنق : ماذا تريدين منال ؟ماذا تريدين ؟
***
اصفر وجهه بشده وشعر أنه يريد أن يصرخ بها بأنه يحبها وأن لا تتركه ليعم الصمت عليه وينتبه من بين أفكاره على صوت الأجراس يعلن عن قدوم أحدًا ويشعر بالغل يتصاعد بداخله وهو يسمع صوت الشخص القادم وهو يقول: ياسمين حبيبتي ، هل أنت مستعدة ؟
نظر إليه في حده ليتقدم ذلك الضخم وهو يبتسم بهدوء ويصافح ياسمين بود كما اعتاد ويلتفت إليه وهو يرفع حاجبيه بدهشة : حمد لله على سلامتك ، عدت من لبنان ،عقد حاجبيه بدهشة ، ليكمل هشام مفسرًا - ياسمين أخبرتني .
ابتسم وليد بتوتر: الله يسلمك ، أردف بنبرة قوية - مبروك الخطبة .
اتسعت ابتسامة هشام وهو يقترب أكثر من ياسمين ويحتضن أناملها بكفه : الله يبارك فيك ، العقبى لك إن شاء الله .
أتت آخر جملته بنبرة تحمل شيئًا من السخرية لينظر إليه وليد غاضبًا فينظر إليه الأخر بشيء من السخرية ، أشاح وليد بعينيه بعيدًا عنه ليقول لياسمين : ألن تعطيني اللوحة ياسمين ؟
ضيق هشام عيناه وهو ينظر إلي اللوحة التي أشار إليها وليد ، لتقول ياسمين بهدوء : إذا قررت أن أبيعها سأتصل بك وأعطيها لك .
هز رأسه وابتسم ليقول بهدوء : سأنصرف.
__انتظر ، سآتي لك بدعوتك .
ذهبت إلي داخل الغرفة التي تستعملها كمرسم لها لتأتي بالدعوة ليقف هو معطيا ظهره إلي هذا الـ هشام  وتشاغل بالنظر إلي اللوحة ليقول هشام بهدوء: هل تعجبك اللوحة إلي هذا الحد ؟
قال بقوة : نعم ، أنا أعلم عنها كل شيء وعن طريقة رسمها وعن الظروف التي دفعت ياسمين لرسمها .
ابتسم هشام بهدوء : حقا ، لم تخبرني ياسمين إلى الآن ، ولكنها من المؤكد ستخبرني في يوم من الأيام ، مبروك عليك اللوحة .
قال وليد بضيق وهو ينظر إليه : ألست غاضبًا لأنني سآخذ اللوحة ؟
ابتسم ببرود مغيظ : لا ، لأن معي الأصل .
شعر وليد بقلبه يتمزق لينظر إلي اللوحة وقال بهدوء مخالفا لما يشعر به داخليًا وهو ينظر إلي اللوحة : هل تحبها ؟
جمد وجه هشام وقال بهدوء وهو يعلم مقصده من السؤال جيدًا : ليس مثلك .
اختلجت عضلة صدغ وليد ليرمش بعينيه بعد أن تأكد أن هشام فهم ما رمي إليه وأنه يقصد ياسمين بإجابته ،ليقول بهدوء : هل ستحافظ عليها ؟
ابتسم هشام وقال بثقة : أكثر مما فعلت أنت .
لمعت الدموع بعينيه وهو يشعر بالألم يمزق قلبه ليبتسم وهو يرى ياسمين قادمة تبتسم لتناوله ظرف وردي اللون : تفضل ، ستأتي أليس كذلك ؟
ابتسم وقال : سأحاول أنت تعلمين أن موعد برنامجي يوم الجمعة ولكني سآتي لأراك وأنت عروس ، لن أضيع هذه الفرصة أبدًا.
قال هشام بقوة : سننتظرك .
نظر إليه وابتسم : إن شاء الله ، سلام
لوح لهم مغادرًا لينظر هشام إلي ياسمين فيجدها عادت إلي مكتبها وجلست مكانها ،سأل بغموض : لماذا أشعر أن وليد ضائق من شيء ما ؟
نظرت إليه وعقدت حاجبيها ورددت بدهشة : ضائق !!
هزت رأسها بعدم فهم : لا أعلم كان يبدو طبيعيًا .
ابتسم بهدوء لتكمل : من الممكن أنه يشعر بالتعب من الرحلة .
اتسعت ابتسامته وهو ينظر إليها بتمعن لتقول له بصوت مميز : هشام.
انطلقت ضحكته وهو يرى وجنتاها تحمر لتكمل : طلبت منك أكثر من مرة أن تكف عن النظر إلي بتلك الطريقة ، أشعر بالتوتر وانك تحقق معي .
اقترب ليجلس أمامها على المكتب ويتناول يدها بين كفيه : لا والله ،لا تحقيق ولا شيء، وهل أجرؤ على التحقيق معك ؟ أنا أسألك بصورة طبيعية ،ثم كيف استطيع أن أمنع نفسي من النظر لجمالك وحسنك .
سحبت يدها من يديه وقالت بهدوء : هشام أرجوك نحن بالجاليري وهذا غير لائق .
هز رأسه بتفهم : حسنا ،هيا لنذهب
هزت رأسها نافية : لا أنا أخبرتك أني لن أستطيع تناول الغداء معك أريد مراجعة تلك الحسابات
قال برجاء : ياسمين ، اتركي ما تفعليه وتعالي معي .
__ليس الآن ، أريد أن أعود للمنزل فليلى تنتظرني لنذهب ونعثر لها على فستان تحضر به خطبتي.
لوى شفتيه بغضب لتبتسم وتقول : لا تصير كالأطفال
أشاح بوجهه : تحافظين على شعور ليلى ورغباتها وأنا لا قيمة لي .
قالت بهدوء : لا تغضب هشام ولكني أخبرتك من قبل أن تأتي .
نظر لها ولمع الخبث بعينيه : إذن صالحيني.
نظرت له باستفهام فمد لها خده ، لتدفعه من على المكتب وهي تقول بحدة:هشام يا منصوري ، اخرج من الجاليري الآن .
تعالت ضحكته وهو ينهض واقفًا فدفعتها له لم تؤثر به قيد أنمله: حسنًا ، اهدئي لا تغضبي ، امزح معك
أردف بنبرة جدية : ولكن أريد الحديث معك بأمر هام جدًا .
قالت بهدوء : اتركه إلى ما بعد الخطبة هشام ، لا أريد معرفة أي شيء الآن.
__أنه أمر هام يجب أن تعلميه ياسمين .
هزت رأسها نافية : يخص شيء حدث قبل أن تلتقيني أليس كذلك ؟
هز رأسه بالإيجاب لتردف : لا أريد أن أعرف أي شيء ، اتركه إلي ما بعد الخطبة، صدقني لن يغير من الأمر شيء .
ابتسم بهدوء ليمد يده ويحتضن كفها بكفيه ويرفعه إلي شفتيه ليلثمه برقة ثم ينظر إلي عينيها : أتمنى أن يتمم لنا الله على خير ، فالسعادة التي أشعر بها الآن لم أشعر بها من قبل .
ابتسمت ووجنتاها تشتعل من رقته معها : إن شاء الله هشام .
__حسنا ، سأنصرف الآن وأراك في وقت لاحق.
ابتسمت وهي تنهض لتوصله إلي باب الجاليري نظر إليها وابتسم : إذا احتجت شيئًا لا تتردي ياسمين وأخبريني فورًا
ابتسمت : لا تقلق ، سلام.
أشار لها مودعا لتغلق الباب وتذهب لتجلس إلي مكتبها وتنظر بشرود إلي لوحة الفن التجريدي وتدمع عيناها ثم تنساب دموعها في صمت .
***
يقود سيارته وهو يئن من الألم ، ينهر نفسه ألا يبكي من أجلها كيف لا يبكي من أجل حلم حياته الذي لن يصل إليه أبدا ، اغرورقت عيناه أكثر من مرة وامتلأت بدموعه التي أبت أن تسقط ، وتريح روحة المتألمة ضغط على المقود بقوة وهو يصرخ بألم : اه
خرجت من صدره قوية جريحة متألمة ، ترددت كلمات هشام بأذنيه وصوته القوي وهو يقول " ليس مثلك " ونبرة الثقة التي اغتالت قلبه وهو يرد عليه" أكثر مما فعلت أنت  " ليصرخ صرخة أخرى أشد قوة وتخرج مغلفة بالقهر والألم والعجز ، نعم هو عاجز  ، عاجز أن يخبرها بأنه يحبها ، يحبها هي دون غيرها .وما كان يفعله أمامها كان لتشتيت انتباها عن حقيقة مشاعره تجاهها 
لن يتركها لذلك اللزج مهما حدث ، اتخذ قراره ليدور بسيارته في أول منعطف عائدًا إليها ، وهو مصمم أن يخبرها بمشاعره تجاهها ، ليس خائفًا أن يخسرها الآن ، فهي لم تكن بحوزته من الأصل ليخسرها ، سيفوز بها مهما حدث .
***
رآها وهي خارجة من باب الفيلا بتنورتها الواسعة بلونها الأزرق الهادئ و قميصها الأبيض القصير ،ضيق إلي حد ما ولكن لونه الأبيض يضفي إليها سحرًا جميلا ترتدي نظارتها الشمسية التي تلتهم نصف وجهها وتخفي عنه عينيها الجميلتين وحجابها بتدرجاته الزرقاء ، كم يحب اللون الأزرق ولكنه عليها مختلف يجعل قلبه يخفق بشدة .
شتم نفسه بحنق وهو يحدث نفسه بم تفكر أيها الأحمق ، إنها تستحق عقابًا قاسيًا على تجاهلها لك بتلك الطريقة وعقابا آخرًا على ابتسامتها التي خصت خالد بها، لكني لن أستطيع معاقبتها فهي أميرتي الجميلة ، فكل ما أريده هو رضاها ،فقط رضاها .
نظر لها ببرود وتقدم ليفتح لها باب السيارة وانتظر بصمت إلي أن ركبت واستقرت بمكانها ليغلق الباب عليها ويلف ليجلس بمكانه ويدير السيارة وينطلق بها بهدوء .
نظرته الباردة جمدتها ، صمته المطبق أفزعها ، طريقة تحركه الهادئة أشعرتها بأنه يخطط لشيء ما وينتظره ، ازدردت ريقها وهي ترى السيارة تنحرف في شارع مختلف عن طريقهما اليومي لتقول بتوتر : أين أنت ذاهب ؟
نظر لها في المرآة ولم يجبها ، ليظهر الهلع على وجهها وتقول شبه صارخة : أوقف السيارة الآن ، الآن.
ابتسم بدهشة وقال بهدوء : هل أنت مجنونة ؟
لمع الغضب بعينيها ليردف بسخرية : لم كل هذا الهلع يا آنسة ؟ هل سأختطفك ونحن بوسط البلد والساعة الخامسة عصرًا ، هل السيارة تتحرك من مكانها أصلاً ؟
احمر وجهها ضيقًا وخجلاً لتشيح بنظرها عنه ليردف بنبرة هادئة : ثم هل أنا مجنون لاختطف آنسة جميلة من عائلة راقية مثلك عمها مستشار وصديق لرب عملي الذي يستطيع أن يأتي بي من تحت الأرض .
قالت بحنق : خلاص انتهينا ، لم أقُل أنك ستختطفني ، ولكني فوجئت بأنك تتخذ طريقا آخر عما اعتدنا عليه .
قال بضيق : نعم ، نحن الآن بوقت الذروة والأزمة المرورية على أشدها ولذلك قررت أن اتخذ طريقًا جانبيًا ولكن للأسف الطريق الجانبي مزدحم أيضًا والسيارات لا تتحرك، ماذا أفعل الآن ، آتي لسيادتك بنفاثة لتوصلك إلي بيتك أم أحملك على عنقي وأمشي بك ؟!
نظرت له بغضب ليقول بهدوء وابتسامته الساخرة تلمع على شفتيه : أفضل الحل الثاني.
صاحت بضيق : عبد الرحمن ، احترم نفسك .
نظر إليها بوعيد لترتعد من نظرته ليقول بسخرية : لم أنت خائفة ، هل فعلت شيء يغضبني لتشعري أني سأنتقم منك ؟
قالت بقوة اصطنعتها : لا يهمني إن كنت غاضب أم لا .
ابتسم وهو يرى رعشة يديها : أنا يهمني أن أعلم إذا كنت غاضبة أم لا .
كشرت بضيق ليبتسم ويرفع حاجباه ويناديها برقة : ليلى
احمر وجهها خجلاً وهي تتذكر نبرته الرقيقة وهو يقول لها القصيدة لتنظر من النافذة ليهمس بنبرة أكثر رقة : ليلى ، ازداد احمرار خديها ليقول بهدوء - لا تجبريني أن آتي وأجلس بجانبك لأجبرك على التحدث إلي .
نظرت له بدهشة ليبتسم ويقول وهو ينظر إليها من المرآة الأمامية :لا تنظري لي بتلك الطريقة ، أخبريني هل أنت غاضبة مني ؟
صاحت بغضب : نعم ، أخبرتك أني لا أحب المزاح الثقيل وأنت صممت أن تمزح معي. 
قال بنبرة قوية هادئة : لم أكن أمزح ، أخبرتك أني لم أكن أمزح قلت ما شعرت به نحوك .
احتقن وجهها بشدة وازداد احمرارا لدرجة أنها شعرت أنها تريد بعض من الهواء البارد ليخفف من حدة الحرارة التي تشعر بها . عض شفته بقوة وهو ينظر إلي وجهها وهو محمر بطريقة فتنته ، انتبه على صوت بوق إحدى السيارات خلفه تطالبه بالتحرك، ليدير السيارة ويتحرك بها بهدوء ، أوصلها إلي بيتها ليقول بهدوء قبل أن تنزل من السيارة : هل ستأتي غدًا؟
تلعثمت لتكح برقة وتقول بصوت خافت : أنا في إجازة من أجل خطبة ابنة عمي.
هز رأسه بتفهم لتكمل بصوت ابح : آسفة للطريقة غير اللائقة التي تعاملت بها معك اليوم كنت غاضبة منك بسبب مزاحك.
ابتسم بخفة : والآن ؟
نظرت له لتقول بقوة : غاضبة أكثر من ذي قبل ، لأني لا أقبل منك أن تتعامل معي هكذا.
جلجلت ضحكته لتملأ محيط السيارة ويجبرها على الابتسام سيطر على موجة الضحك التي انتابته قليلا ليقول بخفة : أعتذر عما أغضبك يا أستاذة ، ولكني لا أعتذر عما قلته لك ، لأن ما قلته صحيحًا .
ابتسمت بخجل ليقول بهدوء : مبروك لقريبتك والعقبى لي و لك .
قالت بخجل وهي تفتح باب السيارة لتنزل منها : الله يبارك فيك .
ظل ينظر إليها إلي أن اختفت من أمام عيناه ، ليتنهد  كم أتمنى أن تفهمي ليلى وتدركي الظروف ، لا أستطيع منع نفسي عن الشعور بحبك وأنت بجانبي ، ولا أستطيع أن أفهمك الآن حقيقة الأمر ، كل ما أتمناه أن تتفهمي بالمستقبل .
***
يقود سيارته وهو يبتسم ابتسامة واسعة متألقة تزين شفتيه وتعكس سعادته فهو سعيد للنخاع لأن ياسمين أثبتت له صحة توقعه ، فهي لا تهتم بوليد ، وليد بالنسبة إليها مجرد صديق كما أخبرته من قبل ، فليس من الممكن أن تكون مغرمة به أو تكن له شعور أخر غير الصداقة ولا تنتبه إلي القهر الذي كان يطل من عينيه اليوم والألم الظاهر جليًا على وجهه ، شعر بالشفقة نحوه وأنب نفسه على لؤمه معه في الحديث وأنه قصد أن يوجعه بهذا الشكل ، ولكنه قصد أن يفهمه أن ياسمين أصبحت ذكريات بالنسبة له ، لقد كان واضحًا عليه الألم ونظرات الوداع تلوح بعينيه إلي ياسمين ، ما لا يفهمه إلي الآن لماذا لم يخبر ياسمين ويرتبط بها ، لمعت عيناه وهو يفكر بأن من المؤكد إن ياسمين رفضته
كم كانت جميلة اليوم بفستانها الصيفي الأزرق اللون  ذو الكمين الحريريين الساقطان من كتفيها ، كم أراد أن يضمها إلي صدره عندما أخبرته أنها لم تلاحظ الضيق الظاهر على وليد ، كانت صادقة فعيناها شفافيتين لدرجة أن روحها تطل منهما .
قرر أن يقف على جانب الطريق ويمر على مقهى مشهور ليأخذ منه كوب من القهوة قبل أن يذهب ليأتي ببدلة خطبته ، صف سيارته ليتجه إلي المقهى وهو مبتسم ويفتح الباب لتتجمد الابتسامة على شفتيه وعيناه تتسع من المرأة التي وجدها بوجهه ، ليقول بخفوت : هنادي .
***
صعد خلفها بخطوات بطيئة هادئة ، ليدخل إلي الغرفة بهدوء كعادته ويقول بنبرة محملة بسخرية : نعم ، سيادتك طلبت مني أن اتبعك ، ها أنا ذا .
نظرت له بقوة لتقول : اجلس من فضلك خالد .
نظر لها وابتسامته الساخرة تلمع على شفتيه : هل استعرت روح والدتك لتتكلمي معي ؟
نظرت له بدهشة ليقول بضحكة خفيفة : تذكرتها عندما تريدني بشيء ، تتكلم معي مثلما فعلتي الآن .
ظهر على وجهها الغضب لتقول بحدة : هلا كففت عن المزاح لو سمحت ؟!
نظر لها وقال ببرود : ماذا تريدين منال؟
قالت وهي تحاول على قدر المستطاع أن تخفي توترها : أريد أن أخبر الطفلين بحقيقة الأمر .
عقد حاجبيه ليقول بتعجب : أي أمر ؟!
ارتعشت يديها لتقول بنبرة منخفضة : أمرنا .
نظر لها مستفهما لتكمل بارتباك : أريد أن أخبرهما أنك لست والدهما .
عم الصمت قليلا عليهما ليمط هو شفتيه بلا مبالاة : من منعك من أن تخبريهما عن والدهما من الأساس .
نظرت له متفاجئة من رده لتقول : لم أشأ أن أُكدر صفو العلاقة بينكما .
ابتسم بهدوء : لا تبالي بأمر علاقتي معهما ، أخبريهما بما تريدي .
نظرت له بدهشة لينهض واقفًا : أي أوامر ثانية .
__إلى أين أنت ذاهب ؟
التفت إليها وهو يبتسم : هل تمارسين حقوقك الزوجية الآن ؟ وتسأليني عن ذهابي وعودتي وتلك الأمور .
احمر وجهها لتهز كتفيها بلا مبالاة : لا أسأل من باب الفضول .
__سأصحب الأولاد وتومي إلي السينما ، فأنا وعدتهم بذلك وخاصة تومي .
قالت بضيق : لا أفهم إصرارك على إرضاء تومي بتلك الطريقة .
قال بهدوء وهو لا يفهم سبب ضيقها : ولماذا لا أرضيها إذا كنت قادرًا على ذلك؟
نظرت إليه بغضب : اعتقد أن إرضائها لا يمثل لك شيء .
نظر لها متفحصا لتتسع عيناه ويتألق الجزل بهما وهو يقول بضحكة مكتومة : لا تخبريني انك تغارين من شقيقتك منال .
احتقن وجهها لتقول بدون تفكير : رأيتها وهي تقبلك .
نظر لها بدهشة وقال بهلع : تقبلني ، أين ومتى ، لم يحدث ذلك إطلاقًا .
ابتسمت وهي ترى الهلع مرتسم على وجهه : رأيتكما من النافذة .
زفر براحة : أنها قبلة أخوية منال .
نظرت له بقوة : هل ترضي أن أقبل أي من أقاربنا قبلة أخوية .
نظر لها وقال ببرود : ما دخلي بذلك الأمر منال ؟
نظرت له بصدمة وقالت بانفعال : أنت زوجي ومن المفترض.
قاطعها بقوة : أنت تعتبريني زوجك إذن .
ارتعدت من صرخته لتشعر بالارتباك من نظرته الحادة لترد بقوة : لا .
نظر لها والغضب يلمع بعينيه لتردف بغيظ أكبر : لا اعتبرك زوجي ، وأريد أن ننفصل
دهشت وهي ترى ابتسامته تتسع ، فهي توقعت ثورته كما يفعل دائمًا ولكنه أدهشها ليلجمها برده وهو يقول :لا مانع عندي من أمر الانفصال ذاك ، هكذا يتسنى لي أن أتزوج بواحدة أخرى تشعرني باني زوجها بالفعل .
بهت وجهها وانسحب اللون منه : والأولاد سأبقى أراعيهم كما اعتادوا .
قالت بخفوت : وأنا .
قال بلا مبالاة : إذا تريدين أن أطلقك لتتزوجي أو لتبقي على ذكرى باسم لا مانع لدي .
اتسعت عيناها لدرجة أنها شعرت بهما يؤلماها ، وقالت بحنق : أيها الكاذب الحقير ،أين أحببتك وحبك تعمق بقلبي ، كانت مجرد كلمات تتشدق بها المرة الماضية .
اقترب منها بهدوء وقال بألم : لا منال ، بل كنت صادق معك ومع نفسي ، ولكنك مستمرة في خداع نفسك بأنك لا تحبينني ، وتريدين إقناعي أيضًا بأنك لا تحبيني وأنا أرى الحب بعينيك ، كلما رأيت غضبك نحوي أشعر معه بحبك لي وكأنك تريدين معاقبتي لأني تركتك لباسم في أول الأمر .
احمرت أذناها وقالت بارتباك : ماذا تقول أنت ؟ بل أكره نفسي كلما نظرت نحوك ورأيت باسم بعينيك و أنت تخبرني عن موته ، أكرهك كلما أتذكر أنك من تسبب بموته.
قبض كفيه بقوة ووجهه يعكس كمية الغضب الذي تعتمل به : ما الذي جعلك تفكرين بأني السبب بقتل أخي ؟ أخبريني شيء واحدًا دفعك لذلك .
نظرت له وقالت بقوة والدموع تملئ عيناها : تنكر أن من قتله هو نفس الشخص الذي كان يبحث عنك ، ذلك الشخص الذي تصدى له باسم بدلاً عنك .
نظر لها بدهشة والتساؤلات تقفز من عينيه وقال بهدوء : شخص ، أي شخص؟ أخبريني منال بما تعرفيه من فضلك .
مسحت دموعها بظهر كفها وهي تقول باضطراب : جاء شخص ما وقابله باسم وسمعتهما وهما يتشاجران وبعدما انصرف ،سألت باسم عنه ، ولماذا يتشاجر معه؟ قال إنه يريدك أنت وأنك مدان له بأموال ولذلك هو غاضب ، وباسم تفاهم معه وأخبره أن ينصرف إلي أن تأتي .
صمت لدقيقة ليقول بهدوء : لم أكن مدان يومًا لأحد ، ثم لماذا تعتقدي أن هذا الشخص هو من قتل باسم ؟
شهقت بألم : لأنه أتى مرة أخرى وهدد بقتلك وقتله إذا لم يفعل ما طلبه منه .
لمعت عيناه : هل تستطيعين التعرف على ذلك الشخص منال إذا رايتيه ؟
__طبعًا ، ولكن لا أفهم ألا تعرف ذلك الشخص ؟
قال بضيق : لا طبعًا لأني لو أعرفه لكنت انتقمت منه على أنه قتل أخي ، لماذا لم تخبريني من قبل بهذا الأمر ؟
ثم نظر لها بغضب : وتلك القصة التافهة هي ما جعلتك تظني بأني السبب بمقتل أخي ، ولماذا لم يسدد هو الدين منال وأنقذ نفسه وأنقذني من هذا الشخص المجرم.
هزت رأسها بأنها لا تعلم ليقول بهدوء : القصة أكبر من ذلك منال ، أكبر من ذلك ، لا أعلم هل ستتحملين ما سأقوله أم لا ؟ وهل ستصدقين ما علمته أم لا ؟ ولكن في الحالتين لن أقول لك أي شيء الآن ، إلي أن أصل لذلك الكريه .
نظرت له بعدم فهم وقالت : لماذا تزوجتني خالد ؟ قلت لي أنك تزوجتني من أجل أسبابك الخاصة ، ومنذ أيام أخبرتني بأنك لم تكن تشعر نحوي بأية مشاعر إلا بعد انقضاء سنتين معا ، والآن تتكلم عن أسرار تخص باسم رحمة الله عليه ،اخبرني خالد، ماذا كان يجري من حولي ؟ اخبرني ، ثم هل ستتزوج من أخرى فعلاً ؟ أم أنك تهددني ليس إلا ؟
ابتسم وهو يرى انفعالها وارتعاش جسدها ليتنهد بحب ويقترب منها ويضمها إلي صدره : لا تقلقي كنت أهددك ليس إلا ، مع إنها فكرة جيدة في ظل ما تفعلينه معي
ابتعدت عنه بحنق ليقبلها بكتفها : لا تغضبي ، فأنا لن أستطيع إرضاؤك .
التفت له بحده : لماذا لا تستطيع إرضائي ؟
ابتسم بخبث : لأني مرتبط مع الأولاد بموعد السينما .
أغمضت عيناها قهرًا من تلاعبه بها ليكمل : هل تريديني أن أرضيك فعلاً ؟
هزت رأسها نافية ليتنهد ويقول بهمس : كاذبة ، أنا أشعر بذبذبات جسدك منال .
نهض واقفًا : ما رأيك أن تأتي معنا ؟
نظرت له بهدوء : هل ستنتظرونني ؟
ابتسم : بالطبع حبيبتي ارتدي ملابسك ، وأنا سأذهب لأرى الطفلين وتومي ، وسننتظرك بالأسفل .
هزت رأسها موافقة ليقترب منها ويطبع قبلة هادئة على جبينها ويقول بخفوت : انفضي الحزن والبؤس عنك منال ، وأعطي لنا فرصة جديدة بدون أشباح الماضي التي تخيم على رأسنا اسمحي لي بفرصة ثانية وستجدي أن ما برأسك ليس إلا أوهام .
نظرت له وهمت بالرد عليه ليضع أصابعه على شفتيها : خذي وقتك منال ،خذي وقتك
تركها وانصرف ، لتنظر في أثره وهي تشعر بالاضطراب مما قاله ، تشعر بوجود أسرار كثيرة بين التوأمين ، فباسم كثيرًا ما كان يتجنب أن يتحدث معها عن خالد ، ظنت في أول الأمر أنه يغار ولكنها شعرت بشيء أكبر من الغيرة وخاصة عندما أتى خالد إلي أمريكا ، كانت تشعر بالاضطراب بينهما ، الصمت الذي كان يخيم عليهما عند دخولها نظرات الغضب المشتعلة بينهما ، والأهم توتر باسم من وجود خالد معهم ، تنهدت وهي تفكر في خالد ، هل يستحق فرصة أخرى معها ، استمتعت إلي صوت خافت بداخلها وهو يقول : نعم يستحق ، بل أنت تستحقي فرصة أخرى وحياة جديدة معه ومع الطفلين
ذهبت بخطى بطيئة إلي دولاب الملابس لتفتحه وتنظر إلي ملابسها ووقع نظرها على فستان قطني بأكمام قصير طوله يتعدى الركبتين أهداه لها خالد بعد عيد  مولد الطفلين الخامس وبعد أن أصبحا زوجين بالفعل، ألوانه هادئة جميلة وملمسه يجعلها تتمنى أن يلامس جسدها ، قررت ارتداؤه على سبيل التغيير وتحت قرار أنها ستعطي لهما فرصة أخرى ، فهما الاثنان يستحقان فرصة جديدة .
***
تنظر إلي اللوحة ودموعها تنساب بصمت ، لم تكن تتوقع ردة فعله تلك ، كيف استطاع أن يهينها بتلك الطريقة ، كيف استطاع أن يحطم قلبها بتلك الطريقة ؟! يها الأحمق الم ترى كيف أحبك ؟ أحمق وغبي اللعنة عليك وليد .
أكثر ما يؤلمها هو تقبله للوضع وكأنه لم يلتفت إليها ولا مرة من المرات  التي كانت تتأنق بها خصيصًا من أجله ، لم ينظر إليها إطلاقًا بتلك الطريقة التي كان ينظر بها إلي فتياته ، كم تمنت أن يتوقف عن مناداتها بصديقتي لتسمعها ولو مرة واحدة من بين شفتيه  حبيبتي  مرة واحدة ولو على سبيل الخطأ .
مسحت دموعها بطريقة مؤلمة لوجنتيها وهي تنهر نفسها ، أنه لا يستحق دموعها لا يستحق أنين قلبها ، لا يستحق هو لا يستحق ، انتبهت على صوت مجموعة الأجراس التي تعلن عن قدوم أحد الزبائن لتمسح دموعها وترسم ابتسامة عملية على شفتيها وهي تنظر إلي القادم لتعم الصدمة ملامحها ويعلو صوت الغضب بعقلها
تقدم إلي الداخل بهدوء محاولا السيطرة على غضبه وانفعاله ، نظر إليها ليرى آثار دموع باقية بعينيها ، انفها محمر باحمرار بسيط يؤكد له أنها كانت تبكي
انزعج من الفكرة بشدة ، فياسمينته لا تبكي ، لا تنفرط لآلئها الغالية ، ما الذي دفعها لأن تبكي ؟ضرب السؤال رأسه لتتسع عيناه وهو يفكر في أنه تركها مع هذا الـ هشام بمفردهما وانصرف ، إذن هو سر بكائها ، تقدم إليها سريعًا ليجلس على ركبتيه خلف المكتب وأمامها وقال بقلق فعلي : لماذا تبكي ؟ ماذا حدث ؟
نظرت له بقوة : أبكي ، أنا لا أبكي .
ابتعد عنها قليلا ولكنه ظل على وضعه وقال : لماذا أرى إذن آثار الدموع بعينيك؟
__ من الممكن أنها تدمع لدخول الأتربة إليها .
نظر لها بتفحص لتتحاشى هي النظر إليها وتقول بارتباك : لماذا أتيت مرة أخرى؟
نظر لها متفحصًا ملامحها وهو يتعجب من عدم مقدرتها للنظر بداخل عيناه ، شعر بأن قوتها المشهورة بها تبخرت ،وأنها هشة وضعيفة ، أزعجه ذلك الشعور فقال بهدوء وهو يعقد حاجبيه : هلا تسمحين لي بشرب كوب من القهوة معك ، أريد أن أتكلم معك قليلاً
لمح الرفض في عينيها ليقول بإصرار : لن آخذ من وقتك الكثير .
قامت من مكانها ليشعر هو بقبضة تعتصر قلبه ، كم يشعر بها متباعدة عنه تلك ليست ياسمينته الحبيبة التي يهيم بها حبًا ، يفهمها من نظرة عينيها يسبر أغوارها بنظرة واحدة ، أكل هذا من أجل هشام ؟ تبتعد عنه من أجل ذلك الشاب الذي لم تعرفه إلا منذ أسابيع قليلة .
زفر بضيق ليتبعها إلي داخل الغرفة التي تستعملها كمرسم ووقف على الباب وهو ينظر إليها ، يشعر بها مختلفة لا يفهم هالة الحزن التي تحيطها ، نظر لها بتفحص لماذا يشعر أنها غاضبة منه بسبب أمر لا يعلمه ، لماذا يشعر أنها حانقة عليه ؟ نظر إلى الأمام وهو يتساءل  هل من المعقول ما يخبره به قلبه ؟
التفت إليها وسأل بهدوء : هل تشاجرت مع هشام بسببي ؟
نظرت له بدهشة : لا طبعا ، لماذا أتشاجر معه بسببك ؟
هز أكتافه بعدم فهم وقال بتوتر : من الممكن أن يكون ذو نظرة ضيقة ، وتفكير عقيم ولا يؤمن بالصداقة بيننا .
قالت بنبرة قوية : بالعكس هشام متفهمًا جدًا وذو عقل متفتح .
شعر بالغضب يأكله وقال سريعا : وأنا .
نظرت له متسائلة ليقول بقوة : ما رأيك بي أنا ؟ رأيك بشخصيتي و بي .
قالت بحنق وضيق : ماذا تريد وليد ؟ لماذا عدت لتسألني عن رأيي بشخصيتك؟ نحن أصدقاء منذ اثنتا عشرة عاما ، تذكرت الآن أن تعرف رأيي في شخصيتك .
قال برقة وهو ينظر إلي الحديقة الصغيرة التي تطل عليها نافذة المرسم ، أتتذكرين أول لقاء لنا معا ؟
نظرت له بدهشة لتقول : بالطبع أتذكر ، تشاجرت معك من أجل صديقتي التي غازلتها بوقاحة وبطريقة علنية في الحرم الجامعي .
ابتسم بإشراق وهو ينظر إليها : تشاجرت معي ، تقصدين تسببت بفضيحة لي بالجامعة واستدعيت الأمن وكدت أن تتسببي في فصلي من الكلية .
لم تستطع منع ابتسامتها لتقول بحيرة : لا أعلم إلي الآن كيف تخلصت من قرار الفصل ذلك .
ابتسم بثقة ليقول بهدوء : جئت عندما استطعت الدخول إلي الجامعة واعتذرت لك ولصديقتك وأصبحنا أصدقاء ، وازدادت صداقتنا بعد أن قدمت اعتذار عن امتحانات تلك السنة وأصبحنا زملاء في مقاعد الدراسة في سنة دراسية واحدة ، لمدة أربع سنوات ، ثم استمرت صداقتنا إلي الآن ياسمين ،أصدقاء العمر .
نظرت له وهي لا تستطيع أن تحدد ما يرمي إليه ليردف : اثنا عشرة عاما  وأنا أهيم حبًا بتلك الفتاة الصغيرة التي أجبرتني على الالتزام والدراسة والنجاح بتفوق
جمد وجهها وعمت الدهشة ملامحها ليقترب منها بخطوات بطيئة : اثنا عشرة عام ياسمين وأنا أحبك واكتم شعوري بداخلي خوفا من أن أفقد صداقتك لآتي اليوم وأجد انك ستتزوجين شخص آخر غيري ، نصف عمري أحلم بك كل يوم ، وكل ليلة ، أبحث عنك في كل الفتيات التي صادقتها ، أبحث عن طيفك فيهن ، وأنا اصبر نفسي بأنك ستكونين لي يوما من الأيام ، لا استطيع أن أخسرك الآن .
توترت لتفرك يديها ببعضهما وصدرها يعلو ويهبط أثر تنفسها السريع وقلبها يدق بقوة وتتساءل  هل ما تسمعه صحيح أم يخيل إليها ؟!
اقترب منها أكثر ليمسك يديها بكفيه وينظر إلي عينيها : والعجيب أن اليوم اكتشف أنني كنت أحمقًا وغبيًا لأن عيناك الآن يخبرونني بأنك كنت تحبينني.
وضع جبهته على جبهتها ونظر إلي عينيها : تحبينني ياسمين أليس كذلك ؟
كتمت تنفسها وضاعت بنظراته الهائمة التي طالما تمنت أن تراها في عينيه ، لم يستطع كبح جماح نفسه وقلبه وشعوره نحوها وهو يرى نظرتها التي طالما تمناها ،فعبر بطريقته التي لا يعرف سواها ، أحنى رأسه برقة شديدة وطبع قبلة صغيرة على شفتيها وهو يقول : أحبك ياسمين ، بل أعشقك .
مذاق شفتيها ، أثار جنونه ودفعه لتجربته مرة أخرى ، ليتناول شفتيها بقبلة طويلة وهو يضمها إلي صدره بجنون ، فمهما كانت تخيلاته لم تكن أبدًا بنصف روعة الحقيقة.
غابت عن الواقع وانتقلت إلي أرض الأحلام فلم تعد تستطيع أن تفهم ما يحدث لها ، تشعر أنها تحلق بالسماء والأرض لا توجد تحت قدميها ، تساءلت عما يحدث لينتفض عقلها وهي تفتح عيناها لتنتبه إلى ما يحدث فتدفعه بعيدًا عنها في قوة ، وفي غمرة انفعالها على نفسها وتأنيبها بأنها سمحت له أن يفعل ما فعله رفعت يدها لتهوى بها في صفعة قوية دوت بأذنيهما وتنظر له في قوة دون أن يرمش لها جفن .
تفاجأ مما يحدث وأن جنته تتبخر من حوله لينتبه إلي سخونة في خده وصوت مدوي أكد له على أنها صفعته ، اتسعت عيناه بشدة وهو يواجه هذا الموقف الذي لأول مرة يوضع به ليتمتم بارتباك : أنا ، أنا آسف .
الغضب الذي لمع بعينيها أنبئه بخطر قادم من ناحيتها ليردف بتلعثم : ياسمين .
__اخرس ، أتت منها قوية حادة وغاضبة لتقول بقوة وصوت أعلى - اخرج حالا من هنا ولا أريد رؤيتك ثانية .
انتفض بقوة ليعلو صوته ويقول بانفعال : لماذا ياسمين ؟ أنا أحبك وأنت تحبينني.
صرخت بقوة : اخرس ، لا أريد سماع صوتك
اقترب منها لتبتعد إلي الوراء وتقول بتهديد : إذا اقتربت خطوة واحدة اقسم لك أنك سترى ما لم تره في حياتك .
أشار لها بيده : اهدئي ، فقط اهدئي ، أريدك أن تعلمي أنني أحبك ياسمين .
قبضت كفيها بقوة وهي تصرخ بانفعال : لا أريد أن أسمعك ، تفاجأت اليوم بأنك تحبني؟ تذكرت اليوم ؟!  وأنت لمدة اثنا عشرة عاما تصادق هذه وتترك هذه تنتقل من زهرة إلي الأخرى وتقضي كل ليلة مع امرأة مختلفة عن من سبقتها ، لم تتذكر أنك تحبني إلا الآن ، أم شعرت بأنك ستفقد صديقتك التي تتحملك فقلت لم لا أضحك عليها .
قال بقوة : ياسمين ، أنت تعلمين أن ليس من عادتي الكذب .
صرخت في وجهه : نعم فأنت وقح ولا تهتم بمن حولك فلماذا تكذب ؟!اتبعت بثورة أكبر - هل تريد أن تعرف رأيي في شخصيتك ؟ أنت تافه وأناني وحقير وكذاب وأنا العن اليوم الذي تعرفت به عليك .اخرج الآن ولا أريد رؤيتك ثانية ، ولعلمك خطبتي ستتم في موعدها
نظر لها وتجمد مما قالته ليقول بقوة : لا أعلم سبب انفعالك ياسمين هل لأنك اكتشفت إنني أحبك أم لأني اكتشفت أنك تحبينني ؟ ما الذي يضايقك في الأمر أكثر ؟
التفتت لتمسك إحدى التحف الموضوعة بجانبها وترميه بها لتأتي بالجدار ليجفل هو من موجة الجنون التي اجتاحتها وهي تصرخ به : اخرس من قال إنني أحبك ، لماذا أحبك أنت ؟
أمسك بها قويا من يديها وهزها بعنف :لا تنكرين أنك تحبيني ، القبلة أخبرتني بما نجحت في إخفاؤه عني طوال تلك السنوات الماضية ، ما لا أفهمه الآن لماذا تصرين على الرفض وتتمسكين بزواجك من هشام .
نظرت إلي عينيه بقوة وقالت بنبرة مملوءة بالغل : لأنه رجل ، لم يخف بأن يخبرني بمشاعره وبما يريده ، لم يختبئ سنوات طويلة خلف عباءة الصداقة مخفيًا عني مشاعره خوفا من الرفض ، سأختار رجلاً يحميني ويخاف علي وأشعر بجانبه بالأمان، ليس جبانًا مثلك .
اختلجت عضلة صدغه ليتركها ويبتعد بعيدًا لينظر لها بألم فتقابله هي بنظرات حادة متحدية ليقول بمرارة : عندما تستيقظين بعد أشهر وأنت في حضن الآخر وتلعني غبائك على أنك لم تستمعي إلي ، ستتذكرين أنني أحبك ياسمين وأن هذا الرجل الذي سيعطيك كل شيء الأمان والرعاية ، لن يستطيع أن يعطيك الحب الذي أحبه لك ، ليكمل وهو يجز على أسنانه - في كل مرة سيقبلك بها ، ستتذكرينني وتعلمي جيدًا الفرق بيني وبينه .
أعطى لها ظهره لينصرف لتتسع عيناها وتمتلئ بالغضب لترميه بقدح النسكافيه الموضوع أمامها وهي تصرخ : أيها الحقير .
شعر بقوة ارتطام المج بكتفه الأيسر ليلف وينظر إليها بسخرية مريرة وينصرف سريعًا من الجاليري ، لتجلس هي أرضًا وهي تشعر بأنها تريد حالًا أن تتخلص من درع القوة الذي ارتدته ، تترك لعينيها العنان وتبكي كما أرادت أن تفعل منذ أن أخبرها بحبه ، تريد أن تبكي أليس تخليها عن حبها وحلم حياتها تحت راية العناد والكرامة والانتقام سببًا كافيًا لأن تبكي ولكن عيناها أبت أن تدمع وكأنها تخبرها بأنها غير راضية عما فعلته بنفسها .
***
ينظر إلي صورة أخيه المتوفى ضمن مجموعة صور للفقيد في ألبوم موجود بغرفة ليلى ،تنهد وهو يرى الصورة الأخرى التي تضم أخاه وليلى معًا
ابتسم بحب كبير ومد أصابعه ليتحسس الصورة وهو يبتسم ،كم كان قريبًا من أخيه ، وكم طلب منه أن لا يتزوج تلك المرأة ، تنهد وهو يتمتم : يا الله .
جز على أسنانه غضبًا ، كانت هي السبب الرئيسي في بعد أخيه عنه ، استولت على حياته ، واستولت على قلبه وعقله لم تكن ذات الجمال الخارق ولكنها ذات حضور آسر و طلة رائعة ، تجعل قلوب الرجال تنحني لها ، لا يعلم إلي الآن لماذا اختارت عادل دونًا عن غيره لتوقعه بشباكها ، شعر بالخطر منها عندما انتقلت مع أسرتها إلي الشقة المجاورة إلي شقة والديه كان بأول سنوات دراسته الجامعية وقتها ، شعر بانجذابه إليها وشعر أيضًا بانجذاب أخيه الأصغر لها ، ولكنه قرر سريعًا ماجدة ليست من نمطه ولن تحقق أحلامه فهي لن تليق يوما بأن تكون زوجة سيادة المستشار ، فهو وضع حلمه نصب عيناه ولن يتزحزح عنه 
نظر إلى أخيه مرة أخرى ليبتسم لم يكن فارق السنوات بينهما كبير فأخاه أصغر منه بسنتين فقط ، كانت علاقتهما رائعة أخين وصديقين توأمين بالروح ، لا يخفيان شيئًا عن بعضهما البعض ، إلي أن ظهرت ماجدة ودخلت إلي حياتهما بقوة ، فوالدتهما أحبتها كثيرًا وكانت دائمًا تلمح أنها تريد من أحدهما الزواج بها ، بل طلبت منه أن يخطبها ويتمما الزواج بعد أن يتخرج من الجامعة ، لن ينكر ويقول أنها لم تستهويه قط، ولكنها لم تكن أحلامه لذلك رفض رفضًا قاطعًا
ليفاجئ بأخيه يعلن أنه لا يريد الدخول إلي الجامعة وأنه سيعمل بشهادته الثانوية ، تشاجر معه كثيرًا فمجموعه حينها كان يدخله إلي الجامعة ولكن أخاه صمم على رأيه وموقفه ، تخرج من الجامعة وهو يشعر بأن أخاه يزداد تباعدًا عنه ليعلن عادل أنه قرر الزواج من ماجدة ، نزل خبر الزواج على رأسه كالصاعقة ، والدته باركت الزيجة ولكنه أعلن عن رفضه لها ولكنه لم يشأ أن يخسر أخاه ،
عندما رأى إصرار عادل على الزواج تركه يتحمل نتيجة قراره حينها كان قرر هو الآخر الزواج من ابنة أستاذه بالجامعة الآنسة "إحسان الشوربجي " سليلة العائلات الراقية ابنة الحسب والنسب التي اقتنعت بأن أباها سينتقي لها أفضل الشباب ، تم زواجه سريعًا وانتقل إلي شقة رائعة بجاردن سيتي استطاع أن يحصل عليها تحت تسهيلات من حميه ، وتزوج أخوه مع والدتهما بشقة العائلة ، امتنع عن زيارة عائلته في أول الأمر بسببها ولكنه لم يستطع أن لا يزور والدته  ، ولكنه اختصر علاقته بأخيه على مقابلات قصيرة جدًا
كان يشعر من خلالها أن عادل تغير كثيرًا على يد السيدة ماجدة ، كم كانت عيناها البنيتين مليئة بالمكر ، كم كانت نظراتها تطارده وكأنها تنبئه بأنها سرقت أخاه منه ، استمر في زيارة عائلته على فترات متباعدة وبالطبع دون أسرته الكريمة فزوجته الحسناء لا تستطيع أن تذهب إلي عابدين وطالما اعترضت على اصطحابه لياسمين إلي هناك ، ولكن ياسمين عندما أدركت الأمور تمسكت بزيارة عمها وابنة عمها وجدتها ، بل كان يري السعادة تطل من عينيها وهي برفقة ليلى ، توفت والدته ليمتنع عن زيارة أخيه لوقت طويل ثم عاود زيارته مرة أخرى وبعد فتره قصيرة نزل عليه خبر وفاة شقيقه كالصاعقة هزته فعادل لم يكن يعاني من أي مرض و لم تحدث له حادثة، مات فجأة وبدون سابق إنذار .مرت عليه أيام العزاء كئيبة وثقيلة وهو يعاتب نفسه عن تقصيره في حق أخاه
كيف شغلته الدنيا وانشغل بأحلامه وطموحه ولم يلتفت إلى توأم روحه ، أخوه الأصغر، قرر أن يعوض ليلى عن إهماله لأخيه فأكثر الزيارة لها وراعاها كثيرًا . إلى أن منعته تلك المرأة ، يتذكر تلك الزيارة وما حدث بها كأنها حدثت البارحة . فتحت له الباب وآثار النوم بعينيها وقالت بدهشة : مرحبًا سيد كامل ، تفضل .
ابتسم بهدوء وهو يدلف إلي الشقة : السلام عليكم ، كيف حالك ماجدة ؟ وكيف حال ليلى؟
ارتبكت وتركت الباب مفتوح : نحن بخير والحمد لله ، كيف حال الهانم وياسمين؟
ابتسم وهو يبحث عن ليلى بعينيه : بخير والحمد لله ، أين ليلى ؟
نظرت له بدهشة : ليلى ، إنها نائمة ، الساعة تجاوزت العاشرة .
اصفر وجهه لينظر إلي ساعته ويقول بحرج : المعذرة ولكن وقتي كان مليئًا اليوم واشتقت لليلى وجئت لأراها .
وضع ما بيده على الطاولة : أبلغيها سلامي ، وسأمر عليها في وقت لاحق.
هم بالخروج من الباب لتتنحنح بارتباك ، لينظر إليها مستفهما ويقول بهدوء : ما الأمر ماجدة ؟
كحت بحرج : أتمنى أن تأتي المرة القادمة برفقة إحسان هانم والصغيرة .
عقد حاجبيه بتساؤل لتكمل : أنا أرملة أعيش بمفردي ، وترددك على البيت بهذه الطريقة وخاصة في أوقات كهذه يساعد على انتشار الأقاويل بين الناس ، وأنا أخشى على سمعتي من تلك الأقاويل .
جمد وجهه ونظر لها والغضب يعمي عيناه وهو يفكر أنها تريد الاستيلاء على ابنة أخيه وحرمانه منها كما فعلت مع عادل : إذن أنا مستعد أن أتزوجك وأحميك من أقاويل الناس .
اتسعت عيناها بدهشة ليعقد حاجبيه هو بغضب فكلاهما اندهش من العرض هي لم تكن تتخيل أنه سيطلب منها ذلك وهو قال ما قاله بدون تفكير 
قالت بهدوء: لا طبعًا ، أرجوك سيد كامل تعال المرة القادمة برفقة ياسمين والهانم
نظر إليها في غضب : لن تستطيعي أن تمنعيني من ابنة أخي ماجدة
زفرت بضيق :لا أريد أن أمنعك يا كامل ، أريد أن احمي نفسي من أقاويل الناس التي لا ترحم .
نظر لها بغضب وقال : حسن لن آتي إلى هنا بمفردي مرة أخري ولكني سأصطحب ليلى إلي بيتي مرتين أسبوعيًا لأرعاها .
قالت بهدوء : ليس لك الحق في ذلك ، أنت ليس والدها .
قال بسخط : أنا عمها ، ولي الحق في رعاية ابنة أخي ، لا تدفعيني ماجدة لاستعمال القوة معك ، أنت أدرى أنك لست ندًا لي .
قالها وصفق الباب خلفه بقوة ، وقد كان استمر في اتفاقه معها ولكنه ظل يراقبها من بعيد ليتصيد لها فرصة أن تخطئ ليأخذ ابنة أخيه ويضمها إليه ، وهي أعطته فرصة ذهبية  فالسيدة ماجدة على علاقة بابن صاحب الشركة التي تعمل بها سكرتيرة خاصة لهذا الشاب الصغير ويخططان سويا للزفاف ، ولأنه رجل قانون كان يعلم إنها إذا تزوجته ستؤول حضانة ليلى إلى والدتها التي لازالت على قيد الحياة ، اتفق مع تحري خاص والتقط لها عدة صور وهي برفقة هذا الشاب في الخارج ، وبعثها لها عن طريق البريد ومعها كلمات قصيرة مقتضبة : أريد ابنة أخي بدون فضائح ، أنت اخترت آخر وأنا اختار ليلى ، قبل أن ترفضي كوني واثقة أنني سأفتعل لكما المشاكل بكل قوتي ، وأنت تعلمين جيدًا مدى قوتي الآن ماجدة . الزيارة القادمة لليلي ، ستتكرمين أنت وتأتين بها إلي وتخبريها بأنك ستتزوجين  وتتركينها في رعايتي ، أتمنى أن تختاري الطريق الأسهل لي و لك ولليلى لأني لن أتأخر في عمل أي شيء حتى أرعى ابنة أخي ولا يراعها ذلك الصغير . مبارك الزفاف ماجدة .
تخلفت ليلى عن زيارته لأسابيع فهم منها أن ماجدة رافضة للأمر وخاصة أنها توقفت عن رؤية ذلك الشاب ولكنها بعد عدة أسابيع أخرى قام هو فيها بزيارة ذلك الشاب الصغير ، وبعد أن علم أنهما تزوجا سريًا ، قابله ليفهمه أنه على علم بالأمر وأن من مصلحته بأن يقنع ماجدة  أن تتنازل له عن حضانة ليلى
كان تأثيره على الشاب له مفعول السحر ، فبعد أسبوعين كانت ليلى تنام بغرفتها التي أعدها لها خصيصًا ، وقرت عينه بها وهو يشعر بأنه وأخيرًا أراح أخاه بمماته ، وابنته بعيدة عن تلك المرأة وعن زوجها .
__عمي ، أنت هنا ؟
رفع نظره لها وهو يبتسم بحب وينظر لها بحنان : نعم حبيبتي ، تعالي .
أشار لها بأن تقترب لتجلس بجانبه ليحيطها بذراعه ويضمها إلي صدره ، شعرت بالاشتياق لوالدك فأتيت لأرى مجموعة الصور التي بحوزتك .
قبلت ليلى خده برقة : أنت تنور بأي وقت عمو ، الغرفة ازدادت إشراقًا بجلوسك بها.
ضحك بقوة : أيتها الشقية ، لا تستعملي مواهبك الأدبية معي.
عبست ليلى بطفولية : أبدًا والله ، أنا أقول الصدق .
نظر إليها بتمعن وقال بهدوء : أرى أنك متألقة هذه الأيام ، وأشعر بأن حالتك النفسية على أعلى ما يكون .
احمرت وجنتاها بحرج لتقول بارتباك : لا شيء ، أنا طبيعية ، سعيدة فقط بزواج ياسمين .
نظر لها وقال بخبث : العقبى لك ، أريد أن أرى ذلك الفتى الذي سيقتحم حياتك ويأخذك مني .
ابتسمت بحرج ليكمل وهو يقف بجانب الباب مستعدا لمغادرة الغرفة : هل هو وسيم ،أم مظهره عاديًا ؟
ارتبكت وفركت يديها ببعضها بتوتر : من هو عمي ؟
__الفتى الذي سيأخذك مني ؟
ضحك بخفة وهو يرى الاحمرار يزحف إلي وجنتيها ليكمل : باعتبار ما سيكون.
احمر وجهها بشده ليقترب منها ويطبع قبلة على رأسها : عندما تكونين مستعدة لأن تخبريني ، صدقيني ستجدينني كلي آذان مصغية ، أرجو أن لا تتأخري .
شعرت أنها سيغمى عليها من التوتر الذي تشعر به لتهمس : إن شاء الله
تركها عمها وهي واقفة بنصف الغرفة مذهولة من ملاحظة عمها الدقيقة لها ،هل هي مكشوفة لتلك الدرجة ، والأهم هل رسالة أمير وتلميحات عبد الرحمن كان لها أثرًا قويًا هكذا عليها  ،لا تخدعي نفسك ليلى رسالة أمير أعطت لك بعضًا من الثقة ، ولكن تلميحات عبد الرحمن أعادت إليك روحك وقلبك
تنهدت وهي تتذكره وتتذكر كيف عانت الأربع أيام الماضية في محو صوته الرقيق من آذانها ودفء يده من على ساعدها ، كيف كانت تمضي لياليها في ارق مزمن تتذكر وصفه لها وهمسه بأذنيها واحتواء كفه ليدها ، كم شعرت بالشوق لأن تراه ، وكم أقنعت نفسها بأنه كان يسخر منها ولكنها فوجئت بأنها توصلت أنه حتى لو يسخر منها ، فسخريته لاقت قبول في نفسها
ابتسمت وهي تتذكره اليوم ببنطلونه الجينز وقميصه الأسود الذي يبزر عضلات جسده، لأول مرة يرتدي شيئا ضيقًا هكذا ، فهي اعتادت على رؤيته بقمصان و تي شيرتات قطنية واسعة إلي حد ما ، ولكن اليوم اللون الأسود أضفى على سماره لمعة جميلة وزادت جاذبيته وفخامته بسبب نظارته الشمسية الفخمة
عقدت حاجبيها بدهشة وهي تفكر في نظارته الشمسية ، أن علامتها التجارية علامة تجارية عالمية للنظارات وثمنها غالي جدًا ، كيف استطاع أن يتدبر ثمنها ، هل مرتبه عال لتلك الدرجة ، توقف تفكيرها قليلاً لتسترجع هيئته مرة أخرى ، إن ملابسه كلها تقريبا من إحدى المتاجر المشهورة للأزياء الرجالية ، كيف يستطيع ذلك السائق بأن يشتري تلك الملابس ، هزت رأسها بعدم فهم وهي تشعر بالغموض والحيرة تغلف عقلها ،انتبهت على صوت رسالة قادمة على هاتفها هتفت  من المؤكد أنها ياسمين وتريد ملاقاتي بمكان ما ولا تريد العودة إلي البيت .
فوجئت برقم غريب عليها لتعقد حاجبيها وتفتح الرسالة لتجد مكتوب بها الأبيات التي أسمعها لها عبد الرحمن منذ أيام ، جاءت بآخر الرسالة وهي تشعر بالتوتر ،لتقرأ " ألا تريدين أشيائك يا أستاذة ؟ على العموم أنها معي ، لا تخافين عليها "
"اعتقد علمت من أنا ."
خبطت جبتها بيدها وهي تتذكر أنها تركت بعضا من أوراقها ذلك اليوم على الطاولة التي بالحديقة ، ومن الواضح أنه أتى برقم هاتفها التي تكتبه ببياناتها الشخصية في أول دفاترها كعادتها ، تمتمت :عادة سيئة ليلى .
رمت الهاتف على الفراش وهي تشعر بالضيق من نفسها لنسيانها دفترها فهذا الدفتر ليس عاديًا إنما مليء بالخواطر التي تكتبها والأشعار التي تحبها والأغاني التي تؤثر بها ، انتبهت على صوت رسالة أخرى
وجدت أنها منه لتفتحها وترى ما بها : " ألا يوجد بقاموسك كلمة شكرًا ؟"
ابتسمت رغمًا عنها وهي ترى أسلوبه الساخر في التعبير عما يريده ، فكتبت له وهي تبتسم :  شكرا .
اتسعت ابتسامتها وهي ترى التليفون يعلن عن وصول رسالة جديدة لتفتحها سريعًا وهي على يقين أنها منه لتنفلت ضحكتها من بين شفتيها وهي تقرأ
"أيتها البخيلة ، ترسلي كلمة واحدة فقط ، إنها كلمة غالية على قلبي ، ورسالة عزيزة علي جدًا ، وعموما لا شكر على واجب ."
لعبت بخصلات شعرها وهي تبتسم ، تشعر بأن كلماته مألوفة لديها ، أسلوبه في الحوار ، طرأ على بالها فجأة أمير ، لتتسع عيناها  فهي لم تدخل إلي النت منذ آخر مرة قرأت رسالته بها ، هتفت : يا للهول ، لقد نسيته كليًا .
أسرعت إلي حاسوبها لتفتحه ، وهي تتمنى أن لا يكون اختلط عليه الأمر وظن أنها تمتنع عن الدخول من أجل طلبه الغريب منها ، نعم هي لن توافق على طلبه وستبلغه برفضها ، إلا إنها لا تريد أن تخسر صداقته أيضًا .
***
يجلس على إحدى الطاولات في المقهى ولا يصدق أنها تجلس أمامه ، تنهد كم مر عليهما من السنوات ؟ تسع سنوات كاملة ،عمر كامل قضاه بعيدا عنها وقضته هي بعيد عنه .نظر إليها بتمعن وهو يحصر تفاصيل وجهها الجميل ، تصفيفة شعرها الجديدة امتلاء وزنها قليلاً وظهر عليها بعضًا من علامات تقدم العمر ولكنها لم تتغير ما زالت تأسره بتلك الغمازة الشهيرة ولكنتها الفرنسية الجميلة ،
تنحنح ليقول بهدوء : حمد لله على سلامتك ، متى عدت من فرنسا ؟
ارتجفت شفتيها بقلق لتقول بنبرة مرتبكة : منذ عام تقريبًا .
اتسعت عيناه بدهشة : عام كامل في مصر لم تحاولي أن تخبريني .
نظرت له بقوة : ولماذا أخبرك هشام ؟ كل ما كان بيننا انتهى .
قال بحقد : أنت من صممت على الطلاق لا تنسي هذا أبدًا .
قالت بألم : كنت ستكرهني هشام إن استمريت معك ، فأنت لن تستطع أن تحيا دونهم.
قال من بين أسنانه : لم أشكو إليك هنادي ، ولم أطلب منك أن تقرري عني .
تنهدت بألم : خلاص هشام ، الموضوع انتهى .
نظر لها بتفحص وقال بارتباك : هل تزوجت من بعدي ؟
احتقن وجهها وتلون بالأحمر القاني ليقول بهمس : لم تتزوجي ، أليس كذلك ؟
رمشت بعينيها دليلاً على توترها لتنهض واقفة : اعذرني سأنصرف فلقد تأخرت.
نهض هو بدوره : انتظري سأوصلك
قالت بارتباك حقيقي : لا داعي هشام .
نظر لها بجمود لتبتلع اعتراضها وتتقدم أمامه ليوصلها كما أراد .
***
نزل إلي الأسفل بعد أن أخبر الطفلين و تومي أنه سينتظرهم بالحديقة  ليجد عبد الرحمن أمامه يلعب بهاتفه وهو مبتسم. راقه أنه رأى ابتسامته بعد أربعة أيام كاد أن يقتله مرتين بسبب ثقل دمه المتزايد ، اقترب منه بهدوء وخفة وهو يحاول أن لا يصدر صوتًا فهو يريد إفزاعه ، ليجد نفسه مطروح أرضا وعبد الرحمن ينظر إليه بغضب، عقد حاجبيه ليقول بغل : أيها المجنون .
ابتسم عبد الرحمن بخفه ليقول وهو يمد إليه يده : المعذرة .
ضرب يده بحنق ليقفز واقفًا ، ونظر إليه بتفحص : كيف استطعت الإيقاع بي ؟! وزني ضعف وزنك.
ابتسم عبد الرحمن بثقل : لدي أسراري الخاصة .
أردف وهو ينظر إلي الأمام : لماذا اقتربت مني بهذه الطريقة ؟
ابتسم خالد : رأيتك تبتسم للهاتف فكنت أريد أن أرى ماذا تفعل وكنت أريد إفزاعك .
ضحك عبد الرحمن : كبرنا على تلك الألعاب يا بك .
نظر له خالد من طرف عينه : هل رضت عنك أخيرًا ؟
جمد وجه عبد الرحمن ليردف خالد : الابتسامة ستشق وجهك نصفين يا عبده ، من الواضح أنك تراضيت معها .
قبض عبد الرحمن كفيه بشده ليقول بهدوء : من أنت ؟
اتسعت عينا خالد ليقول بمزاح : يا للهول ،ألا تعرفني ؟ أم لم يبلغوك بوجودي .
التفت إليه بحده ليردف : أنا خالد سليمان ، ألم تسمع عني من قبل ؟
هز رأسه نافيًا ليقول خالد بضحكة : لم تسمع عن رجل الأعمال خالد سليمان .
ضيق عبد الرحمن عيناه ليقول الآخر بضحكة : عندما تخبرني عن اسمك الحقيقي يا بك ، سأخبرك بمن أكون .
نظر إلي ساعته ليقول بمزاح : الآن الوقت لا يسمح ، لدي موعد هام ،سأتأخر على السينما .
رفع يده إلي رأسه وحياه بالتحية العسكرية : سلام.
نظر عبد الرحمن له وهو ينصرف من أمامه ليبتسم بإعجاب لذلك الخالد فشخصيته فريدة من نوعها ومزاحة عجيب ، والخبث الذي يتألق من عينيه يشعره بأنه بئر من الأسرار
تنهد وابتسم ليتمتم : الوقت أمامنا يا خالد بك ، سأعلم عنك كل ما أريد .
***
دخل إلي بيته ليرمي مفاتيحه بشكل عشوائي ويرتمي على الأريكة الموضوعة بالصالة الواسعة ويدعك جبهته بتوتر وغضب ،لماذا كل هذا العند ياسمين ؟ ماذا فعلت لك لكي نصل إلي تلك النقطة ؟ كيف لم انتبه إلي أنها تحبني من قبل ؟
تمتم بقهر : غبي ، أنا غبي . والآن تختار ذلك اللزج بدلاً مني ، ماذا أفعل معها ؟
تذكرها وهي تقول  لعلمك خطبتي ستتم بموعدها .زفر بضيق : حسنًا ياسمين ، وأنا سآتي للخطبة كما أردت لتعلمي أنكِ لن تكسريني ، ولتعلمي أيضًا مدى خسارتك ؟             
***
جلس بجانب حميه يتكلمان بود ملحوظ وهو يبتسم لما يقصه عليه حماه ،ليتجمد ويكتم نفسه وهو يراها نازلة للسلالم وهي مرتدية فستانه الذي اشتراه لها من سنتين تقريبًا ، أول هدية أهداها بها كم هي رقيقة بشعرها المبعثر حولها و وزينتها الهادئة
عقد حاجبيه وهو يفكرهل الفستان إشارة للفرصة الجديدة أم إنها ترتديه بدون سبب ؟ انتبه إلي صوت السفير وهو يقول بهدوء : أنت لم تسمع كلمة مما قلتها .
ابتسم بحرج : المعذرة عمي ، شردت قليلا .
ابتسم السفير بهدوء ونقل عيناه إلي منال : يحق لك الشرود .
كح خالد بحرج ونهض واقفًا : استأذنك عمي ، فنحن سنخرج اليوم .
ابتسم السفير بمحبة : في حفظ الله بني ، أتمنى لكم وقت سعيد .
اقتربت منال منه لتقول بهدوء : أبي تريد شيئًا قبل أن أخرج.
هز رأسه نافيًا : لا حبيبتي ، وقت سعيد إن شاء الله .
ابتسمت لتحمر خجلا وهي تشعر بقبضة خالد تلتف حول أناملها ويقول بهدوء : السلام عليكم .
سارت بجانبه بخطوات هادئة على الرغم من شعورها باضطراب وتوتر من إمساكه ليدها ، نهرت نفسها من شعور الخجل وهي تحدث نفسها  أيتها الغبية أنه زوجك منذ خمس سنوات لماذا تشعرين بالخجل كلما اقترب منك بطريقة عفوية ؟ من يراك الآن لا يقول إنكما زوجين فعليين منذ ما يقارب السنتين .تذكرت لقاءاتهما معا لترتجف يديها رغمًا عنها ليهمس بهدوء: هل تشعرين بالبرد؟
هزت رأسها نافية لتسأل بصوت مبحوح : أين الأولاد ؟
اتسعت ابتسامته : في السيارة ، ينتظروك منذ نصف ساعة ، أزعجوني بصراخهم مع فاطمة وشجارهم على نوعية الأغاني ، فتركتهم وذهبت لأجلس مع والدك
ابتسمت : أتعلم لا أفهم إلي الآن سر قربك الشديد من أبي ؟
اتسعت ابتسامته ليقول لها مشاكسا : تغارين منال .
هزت رأسها نافية : لا ولكني أتساءل .
__ طبيعي أن أكون مقربا منه ، الست زوج ابنته الكبرى ؟
قالت بدون تفكير : ولكني لم أشعر يوما أن باسم قريب منه مثلك .
شحب وجهها ونظرت إليه سريعًا لترى ردة فعله ، ولكن وجهه كان جامدًا لم يظهر لها حقيقة شعوره ، أما هو فتنفس بهدوء ليزفر هواء صدره ببطيء ، وهو يحاول أن ينحي مشاعره السلبية جانبًا ويقول بصوت حيادي : كل شخص مختلف عن الآخر منال ، شيء طبيعي أن نختلف فيما بيننا .
تمتمت بخفوت : آسفة .
ابتسم ليشد على يدها ويقول : لا عليك حبيبتي ، هيا فالأطفال ضجروا من الانتظار .
ابتسمت وهي تسير بجانبه وهي تحاول أن تكون متفائلة بأن الأمور ستكون بخير.
***
أوقف السيارة في المنطقة الهادئة وهو يبتسم : ابتعدت عن صخب العاصمة .
نظرت من النافذة : نعم ، بحثت عن مكان هادئ اسكن به .
هز رأسه بتفهم تحركت لتنزل من السيارة ليمسك يدها بهدوء، انتفضت من مسكته ونفضت يدها من يده لتنظر إليه بقوة ،أشاح بعينيه بعيدًا عنها وقال بهدوء : لماذا لم تخبريني بعودتك ؟
زفرت بضيق : ما الفارق هشام ؟ تنهد بألم لتردف : وما أدراني أنك تعيش على ذكراي؟ توقعت انك مضيت بحياتك كما فعلت أنا .
تألق الغضب بعينيه والتفت لها بحدة وقال بسخرية :لماذا تتوقعين أنني لم امض في حياتي ، نعم أنا لم أتزوج ولكن خطوبتي الجمعة القادمة .
فتح درج الواقع أمامها ،ليخرج لها بطاقة وردية اللون : تفضلي دعوة خطوبتي أتمنى أن تأتي ، لتري عروسي الجميلة .
نظرت له بقوة وقالت بسخرية شديدة : ألم يعترض عليها جدك يا هشام ؟
نظر لها بغضب والاحمرار يزيد بوجهه : لا يهمني أحد هنادي ، فأنا أحبها ولن يفرقني عنها أحدًا مهما كانت صفته أو شخصيته ، وأنا أثق أنها لن تتخلى عني كما فعلت أنت
فتحت الباب بقوة لتصفقه خلفها وتنحني : سآتي لأرى أميرتك الجديدة .
ابتسم ساخرا : سأنتظرك يا زوجتي العزيزة .
أدار السيارة لينصرف من أمامها مخلفا وراءه غبرة كثيفة أتت من سرعة قيادته  نظرت إليه مودعة ودموعها تملأ عينيها لتقول بألم : سآتي لأراك سعيدًا ، فكل ما يهمني أن تكون سعيدا .
***
فتحت حاسوبها وسجلت دخولها إلى الأنترنت تفاجأت من كمية الرسائل الواردة لها من أمير ، اتسعت عيناها وهي تقرأ رسائله فهو يؤكد لها ما قاله ويترجاها أن لا تغضب منه وتعطي له فرصة لشرح ما يريده ، فرصة واحده تسمعه بها .
دعكت يديها مع بعضهما وهي تشعر بأن الكلمات تخونها : لا تعلم كيف تخبره أنه مجرد صديق لها ، لا تعلم كيف تخبره أنه أخ يستمع إليها ويخفف عنها أحزانها قررت أن تخبره أنها مشغولة تلك الأيام بخطبة ابنة عمها وعندما تنتهي من أمر الخطبة ستتكلم معه كما يريد .
أغلقت الحاسوب لتفاجئ بباب غرفتها وهو يفتح بقوة إلي حد ما وياسمين تدخل بوجه مكفهر ونفس مكتوم وتنظر إليها وتراها وهي تسقط
قامت مسرعة إليها وتلقفتها بين ذراعيها قبل أن تصل إلي الأرض : بسم الله الرحمن الرحيم ، ماذا حدث ، ما بك ؟
تصلبت وهي ترى دموع ياسمين تنهمر بشدة وصوت نشيجها يعلو لتقول لها : اهدئي ياسمين ، انهضي معي ، هيا .
سندتها إلي أن أوصلتها إلي الفراش وهرعت إلي باب الغرفة لتغلقه ووقفت لتنظر إلي ابنة عمها التي انكمشت في الفراش وهي تبكي بكاء يمزق قلبها ،وضعت أصابعها في شعرها بعصبية وهي تشعر بوجود طيف وليد في هذا البكاء الهستيري
تقدمت باتجاه ابنة عمها وجلست بجوارها وشدتها لتحتضنها مطمئنة : اهدئي ياسمين
هدهدتها بلطف كما تهدهد الأطفال إلي أن هدأت ياسمين وقالت بصوت مبحوح: أشعر بالألم والقهر ليلى .
ظهر الألم على وجه ليلى لتقول بنبرة لطيفة : بعد الشر عنك حبيبتي ، أخبريني ماذا حدث ياسمين ؟
جلست باعتدال : وليد عاد اليوم وأتي إلي الجاليري ، أخبرته عن الخطبة ضحك بقوة ثم بارك لي ولهشام وانصرف.
ظهر الانزعاج على وجه ليلى لتهم بالتحدث ولكنها آثرت الصمت لتكمل ياسمين
__ عاد بعد أن انصرف هشام وأخبرني أنه يحبني.
عمت الدهشة ملامح ليلى ،لتردف ياسمين : قال أشياء كثيرة كنت أتمنى أن أسمعها منه من قبل ، نظر لي بنظرة لم ينظرها لفتاة من قبلي ، وهمس بحبه بنبرة لم اسمعه يتكلم بها من قبل إطلاقًا ، فأنا كنت شاهدة عن حديثه ومصادقاته إلي فتياته .
صمتت ياسمين لتنظر إليها ليلى وترى الألم واضح على وجهها : طردته من الجاليري وأخبرته إنني لا أريد رؤيته ثانية
ابتسمت ليلى وكتمت ضحكتها لتنظر إليها ياسمين وتضحك بألم : مجنونة أليس كذلك ؟
هزت ليلى رأسها : لا طبعًا ، لو أنا كنت صفعته على وجهه ، صفعتين فواحدة لا تكفي، واحدة من أجل كتمان تلك السنين الماضية ، وواحدة من أجل البوح الآن في مثل ذاك التوقيت .
ضحكت ياسمين بقوة : أنا اكتفيت بواحدة .
انطلقت ضحكة ليلى لتشاركها ياسمين الضحك ملست ليلى على شعرها بهدوء :لماذا تبكي حبيبتي ؟ هل أنت نادمة على ما فعلتيه معه ؟
هزت رأسها نافية لتقول بخفوت : ولكني تأكدت أنني أظلم هشام معي ، وأنا لا أريد أن اظلمه أو اسبب له أي ألّم ، هشام شاب لطيف وأنا لا أريد أن اجرحه .
قالت ليلى بنبرة قوية قاطعه : لا تقولي أنك ستلغين الخطبة .
نظرت لها ياسمين بقلق لتصيح ليلى بقوة : ياسمين .هذا قرار غير مقبول ، إن كنت لا تفكرين في نفسك وسمعتك فكري بسمعة عمي واسم العائلة فكري بهشام الذي لا تريدين أن تجرحيه ، كيف يسكون وضعه بإلغاء خطبته قبل الخطبة بيومين ، هذه الخطبة ستتم بإرادتك ، وبعد الخطبة نجد حل بإذن الله .
__لا تقلقي ليلى ، لم أفكر بإلغاء الخطبة ، ولكني اعترف لنفسي أولاً قبلك إنني لن استطيع الزواج من هشام ، وليسامحني الله على خداعي له في هذه الفترة .
ربتت ليلى على رأسها : لا تعلمي ياسمين ، من الممكن أن تسير الأمور أحسن مما تتوقعين .
***
غرفة مظلمة إلا من ضوء بسيط ، ملابس متناثرة بشكل فوضوي ، أكواب من القهوة موضوعة وأعقاب سجائر كثيرة ملئت أقداح الكريستال ،فراش على الطراز الحديث يتوسط الغرفة غير مرتب .وسحابة دخانية تعم الغرفة صادرة من الجسد المستلقي بإهمال عليه
ينظر إلي سقف الغرفة بشرود ويدخن سجائره الواحدة تلو الأخرى ، لم يتحرك منذ ثلاثة أيام إلا للذهاب إلي دورة المياه أو المطبخ ليصنع لنفسه القهوة ، لم يذق الطعام ولم يخرج إلي الشارع ولم يقوم بأي عمل ، سوى التدخين وشرب القهوة إذا اعتبر هاذان الشيئان من الأعمال .
نظر إلي هاتفه ووجده مليء بالمكالمات الفائتة من فتياته العديدات وعدد من زملاؤه بالعمل ، نظر إلي ساعته ليجدها السابعة والنصف ، قرر أن ينهض سيذهب إذا كان في ذلك موته ، سيذهب ، ألم تخبره بأنه جبان ، سيريها أنه لن يكون جبانًا بعد اليوم .
نهض بثقل وأنار الغرفة ليزعج من الفوضى التي تعم حياته ، فالغرفة عكست له مدى الفوضى بداخله ، اتجه إلي دورة المياه اغتسل ووقف أمام المرآة لينظر إلي نفسه ، ليلمع التحدي في مقلتيه سترين ياسمين ، أن لا يوجد أفضل مني
شغل ماكينة قص الشعر وهندم من مظهره الفوضوي دائمًا وحلق ذقنه فأصبحت لامعة وتألق وجهه بنور غريب عليه هو شخصيًا .ليخرج وهو مرتدي شورتا قصيرا ،يدخل إلى غرفة الملابس وينظر إلي رفوف  القمصان وعلاقات الملابس ويتجه إلي القسم الذي نادرًا ما يتجه إليه ، لينتقي بدلة سوداء اللون فخمة المظهر وينتقى معها قميص أسود اللون بخط فضي لامع ثم رابطة عنق فضية بخطوط مائلة سوداء ، أحكم رباطها وارتدى ساعة فضية فخمة وحذائه الأسود اللامع ،لينهي استعداده برشات عطرية من عطره الفخم الذي لطالما أخبرته أنه أحسن الاختيار عندما اشتراه .
سحب مفاتيحه وهاتفه ليخرج من منزله ويرى السيارة الجديدة التي وصلت البارحة بلونها الأحمر المميز الذي أبدت هي إعجابها بها من قبل واقترحته عليه وكان ينوي مفاجأتها بها اليوم ، شعر بالضيق فجأة من السيارة ولكنه لا يملك شيء فهو مرغم على استعمالها لفترة طويلة قادمة
نظر إلي ساعته لتشير إلي الثامنة والنصف ،زفر بضيق وهو يفكر بأنه تأخر عن الحضور إلى الخطبة .ابتسم بسخرية وهو يركب إلي سيارته ،عازمًا على الذهاب إلي هناك ليراها
مسيرًا بالقهر و الألم والعند والغضب منها تمتم بخفوت :سنرى ياسمين .
***
__ هيا ياسمين ، هشام وصل .
نظرت إلي ليلى في المرآة لتومئ لها ليلى برأسها وتقول بخفوت : سيكون كل شيء على ما يرام ، هيا فهو منتظرك بالخارج هو ووالدته ، ويوجد أناس كثيرون ينتظرونكم بالأسفل ، أعتقد إنهم أقرباؤه .
همست بصوت يكاد إلا يسمع : أبي بالخارج ؟
ابتسمت ليلى : أنه بالقاعة يستقبل المدعوين ،والدتك من بالخارج .
هزت رأسها وهي تسيطر على رجفة يديها وتجمعت الدموع بعينيها ، لتمسكها ليلى من كتفيها وتضمها بهدوء وتقول بنبرة قوية : ياسمين ، اهدئي ،لا تنسي سمعة عمي وسمعتك وسمعة هشام أيضًا ، لا نريد أن يتحدث الناس عن العروس الباكية .تنفسي بهدوء وانفضي عنك الحزن ، هيا
نهضت ياسمين لتقول ليلى بابتسامة متسعة : تبدين رائعة ، مبروك حبيبتي .
ابتسمت بخجل لتفتح لها ليلى الباب وتخرج أمامها وتقول بمزاح : للأسف لن أستطيع أن أزغرد لك
ابتسمت ياسمين لتقول ليلى : سأطلب من سعدية أن تقوم بتلك المهمة
لتهمس لها : والله يعيننا على والدتك .
اتسعت ابتسامة ياسمين لترفع عيناها فتجده واقف بضخامته ينظر إليها والإعجاب يلمع بعينيه ، خفضت نظرها بعيدًا عنه لترى قدميه وهي تتقدم منها
ويقف أمامها : مبروك.
واقف ينتظر بصالة بيت المستشار فياسمين اتفقت مع مصفف شعرها وخبيرة التجميل أن يأتيا إليها في المنزل ، وهو وافق على ذلك حتى لا يتأخرا علم من والدتها أنها انتهت ولا يعلم لماذا إلي الآن لم تخرج له ، ابتسمت له ليلى وهي تقول : ستخرج حالًا ، سأذهب لها .
وقف وهو يشعر بالتوتر ، لا يعلم لماذا ؟هل لأن جده أنبه منذ قليل بسبب تأخير ياسمين وأنهم ينتظروها مما يقارب النصف ساعة ، أما بسبب ذكرى هنادي التي لا تنفك تقفز إلي عقله .
زفر بضيق وقال بهدوء : استغفر الله العظيم .
ورفع نظره ليكتم تنفسه وهو يراها بفستانها المكشوف وزينتها الكاملة وتصفيفة شعرها الرائعة ، ابتسم باتساع ليتقدم باتجاهها لتتراءى له الذكرى القديمة ويتذكر نفس الموقف مع الأخرى وكم كانت رائعة ، أغمض عينيه ليطرد الذكرى من رأسه وتقدم باتجاهها  ويهمس بهدوء : مبروك .
تمتمت بهدوء كلمة لم يتضح له ماهيتها ليبتسم وهو ينهر نفسه على ذكرياته التي لم تظهر إلا الآن امسك يدها بهدوء ليضعها في يده ويقول لها : اهدئي .
خرجا من البيت على صوت الزغاريد المنطلقة من سعدية ودعاء والدة هشام نزلا ليركبا السيارة الفارهة  التي أجرها هشام بسائقها الخاص لتزفه هو وعروسه لتهمس له ياسمين : هشام أريد ليلى معي .
هز رأسه موافقًا ليشير إلي ليلى برأسه فأتت مسرعة ليقول بهدوء : تعالي معنا فياسمين تريدك.
قالت ليلى بارتباك : ولكن والدتك .
ابتسم وقال بصوت عال : ستذهب مع جدي ،أليس كذلك أمي ؟
احمر وجه السيدة فوزية لتتسع عينا ليلى من طريقته التي بدت لها فظة إلي حد ما لتنظر إلي ياسمين التي أشارت لها بأكتافها بعدم فهم
لتقول السيدة فوزية بهدوء : نعم سأذهب مع عمي ، مبروك بنيتي .
فتح الباب لها وهو يهمس : تفضلي ياسمين .
__انتظر هشام ، أريد أن أرى عروستك واسلم عليها.
تصلب جسده من صوت جده الرخيم والتفت بهدوء : عندما نصل جدي .
أعطى له جده نظرة قوية ، أعادته لسن الأربعة عشر سنة لتقول ياسمين بهدوء وهي تتقدم من الجد ، الذي كان ذو هيبة كبيرة بجلبابه البني الفاتح وعباءته البنية الغامقة المطرزة بخيوط ذهبيه لامعه ،والعمامة بشكلها المبهر : مرحبا جدي .
نظر لها الرجل بنظرة فاحصة متأملة ليصافحها بهدوء : مرحبًا بنيتي .
ابتسمت ياسمين لتحمر وجنتاها وهو يردف بقوة : تغيرت الدنيا والعادات والتقاليد الآن، عندما كنت اسلم على جدي وأنا بعمرك كان لابد أن انحني لأقبل يده .
اتسعت عينا هشام ليقول بقوة : اركبي ياسمين حتى لا نتأخر على الزفة .
ادخلها هشام إلي السيارة ليقف بوجه جده ويقول بتمالك أعصاب : أرجو أن تحترمني قليلًا جدي ، لن استطيع أن أتحمل مزيدًا من إهدار كرامتي .
قال الجد وهو ينظر إليه بقوة : تتحداني يا ولد .
خفض هشام عينيه : لا ولكني أترجاك أن تحافظ على ما تبقى عندي من كرامة .
قالها ولف ليركب السيارة من الاتجاه الآخر ، وأمر السائق بان يتحرك بعد أن ركبت ليلى في المقعد الأمامي .
***
جالسة بجانب هشام الممسك بيدها ويبتسم لها بدفء ، تشعر بسعادتها ناقصة تبتسم وتحيي المدعوين بابتسامة واسعة ولكنها لا تصل إلي قلبها
لينبض قلبها بقوة وهي تراه داخل من باب القاعة بحضوره الآسر ، وصيحات بعض الفتيات اللاتي تعرفن عليه وتسارعن لمصافحته والتصوير بجانبه وهو يبتسم لهن بابتسامته الودودة المعبرة ، شعرت بالغضب يتأجج بداخلها وهو يتقدم منها ناظرا إليها بنظرة مليئة بالسخرية وكأنه يذكرها بما قاله لها في الجاليري ، لتتمسك بيد هشام بقوة جعلته ينتبه لها ويقول بهدوء : ماذا بك ؟
ابتسمت له باتساع وهزت رأسها بمعنى لا شيء ، ليحيط يدها بكفيه ويقترب برأسه من رأسها ويهمس : لا تخبريني أنك متوترة .
ابتسمت بسعادة وهي تشعر به يقترب لتقول بصوت عالي إلي حد ما : لا طبعًا ، الخوف لن يقترب مني طالما أنت بجواري
ابتسم بسعادة ليقبل جبينها : مبروك حبيبتي .
ردت باندفاع لتؤلم الآخر الذي شعرت به واقف إلي جوارهما : الله يبارك فيك حبيبي
تنحنح بقوة ليقول وابتسامته مرتسمة على شفتيه : مبروك يا صديقتي العزيزة .


سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن