فتح عينيه بثقل وهو يحاول أن يستيقظ ، يشعر برأسه ثقيل جدًا ولا يعلم لماذا يشعر بأنه يريد المزيد من النوم ؟!
كح بهدوء وأجبر نفسه على الاستيقاظ لم يستطع نفض رأسه لأنه يشعر بألم رهيب في عنقه أدار عيناه ليجد وجهه المبتسم : صباح الخير يا بطل ، نمت كثيرًا اليوم. عبس قليلاً ورمش بعينيه وقال بصوت مبحوح : كم الساعة الآن؟
ابتسم وليد وهو يزيح الجريدة بعيدًا عن وجهه وينظر إلى ساعته : أنها تقترب من العاشرة مساءً.
- ماذا تفعل هنا إذًا ؟
رفع حاجبيه بدهشة: هل نسيت: لقد أخبرتك بأني سأبيت معك اليوم؟
-آه نعم ، أتذكر ذلك ، ولكن ما الفائدة أنا أشعر بالنعاس وسأنام وأتركك .
قال وليد بغيظ : لم أشكو لك ولم أطلب منك أن تستيقظ أمير ، كف عن تلك التصرفات الطفولية ، وتلك الحساسية التي لا أفهمها.
ابتسم وقال بهدوء: ليست حساسية زائدة وليد، إنها موضوعية في التفكير.
عقد وليد حاجبيه ونظر إلى الجريدة ثانية : إذًا كف عن موضوعتيك الغبية تلك .
ضحك بخفة ليتأوه : لا تضحكني من فضلك ، فأنا أشعر بالألم حينما أضحك .
ابتسم وليد واقترب منه : وكف أنت عن عقلانيتك التي تشعرني بالتفاهة.
ضحك أمير بتعب : كف عن ذلك .
نظر له عندما لم يرد عليه ليجده مركزًا نظره على شيء في الجريدة فقال مازحًا: ما الذي استرعى انتباهك هكذا في الجريدة ، هل هناك تعديل وزاري وأصبح والدك خارج الملعب؟
نظر له وليد وقال بهدوء: هذا الخبر لن يسترعي انتباهي إطلاقًا، سأشعر بالفرح فقط ولكنه سيكون خبرًا عاديا رغم أنه في تلك الأوقات مستحيلاً.
نظر له أمير متسائلاً فأتبع بسكون : ياسمين ستفتتح أول معارضها غدًا.
__ ماذا ستفعل ؟
حك رأسه : سأذهب طبعًا ، وأتبع بخفوت : اشتقت إليها كثيرًا .
ابتسم أمير : ألن تخبرني عما حدث ؟
نظر له وقال بمرح: سأخبرك واستغل حالتك لأنك لن تستطيع الوقوف.
عقد أمير حاجبيه فأتبع الآخر ضاحكًا: ما سأقوله لن يعجبك وأنا أخشى ردة فعلك ولذلك سأبتعد عن مرمى يديك ،قالها وهو يبعد الكرسي لآخر الفراش : حتى أشعر بالأمان قليلا.
قال أمير بجمود : ماذا فعلت وليد ؟
رد مشيحًا بيده: لم أفعل شيئاً ، أتبع بألم - للآسف لم أستطع أن أفعل شيء ، وقفت عاجزًا أمام موافقتها على الخطبة، لم أستطع أن أجبرها على فك الخطبة يا أمير أو أن تغيير قرارها.
تنهد أمير بقوة : حسنًا أخبرني ماذا حدث واطمئن لن أستطيع أن أركض ورائك كما كنا نفعل من قبل .
ابتسم وليد : ستنهض بالسلامة بإذن الله .
***
أنهت صلاتها وهي تشعر بهدوء نسبي يغلفها ، ويتعمق في قلبها .
__تقبل الله ليلى .
التفتت إلى والدتها وهي تبتسم بهدوء : منا ومنكم ماما.
تحركت والدتها بهدوء إلى أن وصلت إلى المقعد القريب منها وقالت بصوت متعب : تعالي ليلى ، أريد أن أتحدث معك.
توترت ليلى وقالت بابتسامة باهته : لابد أن تنامي يا أمي ، فلدينا سفر غدًا ولا بد أن ترتاحي جيدًا.
قالت والدتها بإصرار : سنتكلم الآن ، لابد أن تعلمي جيدًا ما حدث في الماضي قبل أن تقدمي على ما ستفعلينه من أجلي .
نظرت لها ليلى بصدمة فأتبعت الأخرى : إذا كان عمك أخطأ فانا الأخرى أخطئت ليلى ، ولا بد لك من معرفة كل ما حدث لتقرري إذا كنت ستصفحين عني أم ستأخذين مني موقفًا أنا الأخرى .
قالت ليلى بسكون : هل تكلمت مع عمي ؟
ابتسمت السيدة ماجدة : نعم ، تخيلي لم أتكلم معه منذ أن كنت أنت في الثامنة، فوجئت به يتصل ويخبرني أنك غادرت بعد أن سمعتي ما دار بينه وبين زوجته . رمشت ليلى بعينيها وقالت في ضيق واضح : أمي لا أريد التحدث .
همت بالوقوف لتمسكها والدتها من يدها وتقول بإصرار : بل سنتحدث وسأخبرك بما حدث ، لأموت وأنا أشعر بالراحة.
تمتمت ليلى بخفوت : بعد الشر عنك أمي .
ربتت والدتها بحنان على خدها : اسمعيني جيدًا يا ليلى، تنهدت وهي تتبع - وأتمنى أن تغفري لي.
نظرت لها ليلى باستفهام فأعادت السيدة ماجدة رأسها للوراء وقالت بصوت خافت : وأنا في الرابعة عشر انتقلنا إلى شقة جديدة في عابدين ، كنت سعيدة جدًا بالشقة الجديدة والجيران الجدد ، تعرفت أمي على السيدة أم كامل ونشأت بينهما جيرة وأخوة. في تلك الأثناء تقربت أنا من عائلة والدك وتعرفت على الأخوين وأعجبت بالعلاقة القوية بينهما.
تنهدت بقوة وكأنها تزيل حمل سنوات من على كاهلها: لن أنكر إعجابي الشديد بكامل فهو طالب كلية الحقوق المتفوق ، الأكبر سنًا والأنضج عقلاً ، متحكم بالأمور وأوسم من والدك . وألمحت جدتك أكثر من مرة بزواجي منه، لأعيش أنا في حلم جميل بطله كامل ، إلى أن تمزقت أحلامي وأنا اسمعه ذات مرة يخبر والدته أن تكف عن المزاح في ذلك الأمر وأنه لن يتزوج بي أبدًا ، لأني لا أناسب طموحه. شعرت بالإهانة تغزو كل خلية في جسدي وتتملكني ، غضبت منه ومن عجرفته التي لم ألتفت اليه أبدًا ، كنت أتخيل أن تلك العجرفة التي يتعامل بها معي مجرد ثقل في التعامل وجاذبية يثقل بها شخصيته ، لم أكن أعلم أنها سمة من سماته الشخصية. ابتعدت عنهم جميعا ولكن والدك لم يتركني أبتعد . كان يرافقني كظلي ، اكتشفت حينها كم هو طيب وحنون خفيف الظل ورفيق درب رائع ، كان صديقي وأخي . أنهى دراسته الثانوية ليفاجئنا بقراره ، وأنه لن يكمل دراسته وسيعمل بشهادته . غضب كامل حينها واتهمني أنني السبب وراء ذلك شعرت بكرهي نحوه يزيد ولكني لم الق بالًا له ولا لغضبه الذي ظهر بوضوح بعدها، ولكني اكتشفت أنه يشر بالغيرة من اقترابي من والدك، فأعطى لي سلاحًا لأنازله به . استأثرت بوالدك أكثر واقتربت منه أكثر وأكثر ، ليتميز عمك غيظًا أكثر وأكثر
ابتسمت بسخرية وهي تكمل: أنهى عمك دراسته وأعلن بعدها بستة أشهر أنه سيتزوج الآنسة إحسان كريمة عائلة الشوربجي . شعرت يومها بالخبر وكأنه سكين ينغرس في قلبي وشعرت أنه باختياره لها يخبرني بمدى ضآلتي بالنسبة لأحلامه الكبيرة . تنهدت وابتسمت بمرارة : طلبني والدك للزواج بعدها بفترة قصيرة ، وافقت على طلبه ليدي لا أدري لمَ ؟ ولكني رأيت حبه العميق لي يسطع من عينيه ؟ خجلت أن أرفض طلبه وأنا أعلم كم هو حساس ورقيق ، ولم أشعر بالفرحة الحقيقية إلا وأنا أرى نظره الغيرة تشع من عيني عمك وهو يراني بجانب والدك . امتنع عمك عن زيارتنا لدرجة أنه كف عن زيارة والدته ، ولكن بعد فترة عاد ليأتي ويزور والدته ويتقرب من والدك مرة أخرى ، لم أهتم به فعشرتي بوالدك جعلتني أنسى إهانة عمك لي . إلى أن توفى والدك ، وبدأ عمك يتقرب منا ثانية .لم أستطيع التعامل معه كما ينبغي ، كنت في كل مرة أراه بها ، أشعر بالإهانة تتجدد في أعماقي ، اقترابك منه كان يثير ضيقي ، وجوده في حياتي بطريقة غير لائقة كان يستثير أعصابي ، إلى أن تشاجرت معه وأخبرته ألا يأتي في أوقات غير ملائمة للزيارة مرة أخرى .
ضحكت بخفوت وهي تتبع : فاجئني يومها وطلب الزواج مني . اتسعت عينا ليلى بدهشة واتبعت الأخرى - لم أذق يومها طعم النوم ، وظللت أفكر وأفكر هل أتزوج من كامل وأحقق الحلم القديم الذي طالما داعب جفوني ، أم أرفضه وأثأر لكرامتي منه ؟ حينها كان يتقرب مني ابن صاحب الشركة التي اعمل بها ، شاب لطيف اسرني بمرحة وذكائه الشديد ، إدراكه الواسع ، نضوج عقله . لن أنكر أني أحببته ، ووجدت به فارس أحلامي . طلبني للزواج فذهبت حينها لزوجة عمك وأخبرتها بأن تبعد كامل عني وأني سأتزوج من شخص آخر ،وأن كل ما أريده منها أن تبعد عمك عن طريق سعادتي . تنهدت بألم : لن أنكر أيضًا أني فعلت ذلك . كوسيلة للانتقام من عمك ، واسترداد جزء من كرامتي ، ولكن عمك العزيز هدد سليم وأمره أن يبتعد عن طريقي ، وعندما علم بأمر زواجي منه ، استعمل نفوذه التي أصبحت قوية وبدأ في مضايقته ، وطلبك منه صراحة ، أخبره أن يذهب معي إلى الجحيم ولكنه يريد ابنة أخيه .
نظرت إلى ليلى والدموع تتجمع في عينيها : حاولت أن أهرب بك منه ونبتعد عنه ثلاثتنا ولكني لم أستطع ، حاصرنا وخرب معظم أعمال سليم ، لم أستطع مغادرة البلاد دونك ، لم أفهم حينها كيف استطاع أن يحاصرنا في مصيدته بتلك الطريقة ولكن سليم تعب من الحرب مع عمك وأمرني أن أنفذ طلبه وأتركك له . تشاجرت معه ولكني لم أستطع أن أتركه . كنت في أوائل حملي ببلال ، وتخليت عنك لنسافر خارج البلاد . أجهشت في البكاء وهي تكمل : لم أكن أُمًا لك يا ليلى ، لم أحارب من أجلك ، بل لم أعد لاستردك من عمك ، ووافقت سليم في عدم الإتيان بذكراك أبدًا ، فلم أذكرك أمامهما . لم أخبر طفلاي بأن لديهم أختاً كبرى تعيش بمصر في كنف عمها ، ولكني لم أنساك لحظة واحدة . كنت أنظر إلى الفتيات اللائي بمثل عمرك وأتخيلك ، كنت أبحث عن أخبار عمك لأعرف أخبارك أنت . لم أجرؤ على العودة والمطالبة بك لأني اعلم جيًدا أني تخليت عن حق أمومتي عندما تخليت عنك
قالت والأمل يطل من عينيها : ولكن تجدد الأمل عندما مات سليم ومرضت ، مرضت من شوقي إليك ، أخبرت بلال عنك ليثور بقوة ويخاصمني لأني لم أخبره من قبل وكيف تخليت عنك ، ذهب إلى عمك ليراك ، ولكنك لم تكوني متواجدة حينها أخبره بمرضي ورغبتي في رؤيتك وعمك أخبره انه سيحاول معك.
بكت بقوة : أنا أعترف بخطئي نحوك كل السنوات الماضية ليلة ، لم أبحث عنك من أجل أن تجري العملية ، لا أنا بحثت عنك لتغفري لي تسامحيني لأموت وأنا راضية ومطمئنة عنك. رفعت عيناها المغرورقين بالدموع لتجد ليلى صامتة وجهها جامد ولا يشف عن أي انفعال واضح همست السيدة ماجدة : ليلى .
لتقف الأخرى بهدوء : أريد أن أنام أمي ، أمامنا سفر غدًا .
رددت الأم بخفوت : ليلى ،
صدح صوتها قويًا تلك المرة : تصبحين على خير أمي .
ازدردت السيدة ماجدة لعابها ، ووقفت بتوتر وهي تنظر إلى ظهر ليلى وأرادت أن تأخذها بين ذراعيها لأنها تعلم مدى قوة الصدمة عليها ، ولكنها عدلت عن الفكرة وهي تسمع ليلى تقول بقوة : تصبحين على خير أمي .
انصرفت وهي تجر ساقيها بتعب شديد فإجابة ليلى واضحة لن تسامحها ولن تغفر لها أبدًا. تقف لا تفهم من أين أتتها تلك القوة الغريبة على شخصيتها . لم تكن جامدة من قبل ، ولم تكن قادرة على التحكم بانفعالاتها إطلاقًا ، سمعت صوت الباب وهو يغلق وانتظرت أن تنهمر دموعها كما كان يحدث من قبل ، ولكنها لم تستطع أن تذرف دمعة واحدة . وكأن مآقيها جفت من الدموع . تشعر بالسخونة تلسع جفونها وتنتظر أن تنهمر دموعها لتخفف عنها تلك السخونة التي تحرق روحها ، وتدمي قلبها ولكن دموعها أبت النزول كأنها تريد أن تحتفظ بما تبقى لها من كرامة للأيام القادمة. ابتسمت باستهزاء وهي تفكر " انتهت دموعك ليلى ذرفت ما يكفيك من الدموع في حياتك " تمتمت بنبرة قوية لم تعتادها من قبل: لا يستحق أحد أن اذرف دموعي عليه ، لا أمي ولا عمي ولا حتى أنت عبد الرحمن .
***
نظرت بصدمة إلى السيدة فوزية وقالت لها بعدم فهم : ماذا ؟
فرددت السيدة فوزية : أنت الوحيدة هنادي التي تستطيعين إقناعه بأن يتزوج من أخرى لينجب أطفالاً أصحاء .
شعرت بالصدمة تغلفها ولا تعلم بم ترد على تلك السيدة الجبارة ، تريدها أن تقنع زوجها بأن يتزوج من أخرى ، أخرى غيرها يضمها إلى صدره ويبثها مشاعره ؟ اقشعر بدنها وأفكارها تذهب إلى تلك النقطة ليحمر وجهها بقوة وتنظر لها في غضب شديد همت بأن تصرخ بها ولكن دخول هشام المفاجئ ألجمها.....
دخل بهدوء وهو يبتسم : لم تنتظروني على العشاء أليس كذلك ؟
أطرقت رأسها لأسفل ولم تشأ أن تنظر إليه حتى لا يشعر بغضبها المشتعل بداخلها جلس على ذراع الكرسي الذي تجلس عليه وأحاطها بذراعه وهو يبتسم لأمه التي قالت : أنت من تركتنا وذهبت .
ضمها لتقترب منه وقال بهدوء : صديقي تعطلت سيارته قريبًا من هنا فذهبت إليه . انحنى مقتربا من رأسها وهمس وهو يمرر راحة يده بظهرها : ماذا بك ؟ لماذا جسدك متشنج بتلك الطريقة ؟
هزت رأسها نافية وقالت بصوت مخنوق : لا شيء.
عقد حاجبيه من ردها ليبتسم وينظر إلى أمه التي نهضت واقفة : إلى أين أمي ؟ نظرت اليه بابتسامة باهته وقالت من بين أسنانها : سأذهب للنوم وأترككما على راحتكما .
رفعت هنادي رأسها ونظرت لها بعينين مشتعلتين من الغضب فقال هشام بإحراج وهو ينتقل ليجلس في مكان آخر : ابقي أمي لتسهري معنا قليلاً .
ابتسمت السيدة فوزية بهدوء : لا حبيبي ، سأسافر غدًا إلى البلد ، فأنت تعلم إجراءات جمع المحصول. ثم أريد أن تستقر هنادي في البيت وتدير شؤونه بمفردها، فأنت تعلم أني سأتركه لكم وأذهب لأسكن بالبيت الذي بناه لي والدك رحمة الله عليه .
اقتربت منه لتربت على خده : أتمنى لك السعادة حبيبي ، تصبح على خير .
ابتسم ووقف ليقبل رأسها : وأنت من أهله أمي .
نظرت إلى هنادي بطرف عينها : تصبحين على خير بنيتي .
رددت بصوت مخنوق كاد أن لا يخرج من حلقها : وأنتِ من أهله .
تابع انصراف أمه بعينيه والتفت إليها ينظر اليها متفحصًا ، ليقفز واقفا بعدها بقليل ويغلق الباب بهدوء ، ويعود إليها ويجلس على ركبتيه أمامها ، وضع أنامله تحت ذقنها ورفع رأسها إليه بحنان: أريد أن أعلم ما بك ، ولا تخبريني أنه لا شيء . ابتسمت بتوتر : أشعر بالتوتر لا أكثر .
نظر لها من بين رموشه وقال بلهجة مصرة هنادي .
وقفت بحدة : لا شيء يا هشام ، أنا متعبة لا أكثر وأريد أن أنام . تصبح على خير . نظر لها بضيق وهي تنصرف من أمامه بحده غير مفهومه له .
زفر بضيق وتمتم : ماذا حدث وأنا لست هنا ؟
وقف وذهب خلفها ليجدها تصفق أبواب الدواليب ، وتتعامل بغضب غير مبرر . اقترب منها بهدوء وأمسك يديها بود وسحبها ليجلسها على الفراش ويجلس بجانبها . رتب على رأسها بحنان: أخبريني هنادي ما بك ؟ أنت غاضبة وأنا أشعر بذلك . أكمل بتوتر : هل ضايقتك أمي بشيء؟
رمشت بعينيها وقالت في خفوت : لا .
عقد حاجبيه : لم الغضب إذًا ؟
زفرت بضيق : متعبة ليس أكثر .
ابتسم بخفة وقال بهمس : إذًا استريحي حبيبتي . قالها بشقاوة مميزة لديها وهو يدفعها بيده لتستلقي على الفراش : إذا أردت ، سأقوم بعمل جلسة مساج مجانية لك حبيبتي .
لم تسطع إلا أن تبتسم بوجهه فقبل جبينها بحب . تنهدت وهي تشعر بقبلاته كرفرفة الفراشات تلامس وجهها ، نظر إلى عينيها : ها ، ماذا قلت ؟
ابتسمت : فيم ؟
رفع حاجبه بغرابة : في جلسة المساج.
ضحكت برقة فأدارها وبدأ بتدليك كتفيها وظهرها وهو يقول بخفة : ما رأيك سيدتي؟ هل اعتزل النيابة وأبدأ بعملي الخاص هذا ؟
ضحكت مرة أخرى ثم تنهدت وهي تشعر بأنامله تلامسها بخفة ورقة مقصودة منه لتساعدها على الاسترخاء ، شعرت بعد قليل أن ملامسته لها انقلبت لشيء آخر فتنحنحت وهي تشعر بشفتيه تلامس عنقها وظهرها ، فوجدت نفسها تقول بسرعة ودون تفكير : هشام أريد أن أخذ حبوب منع الحمل .
توقف بحده وقال بصوت أجش : ماذا ؟
استدارت لتواجهه وتقول بمنطقية حاولت أن تظهر في عينيها : لا أعتقد أنك تريد طفلاً آخرًا ككريم .
عقد حاجبيه ونظر لها باستفسار غاضب ، فأتبعت : لا أريد أن أحمل بطفل آخر يأتي لينهكنا معه في طريق علاج طويل هشام.
لاح الغضب في عينيه وقال بجمود : ماذا تريدين الآن يا هنادي ؟
قالت بنبرة هادئة : كل ما طلبته أن استعمل وسيلة لمنع الحمل حتى نقرر ما سنفعله؟
صاح هذه المرة غاضبا: في ماذا ؟
قالت بصوت مهزوز : اهدأ يا هشام.
نظر لها بغضب قالت بهدوء : اسمع نحن الاثنين نعلم جيًدا أن مصير أي طفل سننجبه أن يأتي ككريم ، وأنا لا أريد لي أو لك ذلك ، فلنكتفي بكريم الآن ونراجع الأطباء ثانية ولنرى ماذا سيحدث عندها ؟
قال ببرود : أنت تلغين فكرة الأطفال من حياتنا إذًا هنادي .
قالت بهدوء : تستطيع أن تنجب أطفالاً أصحاء.
نظر لها بتعجب : أنجب ؟ كيف ؟ بمفردي !!
قالت بقوة أكبر : اسمع ، أنا سأبقى من أجل كريم ، ولكن أنت لديك فرصة أن تأتي بأطفال غيره ويكونوا أصحاء ومثاليين أيضًا .
قال بغضب كبير : تريدين الانفصال عني ؟
قالت بسرعة : لا ، لقد قلت أني سأبقى من أجل كريم ، ولكن ما قصدته أنك تستطيع الزواج من أخرى .
قالتها بصوت مخنوق وقلب يتمزق فردد بدهشة : أتزوج من أخرى ؟
هزت رأسها بقوة وقالت بانفعال : لا يحق لي أن أمنعك من الإنجاب هشام، فأنت تستطيع ذلك .
قال بقوة : عندما أريد أن أتزوج هنادي سأفعل ، ما أريده الآن هو أنت ، أنت يا زوجتي العزيزة .
ابتعدت إلى الوراء : لن نستطيع يا هشام ، لا بد أن استعمل مانع للحمل اولاً .
قال بغضب يسطع من صوته: لم أطلب رأيك هنادي ، ولست مقتنعًا بما تقولينه ، ولن أقرر شيئاً لست مقتنعًا به .
اقترب منها والغضب يشع من جسده : وليس من حقك أن تمنعيني عما أريده . نظرت له بقوة : وعدتني بعدم الإجبار هشام ، هل ستخلف وعدك ؟
نظر لها بغضب وقال من بين أسنانه : لن اخلف وعدي ولكن لن استطيع الصبر إلى الأبد ، سأعطيك بعضًا من الوقت فقط لتعتادي الأمر .
تركها وخرج من الغرفة ليصفق الباب وراءه بقوة جعلت جسدها ينتفض . جلست بتعب على الفراش وهي تفكر لماذا فعلت ما فعلته ، ولماذا أخبرته بما تريد والدته؟ لن تنكر أن والدته محقة ، فهو من حقه أن يرزق بأطفال أصحاء .
صاح عقلها " وأنت أيضًا " ، هزت رأسها بقوة " أنا لا ، لن أستطيع أتزوج غيره ، ولكن هو يستطيع ذلك
صدح عقلها " وهل ستتحملين وجوده مع امرأة غيرك" دمعت عيناها " من أجله ، نعم " " تعلمين جيدًا أن تلك السيدة لا تريدك هنا ، وتريد أن تزوجه من أخرى ليس من أجل الأطفال كما تدعي بل من أجل أن تقهرك " انسابت دموعها " نعم أعلم ، ولكني لن أحاربها من أجل هشام ، ثم أنها محقة في رغبتها برؤية أطفال أصحاء لولدها الوحيد " " ليس من حقها على حساب سعادتك" انهمرت دموعها بغزارة " أعلم ولكن من حق هشام حتى لو على حساب سعادتي "
***
نظر لها في صدمة وهو يحاول استيعاب ما تفوهت به الآن ، خرج وراءها ونظر لها بصدمة وقال بعدم فهم ظهر على وجهه : ماذا تقولين منال ؟
ابتسمت ببرود وقالت بهدوء : أخبرك أنه حان الوقت لتنفذ الجزء الخاص بك من وعدك لي .
شعر بالارتباك وبتغييرها غير المفهوم له . فملامحها مختلفة عن تلك التي قابلته بها قال وعقله يعمل سريًعا في أسباب تغييرها : ماذا حدث لتتذكري ذلك الوعد الآن ؟ منذ فترة ونحن على وفاق ولم تخبريني بأنك تريدين مني المغادرة .
رفعت نظرها له وقالت بوقاحة : كنت انتظر منك أن تكون جنتل مان وتفي بوعدك دون أن تتذكره .
نظر لها والغضب بدأ يسمو بداخله : وماذا حدث الآن لتفكري في تذكيري ؟
نظرت إلى أظافرها وقالت بلا مبالاة : مللت من تواجدك بجانبي .
غامت عيناه واحمر وجهه بقوة فأكملت دون أن تنتظر رده : نحن انتهينا خالد ، إلى الآن وكفى ، لن استطيع تحملك بحياتي أكثر من ذلك .
عاد إلى الوراء وهو يشعر بعدم الاتزان ، قال بجمود : وإذا رفضت المغادرة . نظرت له من بين رموشها وقالت باستهزاء : خالد بك سليمان لن يفي بوعده؟ لا أستطيع التصديق ، طوال عمرك حاد كالسيف خالد ، وتفي بوعودك كما أعلم .
اقترب منها بهدوء : ماذا حدث منال ؟ أشعر بأنك مختلفة عما رأيتك منذ دقائق . رفعت رأسها وقالت ببرود : لم يحدث شيئاً ولكني لن أخدع نفسي واخدعك بعد الآن، أنا اكتفيت من حياتي معك.
دعك جبينه بحده ونظر لها قال بصبر : ولكنك أخبرتني منذ قليل أنك اشتقت إلي . اقتربت منه بغنج وقالت : نعم وإلي الآني اشتاق إليك .
نظر لها بعدم فهم فقالت بوقاحة تعمدتها : ألم تفهم إلى الآن يا خالد ، ما بيننا ليس حبًا ، أنه شيء آخر وأنت تعرفه جيدًا.
قبض كفيه بقوة وهو يشعر بأنه يريد ضربها على ما تفوهت به الآن وقال وعيناه تسود من الغضب : لم تحبيني قط .
أدارت ظهرها وأجبرتها كرامتها على أن تتبع ما تفعله وقالت ببرود : لا ، أنا لم أحبك يومًا ولكني شعرت بأشياء مختلفة معك ، ولأنك دائمًا تخضعني إليك ، فكرت لماذا لا استمتع بما تقدمه لي بدون حرب معك أو بكاء وعويل على رأسك .
لفت ونظرت له في قوة : أردت أن أريحك وأريح نفسي من الحزن الذي يخيم على حياتنا ولكن أعتقد أني وفيت وكفيت خالد .
جلس بصدمه وهربت الدماء من وجهه وهو لا يستطيع تصديق ما تقوله ، أكان كل ما شعر به وهمًا ؟ كانت تخدعه كل الفترة الماضية ، وكلمات الحب التي أطربت بها مسامعه كانت لأنه يمتعها فقط لا أكثر ، كانت تستغل حبه لها فقط لا أكثر .
نظر لها وهو يجز على أسنانه فقالت بهدوء : من فضلك خالد ، كن كما تعودت منك، رجلا شهمًا وتنفذ وعودك .
تحول الغضب بداخله إلى برود وقال بابتسامة متهكمة : شكرًا لأنك ايضًا أمتعتني الفترة الماضية منال .
شعرت بقلبها يدمي وهو يتبع وعيناه تلمعان بخبث كرهته فيما مضى : الغرض كان متبادلاً عزيزتي .
اتسعت عيناها وقالت بصوت مخنوق : إذًا أنت الآخر كنت تفكر بنفس الطريقة. اتسعت ابتسامته الخبيثة واقترب منها بهدوء : بالطبع ، ألا تعلمين المثل الشهير ، الطيور على أشكالها تقع.
نظر لها وقال بوقاحة وهو يمرر يده على كتفها العاري : ومن الواضح أننا نشبه بعضها نحن الاثنين ، نشبه بعض كثيرًا.
شعرت بالغصة تسيطر عليها والدموع تتجمع بحلقها ولكنها نهرت نفسها على الظهور بمظهر الضعيفة الآن فرفعت رأسها بتصميم وعيناها تلمع بكراهية .
أتبع ببرود : اسمحي لي لن أستطيع أن أطلقك الآن ، فأحوال البيت مضطربة كثيرًا وعمي لا ذنب له فيما يحدث بيننا ، ولكن أعدك أني سأنفذها عندما تسنح لي الفرصة لي سأطمئن على الطفلين وأذهب ، أراك على خير .
اتجه إلى باب الغرفة وهي توشك على البكاء . ناداه قلبها بخفوت " لا ترحل خالد ، أرجوك لا ترحل . ابق معي ، أخبرني أنك تحبني ، أخبرني أنك لم تتزوجني من أجل باسم ، أخبرني أنك تريديني كما أريدك ، أخبرني أن كل ما تفوهت به الآن كان حماقة ، ضمني إلى صدرك وقبلني بلهفة وأخضعني لحبك كما تفعل دائمًا " وقف وهو يمسك بمقبض الباب ، لا يريد الرحيل ، يشك في كل ما قالته ولكن يشعر بغضب فعلي منها ، كرامته وعقله ينهراه على ما يريد أن يفعل ، " أعطيتها أكثر من فرصة خالد ، لم تكن ضعيفًا من قبل ولن تكون ضعيفًا الآن " يريد أن يضمها إلى صدره ضمة أخيرة ، يريد أن يستنشق رائحتها ، يموت من شوقه لها . صرخ عقله " احترم رجولتك وغادر الآن بكرامتك قبل أن تدفعك هي بعيدًا عنها مرة أخرى" التفت ونظر لها في أمل منه لرؤيتها وهي تبكي لفراقه ، أو أن يخبره وجهها بحبها له ، وأن ما تفوهت به منذ قليل كان كذبًا رفعت رأسها في كبرياء وابتسمت ببرود وعيناها تلمع بتصميم على رحيله عندما وجدته يلتفت لينظر لها . ابتسم بسفالة وقال متشدقًا : ألا تريدين ليلة وداع منال ؟
نظرت له في استنكار فأكمل بجبروت : إذا اشتقت لي في أي وقت ، أخبريني . قالت بقوة : لا أريد أن أراك مرة أخرى يا خالد.
ابتسم ببرود : إلى اللقاء عزيزتي . خرج وأغلق الباب خلفه وقف يستند عليه وهو يشعر بزخم من المشاعر يضخ بداخله ، مشاعر شوق .... لهفة ... غضب .... ألّم ، لا يعلم ولكن ما يعلمه أنه يريد أن يغادر من هنا حالًا ، لن يستطيع البقاء ولو لحظة واحدة ، لأنه يعلم جيدًا أنه إذا بقي سيبعثر كرامته ويذهب لها يرجوها أن تأخذه بين ذراعيها. نفض من رأسه تلك الفكرة واتجه في خطوات واسعة إلى غرف الطفلين ليودعهما قبل أن يرحل كما تريد منال .
***
__لا افهم لماذا أنت غاضبة هكذا؟
قالت بغضب طفولي : لا تثيري غيظي يا سوزي ، ألا تفهمين ما أقوله ؟ أخبرك بأن بلال وأمي يتعاملان معها كملكة متوجة وهي لا تستحق ذلك .
ابتسمت سوزي : هذا طبيعي يا ايني ، إن أمك مشتاقة لها ومن المؤكد أن بلال يدللها حتى يشعرها بالراحة لا أكثر .
زمت شفتيها بغضب فرتبت الأخرى على كتفها: حاولي أن تقتربي منها ، ربنا أنعم عليك بنعمة لا تقدرينها.
نظرت لها شذرًا : نعمة؟! أي نعمة تتحدثين عنها سوزي ؟
ابتسمت سوزي بهدوء : أن يرزقك الله بأخت ، تصادقينها وتصادقك ، تقضي معها معظم وقتك ولا تكوني وحيدة طوال الوقت .
عقدت ساعديها أمام صدرها وتبرمت غاضبة فضحكت سوزي : ستعتادينها مع الوقت إيناس ، ثم أنا متأكدة أنها ليست سيئة لتلك الدرجة.
همت بالرد لتصمت وهي ترى بلال يدلف من الخارج : حسنًا أغلقي الموضوع الآن ، فهو يعمل كمحامي عام للأنسة ليلى .
ابتسمت سوزي بتوتر وهي تتحاشى النظر إليه ، في حين وقفت الأخرى وتقدمت اتجاهه وهي تقول بغلاسة: كيف حالك اليوم يا بلال بك ؟
زفر بملل : إيناس أنا متعب ولا أريد أن أتشاجر معك.
ابتسمت تلك المرة بأخوية : لا أريد أن أتشاجر معك قلقت عليك حين تأخرت .
قبل رأسها : كنت أدبر أمور العمل في فترة غيابي ولذا تأخرت .
ابتسمت باتساع : حسنًا ابدل ملابسك وتعال لتتناول معي أنا وسوزي العشاء .
التفت في حدة وهو ينظر لأول مرة لتلك الجالسة على الأريكة، ركز نظره عليها في حين أرادت هي أن تبتلعها تلك الأريكة الحديثة حتى تتحاشى سهام نظراته .
قال باقتضاب : ليس لدي شهية ، سأطمئن على أمي وليلى واخلد إلى النوم.
زفرت إيناس بملل : ليلى .
نظر لها بغضب : ألديك اعتراض يا آنسة ؟
لوت شفتيها بملل فأتبع : اعتدلي إيناس ، لست بمزاج لك الآن وإلا كان لي كلامًا آخر .
قالت بدلال طفولي : اذًا لن تتناول معنا العشاء ، لقد أعددته بنفسي ، ثم من أجل سوزي .
أدار لها ظهره وهم بالمغادرة وهو يقول : اذهبي لأختك وأطلبي منها أن تأتي لتتعشى معنا وإذا وافقت سأتناول معكن العشاء .
قالت بغيرة حقيقية تجلت في صوتها: إذًا ستأتي من أجل ليلى فقط .
ابتسم وهو يربت على خدها : بل من أجلك أنت وليلى ، أنتما اغلى ما لدي، ولا يستحق أي شخص آخر أن أفعل أي شيء من أجله .
ثبت نظره عليها لترفع هي عينيها وتنظر إليه في صدمة وتتألق الدموع بعينيها . أما هو فرفع رأسه بكبرياء وغادر المكان في صمت .
ابتسمت إيناس بطفولية ولم تنتبه لحالة ابنة عمتها وقالت : سأذهب لأنادي ليلى . دخل إلى غرفته وهو يشعر بالغضب يعميه ، غاضب منها ، لا ..... بل غاضب من نفسه ، غاضب من قلبه الذي دق لها ، غاضب من عينيه اللتين التهمتا تفاصيلها بشوق ، غاضب من مشاعره التي رقت لها ، غاضب من شعوره بالندم لإيذائها ، غاضب لأنه أراد أن يضمها إلى صدره عندما رأى عينيها وهي تترقرق بدموعها اللؤلؤية .
رمى جاكيت بدله بعنف وهو يسب نفسه وقلبه ، أغمض عينيه وحاول أن يدفعها بعيدًا عن أفكاره ، لينتفض على صوتها وهي تقول : كيف حالك بلال ؟
التفت لها بحده وقال بغضب : ماذا تفعلين هنا؟
أطرقت برأسها ونظرت إلى الأرض وقالت بخفوت : جئت اسأل عن أحوالك .
قال بحدة : اخرجي من هنا حالًا ، ولا تدخلي إلى غرفتي مرة ثانية .
تقدمت إلى منتصف الغرفة وقالت ببراءة لمعت في عينيها : ماذا بك بلال ؟ لماذا أنت غاضب بتلك الطريقة ؟ ليست المرة الأولى التي أدخل بها إلى هنا .
قال بغضب مكتوم : ولكنها ستكون الأخيرة .
تلعثمت : بلال من فضلك لا تكن قاسيًا ، لقد اعتذرت لك أكثر من مرة وأبديت ندمي على ما حدث ، والمشكلة التي تسبب بها انتهت على خير ، الحمد لله .
اتسعت عيناه بغضب وأمسكها من ذراعها وهزها بانفعال وهو يصبح بقوة : هذا ما يهمك ؟ أن المشكلة انتهت على خير ؟ ألم تفكري ولو لمرة واحدة بي وأنا أذهب لاتفق مع سيادة الوزير بدلاً عن الإتيان بحقي وحقك من ولده الغالي ؟ ألم تفكري بمدى قهري وأنا أوافق على التنازل عن الدعوى بدلاً من أن انتقم من ذلك الحقير الذي كاد أن يلوث سمعتنا ؟ ألم تفكري بي ولو مرة واحدة وأنا أدفن مشاعر ضيقي وحنقي من ابنه العزيز من أجلك ومن أجل سمعتك؟
نظرت له وقالت هامسة : ما زلت تحبني اذًا .
دفعها بعيدًا عنه وهو ينفض يده منها: سأرمي قلبي للكلاب ينهشونه قبل أن يدق لك مرة أخرى .
قالت بعدم ثقة : لا أصدقك .
قال بغضب وكره حقيقي : بلى صدقي يا ابنة عمتي العزيزة ، فقلبي لم يعد يخفق لك منذ أن أهدرت كرامتي وأنا لن أسامحك على ذلك أبدًا .
اغرورقت عيناها بالدموع واندفعت تركض إلى الخارج إلى ان خرجت من باب الشقة .
***
انتبهت من أفكارها على أحد يدق الباب فقالت بهدوء: تفضل .
فتحت الباب وهي تبتسم بتوتر : مساء الخير يا ليلى .
التفتت لها وابتسمت ببرود :مساء النور يا إيناس ، تفضلي بالدخول .
__جئت أخبرك أن العشاء جاهز.
ابتسمت ليلى بدفء : حسنًا، سآتي شكرًا لك .
خرجت من غرفة ليلى لتفاجئ بسوزان تركض خارجه من غرفة بلال وهي تبكي بقوة ، نظرت إلى شقيقها الواقف بباب غرفته وينظر في أثرها فقالت بانزعاج : ماذا حدث بلال ؟ لماذا تبكي سوزان بتلك الطريقة.
نظر لها وقال بجمود : لا أعلم ، ولن أشغل رأسي ببكاء ابنة عمتك العزيزة.
نظرت له باستنكار فرمقها بحدة: اذهبي وأعدي العشاء كما أخبرتني إلى أن أرى أمي .
تحركت أثناء خروج ليلى من الغرفة فابتسمت باتساع : مساء الخير بلبل.
ضمها برقة: مساء النور ، كيف حالك الآن ؟ بخير الحمد لله .
امسكها من يدها : تعالي معي سأرى أمي .
ابتسمت بتوتر : لا اذهب أنت ، سأذهب وأساعد إيناس في تحضير العشاء .
نظر لها مليا ليقول بهدوء : على راحتك ليلى .
انصرفت بخطوات مرتبكة خلف إيناس وهو ينظر لها ، تنهد بقوة وطرق الباب ليسمع صوت أمه تدعوه إلى الدخول ، ابتسم بهدوء ودلف : مساء الخير أمي . راعه مظهر أمه الباكي وشهقاتها المتتالية ليسرع إليها ويأخذها بين ذراعيه : ماذا حدث ؟ هل أنت متعبة ؟
قالت بشبه انهيار : ليلى لن تسامحني أبدًا بلال .
تنهد بقوة وربت على ظهر أمه وهو يحتضنها بحنان : اهدئي أمي ، أنها مصدومة لا أكثر .
هزت رأسها نافية : لا .. شعرت بأن الحاجز بيننا ارتفع إلى السماء وأنها لن تسامحني أبدًا .
قبل رأسها بهدوء : أمهليها بعضًا من الوقت أمي ، لتهدأ وتفكر فيما أخبرتها به . وإذا غضبت لكثير من الوقت اعذريها أمي ، من حقها أن تغضب . تغضب من أجل سنوات الوحدة والبعد بعيدًا عنا ، تغضب من أجل مشاعر الأمومة التي افتقدتها ، تغضب من أجل تربيتها في بيت شعرت طوال عمرها أنه ليس بيتها. رفع رأس أنه ونظر إليها : لابد أن تستوعبي كمية الغضب التي تشعر بها أمي وتحتويها، لابد أن نستوعب جميعًا مشاعرها ونحاول أن نفرغ ذلك الغضب المتكدس بداخلها .
مسح دموعها بأنامله وابتسم مطمئنًا لها : وثقي بي أمي بعد القليل من الوقت ستزول مشاعر الغضب من ليلى وتتعامل معنا بطبيعتها .
ابتسمت الأم بأمل فأتبع ضاحكًا : هيا تعالي معي فإيناس أعدت العشاء بنفسها اليوم وأنا أريد أن نجتمع كلنا ، من أجل أن تشعر ليلى بوجود أسرة حقيقية حولها. ابتسمت بحب لولدها الحنون وقالت بصوت مبحوح : حسنًا سآتي معك ولكن بعد أن تخبرني بسبب غضبك أنت .
عقد حاجبيه وأبعد عينيه عنها وقال بدهشة مفتعلة : غضبي ، أنا لست غاضبًا . ابتسمت أمه وأجبرته على النظر إليها : بلال ، أنا أمك وأعلم متى تكون غاضبًا ومتى تكون سعيدًا ومنذ أسبوعين وأنت لست بمزاجك الطبيعي . أشعر بتغييرك ، في أول الأمر فكرت أنك متوتر من وجود ليلى ولكن بعد ما رأيت مدى علاقتك بها وكيف اقتربتما من بعض استنتجت أنه أمر خاص بك ،
صمتت قليلاً وقالت بسكون : وبسوزان أيضًا.
احمرت أذناه بقوة وقال من بين أسنانه : لا شيء يربطني بسوزان أمي لأغضب من أجله .
تنهدت بقوة : ما تقوله سبب آخر لأسألك لماذا عدلت عن فكرة زواجك من ابنة عمتك بعد أن كنت قررت أن تخطبها قبل أن تهني دراستك الجامعية .
نظر لها وقال بجمود : وهي رفضت الزواج مني أمي .
قالت الأم بلهجة جدية : لا بلال ، لقد رفضت التوقيت فقط وقالت أنتظر إلى أن أنهي دراستي .
هز كتفيه وقال بلا مبالاة : وأنا الآن لست مهتمًا أمي .
صاحت أمه غاضبة : كيف بلال ؟ عمتك ترفض عرسان ابنتها من أجلك أنت وأنت تقول لست مهتمًا الآن؟
ابتسم ببرود : اعتذري لعمتي أمي واخبريها أن تقبل بهم ، فأنا لن أهتم وأرجوك أمي لا أريد التحدث بذلك الأمر ثانية .
انصرف وهو يزفر بضيق وسط دهشة أمه من موقفه غير العقلاني ويختلف عن تصرفاته اختلافًا جذريا تمتمت بخفوت ترى ماذا حدث بينهما جعل بلال غاضب لدرجة أن لا يهتم بغضب عمته وخاطرها ، والأهم خاطر سوزان التي يعشقها من صغره؟ أتبعت بخفوت : استر يا رب.
***
أطلت عليها بابتسامة هادئة : هل تحتاجين مساعدة؟
لفت لها إيناس في دهشة : لا أشكرك ، ولكن هل تستطيعين الطهو؟
ضحكت ليلى بسخرية : طبعًا، أنه من هواياتي .
رفعت الأخرى حاجبيها بدهشة : الطبخ من هواياتك ، أنت غريبة إذًا .
سألتها ليلى باهتمام : لماذا ؟ ألا تستطيعين طهو الطعام؟
ضحكت إيناس بقوة : لا طبعًا، أنا لا أعلم كيفية سلق البيض .
نظرت لها ليلى بدهشة : ظننت أنك من أعددت العشاء .
ضحكت بقوة مرة أخرى : لا طبعًا أنا لا أفعل شيئاً . أنها دادة بدرية التي تفعل كل شيء وأنا أعاونها في رص الأطباق وإعداد المائدة ، وليس دائمًا أيضًا .
أطرقت ليلى رأسها وابتسمت بسخرية وهي تفكر " طبعًا أنها كياسمين أميرة متوجه لا تفعل شيئاً " نهرت نفسها على الحقد اللحظي الذي نمى بداخلها واستاءت من مشاعر القهر التي اشتعلت بنفسها ورفعت رأسها وهي تبتسم ابتسامة هادئة كعادتها: إذا أردت تعلم الطهو فأنا بالخدمة .
نظرت لها إيناس بنظرة تقييمية : هل تستطيعين طهو الطعام بأنواعه أم أكلات خفيفة فقط ؟
ضحكت ليلى بخفة : بل أطلبي وتمني وأنا سأطهو الصنف الذي تفضلينه.
لمعت عينا إيناس بتقدير وقالت : يا خسارة سنسافر غدًا .
تقدمت ليلى منها بهدوء : عندما نعود أمامنا بقية العمر معًا ، إن شاء الله .
قالت إيناس بغباء : إذًا ستبقين معنا ولن تعودي لعمك .
احمر وجه ليلى بقوة وهمت بالرد لكن قاطعها صوت بلال الحاد وهو ينظر بغضب إلى شقيقته : بالطبع ستبقى معنا إيني ، من الآن وإلى آخر العمر ، هذا بيت ليلى ولن تغادر إلى أي مكان إلا بيت زوجها إن شاء الله .
قالت إيناس بارتباك : لم أقصد شيئاً بلال ، كنت اسأل فحسب .
نظر لها بلوم: وأنا أجبتك فحسب .
تقف مسمرة ... جامدة .... كتمثال الشمع حديث التكوين ، شعرت بالامتنان يغزوها وأن أمنيتها في وجود بلال ، ولكن كل مشاعر الامتنان ذهبت وهو يذكر زواجها ، ليست مشاعر الامتنان وحدها بل كل ما تشعر به توقف . تشعر بأن خلايا جسدها تيبست ، دمائها التي تجري في عروقها تجمدت ، عندما سمعت تلك الكلمة " بيت زوجها " تجسد بكل خلجاته أمامها بلمعة عينيه السوداوين ، بابتسامته الماكرة ، بهمسه الساحر ، بغزله الجريء ، بفخامته الملكية ، ترددت كلماته الأخيرة في أذنيها، اعترافه بحبه لها ،
انتبهت من أفكارها على صوت بلال وهو يهتف ويهزها بهدوء :ليلى .
نظرت له بنظرات زائغة فأتبع : هل تشعرين بالتعب ؟
هزت رأسها نفاية وحاولت الابتسام ولكنها لم تستطع فسأل بلال بتصميم : لماذا وجهك محمر هكذا؟
وضعت كفيها بتلقائية وهي تشعر بالإحراج من أفكارها : لا أعلم ، من الممكن أنه من جو المطبخ الساخن.
عقد حاجبيه بتفكير وهو ينظر إليها متفحصًا فأتبعت بارتباك . سأعد أنا المائدة ، إيناس ناوليني الأطباق من فضلك .
أخذت الأطباق من إيناس واندفعت مغادرة المطبخ حتى تستطيع السيطرة على مشاعرها قليلاً فكرت بقهر " اتركني بحالي عبد الرحمن ، أريد أن أنساك ، أريد أن أنسى تلك الفترة من حياتي ، أمحوها كلها ، لا أريد أي شيء يذكرني بك " رفعت رأسها بكبرياء ولمعت عيناه بتصميم وقوة " سأمحوك من قلبي ومن عقلي أيضًا، لن يكون لك وجود بعد الآن" .
أنت تقرأ
سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول رواية " امير ليلى "
Romanceاقترب منها ثانية فحاولت الصراخ بقوة، محاولتها الفاشلة في الصراخ أيقظت ما تبقى من عقله الذي كاد أن يذهب مع الألم المبرح الذي يشعر به ، وقف بكل قوته واندفع ناحيته ليسحبه من أكتافه بقوة راميًا به إلى الحائط ليصطدم به الآخر قويًا، لكمة مرتين بقوة...