الفصل الثالث عشر

7.1K 167 5
                                    

تدور حول نفسها منتظرة أن تأتي لها الخادمة بالمفتاح الاحتياطي للباب الفاصل بين غرفتي وائل ووليد، فهو لم يستجب لندائها ولا طرقها على باب غرفته منذ أن ترك والده وصعد إلي هنا.
تمتمت بالاستغفار للعلي العظيم وزفرت براحة وهي ترى الخادمة تأتي على عجالة من أجلها فتحت الباب وأطلت بهدوء إلي الغرفة الغارقة في الظلام بسبب الستائر التي أغلقتها هي بيديها صباح ذلك اليوم
نظرت إلي الفراش لتجده خاليًا فانقبض قلبها وقالت آمره: اذهبي أنت الآن.
هزت الخادمة رأسها وانصرفت على الفور. تقدمت هي للداخل وهي تعلم جيًدا أين يجلس، لطالما جلس بتلك الطريقة عندما يكون غاضبًا أو عندما يتشاجر مع أي من أخوته، ولطالما جلس هكذا حزينًا من معاملة عاصم القاسية له.
وجدته كما كان طفلاً لم يتغير به شيء، يجلس على أرضية الغرفة العارية بين مكتبه ودولاب ملابسه في ذلك الركن الضيق يضم ركبتيه لصدره بذراعيه ويضع رأسه عليهما، متقوقعًا على نفسه ويبكي، تسمع أناته التي تنحر قلبها.
اقتربت منه بهدوء وجلست أمامه، دمعت عيناها وهي تربت على رأسه وتقول بحنان فطري: وليد.
لم يستجب لها فرددت برقة: حبيبي، انهض بني، انهض معي.
رفع رأسه لتتألم هي من دموعه المتجمدة داخل عينيه البنية والألم المرتسم على وجهه مسحت آثار الدموع من على خديه وقالت له بلطف: انهض حبيبي.
هز رأسه معترضًا فسحبته من يديه: انهض وليد، لن استطيع حملك كما كنت أفعل وأنت صغير.
تساقطت دموعه ثانية فتنهدت بألم وسحبته ليدخل إلي حضنها ويجهش بالبكاء بقوة.
كان ينتظرها أن تأتي له وهو على يقين من أنها صخرته التي سيرمي عليها كل همومه... " أمه " التي لم تنجبه ولكنها فعلت كل ما لم تفعله أمه الحقيقية.
قال بألم: أمي
__نعم حبيبي
ردد بألم وهو يحتضنها أكثر: أنت أمي.
تعجبت من ترديده لها بهذا الألم لتنفرج شفاه بألم شعرت أنه يمزق فؤادها وهو يقول : لم اعرف أمًا غيرك، أما تلك الأخرى فلا علاقة لي بها.
ضمها إليه أكثر: أرجوك أمي لا تتركيني.
شعرت بالألم من ضمته القوية لها لكنها ربتت على رأسه وهي تردد: لن أتركك حبيبي، أنت بكري وليد، ولدي وحبيبي، طفلي الرقيق.
استمر في هذيانه وكأنه لم يسمعها: تخيلي لم تنادني باسمي بل ظلت تناديني باسمه. انتفضت حينما رأتني وتراجعت بعيدًا عني ولمع الكره في عينيها وظلت تسألني لماذا تركتني يا عاصم؟ ولماذا أتيت الآن؟
أخبرتني بحبها ثم أخبرتني بكرهها لي، وأخيرًا أخبرتني أنها تتمنى لو أني لم أولد قط.
أغمضت عينيها بألم وهي تضمه إلي حضنها أكثر وتربت على رأسه: اهدأ وليد.
قال بتعب: ما ذنبي أنا فيما حدث بينهما؟ لماذا أنا المُلام على ما حدث سابقًا بينهما؟ لماذا يكرهني كلاهما، ويتعاملان معي على أني السبب فيما حدث بينهما.
أبي يخبرني بكراهيته كل دقيقة حتى لا أرى نظرة الحب التي تلمع بعينيه عندما اذكره بها، يحتقرني ويحتقر تصرفاتي التي تذكره بماضيه الذي يحاول الهرب منه حتى لا يتذكر حبه القديم.
تساقطت دموعها وهي تربت على رأسه: اهدأ حبيبي، والدك يحبك وليد.
نظر لها بندم: آسف أمي لم أقصد أن أجرحك، أنا آسف.
دفن وجهه في صدرها لتضم رأسه إليها وتقول: لا تعتذر وليد، لا تعتذر على شيء لا يد لك فيه
ثم شدته من أكتافه: هيا انهض، استحم وتعال لتتناول معي الغداء فأخوتك لم يستيقظوا بعد.
نهض معها بثقل وهز رأسه موافقا: حاضر أمي.
ذهبت لتفتح الستائر فسقط ضوء الشمس وأنار الغرفة بقوة فأشاع فيها دفئاً تسرب إلي روحه، فعاد إليها واحتضنها وقبل رأسها ثم خلع قميص منامته وهو يذهب إلي الدولاب ليخرج له ملابس نظيفة، سمعها تسأل بقوة: ما هذا وليد؟
التفت حول نفسه: ماذا أمي؟
__ هذا الأثر بكتفك، هل تشاجرت مع أحد؟
ابتسم بحب: نعم إنها أجمل مشاجرة حدثت لي.
عقدت السيدة إنعام حاجبيها بتعجب وهو يكمل: هل لازال موجودًا ؟ ظننت أنه اختفى. من الواضح أن جسدي يأبى أن يتخلص منه.
نظرت له الأم بتمعن: ما قصة هذا الأثر؟
ابتسم باتساع: سأخبرك ونحن نتناول الغداء، فأنا أشعر بالجوع فعلاً.
***
تجلس في شرود منذ أن انصرف وهي تشعر بتعب ينهك قواها تنهدت بألم:" آه منك هشام، ماذا تريد الآن بعد كل هذه السنوات تعود لتقلب حياتي رأسًا على عقب، بعد أن كنت اعتدت على عدم وجودك و بدأت أحاول نسيانك"
ابتسمت بتعب وهي تتذكر شعورها بأنه ليس شخصا عاديًا، منذ أول مرة رأته بها وتعارفت عليه في ذلك المقهى الذي صحبته إليه.
نظر حوله بتعجب فابتسمت: أول مرة تأتي إلي هنا.
هز رأسه بالإيجاب فأتبعت: ستحب المكان
ابتسم بإعجاب: أنه لطيف
__ هيا أخبرني عن نفسك
نظر لها: ماذا تريدين أن تعرفي بالضبط؟
عادت إلي الوراء وفردت ذراعيها وضعتهما على الطاولة وقالت بمرح: لنتعارف من جديد
مدت له يدها مصافحة: أنا هنادي أبو طالب صحفية تحت التمرين.
هز رأسه متفهمًا وهو يصافحها: توقعت.
مالت برأسها إلي اليسار: ماذا؟
اتسعت ابتسامته: أنك صحفية.
__وانت؟
نظر لها: وكيل نيابة.
هتفت بمرح: أوه مون ديو، سلطة قضائية
ضحك بمرح لتتبع: عندما تصبح قاضيًا لا تنساني، فمن المؤكد أني سأحتاجك.
ابتسم وأومأ برأسه موافقًا، سأل بهدوء: مصرية؟
تنحنحت: إلي حد ما.
عقد حاجبيه فاتبعت: ماما سورية (رحمة الله عليها )، ولكن والدي مصري.
تنحنح بحرج: المعذرة، البقاء لله.
قالت بهدوء: تُوُفيت أمي منذ مدة. لم نكن مستقرين هنا. أتيت أنا وهي من الخارج لأحصل على شهادتي الجامعية ولتقضي هي آخر سنواتها هنا. كانت تعشق مصر وأرادت أن تظل بها إلي أن تُدفن، ثم تُوفيت وأنا بآخر سنة في الجامعة. لكنني رفضت أن أعود لأبي، وبقيت هنا كما كانت ماما تريد.
__ووالدك؟
ابتسمت بألم: انتقل هو وزوجته وطفليه إلى الإمارات.
سأل بتردد: تعيشين بمفردك؟
نظرت له بتفحص: مع زميلة لي تدرس فن التمثيل.
تنحنح لتسأل بابتسامه: وأنت؟
__أنا اسكن ببيت العائلة، والدي كان مهندسًا ( رحمة الله عليه ) وأمي ربة منزل كأغلبية السيدات المصريات.
تمتمت بهدوء: رحمة الله عليه لتردف مصححة: الجيل القديم.
ضحك بخفة: نعم كالجيل القديم، متى تخرجت من الجامعة؟
نظرت له وابتسمت ابتسامة رائعة: تريد أن تعرف عمري، أليس كذلك؟ اخترت طريقة جيدة لتسألني عن عمري.
اتسعت ابتسامته فقالت: أنا لا أهتم بتلك الأمور، أنا في السابعة والعشرون.
احمر وجهه بشده فقالت باستفهام: ماذا حدث؟
ابتسم بحرج: لا شيء، توقعتك خريجة جديدة.
ضحكت: شكرًا على المجاملة.
__لا والله، لا أجاملك، شكلك صغيرة في السن توقعت أنك لم تتعدي الرابعة والعشرين.
نظرت إليه: وأنت؟
رفع نظره إليها وصمت قليلا ليقول بسكون وأذناه تشتعل احمرارًا: أنا في الخامسة والعشرين.
اقتربت منه برأسها وقالت والمرح يلمع في عينيها: المفترض أن تقف لي احترامًا.
جلجلت ضحكته وقال ضاحكا: سأقف احترامًا وتقديرًا واعتزازًا لتلك الصدفة السعيدة التي جمعتني بك.
وتوالت لقاءاتهم بعد ذلك، كان صريحا في التعبير عن مشاعره تجاهها وهي الأخرى لم تخجل من حبها له، جرفهما تيار الحب بعيدا عن أرض الواقع نسى هو عائلته ونسيت هي فارق السن بينهما.فهي لم تشعر بذلك الأمر إطلاقًا، ولا هو أيضًا. كانا حبيبين وصديقين كل شيء بينهما كان رائعًا، وبعد عام كامل على علاقتهما وفي الذكرى الأولى للصدفة الرائعة كما كان يسميها هشام، تقدم إليها وطلب منها أن تخبره بهاتف والدها ليكلمه.
شعرت بأنها ملكت العالم كله عندما أتى والدها إلي مصر في زيارة سريعة من أجلها، ليأتي هشام وجده ووالدته ويتقدم إليها رسميا. لترتطم بأرض الواقع منذ أن رأت جده، ومنذ الوهلة الأولى شعرت بالرفض في عيني ذلك العجوز وشعرت بالرفض يتجلى في ملامح والدته ، لم تبالي في أول الأمر، ولكن السيدة فوزية ألمحت لها أكثر من مرة أنها لا تستسيغ طريقة حياتها ولا ارتداء ملابسها ولا عملها الذي يتطلب منها في أوقات كثيرة أن تسافر إلي هنا وهناك لتغطية الأحداث.
لم تخبر هشام ولم تشغل رأسها بذلك الأمر، إلي أن صفعها جده بأنه لا يرضى عن تلك الزيجة وأنه لا يريدها زوجة لحفيده شعرت بأنها النهاية ولم تصدق أن هشام أخبرها أنه يريد عقد قرانهم، وأن تطلب من والدها القدوم ليعقدا القران
تمسكت بتلك الفرصة ولم تكن تعلم بالضغوط التي يمارسها الجد على هشام ولا رفض الأم الذي باتت تعلنه له نعم تمسكت بالفرصة الجديدة وقالت لنفسها عندما أكون زوجته لن يعترض أحد، ثم أنا لا يهمني أحد، يهمني هشام وهشام يحبني، لا أريد شيئاً آخر.
وليتها لم تتمسك بتلك الفرصة وتركته قبل أن تتعقد الأمور وتصل إلي هذا الحد، بطفل مريض وزوج غاضب، وعائلة رافضة لها، وهي لازالت عاشقة لحب حياتها الوحيد. تنهدت بلوعة: هشام.
***
خرجت من الملحق المخصص لها وجالت بنظرها في الحديقة بحثًا عن أحد تقضي معه الوقت، فهي سئمت من كثرة التفكير وتشعر أن رأسها سينفجر من تزاحم الأفكار به.
زفرت بضيق وهي ترى الحديقة فارغة، فتمتمت بخفوت: ما بالهم اليوم؟ لا يوجد أحد، أشعر بالضجر.
نظرت إلى ساعتها وزفرت بضيق مرة أخرى، فدرس الموسيقى أمامه ساعة على الأقل ليعود الطفلين إليها
نظرت تبحث عنه وهي تفكر: لماذا يحتجب عنها اليوم؟ فبعد أن تكلما بالحديقة صباحًا لم تره ولو بالصدفة باقي اليوم.
تنهدت وشعرت بالشوق لرؤيته، فنفضت رأسها سريعًا وهي تضع يدها على قلبها الذي دق بعنف وهي تتذكره اليوم بابتسامته الرائعة وعينيه اللامعتين
ابتسمت رغمًا عنها وهي تتذكر مرحه معها وهو يتناول الليمون من بعدها وأنه يريد أن يتبعها بقية عمره
شعرت بالخجل يغمرها فهزت رأسها بقوة مبعدة إياه عن تفكيرها وقررت أن تأتي بحاسوبها وتجلس في ظل الشجرة الكبيرة الواقعة أمام ملحقها وتلهي نفسها عن التفكير بكل شيء، وخاصة عبد الرحمن.
ابتسمت وهي تتوجه إلي الشجرة وتجلس مسندة ظهرها إلى جذع الشجرة الضخم، وتربع ساقيها تحتها وتضع حاسوبها على فخذيها وتبدأ في شغل نفسها بعالم الإنترنت. تنهدت وهي تسجل دخولها إلي الماسنجر، فمنذ يوم خطبة ياسمين لم تدخل إلى الإنترنت، حتى لم تتفقد ايميلها ولا رسائلها الإلكترونية
اتسعت ابتسامتها وهي ترى أنه موجود، لتطبع سريعًا: مرحبًا أمير.
***
خرج من غرفته وهو بصراع عنيف مع عقله الكريه ، يريد أن يذهب إليها ويطمئن عليها، فمنذ الصباح لم يرها ولم يطمئن عليها وعقله لا ينفك يذكره بالخطر القابع في الظلام ينتظره أن يخطئ لينقض عليه ويفترسه، وهو أخطأ كثيرًا هذه المرة.
هز رأسه في ضيق وتقدم إلي الاتجاه الآخر من الحديقة بدون وعي منه، تجمد واقفًا واختبأ في حائط الملحق وهو يراها تخرج من الملحق الخاص بها، وقفت ووضعت يديها بخصرها ليشعر هو بأنها تبحث عن شيء ما، تمنى في قرارة نفسه أن يكون هو من تبحث عنه.
ضاقت عيناه وهو ينظر إليها تنفض رأسها وتضع يدها على قلبها، ابتسم بخبث وهو يرى ابتسامتها تتألق على شفتيها الوردية.
لا يعلم لماذا شعر بالراحة تطغي على حواسه، فهو متأكد أن تلك الابتسامة تخصه. كتم ضحكته وهو يرى وجنتيها تشتعلان احمرارًا وشعر بسعادة عارمة، فقد تأكد أنها تبحث عنه
اتبعها بنظره وهي تتجه إلي الشجرة وهي تحمل حاسوبها الشخصي وتجلس في ظلالها وتضع حاسوبها على ساقيها قرر أن يذهب إليها، ولكنه توقف عندما سمع صوت أزيز خاص يصدر من هاتفه، فأخرجه من جيبه ليجز على أسنانه بقوة وهو ينظر إليه.
***
طبعت مرة أخرى: أمير، أنت هنا.
__مرحبًا ليلى، كيف حالك؟
__بخير وأنت؟
__ تمام الحمد لله، أين اختفيتِ منذ آخر مرة كنا نتحدث سويا؟
__ المعذرة أمير، انشغلت قليلاً، ولم أدخل إلي الإنترنت من حينها.
__ ما آخر أخبارك؟
__ لا جديد، من العمل إلي البيت، لا جديد بحياتي.
__ لم تخبريني عن رأيك فيما سألتك عنه من قبل ليلى؟
كحت بحرج: أمير أنت أخي وأنا لا أفكر بتلك الأمور الآن. أرجوك لا تغضب، فأنا أعتز بصداقتك وأخوتك، لكن لا شيء أكثر من ذلك.
شعرت بظل يقترب فرفعت عينيها لتجده قادمًا فكتبت سريعًا: أراك لاحقًا أمير، سلام.
أغلقت المحادثة سريعًا وسجلت خروجها وابتسمت بتوتر عندما أصبح واقفًا فوقها،
رأت بعينيه نظرة غريبة وكأنه يحاول أن يخفي غضبه منها ، نظر إليها قليلا ليرسم ابتسامة عملية على شفتيه: ماذا تفعلين؟
شعرت بالتوتر من وقوفه فوق رأسها بتلك الطريقة وشعرت بأنه يستجوبها ازدردت لعابها وقالت: لا شيء.
لمعت عيناه بقسوة لم تستطع تفسيرها فظهر الانزعاج بعينيها، هز رأسه بتفهم ،وقال بسكون عجيب: المعذرة اقتحمت جلستك.
أدار ظهره وتحرك بخطوات واسعة مبتعدًا عنها، لتقفز هي واقفة بعد أن وضعت الحاسوب على الأرض وقالت: عبد الرحمن.
عاد بضع خطوات ووقف أمامها تاركًا بينهما مسافة فاصلة سألته: ماذا بك؟ أشعر أنك غاضب مني.
هز رأسه نافيًا وقال بسخرية: يخيل إليك.
نظرت له بدهشة فاتبع سائلاً: هل فعلتِ شيئاً يغضبني؟
قالت بارتباك: لا.
نظر لها بقوة فاحمرت وجنتيها كطفلة مذنبة ورفعت رأسها في تمرد: لماذا تنظر إلي بتلك الطريقة؟
ابتسم ساخرًا وهز كتفيه بلا مبالاة ودار على عقبيه لينصرف، فصاحت وهي تتحرك من مكانها: انتظر هنا وتكلم معي.
تعثرت وهي تتحرك في حاسوبها الموضوع أرضًا فوجدت نفسها تهوى على وجهها.
لف ليرى ماذا تريد منه وهو يشعر بغضب فعلي منها ليجدها تقع أمامه، فأسرع والتقطها بين يديه. امسكها بقوة، ولكنه لم يكن سريعاً بالحد الكافي فارتطمت جبهتها بصدره قويًا لتتأوه بألم: آه.
امسكها من ذراعيها بقوة وهو يوقفها أمامه ونظر إلي وجهها متفحصا: هل أنت بخير؟
هزت رأسها بالإيجاب ودعكت جبتها وهي تقول بألم: ما هذا؟ صدر خشبي؟!
ابتسم وخفف قبضتيه عنها ولكنه ظل ممسكًا بذراعيها وقال بهدوء: ارفعي رأسك.
رفعت رأسها وشعرت بحرج من اقترابه منها فابتعدت برأسها قليلاً.
أما هو فأدار عينيه عليها متفحصًا ومتأملاً، ابتسم وهو يرى احمرار خديها وشعر بها تسحب نفسها من بين يديه، فتركها بهدوء وهو يقول: متأكدة أنك بخير؟
هزت رأسها إيجابًا وهي تبتعد إلي الوراء بعيدًا عنه: أنا بخير، الحمد لله.
كحت بخجل وقالت وهي تخفض نظرها بعيدًا عنه: لماذا أنت غاضب مني؟
زفر بقوة: لست غاضبًا ليلى، ولكني أريدك أن تجلسي بطريقة أخرى غير تلك الطريقة.
عقدت حاجبيها متعجبة، وقالت بهدوء: حسنا.
انحنت لتأتي بحاسوبها فقال آمرًا: لا تنحني.
رفعت رأسها تنظر إليه فوجدته ينحني ويحمل حاسوبها بين يديه: أين ستجلسين؟
أشارت بسبابتها أمام وجهه: هناك.
ذهب ليضعه على طاولة البامبو التي تجلس هي دائمًا عندها. التفت فوجدها قريبة منه، ارتدت إلي الوراء حتى لا ترتطم به فشعرت باختلال توازنها وأنها ستقع  لتجد يديه القوية تمسكها من خصرها ويسأل باهتمام: ماذا بك ليلى؟ أشعر أنك متعبة.
أزاحت يديه من عليها ونظرت له وهي تترك العنان لمشاعرها وقلقها يظهر على وجهها: بل ما أشعر به يفوق مرحلة التعب بمراحل.
تنفس بقوة وقال بجدية: تحدثنا صباحًا ليلى، لن أعيد كلامي مرة أخرى. أريد أن أراك قوية ليلى، فمظهرك هكذا سيء للغاية.
عقدت حاجبيها وقالت: أنا مظهري سيئ؟
هز رأسه وهو يمعن في جديته: نعم.
رفعت له حاجبها الأيمن اعتراضًا وكشرت بطفولية، فابتسم باتساع وتدارك سريعًا: قمر حبيبتي، قمر.
اتسعت عيناها واحتقن وجهها بالأحمر القاني فسحبت حاسوبها من على الطاولة وأسرعت من أمامه لتدخل إلي الملحق وتغلق الباب ورائها وتستند عليه بظهرها وهي تتنفس بقوة. وضعت الحاسوب على الطاولة أمامها وركضت إلي المرآة في الغرفة الأخرى وهي تنظر إلي نفسها فيها وتبتسم بسعادة.
نظرت متسائلة "هل انتهت أيام أحزانك ليلى؟ هل سيعوضك عبد الرحمن عن كل هذا الفقد الذي تعانينه؟ هل يصبح عائلتك التي تفتقدينها؟ "
تساقطت دموعها وهي ترفع رأسها وتسترجع صوته الفخم وهو يقول "حبيبتي "
كأنه خُلق ليقولها لها هي دونًا عن بنات حواء كلهن.
كتمت فمها بيديها وهي تشعر أنها تريد أن تصرخ فرحًا وتقفز من السعادة.
***
هز رأسه وهو لا يعلم سبب احمرار وجهها بتلك الطريقة وتركها له، ليغمض عينيه ويسب بصوت منخفض. مرر أصابعه بين خصلات شعره وهو يفكر " أيها الغبي، ما الذي تفوهت به الآن؟ ألم نكتفى إلى الآن من قلبك الأحمق الذي يسيطر عليك؟ أفق يا سيادة الرائد، أفق. ستهلك تلك العائلة بسبب غبائك وقلبك الأحمق وتلك ال ليلى، التي لا أفهم إلي الآن ماذا تفعل بك لتصبح هكذا؟
تمتم بخفوت وهو يجلس مكانها في ظل الشجرة: أحبها.
صاح عقله " نعلم ذلك تماما،  ولكنك لم تُخلق لتلك الأشياء التافهة، ثم أمامك أمور أخرى أهم. عندما تنته من تلك المهمة تفرغ لها  لكن الآن لا مزيد من ليلى "
تنهد بقوة وهو ينكس رأسه ويتمتم بخفوت: لا مزيد من ليلى.
***
أعدت طاولة الطعام في التراس كما يفضلها وليد وجلست تنظر إلي الأشجار والحديقة المزدهرة بالورود وتنهدت بتعب وهي تتذكر حالته وكيف أوصلته تلك ال ماريا إلي ما هو عليه.كيف سمحت لنفسها بأن تعذبه بتلك الطريقة؟
طرقت الذكرى رأسها بعنف لتعيدها إلى ذلك الصباح الذي رأتها به لأول مرة كانت عروسًا جديدة بدأت حياتها للتو مع زوجها الحبيب. فمنذ أن وعت إلي العالم وهي تنظر إلي عاصم على أنه فارس أحلامها الذي سيخطفها على حصانه الأبيض. وظل كذلك دائمًا وأبدًا فارسها الجميل.
عندما تقدم لخطبتها شعرت بأنها ملكت العالم وما فيه، وليلة زفافهما لم تشعر بالخوف قدر ما شعرت بالسعادة. فها هي أول وآخر أمانيها تتحقق. لا تريد شيئاً آخر، فعاصم أصبح زوجها،
كذبت نفسها كثيرًا وكذبت شعورها الذي لم ينفك عن نغزها بتباعده، بل طمست ذلك الشعور وألغت عقلها وظلت تؤكد لنفسها أنه لها، خطيبها وسيصبح زوجها.
إلى أن دخلت عليهم تلك ال ماريا. نظرت إليها بإعجاب بشعرها الأسود الفحمي وعينيها البنية الجميلة وسمار بشرتها اللامع  الذي أخبرها بجنسيتها الإيطالية، كما أكدته لغتها الإنجليزية الركيكة والمطعمة بلكنة إيطالية جميلة، وجسدها الرشيق رغم انتفاخ بطنها الخفيف الذي أكد لها أنها حامل بشهورها الأولى.
تجاذبت معها الحديث دون أن تسألها عن سبب زيارتها لهم ظنًا منها أنها احد معارف عائلة زوجها، ومن المؤكد أنها أتت لتبارك لهما بالزفاف.
غير أن دخول عاصم عليهم واصفرار وجهه من رؤيتها أشعرها بالتوتر الذي غلف زوجها، ثم شعرت بتعجب من ظهور الدهشة على ملامح حماتها التي سألتها عن هوية الضيفة. نظرت باستغراب لماريا، وسألتها بهدوء وابتسامة لطيفة عن سبب الزيارة، فنظرت الأخرى وعيناها تتألق خبثًا لعاصم، وابتسمت بغنج واضح وقالت: أتيت لأرى حبيبي و والد طفلي.
اتبعت جملتها بوضعها لكفيها على بطنها المنتفخة، فشعرت هي وكأنها اصطدمت بقطار سريع وعقلها يصرخ "أخبرتك أنه لا يحبك"، فصرخ قلبها باستماته: "بل هي كاذبة".
نظرت إليه على الفور لينفي ما تقوله تلك السمراء ولكن ملامح وجهه التي أظهرت الاندهاش وقليلاً من الفرحة نفت أي تكذيب يدور بداخلها.
شعرت بالأرض تميد تحت قدميها وأنها ستقع أرضًا، ولكن البقية من كرامتها التي أهدرها عاصم أبت أن تُظهرها بذلك الضعف، فتماسكت وظلت واقفة ورأسها مرفوع. سمعت والدته تسأله عن صحة كلام تلك السيدة فتهرب من الإجابة، ووجه كلامه للأخرى وحدثها بالإيطالية.
شعرت أنه نوع من الأسئلة والعتاب تحول إلى خلاف فعلي وأدى إلي مشاجرة بينهما، سحبت نفسها بهدوء من المكان فمن الواضح أن عاصم لن يهتم بإفهامها الأمر وأنه مشغول بالأخرى كما كان دائمًا.
جلست في غرفتها لما يقارب الساعتين وهي مصدومة لا تستطيع أن تبكي ولا تفهم ولا تصدق ما حدث أمامها ولا تريد أن تصدق أنه لم ينتبه إلي عدم وجودها.
إلى أن سمعت طرقًا على الباب وصوت والدتها يتكلم معها وتخبرها أن والدها قرر أنها ستترك عاصم.
هنا نزلت دموعها، هنا رثت نفسها وقلبها، رثت كرامتها فهي لم تستطع أن تأخذ ذلك القرار، ولا تريد أن تأخذه، ولكنها مجبرة على تنفيذه لم تأخذ شيئاً معها، بل انصرفت مع والدتها بعد أن توسلت لها حماتها ألا تفعل ، احتضنتها وهي تتأسف لها عما فعله بها. لكنها لم تهتم بكل ذلك. لم تهتم بتوسلات والدته ولا بحنق والدتها وكلامها الجارح في حقه. اهتمت فقط بأنها تريد أن تراه، أن تودعه قبل أن ترحل، فوالدها لن يتراجع في قراره.
وكم شعرت بالموت وأنه لم يهتم حتى بتوديعها، لم يهتم بها، لم يتذكرها إلا بعد ثلاثة أيام. جاء إليهم وطلب مقابلتها، لم ترفض وكانت على أتم الاستعداد لرؤيته وأن تسمعه وتفهم منه ما حدث، ولكن والدها رفض وطرده وقفت تنظر إليه من النافذة ودموعها تنهمر على خديها وتتوسل إليه في نفسها أن يرفع رأسه إليها فترى عينيه للمرة الأخيرة، ولكن حتى في ذلك لم يفعل. لم يشعر بها ولا بوقوفها كما لم يشعر بها أبدًا.
__ تبكين أمي؟!
انتبهت إلي صوت وليد الفزع واقترابه منها وجلوسه السريع إلي جانبها مسحت دموعها القليلة المنسابة على وجنتيها وقالت بابتسامة خفيفة وهي تربت على وجنته: لا حبيبي.
نظر لها بأسف وخفض رأسه: آسف ماما.
ابتسمت ورفعت رأسه إليها: لا تأسف على أخطاء الآخرين وليد، يكفيك أخطاءك بني.
ابتسم بسخرية: نعم، يكفيني أخطائي.
ربتت على كتفه مهدئه: هيا حبيبي لنتناول طعامنا.
هز رأسه وعدل كرسيه ليجلس ويتناول الطعام: سلمت يداك أمي.
ابتسمت: تستطيع دائمًا أن تتعرف على نكهة طعامي.
اتسعت ابتسامته: بالطبع، فالأحمق وحده هو من لا يعلم أن هذا الطعام الشهي من صنع يديك.
ابتسمت ونظرت له متفحصة: هيا أخبرني.
نظر لها باستفهام لتقول بهدوء: وليد.
ضحك بعفوية وخفض نظره فاتبعت: ما قصة ذلك الأثر؟
كح بحرج وحك رقبته: أنه ناتج عن ارتطام شيء قوي بكتفي.
نظرت له متأملة: أعلم ذلك، أنا أسأل عن السبب وليد.
قال وهو يعبث بالطعام بتوتر: ياسمين رمتني بمج النسكافيه.
عم الصمت ليرفع عينيه إليها فوجدها تنظر إليه بعينين متسعتين بمزيج من الدهشة والصدمة قالت بهدوء: ماذا فعلت لها لترميك بمج النسكافية؟
احمرت أذناه بشده وخفض بصره وقال بتلعثم: تشاجرنا، وأغضبتها فرمتني بالمج.
قالت بقوة: وليد
ازدرت لعابه وشعر بالتوتر من نظرات أمه المتفحصة لتختلج عضلة صدغه بطريقة لا إرادية فاتبعت بقوة: ماذا فعلت للبنت؟
خفض بصره ولم يستطع النطق فقالت بأسى: لماذا وليد؟ أنت تحبها لماذا تؤذيها بتلك الطريقة؟
قال سريعًا: لم أقصد أن أؤذيها أمي، فعلت ما شعرت به.
نظرت إليه بلوم: ساويتها بفتياتك وليد، أشعرتها أنها مثلهن لا فارق بينهن أبدًا، وأنها لا تزيد عندك مكانة ولا قيمة عن أي فتاة تعرفت عليها.
اتسعت عيناه بذعر، فلم يدر بخلده إطلاقًا ذلك الأمر وقال بارتباك: ولكني أخبرتها بأنني أحبها أمي، بل أخبرتها بأني....
صمت لتسأله والدته: بماذا أخبرتها وليد؟ أنك تحبها وتعشقها منذ أن وقعت عيناك عليها وطلبت منها أن تترك خطيبها من أجلك؟
هز رأسه بالإيجاب فأتبعت هي بسخرية: هل سألتها أن تتزوجك؟
نظر لها باستفهام فأوضحت: هل أخبرتها بأنك تريدها زوجة لك؟ هل أخبرتها بأنك تريد أن تقضي بقية عمرك معها وأن تصبح أُمًا لأطفالك؟
هز رأسه نافياً فأكملت: أكدت لها أنك تريدها كالأخريات، نعم تحبها ولكنك أثبت حبك بتلك الطريقة الرخيصة التي تستعملها دائمًا للتعبير عن مشاعرك. لم تؤكد لها أنك ستكون مخلصًا أو أنك لن تتركها، بل طلبت منها أن تترك خطيبها من أجلك. وأنت ماذا ستفعل من أجلها وليد؟
نظر إلي أمه بعينين متسعتين من الدهشة وهو يلعن نفسه على غباؤه وكيف لم يفكر بذلك الأمر وقال بقهر: تمسكت به أمي، قهرتني بتمسكها به فأذيتها بكلام وقح يوم خطبتها لأزيد من الطين بلة دون أن أشعر.
تابع بأسى مسترسلاً: لم أفكر بالأمر على هذا النحو، بل أردت أن تشعر بحبي لها، ولم أستطع أن أمنع نفسي عن تقبيلها. فطالما أردت أن أقوم بذلك منذ أن رأيتها.
انتبه على صوت أمه الغاضب: بل تستحق ما هو أكثر من أن ترميك بالمج. لو كنت أنا مكانها لهشمته على رأسك بعد أن لطمتك على قلة تهذيبك.
دون وعي منه وضع يده على خده الذي قامت ياسمين بلطمه عليه، وهو يقول بخفوت: من الواضح أنها تشبهك أمي.
نظرت إليه إنعام هانم وسألته بضحكة خفيفة: هل لطمتك وليد؟
احتقن وجهه وهز رأسه نافيًا بقوة، ضحكت بعفوية: كاذب.
انطلقت ضحكته وهز رأسه بالإيجاب: بل كادت أن تكسر الجاليري على رأسي.
ربتت على يده الموضوعة على الطاولة: أنها فتاة جيدة وستصبح زوجة ابن رائعة لنا.
تنهد بقوة: إذًا لست غاضبة منها لأنها لطمت ولدك الغالي؟
هزت رأسها نافية: لا أنها فتاة جيدة، وأنت تستحق تربية من أول وجديد. وأنا وهي سنتعاون على ذلك.
قال بألم لمع في عينيه: لن تترك خطيبها وتقبل بي أمي، من سيقبل بي؟
ربتت على كتفه: ستقبل بك، ووالدك سيحل مشكلتك وليد ولكنه يطلب منك ألا تغادر القصر إطلاقًا إلى أن تنتهي مشكلتك.
ضحك بسخرية: إذًا سيادة الوزير يحدد إقامتي.
نظرت له بعتب: ألا تريد أن تظل معنا قليلاً؟
ابتسم: بالطبع أريد أمي.
انتبها على صوت أحمد المرح: إذًا سنستفيد من وجودك معنا، فماما ستطهو لنا الطعام يوميًا.
نظر له بدهشة: متى أتيت؟
ابتسم أحمد وقبل رأس والدته: الآن، رائحة الطعام جذبتني إلي هنا.
جلس بجانب أخيه: أرجو أن تكون أبقيت لنا القليل.
ابتسمت الأم: الطعام كثير، أين زوجتك وشقيقتك؟
انتهت من جملتها ليشير هو بيده: ورائك تمامًا.
ألقت ولاء عليهم التحية وجلست بجانب زوجها وهي تحمل جنى بين ذراعيها
لتتبعها إيمان في الجلوس بعد أن قبلت وليد وأخبرته بسعادتها لوجوده معهم اليوم. أتت إحدى العاملات لتخبر السيدة إنعام أن تكلم إحدى صديقاتها على الهاتف، فالتفت بخفه على صوت جنى الجميل وهي تناغي بمرح وقال: هاتيها ولاء فأنا انتهيت من تناول الطعام.
__ لا لا، أكمل طعامك، سأهتم بها.
ابتسم باتساع: هاتيها فقط، فقد اشتقت إليها.
ناولته جنى وزوجها يقول: أعطيها إليه، اعتد وليد على الأمر فأنا أريد التخلص منها كثيرًا.
ضحك وليد وهو يرى ولاء تنظر إلي أحمد بقوة فقال ضاحكًا: عندما تريد التخلص منها، هاتها إلي، فلن أمل من ذلك القمر
قبل وجنتي جنى بقوة واحتضنها وهو يلاعبها ويستمتع بابتسامتها لتتجمد ابتسامته على صوت وائل الساخر: ماذا وليد؟ أتذكرك بوالدتها أم ماذا؟
جز على أسنانه بقوة وقال بغضب ظهر على وجهه: احترم نفسك يا وائل.
نظر له وائل بسخرية: لماذا؟ ألا أقول الحقيقة؟
صاح أحمد وهو ينتفض واقفا: وائل لا تزج بزوجتي بينكما واحترم وجودي قليلاً.
نظر له وائل بقوة: زوجتك ليس لها دخل فيما أقوله، وأخوك الغالي هو من لا يحترم وجودك ولا يحترمك شخصيًا، ثم لا تخبرني أنك غافل عن تلك الطريقة التي يعامل بها ولاء من قبل زواجكم.
نهضت ولاء وانصرفت من المكان لينظر له أحمد بغل: أنت مريض.
أتبع زوجته في الانصراف وهو يناديها ويطلب منها التوقف، ابتسم بسخرية وهو ينظر في أثر أخيه قال وليد بقوة: إيمان، خذي جنى واتركي المكان.
نظرت إليه وإلى الغضب الواضح بعينيه وهي تأخذ منه جنى وتمتمت بخفوت: وليد.
نظر لها بقوة فابتلعت كلماتها وانصرفت وهي تحمل ابنة أخيها وتدعو الله ألا يتشاجر الاثنان.
وقف أمامه ورفع رأسه قليلا لينظر إليه ويقول: ماذا تريد وائل؟ مشكلتك معي لا تزج بأحمد بها.
__لا أريد أن أزج به. أريد أن أنبهه أن يأخذ حذره منك قبل أن تسرق زوجته.
صاح بضيق: أيها الغبي أنت تقلب حياته إلى جحيم. تُغضب زوجته وتُغضبه هو أيضًا. أنت لا تنتقم مني، أنت تبحث عن شيء تنفث فيه غيرتك من أن أخيك الأصغر لأنه متزوج ومستقر وله زوجة تحبه منذ الصغر. أنت تحقد على أخيك الذي استطاع أن يفعل ما لم تستطع فعله.
صاح بغضب وهو يقترب منه: لولاك لكنت الآن أنعم بدفء زوجة تحبني وأطفال رائعين يملئون فراغ حياتي.
أمسك به وليد من ياقة قميصه وهزه بقوة: لم تكن تحبك أيها الأحمق، كانت تخدعك. ولولاي لكنت رأيتها بعد زواجكما بأحضان آخر.
نظر له بألم: وما الفارق وليد؟ رأيتها أيضا بأحضان آخر.
دفعه بقوة ليُجلسه على احد الكراسي الموضوعة: أيها الغبي لقد رتبت الأمر لترى وتصدق أنها تخدعك. كانت دائما وأبدًا تخدعك. كانت معك وتصادق غيرك وائل. ألم تنتبه إطلاقًا ولا مرة لما كانت تفعله؟
أشاح بيده وهو يصرخ به: كان لديك ألف طريقة لتخبرني أنها تخدعني.
لمع الغضب بعيني وليد: ألم أخبرك؟ ألم أحذرك مئات المرات أن تنتبه لها؟ ألم تتشاجر مع صديق عمرك وتقطع صلتك به بسببها وبسبب أنه حاول أن يفهمك أنها تريد مصادقته؟ أنت أجبرتني على ذلك.
أشاح بوجهه بعيدًا عنه ليردد وليد: أجبرتني وائل وبدلاً من أن تغضب منها غضبت مني وحاربتني بعد ذلك. تناسيت أنني أخوك وتعاملت معي على أني عدوك.
ضحك ساخرا: هل تظن وائل أني لا أعلم انك وراء المصائب التي تحدث لي؟ أولاً تسببت لي بمشكلة فصلت على أثرها من كلية الهندسة بعد أن وصلت إلي السنة الرابعة وكدت أن اقترب من تحقيق حلمي أن أكون مهندسًا. تسببت بسوء تفاهم بيني وبين والدي تفاقم بيننا مع مرور الزمن لأنك أخبرته عن صداقتي لابن عدوه اللدود وأنت تعلم جيدًا أني لا أعلم بالعداء القائم بين والدي و والد محمود.خسرت صديق جيد من تحت رأسك وخسرت ما تبقى من علاقتي بأبي.
أتبعت ذلك بأنك تسببت بأذية عم حسان البستاني وكاد أبي أن يفصله من عمله عندما أخبرته عن ترددي عليهم وعن علاقتي بابنته افتريت على الفتاة وأنت تعلم أن البستاني لا حول له ولا قوة أمامك وأمام والدي ولكن هذا لا يهمك كل ما يهمك هو أن تحيل حياتي إلي الجحيم والآن تفعل كل ما بوسعك لتفسد علاقتي بأحمد ألا يكفيك أنني تركت البيت بسببك؟
__ لا أريدك أن تختفي من حياتنا كلها، ولن ارتاح إلا عند ابتعادك عنا.
نظر له بتحدي: حسنًا وائل. فيما مضى لم أكن أعيرك اهتمامًا ولم أفكر ولا لمرة بأذيتك أو حتى الرد عليك ولكن من الآن سترى وليدًا آخر سأرد على ما تفعله ردًا قاسيًا وقويًا لتعلم بالفعل من هو بكر عائلة الجمّال.
قال بعدم ثقة: أبي لن يسمح لك.
ابتسم وليد بسخرية: سنرى وائل، سنرى.
انصرف من المكان وهو يشعر بالغضب من أخيه الغبي الذي لا يريد أن يفهم حقيقة الأمور بل تزيده السنوات حقدًا، زفر بغضب: غبي وائل.
***
نظر في أثره وهو يشعر بالكره له وأنه محق دائمًا. نعم كان محقًا دائمًا في ظنونه بها. ولم يجرحه رؤيته لها مع وليد على قدر ما جرحه اعترافها له بأنها كانت تتقرب منه من أجل وليد. فهو من أثار إعجابها في البداية وهو كان مجرد خطوة تقترب بها من وليد بك
تمتم بحقد: نعم أتمنى أن تختفي من أمامي وليد.
شعر بوجود أحد أمامه فرفع عينيه لتتسع بشدة ويزدرد لعابه بخوف وهو يواجه تلك العينين القاسيتين.
***               
اتكأ للخلف وأراح ظهره على مقعده الجلدي ودار به نصف دائرة لينظر إلي الحائط أمامه، وكعادته الأيام الماضية كان المسيطر الدائم على تفكيره هو "هنادي "تنهد بقوة وهو يتذكرها اليوم، لم تختلف إطلاقًا عن الماضي.
لا يعلم لماذا طرق رأسه ذكرى ذلك اليوم، الزغاريد الصادرة من زوجة أبيها، شكلها بفستانها الكريمي اللون وتصميمه المحتشم إلي حد ما وشعرها المرفوع عن عنقها وعينيها الرمادية المظللة بالألوان الدخانية.
أغمض عينيه وهو يسترجع ذلك اليوم بتفاصيله منذ أن أخذها من أمام مصفف الشعر إلي أحد المساجد الكبرى بالقاهرة ليعقد قرانه عليها، على الرغم من رفض جده الدائم واعتراضات والدته على شخصية هنادي. لكنه لم يهتم، بل استمر بتحقيق حلمه كما أراد. أرسل إلي والدها ليأتي ويعقدا القران ثم اصطحبها بعد ذلك إلي حفل صغير أقامه لها وله وبعض من أصدقائهم المقربين فقط، لا وجود لعائلته، ورفض أبوها الحضور وأخبره بأنه سيذهب للفندق ويستريح قليلاً فموعد طائرتهم الفجر.
انتهى الحفل فأوصلها إلي شقتها التي تقيم بها وأصر أن يصعد معها إلي الأعلى، ولم يصدق أنها اقترحت عليه أن يدخل لتريه مكان إقامتها ويرى هل هو كما تخيل دائمًا أم لا
خطى إلي داخل الشقة وهو يشعر بسعادة عارمة، لأول مرة يدخل إلي هنا وكأنها
أعطته رابطًا جديدًا يقربه منها أكثر ويربطها به أكثر.
أدار نظره في الشقة وتأمل بساطتها وعفويتها التي تعكس شخصية وذوق هنادي في الأساس، أتت من خلفه وهي تحمل كوبين من القهوة الفرنسية
ابتسمت بمرح: تذوق قهوتي الفرنسية لتعلم أن ما يصنعوه في المقاهي ما هو إلا شاي بالحليب.
ضحك بقوة وهز رأسه موافقا: نعم أعلم حبيبتي، أنا أصدقك طبعًا.
أتبع متسائلا: أين صديقتك؟
__عادت إلى بلدها، ستتزوج هي الأخرى.
__مبروك.
أدارت مشغل الأسطوانات على أغنية فيروز " نحنا والقمر جيران "
وهي تقول له: الله يبارك فيك، اجلس.
أشارت إلي المقعد البعيد عنها، فابتسم ووضع الكوب من يده وأشار لها بوضع كوبها هي الأخرى.
عقدت حاجبيها بتعجب، لكنه سحب الكوب من بين يديها وشدها بقوة وأوقفها أمامه ليحتضن خصرها براحته العريضة ويهمس: ألم تسأليني من قبل إذا كنت أستطيع الرقص أم لا؟
شدها ليقربها إليه واتبع هامسًا بجانب أذنها: لا أستطيع الرقص جيدًا، ولكني أعشق تلك الأغنية. لذلك سأرقص معك رقصة هادئة حتى لا تعودي وتقولين إني لم أرقص معك يوم زواجنا.
ابتسمت باتساع، و بدأت تجاري خطواته الهادئة. لفها بين ذراعيه ليسجنها بينهما ويحتضنها من ظهرها، فتعالت ضحكتها وقالت بالفرنسية: أنت أكثر من جيد.
هز رأسه بالنفي: أنت تجاملينني فقط، لأني زوجك.
لفها مرة أخرى ليحتضنها بين ذراعيه ويضع عينيه بعينيها: مبروك يا زوجتي العزيزة.
قبل رأسها برقة وأتبعها بقبلات رقيقة كرفرفة الفراشات على وجهها
وكما حدث اليوم، ذابت بين ذراعيه فلم يشعر بنفسه إلا وهو معها بالداخل، بل لم يستطع السيطرة على نفسه وأن يبتعد عنها حتى أصبحت زوجته فعليًا.
احتضنها بقوة من ظهرها العاري وهو يتنفس بقوة، قبل كتفها وهمس: نودا.
شعر بدموعها ليلفها إليه وينظر إليها بخوف: لماذا تبكين، هل أنت بخير؟
احمرت وجنتاها بقوة وأشاحت بنظرها بعيدًا عنه وتساقطت دموعها بهدوء، مسح دموعها بأنامله برقة وقال لها بهدوء: ارفعي رأسك وانظري لي.
نظرت له بخجل فابتسم: لا تبكي حبيبتي، أنا زوجك نودا وما حدث  طبيعي، سنتزوج بعد شهرين لا أكثر، ولن يهم الآن أو بعد شهرين. الفارق ليس كبيرًا، لا تبكي.
أتبع وهو يتحرك من جانبها: سأنصرف أنا، رغم أني لا أريد أن أتركك لكن ما باليد حيلة. سآتي نهارًا لنذهب ونجري التحاليل التي تريدينها.
قالت بصوت مبحوح: وما فائدتها الآن؟
أحنى رأسه لينظر إليها وقال بشقاوة: ليس لها فائدة على الإطلاق، لا الآن ولا من قبل، ولكني سأجريها من اجل عيونك الرمادية تلك
عض شفته وهو يتابع بحب: التي تجعلني أفقد صوابي.
ابتسمت ونظرت له بحب فأتبع مزمجراً: لا تنظري إلي كذلك، حتى لا ألغي فكرة الانصراف.
أشاحت بنظرها بعيدًا عنه فاقترب وجلس بجانبها، ضمها إلي صدره وقبل رأسها بحنان: مبروك حبيبتي، وشكرًا على تلك السعادة الصافية التي منحتني إياها.
نظرت إليه ورفعت رأسها قليلاً لتقبله بجانب فمه: أحبك هشام.
تنهد بسعادة وانحنى يقبلها بقوة، دفعته في صدره مبعدة إياه: هيا انصرف حتى لا تقلق والدتك من غيابك.
نظر لها بعتب، وهو ينهض لتبتسم له: سأنتظرك في الصباح، لا تتأخر.
ارتدى جاكيت بدلته: لن أستطيع التأخير حبيبتي.
انحنى وقبل رأسها: تصبحين على خير.
__هشام بك.
انتفض على صوت زميله الجهوري ليجده واقفًا أمامه ويحرك يده أمام عينيه.
تنفس بقوة: ماذا محمد؟ أفزعتني يا رجل.
ضحك الآخر بمرح: المعذرة، لقد طرقت الباب، وناديت عليك أكثر من مرة ولم أجد إلا تلك الطريقة.
جلس على الكرسي الموضوع أمامه وهو يتابع: فيمن تفكر بذلك العمق؟ ولكن الإجابة معروفة طبعًا.
عقد هشام حاجبيه ونظر لها مستفسرًا ليبتسم الآخر: طبعًا تفكر في خطيبتك، زوجتي معجبة بها جدًا، وزاد إعجابها بها عندما علمت أنها من رسمت تلك اللوحة التي أهديتنا بها.
ابتسم هشام وهو يتذكر ياسمين وأن واجب عليه أن يخبرها وأن يفسخ الخطبة.
يعلم أنه ظلمها معه ولكن استمراره معها ظلم اكبر لها، انتبه على صوت محمد: لا، فكرك اليوم مشغول ولا تستطيع سماعي.
ابتسم هشام بهدوء: المعذرة محمد، أنت ابن حلال، كنت أريد أن اسألك عن مهندس الديكور الذي صمم لك شقتك. أريده أن يأتي ليضع تصميمًا حديثًا لشقة العائلة، ولكني أريده أن ينتهي سريعًا.
رفع محمد حاجبيه بدهشة: ولماذا تريده سريعًا، أمامك متسع من الوقت. أم أنك وقعت ولم تجد من يسمي عليك.
ابتسم هشام وآثر الصمت ليتابع الآخر: سأكلمه لك الآن، إنه صديقي وقريب لزوجتي وتستطيع أنت أن تتفق معه على ما تريد.
أخرج من جيبه الهاتف وبدأ يتحدث مع مهندس الديكور والتفت إلي هشام يسأله : يستطيع أن يأتي إليك بعد غد للمعاينة هشام بك، هل يناسبك ذلك الوقت؟
ابتسم هشام بارتياح: بكل تأكيد، سأتفرغ له صباحاً.
أغلق الآخر الهاتف بعد أن أملى مهندس الديكور عنوان شقة هشام، والتفت إليه: تمام، سيأتي إليك بعد غد في التاسعة صباحًا.
ابتسم هشام بامتنان: شكرًا جزيلاً محمد.
__لا شكر على واجب هشام، علاقتنا تعدت تلك المرحلة ولذلك سأخبرك بأمر لا يخصني، ولكن من واجبي أن أنبهك.
نظر له هشام بهدوء ليقول الآخر بجدية وهو يقترب منه: النساء لا يستوعبن أمر النسيان ذلك، وإذا قابلت خطيبتك وأنت لا ترتدي دبلتك وأقسمت لها أنك نسيتها على حرف المغسلة أو وأنت تستحم لن تصدق ذلك، وستحيل حياتك جحيمًا. وإذا صدقتك ستحيل حياتك لجحيم أكبر لأن نسيان الدبلة عندها نسيان لشخصها بالضبط، وحينها ستكشر في وجهك وتقاطعك بالأيام لأنك تجرأت ونسيتها.
تعجب هشام من كلام صديقه، فعقد حاجبيه ليشير له الآخر على بنصره الأيمن الخالي من دبلة خطبته. نظر هشام لبنصره بدهشة، فهو خلع دبلته بعد أن خرج من عند هنادي يوم اكتشافه لوجود كريم وقراره بفسخ الخطبة، ابتسم وهز رأسه بهدوء لمحمد، وهو يقرر أن هذا الأمر لابد أن ينتهي قريبًا، بل قريبًا جدًا.
***         
اتجه إلى الدور العلوي ووقف أمام جناح أحمد وهم بالطرق على الباب ولكنه تراجع ليعود إلى الخلف خطوتين، زفر بضيق وهو يسب وائل بداخله نظر إلى الباب وقرر أن يطرق الباب ليتكلم مع أخيه.
لابد أن يتكلم معه، لا يستطيع خسارته هو الآخر، يكفيه خسارة وائل بسبب غباؤه. اقترب مرة أخرى ليفاجئ بالباب يُفتح وأحمد يقف أمامه شعر بالتوتر وحك رقبته ثم رفع نظره ليجد أحمد يبتسم باتساع: هل ضللت الطريق؟
ابتسم وليد وهز رأسه نافيًا: لا بل أريد أن أتكلم معك.
هز أحمد رأسه وخرج ليغلق الباب خلفه قال وليد بهدوء: تعال.
تحرك وليد باتجاه غرفته ليتبعه الآخر، دخل وليد الغرفة وأضاء النور: تعال أحمد وأغلق الباب خلفك.
ابتسم أحمد وقال مازحًا: هل ستطلعني على أسرارك الحربية؟
قال وليد بجدية: سأكسر رأسك بسبب ظُرفك هذا.
ضحك أحمد وهو يغلق الباب خلفه ويذهب ليجلس بجانب وليد فرك وليد يديه وشعر بالتوتر يكتنفه وهو لا يعلم كيف يتكلم فيما حدث اليوم؟
انتبه من توتره على كف أحمد التي تربت على ركبته ويقول بهدوء: الأمر لا يحتاج كل هذا التوتر.
نظر له باستفهام فأتبع أحمد: هون عليك يا أخي، لا تحتاج أن تبرر لي الحماقات التي يتفوه بها شقيقي، إنه غبي لا أكثر من ذلك.
ابتسم وليد وقال: احترم أخيك الكبير.
أشاح الآخر بيده فتنحنح وليد واقترب في جلسته منه: اسمع أحمد، هناك خلافات كثيرة بيني أنا ووائل، أرجو ألا تتدخل بها. وما قاله وائل اليوم، اقسم بالله أني لا أتعامل مع ولاء بشكل مختلف بل بالعكس أتعامل معها كإيمان، فهي أخت ثانية لي.
ضحك أحمد: دون أن تقسم وليد، أنا أعلم بزوجتي وأعرفك جيدًا، رغم أن عيوبك كثيرة لكن لا أتخيل أن الكذب والخداع بينهم.
نظر له وليد فقال أحمد بهدوء: الم تتساءل أبدًا عن سبب زواجي المبكر؟ لقد تزوجت وأنا بالجامعة وهذا كان أمرًا غير مقبول لديك. أذكر أنك سألتني حينها عن سبب تعجلي بالزواج، أتتذكر؟
هز وليد رأسه إيجابا فابتسم الآخر: لم أخبرك السبب حينها، لم استطع أن أخبرك أني لا استطيع أن ابتعد عنها أكثر من ذلك. أنا وولاء نحب بعضنا من قبل أن نميز أن ما بيننا هذا يعتبر حبًا بل عشق. كنا ونحن صغار نعتبرها صداقة جيدة، نتفاهم سريعًا، بل في أوقات كثيرة بدون كلام يتم التفاهم ونشعر ببعضنا دون أن نتحدث. إلي أن كبرنا واختلفت نظرتي لها. لن أنكر أني رأيت إعجابها بك في عينيها لكنه لم يكن أكثر من إعجاب باخ كبير. ولماذا أنكر عليها إعجابها بك، فأنا نفسي كنت انظر إليك مفتونا بكل ما تفعله.
ابتسم متابعًا: العجيب أنني لم أشعر بالغيرة منك أبدًا، بل وجدت أن إعجابنا بك كان قاسمًا مشتركًا يقربنا أكثر من بعضنا البعض. ولكن شعوري بها أصبح يتصاعد وقبل أن أفعل ما يغضبها ويغضب ربي، قررت أنني سأتزوجها. إلي هنا لم نكن نجتمع بمفردنا إطلاقًا. المرة الوحيدة التي تكلمت معها بمفردنا عندما أخبرتها أني أريد الزواج منها. احمرار وجهها وانصرافها سريعًا من أمامي جعلاني أكثر إصرارًا على الزواج منها سريعًا.
عقد وليد حاجبيه وقاطعه مستفهمًا: ثانية واحدة، لم أفهم ما تقوله.
نظر له أحمد مستفهما فأتبع سائلاً: كيف لم تكن تنفرد بها أو تتكلم معها بمفردكما وتيقنت بأنها تحبك؟
نظر له أحمد بدهشة ثم ضحك بقوة، لينظر له وليد بتعجب، تحكم في ضحكته وقال مبتسمًا: المعذرة لم أتوقع أن تسألني عن أمر كهذا. كيف لوليد دون جوان عصره وأوانه أن يسألني أنا عن أمر كهذا؟
قال وليد من بين أسنانه: أنا انتظر إجابتك يا ظريف.
نظر له أحمد بهدوء: من عينيها يا أخي.
اتسعت عينا وليد ونظر في الاتجاه الآخر وأحمد يكمل: ألم يخبروك أن مشاعر النساء تظهر بوضوح في عيونهن؟ المرأة إذا اختارت أن تخبرك بأنها غاضبة تحمل عيناها لك غضبها، وإذا تضايقت انقلبت عيناها إلي بحر هائج مستعد أن يبتلعك بداخله، وإذا رضيت عنك، تجد في عينيها السعادة التي تنشدها، وإذا أحبتك رأيت جنة نعيمك بداخل عيونها.
استمع إلى أخيه وهو يسترجع كم كان مغفلًا وكيف لم ينتبه إلي عينيها التي كانت تخبره مرارًا وتكرارًا بمشاعرها المتقلبة نحوه، اهتمامها به، غيرتها عليه، وحبها له. نكس رأسه وهو يلعن غبائه وأنه لم يستطع أن يقترب بتفكيره إلي تلك النقطة، وأن كل ما تحمله عيناها موجه له هو دون غيره.
__وليد.
التفت إلي أخيه فابتسم الآخر وقال بهدوء: هل تفكر في صاحبة الصورة التي كانت موضوعه هنا؟
أشار بيده إلي الحائط فالتفت وليد وهو يعلم عن أي صورة يتحدث أحمد، ليقفز واقفًا ويسأل في هلع: أين هي؟
هز أحمد رأسه بأنه لا يعلم، فأتبع سائلاً: أين أمي؟
ستجدها في غرفة المعيشة بالأسفل.
خرج وليد من الغرفة راكضًا إلى الأسفل وأحمد يتبعه : أمي.
وجد والدته وبرفقتها إيمان وولاء زوجة أحمد، شعر بارتباك ولاء
فقال بهدوء: المعذرة ولاء، حقك على رأسي. لا تغضبي من ذلك الأحمق.
تحرك أحمد ليجلس بجانب زوجته ويضمها إلى صدره: أنها ليست غاضبة، أليس كذلك لولو؟
هزت رأسها إيجابًا ونظرت لزوجها مبتسمة، ابتسم وليد وشعر بالتعجب من موجة الحب التي صدرت من عينيها وفكر "أن أخاه الصغير يستحق ذلك الحب، فهو حافظ على حبيبته ولم يقم بعمل أحمق كما فعل هو "
__وليد
انتبه إلي صوت أمه ووجدها تشير إليه ليجلس بجانبها، ذهب وجلس بجانبها فقالت بهدوء: كنت تريد شيئاً ؟
نظر لها وصمت، فهو لن يسألها عن اللوحة الآن وسط ذلك الجمع، هز رأسه نافيًا
والتقط بعينيه ابتسامة احمد، فنظر له بقوة، أشار له الآخر بأنه سيغلق فمه.
قالت إيمان: وليد ما رأيك أن نذهب إلي الساحل الشمالي لمدة يومين أو ثلاث، أريد أن أتنزه قليلا فالاختبارات أثرت على قواي العقلية.
ابتسم بحنان: لا مانع لدي، ما رأيك حمادة تأتي معنا؟
طبعا، ولكن لابد أن نعود قبل بداية الشهر، فلدي عمل منذ أول الشهر.
صفقت إيمان بيديها، فابتسم وليد ونظر إلي والدته: ألن تأتي معنا أمي؟
هزت رأسها نافية: لن أترك والدك بمفرده.
صاح أحمد معترضا: ما هذا أمي؟ هل أبي طفل صغير تخافي أن تتركيه بمفرده؟
نظرت له وقال بلوم: أحمد.
ابتسم وليد واقترب منها: معه حق أمي.
__أرأيت، ولدك الغالي متفق معي بالرأي.
أتبع أحمد مازحًا: ثم إن أبي يظل باليومين لا نراه، أعتقد أنه متزوج من أخرى.
رفع وليد عينيه إليه ونظر له بقوة ثم التفت إلي والدته وهو يحيطها بذراعه ويقول هامسًا: انه يمزح أمي، أنت تعلمين مزاح أحمد الثقيل
هزت رأسها وربتت على وجنته وهي تنظر إلي الواقف أمامهم ويقول بهدوء: لا لست متزوجًا من أخرى أيها المخبول.
انتفض احمد واقفًا وهو يرحب بوالده، بينما أشاح وليد بنظره بعيدًا عنه، وبدون وعي منه تمسك بيد أمه التي كانت تربت بها على وجنته.
جلس سيادة الوزير بعد أن سلم على أبنائه واحتضن حفيدته وأجلسها في حضنه : ألم تكبر على هذا الدلال وليد؟
نظر له بقهر فقالت إنعام سريعًا: سيظل صغيرًا حتى لو رزقه الله بأبناء يملئون علينا ذلك القصر.
ظل ينظر بتحدي إلى والده الذي نظر إليه بنظرات مماثلة قبل أن يقول بهدوء: كيف حالك؟
تغيرت النظرة في عينيه إلى الدهشة وعاد برأسه إلي الوراء، فابتسم والده ، أجابه بصوت مبحوح: بخير، أنا بخير.
هز سيادة الوزير رأسه برضى، جعل وليد يرفع له حاجبه معترضًا ابتسم الوزير وقال آمرا: أريدك أن تترك عملك بالإذاعة.
ظهر العند على وجه وليد وقال بحنق: ولكني لا أريد ذلك.
نظر له عاصم بك بقوة: أنت تعلم جيدا بني إنني استطيع منعك من العمل هناك
تألق الغضب بعيني وليد فأتبع والده بهدوء: ولكني لا أريد ذلك.
قال وليد من بين أسنانه: ماذا تريد بابا ؟
نظر له والابتسامة ترقص بعينيه ليحمر وجه وليد بقوة، فمنذ وقت طويل لم ينطق كلمة بابا بتلك العفوية.
__ لا أريدك أن تعمل مذيعًا بعد الآن. آن الأوان كي تعمل بشهادة كليتك التي تخرجت منها.
ضحك وليد ساخرًا: اعمل فنانًا ؟ أنا خريج كلية الفنون، قسم تصوير
قالت إنعام هانم: ولكن لديك الموهبة في تصميم الديكورات وليد، أنت من صممت ديكور الدور العلوي عندما قررنا تجديد القصر.
نظر لها باستفهام ليلتفت إلى والده الذي أتبع موافقًا لها: وأنا أذكر أن أحد أصدقائي طلب مني اسم مهندس الديكور الذي صمم ديكور البيت الزجاجي في الحديقة، بعد أن أبدى إعجابه به، واندهش عندما أخبرته أنه أنت وقال لي يومها، لماذا لا تفتح له مكتبًا لأعمال الديكور.
__ولكني لست خريج ذلك القسم بابا، أنا فنان، أحب الرسم
قال الوزير بإصرار: ولكن لديك الموهبة وتستطيع أن تصقلها بالتعليم. اذهب وادرس بعضًا من الدورات التي تؤهلك لذلك العمل ونمي موهبتك الأخرى.
هز رأسه معترضًا: ولكني لا أريد ذلك، أنا سعيد بعملي.
نظر له الوزير بتفحص: أنت موقوف عن العمل وليد، هل نسيت؟
احمر وجهه بقوة: لا لم انس، ولكني لا أريد أن أترك عملي بالإذاعة.
نهض سيادة الوزير واقفًا: حسنا لا تتركه، تستطيع أن تعمل مهندسًا للديكور ومذيعًا بالراديو. لن يعيقك أحدهما عن الآخر.
نظر له وليد دون اقتناع، فقال والده بهدوء: فكر قليلاً ستجد أنني أريد صالحك.
أشاح ببصره بعيدًا عنه فتابع عاصم بك وقال آمرًا: ولا أريد أن أتي مرة ثانية لأجدك جالسًا بحضن أمك بتلك الطريقة، كبرت على ذلك الدلال.
نظر له وليد بدهشة في حين كتم أحمد ضحكته وانتظر إلى أن انصرف والده وقال بمرح: أبي يغار منك وليد.
نظر له وليد وقال بهدوء: لماذا؟ ألا تجلس في حضن أمي إلى الآن؟
ضحك أحمد قويًا: لا طبعًا، كبرت يا ديدو. أنا أجلس الآن بحضن زوجتي.
اقترب من ولاء لتدفعه بعيدًا عنها وسط ضحكاتهم فنظر إلي أمه شاكيًا: أرأيت أمي، ابنة أختك تدفعني بعيدًا عنها وأنت موجودة؟
قالت إنعام هانم ضاحكة: تستحق أكثر من ذلك
نهضت واقفة وهي تتابع: سأذهب لأرى والدك
انحنت لتربت على وجنة وليد: فكر جيًدا في ما قاله أبوك.
هز رأسه موافقًا لينتبه إلي مرور وائل السريع من أمام باب الغرفة خارجًا من المكتب والحزن باديًا عليه، أو...
هز رأسه نافيًا تلك الفكرة وهو يفكر " ما الذي سيجعل وائل يبكي؟ لقد اختفى شعور البكاء والندم منذ سنوات كثيرة ماضية".
أين تلك الأيام التي كان وائل اقرب إليه من نفسه؟ عندما كانا يشعران ببعضهما البعض وهما بعيدين. كانا توأمين رغم أنهما يعلمان جيدًا أنهما أخوان غير أشقاء، ولكن كل شيء كان يختفي أمام تقارب روحيهما وشعورهما الأخوي الصادق. 
تمتم بخفوت: كم اشتقت إليك يا توأمي !!
***
خرجت من الملحق بهدوء وهي تنظر أمامها وتبحث عنه سريعًا لتتحرك بسرعة مناسبة من أمام مكانها إلي خارج الفيلا وهي تدعو الله ألا تجده أمامها.
زفرت براحة وهي تجد الطريق فارغًا، فأسرعت بخطواتها لتشير إلي سيارة أجرة من أول الطريق لتوصلها إلي منزلها.
ركبت بسرعة وجلست تنظر إلي باب الفيلا الخالي منه، نعم لم تكن تريد رؤيته بعد ما قاله اليوم ولكنها في نفس الوقت شعرت بالتعجب من عدم وجوده. فمهما حدث بينهما تجده موجودًا دائمًا يسد بالسيارة طريق الخروج، ويقف مستندًا بجزعه عليها، كأنه ملك الملوك.
كتمت صوت ضحكتها لتنتبه إلي سائق التاكسي الذي ينظر لها في المرآة الأمامية، لتشيح بنظرها عنه وتنظر من النافذة متأملة الطريق، وهي تفكر به. ترى هل يتراجع عما قاله لها؟ أم يعطي لها مساحة من الوقت والحرية في التفكير؟
ولكن هذا يؤدي إلى أنه تعمد أن يصرح لها بحبه. شعرت بخيبة الأمل مرة واحدة وعقلها يقول: لماذا تتعلقين بأوهام ليلى؟ ربما قال الكلمة دون أن يقصدها.
عقدت حاجبيها وهزت رأسها بانزعاج من هذا الهاجس وروحها تصرخ: لا لن احتمل خيبة أمل أخرى بحياتي، يكفيني ما فعلته أمي ولا زالت تفعله.
شعرت بألم يغزو روحها وهي تتذكر ما قاله بلال وعمها، انتبهت من مشاعرها المتألمة على صوت السائق وهو يقول بفضول: هل أنت بخير يا آنسة؟
نظرت إليه وظهرت الجدية على ملامحها وهي تهز رأسها بالإيجاب زفرت بضيق فهي منذ الصباح تشغل رأسها بأي شيء إلا التفكير في أمر والدتها ذلك، رغم أنها اقتنعت بكلام عبد الرحمن لكنها خائفة بل مرعوبة أن يكون ما قاله عمها صحيحًا وأن والدتها تريدها فقط من أجل ذلك. تمتمت بخفوت متوسلة: ارحمني يا الله  
***
واقف ينظر في أثرها وهو يشعر بالضيق وان قلبه ينتفض كعصفور أصيب بطلق ناري في أحد جناحيه، أسرع عقله ليمحي كل تلك التخيلات: أفق إلي عملك يا سيادة الرائد.
تنفس بعمق وهو يهز رأسه بالإيجاب، انتبه ليد تقترب منه ليمسكها بقوة ويسحب صاحبها أمامه ولكن هذه المرة كان خالد سريعًا فلفه ووضع رقبته تحت ساعده القوي ولم يقم بالضغط عليه وهو يقول بهدوء: أنه أنا، اهدأ.
أفلته بهدوء لينظر له عبد الرحمن بغضب يشتعل بعينيه فتمتم خالد: المعذرة.
أشاح عبد الرحمن بعينيه فقال الآخر: لماذا أنت مُستنفر هكذا؟
هز رأسه بلا شيء ولم يجب، فتابع خالد وهو ينظر إلى السماء: لم توصل الأستاذة اليوم؟
نظر له بقوة فابتسم الآخر وقال بهدوء: لا تظلمها معك، والأهم ألا تظلم قلبك عبد الرحمن، صارحها بما تخفيه قبل أن يأتي يوم لا تستطيع به التفسير.
عقد عبد الرحمن حاجبيه: ماذا بك؟
ربت خالد على كتفه وقال بعد أن تنهد: لا تهتم يا صديقي، لا تهتم، تصبح على خير.
نظر له بتعجب وهو يفكر " ماذا به خالد؟ "
تأفف في ضيق وهو يشعر بالضيق يحاوطه، فاتجه إلي مكان غرفته ليزفر بقوة ويقول بغضب سطع في صوته: ماذا تفعلين هنا؟
***
دخلت إلى البيت فوجدت ياسمين بوجهها وتتحدث في هاتفها الخاص، أشارت لها بأن تنتظرها فأومأت لها موافقة أنهت المكالمة واتجهت إلي ليلى واحتضنتها بعد أن قبلت وجنتيها : كيف حالك؟ اشتقت إليك.
احتضنتها ياسمين من خصرها وسارت بجانبها إلي غرفتها: وأنا الأخرى.
__تعالي بدلي ملابسك، ونتكلم قليلًا.
دخلتا إلي غرفة ليلى، وجلست ياسمين على الفراش في حين بدأت ليلى بفك حجابها وتحرير خصلات شعرها البني الجميل : مع من كنت تتحدثين على الهاتف؟
نظرت لها ياسمين: إنه هشام، اتفقت أني سأقابله بعد غد فهو مشغول غدًا مساءًا.
التفت إليها ليلى وسألتها: ماذا قررت؟
__ سأفسخ الخطبة ، لن أستطيع أن اظلمه معي أكثر من ذلك.
هزت ليلى رأسها: وماذا ستفعلين بعد ذلك؟
هزت الأخرى كتفيها بلا مبالاة: لا شيء.
قالت ليلى بهدوء: ووليد؟
رفعت رأسها في شموخ: لم يعد يعنيني.
ابتسمت ليلى وقالت بمرح: حقا؟
نظرت لها ياسمين بعتب: ماذا أفعل ليلى؟ أذهب له وأخبره بأن حياتي بعده لا قيمة لها، وأن يوم الجمعة سيفقد هويته بسبب غيابه عني، لن أستطيع ليلى. كرامتي عندي أهم من قلبي.
ابتسمت ليلى واقتربت منها وجلست إلي جوارها: لا طبعًا، لن أجرؤ وأقول لك اذهبي إليه، ولكن إذا أتى هو لا تصديه وتطرديه كالمرة الماضية.
ابتسمت ياسمين ساخرة: لن يأتي، عموما لن أشغل رأسي به، سأحضّر لافتتاح معرضي وسأبذل جهدي كله لإنجاح ذلك المعرض.
__موفقه حبيبتي، الله يقويك على عملك.
ابتسمت لها ياسمين ونظرت لها متفحصة: ألن تخبريني عما يشغل عقلك تلك الأيام؟
تنهدت ليلى: سأخبرك ياسمين، فأنا أريد التحدث معك.
اقتربت منها ياسمين وقالت بابتسامة: كلي آذان صاغية.
تنهدت ليلى و قصت عليها ما حدث من أول مرة ذهبت مع عمها إلي المشفى إلى أن أتى بلال وما قاله عمها وما قاله بلال أيضًا، فهو لم ينفي أنه يريدها أن تجري العملية وتتبرع لها بجزء من الكبد لتنجو والدتها من الموت.
اقتربت ياسمين منها وربتت على كتفها وقالت: اهدئي ليلى، اهدئي، لا داعي للبكاء وكل تلك الدراما.
نظرت لها ليلى فقالت ياسمين: لن يجبرك أحد على فعل ما لا تريدين، اذهبي واستمعي إلي والدتك ليلى، لن تخسري شيئاً على أي حال.
تمتمت ليلى بهدوء: عبد الرحمن نصحني أيضا بأن أذهب لها.
رفعت ياسمين حاجبيها ورددت بدهشة: عبد الرحمن.
رفعت ليلى نظرها إليها وكأنها فاقت من حالة الشرود التي كانت غائبة بها وجدت نظرات ياسمين تطالبها بتفسير فازدرت لعابها وابتسمت بتوتر: أنه صديق لي.
نظرت لها ياسمين بتفحص وابتسمت: وذكر صديقك هذا يجعل وجهك يحمر هكذا.
قفزت ليلى لتنظر إلى نفسها في المرآة فكتمت ياسمين ضحكتها، نظرت لها ليلى عبر المرآة بوعيد لتقول ياسمين: تعالي وأخبريني كل شيء عن سي عبد الرحمن هذا الذي بمجرد ذكر اسمه احمرت وجنتيك كأنك عروس تلتقي عريسها لأول مرة.
نظرت لها ليلى بقوة وقالت: كفي عن سخافتك ياسمين.
قهقهت ياسمين ضاحكة: ستخبرينني عن عبد الرحمن برضاك أو رغمًا عنك.
نظرت لها ليلى بغضب فرفعت لها ياسمين حاجبها بإصرار فابتسمت ليلى: لن أستطيع أن أتخلص منك، أليس كذلك؟
هزت لها ياسمين رأسها نافية وهي تبتسم باتساع لتشير إليها ان تأتي وتجلس بجانبها كما كانت: هيا أخبريني.
جلست ليلى وقالت بتوتر: أنه شاب يعمل مع سيادة السفير.
لمعت عينا ياسمين: حقًا؟ ماذا يعمل معه؟ هل يعمل في السلك الدبلوماسي؟ أم يعمل مديرًا لمكتب السفير؟
نظرت لها ليلى وآثرت الصمت، فأتبعت ياسمين: هل هو شقيق خالد بك؟
هزت ليلى رأسها نافية فأكملت ياسمين: إذًا شريكه.
زاغت عينا ليلى وفركت يديها بتوتر لتقول ياسمين بحنق: انطقي ليلى، ماذا يعمل؟
قالت ليلى بصوت مبحوح: سائق.
عقدت ياسمين حاجبيها: لم أسمعك جيدًا، ماذا قلتي؟
نظرت لها ليلى وقالت بهدوء: يعمل سائق خاص لسيادة السفير
               ***
نظرت له بكره: لا أفعل شيئًا
جز على أسنانه وهو يحاول أن يتحكم بغضبه: إذًا اذهبي إلى غرفتك.
عدلت من وضع شعرها وقالت بلامبالاة: سأخرج.
قبض كفيه بقوة وقال: لن تذهبي إلى أي مكان آخر غير غرفتك.
نظرت له وابتسمت بسخرية: حقًا ؟!
اقتربت منه ووقفت على أطراف أصابعها لتقترب من رأسه، نظرت إلي عينيه وقالت باستهزاء سطع في صوتها: وأنت من ستمنعني؟
لمع الغضب في عينيه وأمسكها من ذراعيها بقوة وهزها بعنف: نعم
ارتجفت من موجة القسوة التي ظهرت على ملامحه وقالت بألم: اتركني وإلا صرخت.
نظر لها وقال بسخرية: اصرخي إذا أردت وفكري وأنت تصرخين بم ستخبرينهم عندما يجدونك بداخل غرفتي
قالها وهو يسحبها إلى الداخل فتمسكت بباب الغرفة قويًا وهي تقول: هل جننت عبد الرحمن؟ ماذا تفعل اتركني؟
نظر لها وقال بسخرية باردة وهو يسحبها قويًا: أليس هذا ما تريدينه يا صغيرتي؟
انتفضت بقوة ولاحت الدموع في عينيها، رماها بقوة إلي داخل الغرفة لتسقط أرضًا وهي تحاول السيطرة على الرجفة التي انتابتها وقالت بعدم ثقة: أنت لن تفعلها.
وقف أمامها ونظر إليها بقوة: لا أفهمك تومي، أليس هذا ما تريدينه ؟ ألم تعرضي نفسك علي من قبل؟
قالت شبه صارخة: ولكنك رفضت.
ابتسم بخبث شع من عينيه: وها أنا أقبل.
أقسم بالله أني سأصرخ إذا اقتربت مني.
ضحك بقوة، فنظرت له بتعجب، صمت عن الضحك وجلس أمامها على ركبتيه، عادت إلي الوراء زاحفة وضمت ساقيها بذراعيها لتنظر إليه في خوف.
قال ببرود: بماذا ستخبرين أهلك عندما يجدونك هنا؟
قالت سريعًا: سأخبرهم أنك اختطفتني.
قهقه ضاحكًا مرة أخرى: متى اختطفتك؟ منذ ما يقارب الدقائق كنت برفقة خالد بك.
تنهد وقال والاستمتاع يظهر على وجهه: لن يصدقك أحد ، ثم هل أجبرتك على ارتداء تلك الملابس والتزين لي أيضًا.
نظرت إلى بلوزتها المكشوفة وشورتها القصير وتذكرت زينتها الكاملة، ليقول بصوت هادئ: لن يصدقك أحد فاطمة، بل سيصدقون روايتي أنا.
نظرت له بتوتر فأتبع قائلاً: سأخبر والدك أنك تترددين علي منذ أن أتيت، وأني لم أستطع مقاومتك، وكأي رجل شرقي عاقل سيكون رد فعله الطبيعي أن يزوجنا بل سيتوسل إلى أن أفعل وأقبل بك زوجة لي، فهنا الرجال لا يتزوجون من عشيقاتهم. وستتصدر صحف الغد عناوين بزواج ابنة السياسي المعروف والسفير السابق من السائق، وستُثار الكثير من علامات الاستفهام وراء تلك الزيجة ولن يمضي الكثير فالتكهنات ستكون بشعة، والأقاويل ستكون أبشع مما تتخيلين، ستكون فضيحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي مجتمعنا المتخلف هذا الذي تزدرينه سيادتك، ستتمنين أن تموتي ولا ترين نظرات الناس لك.
ارتجفت من قسوته الظاهرة، أتبع سائلاً: هل تريدين أن تتزوجيني؟
هزت رأسها نافية، فابتسم بخبث وقال وهو يقترب برأسه منها، همس بفحيح: إذًا تريدين أن تكوني عشيقتي فقط.
نظر إلي عينيها بقسوة، جعلت دموعها تنهمر بقوة وهي تقول: لا.
ابتعد إلي الوراء مرة أخرى: ماذا تريدين إذًا يا آنستي؟
قالت بصوت مخنوق: اتركني أرجوك.
نهض واقفا ونظر لها: اسمعي فاطمة، لم أصدق ما تحاولين أن توهمي به عائلتك الفترة الماضية، أنت ترتبين أمرًا ما، لا أعرفه، ولكني أحذرك، فما تريدين فعله سيتسبب بكارثة، الله أعلم بها.
نظرت له بريبة وقالت بقوة: وما شأنك أنت بما أفعله وما سأفعله؟
قال بحده: اسمعي أيتها الطفلة، إذا كنت تريدين أذيتي لا تتسببي في أذية نفسك. لا شيء يستحق أن تأذي نفسك لأجله.
لماذا تشعر أني أريد أذيتك؟
ابتسم وهز رأسه بخيبة أمل وقال بهدوء: لست غافلاً عن نظرات الكره والحقد التي ترمقيني بها فاطمة.
قالت بألم وهي تنظر بعيدًا عنه: رايتك اليوم وأنت تحتضن ليلى.
اتسعت عيناه بقوة وقال بدهشة: احتضن ليلى! لم أفعل.
ابتسمت بسخرية ونظرت له: ماذا كنت تفعل إذًا وكفيك تلتفان حول خصرها؟
قال بحده: كنت أنقذها من الوقوع، لا تسيء لها من فضلك.
نظرت له مدهوشة وقالت بسخرية: احتضانك لها يسيء إليها؟! ليتني وجدت من يحتضنني مثلما فعلت أنت، وسأكون راضيه عن أساءته لي.
تنهد بقوة وقال آمرًا: انهضي واغسلي وجهك واذهبي إلي غرفتك فاطمة.
نظرت له وقالت بشبه ابتسامة: إذًا لن تفعل معي شيئاً؟
هز رأسه نافيًا، فقالت بابتسامة مرتجفة: كنت ترعبني فقط.
هز رأسه بحيرة وقال بهدوء: لماذا ترتدين ذلك القناع فاطمة، أنت ساذجة رغم كل شيء، لماذا تدعين غير ذلك؟
احتقن وجهها بقوة ورفعت رأسها بشموخ: لا شأن لك بي.
تحركت لتخرج من الغرفة فوقف أمامها وقال بتسلط: لن تخرجي من الفيلا لا اليوم ولا الغد، ولا ترغميني على فعل ما لا يرضيك، أقل شيء سأخبر خالد عما تفعلينه. وأنت أدرى بخالد مني، فهو خواجة ظاهريا فقط، لكن في تلك المواقف يصبح شرقيًا أكثر مني أنا.
هزت رأسها موافقة وهي ترتجف بقوة فقال بسخرية: أنت لا تستطيعين أن تخسري ثقة خالد بكِ، أليس كذلك؟ فهو أخاك الكبير الذي يدافع عنك دائمًا ويثق بك دائما، بل يعتني بك أكثر من أي شخص آخر في تلك العائلة.
تحكمت بدموعها حتى لا تسقط أمامه ونظرت له بتحدي: لن يصدقك.
ابتسم بثقة: حقًا؟
قالت بحنق: أنت لا تطاق، ابتعد عني.
تحرك من أمام الباب وعندما همت بالمغادرة قال بهدوء: ستنفذين ما طلبته منك وسألتزم أنا ألا أخبر خالد عنك.
قالت من بين أسنانها: حسنًا.
انصرفت من الغرفة وهي تشعر بالقهر من ذلك السائق، الذي يرغمها على عدم الخروج. فوالدتها رغم الرقابة الكثيفة إلا أنها تفلت منها وتخرج كما تريد، تذهب وتسهر مع أصدقائها وتأتي دون أن يشعر بها أحد.
لكن هذا اللعين يرغمها على تنفيذ ما قاله، فهي لن تستطيع خسارة ثقة خالد بها، لن تستطيع خسارة الشخص الوحيد الذي يهتم ويعني بها، فبقية عائلتها لا تهتم بها ولا يفكرون بها في الأساس.
دخلت إلي غرفتها لتنهمر دموعها بغزارة وهي تتذكر ليالي قضتها وحيدة في تلك المدرسة الداخلية، ليالي لم تذق فيها طعم النوم من الرعب بسبب الظلام، فهي تعاني من خوف حاد بسبب الظلام وكانت دائمًا عندما تشعر بالخوف تذهب وتنام في حضن والدتها، والدتها التي بعثت بها لهذا المكان الصارم الذي لا يعرفون به معنى الحنان إطلاقًا، مسحت دموعها بقوة ورفعت رأسها في شموخ وهي تفكر
" لن يجبرني ذلك السائق على شيء سأفعل ما أريد وليضرب رأسه في الحائط ".
***
زفر بضيق وصفق الباب خلفها بقوة، لم يكن يريد ان يتصرف معها بتلك الطريقة الوضيعة ولكنها غبية لن تفهم إلا بتلك الطريقة، فإذا بالغ في امتناعه عنها ستظل تطارده، ولكن الآن ستخاف منه وتبتعد عنه مده كافية ليستطيع أن ينتبه إلي عمله.
جلس بعد أن صنع كوب قهوته ونظر إليه متأملاً، ورائها قصة تلك الفتاه، فهي تدعي ما لا تدرك، عجيبة من يرى تصرفاتها وما تفعله يستنتج أشياء كثيرة لا علاقة لها بها، من يراها وهي ترتجف اليوم لا يراها وهي تتحرش به من قبل.
زفر بقوة وهو يفكر " إنها تعاني من عدم الاهتمام، سأنبه خالد لتلك النقطة"،
هز رأسه بقلق وهو يشعر بأن تلك الفتاه الحمقاء ستتسبب في موت والدها.
تمتم خفوت: استغفر الله العظيم
***
انتفضت ياسمين واقفة وهي تصيح: ماذا ، ماذا تقولين؟
توترت ليلى في جلستها فأتبعت ياسمين: إذًا البيك يعمل لدى سيادة السفير، هل جننت ليلى، تصادقين السائق؟
نظرت لها ليلى بعتب ولمعت الدموع بعينيها، فاتسعت عينا ياسمين وقالت بتردد: أنه أكثر من صديق ليلى، وجهك يقول أنه أكثر من ذلك. 
هزت ليلى رأسها وأشاحت بعينيها بعيدًا عن ياسمين التي جلست بجانبها وهي تشعر بالذهول من ابنة عمها وكيف فكرت بذلك السائق وتركت مشاعرها تقودها له
ربتت على ظهرها بحنان: أخبريني ليلى، هل تحبين عبد الرحمن هذا؟
نظرت إلي الأرض وهزت رأسها بهدوء، أغمضت ياسمين عينيها بقوة وقالت بصوت حاولت أن تتحكم به ليخرج هادئاً قدر ما استطاعت: كيف ليلى؟ كيف تفعلين بنفسك ذلك، هل تخيلت أن والدي سيوافق عليه، أنت من تقدم لك خيرة الشباب، تقعين في حب ذلك السائق؟
عدلت ليلى من وضع شعرها وقال بقوة: ما الشيء الذي يعيبه ياسمين؟ مهنته لا تعيبه ياسمين، أنه يعمل بشرف.
صاحت ياسمين وهي لم تستطع أن تتحكم في غضبها: نعم، ولكنه سائق. أين سيسكنك؟ وكيف سيأتي لسيادة المستشار هنا في جاردن سيتي ليطلب يدك من؟
صاحت ليلى غاضبة: يأتي لي في عابدين، لست ابنة المستشار، أنا ابنة الموظف الفقير الذي كان يسكن في شقة متواضعة في عابدين.
جحظت عينا ياسمين وقفزت واقفة: أنت مجنونة، الست كذلك؟ أنت ابنة سيادة المستشار وتسكنين هنا، نلت أعلى مستويات التعليم ليلى، أبي هو ولي أمرك. دعينا من والدي، كيف ستخبرين أخيك عنه؟ أخوك الذي يعتبر من أصغر رجال الأعمال في البلد، فوالده ترك له ثروة كبيرة ومجموعه من الشركات يديرها وهو في أوائل العشرينات. والدتك ماجدة هانم من أرقى سيدات المجتمع الراقي الآن، ألم تفكري بكل ذلك، كيف ستأتي له الجرأة أن يطلب يدك منهم؟
نظرت إلي ياسمين وقالت بحده: لن يطلبني منهم، ليسوا أوصياء علي، لم يهتموا بي من قبل، الآن سيتحكمون بحياتي، ليس من شأنهم ما أفعله. ثم إنه خريج الجامعة ومن عائلة متوسطة ولا ذنب له في ظروف البلد المنقلبة رأسًا على عقب، كان من الممكن إذا لم يحتضنني عمي ويهتم بتربيتي أن أصبح مثله وبدلاً من أن أعمل كمدرسة لأحفاد السفير أكون المربية الخاصة بهما.
نظرت لها وقالت بقوة: أنا وعبد الرحمن وجهان لعملة واحده ياسمين، كل الفارق بيننا أني وجدت من يهتم بي، ولكنه لم يجد أحدًا يعتني به.
جلست ياسمين وهي مدهوشة من ابنة عمها وقالت بهدوء: لذلك كنت تبتعدين عني وعن أصدقائي، كنت ترفضين دائمًا الاقتراب منا وأن تأتي معي إلي أي مكان سيجمعك بتلك الطبقة التي من الواضح أنك تكرهينها.
هزت رأسها بأسى: ليس كرهًا ياسمين، ولكني شعرت دائمًا أنها ليست مكاني، دائما شعرت بعدم الانتماء لذلك العالم. عندما كنت انظر لك في الحفلات الراقية كنت أشعر أنك رائعة، تنتمين بكل خلية فيك لذلك العالم المبهر، فأنت مبهره مثله، تخطفين الأضواء دائمًا عندما تدخلين إلي أي مكان. أما أنا كنت باهته، كنت نشازًا على تلك اللوحة الرائعة ياسمين.
وضعت ياسمين يدها على فمها وهي ترى دموع ليلى تتساقط بهدوء، ولأول مرة تشعر بألمها الذي لم تنتبه له من قبل، اقتربت منها وسحبتها لتحتضنها، مسدت رأسها بحنان، وقالت بهدوء: أخبريني عنه ليلى.
رفعت ليلى رأسها ونظرت لها بتفحص، فابتسمت لها ياسمين مشجعه ، مسحت ليلى دموعها وقالت بهدوء وهي تعاود الاستلقاء بحضن ابنة عمها لتتابع الأخرى اللعب بخصلات شعر ليلى: أنه شخص رائع، على الرغم من ثقالة دمه معي، إلا أنه رائع، حنون، يذكرني بأبي، لا أعلم لماذا؟ ولكن عندما أنظر إلى عينيه السوداء أشعر أنني أغرق في بحر من الحنان كما كنت أشعر عندما أنظر إلي عيني أبي، أشعر معه باتصال روحي لا أفهمه، هو الوحيد الذي أستطيع أن أبوح له بما يدور بداخلي دون أن أفكر، كم مرة تمنيت أن أبكي بين ذراعيه، كما كنت أبكي بحضن أبي. عبد الرحمن بر الأمان بالنسبة لي، الشاطئ الذي سأضع رحالي به وتغفو عيناي عنده وأنا مطمئنة.
رفعت رأسها ونظرت إلي ياسمين: أتعلمين، لا أخاف الآن من أن ترفضني أمي ثانية، فأنا لدي عبد الرحمن، سيعوضني عن كل ما حدث.
ابتسمت ياسمين باتساع وقالت: كل هذا الحب ليلى و تقولين أنه ثقيل الظل؟
ابتسمت ليلى وخدودها تحمر بقوة: يمزح معي بقوة، وأنا لا أحب ذلك المزاح.
ابتسمت ياسمين وهي تنظر إلي وجه ليلى المحتقن من الخجل: لا تخبريني أنه يغازلك وأنت تخبريه أن يتوقف عن المزاح.
هزت ليلى رأسها في خجل: لا يغازلني، أنه يمزح.
خبطتها ياسمين على رأسها: أيتها الحمقاء أنه يغازلك، ألا تستطيعِ التفرقة ليلى، بين المزاح والغزل؟
أشاحت بنظرها بعيدًا وقالت بإصرار: أنه يمزح.
ضحكت ياسمين بقوة لتبتسم ليلى وتقول بهدوء: لا أستطيع أن أقتنع أنه يغازلني ياسمين، إذا اقتنعت بذلك الأمر، لن أستطيع أن أتعامل معه.
ربتت ياسمين على رأسها بهدوء وقالت بجدية: اسمعيني ليلى، إذا كنتِ تريدين الاستمرار مع عبد الرحمن هذا، لابد أن يمتهن مهنة أخرى
نظرت لها ليلى باستفهام: لن يقبل به والدي ليلى، أنت تقولين أنه خريج الجامعة. يمكنني أن أجد له عملاً آخر مع أحد معارفنا، وحينها يستطيع أن يأتي لأبي. نعم لن يكون حالته المادية عالية، ولكنه سيكون موظًفا بإحدى الشركات الكبرى. ما شهادته؟
نظرت لها ليلى وهزت رأسها بعدم معرفتها فأتبعت ياسمين: اسأليه وردي علي وأنا سآتي له بعمل من تحت الأرض.
احتضنتها ليلى بحب: شكرًا ياسمين.
_ _ كل ما يهمني أن تكوني سعيدة ليلى.
نهضت: سأذهب لأنام
همت بالخروج من الغرفة لتلتفت إلي ليلى: عندما يغازلك المرة القادمة لا تخبريه بأن يكف عن المزاح ليلى، فهذا سيجعله يكف عن الكلام أصلاً.
ابتسمت ليلى وهزت رأسها بالإيجاب وهي تعود إلي الوراء وتسند رأسها على حافة الفراش وهي تتذكره وهو يقول " حبيبتي "
تنهدت بقوة وأغمضت عينيها وهي تتمنى ألا يكون حلمًا جميلاً تستيقظ منه
   ***
دخل إلي غرفتهم ليجدها فارغة، نظر حوله يبحث عنها فلم يجدها بأنحاء الغرفة اقترب من الفراش وهو يزفر بضيق فانتبه إلي منامة رجالية لونها أزرق جميل موضوعه بعناية على طرف الفراش، ابتسم بحب وهو يحملها بين أصابعه وينظر إليها بتفحص، اتسعت ابتسامته وهو يقرأ تلك الورقة الصغيرة الملصقة بياقة المنامة " أتمنى أن تعجبك وأراها عليك "
همس بخفوت: أمرك حبيبتي.
اتجه إلى دورة المياه ليستحم ويبدل ملابسه إلي تلك المنامة التي أحضرتها منال
خرج بعد أن أنهى حمامه وعدل من خصلات شعره كما يفعل دائمًا، ارتدى قميص منامته وأغلق الأزرار لينظر إلي نفسه في المرآة ويبتسم
نادى بصوت عال: منال، أين أنت؟ أشعر بوجودك، كفي عن اللعب وتعالي.
لم يجد ردًا فاتجه إلى الفراش واستلقى عليه، مد يده ليأتي بالكتاب الموضوع على الكمودينو المجاور لناحيتها ونظر إليه بابتسامة واقفة أمام المرآة بداخل غرفة التبديل وهي تشعر بالرجفة، لن تستطيع الخروج هكذا، همست لنفسها: لابد أن تخرجي إليه.
نظرت إلي قميصها الحريري مرة أخرى وهزت رأسها باعتراض وعدم رضا عن الفكرة، لمعت عيناها وهي تلتقط ذلك الروب الساتاني المعلق خلفها، لتأتي به سريعًا وترتديه.
خرجت بخطوات هادئة وهي تخفض نظرها بعيدًا عنه ولكن الصمت المطبق الذي يخيم على الغرفة جعلها ترفع عينيها وتنظر إليه لتتأكد أنه موجود.
رفعت حاجبيها بدهشة عندما وجدته يقرأ ومستغرق تماما في القراءة لدرجة أنه لم يشعر بوجودها ، ابتسم وهو يدفن رأسه في الكتاب متقنًا لأدائه التمثيلي، فهو رآها منذ أن خرجت ولكنه شعر بخجلها الذي لا يفهمه، فآثر ألا يزيد من خجلها وابتلع ما كان سيقوله وصمت حتى تقترب منه.
تقدمت إلي الفراش وجلست على ركبتيها بجانبه، سحبت الكتاب من بين يديه وهي تقول: لماذا تقرأ كتابي؟
نظر لها بهدوء: أعجبني أنك تقرئين لشكسبير، ثم أن روميو وجولييت من رواياتي المفضلة.
ابتسمت: وأنا أيضًا أحبها.
اقترب أكثر برأسه منها: شكرًا على هديتك، أعجبتني جدًا،
عقد حاجبيه وهو يكمل: ولكني أشعر بأنها رسالة منك حتى لا أجلس عاريًا مرة أخرى.
احمرت وجنتاها وضحكت برقة وهي تهز رأسها بالإيجاب: نعم، فأنا أخاف عليك أن تصاب بالبرد.
لف ذراعه حول خصرها وشدها إليه وقال هامسًا: لأول مرة أراك ترتدين شيئا قصيرًا هكذا.
مرر ظهر سبابته على ساقها العارية، لتنتفض بخفة بين يديه وقالت بخجل: أنت من طلبت مني ذلك.
عقد حاجبيه مفكرًا: لا أذكر أني طلبت.
صمت قليلا وقال: نعم طلبت منك ألا تخرجين بشيء قصير من الغرفة، لم أطلب أن تحرميني من رؤية ساقيك الجميلتين.
ابتعدت عنه وهزت أكتافها بعدم معرفة، نظر إليها مرة أخرى وهو يتفحص كل إنش بجسدها، فقالت متبرمة: كف عن ذلك.
ضحك بخفة واقترب أكثر: عن ماذا؟
نظرت إليه: عن تفحصي بتلك الطريقة.
أدار عيناه على وجهها بتأمل: لا أستطيع، فأنت كالمغناطيس تجذبين عيناي إليك.
خفضت بصرها وهمست برقة: خالد.
همهم مجيبا وهو يستمتع بالنظر إلي وجهها الجميل فاتبعت: أريد أن أطلب منك شيئاً.
لمعت الزرقة بعينيه وقال: أنت تأمرين حبيبتي.
رفعت بصرها مرة أخرى: أريد أن نسافر.
أكمل لها بحماس: شهر عسل.
ابتسمت: أنا وأنت والطفلين وأمي وفاطمة أيضًا.
ظهرت خيبة الأمل على وجهه وردد بدهشة: الطفلين وأمك، إنه اقتراح غريب لشهر عسل.
__أنه ليس شهر عسل، أنه نزهه وسأرى أبي إذا كان سيأتي أم سيبقى هنا، ثم لقد سافرنا بشهر عسل من قبل.
تنهد ونظر إلي عينيها: سامحيني على إجباري لك على تلك الرحلة.
لمست ذقنه بهدوء وابتسمت: كانت رحلة جميلة، استمتعت بها.
أدار وجهه بعيدًا: لا تكذبين، كنت تكرهينني، وأنا أرغمك كل يوم على تقبلي بحياتك.
شدت وجهه إليها: لم أكرهك يوما، كنت مغتاظة منك، من تحكمك وتسلطك، وكنت مغتاظة من نفسي لاستجاباتي إليك، لم ارضخ لأحد يوما، لتأتي أنت وتروضني في أيام قليلة، رفضت فكرة الخضوع ولكني لم أرفضك.
تنهد وضمها إلي صدره: كل يوم كنت أقول، لن أقترب منها، فهي تكرهني، كل تصرفاتها تخبرك بذلك، كن رجلاً وابتعد عنها، يأتي الليل وأجد نفسي أذهب إليك لم أستطع أن أمنع نفسي عنك منال، سامحيني على تلك الأيام.
رفعت رأسها: لولا تلك الأيام والتي تلتها، لم أكن لأتوصل إلى ما أشعره نحوك خالد، لا بد أن أشكرك عليها.
نظر إليها ليرى مدى صدقها، ليبتسم باتساع وهو يرى الصدق والحب يلمعان بعيونها، همست بهدوء: هل سنسافر؟
هز رأسه موافقا: طبعًا، وسأقنع عمي بأن يأتي معنا.
لمست وجنته بأناملها وابتسمت بفرح: شكرا حبيبي.
سألها بصوت مبحوح: هل ستنامين بذلك الروب؟
نظرت له باستفهام فأتبع بخبث: أريد أن أرى ما تخفينه عني.
سألته بهدوء وكأنها لم تستمع إلي ما قاله: لماذا لم تتزوج؟
ظهرت الدهشة على وجهه: ماذا ؟ 
ثم أتبع بحدة: أتريدين أن أتزوج عليك؟
قالت وهي تنظر إليه بقوة والتمعت الغيرة بعينيها: لا طبعًا.
ظهر عدم الفهم بعينيه فقالت بهدوء: أسألك لماذا لم تتزوج قبل أن تتزوجني؟
هز رأسه وهو يقول: آها،
اتكأ بظهره على الفراش وقال بهدوء: لا أعلم، ولكني كلما فكرت بذلك الأمر، أتوصل بأنه النصيب
رددت بدهشة: نصيب؟
هز رأسه إيجابًا: نعم، منذ أن كبرت وأصبحت شابًا وأنا مولع بالشقراوات ذوات العيون الملونة، كان نظري يتعلق دائمًا بالشعر الأصفر ومواصفات الجسد الفرنسي وكنت أضع المواصفات الخاصة بفتاة أحلامي تشبه أمي إلي حد كبير. لابد أن تمتلك عينين رماديتين وجسد رشيق وشعر أصفر جميل، لم أهتم أبدًا بالفتيات الأخريات، وتنحى صفة مما أريدها كان ينحى الفتاه بعيدًا عن عقلي، فلا أقتنع بها إذا كانت عيناها خضراء مثلا لابد أن تكون كما تخيلتها دائمًا.
ابتسم وهو يرى نظراتها الغيورة تنظر إليه بغضب فأتبع: قابلت فتيات كثيرات يحملن تلك المواصفات ولكني لم أشعر بالراحة معهن، ثم أنا أريد الزواج وهن دائمًا يلوحن بالصداقة المفتوحة إلي الأبد، ولكني ظللت على مواصفات فتاة أحلامي ولم أغيرها، لم التفت أبدًا إلي الفتيات ذوات الأصل اللاتيني أو العربي، فهن يمتلكن مواصفات لم أفهمها في ذلك الوقت، إلي ان تزوجتك. لن أكذب وأخبرك أني كنت راضي عن ذلك، ولكن شعرت بأنه شيء مقدر علي أن أحترمه، عقلي لم يتقبل الزواج من زوجة أخي،
أتبع بصوت مخنوق: وخاصة وأنا أعلم بمقدار حبك لباسم، ولكني نحيت كل شيء في سبيل أن أرعاك وأرعى الطفلين.
نظر لها وعيناه غائمتان بالحب: ولكن مع مرور الوقت عشقت روحك منال، فلم التفت إلي شيء آخر. لم أر غير صفاتك أنت، وفتاة أحلامي ومواصفاتها ذهبت أدراج الرياح، فأحببت شعرك البني وعشقت عينيك الجميلتين بغض النظر عن لونهما، وعندما لمستك لأول مرة شعرت بسحر الشرق كما يقولون.
احمرت وجنتاها بقوة وأشاحت بنظرها بعيدًا عنه فهمس وهو يقترب منها أكثر: أنت قدري منال وأنا أعشق ذلك القدر.
تلاعب بحزام الروب بين أصابعه وهمس وهو يشدها إليه: هل تسمحين لي؟
هزت رأسها بهدوء واقتربت منه لتدفن رأسها في تجويف عنقه، شعرت به يقربها أكثر من صدره وأنفاسه الدافئة تلفح عنقها اقترب منها واحتضنها بين ذراعيه بحنان، أحنى عنقه ونظر إلي شفتيها الشهية واقترب منها ليقبلها ولكنه توقف فجأة عندما سمع صوت طرقات على باب الغرفة
كحت بحرج وابتعدت عنه وهي تشد الروب على جسدها لتغلقه جيدًا وقالت بصوت مبحوح: أنه أحمد.
ابتسم بهدوء: نعم أعلم ذلك.
أتبع بصوت عال قليلا: أدخل.
فتح الباب ليهل أحمد برأسه وهو يقول: مامي أريد أن أنام هنا الليلة.
ابتسمت بتوتر لتنظر إليه بطرف عينها فقال: تعال حبيبي، أين شقيقتك؟
نظر أحمد إلى الخارج وقال: هنا، تعالي لم يخلدا إلي النوم بعد.
دخل الطفلين فقالت بهدوء: هل حدث شيء لكما، أم تريدان أن تتدللا لا أكثر؟
ابتسمت هنا وهي تقفز بحضن خالد: نريد أن ننام هنا الليلة، اشتقنا إلى النوم بجانبكما.
اتسعت ابتسامة خالد وهو يقبلها بقوة على وجنتها: ونحن اشتقنا لكما أيضًا، تعاليا.
فتح ذراعيه ليقفز أحمد إلي جانبه، التفت إليها خالد وقال بخفوت: بدلي ملابسك لو سمحت.
هزت رأسها موافقة واتجهت إلي غرفة التبديل وهي تسمعه يسأل الطفلين: من يريد أن يستمع إلى القصة اليوم؟
وقفت بجانب باب غرفة التبديل وهي تنظر إليه والطفلين متمسكان به ويستمعان إليه في إنصات، لطالما فعل ذلك معهما، يحضنهما ويقص إحدى حكاياته الممتعة التي لا تعلم مصدرها إلي أن يغفو الطفلين ويسقطان نائمين.
ابتسمت وهي تراقبهم بهدوء، ابتسمت بامتنان وهي تفكر أنه لو والدهما فعلاً لن يتقبل موقف كهذا، بل كان على الأقل سيظهر الغضب على وجهه، سرحت بفكرها قليلاً وهي تتخيل إذا كان باسم موجودًا هل كان سيحب الطفلين ويدللهما كما يفعل خالد؟
رفعت نظرها مرة أخرى وابتسمت وهي لا تستطيع أن تتخيل وجود باسم بين الطفلين يضمهما إلي صدره ويقص عليهما بصوت حاني كما يفعل هو.
همست لنفسها: لا يوجد مثله، فهو فريد بكل أحواله.
اتجهت إلى المرآة ونظرت إلي نفسها لوت فمها بخيبة أمل، لأنه لم ير ما ارتدته له. فبعد أن تعبت لتقنع نفسها بأن تلبس ذلك القميص العاري القصير، اختربت الليلة ولم يرها
خلعت الروب ورمته على الأرض ووقفت تنظر إلى ملابسها لترتدي إحدى المنامات الحريرية المريحة، شهقت بفزع وهي تراه خلفها، ينظر إليها بطريقة غريبة ، تقدم إليها وهو يكتم أنفاسه، وينظر إليها بتفحص مثير، لمعت الزرقة بعينيه وهو يقول: مبهرة، أنت مبهرة منال.
دنا أكثر منها وشدها إلي صدره، شعرت به يقبل عنقها لتهمس بحب: خالد، الطفلين.
ضحك بخفة وسحبها إلي باب غرفة التبديل لتنظر منها: انظري إنهما يأكلان أرزًا مع الملائكة كما تقولون.
نظرت إلى الطفلين المستغرقين في النوم فأتبع: دثرتهما جيدًا وخفضت برودة المكيف أيضًا وأتيت لأرى ما ترتدينه، كنت سأموت من الفضول لو لم أحظ بفرصة أن أرى ما ترتدينه تحت ذلك الروب.
ابتسمت وقالت بخفوت: أين سننام؟ أحمد وهنا استوليا على الفراش.
ابتسم وشدها إلي داخل الغرفة مرة أخرى وأغلق بابها بهدوء، أوقفها بجانب الباب وقال آمرا: انتظري هنا.
نظرت إليه وهو يتحرك سريعا أمامها، عقدت حاجبيها وهي تراه ينزل بغطاء ثقيل ويضعه على الأرض ويرتبه كالفراش ويضع عليه وسادة كبيرة أتى بها من الخزانة نظرت إليه بدهشة: ماذا تفعل؟
ابتسم: أصنع لك فراشا لتنامي عليه.
اتسعت ابتسامتها وهي تراه يخلع قميص منامته ويستلقى على الفراش بهدوء، نظر لها بهدوء وهو يتأملها من أخمص قدميها إلي منبت شعرها وقال بصوت أجش: تعالي.
توترت في وقفتها لينهض واقفا ويقترب منها، حملها بين ذراعيه، واستلقى بها إلى الفراش وهو يهمس: أحبك منال.
نظرت إليه وهي متمسكة به وبأكتافه قويا: وأنا أحبك خالد، هل ستظلين تحبينني إلى الأبد؟ هل ستسامحينني على أي شيء حدث أو سيحدث؟
نظرت له بريبة: هل ستسافر وتتركني؟
هز رأسه نافيًا: لا حبيبتي، سأظل معك دائمًا.
ابتسمت وهي تقترب منه برأسها: وأنا سأحبك دائمًا
           ***  
ينظر إليها، يتأملها وهي تصفف شعرها وتعدله لتعقصه كما تفعل دائمًا وترفعه إلى أعلى رأسها حتى لا ينكشف من تحت غطاء رأسها قال بخفوت ودون تفكير: اتركيه.
أجفلت ورفعت عيناها لتنظر إليه مستفهمة فردد بهدوء: اتركيه، لا أفهم لماذا ترفعينه دائمًا.
ابتسمت وأكملت ما تفعله، وقفت لتتناول غطاء رأسها فقال بتذمر: إلى أين ستذهبين؟
نظرت له بتعجب من تذمره وتذكرت طفلها الحبيب عندما يتذمر، قالت بهدوء: سأذهب لأطمئن على الأولاد.
رفع حاجبه باعتراض: أصبحوا رجالاً وأنت تتعاملين معهم كالأطفال.
لفت إلي المرآة لتضع غطاء رأسها وتعدله: لم تخرج اليوم، هل أنت مريض؟
عقد حاجبيه: تريدين مني أن أخرج؟
هزت رأسها نافية: لا ولكني متعجبة من مكوثك في المنزل، فوقتك مشغول دائمًا.
رفع نظره إليها ولاحظ رجفة كتفيها، قال بهدوء آمرًا: تعالي.
نظرت له فردد ثانية: تعالي واجلسي بجانبي.
اقتربت بخطوات ثقيلة لتجلس بجانبه على الفراش، اعتدل بجلسته ونظر إليها متفحصا: انظري إلي إنعام.
رفعت عيناها فسأل بهدوء: ماذا بك؟ أشعر بأن هناك شيء تخفينه عني، شيء يؤرقك.
زفرت وقالت بنبرة هادئة قدر ما استطاعت: لا شيء.
نظر لها وهو يحاول أن يصل إلى أعماقها، اتسعت عيناه وقال بشك: لا تخبريني بأنك تفكرين بما تفوه به هذا المخبول.
عضت شفتها السفلية بتوتر ليقول بعدم تصديق والاندهاش يتجلى على وجهه: إنعام!!
هزت رأسها بتوتر " تريد أن تنكر ما قاله ولكنها لا تستطيع فقبل أن يقول أحمد ذلك كانت تشك به، كانت تشعر بذلك، فغيابه المستمر عن البيت أثار شكوكها وأدمى قلبها، حاولت أن تكذب عقلها ولكنها لم تستطع. ألم يفعلها من قبل؟ لماذا لا يفعلها الآن؟ "
رفع رأسها إليه ونظر إلي عينيها: أنت تفكرين بما قاله أحمد.
نهضت: لا عاصم.
شدها ليجلسها بجانبه وابتسم: لست متزوجًا من أخرى إنعام، لم أفعلها وأنت تصدينني، سأفعلها الآن؟ ثم هل لدي وقت لأتزوج من أخرى؟
نظرت له بشك، زفر بضيق: لا تصدقينني، أعلم ذلك، فتلك الذكرى ستظل بيننا للأبد، ولكني أقسم لك بالله، أني لست متزوجًا.
هزت رأسها بتصديق، فقال بهدوء: أخبريني هل تفوه ذلك المخبول بشيء آخر سيتسبب بحرماني من ابتسامتك تلك.
ابتسمت باتساع وفكرت بأن تشاكسه فقالت بهدوء: نعم، قال أنك تغار من وليد.
قهقه ضاحكًا: في هذه هو صادق.
نظرت له بتعجب فأتبع بابتسامة: نعم أغار عندما أراه يجلس بين ذراعيك، كم تمنيت أن أكون بمكانه.
ابتسمت بخجل، لتتعجب وهو يكمل: وأشعر بالكره لنفسي كلما رأيته وهو يحتضنك بتلك الطريقة.
اقشعر بدنها من صوته الذي حمل لها مدى كرهه لنفسه كما قال، نظرت إليه لترى وجهه الذي جسد الألم الذي يشعر به، ترقرقت الدموع بعينيها وهي تسمعه يقول: كم كرهت نفسي من أجل ما فعلته بك، كل الألم الذي عانيت به بسببي وسبب غبائي وتهوري. ركضت وراء وهم، لأجد نفسي ارتطم بحائط كبير هشمت كل شيء جميل بحياتي.
نظر إليها: وكان أغلى شيء لدي هو أنت، علاقتي بك، زواجي منك. لم أكن مقتنعًا بأني أحبك يوم زواجي منك، ولكن بعدها شعرت بأنك خُلقت من أجلي أنا. كنتِ ولا زلت ملكتي إنعام، لم أخبرك يوما، ولكني أحببتك كل يوم.
اتسعت عيناها بقوة ونظرت إلى عينيه لتتأكد من الصدق الذي حمله إليها صوته ابتسم بهدوء: لا تندهشي حبيبتي، أنا لم أفهم ذلك إلا من وقت قريب، حمّلت وليد أخطائي وكنت أعاقبه كل يوم لأنه يذكرني بما فعلته بك، ليس لأنه يذكرني بها. بل لأنه يذكرني كل يوم أراه بأني أخطأت بحقك أنت. وكان عقابي له يزداد كلما أراك تحسنين معاملته، وكأني أفكر لماذا لا تحمليه هو الذنب وترحميني منه؟ نسيت أو تناسيت أن لا ذنب له، وإني من فعلت كل شيء. كل يوم أراك تعامليه أفضل من أطفالك أشعر بالحيرة لماذا لم تلفظيه من حضنك كما فعلتي معي؟ ألا يستحق أن تغضبي منه كما تغضبي مني، ألا ترين به ماريا كما أراها به، كيف لا تنفرين منه؟
ابتسمت بألم: بل رأيتك به، رأيت وحدتك الدائمة كل يوم يكبر أمامي به، انظر إليه بعينيه الحزينتين و لامبالاته الشهيرة واستهتاره لأجده يشبهك أكثر. أردت أن أغيره ولو قليلاً عنك وكدت أن أنجح لولا ما فعته معه وإخبارك له بحقيقة زواجك من والدته.
أحنى رأسه وفرك يديه بعصبيه زفر بضيق: إنها إحدى حماقاتي.
هزت رأسها بأسى: أفقدته ثقته بنفسه عاصم وجعلته ناقمًا وحاقدًا على نفسه، لم يعد يهتم بتصرفاته. ولماذا يفعل؟ أخذ يردد لنفسه أنه حقير مهما حصل، لن يغير من الأمر شيء.
__لا اعلم كيف أصحح أخطائي إنعام، كيف أزيل ذلك الجدار الذي بنيته بيني وبينك وبيني وبين ولدي.
ابتسمت بهدوء: لا يوجد جدار بيننا عاصم.
نظر إلي عينيها وقال: بل يوجد ألف جدار إنعام، نعم غير مرئيين ولكنهم موجودين. رغم أنك تخفين عني مشاعرك، ولكني أشعر بك رغمًا عنك وعني. كم تمنيت من حينها أن أتكلم معك وأبرر موقفي حينها، منذ أن اقتحمت تلك...
أطبق شفتيه بقوة: من حينها وأنا أريد أن أفهمك وأسمعك أنها كانت نزوة. تشاجرت معها يومها بسببك لأنها تكلمت عنك بشكل لم يرضيني، وعندما التففت حولي ولم أجدك ركضت صاعدًا ورائك ووقفت أمام باب غرفتنا فيما يقارب الساعة. لم استطع الدخول جبنت من مواجهتك، شعرت بالخزي من نفسي فهربت من رؤية عينيك. وجدتني اتصل بوالدتك وقصصت لها ما حدث وطلبت منها المجيء. لم اهتم بموقفها ولا موقف والدك، كل همي كان أن تأتي وتطمئني عنك. عندما رأيتك وأنت خارجة من البيت علمت حينها أنها ستكون النهاية، فوالدك اسمعني ما أكره يومها واخبرني أني لن أشم رائحتك مرة أخرى. لم أتألم لما قاله كما تألمت وأنا أراك وأرى دموعك المنسابة على وجنتيك، كنت أريد أن أركض وأضمك إلى صدري، أعتذر منك وأخبرك بمدى أسفي. ولكني لم أستطيع كما لم أستطع في الأيام التي تلتها أن أطلب رؤيتك رغم وجودي كل يوم خارج فيلتكم وقضائي الليل أنظر إلى نافذتك متمنيًا رؤيتك. حتى عندما طردني والدك من بيتكم لم أغضب، ولكني شعرت بالغضب يعصف بي وأنا أراك تبكين من نافذتك. علمت حينها، أني خسرتك وخسرت حبك لي. ركضت وراء ماريا لأعود بصبي ظل يذكرني بخسارتي الدائمة لك. كنت أوهم نفسي حينها أنها تفعل ذلك من أجلي ولكنها هي الأخرى صفعتني بكراهيتها لي ورمت لي بالذكرى الوحيدة التي تربطنا معًا. عدت من رحلتي وأنا اشعر بوحدة أكثر بكثير من وحدتي الدائمة. أمعنت في عقابي وكنت أعذرك ولكني لم أفهم يومًا لماذا تحبين ذلك الوليد الذي كان السبب في كل شيء؟ فلولاه لما أتت ماريا ولما عرفت شيء عن علاقاتي بها. ولولاه لما خسرتك أبدًا، لكنتِ إلي الآن تنظرين إلي بتلك النظرة التي تذيب أطرافي. تلك النظرات الولهة التي تشعرني بقيمتي.
رفع نظره إليها ليجد الدموع تغشي عينيها، اقترب منها بهدوء وهمس: لا تبكين. أكثر ما يعذبني دموعك، آسف على كل ما فعلت إذا كان الأسف يفيد الآن.
ركنت جبهتها على كتفه ليضمها إلي صدره بحنان جم: اغفري لي إنعام، سامحيني حبيبتي.
هم بتقبيل رأسها، لينتفض على صوت باب الغرفة وهو يُفتح: أمي أين اللوحة التي كانت بجانب الدولاب؟
نظر له بغضب شع من عينيه ليتراجع وليد ووجهه يتغير لونه للأحمر القاني، قال بتلعثم: آسف، المعذرة لم أقصد، أحمد أخبرني أنك خرجت.
زغر له بقوة وقال من بين أسنانه: اخرج الآن وتعلم أن تطرق الباب في المرة القادمة.
رفعت وجهها بعد خروج وليد من الغرفة وهي تبتسم وقالت بعتب: لماذا طردته يا عاصم؟
نظر لها بغضب: ولماذا يدخل بتلك الطريقة؟ وما تلك اللوحة التي يسأل عنها؟
اتسعت ابتسامتها: أنها لوحة الفتاه التي ملكت قلب ولدك.
نظر لها ولم يستطع أن يخفي الحماس من صوته: هل سيتزوج أخيرًا ويكف عما يفعله؟
هزت رأسها نافية ليتبع بغضب: هل هي إحدى نزواته؟
أجابت بسرعة: لا يا عاصم، أنه يحب تلك الفتاه ويريد الزواج منها.
قال بحيرة: لا أفهمك إنعام.
تنحنحت وقالت بهدوء: الفتاه خُطبت منذ فترة بسيطة، لأن ولدك يشبهك في كل شيء لدرجة أنه جبن أن يخبر الفتاه عن حبه لها رغم أنها صديقته منذ فترة طويلة جدًا.
هز رأسه بأسى: غبي.
اقتربت منه: ولكني متأكدة أنها ستترك خطيبها فهي تحب وليد، سارع في حل مشكلته وسأجبره على التقدم لها.
نظر لها بحيرة: كيف سيتقدم لفتاه على وشك الزواج؟
هزت رأسها بتأكيد: إذا اخبرها بأنه سيتزوجها ستترك الآخر من أجله.
نظر لها بتفحص: من تلك الفتاه؟
ابتسمت مطمئنة: لا تقلق أنها فتاه جيدة، من عائلة راقية والدها مستشار ووالدتها من سيدات المجتمع الراقي، وهي كانت زميلة وليد في الجامعة.
ظهر الإعجاب على وجهه ومط شفتيه: لقد أحسن الاختيار إذًا !!
تنهد وأتبع: سأخلصه من ورطته بأسرع وقت على شرط أن يتزوج بعدها على الفور، سواء تلك الفتاه أو أي فتاه أخرى.
نظرت له بعتب: عاصم لم يعد صغيرًا ليفعل ما ستأمره به.
قال بقوة: اسمعي إنعام، مركزي الآن لن يتحمل نزوات أبنائك، ثم إن الاثنين في منتصف الثلاثينات وآن لهما أن يستقرا وينجبا لنا الأحفاد.
عقدت حاجبيها: أنت تتكلم عن وائل أيضًا.
هز رأسه مؤكدا: نعم ابحثي له عن عروس تناسبه هو الآخر واخبريهما أن هذا الأمر سيفعلانه برضاهما أو رغمًا عنهما.
وقف ليتحرك إلي دورة المياه فاتبعته هي بنظرها وهي متعجبة من إصراره الآن على تزويج الولدين، وخاصة وائل. فلطالما ألحت عليه في ذلك الأمر وكان يخبرها أن تتركه على راحته فكرت " من المؤكد أنه سمع شيء عنه ولذلك مصر على تزويجه "
هي في كل الأحوال فرحة بذلك التطور، فهي في أول الأمر وآخره ستطمئن على أطفالها.
تمتمت بهدوء: حسنًا عاصم، سأفعل ما تريده.
       ***
أسرع خارجا من الغرفة وهو يسب ويلعن احمد الذي وضعه في موقف لا يحسد عليه، فوجئ به واقفًا أمامه فقال بغضب: أنت أيها الغبي.
دُهش أحمد من غضبه: ماذا بك؟ لماذا وجهك محمر هكذا؟
قال بقوة: وجدت أبي بالداخل أيها الغبي، لولا حملك لطفلتك لكنت أوسعتك ضربًا.
هز أحمد رأسه بعدم فهم: لا أفهم سر غضبك وليد، أنت سألت عن أمي وأنا أخبرتك أنها بغرفتها.
جز وليد على أسنانه: نعم وتطوعت وأخبرتني أن أبي غير موجود الآن، فذهبت لأمي ووجدته بالداخل.
نظر له أحمد بدهشة ثم انفجر ضاحكا على وجه وليد الحانق: لا تخبرني أنك رأيت ما لا يجب أن تراه.
صاح بغضب: أحمد.
قهقه أحمد ضاحكًا: أنها غلطتك يا أخي العزيز، فأنت لم تطرق الباب. ثم لماذا أنت غاضب هكذا؟ أنه سبق، أن ترى لحظة حب بين سيادة الوزير وأمي.
أتبع وهو يكشر بوجهه: إنهما رسميان دائمًا، ومحافظان وهذا أمر لا أفهمه.
ابتسم وليد: أنت كارثة يا ولد،
أتبع باستهزاء: تريد والدك سيادة الوزير المحترم أن يغازل أمي في العلن.
هز أحمد رأسه بضيق: لا طبعًا، ولكني أشعر بغرابة الأمر في بعض الأحيان، فلم المحهما مرة يضحكان أو يتهامسان، طريقة تعاملهما غريبة بعض الشيء. ليسا كخالتي وزوجها.
ضحك وليد بقوة: تشبه أبانا العزيز بحميك أحمد، لقد جننت رسميًا. فيوم أن يبتسم والدك لابد أن يعلنوه إجازة رسمية للبلاد، تشبه بزوج خالتك المنطلق في تعبيره عن حبه الدائم لخالتك العزيزة.
ضحك أحمد: معك حق.
ناوله جنى وقال بخفوت: هلا اهتممت بها قليلا؟
هز وليد رأسه وقال بهمس ضاحك: تذكر خدماتي تلك حتى تردها في المستقبل.
ابتسم أحمد باتساع: لا تقلق، سأتذكر.
حمل جنى بين يديه وهو يتكلم معها بخفة ويبتسم على ابتسامتها الجميلة دخل إلى غرفته وأضاء المصباح وهو يقول لها: تعالي يا صغيرتي لنبحث عن صورة ياسمينتي الغالية. وضعها على أرض الغرفة لتنطلق زحفا في الغرفة وتبدأ باستكشافها
ابتسم وهو يراها تحاول الوقوف مستندة بيديها على الفراش وتتحرك خطوتين بمفردها لتقع جالسة، اتسعت ابتسامته ثم التفت ليرى مكان اللوحة فارغًا هز رأسه وهو يفكر: أين ستكون موجودة؟
التفت لينظر إلي جنى وقال بطفولية: ما رأيك يا جنى أين ستكون اللوحة؟
اتسعت عيناه وهو يبحث بهما عن جنى التي اختفت فجأة من الغرفة نظر إلى باب غرفته فوجده مغلقًا. أدار رأسه يبحث عنها من جديد ونادى بهدوء: جنى أين أنت يا بنت؟
وقع نظره على الباب الفاصل بين غرفته وغرفة وائل موارب قليلا، ليشتم بصوت منخفض وهو يرجو ألا تكون دخلت إلي هناك.
كح بهدوء واتجه في خطوات سريعة إلي غرفة أخيه وهو يشعر بالتوتر من مقابلة أخيه مرة أخرى
فتح الباب بهدوء ونادى: جنى.
سمع مناغاتها ليبتسم ويضع يده على مفتاح المصباح فيضيء الغرفة ويتجمد وهو يرى انزعاج أخيه من النور، أخيه المستلقي على الفراش وجنى بجانبه.
      ***
__لولو أين أنت؟
خرجت من دورة المياه وهي تنشف يديها وتقول بهدوء: هنا أحمد.
ابتسم وهو يراها ليتنهد عندما وجدها تخفض عينيها عنه
قال بهدوء: تعالي، أريد أن أتكلم معك.
اقتربت بتوتر وجلست بجانبه ليضمها بذراعه إلي صدره: لماذا تخفضين عينيك عني؟
ابتعدت عنه وهزت رأسه نافيه: لا شيء.
سألته وهي تنظر أمامها: أين جنى؟
اتكئ بظهره إلى الأريكة وفرد ذراعيه: مع عمها، طلبت من وليد الاعتناء بها قليلاً.
اقترب بخفة وأحاطها بذراعيه وهو يقربها منه ويهمس: لأستطيع أنا الاعتناء بك.
تورد خداها ليسأل بخفوت: أخبريني ما الذي يضايقك؟
همت بالرد ليكمل سريعًا: ولا تخبريني أنك بخير، فأنا أشعر بك وأفهمك أكثر من نفسي.
نظرت له والدموع متجمعة بعينيها ليظهر الانزعاج على وجهه: ولاء أنت تفكرين بما حدث اليوم مع وائل.
أشاحت بعينيها بعيدًا عنه فربت على رأسها: تكلمي معي ولاء.
ازدردت لعابها: اسمع أحمد، وائل يعاملني سيئا، وأنت تعلم ذلك جيدًا ولكني لم احتمل أن يشكك بي اليوم.
قال سريعًا: لم يشكك بك، أنه يريد الإيقاع بيني وبين وليد،
ثم تنهد بحنق: لا أفهم ما بينهما ولكنه بكل تأكيد لم يكن يريد الإساءة لك.
صاحت بغضب: ولماذا يدخلني بالمنتصف بينكم؟ لا ذنب لي فيما يدور بينه وبين وليد.
نظر لها مليًا وقال بهدوء: لا تخافي ولاء، لن أنصت لذلك الهراء ولن يؤثر علي.
جفلت والتفتت إليه، فابتسم: أعلم أن ما يضايقك ليس ما قاله وائل، وإنما تفكيرك في أثر الكلمات علي.
انسابت دموعها فأسرع إليها وضمها بحب: لن أعرفك اليوم لولو، ولن أشك في أخي بعد كل هذا العمر.
أكمل مازحًا: ثم إني أعلم جيًدا أنك تذوبين في هواي.
ضحكت بخفة وقالت: مغرور.
ضمها أكثر له: يحق لي، فأجمل فتاه على وجه الأرض تحبني.
نظرت له حب جم فقال بخبث صبياني: لماذا نضيع الوقت في كل هذه الهراء
هل تخلصت من جنى بحق الله لأتكلم عن وائل؟
ضحكت بصخب وقالت ببراءة أتقنتها: من أجل ماذا إذًا تخلصت من ابنتنا العزيزة؟
لف ذراعه حول أكتافها: تعالي، سأخبرك.
            ***
تنحنح بارتباك: المعذرة، أتيت لأخذ جنى.
نظر وائل للطفلة الصغيرة التي تلعب بهاتفه وتحاول جاهدة أن تدخله بفمها
ابتسم بحنان وأبعده عن متناول فمها لتناغي غاضبة وتبدأ بخبط الهاتف في الفراش.
اتركها.
رمش وليد بعينيه ونظر جيدًا له وهم بالمغادرة ليعود ويقول بهدوء: ما بك؟
رفع عينيه ونظر إليه طويلا وكأنه يخبره عما يريد، نطق أخيرًا: لا شيء.
هز وليد رأسه وقال بهدوء: إذا ضايقتك نادي علي، سأترك هذا الباب مفتوحًا حتى إذا أرادت هي التنقل بين الغرفتين.
هز رأسه موافقًا: اتركه مفتوحا، وهي لن تضايقني، اشتقت إليها كثيرًا.
ضم جنى إلي صدره لتضربه بالهاتف وهي تلعب، تأوه بقوة ومسد وجنته وهو يضحك: أيتها الشقية
ضحك وليد لينظر إليه الآخر ويقول بهدوء: اجلس إذا كنت تريد أن تتأكد إني سأعتني بها كما ينبغي.
عقد وليد حاجبيه فأكمل وائل: لا تنسى أني عمها  شقيق والدها ، لن تخاف عليها أكثر مني.
لمع الغضب بعيني وليد وجز على أسنانه وآثر ألا يرد عليه فهو لا يريد مشاجرة أخرى اليوم غادر وهو يهز رأسه بحنق من أخيه الغبي الذي لن يتغير أبدًا.
  ***
واقف بجوار مهندس الديكور الذي يرفع مقاسات الغرفتين اللتان اختارهما هو لتصبحا مسكنًا لزوجته وطفله بعد أن قرر أنه لن يتخلى عن طفله مهما حدث، حتى إذا أدى هذا إلي محاربة عائلته بأكملها.
قال المهندس: انتهينا يا هشام بك.
هز رأسه برضا وقال: متى ستنتهي من العمل؟
هز المهندس رأسه: في خلال شهر.
أسرع هشام: كثير يا باش مهندس، أريد الغرف جاهزة خلال أسبوع.
ابتسم المهندس بتوتر: أنه لوقت محدود، وأنا لدي أعمال أخرى.
ابتسم هشام بمهنية: أعلم ولكني أريدك ان تعتني بي قليلاً.
تنهد المهندس وقال: لن يكون قبل أسبوعين مع الأسف، هذا أقرب موعد أستطيع تسليمك به العمل.
هز رأسه هشام بحماس: على خيرة الله ولا تهتم بالنقود. أنا أريد أفخر وأجمل الأشياء.
ابتسم المهندس وهو يسير بجانبه إلي باب الشقة: حسنا لا تقلق، سيعجبك العمل بإذن الله.
صافحة هشام بود: أشكرك يا باش مهندس، إلي اللقاء.
أغلق الباب خلفه لينتفض على صوت أمه وهي تسأل بانزعاج: ماذا يحدث بالضبط هشام؟
تنهد ولف لها بهدوء وهو يفكر أنها لابد أن تعلم بمستجدات الأمور.
نظر لها وهم بالتحدث لتصيح هي غاضبة: هل ما زلت مصرًا على الزواج من ياسمين.
جز على أسنانه وقال بهدوء وهو ينظر إلي ساعته: اسمعي أمي، الآن لدي موعد هام، سآتي لك عصرًا وسنذهب في أمر هام، أرجو أن تكوني جاهزة.
غادر سريعًا ليتركها وراءه في دهشة كبيرة من أمر ابنها التي باتت لا تفهمه.
      ***
دخل إلي مكتبه في الصباح ليبتسم إلي سكرتيرته الخاصة التي ابتسمت بدورها ووقفت لتلقي عليه تحية الصباح: صباح الخير
__صباح النور أسماء، كيف حالك اليوم؟
هزت رأسها بامتنان: بخير سيدي،
اتبعته وهي تقول: مكتب الوزير عاصم الجمال اتصل بك أكثر من مرة البارحة واليوم أيضًا.
نظر إلي ساعته وعقد حاجبيه في توتر والتفت إليها: لماذا؟
هزت كتفيها بمعنى لا أعرف: مدير مكتبه لم يخبرني عن شيء، ولكنه أكد أن أبلغك أنه يريدك في أمر هام.
ظهر التوتر على وجهه ولكنه قال بهدوء: حسنًا، سأتصل أنا بهم.
هم بالدخول لتقول سريعًا: الآنسة سوزان ابنة عمة سيادتك تنتظرك بالداخل.
لف لها والدهشة مسيطرة على وجهه، لمعت عيناه بفرحة حقيقية: حسنًا احضري لنا كوبين من القهوة من فضلك.
دخل إلي المكتب وهو يبتسم بسعادة: ما هذا الصباح السعيد والنهار النادي؟
تجمدت الابتسامة على شفتيه وهو ينظر إليها بوجهها المنتفخ وعيونها المتورمة من أثر البكاء لينتفض بقوة وهي ترتمي بحضنه وتبكي بقوة وتقول: انجدني بلال أنا في مصيبة.
      ***


سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن