الفصل الرابع والعشرون

5.3K 146 3
                                    

جلست بإحدى المقاهي المنتشرة بصالة المطار ، تحتسي كوبًا من القهوة إلى أن تهبط طائرة والدها ، تتنفس بعمق وهي تفكر فيما حدث اليوم ، تشعر بفرح عارم يحيط بها ، تتذكر أحداث يومها السعيد من أوله إلى الآن
ابتسمت وهي تتذكر حديث إنعام هانم لها لم تفهمه حينها لكن الآن تستطيع تجميع الخيوط جيدًا
تذكرت تلك السيدة الوقور وهي تطلب منها بهدوء أن تأتي معها لترى حديقة الورود الواقعة خلف القصر ورغم أنها شعرت بتوتر وليد وأنه يتمنى أن يعترض إلا أنها لم تبد أي اهتمام ونهضت بهدوء وسارت بجنبها لتسألها إنعام هانم " أخبريني ياسمين عن خططك المستقبلية "
ابتسمت ياسمين : لا شيء معين يدور برأسي الآن ، غير أني أريد الاهتمام أكثر بالجاليري فقد أهملته الفترة الماضية .
هزت السيدة رأسها بتفهم وقالت : لا تتخلين عن عملك ومستقبلك .
عقدت ياسمين حاجبيها بتعجب لتبتسم بتوتر : لا أنوي هذا بالفعل .
ابتسمت السيدة وقالت : اسمعي بنيتي ، وليد أغلى أبنائي هو وكل ما يخصه مميزًا بالنسبة لي ، وعلى الرغم من أنه حساس وعاطفي ، إلا أن هذا لا يجعلني أغمض عيناي عن عيوبه ولذا سأخبرك بأمر ما .
شعرت بالقلق يغزو معدتها فتنبهت حواسها رغمًا عنها وارهفت سماعها لتلك السيدة الوقور ، أتبعت إنعام هانم : وليد يحبك منذ سنوات طويلة ، ورغم أنك كنتِ أغلى أحلامه وطموحه فأنت الوحيدة التي جعلته يغير مسار حياته بأكمله وأن يعود للطريق السليم إلا أن من رأيي أن تجعليه يشعر بقيمتك الفعلية
وقفت لتنظر لها واكملت : أنا فعلت معه كل شيء ليكون كما تخيلت وحلمت ورغم ذلك مع أول ازمة بحياته تحول للنقيض تمامًا ، فلا تفعلي مثلي .
هزت ياسمين رأسها بعدم فهم : دقيقة واحدة لا أفهم ما الذي لا أفعله مثلك .
ابتسمت السيدة بغموض : ولدي يحتاج إلى تربية جديدة من نوعها ، للأسف أنا لن أستطيع فعلها وأنت الوحيدة القادرة على تقويمه واصلاحه
ابتسمت  وهي ترى وجه ياسمين وعليه امارت التفكير العميق وهمست : لابد أن تتوصلي لطريقة آمنة تجعله لا يعود إلى الطريق القديم .
نظرت لها ياسمين وعيناها تلمعان بابتسامه شقيه فهمست السيدة إنعام بخفة : اجعليه لا يستطيع أن يحول نظره بعيدًا عنك .
اتسعت ابتسامتها وهي تفكر  أنها بدأت أول خطوة في هذا الطريق فاقتراح أن يكف عن رؤيتها وهي بحكم خطيبته سيجعله يجن واشتياقه لها يزداد
هزت رأسها بسعادة وهي تشكر إنعام هانم في سرها ، تنهدت وهي تفكر في تلك الأم الحنون العطوف التي لم تتنصل من وليد على الرغم أنها متأكدة أن وجوده بحياتها لم يكن سهل عليها تقبله وأن رؤيتها المستمرة له تركت جرح عميق في روحها ولكنها تعالت على كل شيء وتعاملت معه وكأنه أحد أبنائها
تمتمت " سيدة عظيمة بحق "
دوى الصوت حولها يعلن عن هبوط الطائرة الأتية من لندن لتنهض هي وتتجه في خطوات متمهلة لتستقبل أباها وهي تفكر في الخطوة التالية لها مع حبيب قلبها وليد .

       *****
نظرت إلى شقيقتها النائمة بفراشها ، تأملت ملامحها الشاحبة وعيناها المجهدتان من كثرة الدموع ، شعرت بالشفقة عليها فتلك ليس منال التي طالما نظرت إليها بإعجاب دفين لم تظهره أبدًا !
فمنال دائمًا كانت قوية وصلبه حتى في أضعف مواقفها كانت تظهر القوة فقط ، ولكن كل هذا اختفى بظهور خالد ، فخالد يجعل أقوى الرجال بجانبه يظهر ضعيف ، كانت تشعر بالصراع الدائر بينهما ولكنها لم تحاول أن تتدخل يومًا ، فحينها كانت تؤمن  أن منال من هواة السيطرة على البشر، وتريد أن تسيطر على خالد وهذا أصعب مما تتخيله ،
تنفست بقوة وهي تؤنب نفسها على أسلوب تفكيرها الضحل ، لم تدرك وقتها ذلك الصراع الذي تعيشه شقيقتها ، فخالد استحوذ على حياتها كلها والآن من الواضح أنه يريد أن يتركها
أغمضت عيناها وهي تتذكر ما حدث منذ ساعات قليلة ....
فحينما أتى لخالد الاتصال ونظرت إلي وجهه لتجد الغضب يحتل جميع ملامحه واندفع صاعدًا إلي الأعلى ، رغمًا عنها شعرت بالخوف على شقيقتها ، صعدت خلفه سريعًا ولكنها التزمت بقواعد الذوق العام ولم تدخل خلفه إلي الغرفة وظلت تتحرك أمام باب الغرفة في توتر ، وهي تشعر بالخوف مما هو قادم
وقفت ثابته وهي تسمع صياحهما الاثنان ، لم تتبين فحو الكلمات الدائرة بينهما وشعرت بالتأهب وهي ترى خالد يخرج سريعًا واتسعت عيناها رعبًا وهي ترى حامل الأسلحة المعلق بكتفيه ويرتدي سترته وهو ينزل سريعًا ، بعدها اندفعت منال خلفه وهي تنادي عليه بكل قوتها
لتتحرك هي سريعًا وهي ترى أنها تتعثر في خطواتها وتهوى ساقطة
حمدت ربها مرة أخرى أنها استطاعت اللحاق بها قبل أن تسقط من السلم ويحدث لها أو للطفلين شيئًا .
مسدت شعرها مرة أخرى بحنان وهي تتصل به للمرة الألف من هاتفها لتطمئن عليه ، زفرت بحنق وهي تسمع الرسالة المسجلة بأن الهاتف مغلق
تمتمت بغضب : تبًا لك خالد . تبًا لك .

        ****                 

دلف من باب القصر بخطوات خفيفة طائرة ، اليوم هو ولد من جديد ، اليوم فقط هو أصبح وليد جديد ، ابتسم بسعادة " وليد جديد ولد على يديها هي فقط "
أمسك هاتفه وعبث بأزراره ليكتب لها رساله سريعة " أحبك ياسمينتي  "
ضغط على زر الإرسال واتجه في خطوات قوية واثقة إلى غرفة مكتب أبيه
فهو سأل طاقم الحراسة في الخارج وأخبروه أنه موجود ، وبمَ أن نور مكتبه مضاء إذًا فهو هنا .
وقف أمام باب المكتب وهم بأن يطرق الباب حينما سمع صوت أبيه الغاضب " ما هذا الهراء ؟ لن أسمح لك بفعل ذلك "
صعد صوت وائل الواثق دائمًا يقول بهدوء كعادته " أبي أرجوك أريد أن أغادر وأنت تشعر بالرضى ، لا أريد أن أفعل أي شيء لا تريده أنت "
عقد حاجبيه بدون فهم وسمع صوت أبيه يقول بغضب مرة أخرى " وأنا لست راضيًا على مغادرتك وائل "
زفر وائل بضيق وقال "  لن أخهاجر أبي أنا مسافر إلى الإسكندرية فرع الشركة هناك يريد من يتحمل مسئوليته وأنت أكثر من يعلم هذا "
صمت سيادة الوزير فاتبع وائل " أرجوك أبي أنا أريد فرصة أخرى لحياة جديدة غير تلك التي أحياها "
شعر أنه يجب له أن يتدخل فطرق الباب بطرقات قوية وقبل أن يسمع أباه يؤمره بالدخول ، كان يتوسط الغرفة ويقول بهدوء : مساء الخير .
نقل نظره بين الاثنين وائل الواقف بجانب المكتب وأباه الجالس على كرسيه العتيد خلف المكتب
نطق وائل بهدوء : مساء النور .
ابتسم سيادة الوزير : مساء النور وليد ، كيف حالك ؟
ابتسم بهدوء : بخير حال أبي .
نطق وائل سريعًا : حسنًا بابا سامر عليك غدًا قبل سفري .
هم بالتحرك فقال وليد بهدوء : انتظر وائل أريد أن تكون موجودًا وأنا أخبر أبي بما لدي .
نظر إلي عينا أخيه وهز رأسه مؤكدا ، ليبتسم الآخر بسخرية وهمس من بين أسنانه
" مبارك أخي "
قال الاب : ماذا تقول وائل ؟
هز رأسه نافيًا : لا شيء أبي.
ابتسم وليد وقال : أنه يبارك لي بابا ، فأنا قررت الزواج .
نهض الأب واقفا وقال وهو يتقدم منه ليأخذه  بين ذراعيه : مبروك بني ، قرار حكيم وليد .
شعر وليد بدهشه عارمة وهو يشعر بدفء أحضان والده لأول مرة منذ أن أصبح شابًا ، رفع نظره بعدم فهم لأخيه ليبتسم الآخر بتلقائيه على ملامحه المرتبكة
ابتسم بهدوء مسيطرًا على تلك المشاعر التي تغزوه وقال بنبرة خفيضة : الله يبارك فيك بابا .
قال سيادة الوزير بسعادة تجلت في صوته : أخبرني أنها تلك الفتاه التي أخبرتني والدتك عنها
هز وليد رأسه بالإيجاب ، ليتبع والده : جيد جدًا ، أنها فتاه رائعة عائلتها محترمة نعم أباها ليس من العائلات ذات الأصل ارستقراطي ولكن عائلة والدتها عائلة عريقة .
لوى وليد شفتيه بملل وقال : أباها مستشار ذو سمعة طيبة وأخلاق عالية أبي .
هز الوزير رأسه : نعم نعم أعرفه تقابلت معه أكثر من مرة ، وأنا مرحب بتلك الزيجة .
تنفس وليد بارتياح وقال : حسنًا أنا طلبت تحديد موعد مع والدها لنذهب إليه .
ابتسم الوزير وربت على كتفه : خير ما فعلت ، أبلغني به وسألغي مواعيدي وأذهب معك .
قال وليد بتهكم غير مقصود : ستلغي مواعيدك من أجلي .
تنبه على ما تفوه به ورأى نظرة وائل المحذرة فعض على شفتيه ندمًا. 
نظر له والده مليا وابتسم بوقار وقال : من أجلك أترك الدنيا كلها بني .
احتقنت  أذناه بقوة وشعر ببلاهة تخيم على عقله ، تبادل النظرات بينه وبين أخاه الذي شعر أنه يكتم ضحكته ، تمتم بهدوء : شكرًا بابا .
تحرك خارجًا من الغرفة وهو يقول : حسنًا أبي تصبح على خير .
تحرك وائل معه وهو يردد هو الآخر بتحية المساء ، أغلق الباب خلفه وصعد السلم بخطوات سريعة وهو يشعر بأخيه خلفه ، توقف وانتظره لينفجر الآخر بالضحك عندما نظر إليه .
ابتسم وليد وهو يتأمله مليًا وتلك الضحكة الغائبة عن عينيه ، تلمع بهما من جديد
انتبه وائل على نظراته فتنحنح بخفة وقال بحدة : علام تنظر أنت ؟
ابتسم وليد : سعيد بأنك بدأت باستعادة نفسك .
توترت ملامح وائل فأتبع وليد مغيرًا للموضوع وبصوت خافت : هل جن أبيك ؟
ضحك وائل بقوة مرة أخرى وقال : من الواضح .
ضحك وليد بقوة معه وقال بسخرية أليمة : لم أعتاد منه على تلك المعاملة البشرية .
ابتسم وائل وقال : تدرب فإنه منذ الآن سيتعامل معك باختلاف منقطع النظير .
عقد وليد حاجبية بعدم فهم وقال : لماذا ؟
تحرك وائل باتجاه غرفته وهو يشيح بيده : لأنه لم يكن يتخيل بتاتًا أنك ستأخذ قرار الزواج ، الآن هو يشعر براحة عارمة لأنك ستكف عن عربدتك وستسلك الطريق المستقيم لآخر يوم بحياتك .
ابتسم وليد وتبعه بتلقائية : وأنت ألن تتزوج ؟
التفت إليه الآخر بحدة وقال بلهجة باردة قاطعة : لا قطعًا لا .
نظر له وليد مليًا وقال بهدوء : لا تدع عثرة واحدة تؤثر على حياتك وائل، اتركها تمضي بحلوها ومرها وتعلم منها ولكن ما تفعله بنفسك خاطئ مائة بالمائة .
ابتسم وائل بسخرية وقال بأسلوب درامي : انظر من يتكلم ، لا أصدق عيناي ، أصبحت فيلسوف الآن وتنصحني أيضًا .
ابتسم وليد بهدوء : توقف عن مبالغة الأداء تلك فهي لن تعود عليك بفائدة ، وأنا لن أهرب كالسابق وأتركك وشأنك ، سأظل هنا إلي أن أفهم ما يحدث معك .
نظر له الآخر طويلا وفتح شفتيه ليطبقها مرة أخرى ثم زفر بقوة وقال في يأس : لا يحدث شيء ، لا يحدث شيء أبدًا !!
ابتسم بألم وأتبع وهو يغتصب ابتسامة خرجت هزيلة ومشوهه : دعك مني وأخبرني عما يحدث معك أنت .
ابتسم وليد وهو يشعر بالأسى عليه ولكنه سيجاريه الآن حتى لا يبعده عنه يريد أن يظل بقربه إلي أن يبوح أخيه بما يحدث معه يعلم جيدًا أنه سيخبره ولكن في الوقت الذي يشعر به الآخر أنه مناسبًا  هز رأسه بتمثيل وقال والفرح يلتمع بعينيه : ما يحدث معي مهول .
ضحك الآخر فأتبع وليد : تعال لأزف لهم البشرى الجديدة ولنسهر معهم الليلة ، أنا متأكد أن يوجد لدى موني برنامج للسهرة متجدد كل يوم .
ابتسم وائل وهز رأسه موافقا : وأنا الآخر سأخبرهم بخبر سفري .
نظر له وليد بتمعن : أنت مصمم إذًا .
هز الآخر رأسه بتأكيد، أتبع وليد : ظننت أنك ستتراجع عن قرار السفر عندما تعلم بزواجي وأني سأريحك من رؤيتي إلي الأبد
ابتسم الآخر ساخرًا : قرار ابتعادي ليس بسببك .
نظر له وليد يحثه على المتابعة فاكمل الآخر بسخرية : طبعًا أنت أحد أسبابه ولكني أحتاج أن أبتعد لفترة .
قال وليد بضيق : لن تأتي معي لمقابلة والد ياسمين .
ابتلع الآخر غصة تكونت في حلقه وابتسم بهدوء مخفيًا ما يشعر به من حزن : أعتقد أني لن أستطيع العودة في وقت قريب ولكني سأحضر حفل الزفاف بإذن الله .
نظر له وليد مليًا فأتبع : لا تقلق سأكون بجوارك قبل يوم الزفاف إن شاء الله .
ابتسم وليد وهز رأسه وقال : إذا كان هذا سيريحك فلا مانع عندي .
ابتسم وائل وهز رأسه وهمس داخليًا " ليتني أشعر بالراحة أخي أنا أبتهل كل يوم أن أحظى ببعض منها "
رفع رأسه قليلا ليستطيع استعادة ابتسامته  و يرسمها بإتقان وهو يدلف خلف أخيه إلي الغرفة وهو يستمع ويحاول أن يستمتع بتلك الصيحات الفرحة والمباركات المتطايرة ولكن للأسف الحزن يقبع بداخله ولا يستطيع الفرار منه !!
         ***               
تشعر بخجل طاغي وهي تقابل نظرات والدها الغير مفهومة بالنسبة إليها
ابتسمت والدتها وقالت بوقار محاولة أن تخف من توتر ابنتها الظاهر للعيان :حسنًا هو ابن الوزير عاصم الجمال .
هزت رأسها بالإيجاب وهي تخفض نظرها بعيدًا عن عيني أباها ، نظرت له والدتها وهمست : كف عن ذلك ابنتك تذوب خجلاً .
ابتسم سيادة المستشار وقال : حسنًا بنيتي أخبريه أن يشرفنا بحضوره أخر الأسبوع
قفزت واقفة وهي تصيح فرحة : حقًا بابا !
ابتسم بسعادة وهو ينظر إليها : نعم ، سأفعل أي شيء يسعدك ياسمين .
اتسعت ابتسامة ياسمين وانحنت تقبل خديه : الله لا يحرمني منك بابا ،بعد اذنكم .
اتجهت إلي غرفتها وهو يتبعها بنظره ويبتسم على انطلاقتها التي يشعر بها طبيعية بشده عكس المرة الماضية التي شعر أنها توافق بضرر على تلك الزيجة ، تمنى حينها أنه هو من رفض هشام وليس هي .
تنفس بقوة وانتبه من أفكاره على يدها التي ربتت على يده وقالت : لا تقلق ستعيش سعيدة معه حتى لو كان ممتلئًا بالعيوب فهي تحبه .
احمر وجهه بقوة وعقد حاجبيه بضيق فابتسمت هي وقالت وهي تضع سبابتها على تلك العقدة وتقول : كامل أنت متفتح بما فيه الكفاية فلم تشعر بالضيق من ذكر أن ابنتك ستتزوج بمن تحب .
هز رأسه في ضيق وظهر في عينيه رفض تام لمتابعة ذلك الحوار فأتبعت وهي تبتسم وتنزل على رغبته التي قرأتها بوضوح في عينيه وقالت : ما اخبار ابنتك الأخرى ؟
تنفس بقوة وقال :بخير ، أفضل بكثير مما مضى .
تهدلت ملامحه بحزن وهو يتبع : كم أشقتني رؤيتها ، فهي سعيدة بينهم ، لمت نفسي كثيرًا على ما فعلته سابقًا ،
تمتم بخفوت وأسى : ليتني ما فعلته .
ابتسمت هي بألم وقالت : ما حدث قد حدث وانتهى كامل ، وتذكر أنه مشيئة الله ، فهو من قدر أن تربى ليلى هنا أمام عيناك وداخل كنفك فأنت عوضتها عن حنان والدها رحمة الله عليه .
أتبعت بألم : نعم لم أكن نعم الأم لها ولكني لم أكرهها يوما ، لن أكذب وأخبرك أني لم أكن أشعر بالضيق من رؤيتها ، بل كنت أختنق من رؤيتها أيضًا ولكني احببتها رغمًا عني ، وحاولت أن أعاملها بقدر معاملتي لياسمين لكني لم أستطع ، أتمنى أن تسامحني على إساءتي لها .
هز رأسه وقال : وعلى اساءتي أنا أيضًا ، نحن الاثنان أسأنا إليها سويًا وبنفس القدر تقريبًا .
زمت شفتيها قليلاً وكحت بلطف لينظر إليها مستفهمًا فسالت بهدوء وهي تقطب حاجبيها : وكيف حال والدتها ؟
زم شفتيه ليمنع ضحكته من الانفلات وقال في هدوء : بخير والحمد لله .
اتسعت عيناها وقالت وهي تلتفت إليه : هل رأيتها ؟
ضحك في خفة وقال : لا ولكني سألت ليلى عليها .
زفرت في ارتياح وقالت في هدوء استعادته : الله يتم شفائها على خير .
نظر لها مليًا وقال : أتعلمين إحسان ؟
نظرت له باستفهام فأتبع وهو يبتسم برصانة : اكتشفت في تلك الأيام التي قضتها بعيدًا عن المنزل ، أني أعشقك بجنون .
احتقنت وجنتاها تلقائيا فأكمل هو وهو ينظر إلي عينيها وقال : وأني كنت الهث حياتي الماضية بأكملها من أجلك أنت !!
أتبع موضحًا عندما رأى نظرة الاستنكار التي لمعت بعينيها :نعم كنت طموحًا لكني ازدت طموحًا عندما تزوجت بك ، كل ما كنت أفكر به أن أنجح لأليق بك ، لأريك أنك لم تخطئي عندما وافقت على الزواج مني ، وأني سأكون عند حسن ظنك وسأجعلك فخورة بي لبقية حياتك ، أحببتك احسان منذ أول يوم زواج لنا ، أحببت بك تلك المرأة المخلصة المتفانية من أجلي ، أحببت حبك لي وعشقك لي ، أحببت صورتي تلك التي تلمع بعينيك كلما نظرت بهما ، أحببت ذلك الفخر الذي يملأ صوتك وأنت تتحدثين عني ، أحببت أنك تغاضيت عن كل شيء وسمحت لليلى بأن تمكث هنا معي  وأنت تتألمين كل يوم لرؤيتها ، كنت أغفر لك ما تفعلينه معها لأني أرى أنه رغمًا عنك وكنت أحاول أعوضها عنه بطريقتي ، علمت من أول زواجنا أنك سيده عظيمة فأحببتك وأحببت جميع تفاصيلك ، واغرمت بها جميعًا ، حتى تعجرفك وأنفتك أغرمت بهما فكنت أشعر أنهما اشياء طبيعية ترتبط بشخصيتك القوية العزيزة .
اغرورقت عيناها وهي تشعر بأنها تحلم لتشعر بأنامله تتحسس وجنتها بحب وهو يقول : أحبك إحسان
أتبع وهو يمرر ظهر سبابته على خدها بحنان : توقفي عن تعذيب نفسك بتلك الافكار التي لا أساس لها .
زمت شفتيها في حنق فقبل وجنتها بهدوء وهمس : اشتقت إليك بالمناسبة .
خفضت عيناها بخجل وهمت بالرد عليه لتتوقف على صياح ياسمين التي خرجت تقفز من غرفتها : بابا ، يا سيادة المستشار
نظر لها والدها وقالت هي : ماذا حدث ؟
ابتسمت ياسمين وقالت : الوزير سيشرفنا بزيارته يوم الخميس القادم بإذن الله .
حقًا ؟!
سألت هي فهزت ياسمين رأسها مؤكده ، همت بالنهوض وهي تقول : لدينا الكثير علينا فعله .
امسكها من يدها واجلسها وهو يقول : ليس الآن ، كل شيء بإمكانه الانتظار للغد إحسان .
نظر لابنته بهدوء وقال : اذهبي ياسمين واخلدي للنوم حبيبتي ، تصبحين على خير.
ابتسمت ياسمين على نظرة والدتها المذهولة وقالت : وأنت من أهل الخير بابا .
عند اختفاء ابنته من أمامه ، التفت لها في حنق : إذًا زيارة سيادة الوزير أهم مني!!
ابتسمت بسعادة : لا يوجد ما هو أهم منك كامل .
طبعت على وجنته قبلة رقيقة وهي تردد : لا يوجد ما هو أهم منك .

        ***                  
دلفا إلي الشقة سويًا ليعقد بلال حاجبيه وهو يقول : لم الأنوار مغلقه ؟ هل خرجوا جميعًا ؟
ابتسمت هي وهزت اكتافها : لا أعلم ولكن إيناس لم تخبرنا أنها ستذهب إلي أي مكان .
توسط الصالة ليفاجئ بالأنوار تشتعل وإيني تهتف بسعادة : سربرايز .
زفر بقوة ليبتسم وهو ينظر إلي البالونات المنتشرة بالصالة والطاولة الموضوع عليها أصناف من الحلويات وكعكة كبيرة موضوع بها الكثير من الشموع الغير مضاءة
انتبه على ذراعيها التي تحاوطنه بحب وهي تقبله : كل عام وأنت بخير  .
أتت ليلى هي الأخرى وقبلته وهي تهمس : كل عام وأنت بخير وسالم لنا .
قبل جبينها وهو يبتسم باتساع : كل عام وأنتِ معي  .
ابتسم لعمته التي أتت واحتضنته لتبارك له بعيد مولده هي الأخرى ليرد عليها بهدوء ولباقة ، ضاعت أنفاسه وهو ينظر إليها وشعر أنه ينجذب إلي جاذبيتها الفطرية كشمس تجتذبك إلي محيطها لتدور في مدارها دون رغبة منك .. أدار عيناه عليها  متألقة أكثر من المعتاد بزينتها الكاملة وذلك الفستان الرقيق بدون أكمام يظهر كتفيها برقة .. منسدل بنعومة على جسدها ..قصير يصل إلى فوق ركبتيها، يزين قدميها حذاء ذو كعب عالي أبرز انوثتها التي جعلت قلبه يخفق بجنون ،
تأملها جيدًا وهو يحاول أن يتنفس بانتظام ويسيطر على  ذلك الواثب بداخله .. أراد أن يبعد نظره عنها ليتيه بتفاصيلها أكثر . تقدمت باتجاهه في خطوات بطيئة لتقترب منه وتهمس برقة اعتاد عليها منذ أن أصبح يدرك الأشياء :كل عام وأنت بخير حبيبي .
سحب نفسًا قويًا لتصدم رئتيه برائحة عطرها الذي يغرم هو به ذلك العطر الذي أهداه لها  عندما تأكد من مشاعره اتجاهها وأبلغها بحبه يومها وهو يعطيها قنينة العطر
نظرت له بهدوء وابتسمت تلك الابتسامة التي يشعر بأنه سيغشى عليه عندما يراها مرسومه على شفتيها وهمست بجانب أُذنه تماما : أحبك .
طبعت قبله جريئة نوعًا ما على وجنته وهي تبتسم بدلال
قبض كفيه بقوة وصلب ذراعيه حتى لا يضمها إلي صدره ويفعل أي شيء يندم عليه بعد ذلك ، أغمض عيناه وهو يحاول أن يسيطر على خفقات قلبه التي تدق بقوة ، زفر بعمق وتذكر دموعها صباحًا واحساسه بأنها تركته من أجل شخصا آخر فابتعد عنها خطوتين  لينظر إليها  ويقول بألم لم يحاول أن يخفيه : تأخرت كثير يا ابنة عمتي العزيزة .
اقتربت منه وابتسمت وهي تنظر إلي عينيه وقالت في خفوت : لا يهمني رأيك بلال ، أنا أخبرك بما أشعر به ناحيتك وسأظل أشعر به طوال عمري .
احتضنت كفه بيدها لتضع له شيء بداخله وهي تهمس مرة أخرى برقة أذابت أطرافه : كل عام وأنت بخير حبيبي .
رفع حاجبيه وظل ينظر لها في دهشة حتى بعد أن ابتعدت عنه ، خفض بصره لما وضعته بكفه  شعر بتيار ساخن يجري بعروقه ويصدم قلبه بقوة  منتزعًا كل الآلام التي غلفته بسببها وهو ينظر إلي تلك الدبلة القابعة في منتصف راحته ،
ضيق عيناه وهو ينظر إليها وكأنها ستنفجر في وجهه في أي لحظة ليتمتم بخفوت " ما معنى هذا ؟"
تنهد بقوة وفكر " ماذا تريدين سوزي ؟ "
رفع عيناه ونظر إليها لتبتسم ابتسامة عريضة جعلتها تبدو أكثر اغراء لتقترب منه مرة أخرى وتقول وهي تسحبه من كفه : هيا بلال تعال لنطفئ الشمع .
حاول أن لا يذهب معها ولكنه لم يستطع ، وقف أمام الطاولة لتحاوطه هي وإيني
إيناس التي شدت ليلى من ساعدها لتقترب أكثر منهم ، بدأوا بإلقاء أغاني اعياد الميلاد بطريقة مرحة ، نظر لهما الاثنتين وهو يبتسم  .. سعيد هو بمرح أختيه وسعادتهم الظاهرة للعيان ، ركز نظره عليهما حتى لا يلتفت وينظر إليها ، يكفيه اليوم تبعثرًا ، يكفيه ذاك الصراع المتقد بداخله من أجلها !!
انتبه على صوت إيني يقول : هيا بلال اطفئ الشمع .
انحنى ونفخ بقوة في ضوء الشموع لتتعالى صياحات إيني المرحة وهي تهنئه بسنة سعيدة ، انتبه من صيحات إيني الصاخبة عليها تهمس بجانب اذنه : كل عام وأنت معي حبيبي ، أتمنى أن تتقبل هديتي وتضعها في اصبعك ، لا تكن قاسيًا فأنا لم أعتاد منك القسوة حبيبي .
استقام واقفا ونظر بجانبه ليجد المكان فارغًا ، زفر بقوة وهو يصرخ داخليًا " ارحمني يا إلهي " .

          ***

وقف ينظر إلي نفسه في المرآه للمرة الثانية ، يتأكد من أن كل شيء على أعلى درجة من الدقة ، أعاد نظرة مرة ثالثة من شعره المصفف بعناية ووجه الحليق ، إلي رابطة عنقه ثم قميصه ، أغلق سترته ونظر إلي حذائه اللامع ليتنفس بقوة ويبدأ برش قطرات من عطره المفضل على رقبته وسترته وأخيرًا بيديه .
تنبه مما يفعله على نظرات الآخر المصوبة عليه بدقه ، تنحنح بخفة وقال : ماذا ؟
ابتسم الآخر بهدوء وقال : لا شيء .
نظر إليه مرة أخرى ونطق بهدوء : علام تنظر إذًا ؟
قال الآخر ببساطة : عليك بالطبع .
ثبت نظره عليه فأتبع الآخر : حقًا لا أدري هل أنت العريس اليوم أم وليد ؟
عقد أمير حاجبيه فأكمل الآخر : لا أعلم لمَ أشعر أنك تنتظر ذلك اليوم منذ أن أبلغك به وليد .
تنفس بهدوء مسيطرًا على أعصابه وقال وهو يهز كتفيه بلا مبالاة : بالطبع انتظره أنه يوم خاص في حياة أقرب اصدقائي كيف لا انتظره .
رفع الآخر له عيناه ونظر إليه متأملا ثم ابتسم ابتسامه جانبية ماكرة : لا ليس هذا السبب الحقيقي وراء كل هذا التأنق .
جمد وجهه فأتبع الآخر بثقة : اسمع أمير لست غبيًا وأستطيع أن أشعر بك جيدًا ، أنت صممت على الخروج اليوم لتحضر الخطبة رغم أن وليد أكد علي إذا كان هذا سيضر ساقك فلا يهم أن تحضر الخطبة ويكفيه إن تحضر حفل زفافه ولكن سيادتك استبددت برأيك وصممت على الخروج .
ثم بدأت حالة الاستنفار لديك من أول البارحة ، أكدت على وليد أن يأتي لك ببذلة جديدة أنيقة ووليد لم يقصر بل أعتقد أنه تسوق لكليكما معًا  حتى الحذاء أتى به .
نظر أمير إلى الحذاء وهز رأسه ببرود : نعم إنه حذاء رائع مريح وأنيق .
زم الآخر شفتيه بقوة وجز على أسنانه بعصبية ليكمل بنبرة صوت هادئة : حسنًا أمير مبروك على الأرض يا صديقي .
ابتسم له أمير باستفزاز فقال وجيه بعصبية : اسمع لن تخرج من هنا إلا عندما تخبرني عن السر وراء كل هذا
قالها وهو يشير عليه فابتسم أمير بسخرية : حاول أن تمنعني .
تنفس وجيه بقوة وقال في هدوء : لا تتحداني .
التفت اليه في حدة وقال : لم أسمع ما تفوهت به الآن .
وقبل أن يجيبه الآخر قال بجمود : لا تشغل رأسك بي واذهب واستعد لتتمكن من حضور الحفل وجيه .
ابتسم الآخر بهدوء : حسنا سأذهب ولكني أعلم لم تفعل كل هذا .
تنبهت حواس أمير قويًا ولكنه لم يبد أي اهتمام فأكمل الآخر
وهو يخرج من الغرفة  : أقطع ذراعي ان لم تكن على موعد مع تلك الفتاه التي سرقت قلبك وجعلتك تناغي باسمها وأنت نائمًا .
راقبه إلى أن خرج من الغرفة ثم ابتسم بهدوء وتمتم : لا يرضيني أن تقطع ذراعك يا طبيبي المخلص .

        ***            

خرج من دورة المياه واتجه إلى غرفة التبديل تحت أنظارها ، يمشي بخطوات متمهلة حتى لا يجهد ساقة المصابة ، وقفت وتحركت بهدوء حتى لا ينتبه إليها
اقتربت من باب غرفة التبديل ووقفت تنظر إليه بشغف تجلى في عينيها ، تشعر بقلبها يقفز بجنون وهي تراقب حركاته الهادئة ، وشعرت بأنها ستبكي وهي تراه يزيل الضمادة من كتفه الأيمن ويحاول أن يضع غيرها ، أسرعت بخطواتها وهي تضرب بكل شيء عرض الحائط وتسحبها من يده بهدوء تام وازى غضبة العارم الذي اشتعل بعينيه عندما دخلت في مجال رؤيته 
شعرت بنظراته الغاضبة  كوخز حارق ينتشر في جسدها كله فهمست بتوسل : دعني أساعدك .
زم شفتيه ببرود : لا أحتاج إلي مساعدتك .
ترقرقت الدموع بعينيها وقالت في ضعف : ولكني أحتاج إلي أن أساعدك ، يكفي أن لا أستطيع أن أحمل ألمك عنك .
أتبعت برجاء متوسل : اتركني أساعدك .
تركها تساعده ليريها أنها لن تستطيع التأثير به ، فأشاح بنظره بعيدًا عنها وجمد جسده كله حتى لا يشعر بها ، نعم استطاع أن يتحكم في جسده الذي تصلب بأمره وجلده الذي استجاب إليه ولم يشعره بلمساتها
ولكنه لم يستطيع أن يتحكم في قلبه الذي قام بدور الإثنين معًا ونقل إليه كل ما فعلته به ، أعطاه تقريرًا وافيًا عن عدد أناملها التي لمست كتفه وعدد لماستها التي أشاعت الفوضى بنبضاته ، وحنانها الزائد عليه وكأنه طفل صغير ، أعطاه وصفًا دقيقًا لكل ما فعلته  ثم صرخ لائمًا إياه على دموعها الغالية التي انسابت بسبب كلماته الغليظة .
انتهت من ضمادة كتفه لتجلس ببطء كيفما أتاح لها بطنها المنتفخ وتكشف عن ساقه لتباشر تضميدها بهدوء كالأخرى ، تشعر بأنها على وشك الإنهيار ولكنها تتماسك بأقصى قوة
فمنذ أن أتى ليلاً بعد أربعة أيام من انصرافه مهرولاً غاضبًا إلي المجهول  شعرت به وهو يدلف إلي الغرفة بهدوء كعادته ، ولكنها لاحظت سريعًا أنه يتحرك ببطء وخيل إليها أنه يئن ، نهضت على الفور لتتأكد بالفعل أنه كان يئن ، أضاءت نور الغرفة ، لتشهق بقوة وهي ترى دمائه التي اغرقت قميصه كاملاً .
لم تتنبه حينها إلي إصابة ساقه فاندفعت بقوة إليه وهي تصيح " ماذا حدث لك ؟"
حينها دفعها بعيدًا عنه في عنف وقال مزمجرًا : لا شأن لك بي .
نظرت له بعتب واضح وسيطرت على دموعها لتقول بهدوء : حسنًا سأخبر أبي بعودتك فهو قلق عليك منذ أن غادرت هكذا كالمجنون .
استوقفها عند باب الغرفة وهو يؤمرها بجبروت : لن تخرجي من هنا ولن تخبري أحدًا بعودتي الآن ، ولا أريد لأحدًا أن يعلم عني شيء ، إذا سألك أحدهم عني أخبريهم أني اتصلت بك وأني بخير .
التفتت إليه بحده وقالت : هل ستظل هكذا ؟
لتصيح مستنكرة : أتريد الموت ؟
نظر لها بقوة : اخفضي صوتك ، لن يحدث لي شيئاً .
ليتبع بسخرية شديدة : وإن حدث أعتقد أنك ستسعدين لتخلصك من قيدي أخيرًا .
وقفت تنظر إليه مصدومة بعد أن أغلق باب دورة المياه بقوة في وجهها ، لا تستطيع أن تستوعب أن من يحدثها هو خالد ، رمشت بعينيها وهي تفكر " خالد من كان يغدقها بكلمات الغزل وهمساته الجريئة ، عيناه تلتهمها بشوق فينهمر عليها بطوفان من القبل الرقيقة ، يتحدث إليها بتلك النبرة الجليدية وينظر إليها بكل هذا النفور "
تأوهت بضعف وأسندت رأسها ليديها وهي تفكر " خسرته إلي الأبد بغبائي وكبريائي اللعين "
صاح عقلها تلك المرة " لا منال اهدئي وتوصلي لطريقة تسترديه بها ، فحبه لك لن يموت في غضون يومين يا حمقاء ، أنه فقط غاضب "
هزت رأسها موافقة وهي تمتم " نعم غاضب بشدة ولكني سأفعل كل شيء حتى أستعيده مرة أخرى .
حينها خرج من دورة المياه وعندما اقتربت منه لتعرض عليه مساعدتها زأر بها بعنف وأخبرها أن لا تفكر أن تلمسه حتى!!
وقفت يومها تشاهده بقلة حيله وهو يضمد جراحه النازفة التي وضح لها انها ضمدت من قبل ولكن شيء ما حدث جعلها تنزف بغزارة ثانية .
وها هي لليوم العاشر تتوسل إليه أن يتركها تساعده ، في كل مرة ينهرها بشده أن تقترب منه  ، صاح قلبها فرحًا " ولكنه اليوم سمح لك منال ، وهذا يعتبر تقدم "
تنفست بأمل لتتنحنح وتقول بهدوء : هل ستستطيع أن تحضر الحفل ؟
أومأ برأسه وقال بخفوت : نعم .
قالت بصوت أعلى قليلا : ولكن ساقك مصابة ولن تستطيع القيادة لا تنسى أن قيادة السيارة هي السبب الرئيسي في النزيف المرة الماضية .
أطل عليها من عليائه وقال ببرود : كيف عرفت ؟
شعرت بالحرج يغزوها واحمر وجهها لتقول بتوتر : سمعتك تتحدث مع أحدهم .
هز رأسه ببرود وأطبق شفتيه بقوة ، لوت شفتيها بخيبة أمل لأنه عاد إلي الصمت مرة أخرى ولكنها لن تيأس حاولت كسر الصمت من جديد وقالت : لن يحدث شيئا إذا لم نحضر الحفل ، سأخبر أبي أني متعبة ولا أستطيع الذهاب وبالتالي لن تذهب أنت .
رفع حاجبه ونظر لها ساخرًا : وما شأني أنا بك سواء كنت متعبة أو لا ؟
نظرت له بعتب فاكمل بسخرية : توقفت عن دور جليسة الأطفال منال ، توقفت عنه منذ زمن بعيد !!
أبعد ساقه عنها بشيء من الغلظة وقال باقتدار : أعتقد أن هذا يكفي !
رفعت عيناها إليه فنظر لها بجبروت وهو يخبرها بعينيه  أن تعترض على معاملته  إذا استطاعت  ليبتسم بتشفي بارد ويتحرك من أمامها ليرتدي ملابسه في هدوء
ظلت جالسة أرضًا لمدة لا بأس بها تحاول أن تستوعب تلك الطريقة التي يتعامل بها معها ،
هزت رأسها بعدم فهم وعقلها يرفض أن يستوعب ويفهم ما يحدث بينهما
هتف قلبها في حدة " بل اعتاد على ذلك أيها الاحمق ، فأنت من أوصلته لذلك "
أتبع ساخرا " كنت تظننين أنه يعاملك بجبروت واقتدار ، أخبريني عن تلك المعاملة الآن ، أخبريني عن عدم رؤيتك الماضية لمقدار حبه ، لعدم فهم زرقة عيناه وهي تلمع بسبب ولهه بك ، وأخبريني الآن عن ذلك السواد الذي يحيط بمقلتيه ليخبرك بمدى كرهه لنا !!"
شعرت بأنها على وشك البكاء فتنفست بقوة ورفعت رأسها وهي تحاول أن تجمع أكبر قدر من الهواء ليدخل إلي رئتيها ، وقفت بهدوء ونظرت إلي ظهره العريض أظهر عرضه أكثر تلك السترة الرمادية الغامقة ، التفت أمامها وهو يلف ربطة عنقه  تأملته جيدًا وهو يرتدي قميصًا رمادي افتح قليلاً من لون السترة ، عقدت حاجبيها بعدم رضى وهي تنظر لرابطة العنق تلك التي يرتديها بلونيها الرمادي في الأسود ، ليلمع عقلها فجأة بفكرة اعتبرتها جيدة !!
اقتربت منه وهي تبتسم بخبث أنثوي ، شدتها من بين يديه في هدوء، ليرفع إليها عينيه بغضب فابتسمت بدلال اعتادت عليه  ، وهمست : لا تليق ، لديك ما هي أجمل من تلك .
تركتها من بين أناملها لتقع أرضًا ومسكت يده بتملك لم تفعله من قبل وشدته معها
لتقف مرة واحدة وتنحني أمامه وتأتي برابطة عنق أخرى سوداء لامعة وتضعها حول عنقه ، ربطتها بحرفية شديدة ، لتملس عليها  برقه وتنظر إلي عينيه : هذه أفضل .
لوهله لمحت بعينيه بريق أزرق تعرفه جيدا لتنظر جيدًا له فتجد تلك الحلقتين السود يزداد اتساعهما ويبتلعان ذلك البريق الذي رأته أو توهمته ، قال بغلظة كادت أن تفقدها اتزانها : لم أطلب مساعدتك ، ثم أن الأخرى أفضل من تلك .
شعرت بخيبة أمل تكتنف جسدها ، ابتعدت للوراء تلقائيًا ورمشت بعينيها لتبتسم بهدوء : حسنًا ، لا ترتديها إذا كنت لا تفضلها .
قال بضيق : ليس لدي الوقت للأسف سأنزل للأسفل ، فوالدك يريدني ، أرجو ان تجهزي سريعًا .
تحرك ليخرج من باب الغرفة .. وقف مرة واحدة وقال لها في برود : أو الأفضل أن تأتي مع السائق الجديد ليس لدي الوقت لانتظر تلك المُهاترات السخيفة في عالم الأزياء والموضة .
انتفضت بعفوية على وقع صوت غلق باب الغرفة ونظرت إلي أثره بعينين متسعتين من عدم التصديق !!

          ***              
هتفت في غيظ : لماذا أتيت الآن ؟ لماذا لم تتأخري بضعة ساعات أخرى ؟
ضحكت الأخرى بمرح وسعادة ثم انحنت لتضمها من أكتافها وتقبلها في خدها بعفوية : لا تغضبي من فضلك فأنت الأعلم بظروف عودتي الغريبة .
ابتسمت الأخرى بغيظ وقالت : تقصدين ظروفي أنا السيئة .
ضحكت ليلى بمرح : لا طبعًا ، إن ظروفك رائعة .
هزت ياسمين أكتافها بتعب : ما الجيد في أني أشعر بكل شيء يجري من حولي بل يعدو بقوة وكأنه يسابق الزمن .
ابتسمت ليلى بهدوء : أنه لفأل خير ياسمين فهذا يعني أن الله يبارك في تلك الزيجة .
هزت ياسمين رأسها بهدوء : حسنًا ، هذا التفسير أراحني ولو قليلاً ولكني غاضبة بحق ليلى لم تأخرت هكذا .
ابتسمت ليلى وانحنت مرة أخرى تقبل خدها : أعتذر حبيبتي ولكن للأسف استغرقت في النوم فأنا لم استطع أن أنام طوال الرحلة ولم انتبه لصوت المنبه وبلال أخبرني انه دق الباب علي أكثر من مرة واتصل بي أيضًا ولم أجب عليه .
نظرت ياسمين حولها وسألت في دهشة : وأين الآنسة إيني إن شاء الله ؟
ضحكت ليلى وقالت في مرح : لو كنت انتظرت إيني لما كنت حضرت إلى هنا ولا حضرت الحفل أيضًا ، إيني لديها قدرة مرعبة على التأخير.
ضحكت ياسمين ونظرت إلى ليلى التي قامت بفك حجابها لتهتف في سعادة : أريد أن أحصل على قصة شعر جديدة اليوم ، ما رأيك ؟
عقدت ياسمين حاجبيها وقالت برفض : لا ليلى حرام عليك ، لا تقصيه جددي مظهره فقط .
لمست خصلات شعرها ونفضت تفكيرها بعيدًا عن تلك الذكرى وهزت رأسها موافقة : حسنًا سآخذ بنصيحتك ، كم من الوقت تبقى لدينا ؟
ليس بالكثير ، هل ستحصلين على زينتك هنا ؟
هزت ليلى رأسها بالإيجاب : نعم سأظل معك إلى أن يأتي عريسك المصون ليصطحبك إلى مكان الحفل .
ابتسمت ياسمين باتساع وقالت : طبعًا هل كنت تظنين أني سأتركك ترحلين بعيدًا عني اليوم ، يكفي أنك لم تكوني موجودة يوم قراءة الفاتحة .
همست ليلى بمشاكسة : تنكرين أني أول من باركت لك قبل وليد نفسه.
هزت ياسمين رأسها بالنفي : لا طبعًا لا أنكر ولكني كنت أفضل أن تكوني بجانبي واشترط هذا على وليد ولكنك أنت من أخبرت بابا أن يتمم كل شيء وانك ستكوني هنا يوم عقد القران .
اقتربت ليلى منها وقالت بمرح : وها أنا ذا ، كفي عن تلك العصبية التي أعلم جيًدا أنني لست سببًا لها ولكني حقًا لا أعلم ما سببها ؟
زمت ياسمين شفتيها ونظرت لها لتقترب الأخرى تلقائيا منها فهمست الأخرى : أشعر بتوتر هائل بسبب فكرة عقد القران .
ابتسمت ليلى فعاتبتها الأخرى بعينيها فأومأت لها بأن تكمل : وليد أصر على هذه الخطوة وأنا كنت رافضة لها ولكنه أقنع أبي بكلمتين تخيلي ، أخبره انه لا يريد أن يتردد على البيت دون إطار شرعي
أتبعت في غيظ مكتوم : تخيلي وليد أفندي ، ديدو بك يتكلم عن الإطار الشرعي
لم تستطع ليلى أن تكتم ضحكتها فانفجرت مقهقه لتضحك ياسمين بخفة ، صمتت ليلى لتقول بهدوء : ولكنه محق ياسمين .
التفتت لها ياسمين في حدة فاتبعت بعقلانية : لا تحتاجي لتتعرفي عليه فأنت تحفظينه عن ظهر قلب فلم التأخير في تلك الخطوة ، أنا توقعت أن تقيموا حفل زفاف دون القيام بأي خطوات أخرى .
ابتسمت ياسمين بتوتر : نعم لقد أجل حفل الزفاف للشهر القادم بعد أن غضبت وتوقفت عن الرد على اتصالاته ليلتها ،
ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تكمل بسعادة : كاد أن يجن وأتى إلى البيت وبعث لي برسالة نصية يخبرني إن لم أرد على الهاتف سيصعد و لن يهمه ما سيحدث بعدها .
عقدت ليلى حاجبيها بتعجب وقالت : لم كاد أن يجن ؟
اتسعت ابتسامة ياسمين وقالت بانتصار : لقد اشترط عليه أن لا يقابلني إلا عند إعلان خطبتنا .
اتسعت عينا ليلى بقوة وسألت بدهشة : لم تتقابلوا إلى الآن ؟
هزت رأسها نافية وقالت : لا لم أره إلا عندما أتى هو وعائلته ليطلبوني من أبي ويومًا آخر أتى إلي البيت ومعه صائغ مشهور يحمل العديد من الأطقم ، حتى لم يأتي بأحد من عائلته ولكن أمي طبعًا حضرت المقابلة .
قهقهت ضاحكة : يومها كان غاضبًا مني لأني لم أجلس بجانبه ولم أسمح له بأن يلمس يدي أو يلبسني خاتم الخطبة ، كان ضائق في الأساس من وجود أمي التي لم تتحرك انش بعيدًا عنا ، وعندما انتهيت أخبرته أن لا يأتي مجددًا إلا بعد أن نعلن رسميًا عن خطبتنا .
زفرت في ضيق وهي تتبع : ليلتها اتفق مع أبي على أمر عقد القران هذا ولذا أنا ضائقة شعرت حينها أنه طفل صغير اغتاظ مني فقفزت الفكرة في رأسه ونفذها لإغاظتي فحسب .
ابتسمت ليلى في هدوء : لماذا تفكرين بها من هذا المنطلق ؟
نظرت لها ياسمين بتعجب فأكملت ليلى : لم لا تفكرين أنه فعل ذلك لأنه يريد أن يخبرك أنه لن يقبل أن يلمسك - بعد ما فعلتيه به - إلا وأنت زوجته .
لمعت عينا ياسمين وابتسمت : حقًا ؟!
هزت ليلى رأسها بالإيجاب ثم سألت بمكر : ولكن أخبريني من أشار عليك بفكرة عدم المقابلات ؟
ابتسمت ياسمين : أنا من فكرت بها .
هتفت ليلى بمرح : رائعة أعيدي تربيته هذا الوليد
أتبعت وبلغة انجليزية هتفت : فتاه جيدة .
رفعت ياسمين حاجبيها بدهشة فضحكت ليلى بخفة : إنها إحدى تعبيرات إيني المفضلة ومن كثرة جلوسي معها اعتدت أن أقولها أنا الأخرى .
ضحكت ياسمين : أتوق لرؤيتها تلك الفتاه .
قالت ليلى : إنها رائعة ، مرحة وصاخبة ولا يمل من الجلوس معها .
أتبعت في لهفة : هيا أخبريني كل مما حدث في غيابي ولا تنسي أدق التفاصيل .
ابتسمت ياسمين بمرح وقالت : حسنًا .

        ***                 

وصل إلى فندق مشهور بوسط القاهرة ، ابتسم بفخامة كعادته لموظف الاستقبال وهو يعطيه لجواز سفره : يوجد حجز باسم السيد أمير الخيّال .
ابتسم موظف الاستقبال بمهنية وقال : نعم لديك حجز يا أمير بك ، جناح رقم عشرون للبك ، تفضل سيدي شرفتنا بقدومك .
ابتسم أمير بهدوء وقال : من فضلك أريد سيارة للتنقل تكون تحت امرتي .
هز موظف الاستقبال رأسه وقال : تحت أمرك يا فندم ، تفضل لدى مسئول تأجير السيارات .
هز رأسه موافقا واتجه بهدوء لشخص آخر أعطاه موصفات السيارة التي يحتاجها وأخبره أنه يحتاجها في غضون نصف ساعة على الأكثر .
ثم اتجه إلى المصعد بخطوات سريعة يتبعه عامل الفندق الحامل لحقيبته .
دخل إلى الجناح الفاخر بتمهل وهو يدير عيناه به بنظرات تفحصيه اعتاد عليها
شكر العامل بهدوء وأخبره ان يترك حقيبته هناك في طرف الغرفة
خلع سترته وطواها  ثم وضعها على ذراع الكرسي بعنايه ، اتجه بخطوات هادئة وفتح زجاج الشرفة المطلة على النيل
تنفس بقوة وهو ينظر إلى ذلك المنظر الذي لا يمل منه أبدًا ، شد جسده إلى الأعلى وتنفس بقوة ليذهب إلى تلك الحقيبة ويخرج منها قميصًا آخرًا وسترة أخرى
ارتداهما ، أخرج قنينة عطره وتعطر مرة أخرى ليبتسم وهو يرى ذلك الحامل الذي أصر عليه وجيه وأخبره مرارًا أن يرتديه بذراعه
تأفف بضيق وهو يتذكر أوامر وجيه الكثيرة " ممنوع أن تقود بمفردك ، ممنوع أن تخلع ذلك الحامل عن ذراعك ، لابد أن تأتي مرتين اسبوعيًا لاستكمال جلساتك الفيزيائية "
هز رأسه برفض تام ورمى بذلك الحامل إلى آخر الغرفة
ليعود وينظر إليه مليا ثم يبتسم ابتسامة ماكرة لم تصل إلي شفتيه بل لمعت عيناه بها.
هز رأسه بهدوء بالموافقة ونهض سريعًا ليتوقف على صوت هاتف الغرفة يتصاعد
لف وهو يعقد حاجبيه لينظر إلى الهاتف بريبة واتجه له في خطوات هادئة، رفع السماعة ووضعها على اذنه وهو يكتم تنفسه ليفاجئ بصوت موظف الاستقبال يقول في مهنية شديدة : السيارة أمام باب الفندق سيدي .
تحكم في تنفسه ببراعة وقال بملكية : حسنًا سأنزل حالا .
ذهب والتقطها بخفة ليستقيم واقفًا ويطويها بعناية ويضعها بجانبه ، أغلق حقيبته ووضعها بجانب الفراش وأغلق النافذة وادار عيناه مرة أخرى على الغرفة ، تنفس ببطء ونظر إلى سقف الغرفة لوهلة وهو يبتسم ليخرج ويغلق الباب خلفه .
        ****
                     

جلس أمام المقود وهو يزفر في ضيق ، يشعر بالاختناق وخاصة بعد أن أصرت فاطمة أن تذهب مع والدها ، شعر من إصرارها بأنها تريد أن تتركه بمفرده مع منال !!
زفر بقوة مرة أخرى وهو يسب نفسه داخليًا على تلك المعاملة الحقيرة التي يعاملها بها ، كم من المرات شعر بأن قلبه يذوب بسبب دموعها المنهمرة ليلاً ، شعر بالتمزق عليها وهو يرى شحوب وجهها نهارًا ، ملامحها الذابلة وتعبها المهول بسبب الحمل ، وهو لا يخفف عنها بل يرهقها أكثر بأسلوبه و معاملته الجافه وتسلطه عليها .
يشعر بنظراتها المملوءة بالضعف تخترقه وتهدم حصونه وهي تنظر إليه بعتب
زم شفتيه بقوة وهو يتذكر ما حدث بينهما منذ قليل  نبرتها المتوسلة ورجائها له بأن يتركها تساعده ، كان سينهار ويأخذها بين ذراعيه عندما ظلت جالسة أرضًا تنظر إلي يديها المشبوكتان ببعضهما البعض .
كم شعر بالأسى عليها وهي تحاول أن تستجمع نفسها مرة أخرى وترفع رأسها في كبرياء مجروح
حينها أجبر نفسه على الالتفات سريعًا بعيدًا عنها وتشاغل بارتداء ملابسه
شتم نفسه مرة أخرى وهو يتذكر كم أوشك أن يفقد اتزانه ويعانقها عندما سحبته بتملك ورائها وملست على ربطة عنقه وهي تهمس بدلالها الذي يفقده صوابه
لا يعلم هل هي العناية الإلهية التي جعلته يتماسك أم ذلك الجزء البغيض من عقله الذي يذكره باستمرار على كل ما ارتكبته في حقه
انتبه من أفكاره على وقع خطواتها البطيئة نوعًا ما ، تخطو بدلال وثقة كعادتها ، أدار نظره عليها وهو يشعر بقلبه يقفز بين ضلوعه وهو ينظر إلي ذلك الفستان الرقيق بلونه الازرق الغني ، بدون اكمام ورقبة عالية شعر بأنها كعنق الزهرة مزينة بطوق فضي يقع في اسفل رقبتها ، طياته الحريرية  مسدله على جسدها فترسمها بنعومة ، مزين بحزام فضي لامع اخر يقع تحت الصدر اعطى لقماش الفستان الحرية ليكتنف بقية جسدها
طويل يلامس الأرض .. واسع ولكن كلما خطت إحدى خطواتها يتطاير من حولها فيظهر قدميها المزينتين بحذاء فضي خفيف ولكنه أنيق .
أبعد نظره عنها مرغمًا ونظر إلى الإمام ، صعدت للسيارة وهي تبتسم باتساع وتقول بنبرة متلهفة : انتظرتني .
لف لها رأسه في هدوء قاتل ونظر لها لبضع ثواني ليقول بصوت ميت وبلغته الأصلية : بالطبع لا .
ارتجفت رغمًا عنها بسبب موجة الصقيع التي نتجت من كلماته ، أكمل بلامبالاة اصطنعها تلك المرة وأرغم نفسه عليها  فهو انتبه جيدًا لها وللشحوب الذي غزا وجهها على أثر حديثه  وهو يبتسم بسخرية : والدك ذهب مع السائق واصطحب معه والدتك وفاطمة  ، ولذا أنا علقت معك هنا !!
شعرت بغصة كبيرة تخنقها ، ودموعها تتجمع في عينيها ، رفعت رأسها وهي تدعي القوة  وقالت وهي تبتسم بدلال وتقترب منه : بالنسبة لي فرصه جيدة للقضاء الوقت معًا ، فأنا اشتقت إليك حبيبي .
همستها بجانب أذنه لتطبع قبله رقيقه على أنفه ، نظرت إلى عينيه بإصرار وتحدي ، جعله يرفع حاجبيه بسخرية ويبتسم بخبث وهو يهمس لها :ما الذي اشتقت إليه بالضبط يا زوجتي العزيزة ؟
ابتعدت قليلاً إلي الوراء وهي تنظر إليه باستفهام فأتبع ببرود وعيناه تلمع خبثًا : اشتقت الي ليالينا سويا ..اشتقت إلي جموحك بين ذراعي.. أم الي بكائك بينهما ؟!!
أتبع بابتسامة ساخرة وهو يضع عيناه بعينيها  : أم إلى أدائي المبهر ؟!
شهقت بقوة وهي تبتعد عنه ليحجزها بين ذراعيه ويقول بشراسة لمعت في عينيه : أخبريني يا مون ، ما الذي اشتقت إليه تحديدا لأنزل على رغبتك واحققه لك ؟
حاولت التملص والابتعاد عنه ولكنه كان يحاوطها بقوة ويسحبها إليه وهو يهمس بفحيح :انتظر جوابك يا مون .
لكمته بقوة في صدره وهي تقول بصوت مجهد : ابتعد عني ، ابتعد .
نظر إلي عينيها بجبروت : لا يحق لك الممانعة حبيبتي ، فأنا على ما أتذكر زوجك .
ضمها إلي صدره ثانية وهو يحاول أن ينشر قبلاته القوية الخالية من أي شعور على وجهها وهي تحاول أن تدفعه عنها بعيدًا ، نطق غاضبًا تلك المرة : كفي عن محاولتك الفاشلة تلك .
وأتبع بصوت ظهرت التسلية به : أعتقد أني أحقق لك إحدى أمانيك حبيبتي .
شعرت بالغضب يملأها لتدفعه قويًا بعيدًا عنها وهي تخلص كفها الأيمن منه لترفعه وتهوى به ساقطه على خده .
شهقت بقوة وهي تبتعد عنه مستغله صدمته التي توازي صدمتها تقريبًا لتنفجر باكيه وهي تقترب منه مرة أخرى وتحتضن وجهه بكفيها وهي تقول  : آسفه حبيبي ، لم أقصد ذلك ، خالد أرجوك لا تغضب .
انهالت تلثم وجهه بشفتيها ودموعها تغرقه بقوة وهو لم يحرك ساكنًا ، توسلت له بقوة وهي تنتحب : خالد أرجوك لا تفعل هذا بي ، لا تصمت هكذا ، افعل أي شيء حتى إن رددت لي الصفعة ولكن لا تصمت بتلك الطريقة .
أكملت وهي تهزه بقوة : صمتك يقتلني أكثر من أي شيء أخر .
ابعد رأسه عنها واعتدل في جلسته لينظر إلى الأمام ويقول بأمر قاطع : أخرجي من السيارة .
هزت رأسها نافية وقالت باعتراض واهي : لا لن أتركك .
جز على اسنانه قويًا وقال بنبرة غير قابلة للنقاش : أخرجي .
همت بالاعتراض ليتبع  : الآن قبل أن أرميك أنا خارجها .
حاولت أن تعترض .. تتحداه .. بل تتوسله حتى لأن تبقى معه .. لا تريد أن تتركه يذهب وهو على تلك الحالة التي تسببت هي بها ..لكنها لم تستطع !!
تعلم جيًدا أن صمته هذا أقوى من أي رد فعل كان سيأتي منه ، حالة الذهول والصدمة التي انتابته وتحولت فيما بعد لصمت يناهز صمت الجبال ، ستكون عواقبها وخيمة على رأسها
نزلت من السيارة كما أمرها وهي تسب وتلعن عقلها الغبي ، وكرامتها التي ترميها كل مرة في حفرة أعمق من سابقتها
انتبهت من أفكارها على صوت باب السيارة الاخر الذي يغلق التفتت ورائها لتراه واقف خلفها وينظر لها بجبروت جعلها ازدردت لعابها بخوف حقيقي سطع في عينيها .
حاولت أن تتحدث وتسأله عن سبب خروجه من السيارة ليرميها بنظرة ارعبتها وجعلت مفاصلها ترتعد .. شعرت حينها أنها نست كيف تتحدث وأنها عادت طفلة صغيرة لا تستطيع حتى المناغاة .
خفضت عيناها ونظرت إلى الأرض وهي تشعر بذنب عظيم يجتاحها بسبب ما فعلته به الآن ومن قبل ، لا تعلم إلى متى سيتحمل تصرفاتها الحمقاء
انتبهت من أفكارها على انه ليس موجود أمامها نظرت إلي السيارة لتتأكد انه لم يغادر ، تحركت سريعًا وراءه فمن الواضح أنه صعد إلى الأعلى  !!
دخلت إلى غرفتها وهي تبحث عنه بعينيها ، وجدت الغرفة خاليه فزفرت بضيق وهمت بالخروج منها لتبحث عنه في مكان أخر إلا انها توقفت عند باب الغرفة عندما سمعت صوت قادم من غرفة الملابس
تحركت بهدوء وهي تقترب من الباب وتطل بداخلها لتجده يلملم اشيائه ويضعها بداخل حقيبة كبيرة تخصه !!
اتسعت عيناها بهلع واقتربت سريعًا وهي تسأله بلهفة : ماذا تفعل ؟
نظر حوله بتفحص ووضع بقية اشياءه ليغلق الحقيبة أمامها دون أن يكلف نفسه عناء النظر اليها أو الرد عليها !!
رددت بهلع تلك المرة : خالد إلى أين أنت ذاهب ؟
وقفت أمامه بعد أن حمل الحقيبة وهم بالخروج لتضرب قدمها بالأرض قويًا : توقف خالد وأخبرني إلى أين أنت ذاهب ؟
رفع عيناه ونظر إليها لتتراجع بخطواتها إلى الخلف وهي تنظر الي زرقة عيناه التي تحولت الي الاسود القاتم وشعرت بالخوف من بياضهما الذي أصبح كلون الدم
تساقطت دموعها وهي تكرر باسى : أنا آسفة .
لا تعلم كم كررتها ولا عدد المرات التي انتحبت وهي تتفوه بها .
وقف صامتًا ينظر إليها بنظرة خاوية مرعبة وانتظرها إلى أن توقفت عن الحديث والنواح والبكاء والاعتذار لينطق ببرود : منال .
رفعت عيناها بلهفة ونظرت له بتوسل أن يصفح عنها ليتبع بنفس النبرة الخالية من أي مشاعر : أنت طالق .
تحرك من أمامها وقبل أن يخرج من باب غرفة النوم اكمل بهدوء : أوراق الطلاق ستصل إليك عن قريب .


          ***
أوقف السيارة في المكان المتفق عليه ، ونظر في المرآه الخلفية للسيارة منتظرًا قدوم أحدهم كما اعتاد .
ابتسم بظفر وهو يرى تلك السيارة التي تقترب منه بلونها الأبيض وتضيء مصابيحها الأمامية  مرتين متتالين لتهدئ سرعتها وتقف أمام سيارته .
ترجل منها شاب طويل بجسد عريض واقترب من النافذة وانحنى ليقول بهدوء : لديك مياه للسيارة من فضلك .
ابتسم هو وهز رأسه بالإيجاب انحنى وفتح الجزء الخلفي من السيارة ليترجل ويذهب إليه ليتبعه الاخر .
انحنى وهو يبحث عن شيء ما بالسيارة ليهمس الآخر بهدوء وهو يقف إلي جواره
سجلك نظيف سيدي ، السيد رؤوف يخبرك أنك منذ الآن بإجازة مفتوحة إلى أن يستدعيك هو بنفسه .
زفر براحة ورفع نظره إليه ليكمل الآخر وهو مبتسم : ليس لدي صلاحيات ولا يمكنني البوح أكثر من ذلك .
هز رأسه متفهمًا فاتبع الآخر وهو ينظر إلى السيارات التي تمر بجوارهم : جناحك أيضًا نظيف ، تستطيع أن تمارس حياتك بطبيعية وكأن شيئاً لم يكن .
تنفس بعمق وقال : أبلغهم تحياتي .
هز الآخر رأسه بتفهم ، ناوله زجاجة مياه فصاح الآخر : شكرًا لك .
ابتسم وقال بمرح فخم : احتفظ بها
هز الآخر رأسه بمرح : جزيل الشكر لك
همس قبل ان يتحرك من جانبه : ابلغ تحياتنا للخواجة واشكره .
عقد حاجبيه ونظر إليه وهو ينصرف ليغلق حقيبة السيارة وهو يفكر : فيم فعل خالد تلك المرة ؟
سيحدثه ويفهم منه ، فذلك الصغير يبلغه برسائل فقط من الممكن جدًا أنه لا يعلم ما الذي ورائها .
هز رأسه بتعجب وتحرك ليجلس بمقعده وهو يشعر أن خالد السبب الرئيسي في ذلك الفرج الذي أتى له من حيث لا يدري
ابتسم بتألق وهو يدير سيارته ليتمتم : أيًا كان ما فعله خالد فأنا ممتن له لخروجي من هناك .
زفر بقوة وهو يشعر بالسعادة تتخلل خلاياه ليهمس بحب : أخيرًا ساراك ليلى ، أخيرًا !!

       ***
زفرت بضيق وقالت : إلى متى سأنتظر ؟
ابتسمت ليلى وقالت : لم تنتظري إلى الآن ياسمين فموعد وصوله بعد خمس دقائق .
تبرمت : أشعر بالضيق منه .
كتمت ليلى ضحكتها وقالت : أنت متوترة فقط ، اهدئي حتى تستمتعي بذلك اليوم الذي انتظرته طويلاً .
زفرت بقوة فاتبعت ليلى تثرثر معها حتى تخفف من وطأة توترها قليلاً : أخبريني سبب هذا الفستان الذي لا يشبه اختياراتك .
عبست ياسمين فجأة مما جعل ليلى تندم على سؤالها الذي من الواضح أنه أثار حفيظة ياسمين أكثر من ذي قبل
قالت الأخرى من بين اسنانها : أنها تعليمات السيد وليد الجديد .
قالتها بغيظ دفع ليلى للضحك بخفوت ، نظرت ياسمين إليها بحنق فقالت ليلى : حسنًا ، اهدئي وأخبريني فأنا لا أفهم ثم ما أمر وليد الجديد هذا ؟
لوت ياسمين شفتيها بغيظ وقالت : أنه يتغير وهذا التغيير يأتي على رأسي أنا ، تخيلي يخبرني بصرامة  بعد أن رفضت أن يأتي معي  أن لا ابتاع أي شيء عاريًا أو مكشوف
أتبعت بحنق وهي تفرقع أصابعها : ولا يكتفي بهذا فقط بل يخبر أمي بالأمر التي وافقته على الفور و بدأت في حملة هجوم على كل ما أريد شرائه وهي تردد عريسك لا يريد شيئاً مكشوفًا .
رددت أخر جملة بصوت وطريقة والدتها مما جعل ليلى تقهقه ضاحكة لتضحك هي الأخرى بدورها ضحكة مغتاظة ، تنحنحت ليلى : ها وماذا فعلتي ؟
لمعت عيناها وقالت وهي ترفع حاجبها : اشتريت ذلك الفستان وأخبرت المصممة ان تضيف له ذلك الجزء الشفاف فإذا كان يريد فستانًا ليس مكشوف فسأرتديه أنا على طريقتي.
نظرت ليلى إلي الفستان بتمعن وهي تنظر إلي الجزء الذي قصدته ياسمين بنفس لون الفستان ولكن القماش من الشيفون يلتف حول كتفيها ويصل إلي ساعديها ، يغطي ظهرها ولكنه يبقى مكشوفا أيضًا
بل أصبح أكثر جمالاً وأبرز لون بشرتها واضفى على وجهها لمعة جميله .
رفعت ليلى حاجبيها : ولكن الفستان لازال مكشوفا ياسمين .
ابتسمت ياسمين : لا ، أنا لا أستطيع ارتداء تلك الفساتين ذات الرقبة العالية ، أشعر اني اختنق منها ، وحقًا لا أعلم كيف تأقلمت معها .
ابتسمت ليلى وهمست بتلاعب مرح : ماذا تفعلين إذا طلبت منك وليد الجديد أن ترتدي الحجاب ؟
اتسعت عينا ياسمين بذعر وقالت : لا لن يفعلها .
ابتسمت ليلى وقالت بضحكة خافته : أنت بنفسك أخبرتني أن والدته وأخته محجبة فلم لن يفعلها ؟!
هزت رأسها بنفي قاطع : لا لن يصل إلي ذلك الحد .
ضحكت ليلى وقالت : حسنًا يا ابنة عمي الغالية ، اعلمي جيدًا أنه يفعل ذلك من باب غيرته عليك ، ليس لأنه يتحكم بك أو يملي تعليماته .
نظرت لها ياسمين في المرآه وهي تعدل من وضع أحمر شفاها فأكملت ليلى وهي تقترب منها وتشير لها على رأسها : فقط ضعيها هنا وستتكيفين مع الوضع .
ابتسمت ياسمين وعيناها تلمع ورددت بخفوت : وليد يغار .
لمعت عيناها بانتصار وهي تبتسم وتهز رأسها مؤكده للفكرة وصاحت بخفوت : وليد يغار !!


         ***

فرك كفيه بتوتر وصاح بضيق : تحرك يا أحمد من فضلك .
نظر له أحمد مدهوشًا وقال : كيف ؟ بالله عليك أخبرني كيف ؟ لم يخترعون جناحين للسيارة بعد وإلا لكنت طرت بها صدقني .
زم شفتيه بضيق وهو ينظر إليه بحنق وقال باستخفاف : ارحمني من ظلك الثقيل اليوم فأنا لن احتمل مزاحك .
اعترضت ولاء وهي تمد رأسها من المقعد الخلفي : لا وليد ليس معك حق فأحمد خفيف الظل دائمًا ثم أن مرحه لا مثيل له .
لف رأسه لها وطبع قبله شقيه على وجنتها : تسلمي لي حبيبتي .
احمر وجهها بقوة وهي تنظر له بعتب ليضحك هو ويغمز لها بعينه ، انتفضا الاثنين على صوته الحانق : انظر أمامك أيها الأحمق ، وإلا لتسببت لنا بحادث نحن في غنى عنه اليوم .
زفر أحمد بقوة وقال : اهدأ قليلاً ، لولا أني خفت عليك من قيادة السيارة وأنت بهذه الحالة ، لكنت ذهبت مع إيمان وتركتك .
نظر له وليد بصرامة : قف جانبًا .
عقد أحمد حاجبيه ونظر إليه مستفهما ليردد مرة أخرى : قف جانبا وأنزل من السيارة .
ضحك أحمد قويًا ولم يستمع إليه نظر إلى الأمام وهو يحاول أن يسيطر على ضحكاته  : حسنًا .. حسنًا اهدأ سأصمت إلى أن نصل .
زفر بقوة وهو ينظر من النافذة ويحاول أن يسيطر على توتره ، لا يعلم لماذا يشعر بالتوتر من الأساس من المفترض أن يكون سعيدًا اليوم ولكن يوجد إحساس دفين يخبره أن الامور لن تسير كما يريد
لا يستطيع إلى الآن أن يصدق أن اليوم عقد قرانه عليها ، لا يستطيع أن يستوعب أن بعد ساعة على الأكثر من الآن ستصبح زوجته ، اسمها يقترن باسمه
ستصبح سيدة آل الجمال الجديدة
ابتسم بشغف وهو يستمتع بنغمة الاسم المميزة وهي ترن بأذنه وتجعله يشعر بفخر نفخ أوداجه  ، نعم هو الآن يرفع رأسه ويخبر كل من يعرفهم بأنه ابن الوزير عاصم الجمّال ، وفي غضون الاسبوعيين الماضيين كان يذهب ويأتي مع والده ، يتعاملان سويًا بطبيعية ، وكان بينهما اتفاق أن الماضي دفن ولن يستيقظ مرة أخرى ، إتفاق داخلي لم ينطقوا به قط ولكنه موجود ويتعاملان على أساسه .
يشعر بأنه فخور بنفسه وبأبيه وبعائلته كلها ، تغاضى عن تلك الذكرة الأليمة ورماها مع بقية الذكريات السوداء التي مرت بحياته وضعهم جميعا بصندوق وأغلقه جيدًا وأغرقه في بحر عقله الذي لا قرار له .
نظر إلي الطريق وهو يحدث نفسه بأن يهدأ قليلاً وأن الأمور ستمر بخير وستكون أفضل مما يتوقع أيضًا
زفر بقوة وانتبه على أحمد يقول بصوت عالي مرح : وصلنا يا فنان .

          ***

تنفس بقوة وهو يخرج من باب السيارة ويتحرك بهدوء ظاهري فمشاعره أبعد ما تكون عن الهدوء ، يشعر بالتوتر .. بالخوف ..بالرهبة !!
تنفس مرة أخرى ثم زفر هواء صدره وهو يتقدم من البوابة الكبيرة الخاصة بمركز التجميل المتخصص الذي تتعامل معه ياسمين عادة .
وقف أمام الباب الزجاجي وازدرد لعابه ليسمي الله بخفوت ويدعو الله بالتوفيق وهو يخطر أول خطواته إلى الداخل
سأل بهدوء الفتاه التي تجلس في الاستعلامات عنها لتخبره أن ينتظر ثواني فهي ستبلغ الآنسة ياسمين عن وصوله .
ابتعد قليلا ليقف أمام الباب الزجاجي وينظر إلى الخارج منه وهو يدس كفيه في جيبي بنطلونه .
يبحث بعينيه عن أي شيء يشغل رأسه به حتى لا يشعر بثقل الانتظار ، فهو منذ أن خطى إلى داخل مركز التجميل وهو يشعر بشوقه إليها ازداد أضعافا مضاعفه
يشعر بخلايا جسده متلهفة إليها بقوة ، لأول مرة منذ سنوات تغيب عنه بتلك الطريقة حتى عندما غضبت منه وابتعدت كان يعلم جيدًا كيف يراها
في أول الأمر كان يقف بسيارته أمام الجاليري ليراها وهي خارجة منه ليلاً
إلى أن امتنعت عن زيارة الجاليري ، كان يقف أمام بيتها وهو يمنى نفسه رؤيتها وكان بكل مرة يراها وهي خارجة من بيتها أو عائدة من الخارج
راقبها جيدًا وبشكل مكثف وهي تحضر معرضها ، كان يتابع كل شيء تفعله عن كثب ، ويساعدها أيضًا دون معرفتها ، كان يعمل يدًا بيد مع طاقم مصطفى الذي يشرف على تجهيزات معرضها
بل هو من طلب من مصطفى أن يجعل زوجته تقترح عليها أن شركة مصطفى هي من تقيم على تحضير وتجهيز القاعة ، وأشرف هو بنفسه على التجهيزات وصمم أيضًا ديكور القاعة وطريقة وضع اللوحات وأمر العاملين بصراحة أن لا يأتون بذكر اسمه أمامها ولو حتى صدفة .
كان كل يوم ينتظر إلى أن يراها ويتمنى لها التوفيق ثم يرحل دون أن تراه هي
" يحبها " كلمة قليلة الوصف .. ضئيلة المشاعر ..أمام ما يشعر هو به تجاهها
فهو تخطى أعلى مراتب العشق ، يشعر وهي معه بأنه طائر لأبعد من حدود السماء بل يشعر أنه خارج حدود الزمن
متيم هو بها وعاشق لكل تفاصيلها وحركاتها ، الآن يستطيع أن يراها دون النظر إليها يشعر بأنفاسها قبل أن تخرج من رئتيها ، يستحضرها ذهنه دون وجودها حتى
ابتسم باتساع : صدقت أمير أنه لنوع آخر من العشق لم أعرفه أنا .

تمشي ذهابًا إيابًا في الصالة الواسعة الخاصة بمركز التجميل التي تتلقى زينتها به
ابتسمت ليلى واقتربت منها وهي تقول : اهدئي ياسمين ستفسدين فستانك وزينتك بتلك الطريقة ثم إن إلي الآن فهو لديه خمس دقائق تأخير وأنت تعلمين جيدًا أزمة المرور الخاصة بذاك الوقت .
هزت رأسها متفهمه وقالت بصوت ظهر التوتر فيه مليًا : نعم اعلم انه لم يتأخر ولكني أشعر بتوتر رهيب يسيطر علي .
ابتسمت ليلى وقالت : لم أعهدك هكذا ياسمين ، تماسكي قليلاً .
زفرت بقوة وهي تهز رأسها موافقة ثم نظرت إلى ليلى وابتسمت : واو ، تلك القصة خلقت خصيصًا لك ليلى .
ابتسمت ليلى بمرح وهي تهز رأسها في دلال وقالت بغرور طفولي لم تعتاد ياسمين عليه : نعم نعم أعرف أن لا مثيل لي .
ضحكت ياسمين بقوة لتتبع ليلى بمرح : إنها إحدى حركات إيناس ، أعشقها تلك الفتاه .
ابتسمت بهدوء وهي تقول : ولكن هي يحق لها الغرور والدلال .
صمت ياسمين لتنظر إلى ابنة عمها وتقول بنبرة مصرة : وأنت أيضًا ليلى ، بل أنت خلقتي لتدللي كالأميرات حبيبتي ، فقط ثقي بنفسك قليلاً .
همست بجملتها الأخيرة لها لتنظر إليها الأخرى مستفهمة همت بالحديث ليقطع حديثهما دخول إحدى العاملات وتقول : آنسة ياسمين عريسك منتظرا بالخارج .
ارتبكت ياسمين واحمر وجهها تلقائيا لتنظر إلى ليلى التي قالت لها : اذهبي إليه ، هيا .
نظرت لها ياسمين : وأنت .
ابتسمت ليلى : سيأتي بلال ليصحبني إلى الحفل أنه على وصول ، سأضع حجابي إلى أن يصل هو وسنتحرك خلفكم تمامًا لا تقلقي .
نظرت لها متشككة لتتبع : اتصل بي منذ دقائق وأخبرني أنه سيأتي لي وأخبرني أن إيني تعتذر لأنها لن تأتي فهي تأخرت في الاستيقاظ من النوم ولن يسعفها الوقت وتوعدك إنها ستأتي الزفاف إن شاء الله .
همست ياسمين مردد: إن شاء الله .
دفعتها ليلى بلطف وهي تقول : هيا اذهبي إليه ، حتى لا ينتظر ولا تشغلي رأسك بأي شيء سواه .
ابتسمت ياسمين بارتباك فأكدت ليلى : ستجديني بجانبك لا تقلقي ، هيا اذهبي .
ابتسمت ليلى لها باتساع ثم احتضنتها بقوة : مبروك ياسمين ، ألف مبروك حبيبتي .
ابتسمت ياسمين وشعرت بالدموع تتجمع بعينيها فنهرتها ليلى بصرامة : لا ليس وقته على الإطلاق هيا تأكدي من زينتك واذهبي إلى عريسك فهو منتظرا بالخارج ليرى ياسمينته الحبيبة متألقة أكثر مما اعتاد هو ، هيا اذهبي موفقه حبيبتي .
أشارت لها بيدها وهي تمتم لها بالدعاء الكثير بأن يتمم لها على الخير ويوفقها في حياتها ويسعد أيامها المستقبلية .

التفت بهدوء وهو يشعر بوجودها قبل أن تنادي هي عليه ، اتسعت عيناه بحبور وهو ينظر إليها ، فاض حبه من عيناه ليغرقها بغزل جريء  جعلها تحمر خجلاً  تفوه به دون أن ينطق بل لمع بعينيه وارتسم بابتسامته ، خرج بأنفاسه القوية الدافئة التي لفحتها رغم أنه لم يقترب منها .
اقترب منها بخطوات بطيئة ليحتضن كفيها بيديه ..رفع كفيها إلى شفتيه ليقبلها برقة شديدة وهو ينظر إليها ، خفضت بصرها بخجل أضاع صوابه ، فانحنى مقبل جبينها بهدوء وهو يهمس : مبروك حبيبتي .
ابتعدت تلقائيًا عنه وهي تشعر بأن وجنتيها تشتعلان من الخجل الذي طغى على باقي حواسها  وخاصة بعد أن استمعت لتعليقات الفتيات اللاتي خرجن ورائها ليشاهدوا العريس المنتظر وصوله .
ابتسم وهو يركز نظراته عليها مما جعلها تهتف بخجل جديد عليها : وليد .
ضحك بقوة وهو يقترب منها ويهمس بجانب أذنها : لا أستطيع التوقف عن النظر إليك ياسمينتي .

همست برجاء مطعم بدلال لم يعتاد عليه منها : أرجوك توقف فأنا اشعر أني سأسقط مغشي علي بسبب نظراتك .
تنحنح وهو يحاول أن يتخلص من تأثير صوتها المفعم بنغمة لم يسمعها منها قبل ذلك ، نغمه خصته بها وكأنه تخبره أنها أصبحت ملكه منذ تلك اللحظة
قال بصوت أجش لم يستطع التحكم فيه : حسنًا سأتوقف ولكن هيا بنا حتى لا نتأخر .
ابتسمت وهي تومئ برأسها موافقة ، ليحتضن كفها ويقبله مرة أخرى قبل أن تتأبط ذراعه ويخرجا سويًا
ابتسمت لأحمد الذي أطلق صفيرًا عاليًا وهو يشدو برقتها وجمالها لتنتفض على صوت وليد المزمجر وهو ينهي أخيه عن الاستظراف .
كادت أن تقهقه فرحًا وهي تستعيد كلمات ليلى لها ولكنها تحكمت بضحكتها لتبتسم باتساع وهي تتلقي تهنئة ولاء الرقيقة .
وتدلف إلى السيارة بعد أن فتح هو الباب إليها وساعدها أيضا في الجلوس وترتيب فستانها .
دلف إلى السيارة ليفاجئ بأخيه العزيز يخبرها بمرح ، أنه هو من اعترض على اصطحاب باقي السيارات ليأتوا معهم وأنه حرمها من زفة السيارات المعتادة التي يقيموها أصدقاء العروسين إليهما .
استغفر ربه سرًا ليقول بهدوء : سأعوضك عنها ياسمينتي إن شاء الله في الزفاف .
انحنى ليهمس إليها : كنت متوترًا ولم أتحمل تعليقات الشباب .
رفعت عيناها لتنظر إليه وقالت وهي تبتسم : لا عليك وليد ، ما يهمني أنك معي .
صاح احمد : هاي لا أستطيع الاستماع إليكم ، ارفعا صوتيكما .
خبطه بقوة على رأسه وهو يقول بنفاذ صبر : أحمد إن تفوهت بكلمة أخرى طوال الطريق اقسم أن أطردك من السيارة .
ابتسمت ولاء وقالت : هل نهون عليك وليد ؟
ابتسم : لا ولاء أنت ستأتين معنا .
هزت رأسها بأليه وهي تقول بتعجب : أتتوقع أنني سأتركه وحده ، لا بالطبع إذا طردته سأذهب معه ؟
صاح أحمد بفرح : حبيبتي ، أنت من تنصفيني دائمًا .
ضحك وليد : من أجلك سأتحمله ولكن اضمني لي صمته .
ضحكت ثم ربتت على كتف زوجها وقالت : اتركهما حبيبي يستمتعان بوقتهما وركز في قيادة السيارة .
قال بمرح كعادته : وأفوت فرصة إني أستطيع إغاظة وليد وجعله يفقد أعصابه التي نادرًا ما تحدث .
ضحكت ياسمين هي وولاء ونظر هو لأخيه بدهشة لتنطق ولاء بهدوء : أحمد من فضلك اتركه يستمتع بعقد قرانه .
ابتسم بمرح وقال : لك هذا يا زوجتي العزيزة ، حسنًا يا أخي العزيز اعتبر أننا لسنا بموجودين من الأساس ، لن نسمعك لا تخف ولكننا سنراك فلا تتمادى .
خبطه مرة أخرى على رأسه وهو يقول بغضب تلك المرة : أحمد .
تأوه ليقول : حسنًا ، حسنًا سأصمت
أشار على فمه بالصمت ليزفر هو بقوة ويلتفت بنظره إليها لتتسع عيناه بقوة ويزم شفتيه حتى لا يتفوه بأي شيء يعكر صفو الجو بينهما
اقترب في جلسته منها وأنحني يهمس بأذنها : ياسمين .
رفعت نظرها إليه مجيبة ليتبع هو بهدوء : ألم أخبرك أن تنتقي فستانا ليس مكشوفًا ؟
عضت شفتيها برقة وهمست بذلك الدلال الذي يجعله يفقد عقله : ليس مكشوفًا وليد ، ثم أليس من حقي أن أرتدي فستان يعجبني و يناسب ذوقي يوم عرسي ، إنها مناسبة لا تتكرر .
تنحنح وهو يحاول أن يجلي صوته : حسنًا حبيبتي ، لم أقصد مضايقتك ، ولكن هذا الفستان أطار المتبقي من عقلي وعليك أن تتحملي ما سأفعله بك بعد عقد القران .
احتقن وجهها قويًا وقالت بصوت مهزوز : استمع يا وليد بك حذار أن تقترب مني إلى يوم عرسنا ، فأنا لن اضمن لك رد فعلي .
ابتسم وهو ينحني ليقبل كتفها من فوق قماش الفستان الخفيف ويهمس : أنا أتوق لأرى ردة فعلك تلك حبيبتي .
ابتعدت عنه بخجل فطري كتم ضحكته بقوة ثم رفع رأسه لتلتقي نظراته مع نظرات أخيه المرحة وهو ينظر له في مرآة السيارة الأمامية ويحاول أن لا يبتسم عليه
نظر له بوعيد وحرك شفتيه دون صوت وهو يأمره " انظر أمامك أيها الأحمق "
انفجر أحمد ضاحكا فالتفت إليه زوجته بدهشة ورفعت ياسمين حاجبيها بتعجب ثم نظرت إلى وليد وهي تسأله بخفوت : ما به ؟
ضحك وليد وقال : الم أخبرك أنه مجنون ستعادين عليه مع الوقت .
أتبع وهو ينظر إليها بوله : لا تشغلي رأسك به ،
قبض على كفها برقه وهو يقول : كل ما تفكري به الآن أننا سويًا ياسمين ، وبعد اقل من ساعة ستصبحين زوجتي .
أتبع وهو مرر نظراته على ملامحها بشوق: أشعر أن قلبي سيتوقف من السعادة
ردت سريعًا وهي تنظر له بعتب : بعد الشر عليك .
عض على شفته السفلى بطريقة جذابة : الآن تيقنت أنني سأموت .
نهرته بلطف : وليد .
ليقرب منها أكثر وهو يهمس : أعيش معك وأموت فيك ، فيا هلا بالموت إذا كان بين ذراعيك
        ***

انطلق بسيارته وهو يشعر بسعادة عارمة تتخلل خلايا دمه ،
زفر بقوة وكأنه يتخلص من تلك الأيام الماضية بمعاناتها وآلامها في تلك الزفرة ، يتخلص من الشهر الماضي بأكمله ، كانت أيام كئيبة
دعا ربه بهدوء ألا يعيد تلك الأيام ثانية ، وابتسم بمرح لمع بعينيه وهو يفكر في كيفية قضاء الأيام القادمة فهو تلك المرة سينعم بإجازة طويلة إلي حد ما
وهو يخطط لاستغلال كل دقيقة بها ، لمع الحب في عينيه وهو يهز رأسه مؤكدا أنه سينعم بتلك الأيام معها
طرق عقله بقوة وهو يطرد تلك الأفكار السعيدة وهو يسخر "  إذا ارتضت أن تنظر إلي وجهك في الأساس "
عبس تلقائيا وسب داخليًا " اصمت أيها الأحمق ، ستستمع ، أنا أعرفها جيدًا ، ستسامحني "
هز رأسه بعدم تأكيد وهو يكمل " نعم ستأخذ بعضًا من الوقت ولكنها ليست حقودة ستستمع وتسامح ،
أعاد عقله الكره وهو يصيح بعنف تلك المرة " وإذا لم تفعل أيها الذكي "
ابتسم بمكر وتمتم بخفوت " سأجبرها بطريقتي "

تحركت باتجاه عمها لتصافحه بود ليسحبها إلي حضنه ويضمها بقوة وهو يقول بمرح : حمد لله على سلامتك بنيتي .
أبعدها عن حضنه قليلاً ليقبل وجنتيها : اشتقت إليك ليلى .
ابتسمت واحمرت وجنتاها  : وأنت الآخر عمي ، اشتقت إليكم جميعًا .
نظرت حولها وهي تتبع : أين إحسان هانم ؟
انتبهت على صوت السيدة إحسان : خلفك تمامًا .
التفتت وهي تبتسم باتساع للسيدة إحسان وتصافحها بود : ألف مبروك  لياسمين عمتي .
فوجئت بالسيدة تحتضنها وهي تقول بود : الله يبارك فيكِ حبيبتي ، العقبى لك إن شاء الله قريبا .
احتقن وجهها بقوة ولم تستطع الرد ليضحك عمها بقوة : اخجلتها إحسان .
رتبت السيدة إحسان بأمومة على كتفها : ربنا يرزقك بالزوج الصالح بنيتي .
ابتسمت ليلى بإحراج وقالت في خفوت : شكرًا عمتي ، بعد إذنكم سأذهب لأرى بلال لا أعلم إلي أين ذهب ؟
تحركت بخفه من بينهما وهي تبحث عن بلال بعينيها ، أشار لها بيده لتتجه ناحيته وتقترب منه وهي تبتسم : أين ذهبت ؟
ابتسم بمرح وعبث بخصلات شعره : لا أعلم لم أجد مكان لاصف به سيارتي وظللت أبحث إلي أن وجدته أخيرًا ولكنه بعيدًا جدًا عن هنا .
ابتسمت ليلى على تذمره ثم تأبطت ذراعه : حسنًا لا تتذمر هيا بنا ، لتبارك لياسمين قبل أن يخطفها عريسها ويرحل .
ضحك بخفة وسار بجانبها وقال : لم يعقد القران بعد ، أليس كذلك ؟
هزت رأسها نافية وقالت بمرح : بلى  انتهوا منه منذ دقائق ، أنت من تأخرت في صف سيارتك ،
تحركت سريعًا وهي تتبع :هيا لنلحق بها .
سار بجانبها وهو يضحك على سرعتها الغير مفهومة ، ابتسم عندما رأى ياسمين أمامه وعلى وجهها ابتسامة رائعة ، عيناها تتلألأ بسعادة صافيه ، شعر بسعادة حقيقية من أجلها وتمنى أن يرى ليلى عروس هي الأخرى ليشع وجهها بسعادة تتجسد في ملامحها كلها.
اقترب منها وهو يبتسم باتساع : مبروك يا غاليتي .
صافحته بود وهي تبتسم بمرح : الله يبارك فيك ،العقبى لك .
ابتسم بتوتر وقال : يا مسهل أمامي الكثير من الوقت .
اقترب شابًا وسيمًا منها ، متوسط الطول ولكنه أطول منه قليلا ، يتمتع بجاذبيه عالية
ابتسم في وجهه مجاملاً ،ونظر إلي ياسمين لتبتسم ياسمين وتقول : بلال أخا ليلى .
التفتت إليه وقالت بفخر : وليد خطيبي .
صحح الآخر بإصرار وهو يصافح  بلال : زوجها ، تشرفت بمعرفتك .
ابتسم بلال بود : وأنا الآخر .
صافح وليد ليلى : أخيرًا التقينا ياسمين قصت لي عنك كثيرًا .
ضحكت ليلى بمرح : وأنا الأخرى أعرف الكثير عنك .
غمز وليد بعينه : إذًا سنصبح أصدقاء قريبًا .
هزت ليلى رأسها في مرح وقالت : بالطبع وسنتفق عليها معًا .
ضحك بمرح وقال وهو يزيد في مصافحتها : اتفقنا .
تنحنح بلال وسحب أخته من ساعدها ، نظرت له باستفهام فأغمض لها عيناه بعتب وهمس لها : أنا غيور تذكري هذا .
تماسكت حتى لا تنفجر ضاحكة على ما شعرت بأنه مزحه أكثر من أن بلال جدي به ،
التفت بلال لشخص وقور يقترب ليتجمد وجهه فجأة وهو لا يستطيع الربط بين سبب وجوده في الحفل وياسمين
هز اكتافه بلا مبالاة ولكنه ابتسم وهو يرى سيادة الوزير يقترب منه ويصافحه بهدوء : مرحبًا بك بني ، أرى أنك تسلمت الدعوة وقبلت بأن تأتي الي حفل عقد قران ولدي .
عقد بلال حاجبيه وسأل بدهشه : اية دعوة سيدي .
ابتسم سيادة الوزير : دعوة هذا الحفل ، أرى أنك تعرفت بوليد وأصبحتما أصدقاء أيضًا .
شحب وجه بلال لتنفجر اذناه احمرار في نفس الوقت وهو يردد : وليد الجمال ابن سيادتك .
أشار سيادة الوزير بهدوء نحو نفس الشاب ذو الجاذبية الطاغية : نعم ، ألم تتعرف عليه ؟
ابتسم بلال ابتسامه باهته وقال : بلى تعرفت عليه ، تعرفت سيدي .
التفت سيادة الوزير ليتحدث مع أحد الحاضرين الذين يباركوا له بعقد قران ابنه البكر لينظر له هو مليًا ،
شعر بغضب عارم يندفع مع دماؤه لينتشر بجميع خلايا جسده ، غضب محمل بحقد دفين كان يحمله لذاك الوليد دون أن يراه ، والآن يشعر به متوغلاً بخلاياه
يشعر بمذاقه المر في حلقه وهو ينظر إليه ويتأمله جيدًا بضحكته الجذابة ونبرته السينمائية ، نظراته الشقية ، وروحه المرحة ، والأهم عشقه المتدفق من عينيه
تمتم داخليا " أيها الحقير "
حدثه عقله " إذا كان يتلاعب بها فقلبه ملكًا للآنسة ياسمين ، الأعمى نفسه يستطيع أن يرى تلك الكيمياء الدائرة بينهما .. يستطيع أن يتعرف بسهوله على شرارة الحب المتطايرة في الجو حولهما
تذكر ليلى وهي تخبره أنهما يعرفان بعض من سنوات طويله
جز أسنانه غضبًا وهو يقبض كفيه بقوة وهو يرى تلك النظرات الوالهة التي تنظر بها ياسمين لذلك الحقير ، الذي سرق منه أغلى أحلامه !!
قفز عقله مرة واحدة وهو يعيد عليه جملتها التي اغدقتها على مسامعه مرارًا وتكرارًا " لم يحدث شيئاً "
لم يعد يستطيع أن يتحكم في ضبط انفعالاته فهم بالتحرك ناحيته وهو يشعر برغبه قوية في أن يلكمه في أنفه ، يأخذ بثأره منه فحتى إن كانت ابنة عمته اخطئت في حقه فهذا الحقير هو السبب في ذلك الخطأ الذي اوغر صدره عليها !!
أنتبه على يد ليلى التي حطت فوق ساعده وهي تهمس له : ما بك بلال ؟
انتفض بخفه وحاول أن يتحكم في صوته ووجهه ، ابتسم بعصبية : لا شيء ليلى .
نظرت له بتفحص ليشيح بنظره بعيدًا عنها ويقول سريعًا : سأنصرف أنا هلا أتيت مع عمك أو تعالي معي لأوصلك للبيت .
عقدت ليلى حاجبيها بعدم فهم وقالت : لم ؟ إلي أين ستذهب ؟
قال مبررًا : سأذهب للشركة أنتِ تعلمين  يوجد الكثير من الأعمال معطلة بسبب غيابي وسأذهب لأرى ما يمكنني فعله اليوم .
تنهدت وهي تشعر بأن حاله تبدل قويًا ولكنها ستؤثر الصمت حاليًا : حسنًا بلال اذهب وأنا سأعود مع عمي .
انحنى وطبع قبله خفيفة على خدها : آسف حبيبتي ، أعذريني .
ابتسمت بهدوء وقالت : لا عليك .
أشار لها بيده مودعًا : سلام أراك في المنزل .
أشارت له مودعه: مع السلامة حفظك الله لنا

      ****
وصل إلي مكان الحفل ، نظر بجانبه إلي حامل يده فالتقطه ووضعه بكتفه وهو يبتسم بمكر
ترجل من السيارة بهدوء وهو يتفحص المكان بعينيه ملتقطًا كل التفاصيل التي أمامه
تقدم للداخل بعد أن حيا أحدهم براسه وهو يخرج له دعوة الحفل .
تنفس بقوة وحبس أنفاسه وهو يبحث بعينيه عنها ، أخرج الهواء الممتلئ به صدره وعيناه تلتقطها بسهولة ، لم يرى أحدًا آخرًا غيرها ، فقط هي ..قلبه دله عليها فتعرفت عيناه عليها بسهوله ، واقفه مع اخاها ، ركز نظره عليه ليتأكد أنه هو
ليبتسم بهدوء تلك الابتسامة التي تلمع بعينيه ولا تصل إلي شفتيه
رآها بقلبه تتحدث معه بود حتى شعر أنه يستطيع أن يرى حركة شفتيها ويستطيع التكهن بفحوى حديثها  ثم تأبطت ذراعه بتلقائية حسده عليها وتمنى لوهله أن يكون هو من تتأبط ذراعه بتلك التلقائية وتسير بجانبه لتتحدث معه وعيناها تلمع ببريق الفخر الذي يعرفه هو جيدًا .
شعر بجفاف قوي في حلقه وأنه ظمآن بشده من كثرة ابتعادها عنه  ، تحرك بخفه مقتربًا منها وكانه يريد أن يمحو ذلك الشعور  يريد أن يتخلص من ذلك الجفاف الذي شعر به في أيام كثيرة كانت بعيد عنه
تحرك بعيدًا عن الدائرة المحيطة بالعروسين فهو لا يريد أن يلمحه وليد ولو صدفه!! فهذا أخر شيء يريد حدوثه ابتسم بسخرية وهو ينظر إلي صديقه الذي لا يرى شخصا آخرًا غير خطيبته الحسناء
تحرك من خلف وليد ليقترب منها دون أن تراه هي أو يراه صديقه
تأملها جيدًا من خلف نظارته الشمسية وهي تصافح وليد وشعر أنه يريد أن يكسر يد صديقه الأحمق الذي يتعامل معها بمودة فائقة عن الحد
جز على أسنانه قويًا وهو يلتقط حديثها المرح ، وابتسم ظافرًا وهو يرى يد بلال التي شدتها بعيدًا عن وليد وهو يعاتبها على حركتها تلك
تمتم بخفوت : أحسنت صنعا يا فتى .
عقد حاجبيه وهو يتمنى أن يكون ما فعله الآخر من باب الذوق العام وأن لا يكون غيورًا بشكل يعيق علاقته بها فيما بعد
ولكنه  شعر بالغيرة تلتهمه وهو يرى الآخر يهمس لها بشيء لم يتبينه هو مما جعلها تكتم ضحكتها ولكن المرح تجلى في عينيها فاصبحا  يلمعان كبريق الشوكولا .

شعر بعدم فهم لما يحدث أمامه وهو يراها تبتعد عن أخيها للحظات وتقترب من ياسمين لتتحدث معها بشيء لم يستطع سماعه أو التكهن به .
ظل يراقبها وهو يحاول أن يتماسك وألا يذهب إليها يريد أن يجذبها خارج تلك الدائرة يريدها أن تستمع له وحده بعيدًا عن تلك الضوضاء الخانقة
يريدها أن تتفهم ما حدث معه وما جعله يغادر حياتها فجأة ودون إنذار مسبق .
يريد أن يمحو أثر تلك الليالي الطويلة التي قضتها تبكيه ، نعم هو يعلم ما حدث معها تمامًا .
ويعلم أيضًا أنها لم تتخطاه ، إلي الآن هو موجود بقلبها الصغير ، وتكن له حبًا كبير
نعم يرى هذا في ابتسامتها يراه في عينيها وهي تنظر إلي كفي وليد وياسمين المتشابكتين
نعم يشعر أنها تتذكره بل أنها تحيا على ذكراه .
انتبه من دوامة تلك المشاعر التي تقوي عزمه على أخاها يتركها ويرحل وامارات الحيرة والدهشة تظهر على وجهها .
تنبهت خلايا عقله كلها وهو يفكر سريعًا في طريقه يبعدها عن وليد وياسمين
يريدها أن تأتي لمكان خالِ من الناس .
رمش بعينيه وخبط على كتف إحدى القائمين على الحفل وهمس له وهو يشير عليها
هز الآخر رأسه بتفهم وكلف أحدهم بأن يوصل رسالته إليها.

انتبهت على أحد نُدّل الحفل يخبرها بابتسامة لطيفة أن أخاها يريدها
سالته بغرابه : أين ؟
أشار لها الرجل اشارة مجهولة فزفرت بضيق وهو تتحرك في اتجاه أماكن صف السيارات
تمتمت بغضب : سأقتلك بلال
تمهلت في خطواتها وهي تحاول أن تتوصل لمكان سيارة أخيها : لست معتادة على المشي بذلك الكعب العالي .
توقفت فجأة وهي تشعر به ، أنبت عقلها بعنف وهي تزيحه بقوة من دائرة أفكارها الآن وتركز نظرها بحثًا عن سيارة أخيها
مسدت حنجرتها بخفه وهي تريد أن تزيل أثر تلك الغصة التي تملكتها
وهمت بالحركة مرة أخرى وهي تتنفس بقوة لتشهق عاليا وهي تشم رائحته القوية تندفع إلي رئتيها ، فتملأ خبايا مخها دفعة واحدة .
شعرت بالدموع تتجمع بمقلتيها فحركت يدها سريعا أمام وجهها  وهي تحدث نفسها " أجننت ليلى ، هل ستبكي لمجرد أن شممت رائحة عطره مرة أخرى ؟ أنه عطر مشهور وطبيعي أن يضعه معظم الرجال "
لم تنتبه لخطواتها التي تسارعت دون وعي منها لتجد نفسها في مكان بعيد من حديقة الفيلا المقام بها الحفل ، نظرت حولها فلم تجد أي شيء حولها ولا حتى السيارات .
عقدت حاجبيها وقالت بنقمه وهي تضرب بقدمها الأرض : أين أنت بلال ؟
التفتت سريعًا وهي تخرج هاتفها لتتصل بأخيها لتتسع عيناها بقوة ويقع الهاتف أرضًا رغمًا عنها وهي تنظر إليه في عدم فهم .

عندما تحركت في الاتجاه الذي يريده شعر بسعادة عارمة ، ولكن عندما توقفت فجأة شعر بأنها احست بوجوده فابتسم بحب وهو  يهيئ نفسه للحديث معها  ، ولكن سرعان ما انقلبت ابتسامته لضيق وهو يشعر بانها على وشك البكاء ، تأكد من احساسه بها عندما وجدها تسابق خطواتها وتتحرك سريعًا وكأنها تهرب من المجهول .
عقد حاجبيه وهو يراها تتحرك بعيدًا وتمتم داخليًا بحنق " حمقاء "
كاد أن ينادي عليها كي تتوقف فهي جعلته يتبعها لآخر سور الفيلا  ، ولكنها توقفت فجأة ونظرت من حولها لتكتشف بأنها بعدت كثيرا عن مكان الحفل
هم بأن يحدثها ليجدها تلتفت إليه سريعًا وتنظر إليه بصدمه ويقع هاتفها من يدها .

وقف ينظر إليها وهو لا يستطيع أن يتحكم في نبضات قلبه القوية ، يشعر بأنه يريد أن يحتوي كل جزء منها ... يضمه إلي عيونه .... ويكتنفه بداخله
يعيد تأمل وجهها مرارًا وهو يشعر بأن خلاياه ترتوي رويدًا رويدًا
يتأمل ذقنها التي ترتجف بحركة صغيرة لا تظهر إلا لمن يشعر بها ، شفتيها المنفرجتين قليلاً بدهشه ، أنفها الصغير ، خديها الموردين كالأزهار ، عيناها التي يسطع منها عدم التصديق ، وأخيرًا حجابها الأنيق الذي يخفي سلاسل الشوكولا  ، نظر لها مليًا وهو يستعيد مذاق الشوكولا الذائبة مرة أخرى في فمه
شعر بنشوة عميقة تكتنفه ليهمس بصوت أجش : ليلى .

شعر بها تتراجع للخلف بحركة غير منظمة فقال بهدوء : اهدئي أنه أنا .
نظرت له بعينين متسعتين وضعت كفها على شفتيها  تمنع شهقتها الغير مصدقه من الانفلات ، هزت رأسها بعدم استيعاب ، وقالت بتشتت : أنت  .
حرك رأسه لها مؤكدًا وقال بهدوء : نعم
نظرت له مليًا ، وسألت بتشكك : عبد الرحمن ؟!!
رمش بعينيه وابتسم بتوتر فأتبعت هي سريعًا فخرجت كلماتها مبعثرة : ولكن ذقنك ...
هزت رأسها مرة أخرى غير مستوعبه : بك شيء مختلف .
أدارت نظرها عليه مرة اخرى وظهر الغضب بعينيها وقالت بعنف والإدراك بدأ يظهر في عينيها :  أنت ، ماذا تريد ؟
عقد حاجبيه بصدمة من تغيرها السريع وتنحنح ليقول مرة اخرى ولكن بلهجة أقوى:
اهدئي
أشاحت بيدها وهي تصيح بغضب : لن أهدأ لم أتيت الآن وماذا تريد ؟
نطق من بين أسنانه : ليلى .
نظرت له بغضب فأتبع : اخفضي صوتك من فضلك .
تنبهت لذراعه فنظرت له بتشكك فقال بابتسامه خفيفة : ألن تتحمدي لي بالسلامة ؟
رفعت حاجبها ونظرت له بحنق وعقدت ساعديها أمام صدرها فاتبع موضحًا : تعرضت لحادثة وكنت بالمشفى ، اتصلت بك أكثر من مليون مرة ولكن هاتفك مغلق .
أشار في أخر جملته لهاتفها الواقع أرضًا ، لتجز على أسنانها غضبا وتهم بالانحناء لتجميعه فيقول بنبرته الآمرة : لا تنحني .
نظرت له في دهشه وشعرت بوجهها يحمر تلقائيا ابتسم وهو ينحني أمامها ويلتقط هاتفها بين يديه ويكمل : لمَ هاتفك مغلق دائمًا ؟
كحت بهدوء وقالت بنبره خافته : كنت خارج مصر وغيرت رقم هاتفي عندما عدت.
أتبعت في  ثورة : لم تسأل الآن ؟ هل أنت مهتم لتلك الدرجة ؟
زم شفتيه بقوة وأرغم نفسه على ألا يستمع لجملتها الأخيرة فهز رأسه بتفهم ونظر لها بعتب : لم تتذكريني
احتقن وجهها بقوة وهمت بان تبرر له موقفها ، إلا أنها شعرت بالغضب منه فقالت بقوة : ولمَ اتذكرك وأنت الآخر نسيتني ؟
ردد باليه : حصل لي حادث وكنت في المشفى وعندما أفقت من الغيبوبة اتصلت بسيادتك هاتفك كان مغلقًا يا استاذه .
أتبع بتأنيب : غيرتي رقم هاتفك دون أن تفكري في أني سأود الاتصال بك .
شعرت بلوم طفيف يصدر من قلبها فأشاحت بنظرها بعيدًا عنه وقالت سريعا : حمد لله على سلامتك .
ابتسم بخفة واقترب منها بتلقائية : الله يسلمك .
مد لها الهاتف وهو ينظر إليها من خلف نظارته : اشتقت إليك ليلى .
احتقن وجهها بقوة وشعرت بقطرات خفيفة بدأت تتجمع على جبينها من الحرج الذي تشعر به
ابتعدت عنه تلقائيًا وزمت شفتيها بغضب تجسد على ملامحها ، نظر لها مليا وقلبه يخبره أنها غاضبة بالفعل منه ، ليس ذاك الغضب الطفولي المحبب لنفسه ، بل غضب من نوع آخر وعليه أن يتحمله ويتحمل تبعاته أيضًا .
اقترب منها بهدوء وهمس بنبرة معتذرة صادقه : آسف لغيابي دون أسباب مقنعة بالنسبة إليك ، ولكن ما حدث كان رغمًا عني .
ردد بصدق : اعلمي أن كل ما حدث كان رغمًا عني .
عقدت حاجبيها وتحركت عائدة باتجاه الحفل فسار بجانبها ، توقفت ثانية ونظرت إليه ، تنفست بهدوء وهي تحاول أن تتحكم في مشاعرها المبعثرة لا تستطيع أن تصل هل دقات قلبها العالية تلك بسبب أنها غاضبة منه أم لأنها سعيدة !!
سعيدة لرؤيته ، سعيدة بوجوده ، سعيدة لعودته من أجلها وأنه لم يكن حلمًا كما كانت تقنع نفسها لليالي طويلة وأيام كثيرة ، زفرت بقوة وسألت باستفسار : كيف أتيت ؟
سار بجانبها وهو يكاد أن يجزم من  خطواتها القوية أنها تعيش صراعًا داخليًا بسبب وجوده الآن ، سعيد وهو بجانبها لمرة أخرى ، يسير بجوارها وهو يفكر في تلك المرة البعيدة التي لمس كفها وكم يتوق لفعل هذا الآن ، انتبه من أفكاره  على سؤالها فشعر بقلبه يهوى أرضًا ، أتبعت هي وهي تتحرك ثانية : هل عدت للعمل مع عائلة سيادة السفير ؟
ثرثرت لتحاول أن تتغلب على دقات قلبها المجنونة : كم اشتقت لرؤية منال والطفلين .
تنحنح بلطف وقال بنبرة غامضة : لا لم أتى معهم .
عقدت حاجبيها وتوقفت لتنظر إليه : كيف دخلت إذًا لابد أن تدخل برفقة أحدهم أو تملك دعوة الحفل .
نظر لها وقال بهدوء : هلا أتيت معي؟
عقدت حاجبيها بدون فهم : إلى أين ؟
تنفس بقوة : أريد أن اتحدث معك قليلاً .
مطت شفتيها واستعادت حنقها منه : بخصوص ؟
لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك بخفوت وهو يرى تعبير وجهها الحانق ، همس بنبرة تحمل عشقه لها : بخصوصنا .
احمرت وجنتيها تلقائيًا وقالت بتبعثر : لا أفهم .
توقف أمام سيارة مرسيدس سوداء وفتح بابها : عندما تأتين معي ستفهمين .
نظرت بعدم فهم لباب السيارة المفتوح ، ثم ركزت نظراتها على السيارة نفسها وقالت بتشتت : هل هذه السيارة التي تعمل عليها الآن ؟
عقد حاجبيه وجز على أسنانه غضبًا وهم بالرد عليها ليفاجئ بيد ثقيلة توضع على كتفه يعلم من صاحبها جيدًا ، أغمض عينيه وهو يضبط انفعالاته جيدًا و تمتم داخليًا " تبًا ، ليس الآن "
التفت لصاحب اليد وهو ينظر إليه محذرا ويقول بخشونة : مرحبًا .
شعرت بالحرج من ذلك الشخص الذي ينظر إليها بتفحص ويبتسم ، ثم هز رأسه بالتحية لها وقال وهو ينظر إلي أمير : كيف حالك يا كابتن ؟
عقدت حاجبيها وهي تنظر إلي ذلك الشخص جيدًا ، مظهره فخم رغم أنه أقصر من عبد الرحمن وجسده ممتلئ قليلاً إلا أنه يرتدي بذله فاخره وتظهر عليه مظاهر الترف ، مظهره رسم بداخل عقلها علامة استفهام كبيرة وهي تحاول أن تربط بين هذا الشخص الواقف أمامها وعلاقته بعبد الرحمن .
لتنتبه لأول مرة لما يرتديه الآخر ، تأملته مليا وهي تنظر إلي سترته الرمادية الفاتحة التي تنطق بفخامتها ، قميصه الأبيض الملتصق بعضلات صدره وتظهر بوضوح من تحته ، رمشت بعينيها وهي تدرك أنه خسر كثيرًا من الوزن في الفترة الماضية ،
شعرت بالخجل يغمرها واحتقن وجهها بقوة وعقله يصيح " ما شأنك أنت خسر الكثير من الوزن أم لا ، ثم لا تقنعي نفسك بأن تلك الخسارة بسببك أنت ، بل هذا طبيعي لأنه كان مريض "
زمت شفتيها بضيق ونفضت أفكارها لترهف سمعها لحديث دائر بينهم
قال الآخر بسخرية : ها أنت التزمت يا كابتن وارتديت حامل ذراعك .
ابتسم أمير بسماجه : اه ، نعم لا أفهم ما الغريب في ذلك .
نظر لها الآخر ثم نظر إلي عبد الرحمن وقال ساخرًا : لا ليس غريبا يا سيادة الرائد فأنت حقا مطيع جدًا .
اتسعت عينا أمير بقوة وقال من بين أسنانه وهو يدفعه من كتفه : اذهب لترى ماذا أنت بفاعل ؟
دفعه قويًا وهو يشعر بغيظ فعلي منه ، فهو حاول أن لا يتطرق في الحديث معه أو يطوله أخبره أكثر من مرة بهدوء أن ينصرف ويكف عن تلك التصرفات اللزجة التي تفقده أعصابه والآخر أصر أن يضايقه بمزحه المتخفي عن سر وقوفه مع تلك الحسناء وأنه سيغادر الحفل معها أيضًا
ضحك الآخر بقوة وهو يبتعد بسبب دفعة أمير له وقال من بين ضحكاته : لا تكن غليظًا أمير من فضلك أنا أمزح معك .
قبض كفيه بقوة وهو يشعر بأن هذا الأحمق هد المعبد فوق رأسه الآن وأنه عندما يلتفت إليها ستنفجر في وجهه كبركان ثائر
قال بقوة وخشونة : وجيه انصرف الآن من الأفضل لك .
رفع الآخر يديه بمعنى استسلامه وقال من بين ضحكاته : حسنًا ، حسنًا سأنصرف .
زفر بقوة وازدرد لعابه وهو يتمتم " من الواضح أني بانتظار معجزة "

شعرت بتشتت لحظي وهي تسمع ذلك الشخص يلقبه بسيادة الرائد ، تشككت في سمعها للحظات وتخيلت أنهم يتحدثا عن شخص آخر يعرفاه هما الاثنين أاعادت هذا لعدم انتباهها للحديث من قبل !!
ولذا شحذت طاقتها كلها لتفهم فحوى الحديث الدائر بينهما ، شعرت بتوقف الزمن والآخر يناديه بأمير ، ارتفعا حاجبيها تلقائيًا وهي لا تفهم ما علاقته بذلك الاسم !!
رفت عيناها وتأملته ببطء وهي تشعر بعقلها يستيقظ أخيرًا من سباته وهي تربط الاسمين ببعضهما لتنظر إليه مليًا
تتذكر ما كان يدور بينهما ، كلماته الجريئة نوعًا ، شعوره بها وكأنه يعرفها حق المعرفة ، غزله الجريء ومنتقاته من الشعر ، قصيدة نزار وافتتاحيات  فصول رواية الآخر التي كان يسمعها إياها ، تحركه الفخم وكأنه أمير من العائلة المالكة !!
ابتسمت بسخرية " كان هو منذ البداية "
ملابسه المميزة بعلامة معروفه ومشهوره ، كان أخبرها الآخر أنه يفضلها دونا عن أخريات
رمشت بعينيها وهي تنظر إلى معصمه المزين بساعة فخمة ، وشعرت بدمائها تفور وهي تتذكر ذلك الموقف عن تلك الساعة " نفس الساعة "
شعرت بلهيب يستعر في صدرها وهي تتنفس بقوة وتؤكد " كان هو منذ البداية "
أحست بنظراته مسلطة عليها لتجز على أسنانها قويا وترفع رأسها في كبرياء وتنظر إليه بتحدي : أعتقد أن لا يوجد حديث بيننا سيد أمير  .
زفر بقوة وقال في هدوء : من فضلك ليلى استمعي إلي .
رفعت حاجبها ونظرت إليه بسخرية : لا يوجد ما يقال يا أمير بك ، أنت تحدثت معي بما فيه الكفاية ، وأنا سئمت من حديثك بصراحة .
احمر وجهه بقوة وقال بهدوء وهو يحاول أن يسيطر على غضبه : اهدئي واستمعي إلي .
نظرت له بغضب أشعل مقلتيها فحول لونهما إلى اللون البني الرائق وقالت وهي ترص على احرفها : لا أريد أن اسمعك .. لا أريد   أن أراك .. ومن الأفضل أن تختفي من حياتي بشخصيتيك .
دارت على عقبيها وتحركت بقوة وهي تشعر بالغضب يغلي في أوردتها ،
تحرك سريعًا ليقطع طريقها ويمكسها من ساعديها وهو يقول برجاء فخم كعادته : أرجوك ليلى توقفي واستمعي إلي .
اتسعت عيناها وهي تنظر إلى كفيه المطبقان على ساعديها ثم رفعت نظراتها له وهي تقول آمره ومن بين أسنانها : اتركني .
ترك ساعديها وهو يقول بهدوء : لم أقصد ولكني أريدك أن تتوقفي وتسمعيني .
قالت بقوة لم يتخيل هو أنها تمتلكها يوما  وهي ترفع أنفها بأنفه واضحة  : لا كلام بيننا ابتعد عن طريقي حالاً والا تسببت لك بفضيحة يا أسطى .
رمت كلمتها الأخيرة بعجرفة مقيته ادهشته للحظات وهو يرى فتاه أخرى غير ليلى التي يعرفها لتتبع بلهجة متكبرة شعر بالحنق منها : ابتعد .
تحرك بآلية من أمامها وهو ينظر إليها في تعجب ويتساءل " هل تلك هي ليلى ؟ أم عيناه تخدعه ؟! "
رد قلبه ساخرًا " بل هذه ليلى في نسختها الجديدة التي تسببت أنت في وجودها أمير"
تحركت سريعا من أمامه وهي تدعو أن لا تنفجر في البكاء ، لا ليس هنا وليس أمامه ، رفعت رأسها بكبرياء وهي تقول لنفسها بحده " لن أبكي مطلقا ، لا يوجد أي شيء ابكي عليه  ، ولو لم يكن هذا حفل ياسمين الذي انتظرته الأخرى طوال حياتها لكانت تسببت بمصيبة وافتعلت فضيحة لذلك ال..
زمت شفتيها بقوة و هي تستنكر أنها لا تستطيع شتمه وسبه بأقذع الالفاظ .
رجفت شفتيها بغضب وهي تسب عقلها الذي لم يكتشف ذلك التشابه بين الشخصيتين
عضت شفتيها بعصبية وهي تتمتم داخليًا " يا إلهي ، كان يتلاعب بي منذ أن رآني في الفيلا "
انتفض قلبها قويا " لا ليلى ، من أين يعرفك أنت "
عقدت حاجبيها بقوة وهي تفكر " هل رآها قبل أن يلتحق  للعمل في فيلا سيادة السفير "
هزت رأسها نافية وهي تستبعد ذلك الاحتمال " أين سيراني ؟ "
صاح قلبها مرة أخرى " أرأيت لم يكن يعرفك كان يتكلم معك وأنت من قصصت عليه أمر عبد الرحمن واشتكيت منه ومن معاملته السيئة "
لمعت عيناها فجأة " وهي تعلم الآن سر تغيير معاملة الآخر "
أتبع قلبها " حاول أن يجذبك اليه لأنك لم تشعري به وهو يتحدث معك عبر الانترنت ولا تحاولي أن توهمي نفسك بأنه خدعك بلى  هو ابتعد عنك بكونه أمير وتقرب بشخصيته الأخرى منك
زمت شفتيها في ضيق مرة أخرى  و هزت رأسها في عنف وعقلها يقول " هذا لا يمنع أنه تلاعب بي الأيام الماضية وهو يتحدث معي ولم يخبرني أنه هو عبد الرحمن "
هم قلبها بالحديث لتهز رأسها بعنف أكبر وتجبره على  الصمت وهي تردد " لا لقد تلاعب بي منذ البداية وأنا لن أغفر له .. لن أغفر له ."

        

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن