الفصل الثامن

7.4K 184 5
                                    

تجلس على الحاجز المصنوع من الطوب الضخم تنظر إلي النيل بلونه القاتم والسماء التي تعمها الظلام، يعلو وجهها مسحة ارتياح وتتألق شفتيها بابتسامة سعيدة، تتذكر اليوم السعيد الذي امضته مع هشام، اتضح لها اليوم أنه مرح ...خفيف الظل ...متفهم ..وهادئاً لأبعد الحدود.
صحبها أولاً لمحل الجوهرجي وعندما سالته عن السبب رد بأنهم لابد أن يشتريا الشبكة نظرت له بدهشة وقالت : بمفردنا !
ابتسم : نعم حبيبتي، أنت من سيرتدي الشبكة لا نحتاج لرأي شخص آخر.
اشترى لها خاتم رقيق مرصع بحجر ماسي حجمه متوسطًا أعجبها جدًا وأصر أن يشتري لها عُقدًا من الذهب الأبيض مرصع بالماس من نفس نمط الخاتم وعندما أعلنت اعتراضها أخبرها أنه هديته لها، لا دخل له بالشبكة .
ثم أصر أن يذهبا ليبحثا عن فستان للخطبة، وعندما أخبرته أنها تحتاج لوجود ليلى إلي جوارها، اخبرها أن تنتقي الفستان وغدًا سيصحبها هي وليلى لأخذ رأيها وشراء الفستان إذا استقرت عليه هي وليلى
لم يعترض إطلاقًا على انتقائها لفستان الخطبة على الرغم أنها لمحت الضيق على وجهه بسبب أن الفستان عاري الظهر وصدره مكشوف قليلاً
ولكن اعتراضه لم يتجاوز عينيه، وها هي تجلس على الكورنيش، بناء على رغبتها التي أبدتها بشكل عارض وهي تتجاذب معه الحديث وهما عائدان إلي مكان ما ركنت سيارتها صباحًا
فوجئت به يصف سيارته جانبًا و يخبرها أن تنزل ليجلسا قليلاً كما تريد وها هي جالسة تنظر إلي النيل منتظرة هشام بعد أن أخبرها أنه سيأتي بشيء من السيارة ، انتبهت إلي شيء ثقيل يوضع فوق أكتافها، لتجد هشام يضع فوق أكتافها جاكيت من الجينز، ابتسم وهو يقول بهدوء : الجو بارد الآن و أنا لا أريدك أن تمرضي قبيل الخطبة بأيام .
ابتسمت له بامتنان: أشكرك ولكني لا أشعر بالبرد
هز رأسه بهدوء : خلاص، اتركيه على أكتافك واعتبري أنني أشعر بالغيرة على خطيبتي الحسناء.
ابتسمت بحرج : هل هذه إشارة لأن الفستان لا يعجبك؟
جلس بجانبها ونظر إلي النيل : إطلاقًا، ولكني أخبرتك بالسبب الحقيقي ولكنك تعمدتِ إحراجي .
احمرت وجنتاها بخجل حقيقي : لا أبدًا.
أمسك أناملها بخفة لتهرب بيدها منه، كح بحرج وهمس :لماذا أشعر بأنك تضعي حاجز ضخم بيننا؟
تنحنحت : سأعتاد عليك مع مرور الوقت .
أكملت بابتسامة : أخبرني هل لديك تجارب سابقة؟
ابتسم : بالطبع، اقتربت من مشروع الزواج أكثر من مرة ، أول مرة عندما تخرجت من الجامعة وتسلمت عملي كوكيل للنيابة، جدي كانت لديه نظرية زواج الأقارب لذا بعد أن تخرجت أخبرني أنه سيزوجني من ابنة عمتي ، لم أعترض فهي متعلمة، رقيقة، جميلة، وقريبتي
ابتسم بألم : ولكنها اعترضت على الزواج مني وأبلغتني بذلك وجهًا لوجه فهي لن تستطع أن تخبر جدي .
سألت بدهشة : لماذا لا تريد أن تتزوج بك؟
ابتسم وهو ينظر إلي النيل : كانت تحب ابن عمها، وصدف أنه يقضي خدمته العسكرية عندما طلب مني جدي أن أخطبها ، قالت لي حينها أنهما متفقان على الزواج، وتريد مني الانسحاب من الخطبة لكن للأسف لم أستطع مساعدتها ، ولكن عمتي قامت بما كنت المفروض أن أفعله، أبلغت جدي بأن ابنتها مخطوبة بالفعل لابن عمها والعائلتان اتفقتا على الزواج ولم يعلنا الأمر حتى تنتهي فترة التجنيد.
اعتلت الدهشة وجهها لتفاجئ بهاتفها يرن لتقول بخفوت : بابا
وضعت الهاتف على أذنها و قالت بمرح : مرحبًا بابا، كيف حالك؟
اختفى المرح من صوتها : حاضر بابا، سآتي حالاً .
ابتسم بهدوء لتقول بارتباك: لقد تأخرت وبابا منزعج جدًا .
نظرت إلي ساعتها وقالت بهلع : يا إلهي، أنها الحادية عشر، كيف مضى  الوقت سريعًا هكذا؟
قفزت واقفة ليقول بهدوء : اهدئي، هيا حتى لا نتأخر أكثر من ذلك .
قاد بها إلى مكان سيارتها ليتبعها بسيارته إلى منزلها نزلت من سيارتها لتجده أمامها : هيا بنا .
__ إلي أين؟
__ سأصعد معك، حتى لا تتحملي اللوم بمفردك، فأنا السبب بتأخيرك على كل حال .
***
وصل إلي الفيلا و ركن السيارة ونزل منها و هو يشعر بأن العفاريت تتقافز أمام وجهه بسبب تلك المغرورة الناكرة للجميل كان يريد مساعدتها لتتهمه بالاستفزاز، زفر بضيق من طريقتها الغريبة معه
__حمد لله على سلامتك .
انتفض عند سماعه لصوته الرخيم ليلتفت إليه ويقول بهدوء : الله يسلمك يا بك .
سأله وهو ينظر إليه بقوة : ما اسمك؟
تعجب داخليًا من سؤاله لكنه لم يظهر تعجبه وقال بابتسامة مهنية : عبدالرحمن .
ابتسم خالد بخبث: أنا أسأل عن اسمك الحقيقي يا حضرة الضابط  .
عقد حاجبيه ونظر ببلاهة : ماذا ،لا أفهم عما تتحدث سيدي .
نظر له خالد بقوة : بل تفهم جيدًا، أنا أعلم أنك ضابط فأنا لن أُكذب حدسي ولكني أريد أن أعلم ما السبب وراء وجودك هنا؟
هم بالرد عليه ليتناهى إليهما صوت خطوات هادئة لينظرا الاثنان إلي بعضهما ويقولا معًا بهمس : هل سمعت هذا؟
نظر كلا منهما إلى الآخر ليقول عبدالرحمن بهدوء وهو يشير إليه :ابحث من هنا وأنا سأنظر في الناحية الأخرى .
نفذ خالد ما قاله له ليبدأ الاثنان في البحث كلا منهما في طريق إلي أن وصلا الاثنان إلي المسبح ليرتد عبد الرحمن إلى الوراء و يخفض بصره ويتقدم الآخر إلي الأمام وهو محمل بالغضب
قال بغضب مكتوم : تومي ماذا تفعلين هنا؟
نظرت إليه بتعجب لتقول بمرح : مرحبا خالد، نظرت إلى ما وراءه وأشارت  بيدها : مرحبًا عبدالرحمن.
التفت خالد اليه بقوة فوجده خافضًا لبصره، عقد حاجبيه بغضب لرؤية عبدالرحمن لها هكذا، صر على أسنانه مرة أخرى وقال بجمود: اذهب عبدالرحمن، تصبح على خير .
تمتم عبدالرحمن بشيء ما غير مفهوم وانصرف إلى حجرته ليلتفت هو إلي أخت زوجته والتي يعاملها كأخت صغيرة له : ماذا تفعلين الآن تومي؟
أجابت بملل : أريد أن أسبح .
أخذ نفس عميق وهو يحاول السيطرة على أعصابه : في منتصف الليل يا صغيرتي، وبهذا اللباس، ألا تدركين أنه يوجد شاب في البيت لا يصح أن يراك هكذا؟
لوت شفتيها بملل لتقول برتابة : خالد لا أستطيع أن أتحمل منك أنت هذا الكلام، لا أفعل شيء خاطئ، أنا أريد السباحة ومن الطبيعي أن ارتدي ثوب السباحة، ثم أن الجو في هذا البلد خانق لدرجة لا أستطيع احتمالها وأمي تزيد خنقتي بتكديرها لي كلما رأتني وهي تقول لا تفعلي هذا لا ترتدي هذا، وأرجوك اتركني أفعل ما أحب .
هز رأسه بخيبة أمل : حسنًا يا صغيرتي، ما رأيك أن تعدلي عن هذه الفكرة الآن وأنا أعدك غدًا، سأذهب بك أنت والطفلين إلي أي مكان تريديه.
نظرت له بغضب: ما هذا خالد هل تتعامل معي كما تتعامل مع هنا؟ ألم تلاحظ أنني كبرت على هذه المعاملة؟
ابتسم لها : ستظلين بنظري الصبية الجميلة ذات الستة عشر سنة التي أتت تسكن عندنا وهي تدخل الجامعة ، هيا اسمعي الكلام واذهبي لتنامي، وأرجو أن تهتمي بملابسك قليلاً ، فالبيت مليء بالعاملين ولا يصح أن تتجولي بهذه الملابس كما يحلو لك .
زفرت بضيق وهمت بالرد ليشير إليها بيده ويقول بهدوء : تصبحين على خير صغيرتي .
ابتسمت، فهي تكن لهذا الخالد مكانة كبيرة فهو أخاها الكبير و مستعدة أن تفعل من أجله ما يريد حتى لو ضد إرادتها ، تقدمت منه لتطبع قبلة خفيفة على خده وتقول بهدوء : وأنت من أهل الخير، أحلام سعيدة .
تنهد براحة وهو يشعر بأنه كان على حق فهو حينما أقنعها بقضاء الإجازة الصيفية هنا مع والديها، أتى بها ليحميها مما خشى أن يحدث لها هناك  وهو غير موجود، فوجوده هناك كان يشكل جدار حماية لها وشعوره بأن من الواجب عليه حمايتها ارغمه أن لا يتبع منال فورًا و انتظر أن أتت له الفرصة وأقنع تومي أن تقضي إجازتها الصيفية مع والديها ليأتي و يرى زوجته وأطفاله
عندما تذكرها، شعر بأنه يشتم رائحتها بالجو نظر إلى مكان نافذتهم ليراها واقفة بها وتنظر إليه، ذبذبات شوقه طغت على أي شعور أخر بداخله ابتسم لها بحب وقال بهمس : انتظريني، سأصعد حالاً.
***
متدثرة بغطاء خفيف وتتجاذب الحديث مع أمير فهو يقص لها موقفًا طريفًا حدث له، ضحكت بقوة عليه لدرجة أنها  وضعت كفيها على فمها خشية أن يستمع إليها أحد
ابتسمت بسعادة : أحرجته أمير، من الواضح أنه طيب.
__ أنه غبي، ألم يكتشف الأمر قبل أن أخبره أنا ؟
ابتسمت بهدوء لتعقد حاجبيها وهي تقرأ جملته : ليلى أريد أن أراك .
اتسعت عيناها بدهشة ليكمل لها سريعًا :ليلى أرجوك لا تغضبي ولكني أريد أن أخبرك بأمر ما ولا بد أن أخبرك إياه وجهًا لوجه .
لا تستطيع أن تحرك يديها، تشعر بالخدر يمر بأوصالها كلها، فهي لا تستطيع أن تتخيل أن أمير طلب منها هذا الأمر، الأمر الذي كانت تتوقعه من قبل، فهي الأخرى تريد أن تراه، منذ فترة وهذه الرغبة تراودها، تريد رؤيته ومعرفته عن قرب، لم تعد تكتفي بمحادثاتهم، تريد أن توثق علاقتها به أكثر، ولا تعرف ماذا تفعل ولماذا تريد ذلك ولكنها تريده على كل حال
اهتزت الشاشة أمامها وجملته المعبرة عن رجاؤه لها : أرجوكِ ليلى لا تغضبي، اعتبري أنني لم أطلب شيئاً، ولكن أرجوك أجبينني
تنحنحت، وعدلت من جلستها لتكتب بهدوء: لا عليك أمير، لن أستطيع رؤيتك، ولكن لماذا تريد رؤيتي على أي حال؟
__عديني أولًا أنك لن تغضبي .
سمعت أصوات بالخارج لتجد لها حجة قوية لإنهاء المحادثة معه فكتبت بهدوء : أمير، سأذهب الآن، ولنتكلم بوقت لاحق، سلام.
لم تعطه فرصه ان يرد عليها، أغلقت حاسوبها، وهي تشعر بالتوتر يغلفها، تريد أن تعلم ماذا يريد، ولكنها خائفة ايضًا من المعرفة زفرت بتوتر لتنهض وترتدي حجابها وتخرج لترى ما الأمر، فصوت عمها عالٍ وواضح أنه ضائق من أمر ما .
***
فتح الباب بهدوء وهو شبه متأكد أنها ستكون نائمة أو تدعي النوم ليجدها واقفة مثلما كانت تنظر إلي ظلمة السماء من النافذة ، ترتدي منامة حريرية واسعة إلي حد ما لونها وردي فتظهر لون بشرتها القمحي و شعرها بخصلاته البنية يتناثر حولها بشكل فوضوي يجعل قلبه يخفق بشده تقدم ناحيتها ببطء وهدوء لتنظر إليه فيبتسم بحب يطل من عينيه ، أشاحت بعينيها وتوجهت للنافذة لتغلقها ليقول بهمس وهو يتقدم منها: اتركيها، شكلك ساحرًا وأنت واقفة هكذا وشعرك يتطاير من حولك .
قالت بهدوء : ماذا يحدث؟ رأيتك تتكلم مع فاطمة .
تنهد بتعب وهو يجلس ليخلع حذائه :لا شيء ، ولكني سمعت  صوتًا أنا وعبدالرحمن ووجدنا أنها مصدر الصوت، ووقفت أفهم منها سبب ارتدائها لثوب السباحة بهذا الوقت، ثم تكلمت معها بضرورة تعديل طريقة ملابسها وخاصة بوجود شاب كعبدالرحمن بالمنزل .
هزت رأسها وأغلقت النافذة ليقول بضجر وهو يرمي بقميصه على الأريكة : لماذا منال؟ ألم أطلب منك أن تتركيها؟
ردت سريعا وبنبرة لوم واضحة: خائفة أن تصاب بالبرد ، لا أعلم لماذا ترتدي ملابس خفيفة هكذا رغم برودة الجو .
نظر إليها واللون الأزرق بعينيه يتألق : ماذا قلت؟
رددت وهي ذاهبة لتأتي بملابسه ظنًا منها أنه لم يستمع إليها في المرة الأولى: ارتدي ملابس أثقل قليلا حتى لا تصاب بالبرد فالجو بارد ليلا ، لا يغرك شمس و حر الصباح .
شهقت بفزع عندما وجدته بجانبها ويلف ذراعيه حول خصرها وينظر إليها وكأنه لم يسمع ما قالته : قلت أنك خائفة علي .
شعرت بالتوتر يحاوطها وكأنه متمركز بذراعيه اللذان يحاوطها بهما تفادت النظر إلي عينيه ليسقط نظرها على صدره العريض ببشرته الفاتحة وقبضت كفيها وهي تجبر نفسها على عدم وضعهما على صدره لتتحسس عضلاته البارزة ليهمس : لن احرقك منال، ضعيهما حبيبتي .
نظرت إلي عينيه لتصدم من لمعتهما وصفاء اللون الأزرق بهما ليهمس مرة أخرى وكأنه يعلم أن همسته ستدك اقوى حصونها : اشتقت إليك حبيبتي .
*** 
خرجت لترى ما الأمر ولماذا صوت عمها عال إلي هذه الدرجة لتجد ياسمين أمامها و وجهها ظاهر عليه الضيق وعلى وشك البكاء فسالتها باهتمام : ماذا بك ياسمين؟
تخطتها ياسمين ودخلت إلى غرفتها فتبعتها لتجدها تتمدد على الفراش ابتسمت : هل تريدين أن تقضي ليلتك عندي؟
زفرت ياسمين بنزق : نعم ، بودي هذا فعلا، فأنا اشتاق إلي ليالينا التي كنا نتشارك بها الفراش .
ابتسمت ليلى وتمددت بجانبها ونظرت إلي سقف الغرفة وقالت بمرح : لم أعلم أن سقف غرفتي جميل هكذا ، لماذا تنظرين إليه وكأنه أحد لوحات دافنشي؟
ضحكت ياسمين و ضربتها على كتفها بخفة : اصمتي.
ضحكت ليلى ليصمتا الاثنان وبعد دقائق همست ياسمين : هل نمت ليلى؟
__ لا عزيزتي،  مستيقظة .
__أتعلمين لأول مرة أبي يصيح بي هكذا؟
سألت ليلى بنبرة هادئة : ما السبب؟
__ تأخرت مع هشام، ما زاد غضبه بأن هشام صعد معي ليخبره أنه السبب في تأخري وأننا قضينا النهار معًا واشترينا خاتم الخطبة وحجزنا الفستان أيضًا.
اتسعت عينا ليلى وجلست لتنظر إلي ابنة عمها :بمفردكما ياسمين ، لماذا؟ هشام قال أن لا فائدة من وجود آخرين ، فأنا من سأنتقي على أي حال.
__لا تخبريني أن عمي تشاجر معه .
هزت رأسها نافية: لا ولكن عامله بشكل سيء جدًا وأخبره أن المرة القادمة لا بد أن لا نفعل شيء بمفردنا ، وعندما انصرف هشام تشاجر معي أنا وأخبرني بأنه غاضب لأني لم أرفض وأنسقت وراء أفكار هشام، ولم أفكر في عائلتي التي تريد أن تفرح بي وتتشارك معي هذه اللحظات السعيدة .
تنهدت ليلى وقالت بهدوء : أنت تعلمين أن عمي معه حق .
__بل كل الحق، ولكن لا أعلم لماذا أنسقت بالفعل وراء هشام وما يريده.
ابتسمت ليلى : من الواضح أن هذا الهشام سيفعل ما لم يستطيع أحد فعله عشت لأرى ياسمين ابنة المستشار كامل توفيق تنساق وراء أفكار أحدًا ما.
ردت بصوت محمل بالضيق : ليلى، أرجوك لن أتحمل كلمة اخرى.
ابتسمت ليلى بهدوء : لا أعلم لماذا أنت مكتئبة هكذا، فأنت تدركين أنك ستستطيعين مصالحة عمي غدا، وما حدث مع هشام شيء جيد، أن تنقادي إليه هذا شيء جميل، ومبشر بالخير .
__هذا ما يقلقني، لديه تأثير غريب، ولا أستطيع أن أفعل شيء غير الموافقة.
__ياسمين لا تحملي الأمور أكثر من حجمها، طبيعي أن تتأثري به فهو سيصبح زوجك.  
دفنت رأسها بحضن ابنة عمها: خائفة ليلى .
رتبت ليلى على شعرها : طبيعي حبيبتي أن تشعري بالخوف، وسيزول مع مرور الوقت، أخبريني أين هو الفستان لأراه؟
لم أتي به، فأنا صممت على أني لن اشتريه إلا عندما ترينه ويعجبك.
ضحكت ليلى : ولماذا يعجبني أنا؟ هل أنا من سيرتديه؟
__ستبخلين علي برأيك ليلى .
__لا طبعًا حبيبتي ولكني لا أريد لوالدتك أن تغضب لأنك لم تستشيريها بالأمر .
__ليلى من فضلك موضوع أمي هذا انتهينا منه منذ زمن، أنا لا أريد استشارتها ، هي تفرض علي ما لا أريد ولا تهتم بما أريد أبدًا .
نظرت لها بعدم فهم لتقول ياسمين وهي تنهض من جوارها : سأتركك تنامين ولا تنسي سأمر عليك غدا لنذهب ونرى الفستان ونشتري فستان من أجلك أنت الأخرى، فالخطبة الجمعة التي تلي الجمعة القادمة.
اتسعت عينا ليلى : نعم، هل جننت ياسمين؟ أنه قريب جدًا أمامنا عشرة  أيام فقط .
هزت ياسمين رأسها : نعم، الوقت قصير ولابد لنا من الركض لنتمم كل شيء بموعده،
انحنت وقبلت وجنتها : تصبحين على خير.
__وأنت من أهل الخير .
نظرت في أثر ابنة عمها التي انصرفت وأغلقت الباب خلفها وهي تفكر بأن هذه السرعة لا معنى لها ولكنها تشعر بأن ياسمين تريد أن تتمم كل شيء سريعًا وكأنها خائفة أن تتراجع عن قرار الخطبة نفسها
دعت بهدوء بأن يتم لها الله على الخير ويكون هشام لها خير الزوج.
***
سمع صوت خطوات أمام باب غرفته لتتنبه كل حواسه ويستيقظ جسده بعد أن كان هيأ نفسه للنوم، عندما  رأى مقبض الباب يتحرك قفز واقفًا وراء الباب وهو ممسكا بمسدسه اتسعت عيناه بدهشة وكتم أنفاسه لرؤيتها داخل غرفته واخفى مسدسه بملابسه، ليقول بقوة : ماذا تفعلين هنا؟
ارتعدت وارتدت إلي الوراء عندما فاجئها وهو واقف بجانب الباب لتقول بارتباك: آسفة ،هل ستستطيع فهمي؟ فأنا لا أتكلم العربية .
هز أكتافه بعدم فهم لتكمل : أريد أن أعلم لماذا لا تنظر إلي؟
اقتربت منه ليبتعد هو خطوة إلي الوراء وقبض كفيه بقوة لتردف بصوت هامس مغري : أنت تعجبني .
اتسعت عيناه لتبتسم وتقول وهي تضع يديها على أكتافه : من الواضح أنك فهمت ما أقوله .
أزاح يديها من عليه بقوة وهدر بغضب مكتوم وهو يفتح الباب أمامها  : اخرجي من هنا الأن، حتى لا أفعل شيء يغضبك، اخرجي.
انتفضت من صرخته ونظرت إليه بغضب : سأمهلك بعضًا من الوقت لتفكر.
أشار لها بالباب مرة أخرى لتنظر إليه شزرًا وتخرج من الغرفة كالإعصار، أغلق الباب خلفها واستند عليه بظهره وهو يقبض كفيه بقوة أغمض عيناه ليستطيع محو صورتها من عقله بفستانها العاري القصير و هو يشعر بالغضب يعلو بداخله من هذه الفتاة الحمقاء كيف استطاعت أن تفعل شيء كهذا، بل كيف جاءتها الجرأة على التفكير به، ألم تفكر بوالدها ومنصبه وتاريخ أسرتها العريق، زفر بضيق ماذا سأفعل مع هذه المجنونة، من الواضح أنها لن تتراجع بسهولة، تأفف بصوت مسموع وهو يتذكر خالد، لا يعلم يشعر بأن هذا الخالد وراءه سر كبير هو الآخر، فكيف استطاع أن يعرف حقيقته وكيف انتبه لصوت خطوات فاطمة على الرغم من خفوت الصوت ، يشعر أن الأمر تعقد أكثر من اللازم جلس على الفراش وقرر أن يبعث برسالة الي السيد رؤوف يخبره بالمستجدات.
***
دخل الي البيت ليجدها جالسة تنتظره كعادتها : أخيرًا أتيت، لماذا تأخرت هكذا؟
ابتسم باتساع ليتقدم باتجاهها وانحنى ليقبل رأسها : كيف حالك أمي؟
ابتسمت : بخير حبيبي، لماذا تأخرت؟
__ كنت مع ياسمين.
رفعت حاجبيها بدهشة : من الصباح!
ابتسم : نعم قضينا اليوم معًا واشترينا خاتم الشبكة وحجزت الفستان أيضًا.
اتسعت عيناها : اشتريت شبكة خطيبتك دون وجودي .
__كنا بمفردنا أمي .
__لم تحضر إحسان شراء الشبكة، لماذا هشام؟
__ ولماذا وجب أن تحضر العائلتين شراء الشبكة أمي، ياسمين من ستنتقي بأي حال من الأحوال وهي من سترتديها، لا داع لوجود أي شخص أخر.
نظرت له بصدمة: ليس واجبًا ولكننا نريد أن نفرح بكما بني .
__ ستفرحين يوم الخطبة أمي، أنها الجمعة بعد القادمة.
ابتسمت بفرح حقيقي : مبارك عليك بني، هل ستحجز القاعة التي انتقيتها؟
ابتسم بتوتر : لا اتفقت أنا و ياسمين أن نحجز إحدى الحدائق ونقيم حفل على الطراز الأمريكي .
شهقت هذه المرة : الطراز الأمريكي، هل ستخبر جدك بأنك ستقيم حفل خطبتك على الطراز الأمريكي وبوضح النهار .
عقد حاجبيه : جدي.
نظرت له بقوة : نعم سيأتي ليرى عروسك التي انتقيتها، عروسك التي ستحمل اسمك واسم عائلتك .
تنفس بقوة وهو يتخيل امتعاض جده وإعلان اعتراضه على ياسمين قبل أن يتعرف عليها، متأكد أيضًا أن جده لن يتردد في إبلاغها باعتراضه هذا سأل بهدوء : هل أخبرك أنه سياتي؟
__ طبعًا، اتصلت لأسال عن أحواله وابلغه بخطبتك فأبلغني أن أخبره  بالموعد ليأتي هو وأعمامك وأخوالك أيضًا .
جز على أسنانه : لماذا أمي، سيحضرون جميعهم من أجل الخطبة، أبلغيهم أن يصبروا إلي حفل الزفاف.
هدرت به : هل تريد أن أخبر اعمامك واخوالك أن لا تأتوا لخطبة ولدكم لماذا هشام؟
__ لن يعجبوا بالحفل، وسيعترضون عليه وعلى ياسمين نفسها وأنا لا أريدها أن تغضب يوم خطبتها .
نظرت إليه بصدمة وصاحت به غاضبة : تتخلى عن وجود أهلك بجوارك يوم خطبتك من أجل فتاه لا تعرفها  إلا منذ أيام .
رد بغضب : لا بالطبع ولكن لا أرى فائدة من حضورهم .
هزت رأسها بيأس : أنت لست ولدي الذي ربيته وكبرته، لا أفهم سبب نفورك من أصلك وعائلتك بهذه الطريقة .
اتسعت عيناها وهي تدرك الآن سبب ضيقه من حضور عائلته : أنت تتنصل من أهلك هشام لأجلها، خائف أن لا تعجب بهم ست الحسن والدلال، هذه المتحررة التي لا أعلم إلي الآن سر تمسكك بها
نظر إلي أمه بهدوء : أعلم أمي أنك غير راضية عن زواجي منها، وأعلم أيضًا أنك بدلتي رأيك عندما رأيتِ ابنة عمها أعجبت بها وبحجابها ورقتها وعيناك نطقت بما أخفيته ، ولكن أنا أريد أن أتزوج ياسمين، أتعلمين لماذا أمي، لأنها ذات إرادة قوية، لا تتزحزح عن موقفها تفعل ما تريده ومقتنعة به دون أن تهتم لآراء الناس و كلامهم .
نظرت له بقوة : وأخبرت تلك القوية بزيجتك الفائتة أم جبنت كعادتك يا سيادة وكيل النيابة ؟!
نظر إلي والدته بألم : تصبحين على خير أمي .
صمتت ولم تجبه ولم تنظر إليه وهو يغادرها ليدخل إلي غرفته ويغلق الباب، لتنزل دموعها بصمت وهي تؤنب نفسها على جرحها إليه بتلك الطريقة وهي  تعلم جيًدا حساسيته من هذا الموضوع، تعلم أنه تغير كثيرًا بعد تجربته السابقة وكيف لم يستطع أن يسامحها أو يسامح جده على ما فعلاه به ، وها هو الآن يختار ياسمين كتحدي لهم جميعًا بل ويصر عليها ويفعل لها ما تريده وكأنه يثبت لهم، أنه سيفعل ما يريده دون الاهتمام بهم أو بآرائهم
هزت رأسها بيأس ونظرت إلي صورة زوجها الموضوعة بمنتصف الصالة : ماذا أفعل محمد؟ أتمنى أن تكون بجانبي في مثل هذه الأوقات
زفرت وهي تدعو لزوجها بالرحمة ولابنها بالهداية .
***
دخل الي غرفته مثقلا بالألم قلبه ينزف .... وروحه تئن كان تخلص من هذه الذكرى الثقيلة على روحه، لا يعلم لماذا أمه قست عليه بتلك الطريقة ألم يكفيها ما فعلته هي وجده المرة الماضية؟!
أغمض عيناه بألم وكأنه بهذه الطريقة سيمحو كل ما يتعلق في ذاكرته ولكن هل يحاول نسيانها حقا أم يحاول دعوتها إلي ذاكرته انفعلت عضلات وجهه مع طلتها المدمرة إلي ذاكرته وكانه يراها أمامه
تلاعبت الابتسامة على شفتيه وهو يتذكر ضحكتها، ليتنهد بحب لملكة قلبه المتوجة نفض رأسه بذعر وفتح عيناه حتى يؤكد لنفسه عدم وجودها معه
كتم نفسه وهو يفكر في كلام امه، نعم لا بد أن يخبر ياسمين ، ولكن كيف؟! كان يريد أن يخبرها اليوم واستخدم محاولة زواجه من ابنة عمته كخطوة ليفضي لها بسره ولكن لم يسعفه الوقت سيبلغها ويتمنى أن تكون متفهمة كما هو واضح عليها.
***   
بكلمه منك تنسيني اللي عدى اوام............ تخليني أحس بقيمة الأيام
تطمني سنين قدام
بكلمه منك توريني اللي مش شايفاه..........
تريحني من الهم اللي أنا شايلاه
تعيشني اللي مش عايشاه
كان فين هواك من بدرى يا حبيبي وكل ده فين
ده انا من قبلك انا عايشه مع العايشين
بكلم نفسى من الوحدة بقالي سنين
وانا في ضيقتي مكنتش عارفه اشكى لمين
وطول وقتي ولا بعمل حساب بعدين
و دلوقتى عرفت ابدأ حياتي منين

__ماذا تفعل؟ ولماذا تعبث بأشيائي؟
انتفض على صوتها ليزفر براحة وابتسم : مرحبا يا أستاذه، كيف حالك؟
رفعت حاجبيها باستهجان : أنا لا أفهم مما أنت مصنوع، ماذا تريد؟
ابتسم ببرود :أنت من أتيت وانا جالس والمفروض أن أسألك أنا ماذا تريدين ولماذا تصرخين كالأطفال هكذا؟
احتقن وجهها وتمتمت : بارد.
ابتسم بسخرية : ماذا قلتِ؟ لم اسمعك جيدًا .
هلا سمحت لي بان ألملم أشيائي
مد يده ببرود وسحب أوراقها : هل هذه أشيائك؟
نظرت له وهي تصر على أسنانها ليقرأ ما قراءه من قبل وقال بهدوء : هل أنت شاعره
ردت من بين أسنانها : أنها أغنية.
رفع حاجبيه وطل الإعجاب من عينيه : تنظمين الأغاني !!
نظرت له بدهشة وتحكمت بضحكتها : أنها أغنية تذاع بالفعل.
عقد حاجبيه بعدم فهم لتكمل وهي تبتسم : لدي عادة أن أنقل ما أحب من الأغاني وأنا أسمعها.
أشارت إلي الايبود الموضوع مع الأشياء، ليهز رأسه بفهم.
لتسأل هي بفضول وهي تجلس بالكرسي أمامه : ألا تعرف هذه الأغنية؟
هز رأسه نافيًا  لتبتسم فيبتسم لها بدوره وتنحنح قائلاً : اسف على تطفلي ولكني كنت أتي أساسا لاعتذر لك عما حدث.
نظرت له باستفهام : رأيتك وأنت تجلسين وأتيت لاعتذر عما حدث البارحة وإن كنت تعاملت معك بشكل لا يليق من قبل وكنت سأنصرف حينما وجدت أنك نهضت ولكن وقعت عيناي على ما كنت تكتبيه، ولم أستطع منع نفسي من قراءته
نظر إليها بطريقة مباشرة : أعتذر عما حدث وعن تطفلي الآن .
ارتبكت من نظرته المباشرة، لتهمس : لا عليك.
ابتسم بهدوء لينهض وهو يقول : بعد إذنك.
تحرك من جانبها وعندما تخطى كرسيها نظرت له وهي تشير بالايبود وقالت بدون تفكير : أتريد سماع الأغنية ؟ أنها من أغاني المفضلة .
ابتسم وخفض رأسه ليلتفت اليها : طبعا، سأكون ممتنًا لك .
عاد ليجلس مرة أخرى وقال بهدوء : هل تسمحي لي باستعارته فأنا سأذهب بعد قليل لأقل سيادة السفير إلي المطار.
__هل عمي مسافرًا؟
ردد بدهشة : عمك، توقعت أن تكوني قريبة لهم .
ابتسمت وهزت رأسها نافية : لا، ولكن عمي صديق شخصي لسيادة السفير، وسيادته يتعامل معي كابنتيه.
ابتسم : نعم لاحظت ذلك.
ابتسمت : المستشار كامل توفيق.
مط شفتيه بإعجاب : عمك قاضي، ووالدك ماذا كان يعمل؟
جمد وجهها لتقول بنبرة حزينة : الله يرحمه، كان موظفًا عاديا
أردفت وهي ترى التعجب يطل من عينيه : نحن من أسرة بسيطة، جدي كان عاملاً كأغلب المصريين ولكن عمي شق طريقة وأكمل دراسته الجامعية وتخرج ليصبح وكيلاً للنيابة تزوج من إحدى العائلات الراقية فحماه كان أستاذه بالجامعة وهو من تمسك به وزوجه ابنته، درة العائلة الحسناء، فأنطلق عمي بعمله ودخل إلي المجتمع المخملي من أوسع الأبواب، وتعرف على سيادة السفيروأصبحا أصدقاء، ولكن أبي ظل كما هو موظفًا عاديًا بإحدى المصالح الحكومية إلي  أن مات ثم انتقلت أنا إلي منزل عمي لأقضي بقية حياتي هناك بمنزله الفخم في جاردن سيتي .
تنهدت بحنين وهي تردف : أجمل أيام حياتي قضيتها بمنزلنا المتواضع بعابدين، وكان جميلاً وصغيرًا ودافئًا، وإلي الآن أتذكر كم كانت غرفتي الصغيرة تضمني أنا ووالدي وضحكته التي ترددت بأنحائها .
دمعت عيناها لتشيح بنظرها بعيدًا ليهمس بدفء : ليلى ، مسحت دمعة حزينة فرت من مقلتيها لتنظر إليه - لا تبكي أرجوك، دموعك غالية علي، عندما أراها أشعر بقلبي يئن من أجلك.
احمرت وجنتيها واتسعت عيناها لتهرب دمعة أخرى منهما ليمد سبابته بهدوء ويمسحها برقة :ارجوكِ لا تبكي
ارتعدت من لمسته لتحمر خجلاً وتنهض واقفة وتلملم أشيائها سريعًا : بعد إذنك.
ابتسم ليناديها بهدوء : ليلى
وقفت لتستمتع إليه ليقول بهدوء : ألن تعيريني الايبود؟
التفتت بارتباك : لا طبعًا.
تقدمت باتجاهه ليبتسم ويبسط كفه أمامها لتضع به الايبود فيطبق بأنامله على كفها الصغير ويقترب منها ليهمس : عندما تشعرين بأنك ستبكين تذكريني وتذكري أنين قلبي ولا تبكي، أرجوك ليلى من أجلي لا تبكي .
أسرعت من أمامه وهي تنتفض مما حدث، وتقنع نفسها بأنها كانت تتخيل ولكن دفء أنامله لازال يسري بعروق يدها. دخلت إلي غرفتها وأغلقت الباب خلفها وأسرعت إلي دورة المياه وفتحت الماء البارد ووضعت يدها تحتها لتتخلص من هذا الدفء المريب الذي سيطر على يدها وهي تقنع نفسها بأن هذا العبدالرحمن لم يمسك يدها
  ***
جالس متكئ بجانبها على الفراش يسند رأسه لراحة يده وكوعه مغروس بالوسادة جانب رأسها ،لا يعلم كم من الوقت مر عليه وهو يتأمل ملامحها البريئة الرقيقة الخالية من الزينة، بشرتها الخمرية ...ذقنها الصغير...
شفتيها الوردية ... خدودها المكتنزة تشوبها حمرة طبيعية ... أنفها الجميل المحمر جراء نوبة البكاء التي اجتاحتها بعد لقائهما العاطفي.
لا يعلم إلي الآن سر بكائها ولكنه البارحة أجبرها على عدم القفز إلي دورة المياه كما تفعل كل مرة بل شدد من احتضانه لها ولفها إليه لتبكي على صدره، سألها أكثر من مرة عن سبب البكاء ولكن سؤاله كان يجعلها تبكي أكثر وتنتحب، فصمت على مضض وعمل على تهدئتها إلى أن غفت بين ذراعيه .
مد أصابعه يتخلل خصلات شعرها المموجة بتموج طبيعي واقترب منها بهدوء ليطبع قبلة  عميقة على رأسها وهو يتنفس عبقها المبعثر لمشاعره، لينزل بهدوء ويقبل جبينها بقبلة رقيقة، لينظر إلى أجفانها التي ارتعشت بتلقائية لتفتح عيناها البنيتين ليهمس بحب وهو يطبع قبلة مفعمة بمشاعره على شفتيها : صباح الخير حبيبتي .
انتفضت جالسة وهي تشد غطاء الفراش إلي تحت ذقنها وترتجف أمامه لتلمع الدموع  بعينيها وهي تنكمش بعيدًا عنه
راقب ارتجافها وانكماشها بعيدًا عنه ليتنهد بألم وهو يقترب منها: ما بالك حبيبتي؟ لماذا تبكي؟
نظر لها برقة دافنا مشاعره السلبية التي تجتاحه وهو يرى بكائها ليقترب منها بهدوء ويشدها إلي حضنه : أخبريني منال، وما سبب  بكائك؟ هل أنا سيئًا لهذه الدرجة؟
اتسعت عيناها و ابتعدت عنه لتقول بغضب : ما هذا الذي تقوله؟
ابتسم وهو يشدها إليه مرة أخرى، ليقول بخبث : اجبرتِني أن أشك بنفسي وقدراتي.
صاحت مزمجره بضيق : خالد.
ضحك بخفة ليتنهد : ألا تفهمين منال أن كل مرة تبكي بها، تدفعيني أن أفكر بأني لم أكن جيدًا مثله .
اتسعت عيناها وابتعدت عنه لتقول بغضب : ما هذا الذي تقوله؟
تحركت بارتباك بين ذراعيه ليشد من احتضانه لها : أنا أمزح معك، صراحة  كنت أريدك أن تشعري بالذنب تجاهي، وبسبب بكائك الغير مبرر بالنسبة لي.
رفع وجهها إليه ليجد خدودها متوردة بخجل ليبتسم ويتحسس وجنتها بأنامله : لازلت تحمرين خجلاً وكأنك فتاة عذراء لم تتزوجي من قبل.
أشاحت نظرها بعيدًا عنه ليحتضنها مرة أخرى ويقبلها بجانب أُذنها
ويهمس : أحبك منال، لا أعلم ماذا أفعل لتصدقيني .
دفنت وجهها بين رقبته وكتفه لتهمس باكية : وأنا أحبك خالد.
انتفض وأشرق وجهه ليحتضنها بقوة أكبر ليجمد عن  الحركة وهو يسمعها تقول ببكاء : وهذا سبب بكائي خالد، إنني أشعر بأني خائنة اشعر بأني .....
صرخ هادرًا وهو يبعدها عن حضنه ويضغط على ذراعيها : لا تنطقيها، لا أريد سماعها، كذبت نفسي أكثر من مائة مرة وأجبرت نفسي على عدم الوصول لهذه النقطة، لم أكن أتخيل أن حبك لي يجعلك تهينني وتهيني نفسك بتلك الطريقة، أنت زوجتي أيتها الغبية .
أكمل بثورة وهو يقفز واقفًا من الفراش : ألا تعلمي كم عاتبت نفسي على الزواج من زوجة أخي التي كانت تهيم به حبًا، لم اختار أن أحبك، قضيت سنتين معك أعاملك كأخت لي، لم تكوني إلا زوجة أخي، لم أختار حبك منال ، بل حبك من تسلل إلي ... تسرب إلي أعماقي، احتلني، احتل كل خلية من روحي وعقلي، اعتصم بقلبي وأبى الخروج قضيت سنة أخرى في الجحيم وأنا أقمع مشاعري واجبر روحي وقلبي على نسيانك وأنت أمامي، أجبر نفسي على عدم التفكير بك وأنت نائمة بالغرفة الواقعة إلي جواري لا يفصلنا إلا الحائط إلى أن انهارت دفاعاتي كلها وأتيت جاثيًا على ركبتي أطلب منك أن تشعري بي، لم أطلب منك شيئاً أخر منال إلا أن تشعري بحبي لك . ولكن كعادتك صفعتِنني بكراهيتك، كنت أعيش على أمل أن تعترفي بحبك لي، ولكنك مرة أخرى تصفعينني بإهانتك لي ، لن أحتمل أكثر من ذلك، واكتفيت من صفعاتك.
تجمدت وهي تنظر إليه وهو يصرخ بها بثورة، ويدور بالغرفة كالمجنون لم تكن تتوقع أن يثور بتلك الطريقة، صوته حمل لها ألّم ومرار نابع من داخله، إلي أن سمعته وهو يخبرها بأنه اكتفى، شعرت بقلبها يتمزق و الألم يحتل كل جسدها، لتجهش في بكاء مرير لا تعلم سببه.
***
__ بلال، كيف حالك؟
التفت إلي الصوت الأنثوي الذي يستطيع تمييزه بسهولة : مرحبا سوزان كيف حالك؟
صافحته بود : ماذا تفعل هنا؟ ألم تنتهي من دراستك الجامعية؟
__آها، نعم ولكن جئت أنهي اجراءات استلام شهادتي ، وأنت ماذا تفعلين؟
__احضر نفسي للاختبارات.
__ أخر سنة دراسية لك، أليس كذلك؟
هزت رأسها بابتسامة واسعة : نعم و أخيرًا. سأتركك تنهي اجراءاتك .
ابتسم بخفة : لا لقد انتهيت اليوم، سآتي بعد غد لاستلم الشهادة سأنصرف الآن .
__أنا أيضًا ذاهبة إلي المنزل .
__ حسنا، تعالي نحتسي القهوة بكافتيريا الجامعة، ثم نعود إلي المنزل .
أشار لها بأن تتحرك معه، لتسير بجانبه بهدوء، لتبتسم عندما تذكرت كم مرة سارا بجانب بعضهما هكذا، ابتسمت وقالت ناهية سيل أفكارها :مبروك بلال.
_ العقبى لك عزيزتي .
نظر لها مطولاً لتبتسم وتشيح بنظرها بعيدًا عنه سألت بتردد : كيف حال والدتك؟
تنهد بألم : الحمد لله، ستتحسن بإذن الله .
__كنت سآتي مع أمي لزيارتها في المشفى ولكن أنت تعلم ظروف العمل و الدراسة .
هز رأسه متفهمًا ليسأل بهدوء : أما زلت تعملين في الإذاعة ؟
ابتسمت بتوتر : لا تركتها، الاختبارات على الأبواب ولا سبيل إلي فعل أي شيء أخر إلا الدراسة ولكنهم أخبروني أن مكاني محجوز لديهم إذا أردت العودة بعد انتهاء الاختبارات
سأل بغموض : هل ستعودين للعمل هناك؟
نظرت له بهدوء : لا، لن أعود.
ابتسم بإشراق : تخرجي بتقدير عالي وأنا آتي لكِ بوظيفة ممتازة .
ضحكت بسعادة : تتكلم كرجل أعمال الآن .
هز رأسه بغرور مرح : أينعم، أنا الآن من أدير شركات والدي رحمة الله  عليه، انسيتِ أم ماذا؟ أنا خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بتقدير جيد جدًا.
أشارت له بملل : نعم، أعلم هذا جيدًا، كفى غرورًا و تفاخرًا لم أسمع أنك أول الدفعة لكل هذا الغرور.
عقد حاجبيه : لا، يكفيني تقدير الجيد جدًا.
جلسا على  إحدى الطاولات المنتشرة بحديقة الجامعة ليناولها كوب القهوة البلاستيكية: تفضلي.
نظرت له ومدت يدها لتأخذ منه الكوب لامست يدها يده بدون قصد لتمتم بصوت خافت : أشكرك.
نظر لها وتنفس بعمق، ابتسمت وأشاحت بنظرها بعيدًا عنه، ليهمس : اشتقت إليك .
نظرت له بارتباك ليكمل وهو ينظر إلي الجهة الأخرى : ظننت أنك ستتصلين بي أو تأتي لزيارة أمي ولكنك خالفتِ كل توقعاتي.
اطرقت رأسها أرضًا ليكمل بهدوء : لم أكن أعلم أن المشاجرة السخيفة التي نشأت بيننا ستتسبب بكل هذا .
فركت يديها ببعضهما في قلق واضح لتقول نبرة مخنوقة : لم تكن المشاجرة السبب بلال، بل غبائي هو السبب، آسفة على كل ما سببته لك.
ابتسم مطمئنًا : لا عليك.
صمتت ليقول بمرح : ما رأيك لنذهب ونتناول الغداء عندنا، فإيناس ستسعد كثيرًا بمقابلتك .
ابتسمت : اشتقت إليها جدًا، أبلغها سلامي بلال، لأني لن أستطيع أن آتي معك الآن، لا بد أن أبلغ أمي أولًا .
قال بضيق ملحوظ : لا أعتقد أن عمتي ستحزن من غدائك ببيت خالك سوزان، وخاصة في وجود أمي و إيناس .
ابتسمت وقالت بدون تفكير : أمي إذا علمت بأننا تصالحنا ستفرح كثيرًا .
نظر لها بقوة وقال بنبرة مقصودة : هل تصالحنا فعلاً؟ أم أنك تتخلصين  مني ببراعة كعادتك.
احتقن وجهها وقالت بضيق : بلال، كف عن أسلوبك هذا .
نفخ بضيق : لا أفهمك سوزان، ماذا تريدين؟
تلعثمت : اهدأ بلال من فضلك، توجد أشياء كثيرة حدثت بتلك الشهور الفائتة، ومن حقك علي أن تعلمها جميعًا، ولكن ليس الآن أنا منشغلة بدراستي وأنت منشغل بوالدتك ومرضها والشركات  التي تركها خالي بعهدتك، لننتظر قليلاً فحسب.
نظر لها بتساؤل : ماذا حدث سوزان؟ ماذا حدث ولا بد لي بأن أعلمه؟
تنهدت و وقفت :ليس الآن بلال، احترم رغبتي و لو لمرة واحدة بحياتك
قفز واقفًا وقال بحدة : مرة واحدة بحياتي، أنا احترم رغباتك كلها سوزان منذ كنا صغارًا وأنا أهيم بك حبًا، وأنت تفعلين المثل، ماذا حدث لتتغيري بهذا الشكل، هل اكتشفت فجأة إني لست أنا الشخص المناسب؟
هزت رأسها نافية ليردف بغضب مكبوت : أولاً ذهبت لتعملي بتلك الإذاعة وأنا لا أعلم السبب إلي الآن، وكان هذا ضد إرادتي ولكني وافقت إكرامًا لرغابتك، طلبت منك أكثر من مرة أن تتركي هذا العمل بسبب مواعيد العمل ولكنك رفضت، ثم فجأة فزعت عندما أشرت لموضوع الخطبة وأن نقيمها بعد اختباراتي النهائية، وأخيرًا تشاجرتِ معي عندما طلبت منك أن  تبتعدي عن وليد الجمّال، فسعمته السيئة تسبق خطواته، وصولاته وجولاته تتردد بكل مكان .
ارتبكت عندما بدأ بكلامه الحاد لترتعد عندما ذكر مشاجرتهما التي كانت بخصوص وليد، تذكرت أنه كان محقًا في القلق عليها، لتنساب دمعتها ببطيء على وجنتها
صمت عندما لاحظ ارتعادها ودمعتها التي فرت من بين أهدابها ليقول بجمود بعد أن زفر بقوة : حسنًا سوزان كما شئتِ أنت، لن أضايقك بعد ذلك يا ابنة عمتي .
هتفت برجاء : بلال أرجوك، انتظر دعني أشرح لك.
نظر لها ببرود :فات الوقت لذلك سوزان، لن أستطيع أن أفرض نفسي عليك أكثر من ذلك .
انصرف من أمامها والغضب واضح في خطواته، لتنهار هي جالسة على الكرسي وهي تنظر في أثره وتسأل نفسها:ما هذا الذي فعلتيه أيتها الغبية ؟
تخليت عن  حب عمرك كله، حب الصغر والصبا وحلم عمرك في الزواج من بلال من أجل ذلك الوقح، الذي لا يعي ما أمامه
قامت ببطيء وهي تجر خطواتها بالأرض، وتؤنب نفسها على ما فعلته ببلال، وهو لا يستحق منها ذلك
لطالما أحبها وخاف عليها وقدم لها الكثير، ولكن ظهر هذا الوليد ليقلب مشاعرها ويبعثرها كحجر الطاولة، كانت معجبة به كباقي الفتيات ولكن رؤيتها له صدمتها تعاملها معه عن قرب وابتساماته الموزعة هنا وهناك
جعلتها تفقد صوابها، بدأت تشعر بالملل من بلال، وتعقد مقارنة بينهما ليفوز وليد باكتساح، فبلال على الرغم من خفة ظله وروحة المرحة إلا أنه لم يكن وسيمًا ولا متلاعبا كوليد، ينظر لها بحب ولكنه لا يشعرها أنها أخر امرأه على وجه الأرض كوليد عندما ينظر إليها، يبتسم بخفة ولا يبتسم ابتسامة مثقلة بكل أنواع الوعود كما يفعل وليد، وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة إليها عندما أعلن بلال عن ضيقه بوضوح واخبرها أن تترك العمل بالإذاعة، أو تنتقل لعمل أخر بعيدًا عن وليد الجمال
فهي منذ أن عملت معه وهي لا تنفك أن تتكلم معه عنه تشاجرت معه وأنهت كل شيء بينهما وهي تتوقع أن وليد يحبها وسيأتي ليتزوجها ليصفعها الأخير، بأنها ليست من نمطه
ليست نادمة عليه الآن، فهولا يستحق أن تندم عليه، تركت العمل بعد ان نفذت ما تراه صحيحًا لتجنب باقي الفتيات أن يحدث لهن ما حدث لها
ولكنها نادمة أشد الندم على ما وصل إليه حالها مع بلال، لا تريد أن تشعر بأنها تخدعه، ستخبره بكل شيء ولكن بعد انتهاء اختباراتها
نعم هي لا تريد أن تخسره، ولكنها لا تريد أن تخسر مستقبلها أيضًا ستصبر إلي انتهاء الاختبارات ثم تذهب إليه لتتفاهم معه وهي تعلم أنه سيصفح عنها، فهو يحبها رغم كل ما حدث وما سيحدث، سيظل يحبها
***
جالسة أمام ألبوم صور لها مع باسم، تنظر إليها  تبحث عن أجوبة عما بداخلها، ابتسمت بمرارة وهي تنظر إلي صورة تجمع الأخين بها وتُظهر الفارق الواضح بينهما
باسم رقيق ببشرته القمحية التي تنم عن أصله المصري ... شعره الأسود وعيناه الواسعة البنية ... ابتسامته المشرقة التي تجعله يدخل إلي القلب فورًا ...متوسط الطول ... بنيته ضعيفة إلي حد ما، فهو من الشباب النحيف ...ليس عريضًا ولكن بنيته رياضية وظاهرة إلي حد ما من عضلات جسده
نقلت بصرها إلي سبب عذابها لتراه بطوله الفارع ...جسده الضخم ...كتفيه العريضان... بشرته البيضاء ...عيناه الزرقاء الواسعة ...وشعره الأسود هذان هما الشيئين اللذان يتفقا بهما، الشعر الأسود ونفس شكل العين
ولكن تختلف لون الحدقات ويختلف معها ما يطل منها ، فواحد نظراته رقيقة كشخصيته، مطمئنة و بشوشة كاسمه ، والآخر الخبث والقوة يطل من  نظراته وكأنه يعكس قوة جسده وبنيته
لا تعلم كم مر من الوقت وهي نظر إلي الصورة بيدها ، ولكنها نقلت بصرها بينهما مئات المرات، وكل مرة يخذلها قلبها تشعر بالاطمئنان عندما تنظر إلي باسم وعندما تنقل بصرها إلي خالد قلبها يخفق بشده، تشعر بازدحام للمشاعر بداخلها لا تدرك سر دموعها التي تغلبها وهي تنظر إليه ،ولكنها تشعر بالخوف والقلق فخالد غاضب هذه المرة، لم يرد على اتصالاتها، وهذا شيء لم يحدث من قبل
تنهدت لتنتبه إلي صوته الساخر : قلقت عندما أخبرتني أمي أنك لم تنزلي إلي الأسفل اليوم، حتى لم تطمئني على أحمد و هنا
لتزداد سخريته وهو يقول : لم أكن أعلم أنك جالسة تبكين على الأطلال وتطلبين منه العودة، ألم يخبروكِ بأن الأموات لا تعود منال؟
نظرت له ودمعت عيناها  لم تسمع ما قاله ولكنها فوجئت بوجوده أمامها لتقفز واقفة وتندفع باتجاه لتحتضنه بقوة وتبكي بهستيريا، جعلته ينتفض اتسعت عيناه بدهشة وأجبر نفسه على عدم احتضانها وسأل بتوتر : ماذا حدث منال؟ هل أنت مريضة؟
لم تستطيع الصمت ليخرج سيل الكلمات من بين شفتيها دون تفكير و هي تتمسك برقبته بقوة :خائفة، لا تتركني خالد، كدت أموت و أنا أفكر بأنك ذهبت ولن تعود. لا تتركني، ابقى من أجل الطفلين خالد، لن أتحمل فقد أحدًا آخر
أغمض عيناه بألم ليتنهد ويحملها بين ذراعيه ليضعها على الفراش ويستلقي بجانبها : لا تقلقي منال، لن اذهب إلي  أي مكان، أنا بجانبك.
احتضنها بين ذراعيه وهو يستمع إلي بكائها الذي أخذ في الخفوت شيئًا فشيئًا إلي أن هدأت شهقاتها ليتأكد أنها غفت بين ذراعيه .عدل وضعها على الفراش ليدثرها بالغطاء جيدًا و ينهض من جوارها و هو يشعر بالضيق يجثم على صدره .
لن يستطيع أن يتركها ويرحل الآن، مهما حدث هي حبيبته ولن يعرض عائلته للخطر، لن يرحل قبل أن يعثر على الحقيبة .تلك الحقيبة السبب بكل المصائب التي حدثت والمصائب التي ستحدث ، لو لم يعثر عليها، يريد أن يتفاهم مع عبدالرحمن، يعلم جيدًا أنه ليس سائقًا عاديا، مظهره واضح لا يوجد سائق يتعامل بهذا الشكل
لن ينكر أنه في أول الأمر شعر بالخوف منه وأنه من الممكن يكون مجرمًا ولكن طريقة تعامله وضحت له جيدًا أنه ضابط ثم أنه علم من مصادره الخاصة أن بيت سيادة السفير يخضع لمراقبة شديدة من الداخلية وأنهم نجحوا في زراعة أحد ضباطهم بداخل المنزل لحماية أسرة السفير
راقب العاملين جميعًا ، ليجده أمامه بطريقته الفخمة في التحرك ...تباهيه الذي لا حدود له... نظراته الثاقبة ...قوته الجسدية وأخيرًا المسدس المخبئ بطيات ملابسه والذي رآه بالصدفة البحتة، فهذا العبدالرحمن يخفي أثاره جيدًا
ولكنه لم يستطع معرفة هل هو على علم بأمر منال أم لا ، يريد عون ذلك الغبي الذي لا يريد أن يؤكد له استنتاجه ولا يريد أن يتعاطى معه ليخبره بما يريده منه سيحاول معه مرة أخرى، ويتمنى أن يصل معه لنتيجة .
****
__أتتحاشيني يا أستاذه؟
انتفضت بقوة وهي خارجة من باب الفيلا لتقول بضيق : عبدالرحمن لا تتعامل معي بهذا الشكل .
ابتسم بخفة : لم أقصد أن أفزعك، المعذرة .
نظرت له بضيق ووجنتاها تحمر : ماذا تريد؟
رفع حاجباه بدهشة : لا أريد شيئًا، تفضلي الأيبود، أشكرك استمعت إلى الأغنية وتفضلي لأقلك ككل يوم .
ركبت السيارة لتقول بهدوء : هل أعجبتك الأغنية؟
ابتسم : أنها جميلة، استمتعت بها وبباقي الأغاني، لديك ذوق مميز في اختيار الأغاني، فاختياراتك تدل على رقة وجمال شخصيتك .
احمرت وجنتاها بشده ليكتم ضحكته وينظر إلي الأمام لتقول بصوت مخنوق : من فضلك أسرع قليلًا، لأن لدي موعد هام أريد اللحاق به.
عقد حاجبيه وردد بدهشة : موعد.
أجابت دون تفكير : نعم، سألاقي ابنة عمي لشراء فستان خطبتها.
ابتسم باتساع : العقبى لك ليلى .
ضحكت بخجل : ولك أيضًا .
صف السيارة ليقول بهدوء: أراك السبت بإذن الله.
ابتسمت : أراك غدًا، نسيت أمر الحفل.
هز رأسه ليقول بابتسامة : إلي اللقاء ليلى .
***
جالسة بوسط الفراش تقلب الهاتف بين يديها تشعر بتوتر كبير، فاليوم الجمعة (يوم لقائها الأسبوعي بوليد) تهتز بتوتر إلي الأمام وإلي الخلف فذكريات كل جمعة قضتها معه تتدافع بعقلها، تجعلها تتوتر وتجبر قلبها أن يخفق بقوة أكبر قفزت واقفة لتنظر إلي نفسها في المرأة وتهمس لنفسها : لا ياسمين، لن تفكري فيه بعد الآن، هشام لا يستحق منك ذلك.
نظرت إلي العلبة المخملية الموضوعة  أمامها تذكري هذه كلما أتت إليك ذكرى صغيرة لوليد، فهو لا يستحقك ولا يستحق ما كنت تشعرين به تجاهه. نظرت إلي المرآة وعدلت من شعرها وقالت بقوة : انتهينا من وليد إلي الأبد، انتهينا .
صوت طرقات رقيقة تخص ليلى، قالت بهدوء : تعالي ليلى .
__ مساء الخير أيتها الكسولة، أرى أنك معتصمة بغرفتك منذ الصباح توقعت أن لا أجدك وأن تكوني بخارج المنزل .
نظرت لها : لا لن أخرج اليوم، فأنا تعبت من كثرة الركض لإنهاء كل شيء قبيل الخطبة .
ابتسمت باتساع: استقريتم على مكان إقامة الحفل.
هزت رأسها نافية : لا، طلبت من هشام أن يحجز تلك القاعة التي أعجبت بها أمي، فلا وقت لدينا لنشرف على تجهيز إحدى لحدائق كما أريد .
هزت ليلى رأسها بتفهم لتسألها بهدوء : هل أنت ذاهبة إلي مكان ما؟
هزت رأسها بالإيجاب : نعم، زوج منال يقيم لها حفل شواء عائلي ودعاني إليه .
ابتسمت ياسمين : ونعم الزوج والله .
ضحكت ليلى بمرح : لا، خالد بك، تتمنى أن ترزقي بزوج مثله طول وعرض و رزانه وهدوء وعيناه زرقاء كالبحر.
اطلقت ياسمين صفيرًا قصيرًا ينم على الإعجاب لتكمل ليلى : ولكنه مخيف المظهر، أتعلمين من الناس التي تشعرين بالتوتر من وجودهم بجانبك .
غمزت ياسمين بعينها : وهذا هو المطلوب حبيبتي.
ضحكت ليلى لتكمل ياسمين بمرح : ماذا تريدين أكثر من أنك تشعرين بالتوتر اللذيذ بجانب زوجك وأنت تفكرين دائمًا ما هي خطوته القادمة اتجاهك .
ضحكت ليلى بقوة : لم أقصد ذلك أيتها الشقية، بل قصدت أنه مخيف بالفعل، قوته الجسدية مع وسامته الشرسة تجعلك تهابيه دون سبب فعلي .
عقدت ياسمين حاجبيها : لا هذا شيء أخر.
ابتسمت ليلى لتنهض واقفة : سأذهب.
نظرت لها ياسمين برعب : ما الذي ترتدينه لولّا؟
نظرت ليلى لبنطلونها الجينز الأزرق والقميص الطويل الكاروهات بتدرجات خطوطها لبنية والكريمية اللون الذي ترتديه وقالت بتعجب : ملابسي العادية.
زفرت ياسمين بضيق : حفل شواء ليلى، تذهبين له بصفتك صديقة منال لست مدرسة الطفلين، لماذا ترتدي ملابس العمل؟
نظرت ليلى لنفسها بالمرآة لتنظر إلي ابنة عمها باستهجان : ليس سيئًا
ابتسمت ياسمين : طبعًا ليس سيئا ولكنه يصلح لعملك اليومي ليس إلي الحفل
سحبتها ورائها من يدها لتذهب إلي غرفة ليلى لتفتح دولاب الملابس وتنظر إليه لتقول بعد نظرتين : هذا الفستان يصلح، لا أعلم لماذا لا ترتديه منذ أن أتيت به لك .
ضحكت ليلى ساخرة : لأني محجبة ياسمين، ألم تلاحظي هذا الأمر من قبل؟
نظرت ياسمين إلي الفستان :ما به، أنه واسع وطويل.
__ آه، نعم، وأيضًا يربط على الرقبة وبقصة من عند الصدر .
ضحكت ياسمين بقوة : ارتدي إحدى القمصان معه ليلى، انتظري عندي إحدى الكارينات ارتديها معه.
نظرت ليلى إلى الفستان ولمست قماشته الناعمة، لا تنكر بأنها أعجبت بالفستان منذ الوهلة الأولى التي أهدته ياسمين ولكنها لم تستطع ارتداؤه.
أتت ياسمين لتناولها بادي أبيض قطني : هيا بدلي ملابسك وتعالي لأضع لك زينتك يا حلوة، لا أدري كيف ستذهبِ إلي الحفل بوجهك الخالي هذا؟
تبرمت ليلى : ياسمين.
وضعت ياسمين إصبعها على شفتيها : هش، أنا ضائقة اليوم ووجدت شيء يذهب ضيقتي، من فضلك دعيني أفعل ما أراه.
ابتسمت ليلى : تحت أمرك يا فندم
هتفت ياسمين بانبهار : واو ليلى، تبدين في غاية الرقة هكذا.
نظرت ليلى إلي نفسها بالمرآة : لتعود برأسها إلي الوراء وهي تتأمل ملامحها التي أظهرتها ياسمين بتألق لم تكثر من الزينة ولكنها أظهرت جمال عينيها ووجهها ببراعة
ابتسمت ليلى لتتمتم : ابدو مختلفة.
هتفت ياسمين : تمامًا، هيا اذهبي حتى لا تتأخري أكثر من ذلك.
حملت ليلى حقيبتها وهي تشعر بقوة لا تعلم مصدرها، لتبتسم بثقة وهي خارجة من باب المنزل ، ولماذا لا تشعر بالثقة، فالبارحة كان يوم سعيد للغاية
عندما دخلت إلي النت وجدت رسالة طويلة من أمير يعتذر بها عن طلبه ويوضح السبب الرئيسي له، أعلن لها أنه يحبها ومنذ فترة طويلة يريد أن يصارحها و لكنه خائف من أن يفقدها، ولكنه لن يستطيع أن يكتم مشاعره أكثر من ذلك، يحبها ويريد أن يقترن بها وينتظر ردها عليه، لا تعلم بم ترد عليه ولكنها تشعر بسعادة كبيرة تحاوطها ولذلك استسلمت لياسمين وقررت أن تظهر بمظهر مختلف تعكس سعادتها الداخلية.
****
__ وها هي ليلى أتت.
نظرت له منال بتعجب وهي تردد : ليلى، اليوم الجمعة.
قال بخفوت : دعوتها لحفل الشواء .
ابتسمت بسعادة : هل الحفل من أجلي؟
نظر لها بجمود : كان من أجلك ، ولكن أنا أقيمه اليوم من أجل الطفلين فقد وعدتهما به ولولاهما لكنت اعتذرت لليلى وألغيته .
نظرت إلى الأرض لتنتبه إلى صوته وهو يصفر بمرح ويشيد بليلى لتشعر بالغضب منه، اتجهت باتجاه ليلى لتبتسم لها وتقول بمرح : مرحبا ليلى، تبدين في غاية الرقة عزيزتي، تفضلي.
أشارت لها بالجلوس

دخلت إلي حديقة الفيلا لتجدهم مجتمعين وأحمد وهنا واقفين ومنال واضح أنهما يلعبان مع عبدالرحمن
أعلن خالد عن تواجدها بصوت جهوري أشعرها بأنها أميرة دخلت إلي أحد القصور لتبتسم بثقة وهي تتقدم باتجاههم ليطلق خالد صفيرًا قصيرًا ويهتف بإعجاب : تبدين رائعة ليلى.
ابتسمت بخجل وأشاحت ببصرها لتتلاقي  نظراتها مع هذا الواقف بجانب أحمد لينظر إليها بقوة و يبتسم لها ابتسامة باهته وهو يشير إليها برأسه بالتحية
تعجبت من ابتسامته الخالية من روحه وعيناه القاتمتان، لتهز رأسها بعدم فهم وهي تحدث نفسها من الواضح إن مزاجه سوداوي اليوم.
تقدمت منها منال بمرح، لترحب بها و تشير إليها بالجلوس
تقدم أحمد منها بهدوء ونظر لها مطولا ليهمس ببراءة : أنت جميلة ورقيقة ليلى .
اتسعت عينا منال غير مصدقة ليضحك خالد بقوة: أحسنت أحمد، قلت ما لا أستطيع قوله .
نظرت له منال بانزعاج وقالت بخفوت : لا تشجعه خالد .
قال بهدوء غير مبالي بانزعاجها : لماذا؟ أنه ليس مخطئا و يقول الحقيقة .
ابتسمت ليلى بإحراج حقيقي، لتسمع صوت عبدالرحمن يدعو أحمد ليكملا لعبتهم
تشاغلت بالكلام مع هنا الجالسة بجوارها والمرح معها لتنضم إليهم بعد قليل هناء هانم ويتبادلان الحديث صرخ أحمد بقوة وهو يسدد الكرة باتجاه عبدالرحمن ، ليتكلم معه خالد بقوة وينهيه عن الصراخ بتلك الطريقة
تنحنحت ليلى لينظر إليها خالد بتساؤل لتتكلم بهدوء : لماذا تتحدث معه بالإنجليزية؟
ابتسم خالد باتساع :المعذرة، اعتدت على ذلك .
ابتسمت ليلى بإحراج وقالت : إن ما أفعله معه لا يُجدي بسبب حديثكم معه بالإنجليزية، ومستواه يتراجع بسبب ذلك أيضًا، فهو يتذمر كثيرًا هذه الأيام، ومرة يتكلم بالعربية ومرات أخرى يتكلم بالإنجليزية.
ابتسم : وطبعًا هذا بسببي أنا و تومي، وخاصة أن تومي لا تتحدث العربية إطلاقًا .
هزت رأسها بالإيجاب ليبتسم ويقول : المعذرة ولكن الاعتياد وأصلي الغير مصري هما من يتحكمان بي.
نظرت له بتعجب ليضحك ويقول : أنتِ لا تعلمين أن نصفي إنجليزي .
هزت رأسها نافية ليردف : أمي إنجليزية من أب إنجليزي و أم تركية الأصل و لكن والدي مصري خالص من صعيد مصر
قالت منال بهدوء مغيظ : ليأتي خالد برأس يابس كالصعايدة وهدوء الأعصاب كالإنجليز.
أكمل بهدوء : ولا تنسي عنطزة الأتراك .
ابتسمت ليلى لتقول بهدوء :ولكن أحمد لم يرث لون عيناك الزرقاء .
اتسعت عينا منال ليشحب وجه ليلى لارتباكها لذلك الخطأ الغير مقصود
ابتسم خالد بهدوء وهو ينظر إلى احمد : نعم هو يشبهني إلي حد كبير و لكنه ورث عينان والده، فباسم كان نسخة من أبي بملامحه المصرية وعيناه البنية وخفة دمه ومرحه المشهور به المصريون، وأنا أشبه والدتي.
ابتسم وهو ينظر إلي ليلى ليقول بهدوء: لكنه يتكلم العربية بطلاقة مع عبدالرحمن .
نعم عبدالرحمن أخبره أنه لا يفهم الإنجليزية ولذلك هو الوحيد الذي يتكلم معه بالعربية .
نظر لها باستهجان وردد بدهشة : لا يفهم الإنجليزية .
هز رأسه بعدم تصديق لتبتسم ليلى وتقول : هو قال لأحمد ذلك.
هز رأسه بهدوء وهو ينهض : حسنا سأذهب لأبدئ الشواء ، بعد إذنكم .
نظرت ليلى لمنال الصامتة ونهضت لتجلس بجانبها وقالت بإحراج : المعذرة منال، لم أقصد أن أخطأ ذلك الخطأ.
ابتسمت منال بإرهاق : لا عليك ليلى، أنا لست غاضبة منك.
نظرت لها : لماذا صامتة إذن؟
نظرت لها منال وقالت بتعب: لأني تعبت ليلى ، أريد أن أخبر أحمد وهنا عن حقيقة أن خالد عمهما و لا أعلم الطريق لذلك، ولا أعلم ردة فعل خالد عن هذا الأمر ، لا أعتقد أنه سيرفض منال.
ابتسمت لها : توقعت أنك تسأليني عن زواجي من خالد .
هزت ليلى رأسها بتعجب : لماذا أسألك؟! توقعت أنك تزوجته بعد وفاة باسم رحمه الله كما تفعل بعض العائلات عندنا، فأرملة الأخ تتزوج من أخاه وخاصة بوجود أطفال ،من مبدأ أن الطفلين ينشئا في كنف العائلة وأن لا يتربيا على يد رجل غريب يتعامل معهم سيئاً .
هزت منال رأسها لتردف ليلى : ولكن ما تساءلت عنه لماذا لم تخبريني
عن الأمر؟
تنهدت منال :نشئ خلاف بيننا وكنت أريد أن انفصل عنه.
اتسعت عينا ليلى بدهشة لتردف الأخرى : ولكني تراجعت عن هذا الأمر الآن .
ابتسمت ليلى : أحسنت صنعًا.
انتبها الاثنان على صوت هنا : أستاذة، هلا أتيت لتلعبي معي فأحمد رفض أن أنضم لهما وقال كيف نلعب ونحن ثلاثة فقط .
ابتسمت ليلى ونهضت لتقول منال : لا طبعًا اجلسي ستتسخ ملابسك بدون داعي.
هزت ليلى رأسها نافية : من أجل هنا سألعب ولن أهتم بملابسي .
واقف ليلعب الكرة مع أحمد ليجبره صوت خالد الجهوري أن يلتفت لينظر إلي وراءه ويراها وهي تتقدم نحوهم، كتم أنفاسه وهو يراها بشكل مختلف عما اعتاد فهي دائما ترتدي الجينز و القمصان الطويلة التي تضييع تفاصيل جسدها ولا تضع الزينة بوجهها إطلاقًا، ولكن اليوم تبدو فاتنة للغاية ...رقيقة جدًا، أدار عيناه على رشاقة جسدها التي أظهرها ذاك الفستان المسدل بنعومة تناسبها ...تدرجاته الوردية أعطتها هالة مضيئة، حذائها العالي أطالها قليلاً ليجعل جسدها أكثر رشاقة ...حجابها بلونيه الأبيض والوردي أحاط راسها بشكل فاتن ليزيد تألقها بزينة هادئة تعطي وجهها إشراقة مختلفة .
عقد حاجبيه وهو يسمع صفير خالد الخالي من التهذيب ليتبعه بجملة جعلت الدماء تفور في رأسه ويجمد وجهه عندما رآها وهي تبتسم و  وجنتاها تحمر تلقائيا لتزيدها جمالا و فتنة ، وازداد ضيقه من جملة أحمد العفوية وابتسامتها عليها
وقف ينظر إليها وهي تتجاذب الحديث معهم لينشغل باله فيصرخ أحمد عندما سدد هدف به، ابتسم ليعقد حاجبيه وهو يراها تتجاذب الحديث مع خالد بتلقائية اشتعل منها، أعطى لها ظهره حتى يستطيع السيطرة على انفعالاته قليلاً .
انتبه على صوتها الرقيق : ما بالك عبدالرحمن ؟ لماذا لا ترد علي؟
نظر لها و قال بجمود : لم انتبه المعذرة .
هزت رأسها بتفهم وهي تشعر بالتوتر من لهجته الجافة، ابتعدت عنه وانحنت لتخلع حذائها الغير مناسب إطلاقًا لأن تلعب مع الطفلين
شعرت بنعومة الحشائش تحت قدميها لتبتسم وأمسكت جانب تنورة الفستان ورفعته قليلاً لتتجنب أن تتعثر بطرف الفستان وتسقط وهي تلعب مع الطفلين وخاصة أن أحمد اشترط أن يلعبوا كرة القدم
واقف ينظر أمامه لتتلاقى نظرته مع خالد بك، ليزفر بضيق من نظرة ذلك الخبيث، حياه خالد برأسه ليبتسم له بعملية ويحيه برأسه
قال خالد بصوت عال إلي حد ما :عبدالرحمن بك، هلا أتيت وساعدتني.
التفت إليه منال بدهشه ليقول عبدالرحمن بهدوء : كما تحب يا بك .
ابتسم خالد بهدوء مستفز ليقول أحمد : اتركه دادي فهو يلعب معنا .
هز خالد رأسه إيجابًا لينقل نظره إلي ليلى : هل ستلعبين معهم ليلى؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي تحتضن رأس هنا : نعم، أنا لا أستطيع أن أرفض طلبًا لهنا
لف عبدالرحمن نظره لها ليراها وهي تتكلم مع هنا واتسعت عيناه بغضب حقيقي هذه المرة ليتقدم بقوة ناحيتها ويقول بهدوء : هنا، اذهبي لتقفي هناك، حتى نبدأ اللعب.
امتثلت هنا لما قاله ليقول هو بخفوت من بين أسنانه : اسدلي فستانك يا أستاذه حتى لا تنكشف ساقيك وأنت تلعبين .
التفتت إليه بحده ونظرت إليه بعينين متسعتين : ماذا ،ماذا تقول؟
قال والغضب يلمع بعينيه : اتركي الفستان فساقيك ظاهرتان بسبب مسكتك هذه .
هزت رأسها بانزعاج وقالت والحيرة تملأها من غضبه الغير مبرر : أنا أرفعه قليلاً فقط حتى لا أتعثر به .
إذن اجلسي لا داعي أن تلعبي معنا .
هزت  رأسها بغضب : ما شانك أنت بما أفعله؟
قال بلهجة حادة : ليلى، إن العفاريت تتقافز أمام عيناي لا تتحديني، فأنا لن أستطيع تحمل عصبيتك اليوم .
أشاحت بنظرها، ليقول هو بهدوء : العبا أنتما الاثنين، فأنا سأذهب لأساعد والدكما، والأستاذة ستجلس فلا داعي لأن تلعب معكما .
جزت على أسنانها بغضب لتذهب وترتدي حذائها وتذهب لتجلس مكانها
كما كانت، نظرت تبحث عن منال لتجدها واقفة مع خالد أمام الشواية : خالد لماذا تضع رأسك برأس عبدالرحمن؟
نظر لها : لا أضع رأسي برأسه .
خالد لا تقارن نفسك بالسائق، هذا لا يليق بك .
ابتسم بسخرية : والله ما أراه أن السائق يتمتع بأشياء لا أتمتع أنا بها
زوجتي تدافع عنه وأولادي يحبونه ويتجول بالحديقة كالطاووس متفاخرًا بريشه الجميل .
ابتسمت : أنت تغار من السائق الآن، مهما فعل فهو سائق لا يجوز أن تضعه بنفس مكانتك عندنا .
نظر لها بتعجب ساخر : حقًا؟!
أنت من تتكلمين هكذا، أين شعارك الفريد كونه سائقا لا يجعله عديم الشأن.
قلد صوتها باخر جملة لتقول هي بهدوء : نعم هو ليس عديم الشأن ولكنه ليس مثلك، فأنت سيد المنزل الآن وخاصة بغياب والدي، فأنت زوج ابنته الكبرى.
نظر لها وقال بجمود : بل أنا عم حفيديه .
دمعت عيناها ليردف : لا تبكي منال، أليس هذا ما تريدينه؟ أن أكون عم الطفلين فقط .
همت بالرد عليه لتجد عبدالرحمن يقترب منهما، فآثرت الصمت ليقول هو بسخرية : أتيت يا بك لتساعدني .
نظر له عبدالرحمن وابتسم بهدوء : نعم يا بك ، بعد إذنكم سأذهب لأجلس مع ليلى .
بدأ بعملية الشواء بجانب ذلك المخلوق المستفز، فهو يشعر بأنه يريد أن يلكمه بسبب نظراته التي تذهب هنا وهناك ، انتبه على صوته الرخيم وهو يقول : ظننتك أكثر مهنية من ذلك .
ابتسم بلامبالاة : لماذا هل أخطأت بشيء؟ هل قيادتي للسيارة لا تعجب سيادتك؟
ضحك خالد : لا بل قيادتك للمهمة لا تعجب سيادتي.
ابتسم عبدالرحمن ببرود وقال وهو ينظر أمامه : لا أفهم ما الذي تتكلم عنه سيدي .
ابتسم خالد بخبث : ليلى تبدو مختلفة اليوم.
غامت عيناه وأجبر نفسه على عدم الإطاحة به ومثل عدم الاهتمام بما قاله
ليبتسم خالد بخبث أكثر : يقولون إن الحب تفضحه العيون .
جمد وجه عبدالرحمن ليقول بهدوء : إنها أغنية لام كلثوم اسمها الصبُ تفضحه عيونه كلمات أحمد رامي.
نظر له ليقول باستفزاز : لا أعتقد أنك تعرفها، ولا أعتقد أنك سمعت أم كلثوم من قبل، أم تعرفها يا خواجة؟
نظر الاثنان إلي بعضهما بتحدي ليقول خالد بخفوت : المفروض أن أصدق أنك سائقا عاديًا وأنت تتحداني بنظراتك هكذا .
نظر عبدالرحمن للأمام ورفع رأسه للأعلى : لا اطلب منك أن تصدقني يكفيني أن سيادة السفير يصدقني .
ابتسم خالد : ما رأيك أن نصبح أصدقاء، من الأفضل لك ولي .
نظر له عبدالرحمن بسخرية : ستتنازل يا بك وتصادق السائق .
ضحك خالد بأريحية : لا سأصادق البِك الضابط .
ابتسم عبدالرحمن بفخامة، ليعقد خالد حاجبيه ويقول بقهر : أنت ثقيل الظل
ضحك عبدالرحمن بخفة، ليبتسم خالد وهو يشعر بأن هذا العبدالرحمن سيصبح صديقًا ومعاونًا جيدًا له
صمتا لقليل من الوقت، ليقول خالد : سأذهب قليلاً انتبه على اللحم .
هز رأسه موافقا ونظر أمامه ليجدها تلعب مع هنا برقتها المعتادة فيبتسم بهدوء وهو يركز نظراته عليها انتبه على صوت تومي وهي تقول بخفوت : لماذا لم تخبرني بانك مرتبط بالأستاذة؟
التفت إليها وحياها براسه ليتألق الغضب بعينيها : أنت تفهم ما أقوله اليس كذلك؟
سأل بإنجليزية رقيقة : هلا تكلمت العربية من فضلك .
نظرت له وقالت : لا أستطيع، أنا أتحدث الإنجليزية .
ابتسم وقال بالعربية : لا توجد لغة حوار مشتركة بيننا فأنا أتحدث العربية.
جزت على أسنانها وأشاحت بوجهها غضبًا منه ليبتسم وهو يراها تنصرف من جانبه ، انبعثت نغمات رقيقة من الإستريو الذي نقله خالد بالحديقة وأدارته تومي منذ قليل ابتسم وهو يرى أحمد يضحك بسعادة وصوته يعلو بكلمات الأغنية الأجنبية ويشير إلي ليلى بان تنهض لترقص معه لتهز رأسها نافية
ابتسم باتساع وهو يرى خالد الذي أتى مسرعا ليتخلص من تومي التي تريده أن يراقصها ، وقف خالد بجانبه وزفر بدهشة : كيف أنهيت الشواء هكذا؟
ابتسم وقال : أنها طريقتي السرية .
قال خالد بهدوء : ما أكثر طرقك السرية .
ابتسم عبدالرحمن ليردف خالد بتعجب : من هؤلاء؟
نظر عبدالرحمن للمجموعة القادمة من الفتيان والفتيات بمظهرهم الغريب
لينظر له باستهجان فقال خالد :سأذهب لأرى .
لا يعلم لماذا شعر بالريبة منهم ليتفاجأ بتومي تتجه ناحيتهم بقوة وتقفز الي حضن أحدهم، لتتسع عيناه بدهشة ويهز رأسه مؤيدًا لموقف خالد وهو يشدها ليبعدها بعيدًا عن هذا الشاب. خفض نظره وهو يرى خالد يقترب منه ثانية و ينتشر الشباب بالحديقة
وقف بجانبه ليقول بجمود : أنهم أصدقاء تومي، دعتهم كما رغبت أمي ، لا أعلم كيف تفكر تلك الفتاة .
ابتسم وقال بتلقائية : لا تفكر، تتصرف دون تفكير .
تنهد : دمرت حفلتي بوجود هؤلاء الـ....
شتم بلغته الإنجليزية
ضحك عبدالرحمن : لماذا أنت غاضب منهم؟
نظر له وقال بضيق : لا أشعر بالراحة لوجودهم بجانب فاطمة
ابتسم عبدالرحمن : أخيرًا دعوتها باسمها الحقيقي .
زفر خالد بضيق : لا أحب أن أغضبها، فهي عنيدة جدًا وأنا أريد أن تظل على مقربة مني حتى أستطيع حمايتها .
قال عبدالرحمن بهدوء : ونعم الأخ، أنصحك أن لا تتشاغل عنها أبدًا .
تعالت صوت الموسيقى الأجنبية الصاخبة ليقول خالد بغضب : ألم أخبرك دمرت الحفل؟
ابتسم عبدالرحمن وهو ينهي ما يفعله : سأذهب أنا ، فلا داعي لوجودي . انتظر، أين ستذهب؟
سأجلس بالاتجاه الآخر من الحديقة، استمتع بحفلتك .
قالها بسخرية جعل خالد ينظر له بضيق ثم ينظر إلي هؤلاء الشباب الذي بدأ بعضًا منهم بالرقص، نقل نظره إلي منال ليجدها تتأفف ويظهر الغضب على وجهها مليًا
ليشير إليها بالاقتراب فتنهض سريعًا وتأتي إليه :اطلبي من الخدم أن يعدوا المائدة.
هزت رأسها وهمت بالانصراف ليمسك يدها : ما بك؟ أنت ضائقة .
هزت رأسها بالإيجاب ليردف : لماذا؟
نظرت إلي أصدقاء فاطمة : لا أحب تلك النوعية من الشباب، فهؤلاء هم من يعيشون بالطريقة البوهيمية ويفعلون أي شيء وكل شيء ولا يوجد لديهم خطوط حمراء أو ضوابط لأفعالهم وأشعر بالخوف على فاطمة من صداقتها لهم
تنهد فهو الآخر يشعر بالخوف على فاطمة وخاصة من ذلك الشاب الذي قفزت  واحتضنته وعندما شدها خالد بعيدًا عنه وأعطى لها نظرة قوية أخبرته فاطمة أنه صديقها وأنه يدعو أرون .
قال مهدئا لها : لا تقلقي عليها .
جلس يراها وهي تعد المائدة برفقة إحدى الخادمات ليفاجئ بها تقول بغضب : انظر خالد .
نظر إلي ما تشير إليه ليجز على أسنانه وهو يرى طريقتهم الخليعة في الرقص ليسمع منال وهي تهتف : من هذا الذي تجلس بين ذراعيه فاطمة ؟
تنحنح وقال بنبرة غاضبة : أنه صديقها
اتسعت عيناها بغضب ولمح الحدة بها وهي ترمي ما بيدها على الطاولة وتقول بنبرة حادة : إلي هنا وكفى ، لن أسمح باستمرار ما يحدث انتهينا .
قفز واقفًا وراءها وهو يراها تتجه نحو فاطمة وتقول بلهجة عالية : تعالي أنا أريدك الآن
نظرت لها فاطمة باستهجان لتردف بنبرة قوية عندما شاهدت أختها تتلكئي
في الحركة : الآن ، هيا .
تبعهما للداخل وهو يحاول أن يهدئ أعصابه فحدة منال ستدفع فاطمة للمغادرة وهذا ما لا يريده
***
وقف بهدوء بعد أن غاب عن الأنظار واستتر في حائط الفيلا ليخرج قلم صغير ويلتقط به عدة صور أدخله إلى جيبه بعناية وهو يتحرك بخفة ويفكر في المعلومات التي وصلته البارحة، فعندما أخبر رؤوف بك بالمستجدات وسأله كيف لا يعلم عن خالد اية معلومات ، اخبره أنه إذا استطاع أن يتعاون معه فليتعاون
ارتبك من الأمر ولكن السيد رؤوف أكد له أن خالد مصدر ثقة وعون كبير له في مهمته بل وصف الأمر بأنه سعيد الحظ لرجوع خالد إلي البلاد الآن. سيجن من هذا الخالد ، وما يحيره كيف علم به ولكنه سيتبع الأوامر ولكن بشيء من الحذر ، تنفس ليجلس على أحد كراسي البامبو الموضوعة بالحديقة ورفع نظره ليرى أنه جلس بمكانها المعتاد ، أمام الملحق الخاص بها ، ابتسم وهو يفكر لمَا لم تجبه عما سألها عنه ؟
تنهد اه يا ليلى ، كم أريد أن أخبرك ؟ أتمنى أن تتفهمي موقفي في المستقبل
__عبد الرحمن.
التفت اليها وهو يبتسم باتساع لتهمس : آسفه ، افزعتك .
هز راسه وقال هامسًا : لا أبدًا ، تفضلي .
ابتسمت بتوتر : لا تفضل أنت .
ناولته الطبق الذي تحمله : تبرعت أن آتي لأجلب لك نصيبك من الشواء
وحقيقة اتخذتها حجة قوية حتى لا أجلس مع هؤلاء الشبان .
ضحك بقوة لتنظر له بعتب : لماذا تضحك ؟
__سعيد أنني أهديتك فرصة أن لا تجلسي مع الشباب .
ابتسمت وهي تجلس على كرسي أخر : لا افهم كيف يتصرفون بتلك الطريقة .
كل شخص يتصرف كما نشأ وتربى والعادات هناك والتقاليد مختلفة عن هنا .
هزت رأسها موافقة لتنهض وتقول : سأذهب إلي ملحقي لأتركك على راحتك .
__لا ، اجلسي لا تتركيني بمفردي ، لا أستطيع أن أتناول الطعام بمفردي
اسألي دادة خضرة أتناول الطعام معهم بالمطبخ حتى أستطيع أن آكل .
أكمل بخبث : اعتبري أنك مثل الدادة خضرة
اتسعت عيناها وهي تفكر أنه يشبهها بالسيدة المسنة التي تجاوزت الخمس وخمسون
لتسمع ضحكته المنطلقة العجيبة عليها ، فلأول مرة تشعر بأنه يتصرف معها بأريحية ، نظرت إليه ليقول وأثر الضحك يلمع بعينيه : لم اشبهك بها شكلًا طبعًا ، نعم إنها سيدة لطيفة وأنا أحبها ولكنها ليست جميلة مثلك .
تنفس بعمق وهو يردف : أنت اليوم جميلة ، رقيقة كبتلات الأزهار .. دافئة كأشعة الشمس ، مبهرة كضوء القمر.
نظر لها وقال : الأميرة ليلى ، أميرة يفوق حسنها وجمالها أميرات العالم منذ بدء الخليقة  .
جمد وجهها واحتقن بقوة لتنهض وتقول بغضب : عبد الرحمن لا أحب هذا المزاح الثقيل ، من فضلك لا تمزح معي مرة أخرى .
شحب وجهه ليقول بدهشة تطل من عينيه : أمزح ، أنا لا أمزح معك ، أنا أقول ما أشعر به تجاهك.
أشاحت بعينيها بعيدًا عنه وهمت بالانصراف لتشعر بأنامله القوية تمسك بساعدها ويقول : أنا لا أمزح ليلى ، فأنت ليلى
شمس دوَّارة شرق وغربًا تزين السماوات
قمر منير جاء في ليلة البدر ليشهد القُبُلات
بحر عريض بالطبقات مدرجًا ثائر الموجات
أجنحة عصفور في السماء معلقا يعزف النغمات
أغصان أشجار الكروم ضفائر صنوف منوَّعة من الثمرات
خنساء شاردة العيون بطبعها وجه بديع مُنَمْنم القَسَمَات

نظرت إليه وهي تشعر بأنها ستقع أرضًا لو تركها ،لتغرق في بحر عيناه الأسود وهو يقول : لا أمزح ليلى أرجوكِ لا تغضبي.
ابتعدت عنه بحده : اتركني
افلتها برقة بالغة وهو ينظر لها : لا تغضبي .
انصرفت من أمامه بسرعة ليغمض عيناه وهو يتنفس رائحتها الخلابة التي ملئت رئتيه من قربه منها ،ابتسم بحب لخجلها ورقتها ، هز رأسه بشدة ليسب نفسه على تهوره معها ونظر إلي السماء ليقول بخفوت: افقدتِني صوابي ليلى .
***
دخلت إلي الملحق وأغلقت الباب ورائها ،وقفت بمنتصف الغرفة وهي تلهث من الانفعال ، قلبها يدق بعنف قبضت كفيها بقوة وانتظرت إلي أن هدأت قليلا لتتجه بخطى مرتبكة إلي المرآة لتنظر إلي نفسها
وجهها أحمر وتشعر به يشتعل من الخجل ، ذراعها دافئة بسبب أنامله القوية وطريقة افلاته الرقيقة لها ، نظرت بتساؤل ، من الذي بالخارج أنه شخص لا تعرفه ، ليس عبد الرحمن ثقيل الظل الذي يتحين الفرص ليسخر منها ،يقول اليوم بها شعرًا !!
تعرف هذه القصيدة جيدًا فأمير ادرجها كافتتاحية لأحد فصول روايته ، وعندما سألته عنها قال لها أنها قصيدة لنزار قباني يصف بها الجمال ، من أين لعبد الرحمن أن يعرفها ؟! ولماذا يقولها لي ؟ شعرت بالتوتر لدرجة أن جسدها اهتز رغمًا عنها
احتضنت جسدها بذراعيها لتلتمس الأمان وتهدئ من ارتجافها وشعورها بأنها عصفور أمطرت عليه السماء بليلة باردة ، تنفست بقوة ورتبت على خدودها وسيطرت على رجفة جسدها وهي تقرر أنها ستغادر الآن ، لن تبقى أكثر من ذلك.
***
يجلس على الأرجوحة وينظر إلي الحديقة الفارغة ، بعد المشاجرة الحادة التي نشأت بين منال وفاطمة وكان شاهد عليها هو والسيدة هناء ، ففاطمة غضبت لأن منال أخبرتها أن ما تفعله لا يليق وأن رفقتها لذلك الشاب العابث ودعوتها له أن يأتي إلي هنا وحركاتها معه تعدت حدود الأدب ، وأنها ستخبر والدهم بما تفعله
ليفاجئوا برد فاطمة القوي بأن منال لا علاقة لها بما تفعله ولا تستطيع لا هي ولا والدهما تكدير حياتها ، ولا إرغامها على شيء وأنها مواطنة أمريكية ولها حقوقها وحياتها الخاصة التي ليس من حق أحد أن يتدخل بها واعلنت أنها ستترك البيت وتذهب للمكوث مع اصدقائها، ترجته السيدة هناء بعدها أن يقنع فاطمة بالعدول عن رأيها ، وهذا ما فعله فعلاً خوفًا عليها فهو لن يتركها لذلك الشاب يقترب منها أكثر ، بعد ذلك انصرفت هي واصدقائها ليذهبوا ويكملوا سهرتهم بأحد النوادي الليلة
اقتربت منال منه وقالت بخفوت : أنت غاضب مني أليس كذلك ؟
نظر لها وهز رأسه نافيًا ليقول بهدوء : لا منال ، أنا مستاء مما حدث ومن أنك لم تستطيعي التصرف مع شقيقتك بحنكة تطلبها الأمر حينها.
تنهدت بحنق : أنا غاضبة منها خالد ، لا أعلم لما تتصرف بتلك الطريقة المخزية ؟
زفر بضيق : أعلم منال ، أنا الآخر أشعر بالضيق منها ومن تصرفاتها
ولكنها لن تستمع إلينا بطريقتك هذه ، بالعكس فاطمة تحتاج للهدوء والتعقل معها في الحديث لا الصراخ والشجار .
هزت رأسها على مضض ليسأل بهدوء : أين ليلى ؟
__انصرفت ، لا أعلم شعرت بأنها ضائقة من شيء ما ،
__عبد الرحمن ذهب معها ؟!
__ لا انصرفت سريعا قبل أن أخبره بانصرافها ، وهي تقول أنها ستستقل سيارة أجرة.
هز راسه بتعجب : حسنًا ، سأذهب لأرى أحمد وهنا قبل أن يخلدا للنوم .
نظرت له وهو ينصرف من جانبها تشعر بشعور مختلف ، لم تعد تشعر بالنفور كلما رأته ولا بالكراهية كلما تذكرته ولكنها لا تستطيع أن تتقبله كزوج فهو مختلف عن باسم ، باسم هو الزوج والحبيب ورفيق عمرها
رفيق عمرها التي بكته وانتحبت عليه ، وقضت سنوات من عمرها حزينة على فراقه ، لا تستطيع أن تفعل أي شيء أخر غير النفور من خالد والبعد عنه ، لن تسمح له بالتلاعب بمشاعرها وقلبها أكثر من ذلك
دمعت عيناها وهي تؤنب نفسها كيف سمحت له بأن يتغلل إلي داخلها بتلك الطريقة ، كيف تخبره بحبها له
اتسعت عيناها بدهشه وردد عقلها : حبي له ، هل أنا أحب خالد ؟
هزت رأسها بعنف نافيه لا ، لا مستحيل ،أنا لا أحب خالد ولن أحب خالد.  ***
يدور بالحديقة وهو يشعر بالضيق ، اليوم هو اليوم الرابع على التوالي وهي لم تحضر ، يشعر بالقلق عليها ، لا يعلم سر غيابها ويريد أن يستفسر ولكنه لن يستطيع ولا يريد أن يقتنع إنها تركت العمل من أجل ما فعله معها أخر مرة كانت هنا ،سأل أحمد وهنا أيضًا ولكنهما رددا عليه أنهما لا يعلمان غير أن الأستاذة بإجازة وستعود الأسبوع القادم ، يشعر بأنه سيفقد عقله كلما فكر بأنه لم يراها منذ أربعة أيام
زفر بضيق وتأفف عندما وجد خالد أمامه ،خالد الذي ابتسم وكأنه يعلم سر ضيقه وغضبة هذه الأيام ، اقترب منه بهدوء : ما بك يا عبده ؟ تتشاجر مع الفراشات في الحديقة .
زفر وقال بقوة : لا شيء يا بك ،ضائق ليس إلا .
ابتسم خالد ونظر إلي ما وراءه باهتمام ليقول بهدوء : ليلى
انتفض من سماعه لاسمها وظن أن خالد يتلاعب به وخاصة أن الوقت تجاوز الرابعة عصرًا ، لينظر إلي خالد بحده فيقول الآخر بصدق  وكأنه فهم ما تعني نظراته : ليلى قادمة .
لف سريعًا ليراها بالفعل أتيه نحوهما وتبتسم ابتسامتها الرقيقة التي تجعل قلبه يخفق بشده معلنًا عن عصيانه عليه .
*** 
أعلنت مجموعة الأجراس عن وصول أحد الي الجاليري لترفع نظرها عن كشوف الحسابات التي أمامها لتراه واقفًا بطلته الشقية : مساء الخير يا صديقتي العزيزة .
دق قلبها بفرح لرؤيته لتبتسم ثم تنهر نفسها وتنهر قلبها ألا يخفق من أجله
لتبتسم ابتسامة عملية وتقول بهدوء : مرحبًا وليد حمدا لله على سلامتك .
اتسعت ابتسامته وهو يتقدم إليها : اشتقت لرؤيتك يا عزيزتي ، كيف حالك؟
__الحمد لله ، كيف حالك أنت ؟ وكيف لبنان معك ؟
__أنها بلد جميلة جدًا ، هيا أخبريني عما كنت تريدين أن تخبريني عنه عندما اتصلت بك من المطار .
__أم أخبرك انا أولاً عما أردت أن أخبرك به وأتيت إلي هنا رأسًا من المطار بخصوصه .
ابتسمت وقالت بتوتر : تفضل ، آتي بما عندك .
هز رأسه وابتسم بشقاوة : لا ،سأستخدم القاعدة الشهيرة النساء أولًا، تفضلي .
ابتسمت بتوتر : أريد أن أدعوك لخطبتي .

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن