الفصل الحادي والثلاثون

5.3K 140 3
                                    

تراقب بعينيها اللون الأخضر المنتشر أمامها في الحقول النضرة ، التي تعبق بتلك الرائحة الشذية التي تربطها بالمكان رغمًا عنها ،
رمشت بعينيها وهي ترتكن بذقنها لراحة يدها وتشرد وهي تنظر إلى تلك الشجرة الكبيرة التي تتوسط أراضي عائلتها ، هنا عاشت طفولتها مرحت ولعبت وتعثرت وعادت واقفة بصلابة ..هنا قضت صباها وهي تسير بخطوات متمهلة تثير بها غيرة الحاقدات عليها وتتعمد اغاظتهن بجمالها الذي كان يتحدث عنه الجميع ،
هنا تجمعت عائلتها مرارًا وتكرارًا يتناولون الغداء أو الإفطار في الحقول لكم سعدت بتلك التجمعات التي حافظت على أواصر عائلتها مترابطة وقوية ،
هنا عاشت مدللة من الجميع كبيرهم وصغيرهم فهي كانت أميرة العائلة، المقربة من الجميع !
هنا شعرت بدقات قلبها الصغير تعلو وتقفز كلما رأته ، هنا كانت تنتظره لتراه وهو عائد لبيت والده ، بيت عمها الواقع قريبًا من منزلهم ، هنا تقابلا وصارحها بمشاعره باتجاهها .. وهنا أيضًا أتى لها منكس الرأس يعلن عن رفض والده لارتباطهم.
زفرت بقوة وهي تتذكر ذاك اليوم الذي شعرت بحلمها ينتثر أجزاء من حولها ، وهو يعلن رفض والده لزواجهم ، شعرت بقلبها يدمي وهي تراه بذلك الضعف وهو يحكي لها بأنفاس مخنوقة كيف أن والده لم يتردد للحظتين وهو يعطيه جوابًا نهائيًا. كيف أن عمها المقرب إليها رفض صراحتًا وقال " لا" قاطعة عندما أخبره محمد عنها وأنها من يريدها زوجة له !
شعرت بالغصة تعود إليها وهي تتذكر كيف سألته والدموع تتجمع بحلقها " هل ستتخلى عن حلمنا محمد ؟ هل ستتركني ؟!
يومها رفع رأسه وعيناه متقدتين بالغضب وقال بهدوء حاسم " لا "
حينها رأت نظرة بعينيه لم تراها من قبل ، نظرة ولدت حديثًا ، نظرة هي من كانت سببها ، يومها اختلف محمد عما كان عليه ،
تحول محمد الهادئ المطيع إلى شخص آخر شرس وعنيف ، تحول ليكون أقرب لأباه مما كان عليه ، تشبث بها قويًا ولأول مرة يرفض أمرًا أراده والده بل حارب بضراوة من أجلها ، وعلى عكس ما هو متوقع أصر على أن يستقل بمنزل خاص به ولم يوافق على السكن ببيت عائلته ، واقنع الجميع بما يريده وفعل ما أراده .
كم ازداد حبها له وهي تشعر بتغيره من أجلها ولكنها ظلت غاضبة من موقف عمها الغير مفهوم ، لقد شعرت بالجرح والألم يتغلغلا قويًا بداخلها فأقرب أعمامها رفضها وبصراحة ، رفض أن تكون زوجة لولده المقرب منه
عقدت حاجبيها بغضب داخلها لم يهدأ وشعور جارح بالرفض لم يمحيه الزمن .
لقد فعلت الكثير لتستقل بحياتها خوفًا من تدخل أيًا كان بها ، فهي لم تكن تريد لأحد أن يبدي رأيه عن أي شيء يخصها هي ومحمد وعندما رزقت بهشام فعلت المستحيل لتقنع محمد بالنزح إلى القاهرة فهي حلمت بأن ينشأ هشام هناك ، حلمت بأن تصنع له مستقبلاً مختلفًا يجعله ارقى من ابناء عمومته جميعهم .
وبالفعل حققت ما تمنته كاملاً محمد أصبح لها كليًا وحياتها لم يتدخل بها أحد بل هي كانت من تُصرف شئون عائلتها كاملة ، وهشام أصبح في مكانة لم يصل لها أحد من العائلة ،
شعت عيناها بغضب ظلل العسلي في حدقتيها وهي تتذكر السبب الرئيسي الذي عبث بحياتها كلها ، تلك الفتاة التي ظهرت من العدم لتقلب حياتها كلها رأسًا على عقب وتسيطر على ولدها الوحيد الذي حلمت بتزويجه لفتاة تكون قادرة على طيها تحت عباءتها ، لتأتي تلك المتحررة بفكرها وملابسها وأسلوب حوارها ولكنتها المشبعة بالفرنسية المغوية لتأسر طفلها الحبيب بسحرها فلم يستطع الخلاص منها رغم محاولتها المستميتة لتخليصه من براثنها ولكن تلك الهنادي أحكمت غلق الأسر جيدًا ليظل مربوطًا بها لبقية عمره .
وعلى الرغم أنها قضت فترة لا بأس بها مع تلك الهنادي إلا أن من الواضح أنها لم تصل إلي عمق شخصيتها جيدًا لقد كانت مخدوعة بها ، فالأخرى بدأت تتصرف بشكل خطر لم تتوقعه هي ،
فهروبها إلى هنا واحتماءها بالجد الذي لطالما ارتعبت منه يدل على تغيير كلي في تصرفاتها ، تذكرت دهشتها البارحة واخيها يخبرها عن خطبة مديحة وكيف لم تتقبل الخبر وشعرت بالغضب يملأها عندما ذكر وجود هنادي وأنها متواجدة الدوار الكبير من فترة لا بأس بها وأن هشام أتى منذ يومان ليحضر زفاف محمد الذي تغيبت هي عنه وانتظر عندما علم بخبطة مديحة شعرت بالشلل يزحف إلى عقلها ببطء مسببًا غيامه من اللون الرمادي أمام عينيها وهي تفكر هل عمها استقبل تلك الفتاه وضيفها لديه في المنزل الكبير دون أن يخبرها بوجودها اتسعت عيناها بإدراك وهي تفكر هل استطاعت تلك الساحرة أن تصيب عمها بإحدى تعويذاتها ، عمها الذي رفضها هي فضل تلك الفتاه واستقبلها ببيته !
تنفست بقوة لتنتبه على سائق الحنطور -المعتاد أن يقلها من صغرها ولم تحاول هي أن تخالف عادتها ، وها هو يقلها من محطة القطار إلى البيت يقول بهدوء : لقد وصلنا الدوار الكبير يا هانم .
ابتسمت بود في وجهه العجوز وقالت : شكرًا لك يا عم صالح ، اجلس لترتاح من عناء الطريق وتتناول فطورك وانتظرني فأنا سأذهب لأخي بعد قليل. 
أومأ العجوز برأسه موافقا وقال : تحت أمرك يا فوزية هانم .
تنفست قويا وهي تترجل من الحنطور وترفع رأسها لتنظر بتحدي إلى ذلك البيت الكبير الذي يقبع بتراث عائلتها لترمش بعدم فهم وهي يخيل إليها أن البيت يجابهه نظراتها بنظرات مماثلة ولكنها أكثر قوة وعنفًا !

****

تنفس بعمق وهو يرى تلك الأبخرة التي تجمعت على المرآه أمامه فشوشت رؤيته لنفسه ، ابتسم وهو يمسحها براحة يده وينظر إلى صفحة وجهه ،رأى حدقتيه تشعان ببريق لم يكن متواجدًا من قبل .
لف المنشفة الكبيرة حول خصره ليمشط شعره بأصابعه كعادته وينظر إلى خصلاته التي استطالت كثيرًا عما هو معتاد ، زم شفتيه بعد رضا وهو يقرر أنه سيقصه حالما يصل إلى القاهرة .
انتبه من أفكاره على طرقات الباب الهادئة التي يعلم صاحبتها جيدًا، ليعقد حاجبيه بدهشة ممزوجة بالريبة وهو ينظر إلى الباب الذي فتح على استحياء وهي تطل برأسها من خلفه في خجل زين وجنتيها بحمرة طفيفة حاولت بكل جهدها أن تسيطر عليه وهي تخفض نظرها عنه ، نظر إليها بمقلتين تلمعان بمكر وراقبها بتفحص مثير ، لوى رقبته وهو يدير عينيه عليها من اخمص قدميها الحافيتين على غير العادة ،أصابع قدميها التي تفركهما ببعضهما تلامس بهما الرخام البارد بطريقة أثارت نبضه ،ساقيها المكشوفتين إلى نصف فخذيها ، لأوائل ذلك القماش الأسود الذي لم يستطع تبين ماهية ما ترتديه بسبب ذلك الباب الذي اخفى معظم جسدها خلفة ، ذلك الباب الذي تشبثت به وكأنه يمنحها القوة لما تفعله الآن ، يظهر أيضًا كتفها المكشوف وعنقها الذي تدلت منه تلك السلسال الذهبية التي تحمل اسمه !
ابتسم بود وهو ينظر إليها منتظرًا ، بللت شفتيها وأعادت ملامسة أصابع قدمها للأرض ليتنفس هو بعمق ويقول بصوت أجش خرج رغمًا عنه : تعالي منال .
تنفست بقوة لتستطيع أن تسيطر على دقات قلبها المتسارعة وهي تشعر بخجلها يحضر قويًا ويسيطر عليها لاعنا تفكيرها وتعجلها في وجودها هنا الآن .
قالت بصوت مبحوح مشوب بالحرج وهي تقبض كفيها بقوة على قائمة الباب : أتيت لأرى إن كنت انتهيت
رمشت بعينيها ليشعر بأهدابها ترفرف أمام وجهه كأجنحة فراشة فتثير بهجته، ابتسم بمكر لمع في زرقة عينيه الصافية وهو يقول بصوت مغويًا يعلم تأثيره عليها جيدًا :وماذا وجدت ؟
اتقدت وجنتيها بخجل حارق وقالت : أعتقد أنك انتهيت .
اقترب منها بخفة ليقف أمامها مباشرا وقال بخبث زين شفتيه بابتسامة خطفت أنفاسها وهو يسحبها من ذراعيها للداخل برفق : تعتقدي ؟!
أتبع آمرًا بود : ارفعي عينيك وانظري إلي موون
أتبع وهو يحرك سبابته على طرف ذقنها محثًا إياها على النظر إليه : هل انتهيت أم لا ؟
شحب وجهها فاجأه بطريقة اربكته وهي ترفع نظرها بتلقائية وتقول بصوت مخنوق : لا تقوله مرة أخرى. 
عقد حاجبيه بعدم فهم لينظر إليها بإدراك سريع وهو ينتبه إلى ما تلفظ ونادها به !
نبض العرق الظاهر في عنقه بعنف وهو يتذكر أن تلك الكنية التي كان يستعملها أخاه في مناداتها بها ، بل كان يتشدق به أمامه وهو يتلهف ليخبره بكل مرة أنها قمره الخاص به ، بانها من تضيء حياته ، أنها موون !
عادت إليه تلك الصورة من الماضي أمام عينيه لتغشيهما بسواد حالك وهو يتذكر المرة الأولى التي أخبره باسم بتلك الكلمات ، كان بحفل خطبتهما ، أخيه يحاوطها بذراعه ويقربها إلى صدره ويتلو على مسامعة تلك الكلمات التي جعلته ينحي بصره عنهما وخاصة بعد أن لاحظ اختلاج وجهها بالخجل واحمرار بشرتها والعنف الذي ظهر على محياها وهي تحاول أن تدفع باسم في صدره ليبتعد عنها !
تحول الأمر إلى مشادة فعليه نشأت بينهما عندما لم يكف الاخر عن احراجها بتلك الطريقة فتدفعه هي بقوة في صدره وتقول بعينين ناريتين : أخبرتك من قبل ألا تلمسني ، أنت تعلم القواعد جيدًا.
رجف قلبه بشده وهو يتذكر ذلك الاعجاب الذي طغى على عينيه حينها وهو ينظر إلى تلك النمرة الشرسة التي تختفي تحت عباءة الفتاة الرقيقة سيدة المجتمع الهادئة التي ظهرت من أول الحفل وهي تحيط ضيوفها باهتمام جم.
حينها أشاح بوجهه عنها بل أدار جسده بأكمله لينصرف مبتعدًا عنهما فغير مسموح له بمجرد الاعجاب بمن ستكون زوجة لأخية !
بعد قليل أتى باسم ليقف بجانبه وهو يبتسم بتلك الطريقة التي لطالما أثارت خوفه وهو يقول : لم ابتعدت يا تؤامي ؟
نظر له ببروده المتوارث وهو يقول بلا مبالاة تشبعت بخبثه : أنظر إلى الحضور لعلني أجد من تنير حياتي أنا الآخر.
حينها ابتسم باسم وهو ينظر إليه بطريقة أثارت تفكيره وهو يقرأ نظرات الغيرة الواضحة بعيني تؤامه الذي قال : ابتعد عن الشرقيات فهن متزمتات بطريقة تفقدك صوابك.
قلب خالد عينيه بملل وهو يقول : أنت تعلم أنهن لسن مفضلات لدي.
قاطعه الاخر بسخرية : أعلم أخي ، أعلم
أكمل بعيون معتمة : أنت تفضل الشقراوات ذوات العيون الرمادية الشبيهات بأمنا الغالية
شعت عيناه بحقد لم يستطع إخفائه ليسأله بتهكم :ماذا خالد أتبحث عندهن على الحب الذي افتقدته ؟
حينها ابتسم تلك الابتسامة الجانبية التي تزيده غموضًا وجاذبية وهو يعلم جيدًا أن لطالما أثار بها حنق أخيه وجعله يشتعل بالغيظ منها لأنه لا يستطيع إثارة استفزازه : أنا مكتفي بما لدي باسم ولا أبحث عما ينقصني فأنا راضٍ بما قسمه الله لي.
ابتسم باسم بسماجة وهو يسيطر على انفعاله جيدا :نعم أنت راضٍ دائمًا.
رمش بعينيه وهو يحاول أن يخفي آثار تلك الذكرى المنهكة لمشاعره وعقله لينتبه إليها وهي تضع كفها على وجنته بحنو وتقول : يومها كنت نزقة بسبب حضورك
فأنا لم أتوقعه
تنفست بعمق : كنت لا أريد رؤيتك وأنا أُخطب لآخر عوضًا عنك أنت!
اتسعت عيناه بصدمة تجلت في زرقة عيناه لتجعلهما تغيمان بلون أزرق معتم وهو ينظر إليها بتساؤل سطع على ملامحه بأكملها
لتهز هي رأسها بالإيجاب وهي تجيبه بصوت حاني :لقد رأيتها على وجهك خالد ، رأيت تذكرك ليوم خطبتي البغيض
تنفست بعمق وهي تسيطر على دموعها ،هم بالسؤال لتشير برأسها نافية وهي تقول سريعا :لا ليس الآن خالد ، سأنتظرك على طاولة الفطور التي أعددتها من أجلك خصيصًا كما تحبها في الشرفة المطلة على البحر
وقفت على رؤوس أصابعها لتقبله بجانب فكه ،نظرت إليه بهيام وهي تبسط راحة يدها على صدره فوق موضع قلبه مباشرةً ، قلبه الذي عزف لحنًا خاصًا بها ،فابتسمت وكأنها قادرة على فهم أدق خلجات قلبه وقالت : وها أنا أرى أنك انتهيت فسأسبقك إليها
ازدردت لعابها بصعوبة لتزفر بهدوء وهي تقول: ولنؤجل الحديث لوقت أخر.
*******

دلفت من باب البيت بقوة .. حيتها الخادمة بلهفة لتقول بحدة : أين عمي ؟
تنفست بهدوء وهي تشعر بتلك القوة التي تحيط وجوده وهو يقول بصوته الرخيم : تعالي يا فوزية.
تقدمت بخطوات هادئة لتنضم إليه في التراس الكبير للدوار ، شعرت بنزول المفاجأة عليها كالصاعقة ضربتها ليختل توازنها للحظات ، وهي ترى حفيدها يجلس على رجليه ، يستند على ذراعه ، يلعب بمسبحته الكهرمان ويمسك بيده الأخرى عكازة الذي ظل يدقه هو له ليبقى الطفل مستمتعًا ويبتسم تلك الابتسامات التي تستولى على عقلها
لتفيق من صدمتها بوجود حفيدها على تلك الوضعية وهي تستنتج  أن حديث أخاها البارحة حقيقيًا ولم يكن يبالغ إذًا ، سألت بصدمة : إذًا إنه لحقيقي عمي ؟!
رفع لها عيناه وهو ينظر إليها بنظرات معتمة لا تكشف عما بداخلها :ما هو الحقيقي يا بنت أخي ؟
ابتلعت غصة تجمعت بحلقها : وجود هنادي هنا.
تنفس بقوة وقال : نعم إنها حقيقة واقعة ، إنها زوجة حفيدي وما يملكه تملكه هي أيضًا.
اتسعت عيناها باستنكار وهي تتمسك بحافة أحد الكراسي الموضوعة فهي شعرت بساقيها ترتجف لتقول بقوة : ماذا تقول عمي ؟ هل ستقبل بتلك الهنادي ؟!
أتبعت في ثورة : هنادي التي لا تناسب هشام كليًا ، تلك الفتاة التي لا تناسب عائلتنا.
قاطعها غاضبًا : تلك الفتاة أحبها هشام وتزوجها ، رغم محاولاتنا بإقصائه عن تلك الزيجة حاربنا بضراوة وأصر على زواجه منها ، تلك الفتاة التي تتكلمي عنها وكأنها نكرة ، فتاة ذات أصول طيبة .. متعلمة ومثقفة وتحب ولدك ، تلك الفتاة التي لازلت غير راضية عنها وتحاربيها بكل ما أوتيتِ من قوة أم لحفيدك الذي لا تملكين غيره .
رفع نظره لها ووجه يربد من الغضب : ألا تذكرك بأحدهن يا فوزية ؟
اتسعت عيناها بصدمة ممزوجة باستنكار وقالت بازدراء : أتساويني بتلك الفتاة يا عمي ؟
زفر بقوة وهو يستغفر الله بخفوت ليقول : لا أرى فارق كبير بينكما فوزية بل هي
ليست متملكة مثلك لدرجة الجنون.
اتسعت عيناها بغضب وصاحت بحنق : أنا متملكة لدرجة الجنون.
نظر لها بعيني قاسية وقال : أجرؤت على أن تصيحي بوجهي فوزية ؟
ارتدت خطوتين للوراء بخوف ظهر على وجهها وقالت بتلعثم : لا عمي ، لم أقصد.
قاطعها بصرامة: لولا وجود حفيدك بحضني لكنت لقنتك درسًا على صوتك المرتفع هذا.
ضمت شفتيها وهي تحكم حلقها بقوة حتى لا تثير غضبه أكثر من ذلك ، وهو يتبع بصوت منخفض حاد : لقد تناسيت فوزية الكثير من الأشياء ، نسيت أنك تتحدثي إلى عمك وكبير عائلتك ، جد ولدك الوحيد ، نسيت الأصول التي تعلمتها كلها بسبب أنني فعلت أمرًا مخالف لما تريدينه أنتِ !
نظر لها بوعيد آثار الرجفة في أطرافها وهو يقول : نسيت الأصول لدرجة أنك جررت ابنة أخيك وراءك من أجل مصالحك أنتِ دون الاهتمام بسمعة الفتاة أو مشاعرها
أتبع بغضب : استغللت ابنة أخيك من أجل أن تتخلصي من زوجته التي يحبها فأنت لم تستوعبي أنه سيحب أحدًا آخرًا غيرك ، أردت أن تملكيه ففكرت في الخلاص من زوجته التي ملكت قلبه وكانت مديحة حلك الأمثل.
أتبع بقسوة : لم أتوقعها منك فوزية ، أن تهيني ابنة أخيك بتلك الطريقة المخزية.
نهض واقفًا ليضع كريم بكرسيه الموضوع على مقربة منه ليلتفت إليها ويقول : لا تحسبي أنك ستفلتين بما فعلته مع مديحة فما فعلته لا يغتفر ولكن الآن تحذيري لك من أجل هنادي ، إذا تريدين أن تواجهينِ بالفعل اقتربي منها أو حاولي مضايقتها صدقيني فوزية إلى الآن لم تري وجهي الآخر فأنا كنت أكرمك من أجل محمد ، احترمت جميع قراراتك حتى الخاطئة منها من أجله ولكن الآن سأهتم بهشام فقط سأدعمه بكل ما أوتيت من قوة حتى لو اضطررت أن أنفيك من حياته.
شحب وجهها ليضاهي شحوب الأموات وهي ترى مقلتيه تلمع بوعيد صادق لتشعر بأنها ستسقط أرضًا لولا ذاك الصوت الذي صدح من خلفها وهو يقول : لا داعي لذلك جدي.
التفتت بلهفه وهي تنظر إليه بشوق ، تبتسم بسعادة لدفاع ابنها عنها لتشعر بقبضة قوية تعتصر قلبها وهو يكمل : والدتي ستنسحب من حياتي بكامل إرادتها وهي موقنة أني أكثر من قادر على تسيير أموري بنفسي .

أغلق الباب خلف الخادمة التي فعلت ما طلبه منها وهو أن تبلغه بوصول والدته عندما تظهر الأخرى ، كان متأكد أنها ستأتي عندما تعلم بخطبة مديحة .
تنفس بعمق وهو ينظر إلى الفراغ أمامه ، التفت ونظر إليها مراقبًا ليشعر بتوتر جسدها الذي شع منها رغمًا عنها ، بللت شفتيها بتوتر فقال بهدوء : هل ستأتي معي ؟
هزت رأسها نافية وقالت : لا سأذهب إلى ديدي فهي تحتاجني اليوم .
ابتسم بسعادة والفخر يظلل عينيه وقال : تهتمين بها كثيرًا.
قالت بنزق : نعم أشعر أنها تُعاقب على ذنب لم ترتكبه ، فالجميع أوحى لها بأنها ستكون عروسك وهي صدقتهم ، لتفيق من الحلم الذي بنته على مدار سنوات طويلة بأنه كابوس مرير جميعهم تشاركوا في نصبه حولها
رفعت رأسها بطريقة ذكرته بأول مرة رآها بها وهي تتكلم بحماس واضح عن مبادئ الحركة التي كانت تنتمي إليها : من رأيي هم من يستحقوا العقاب .
لمعت عيناه بالإعجاب ليقترب بخطوات هادئة : من هم ؟
أشاحت بيدها : والديها ، ووالدتك المصون التي استغلت حلم فتاة مراهقة لتحقق مصالحها الشخصية .
لمعت عيناها بغيظ ممزوج بالغيرة : وأنت .
رفع حاجبيه بدهشة وردد : وأنا ؟!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تقترب منه بالتحدي : نعم أنت ، بكل مرة كنت تغدق عليها بحنانك واهتمامك بها وأنت تعلم جيدًا بما يدور من أقاويل حول خطبتكم التي ستحدث لا محالة ، بكل مرة كنت ترى نظراتها الهائمة بك دون أن تحاول أن تبعدها عنك أو تصدها أو تخبرها بأنك لن تكون لها ، بكل مرة كنت تصمت عن ابداء رأيك وتحديد موقفك بها هشام ، كنت ترتكب خطئ يفوق أخطائهم جميعًا في حقها  .
ابتسم بتلاعب وقال : أنت لازلت تتحدثي عن مديحة أليس كذلك ؟
رفعت عيناها إليه بقوة وقالت : بل انتقدك عموما يا زوجي العزيز .
حاول أن يكتم ضحكته ولكنه فشل ، لتنطلق ضحكته قوية وهو ينظر إلى نظراتها المدهوشة وعدم الفهم الذي ظلل عينيها ، اقترب منها ليقبض على مرفقيها قويًا ويقول وهو يبتسم باتساع وعيناها تلمع بغيظ رقيق : لست في موضع لإبداء النقد يا زوجتي العزيزة فإذا بدأنا في نقد أحدنا الآخر ، صدقيني ستخرجين من تلك الجولة خاسرة
رمشت بعينيها وهو يتبع بحقد لأول مرة تراه يغيم بعينيه : فأنا لدي الكثير ضدك هنادي .
شعرت بالخوف من تلك النبرة التي غلفت صوته لتشهق بمفاجأة وهو ينحني عليها و يمتلك شفتيها بخشونة أضاعت انفاسها ، تركها سريعًا وكأنه كان يعاتبها بقبلته على ذاك الألم الذي يغلف قلبه .. ذاك الألم الذي لم يتحدث عنه إلى الآن .
نظرت له مليًا وهو يتجه إلى باب الغرفة لتستوقفه : أتريدني أن أرافقك ؟ أستطيع أن أذهب لمديحة بعد أن  تنهي لقاءك بوالدتك .
ابتسم بهدوء ليحرك رأسه وينظر دون الالتفات إليها ويقول : لا يا زوجتي العزيزة سأقبل بنقدك وأحاول أن لا أخطئ مرة ثانية ، سأتوقف عن الصمت هنادي سأخوض مواجهتي مع ماما بمفردي فأنا أكثر من قادر على ذلك .
أتبع وهو يفتح باب الغرفة : كما أنني أكثر من قادر على مواجهتك ولكني أفضل أن تكون بمنزلنا حتى أستطيع أن اؤخذ بحقي كاملاً منك دون أن تحتمي بأحد مني إلا أنا .
همس بخفوت : فلا يوجد مهرب لك مني إلا أنا .
اتسعت عيناها وهي تنظر إلى خروجه الواثق وإغلاقه لباب الغرفة ورائه بصلابة لتشعر بالقشعريرة تدب في أوصالها جميعا فارتعدت رغمًا عنها وهي تفكر في تلك الكلمات التي تحمل في باطنها الكثير مما ينوي لها .
أغلق الباب خلفة ونزل إلى الأسفل ظهر الاهتمام على وجهه وهو يستمع إلى صوت والدته العالي على غير المتوقع ، عقد حاجبيه وأسرع بخطواته ليستمع إلى أخر جزء من الحوار الناشئ بينها وبين جده ليزم شفتيه بغضب ويقول : لا داعي لذلك جدي
نظر لها بهدوء وهو يحاول أن يوصل لها رسالته دون الإفصاح عنها ، تحاشى النظر إلى عمق عينيها المتلهفتان له ، نحى شوقه الجارف لها بأن تضمه بين ذراعيها بحنان وحب كما تفعل دائمًا ، اكمل بجدية مرغمًا روحه المتعلقة بها منذ نشأته : والدتي ستنسحب من حياتي بكامل إرادتها وهي موقنة أني أكثر من قادر على تسيير أموري بنفسي .

لمعت عيناها بالدموع وهي تنظر إليه غير مصدقة لما تفوه به الآن لتسأل بصوت محشرج ونبرة مذهولة : أنت تطردني من حياتك هشام .
تنفس بعنق ليخطو باتجاهها ويقول بهدوء : لا أمي ولن أفعلها أبدًا ولكني كبرت أمي وأنتِ لستي مستوعبة لذلك الأمر ، أنا   أصبحت رجلاً لدي زوجة وطفل لم أعد ذاك الطفل الذي يتلقى أوامرك وينفذها دون نقاش ،
زفر بقوة وهو يتبع : لدي حياة رائعة مكتملة مع زوجة أحبها وطفل يحمل اسمي هو عالمي كله الآن.
قاطعته بذهول : اتسمي حياتك مع هنادي ووجود ذاك الطفل بحياة رائعة ومكتملة
أتبعت بثورة : ستكتفي بذاك الطفل الذي لا يستطيع مناداتك للآن
هز الجد رأسه بلا فائدة وهو يستغفر ربه بهدوء ، اتسعت عيناه بغضب فزمجر بعنف : أمي .
نظرت إلى وجهه الذي اكفهر من الغضب وعيناه التي حملت صرامة ماثلت صرامة الآخر الذي وقف بجانيه فشعرت بالخوف يدب في أوصالها ، ليتبع هو : أرأيت أمي ، أنت لا تقبلين بما أريد ، ترين الأمر من منظورك أنت دون الاهتمام بي وبمشاعري أيضًا ،بل ترفضين أيضًا الاستماع لي .
قبض كفيه بقوة وقال وهو ينكس رأسه للأسفل : أعتقد أن جدي محق ، لم أكن أريد ذلك ، كنت اتمسك بوجودك في حياتي بشدة ولكن أنت من اخترت أمي .
أتبع وهو ينظر إليها بقوة جابه بها نظرات الصدمة التي تعتلي وجهها : تلك الأسرة التي تزدرينها أمي هي أسرتي التي أحبها بل أعشقها ، إذا أردت التواجد من ضمنها لن أستطيع منعك بل في الحقيقة سأرحب بوجودك بها كثيرًا ، ولكن سيكون ترحيبًا بشرط  أن لا تدخلي بأمور عائلتي ، إذا لم تريدين التواجد بها فأنت حرة أمي .
نظر لها بألم ممزوج بالشجن : لك حرية الاختيار ماما .
شعرت بقدميها ترتجف ، وجسدها ينتفض بقوة وهي ترى أن ولدها الوحيد من تحملت من أجله الكثير ، من تعبت بتربيته بمفردها ، من وهبته عمرها كاملاً يتخلى عنها من أجل زوجته ، لتومض عينيها بغضب وتغلف القسوة روحها وهي تتذكر تلك الأفعى التي استولت عليه ، رفعت رأسها بكبرياء وعيناها تتلألأ بالدمع الغزير المحبوس بداخلها لتقول بصوت قوي وهي ترمقه بنظرات قاسية : وأنا لا أريد وجودي بتلك الحياة المزرية التي تريدها لنفسك .
اندفعت مغادرة من أمامهم ليغمض عيناه بألم وهو ينكس رأسه بانهزام أحنى كتفيه ، ربت جده على كتفه بحنو ثم ضغط عليه بقوة جعلته يرفع رأسه لينظر إلى جده الذي قال : ستعود بني ، تأكد من ذلك .
نظر لجده بنظرات مليئة بعدم الأمل ليهز الجد رأسه بالنفي ويقول : لا هشام ستعود إليك يا ولدي ولكنها الآن تكابر مع الأسف عندما ستهدأ ستتيقن أن لا سبيل لابتعادها عنك .
نطق بصوت مبحوح مليء بالأسى : أتمنى ذلك جدي .

*****

ابتسم وهو ينظر إلى الطاولة المتخمة بجميع الأصناف التي يفضلها ، مرصوصة بعناية ،تجلس هي على كرسي موضوع بجانبها تنظر إلى البحر في استمتاع كما شعر بها ، تعطيه ظهرها غير منتبهه لوصوله ، اقترب بخفة منها دون أن يصدر صوت ، لينحني ويضمها من كتفيها بالكرسي إليه .
ابتسمت بدلال كما اعتادت وهي تلف رأسها إليه وتقول : شعرت بك فلم تستطع مفاجأتي .
جعد أنفه بطريقة طفولية ومط شفتيه بمرح وهو يقول : أمم ، إذًا فقد استطعت خداعي يا جميلتي .
انطفأت الابتسامة بعينيها ليحل محلها الألم ، نظرت إلى زرقة عيناه الصافية وقالت بشجن خرج من قلبها : طوال الوقت كنت أخدع نفسي خالد ، كذبت على قلبي قبل أن أكذب عليك ، صنعت وهم كبير أقنعت نفسي به إلى أن صدقته .
تنفس بقوة ليقول بغموض : أعتقد أن كلينا صنع وهمه الخاص به .
رمشت بعينيها لتعتدل في جلستها وتنظر له بتساؤل فابتسم بألم وقال : أنت هربت من مشاعرك اتجاهي لأن كبريائك هزم حبك لي ، وأنا تغاضيت عن مساوئ أخي وتعاملت معه بأخوة صادقة وتركتك له رغم أني كنت على يقين بأنه سيؤذيك .
رددت بدهشة : تركتني له ؟!
تنفس بقوة وهو يجلس على كرسي بجوارها ويكمل وهو ينظر إلى البحر وكأنه سيغوص إلى أعماقه : نعم تركتك له ، سأكون صادقًا مع نفسي للمرة الأولى وسأعلن عن إعجابي بك منذ المرة الأولى التي رأيتك بها
رمش بعينيه وهو يتتبع بجدية : بل من قبل أن أراك حتى !
اتسعت عيناها بدهشة ممزوجة بالتساؤل فأكمل بنبرة عميقة : كان محض إعجاب بفتاة مصرية سمعت عنها من أحد المصريين أصدقائي ، كان يحدثني عن أخبار الجامعة كتعاون معترف بيننا ،
عقدت حاجبيها بعدم فهم فقال وهو يوضح لها دون أن تسأله : لقد كنت أتعاون مع المخابرات ، حينها كانت أقصى معدلات لتجنيد الشباب العربي ضد بلاده، وصلتنا معلومات عن وجود خليه تجسس تعمل بكفاءة على الشباب الجامعي ، فوضعنا عين لنا هناك ، كنت أنا مسئول الاتصال معه ، وكان هو ينبئني بتقرير وافي عن معظم الشخصيات البارزة في التجمعات الشبابية في الجامعة ، وأبرز الرموز المرشحة فتُستقطب من قبل ذاك التنظيم للتعاون معه وأنت كنت من المرشحين الأوائل !
اعتلت الصدمة ملامحها ورددت بدهشة : من المرشحين الاوائل !
هز رأسه بالإيجاب : نعم لقد كانوا يستهدفون الرموز البارزة في المجتمع العربي ، لعلمهم بأنهم مصادر موثوقة للمعلومات وأنهم فوق مستوى الشبهات وليستطيعوا من خلالهم السيطرة على العائلات العربية ذات النفوذ بلندن فاشتراك أي فرد من أولئك العائلات مع التنظيم يخولهم للسيطرة على العائلة بأكملها وتسييرها لما يريدونه دون مقدرة أي فرد منها على الرفض ، وإلا سيدمرونهم .
أكمل بغضب : تخيلي أن يسرب خبر أن ابنة السياسي المعروف متهمة بالتخابر مع جهات أجنبية ، دمار للعائلة بأكملها
نظر إليها وقال : وهم كانوا يريدون تكبيل أباكِ بأي طريقة ممكنة ، كانوا يريدونه تحت سيطرتهم بأي ثمن 
أتبع بغيظ : كدت أن اجن وأنا أراهم يتبعون نفس الطريق مع فاطمة ، كنت خائفًا لحد الموت عليها لأني أعلم جيًدا كرهها لموطنها الأصلي ولكنهم استغلوها أيضًا وذلك الحقير المسمى بأرون اتبع خطوات أخي جيدًا.
رددت بصدمة : فاطمة ، إذًا ما حدث منذ شهور
أكمل هو : كان استكمالاً لما بدأه باسم معك منال ، لم أتخيل ولو للحظات أن اخي يقترب منك لذلك الأمر.
زفر بقوة وهو ينظر إلى زرقة المياه أمامه ويقول بشرود : اعتدت أن أسمع أخبارك من ذلك الشاب الذي كان مبهورًا بدوره بك ، كان يحدثني عن أخبارك وعيناه تلمع بفخر وإعجاب لا مثيل ، رغم أنه لم يكن عربيًا ولكنه كان فخورًا بكونك مؤمنة ببلادك لهذا الحد .
همست بإدراك : أنت تحدث عن جاك أليس كذلك ؟
لمعت عيناها بإعجاب وهو يلتفت إليها بصدمة لتنظر له بصمت محثه إياه على إجابة سؤالها ، فابتسم بمكر وقال : هل فاتني شيئًا لم يخبرني عنه ؟
اتسعت ابتسامتها وقالت : إطلاقًا ، ولكني رأيت إعجابه بعينيه ولكنه لم يصرح به أبدًا .
زفرت بهدوء : لقد كان صديقي المقرب رغم كونه ليس بعربي ولكن اصولنا الأفريقية أعتقد أنها قاربت ما بيننا ، كان يحميني دائمًا دون أن يفرض علي إطار حمايته ، ولكن كان معروفًا بالجامعة أن ذاك الوحش الأسمر قابع في الظلام من أجلي دائمًا
اتبعت بندم طل من عينيها : لطالما حذرني منه وكان يستشيط غضبًا عندما يراني أقف أو أتحدث معه ، بل تجرأ في إحدى المرات ووبخني بقوة وأمرني بالابتعاد عنه .
أكمل بابتسامة تحمل الغيظ أكثر من المرح : حينها أخرجت أشباح جنونك عليه وقطعت صداقتك به ، أليس كذلك ؟
ضحكت بخفة وهي تهز رأسها بالإيجاب ليكمل : أتاني يومها مهرولاً يتوسل إلي بإنقاذك من براثن أخي وأنك لست بتلك الفتاه التي نتركها لأن يتسلى بها ذلك الحقير.
اتسعت عيناها باستنكار فابتسم وقال : نعم لقد استعملها حرفيًا ولم يخشى أن أوبخه
أكمل وهو يمط شفتيه بخيبة أمل : مع الأسف لم أستطع أن أفعل له شيئًا فهو كان محق !
سألته بهدوء وهي تحاول أن تمحي تلك النظرة المتألمة التي تطلت من عينيه : لكنك استجبت إليه ؟
هز رأسه بالإيجاب وقال : بلى وذهبت إلى الجامعة لأرى تلك لفتاة التي يسعى خلفها أخي دون أن أفكر للحظات أنه هو المسئول الرئيسي عن تجنيد الشباب في الجامعة.
نظرت له بذهول ممزوج بالتساؤل فهز رأسه بالإيجاب : نعم لقد أخبروني بذلك في أخر تعاون لي مع الانتربول أن هذا كان هدف باسم الأساسي ولذا سعى ورائك ،
أكمل بصوت خفيض متجمد : وعندما لم يستطع الوصول إليك تزوج منك لأنه كانت لديهم خطة أخرى من أجل والدك
اتسعت عيناها بذهول ممزوج بعدم الفهم فأتبع بنبرة جليدية : لقد كان مسئولاً
عن اغتيال والدك
شهقت بقوة وشحب وجهها وقالت وهي ترتجف رغمًا عنها : ماذا ؟!
أغمض عيناه ليجز على نواجذه قويًا ، ليقول بقوة : اهدئي منال ، اهدئي .
ظهر عدم التصديق بعينيها فابتسم بألم وقال : هذا ما منعني عن اخبارك في أول الأمر أنكِ لن تصدقي أبدًا.
أغمضت عيناها وقالت وهي تهز رأسها نافية : لم أقصد خالد ولكن ما تقوله الآن ضرب من الخيال.
ضحك ساخرًا : بل هو الخيال نفسه ،
زفر قويًا وهو يتبع : لا ألومك منال على ردة فعلك تلك ، فأنا الاخر لم أصدق في البداية ، بل ثورت وتشاجرت مع ذاك الضباط الذي أخبرني بتلك المعلومات فهو لم يستطع على كل حال أن يخفيها عني بعد أن رأيت باسم بأم عيني في تلك العميلة الاخيرة التي أودت بحياته في الأخر.
أكمل بسخرية : تلك المعلومات التي أكدها لي عبد الرحمن
تأفف بضيق وهو يصحح : أقصد أمير ، أخبرني بتلك الأوراق التي وجدوها تخص ذاك التنظيم وأن الشخص الذي كان مكلفًا بقتل والدك هو أخي العزيز !
اتسعت عيناها بصدمة ممزوجة بدهشة ، انهمرت دموعها دون أن تشعر بها وكان جسدها وجد طريق للتنفيس عما يجول بداخله فقالت : لماذا ؟ ماذا فعل أبي ليقرروا اغتياله ؟
قال خالد : والدك كان شوكة بخصرهم منال ، كان يعيق حركة تجنيد الشباب ويعيق حركتهم للسيطرة على العوائل المصرية والعربية أيضًا.
رمشت بعينيها بغير تصديق : وما علاقة باسم بذلك ؟
استطردت سريعا و عقلها يلمع بفكرة : أقتل من أجل ذلك ؟
هز رأسه بالإيجاب ويقول : لم يكن دين كما أخبرك منال ، لقد تمت تصفيته لأنه تقاعس عن الدور المرسوم إليه ، تقاعس عن اغتيال والدك كما أرادوا هم ،فجأة تمرد عليهم ، لا أعرف لماذا ولكنه أعلن عصيانه و حاول أن يصل لي ليخبرني بالمعلومات التي يعرفها.
أتبع بألم ساخر : لقد كان يعلم الكثير فهو كان عضوًا هامًا في ذاك التنظيم.
هزت رأسها بالنفي وهي تقول بخفوت : لا ، لا أصدق
وضعت كفيها على وجهها وهي تهز رأسها بحركات لا إرادية متتابعة بعلامة النفي : لا أستطيع التصديق بأنه كان ذلك الشخص الذي تخبرني عنه الآن
أتبعت وكأنها تتحدث إلى نفسها : كيف استطاع خداعي بتلك الطريقة ؟ كيف لم انتبه له أنا ، كيف انجرفت إليه ولم أرى تلك التصرفات المريبة التي كان يفعلها ؟ أكنت مغيبة لتلك الدرجة ، أكنت ساذجة لدرجة أن أتزوج من شخص يضمر لي ولأبي الشر بل ويريد قتله أيضًا ؟!
غمغم بصوت مخنوق : اهدئي منال ، لست وحدك من خدعها بمهارة ، لقد كان مخادع من الطراز الأول .
رفعت نظرها إليه وقالت بصدق بعد أن كفكفت دموعها : أتعلم خالد أني لم أستطع تصديق الأوراق التي قرأتها ، نفيت تلك المعلومات من رأسي ، كنت أفضل أن يكون مجرم ، يتاجر بأمور مشبوهة كالأسلحة والمخدرات على أن يكون خائنا لوطنه
بكت بنشيج مرة أخرى وهي تتبع : بم سأخبر الطفلين ، أباكما كان خائنًا ، خان دينه ووطنه ، خانني وخدعني ؟
نظرت له بضياع تام : أخبرني ما الذي علي أن أفعله ؟ أخبرني خالد .
انهمرت دموعها بغزاره أمامه ليزفر بقوة ويقول : اهدئي منال والطفلين لن تخبريهم بأي شيء ، سنظل نردد على مسامعهما تلك الكلمات الجميلة التي اعتدت على اخبراهما بها ، ستخبرينهم بان والدهما كان رجلاً ونعم الرجال مات فداءً لوطنه.
صرخت بقوة : كيف ؟ كيف سأستطيع خداعهم أنا الأخرى ؟؟
أتبعت بثورة : وعندما يكبران يفقدان الثقة بي لأني كذبت عليهما بشأنه.
تنفس بعمق وقال وهو ينهض من مكانه ليوقفها أمامه ويضمها إلى صدره بحنو ليجلس مرة أخرى مكانها وهو يجلسها بحضنه ، مسد خصلات شعرها برقة وربت على ظهرها مهدئا ، رفع وجهها إليه وقال وهو يسمح دموعها : منال اهدئي قليلاً ودعي أمر الطفلين لي.
وضعت كفها على فمها لتكتم تلك الشهقات الباكية التي خرجت دون إرادة منها ،
قبل رأسها وجبينها وهو يضمها إلى صدره و يهمس : اهدئي حبيبتي ، فقط اهدئي .
استكانت بصدره وهي تحاول أن تسيطر على انفعالها ، دق قلبه تحت أذنها لتجد نفسها تنسى كل شيء خاص بالآخر ، و تهيم في عالمه هو ، تفكر به هو ، تشعر بشوقها يجذبها إلى تياره هو ، لاح أمامها أن من الممكن أن يخطئ تفسير بكائها فتنفست بقوة وقالت بصوت مبحوح : آسفة خالد.
نظر لها بتساؤل لتتبع بنظرات صادقة : لا أبكي عليه.
ابتسم بهدوء وهز رأسه بتفهم لمع بعينيه وقال : أعلم أنكِ لا تبكي عليه.
دفنت أنفها في صدره مرة أخرى وهي تستنشق رائحته بلهفة تشبثت بقبة قميصه لتبتسم وتقول بصوت حاولت بث المرح به بأكبر قدر ممكن : إذًا كنت معجب بي من البداية.
ضحك بخفة وهو يشعر بدفئها الذي انتقل إليه بسلاسة : نعم كنت معجبًا سريًا بتلك الفتاة التي تنتقد السياسات الخارجية وتدافع عن مصر أكثر من المصريين نفسهم.
عقدت حاجبيها وقالت بانزعاج : أنا مصرية بكل نقطة دم تجري في عروقي.
اتسعت ابتسامته وقال وهو يضع رأسه براسها : أعلم لقد تأكدت من ذلك بنفسي.
ضحكت بخفة واحمرار طفيف يغزو خديها وهي تقول : إذًا أنت تعترف بأني أفضل من أولئك الشقراوات اللوائي كنت تبحث عنهم باستمرار.
رفع حاجبيه وعيناه تلمع بمكر مرح ، قبل طرف أنفها ليقول بمشاكسة : طبعا هل أستطيع قول شيء آخر منال ؟
ضحكت بقوة لتقبله وجنته وتقول وهي تهم بالنهوض : هلا بدأت بتناول طعامك الذي أفسدته أنا بتلك السيرة الكئيبة ؟
هز رأسه بالإيجاب وضمها إليه وهو يهمس : لا تتحركي إذًا واطعميني.
ابتسمت برضا وقالت : بكل سرور حبيبي.
بدأت في تلقميه بتلك اللقيمات الصغيرة لتتوقف وتقول بهدوء : خالد أريد أن اصطحب الطفلين معي ببيتنا الجديد ، عندما نعود.
عقد حاجبيه ونظر لها بتعجب وقال : ألن تعودي لبيت والدك ؟
ابتسمت بمكر طغى بعينيها وقالت : لمَ أعود لبيت والدي أليس لدي بيت خاص بي أنا ملكته ؟!
نظر لها مليًا ليقول : من أين علمت أن هذا بيتك ؟
قالت بتلقائية : أليس بيتك هو بيتي أيضًا ؟!
ابتسم باتساع وقال : آه بالطبع ولكنه بالفعل بيتك أنا اشتريته لك منال باسمك ، لنستقر به هنا .
رمشت بعينيها وملامح وجهها تصدح بالدهشة وقالت : لم كتبته باسمي ؟
ابتسم بمكر وقال : اعتبريه هدية زواج متأخرة يا منالي
أتبع وهو يرفع حاجبيه والسعادة تطل من عينيه : كم أنا سعيد لأنكِ قررت أن نستقل بحياتنا أخيرًا.
احتضنت وجهه بكفيها وقالت : أنا أعتذر عن كل ما سببته لك خالد.
شدد من احتضانه لها وقال : كفي عن الاعتذار حبيبتي يكفيني أنكِ هنا معي .
ابتسمت بحب وقالت دون أن تصدر صوتًا فعليًا وهي تنظر لعمق عينيه : أحبك.
تنفس بعمق وهو يحاول أن يسيطر على قلبه الذي قفز بمرح عازفًا بأوتاره لحن يحمل الحنين لما كانا عليه من قبل ، تنحنح ليقول مخالفًا لما تتوقعه هي : حينما نصل إلى القاهرة سنعد الغرفة للطفلين والغرفة الأخرى للصغيرين الآتيين عن قريب.
أخفت خيبة أملها جيدًا لتبتسم باتساع في وجهه وتقول : إن شاء الله.

***
استيقظت من نومها ، نومها الذي لم تذهب إليه ، لقد ظلت متيقظة رغم أنها أغمضت عيناها وأسكنت جسدها ، تلحفت بغطاء سميك أرادت أن تغطي به روحها التي تعرت جراء ما فعله بها
ادعت النوم ليس على إيني فقط التي أتت أكثر من مرة لتوقظها ، بل ادعت النوم على نفسها أيضًا ، أجبرت نفسها على التصديق أنها نائمة ، أجبرت جسدها على أن يكون قويًا ويكف عن الارتجاف ، أجبرت قلبها عن الكف عن الانتفاض قويًا وكأنه جسد تفيض منه روحه بسلام.
والآن تجبر نفسها على النهوض من الفراش وادعاء اللامبالاة ، ادعاء أنها طبيعية لم يحدث بها شيء ، ادعاء أنها لازالت انسانة حية ترزق وكأنه لم يزهق روحها البارحة.
أخدت حمام دافئ ، وتحكمت قويًا في تلك الرجفة التي انتابت جسدها بأكمله وهي ترى جسدها يحمل أثار يديه وهي تنظر إلى تلك الكدمات التي وشمت ذراعيها باللون الازرق ، أغمضت عيناها وهي تمنع الذكرى من التدفق بعقلها حتى تستطيع الصمود أمامه ، تحكمت في دموعها وهي تفتح عينيها مرة أخرى وترفع رأسها في قوة إرادة وصلابة شعرت بهم يغلفا قلبها بغلاف شفاف ليخزن الألم بداخله
مسحت وجهها بكفيها لتنظر إلى نفسها بالمرآه وتهمس لروحها كوني قوية
ارتدت شيئًا ساتر وتحركت خارج الغرفة وهي تبث لعقلها أن يتحاشى رؤيته لتتنفس الصعداء وهي تسمع إيني تتحدث مع زوجة خالها عن رحيله المفاجئ !
ابتسمت ابتسامة خالية من المشاعر وقالت بهدوء : صباح الخير.  
قفزت إيني بمرح : أخيرًا استيقظت أيتها الأميرة النائمة ، مللت بمفردي وأنت وليلى تتباريان في منكما ستنام لعدد ساعات أطول من الأخرى .
حاولت الابتسام بطبيعية وهي تقول : المعذرة إيني أفسدنا عليك يومك .
صاحت إيني بنزق :نعم أفسدتموه كليا ، فبلال بك تركنا وعاد للقاهرة وأنت وليلى نائمتان للآن وأمير ذهب إلى مكان يعلمه الله وحده وأنا بمفردي .
تغلبت على انتفاضتها التي انتابتها قويًا عندما ذكرت ايني اسمه وتلك الموجة من الغثيان التي صعدت لحلقها لتقول بهدوء : وها أنا ذا استيقظت ، ماذا تريدين أن تفعلي ؟
لمعت عينا إيني بجزل وقالت : ما رأيك لنرتدي ملابس السباحة ولنسبح قليلاً .
ابتسمت بتوتر وهي تتذكر جسدها الذي يحمل آثاره فقالت : لن أستطيع للأسف أعتقد أني سأصاب بالبرد .
تأففت إيني بصوت مسموع وقالت : لذا ترتدين تلك السترة المغلقة ذات الأكمام.
أتبعت بزفرة قوية : ألف سلامة عليك مسبقًا.
ابتسمت دون أن تخرج الابتسامة من داخلها وقالت : سلمك الله.
تحركت بآلية لتتوقف إيني أمامها وتنظر إليها بتفحص وتقول :ماذا حدث معك ؟
رمشت بعينيها وسيطرت على ارتباكها قويًا وقالت : لم يحدث شيء. .
نظرت لها إيني بريبة لتقول : بلى أنت لست بطبيعتك ،
اقتربت لتنظر إلى عينيها مباشرة وقالت : أنتِ تخفي عني شيئًا.
علمت أنها لن تتخلص من الحاح إيني بسهولة ، تنفست بعمق وقالت بهدوء : لقد افترقنا أنا وبلال.
اتسعت عينا إيني بدهشة ووضعت يدها على فمها وقالت : أوه يا اللهي
اقتربت لتضمها اليها وهي تحاول أن تواسيها لتبتعد سوزان للخلف خطوتين وتقول : لا إيني.
عقدت إيني حاجبيها بتعجب فأتبعت الاخرى : أنا بخير ، بأفضل حال ، ذلك الانفصال من الأفضل لكلينا.
نظرت لها إيني بانبهار لتبتسم بخفة وتقول : إذًا أنتِ تخفين تلك القشرة الصلبة القوية تحت قناع البراءة والمرح ، تعجبيني يا فتاة.
لفت يدها حول عنقها بمزاح اخوي اعتادت عليه الأخرى لتهمس : صدقيني هو لا يستحقك.
نظرت لها سوزي بتعجب فقالت الأخرى بحنق ظهر جليًا على وجهها : أليس شقيقي ولكنه أحمق بل في غاية الحمق وأنت ستكونين بدونه في أحسن حال.
ابتسمت سوزان بطبيعة بعد أن كانت تظن انها لن تستطع الابتسام أبدًا ولكن إيني بمرحها تستطيع أن تطوع الحجر ، همست : أشكرك إيني.
عقدت إيني حاجبيها وقالت : علام ، أنا أخبرك بالحقيقة ، والحقيقة هي أنك تستحقي دائمًا ما هو أفضل.
زفرت بقوة وأتبعت : أتمنى أن لا تتأثر علاقتنا سويًا سوزان.
نظرت لها بدهشة : أبدًا إيني سنظل سويًا دائمًا أنت شقيقتي التي لم يهبها لي الله.
حضنتها إيني بقوة لتتأوه الاخرى جراء ضغط إيني لجزء من ظهرها الذي يحمل كدمة جراء ارتطامها بحافة الفراش البارحة ، لتقول إيني بتعجب : ما بك ؟
قالت سوزان سريعًا : لا شيء ولكني خبطت البارحة بحافة حوض الاستحمام ولذلك تأوهت.
اعتذرت إيني بصدق : آسفة.
. لا عليك
لمعت عينا إيني بشقاوة وقالت : حسنًا لنمضي اليوم في التنفيس عن روحنا ، لنجعله يوم للفتيات.
ابتسمت سوزان وهي تهز رأسها بالموافقة لتقف فجأة وهي تقول ولكن : أمير هنا ولن نستطيع ذلك.
هزت إيني رأسها بحنق وقالت وهي تتجه لجهاز استريو كبير موضوع جانب الشرفة التي تطل على الحديقة : ألم تستمعي إلي أنه ليس هنا.
هزت رأسها بالتفهم لتتبع إيني : سأبدل ملابسي لأسبح أنا قليلا وأنتِ اختاري ما سنستمع إليه.
لتتسع عيناها بغضب فعلي وهي تقول بثورة : تبًا لك بلال.
رمشت سوزان بعينيها وقالت : ماذا حدث الآن ؟
أتبعت إيني بحنق بلغ ذروته : لقد أخذ السيارة وبها جميع اسطوانتي المضغوطة.
قالت سوزي بتلقائية : هوني على نفسك، إذًا لنستمع لإذاعة الأغاني
صعدت درجات السلم بعنف وهي تدق الأرض بقدميها وقالت : أنه أحمق .. أحمق.
تنفست هي بعمق بعد أن غابت  الأخرى من أمام نظرها وهي تقرر أنها لن تمكث هنا يوم أخر ستعود بأي طريقة إلى البيت ولكنها لن تظل هنا ،بثت لنفسها التشجيع " أنه ليوم واحد سوزان فلتصمدي وتكوني قوية ، سننجو من تلك الذكرى البغيضة التي تحوم حولنا"
تمتمت بخفوت : سأنجو بإذن الله.

****

دلفت إلى الدّوار الأخر الخاص بجد مديحة والذي تسكنه عائلة والدها الآن ، تشعر برهبة تحيط المكان ، وخاصة أن فن المعمار الإسلامي يزين المكان بوضوح ، فتلك الارائك المصنوعة من الارابيسك ، والتحف الفنية ذات الطابع الإسلامي ، المزهريات المطعمة بالصدف ومصنوعة بحرفية عالية ، لم يكن البيت كبيرًا كبيت جد زوجها ولكنه يحمل فخامة وعراقة ، لم تكن تتوقع وجودها هنا في تلك العزبة التي تقع بعيدة إلى حدٍ ما عن قلب مدينة المنصورة !
استقبلتها إحدى السيدات المسنات التي نظرت لها بنظرة تفحصيه شاملة وظهر عدم الرضا على وجهها وهي تطلب منها الدخول.
استنتجت هي أنها إحدى السيدات اللوائي يعملن بالمنزل ولكنها ليست بخادمة أنها تتصرف كأنها أحد افراد العائلة على الرغم أنها ليست كذلك
دقائق معدودة حتى أتت لها إحدى الفتيات صغيرات السن لتبتسم على استيحاء وتخبرها أن الآنسة مديحة تنتظرها بغرفتها في الدور الأعلى.
أتبعت الفتاة بهدوء وهي تجول بنظرها في البيت وتتأمله بانبهار فإذا كان الدور السفلي بغرفة الاستقبال يعبق بالفخامة والعراقة ، فالدور العلوي عنوان للرقي ولذوق ربة المنزل الخاص جدًا المتعلق بالفن الإسلامي
تنفست بحبور لتتوقف وهي ترى تلك الفتاة التي تتبعها توقفت عند إحدى أبواب الغرف لتطرق باباها بهدوء ، ابتسمت بهدوء وهي تستعد للدخول إلى ديدي ، لتعقد حاجبيها بانزعاج وهي تسمع صوتين انثويين يتحاوران في شد وجذب ميزت من بينهما صوت مديحة ولكن الصوت الآخر كان صوتا رزينًا ينم عن سيدة شارفت على أوائل الخمسينيات .
لم تفهم فحوى ذاك الحوار الذي توقف عندما فتحت الخادمة الصغيرة الباب ليصدح صوت السيدة الأكبر سنًا ومكانة بالتأكيد وهي تقول : لابد أن تعلمي أن عمتك لن توافق على ذلك.
صاحت مديحة بغل : لا يهمني موافقتها أمي.
تنفست السيدة والدة مديحة وقالت بتعقل : فكري بوالدك مديحة وتذكري دائمًا أنه لن يرضى عن اغضابك لها.
تنحنحت الفتاة لتنبههم لوجودهما لتزجرها السيدة بنظرة غاضبة وهي تسيطر على غضبها بتمكن رائع وتبتسم في وجه هنادي بأريحية وتقول : مرحبًا بزوجة ابننا الغالي ، لطالما أردت رؤيتك.
اندهشت هنادي لذلك الاستقبال الغير متوقع لتنظر إليها بذهول ولكنها أجبرت نفسها على افاقة سريعة وهي تتقدم باتجاه تلك السيدة التي تحمل قدرًا كبيرًا من الجمال ، ومن ملامح مديحة أيضًا لتبتسم لها بود وتقول : مرحبًا سيدتي سررت بالتعرف عليك.
ابتسمت السيدة وهي تضمها بحنو ذكرها بوالدتها وتقول : بل أنا الأسعد بنيتي ،تفضلي.
ابتسمت ديدى بوجه هنادي وهمست لها وهي تحتضنها : لا تندهشي من أمي إن ذاك طبعها ، ترحب بالجميع بحفاوة وأنتِ لا تحمل لك أي شعور سيء
ابتسمت هنادي بهدوء وقالت : أنها رائعة.
ابتسمت السيدة باتساع وقالت : نورت بيتنا هنادي ، ماذا ستشربين ؟
ابتسمت هنادي بلباقة وقالت : أشكرك سيدتي.
هتفت ديدي : لن تشرب أمي ستتناول الإفطار معنا .
ابتسمت السيدة بحماس : وهو كذلك ساعد الفطور لنا جميعًا ولتتبعوني للأسفل بعد أن تنهوا حديثكم
همت بالحديث لتدخل تلك الفتاة الصغيرة التي اصطحبت هنادي للأعلى وهي تهرول وتقول سريعًا : سيدتي اسرعي فوزية هانم بالأسفل وتسأل عنك .
ابتسمت السيدة بهدوء وقالت : اهدئي أخبريها أني سأنزل لها الآن .
تلعثمت الفتاة وقالت بصوت منخفض في محاولة فاشلة منها للهمس حتى لا تستمع إليها هنادي : أنها غاضبة للغاية وتسأل عن وجود السيدة !
احتقن وجه والدة مديحة لتقول بثبات حسدتها عليه هنادي : حسنا سآتي معك .
التفتت للفتاتين وهي تحاول الابتسام وتقول : سأبلغكما ريثما ينتهي الفطور.
ابتسمت مديحة بسخرية وقالت : على راحتك ماما لدينا الكثير من الأمور لنفعلها سويًا.
غادرت الغرفة بخطوات متعجلة وأغلقت الباب خلفها لتقول لتلك الفتاة : أخبري ممدوح أن يأتي حالاً
صمتت لثواني لتقول : أخبريه أن عمته هنا.
نزلت السلم بخطوات متعاقبة تحمل التوتر بداخلها وفي ظاهرها الرزانة وهي تمتم بخفوت : سترك يا رب.

****

استيقظت من نومها على صوت موسيقى تدب بإذنيها ، وضحكات أنثوية مرحة منطلقة ، لتكتشف أنه صوت إيني عندما بدأ الإدراك يزحف إلي عقلها.
نظرت إلى هاتفها لتجد الوقت تعدى الثالثة عصرًا لتقفز واقفة من الفراش وهي تقرر أنها لابد من أن تتحدث مع بلال .

قالت السيدة ماجدة بهدوء وهي تنظر إلى إيني الجالسة أمام سوزان يلعبا الورق سويًا وبجانبهما بعض من المقرمشات وعلب المياه الغازية الفارغة : ألم تستيقظ ليلى بعد ؟
هزت إيني رأسها نافية وقالت : لا ماما .
سألت السيدة ماجدة مرة أخرى : ألم يعود أمير ؟
هزت إيني راسها بالنفي وقبل أن تجيب أتى صوته الهادئ : للتو وصلت.
ابتسم بوجه السيدة ماجدة : كيف حالك اليوم أمي ؟
هزت رأسها بابتسامة ودودة : بخير حال بني ، لقد قلقت عليك فقط .
قفزت إيني واقفة وهي تقول : أين كنت بحق الله ؟
ابتسم ليخفض نظره عنها عندما فوجئ بما ترتديه من شورت قصير وقميصا قطنيًا يكشف عن كتفيها ، قال بهدوء بعد أن حيا سوزان برأسه : كنت اصطاد .
أتبع جملته بأن حمل ذلك الصندوق البلاستيكي للداخل ويفتحه اتبعته لتتسع عيناها بانبهار وتقول : سمك ؟
ضحك بخفة وهو يتحاشى النظر إليها : نعم ، ما رايك ؟
نظرت إلى الأسماك التي وضعت بأسفل الصندوق وقالت : حقا اصطدته أم أتيت به من عند بائع السمك ؟
عقد حاجبيه بانزعاج فقالت : إنها كمية كبيرة أمير.
هز رأسه بسلاسة ليقول : حسنًا لتساعديني في تنظيفها لنبدأ بشويها.
أتبع : أو كيفما تريدون طاهيها ، سأطهوها.
قالت السيدة ماجدة : التي اتبعتهم للداخل ، بحرج : لا طبعًا بني ، سنطهوه نحن ، يكفيك الساعات التي جلستها لتصطاده.
هز كتفيه بسلاسة : لا عليك أمي ، أنا لست متعبًا.
نظرت السيدة لابنتها بغضب فقالت إيني سريعا : سأوقظ ليلى فهي من تهتم بشئون المطبخ.
سأل سريعًا : انتظري ، ألم تستيقظ ليلى للان ؟
هزت رأسها بالإيجاب لتعود وتقترب منه وتقول بهمس: إن تلك الحالة الشبة إغماءيه تنتابها منذ أن أتينا من لندن ، أنها تنام لأوقات طويلة ، ولا تستيقظ سريعًا عندما أوقظها ، لم تكن بتلك الحالة قبل العملية وأنا بدأت أخشى أن تكون العملية السبب فيما يحدث لها
أتبعت : وأنا لا أريد أن أقلق ماما فلم أخبرها وبلال.
زفرت بقوة : نزق للغاية ولا أستطيع الحديث معه.
رمش بعينيه وهو يعلم أن تلك طريقتها الأزلية للهروب من واقعها ، تذهب للنوم ولا تريد الاستيقاظ ، تلك هي ليلته الحزينة تنام هروبًا من ضغطه المستمر عليها ، ابتسم بتوتر وقال : حسنًا سأستشير الطبيب في ذلك ، لا داعي للقلق.
انتبها الاثنين على صوتها أتى من خلفهما تقول : صباح الخير.
ابتسم بحنو وهو ينظر إليها لتتورد وجنتيها تلقائيًا وتخفض بصرها عنه قالت إيني بمرح : بل قولي مساء الخير أصبحنا الرابعة عصرًا ليلى.
شحب وجهها وهي تنظر لما ترتديه أختها لتعدل من وضعيه حجابها وهي ترمقه بنظرة سريعة ، ابتسمت بتوتر وهي تردد بتلقائية : مساء الخير.
قالت إيني سريعًا : من الجيد أنك استيقظت الآن ، فأنا كنت ذاهبه لأوقظك.
قالت وهي تتجه لماكينة القهوة التي تقع في أبعد مكان عنه : خيرًا ؟
تابعت إيني بحماس وهي تقترب منها : أمير اصطاد سمكا لنطهوه وأنت أعلم بي في أمور الطبخ تلك.
ابتسمت بفتور وقالت : حسنًا سأقوم بطهوه أنا.
نظرت إلى اختها مليا وأشارت لها بعينيها لتقترب فالتقطت الأخرى اشارتها واقتربت منها سريعًا فقالت ليلى في همس خافت حتى لا يستمع إليها : من الأفضل أن تبدلي ملابسك.
عقدت إيني حاجبيها وقالت بخفوت : لماذا ؟
نظرت لها ليلى باستنكار وقالت : لا يصح أن تجلسي أمامه بتلك الطريقة.
احتقنت وجنتا إيني بخجل وقالت : حسنًا سأبدل ملابسي سريعًا.
تنفست بعمق واستدارت مع مغادرة أختها للمكان  تريد الانشغال عن وجوده معها هنا ، أعدت لنفسها كوبًا من القهوة وصبته بهدوء لتسأله بصوت منخفض : هلا أعد لك كوبًا أنت الآخر ؟
هز رأسه نافيًا فالتفتت إليه دون أن تنظر إليه ، لتتأكد من أنه سمعها وقالت : هل تريد القهوة ؟
قال بهدوء : إذا نظرت إلي سترين إجابتي عليك.
قالت بتوتر وهي تعود لما كانت عليه وتقلب قهوتها بفتور : أعتقد أنك تستطيع الإجابة بلسانك ليس برأسك.
قال بهدوء وهو يقترب منها : انظري لي.
أعطته ظهرها وهي تشغل نفسها ببعض الأكواب التي تحتاج إلى أن تغسل ، تحركت بتوتر شع من جسدها المشدود كوتر القيثارة ، انهت تلك الأعمال الخفيفة ودارت على عقبيها لتشهق بخفوت وهي تجده يقف أمامها مباشرةً وينظر لها بحنو وابتسامته الجانبية تزين وجهه ، رمشت بعينيها وهي تحاول أن تتحدث معه بطبيعية فرحمها هو من ذاك الخجل الذي لمع بعينيها وقال : ماذا بك ؟ هل حدث شيء لم انتبه إليه ؟
هزت رأسها بالنفي وقالت : لا ، لم يحدث شيئًا
تنفست بعمق وأتبعت : أنا بخير .
هز رأسه بتفهم فقالت وهي تذهب لتنظر إلى الصندوق الذي يحتوي على الأسماك : كيف تريد طهوه ؟
هز كتفيه بلامبالاة : كيفما تريدونه.
نظرت إلى الأسماك مرة أخرى وقالت : إن أحجامه مختلفة لنشوي الصغير منها والكبير نعده بأي طريقة أخرى
فرقعت أصابعها كمن حصل على كنز وعيناها تومض بلمعة أبهرته : سأطهو لكم صينية سمك لم تتذوق مثلها من قبل.
اتسعت ابتسامته وهو يقول بمكر : أنا متأكد أني لم اتذوق مثلها من قبل ولكن ليكن بعلمك إذا أعجبتني لذلك القدر سأطلبها منك مرارًا وتكرارًا.
احتقنت وجنتيها بقوة وهي تلتقط نظراته الماكرة لتتنحنح وتقول : أخرج من هنا واذهب لتفعل أي شيء بعيدًا عني.
كتم ضحكته ليقول : لا أستطيع الابتعاد عنك يا ليلتي.
اشتعل وجهها بالكامل ليضحك بخفة ويقول : ثم أني سأساعدك.
أتبع عندما همت بالاعتراض : دون اعتراض من فضلك.
ابتسمت وقالت :حسنًا أنت من صممت.

****

طرق الباب بهدوء وهو يطل منه برأسه ويقول بطريقة أنيقة تماثله : أتيت أودعك قبل سفري بابا.
رفع سيادة الوزير عينيه إليه وهو يبتسم بهدوء : تعال وائل
تقدم بخطوات ثابته اتجاه أبيه الذي نهض واقفًا ثم ضمه إليه ليرتب على كتفه ويقول : سأشتاق إليك بني.
ابتسم وائل بهدوء: أنها الاسكندرية أبي لم اهاجر بعد
ضحك الوزير بخفة وقال : لن أسمح لك بالهجرة حتى لو .أردتها
هز وائل رأسه بالإيجاب وقال : وأنا لا أريدها أبي.
أشار له والده بالجلوس على إحدى الكرسين الواقعين أمام مكتبه ليجلس هو على الآخر أمامه ويقول بحزم : أريد أن أحدثك بأمر ما وائل.
انتبه وائل واعتدل في جلسته باهتمام فأتبع أباه بجدية : أتذكر تلك الفتاة التي تحدثت إليها بزفاف أخيك.
عقد وائل حاجبيه بتفكير و قال : أيهن أبي ؟
ضحك سيادة الوزير لينظر إليه بطرف عينه ويقول : لم تحدث الكثيرات بني
تنفس بقوة وأتبع : أنا أتحدث عن تلك الفتاه التي لم تفارقها نظراتك طوال تواجدها بحلقة الرقص ، بل إنك التصقت بي لتتعرف على هوية رفيقها
نظر له مباشرة وأتبع : واستغللت انشغاله معي بالحديث لتتحدث معها بهمس وعيناك تتقد بالإثارة
اتسعت عينا وائل ليظهر الانزعاج على وجهه وهو ينظر لأباه بتعجب فابتسم الأب وقال : أنت ولدي وائل وأنا أستطيع تفهم تصرفاتك جميعها دون أن تخبرني بها.
رمش وائل بعينيه والجمود يزحف على وجهه ، قال وهو ينظر إلى والده بعيني خاليه : ما بها كريمة آل الخشاب ؟
ابتسم الوزير بفخر وقال : تعجبني قوة ملاحظتك بني.
زفر وهو ويتبع بهدوء عميق : أريدك أن تتزوجها
اعتلت الصدمة وجهه ليقول بصوت مبحوح : ماذا ؟
ظهرت الجدية على وجه سيادة الوزير : سمعت جيدًا يا فتى فلا تتعمد البلاهة.
رمش وائل بعينيه وقال بنبرة محشرجة : ولكن أبي أنت تعلم
أكمل الأب مقاطعًا : أعلم كل شيء وائل
أتبع والده بصرامة : ولكني أدرك أيضًا ما أراه بأم عيني
تنفس بقوة وهو يكمل : وأنت معجب بتلك الفتاة ، لم أرى ذلك فقط بل استشعرت ذلك أيضًا ولذلك تحدثت مع خالد وحاولت اشغاله عما يدور بينكما على قدر استطاعتي فأنت استغللت الفرصة جيدًا بني ، ولكنه ذكي كما توقعت بل أذكى مما توقعت صمت قليلاً : أعتقد أنهم يبالغون في الحديث عنه ولكن هذا هو خالد سليمان كما سمعت عنه
زفر بقوة ثم أتبع : وإن لم أنبهك لنظرته القوية لكان دق عنقك دون أن يهتم بي.
ظهر الانزعاج على وجه وائل وعقد حاجبيه لتطل الغطرسة من حدقتيه وهو يقول باستياء : وما باله هو ؟
ابتسم الوزير بتفكه وهو يشعل سيجاره الكوبي بتلقائية : ألم تشعر بتلك الرابطة الاخوية السائدة بينهما هو يحميها كأخته الصغرى وهي تعامله بمثابة الأخ الأكبر أكمل : ثم إن خالد معروف عنه شرقيته الجامحة بغض النظر عن نصفه الإنجليزي وملامحة الأجنبية.
زفر وائل بضيق وقال : حسنًا
سحب نفس عميق وقال بصدق : لم هي أبي من وقع عليها اختيارك دونًا عن الباقيات ،
نظر له والده بجدية : إنها تعجبك بني دونًا عن الأخريات ، تجذبك إليها فلا تنكر ذلك
هز رأسه باهتمام وهو يستطرد : ثم أنها جميلة .. رقيقة .. من عائلة راقية تناسب مستوانا الاجتماعي ،بها كل المميزات التي يريدها شخص مثلي لتكون زوجة لولده المعروف في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية.
قال وائل بتهكم : لتتزوجها إذًا أبي
نظر له أباه محذرًا إياه بالتمادي وقال بصرامة : أنا لا أمزح يا ولد فتأدب وأحمد الله أن أمك لم تستمع إليك لكنت عاقبتك وبشدة على تلك المزحة السخيفة.
كتم وائل ضحكته وقال بصدق : المعذرة أبي.
تنفس سيادة الوزير بقوة ليقول : استمع إلي وائل تلك الفتاة فرصتك لتستقر ، وأنا أريدك أن تستقر وبشدة
زفر وائل بعنف : ولكني لا أريد ذلك أبي
نظر له والده مليًا وقال : لا أعتقد وائل ولكنك تجمح إلى العند ليس أكثر
عقد وائل حاجبيه وظهر الرفض على ملامحة ليبتسم سيادة الوزير بمكر ويقول : وإلا لما كنت دعوتهم لقضاء بعض من الوقت في ضيافتنا في الاسكندرية
ازدرد لعابة بقوة وهو ينظر إلى والده بانزعاج حقيقي فأتبع الآخر : أخبرتك أني أكثر من قادر على فهم تصرفاتك وائل
ابتسم بفخر : فأنت ابني المقرب.
ابتسم وائل بتوتر فأتبع سيادة الوزير وهو يخفض عينيه : اسمع بني ، فتاة مثلها لن تستطيع الاقتراب منها دون إطار رسمي وشرعي وإلا سيبدأ الحديث عنكما وتنتشر الإشاعات ونحن بغنى عن ذلك كله.
هز وائل رأسه برفض صريح وقال بحنق : لقد تماديت حقًا أبي ، لن يحدث شيء من هذا لأني لا أهتم بها لذلك القدر.
ابتسم والده بسخرية وقال وهو ينظر إلى عمق عينيه : حقا ؟!
زاغت حدقتي وائل وتوتر جسده بأكمله ليبتسم الوزير بمكر ويقول : كما توقعت تمامًا.
احتقنت اذني وائل بقوة وأشاح بوجهه بعيدًا فأتبع والده : هيا أخبرني إلامَ كنت تخطط ؟
لوى وائل شفتيه ليزفر بقوة ويقول باستلام : نعم أبي أنت محق.
هز رأسه بنزق وهو يتبع من بين أسنانه : بل فعليًا كنت أفكر من البارحة كيف أستطيع التقرب منها.
ضحك أباه قويًا ليقول : حسنًا سأبلغ والدتك أن تحدد لنا معهم موعدًا
ظهر الرفض في عينيه بقوة وهو يجلس بتوتر على طرف الكرسي ويقول بصوت مبحوح : ليس بتلك السرعة أبي
نظر له والده بتساؤل فأتبع : إن فرق العمر بيننا كبير هي في منتصف العشرينات على الأكثر وأنا قاربت على منتصف الثلاثين.
رد والده سريعًا : أنه ليس بفارق كبير وائل.
جز وائل على أسنانه ليزم شفتيه بضيق فأتبع والده بصرامة : افصح عما يجول بخاطرك.
زفر وائل بقوة ليقول بجمود طل من عينيه التي أصبحتا كحجري صخريين : من المحتمل أن تكون مرتبطة بأخر ، لن أتقدم لاحداهن لترفضني لأن أخر يملك قلبها.
ابتسم والده وهو ينظر له بحنو: أطمئن بني ، أنها ليست مرتبطة.
نظر له وائل باستفهام ليقول سيادة الوزير : والدتك سألت عنها البارحة وعلمت أنها ليست بمرتبطة.
ردد وائل بعيني مصدومتين : أمي مشتركة معك إذًا
اتسعت ابتسامة سيادة الوزير ليقول : ومتحمسة جدًا لها.
أتبع يحثه على الموافقة وهو ينظر إليه بحنان : هيا بني أعطني موافقتك.
تنفس بعمق ليقول من بين أسنانه : حسنًا أبي كما تريد.
ضحك سيادة الوزير وقال بفرحة حقيقية لمعت بعينيه : على بركة الله.

****

ابتسمت وهي تنظر إليه من خلف نظارتها الشمسية ، تتكئ على إحدى أرائك البحر المنتشرة في الحديقة الخلفية للشاليه ، وهو يقف بشورته القصير أزرق اللون وتي شيرت يلتصق بصدره ذو فتحة مثلثه بلون السماء يزم شفتيه بطريقة طفوليه غاضبة ومنهمك في الشواء.
نهضت بهدوء وهي تعدل من شعرها الذي بعثره الهواء وتتجه إليه بخطوات ذات دلال راقي تعمدته.
نطقت بهدوء مغري : ألا تحتاج إلى مساعدة ؟
تنفس بقوة وقال بهدوء : لا.
أتبع بهدوء وهو يتعمد عدم النظر إليها : اذهبي قبل أن تعلق بك رائحة الشواء.
هزت كتفيها بلا مبالاة : لا يهم.
رفع نظره إليها وهو يشعر تلك النبرة المرحة المتشبع صوتها بها، تأملها بذلك الشورت القصير جدًا بلونه الكاكي وبلوزتها القطنية الساقطة عن إحدى كتفيها لتلمع تلك البقع التي تثير جنونه تحت اشعة الشمس التي قاربت ع المغيب ، ازدرد لعابة بقوة وهو ينظر إلى المكر الذي تألق بعينيها فقال بابتسامة لم تخرج صادقة : أنت سعيدة ياسمين أليس كذلك؟
شعت البراءة من عينيها وقالت : بالطبع ألسنا سويًا ؟
رفع حاجبه ونظر لها لتنفجر ضاحكة وقالت بهدوء وهي تتناول إحدى قطع الطماطم المقطعة أمامه وتتناولها بطريقة أثارت النبض في عنقه بطريقة ملحوظة : لقد أخبرتك وليد أن تؤجل الزفاف فهذا الموعد لا يناسبني وأنت لم تستمع إلي.
نظر لها من بين رموشه لتبتسم هي مرة أخرى وهي تتذكر ملامحه التي أظهرت صدمته جليا في الصباح عندما أعلنت أنها غير قادرة على نزول البحر أو الذهاب للشاطئ بسبب أسباب صحية .
بأول الأمر عقد حاجبيه ونهض سريعًا ليضمها من كتفيها إليه ويقول : هل بردت البارحة بم تشعرين ،
نظرت له بذهول فقال بجدية : أخبريني ياسمين ما بك حبيبتي ؟
بللت شفتيها بتوتر ليحتقن وجهها بقوة وقالت : لا لست مريضة كما فهمت.
رفع حاجبيه بدهشة وقال : لا أفهم ، كيف تكونين مريضة ولست مريضة.
تحركت مبتعدة عنه وهي تخفض وجهها أرضًا وقالت بتلعثم : إنه مرض يأتي دوريًا.
ضيق عيناه بحده وهو ينظر إلى معظم وجهها الذي اختفى تحت خصلات شعرها وأصابعها التي تفرقعها بهدوء ليقول عندما بدأ الإدراك بالزحف إليه ، ووجهه يعمه الذهول : لا يمكن.
توتر جسدها بأكمله أمام عينيه ليتأكد من استنتاجه لذلك المرض اللعين فاقترب جانبها مرة أخرى ومسد أكتافها برقه وهو يقول بصوت هادئ إلى حدٍ ما : حبيبتي ، أأنت متأكدة ؟
فرقعت أصابعها بتوتر وهزت رأسها إيجابًا ، ليغمض عيناه بأسى ويقول من بين أسنانه ويحاول الابتسام ولكنه فشل فشلاً ذريعًا بذلك : حسنًا ، أنه أمر طبيعي ، سنتخطاه بالتأكيد.
هنا كتمت ضحكتها وهي تنظر إلى وجهه الذي احمر بقوة وهو يزم شفتيه بغضب مانعًا إياها ومرغمها على عدم التفوه بأي كلمة خاطئة حتى لا يتسبب في اغضابها.
اقترب مرة أخرى وهو يحاول أن يظهر هدوئه ليقول برقة : هذا المرض كم من الوقت سيحل ضيفا مميزًا علينا.
ضحكت بخفه وقالت مؤنبة : وليد.
تمتم بغيظ : أخبريني لمتى علي أن انتظر؟
هزت رأسها وهي تبتسم وعيناها تشع انتصارًا ، أخفضت رموشها حتى لا يرى لمعة السعادة بهما وقالت في لامبالاة : خمسة أيام أكثر أقل لا أعلم.
ردد بدهشة ممزوجة بالغيظ : خمسة أيام.
نظرت له بعتب ليزفر بقوة وقال وهو يحاول أن يبتسم فتشنج وجهه بطريقة عجيبة وهو يقول : حسنًا ، سأهبط لأسفل وأرى ماذا لدينا نستطيع الفطور به.
تابعته بعينيها إلى أن أصبح خارج الغرفة ثم سمحت لنفسها بالضحك بأريحية ، وها هو اخترع أمر الشواء هذا ليلهيه عنها قليلاً كما توقعت ، نبهها صوته للعودة إليه وهو يقول : اضحكي بقوة ياسمين كما تريدي من الصباح.
انفجرت مرة أخرى في الضحك ليبتسم هو باتساع وهو يرى ضحكتها المنطلقة كزغرودة البلبل ، تنفس قويا وهو يحفظ نغمة ضحكتها الرائعة بقلبه ويقول : هيا يا زوجتي العزيزة ، لنتناول غدائنا.
ابتسمت وهي تعد الأطباق معه بانسجام ، ليحمل كلاً منهم طبقه ويسيرا سويًا ، ضمها من خصرها بيده الحرة ويقول : رغم ذلك الخبر المؤسف لي إلا أني سعيد لسعادتك.
ابتسمت باتساع فأتبع : ولم أغضب فأمامنا شهرًا كاملاً لن يحدث شيئًا لو انتقصنا منه خمسة أيام.
شعر بتوتر جسدها تحت راحته فأكمل هامسا بأذنها وهو يحرك أنامله على خصرها بطريقة مثيرة : خمسة أيام لن ادعهم يمروا مرور الكرام ياسمين فأنا وعدت نفسي بأن شهر عسلنا يكون مختلفًا في كل شيء واليوم علمت مدى اختلافه.
رمشت بعينها لتستطيع الخلاص من تأثير لمسته عليها ، ونظرت إليه بتعجب : ماذا تقصد ؟!
ابتسم بخفة وقال هامسا بوعيد ، لم يخفها بقدر ما أسعدتها تلك اللمعة بعينيه : في الليل ستعرفين.

******

أخيرًا أدخلت طاجن السمك إلى الفرن وستذهب لترى أخاها لابد أن تتحدث معه فبلال ليس بطبيعته التي اعتادت عليها ، لم تذهب للحديقة حتى لا تراه قبل أن تنهي ما عليها فلا يقاطع حديثهما شيء ، خطت بخطوات حثيثة لتقف عند أوائل الحديقة و تبحث عنه بعينيها ، عقدت حاجبيها باستياء وهي تستنكر عدم وجوده فاتجهت للأعلى لتطمئن عليه بعد أن تأكدت من وجود أمير أمام الشواية
عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي ترى فراشه لم يمس وحقيبته ليست موجوده
فتحت صوان الملابس لتجده فارغ!
هبطت لأسفل سريعًا وهي تخرج إليهم وتسال إيني بحنق : أين بلال ؟
قالت إيني بلامبالاة دون أن تلتفت إليها : غادر في الصباح وأبلغ أمي أنه عاد لأن لديه أمور عليه إنجازها.
شعرت بالغضب يملئ أوردتها وهي تنظر لذلك الساكن أمامها فقالت : متى غادر ؟
هزت إيني كتفيها : لا أعلم.
زفرت بقوة واقتربت منه بخطى هادئة إلى حدٍ ما ، وقفت أمامه قليلا إلى أن رفع نظره إليها فقالت بهدوء أخرجته بجهد جهيد : أريد الحديث معك.
زم شفتيه وهز رأسه بالإيجاب وقال : حسنا لقد قاربت على الانتهاء.
قالت في هدوء : سأنتظرك بالداخل.
هز رأسه بالموافقة ليتبعها بعد دقيقتين بعد أن عهد بالبقية للشقية إيني ووعدته أن تكملها كما علمها منذ قليل ، لا ينكر أنها ذكيه جدًا وتعلمت سريعًا ، وسريعة البديهة أيضًا ولماحة بطريقة مريبة ، في تلك الأمور هي عكس أختها الكبرى تمامًا ،كتم ضحكته وعقله يقفز لتلك المقارنة وهو يخبره أن لو ليلى تمتلك نصف تلك الصفات التي امتلكتها تلك الشقية الصغيرة لكانت انتقمت منه أشد الانتقام ، تنفس قويا وهو يحمد ربه على ليلته الهادئة الرحيمة التي يتحكم بها قلبها عوضا عن أي شيء آخر ،تمتم بخفوت : وهذا ما يؤلمها الآن قلقها وحزنها على أخيها الأحمق الذي غادر وكأنه يهرب من شيء يطارده!
توقف عند أول المطبخ ونظر إليها وهي تتحرك بعشوائية في المكان ، تدور حول نفسها بحركة غاضبة يعلم سببها جيدًا
تنفست بقوة وتوقفت عن الحركة عندما شعرت بوجوده ، اسندت ظهرها إلى حافة المغسلة ،وهي توليه وجهها ،عقدت ساعديها أمام صدرها وزمت شفتيها بحنق ، تقدم بضعة خطوات باتجاهها ليظل متمسك بمسافة وافية بينهما ونظر إليها مستفهما
قالت بصوت شابه الغضب : هل كنت تعلم أن بلال غادر في الصباح ؟
عقد حاجبيه وهز رأسه بالإيجاب فقالت بصوت حاد : لماذا لم تخبرني ؟
قال بهدوء : لم تسأليني عنه ؟
اتسعت عيناها باستنكار وقالت بثورة : ألم تفكر ولو للحظة واحدة أن تخبرني أن أخي غادر المكان وهو لم يحظى بقدر كاف من النوم ؟
رفع حاجبيه بدهشة وقال : إنه ليس بطفل ليلى أنه يعلم ما يفعل جيدًا.
اتسعت عيناها باستنكار وقالت : هذا لا يعطيه الحق أن يغادر بتلك الطريقة.
قال بملل : وأيضًا لا يعطيني الحق في إيقافه ،لست شرطي مرور لأمنعه من القيادة وهو لم يحظ بقدر كاف من النوم.
صاحت بحدة : لماذا لم تخبرني ؟
نظر إليها بقوة وقال : ما الذي يضايقك ليلى ، أني لم أخبرك أم شيء أخر أنا لا أعرفه ؟!
وكأنه شد فتيلها لتنفجر صائحة بألم وتقول بمرارة : لقد غادر وهو مستنفذ القوى مجروح ومتألم.
أتبعت وعيناها تفيض بالرقة والحنان وهي تنظر إلى الأمام ، وكأنه ليس متواجدًا معها : كان وحيدًا الفترة الماضية ، لم أستطع النفاذ إليه رغم أني كنت أشعر به جيدًا ، أشعر بألمه وجرحه ولكني انشغلت عنه
تظللت حدقتيها بقسوة ازعجته وهي تنظر إليه وتتبع : انشغلت عنه بسببك بسبب ما تفعله بي ، تلك الحرب التي تديرها من حولي افقدتني توازني وجعلتني فقط أفكر بنفسي والهث لأجد طريقة للهروب منك.
زفرت بقوة وعيناها تلمع بدموع حبيسة أبت أن تسقط : وأخيرًا غادر وهو غاضب مني لأني قسوت عليه
أغمضت عيناها بأسى وقالت : يا الله
أتبعت وهي ترفع يدها أمام وجهها وتنظر إليها : كيف استطعت فعلها ؟ كيف ؟
تنفس بهدوء وكتم انزعاجه منها ومن اتهامها له وقال : اهدئي ليلى
قبض كفيه ألا يلمسها وقال بهدوء : لم يكن غاضب منك.
اتسعت عيناها بإدراك وقالت : إذًا كنت تعلم أمير
تمتم بضيق : اعلم ماذا ؟
هتفت : كنت تعلم ما يضايقني ،
عقد حاجبيه باستنكار وهي تنظر له بعيني متسعة بغضب عاتي لم يراه بهما من قبل وتهتف بقوة: إذًا كل ذلك الود والمواساة كانت من أجل هذا ، أن تشغلني عن مغادرة بلال ، أن تخفي عني أمره.
ظهر الانزعاج على وجهه وقال : علام تتحدثي أنت ؟
أتبع بصرامة وهو ينظر إليها بوعيد : ثم أخفضى صوتك ولا تنسي أننا ليس بمفردنا ،
أكمل وهو يحاول أن يسيطر على انفعاله : لا أعتقد أنك تريدين لوالدتك أن تسمع مشاجرتنا سويًا
نظرت له بغل وهي تجز على أسنانها قويا لتنطق بحنق وعيناها تلمع باتهام : ألا تعلم عم أتحدث حقا أمير؟
أتبعت ووجهها يصدح بألآم طلت من عينيها قوية : أتكلم عن تلك الطريقة اللطيفة التي عاملتني بها صباحًا ، عن ذلك الدعم الذي قدمته لي ، عن احتوائك لضيقي وحنانك الجم الذي غمرتني به
أتبعت بسخرية مؤلمة أحكمت قبضتها على حلقه هو :كل ذاك من أجل أن تخفي عني أن بلال غادر المكان.
تقدم بخطوات بطيئة هادئة ليقف أمامها مباشرة ً ، تنفس ببطء ليضم شفتيه بقوة مانعًا اي إياها من الانفراج ولو قليلاً ، نظر إليها بقوة لمعت في حدقتيه وهو يجبرها على النظر إليه لتنفرج شفتيه ببطء أثار رعبها وهو يقول بنبرة جليديه : ما الأمر الجلل الخاص ببلال ليجعلني أخفي أمر مغادرته عنك ؟!
رمشت بعينيها فلم يمنحها الوقت وقال بلهجة باردة : ثم أعتقد أني ليس بمجبر على أن أعاملك بطريقة لطيفة من أجل بلال ، فأنا لا أهتم به بالمرة ،
نظر إلي عينيها وقال باقتدار : ثم أني أتذكر جيدًا أني كنت سندًا جيدًا لك في تلك الأوقات التي كنت تقضينها وحيده  ، وكنت أُبرز دائمًا لأقدم لك دعمي الكامل عندما لم يكن ذلك البلال متواجدًا بحياتك من الأساس ، بل كنت تتكلمين عنه بأنه شبح ظهر ليقلب حياتك إلى الجحيم
اتسعت عيناها بصدمة وهي تشعر بنصل حاد غرس بقلبها زعزع ثباتها وبعثر كيانها فنزلت دموعها تبلل وجنتيها ببطء ، لتهتف بصوت مخنوق من تجمع الدموع : كيف تجرؤ ؟
شعر بدموعها كطعنات سكين باردة انغرزت في قلبه ليشتم نفسه داخليًا ويشعر بالحنق من عقله الغبي يتفاقم بداخله ليزم شفتيه بقوة وينظر إليها ويقول بهدوء : أليست تلك الحقيقة ليلى ؟
هزت رأسها بنفي وهي تشعر بالضياع يتملكها فقالت : لا تلك ليست الحقيقة ،
هتفت : تلك الحقيقة التي تقنع نفسك بها.
تجمدت الدموع بعينيها بطريقة أثارت خوفه للمرة الأولى في تعامله معها لتطل القسوة من حدقتيها وهي تقول : الحقيقة يا سيادة الرائد ، أن ذلك البلال الذي لا تبالي بأمره ، كان هو السند عندما تركتني أنت اتخبط في أمواج حيرتي العالية
رفعت رأسها بكبرياء كرهه وهي تنظر له بقوة : كان هو من يقدم لي الدعم وأنا أشعر بالموت يوميًا وأنا افكر هل كنت وهمًا أنا اخترعته ، أم كنت حقيقة موجوده فعليًا في حياتي ، ذلك البلال الذي تتحدث عنه بتلك الطريقة هو من ساعدني لأبني ذاتي من جديد عوضًا عن تلك الليلى التي دمرتها أنت باختفائك يا أسطى.
شعر بقلبه يتمزق بين خوفه عليها وبين كرهه لذلك الكبرياء المقيت الذي طل من عينيها ، هم بالحديث لتقاطعه بحزم اربكه : لا يا سيادة الرائد لا ، انتهى الحديث بيننا ، أريد أن اغادر حالاً
هز رأسه باستنكار فقالت هي بجبروت ساخر اذهله لتلمع عينيه بإعجاب ، وهو ينظر إلى ذاك الجانب الذي ينكشف له : لا أعلم كيف ستفعلها ولكن بم أنك السيد قارد على اقناع الحجر بأن يتحول لرمل من أجلك ، فلتقنع من بالخارج أن لديك عملا هاما وعلينا المغادرة
رفعت رأسها ونظرت إلى عمق عينيه بتسلط وقالت : واعتبر ذلك اعتذار ضمنيًا منك لمحاربتي بأسراري التي استأمنتك عليها.
تحركت سريعًا من أمامه ليرمش هو بعينيه وهو يبتسم بإعجاب صهر بحور العسل بحدقتيه وهمس : يحق لك يا ليلتي ، سأعتذر لن يضرني الاعتذار في شيء !!


سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن