الفصل الحادي عشر

6.8K 178 3
                                    

تأفف بضيق وهو يحاول أن يفتح عينيه ، ويرى سبب تلك الجلبة التي تحدث بجانبه ، تنهد وهو يرفع رأسه ويمسك هاتفه بعد ما تأكد أنه سبب الجلبة التي تحدث ، فتح الخط دون أن يرى اسم المتصل ليصل له صوت أحد زملائه بالإذاعة يقول بتوتر : أين أنت وليد ؟ باكينام تبحث عنك من يومين واليوم ثائرة بشكل غير طبيعي وتتشاجر معنا وكلفتنا بأن نبحث عنك ونأتي بك من تحت الأرض .
زفر بضيق : حسنا ، سآتي حالا ، سلام .
قام من فراشه وارتدى ملابسه بملل وهو يفكر فيما تريده السيدة باكينام لتبحث عنه بتلك الطريقة ، وصل إلي مقر الإذاعة ودخل إلي هناك بطريقته النجومية المعتادة ، ابتسمت له سكرتيرة باكينام لتقول له بتوتر : تفضل ، إنها تنتظرك .
خلع نظارته الشمسية ليدخل إلي مكتبها ويقول بسخرية شديدة : ماذا حدث ؟ هل سينهار مبنى التلفزيون ، أم ستندلع الحرب العالمية الثالثة لتبحثي عني بتلك الطريقة؟
لفت له بكرسيها المتحرك لتنظر إليه بحدة شديدة وتقول ببرود : لا يا سيادة النجم ، بل شيء يهمك أكثر ، أنت موقوف عن العمل ومحول للتحقيق .
نظر لها بسخرية : لماذا ؟ لأني لم ألبي رغبات مديرتي الغالية .
احتقن وجهها بقوة وقالت بحدة : أنت متهم بالتحرش الجنسي يا أستاذ .
جلجلت ضحكته ليقول بسخرية لاذعة : أنت تتهميني بالتحرش يا باكي ، هذا أمر لا يصدقه عقل ، فأنت من تحرش بنصف الذكور العاملين بالإذاعة
قفزت واقفة وهي تقول بحده : احترم نفسك يا وليد .
صمت عن الضحك وقال بسخرية مؤلمة : نحن الاثنان وجهين لعملة واحدة فلا تلعبي معي تلك اللعبة الخاسرة .
نظرت له بكره واضح : لم أقدم بك أي شكوى وليد بل فتاة أخرى من قدمت الشكوى
قال بهدوء وهو يجلس بلا مبالاة : لم أتحرش بأي من العاملات هنا، وأنت تعلمين ذلك جيدًا .
ألقت إليه بورقة الشكوى ليقرأها ، انتفض واقفا وهو يقول بحده : سوزي ، لم اقترب منها إطلاقًا .
ضحكت بخبث وهي تسحب منه الورقة : هذا تقوله بالنيابة لقد فعّلت الشكوى وليد .
نظر لها بحدة : باكينام لا تزجي بالفتاة فيما يدور بيننا ، لا ذنب لها .
ابتسم بخبث شديد : ما الذي يدور بيننا وليد .
صرخ بحدة : عليك اللعنة باكينام ، أنت تعلمين جيدا عما أتحدث ، الفتاة قدمت الشكوى هنا بإدارة الإذاعة ، لماذا تقدميها أنت بالنيابة وتزجي الفتاة واسمها وسمعتها في التحقيقات .
نظرت له وقالت بوقاحة :إذا كنت تخاف عليها ، نستطيع أن نجد حلًا .
نظر لها والغضب يتأجج بعينيه : وما هو ؟
اقتربت منه وقالت بدلال خبيث : ما رأيك أن نتزوج ؟
نظر لها بدهشة وقال بغباء : ماذا ؟ 
جزت على أسنانها : سمعتني جيدًا .
ضحك بقوة وقال من بين ضحكاته : تمزحين ، أليس كذلك ؟
نظرت له بغضب : توقف عن الضحك وليد ، فأنا لا أمزح معك ، أتكلم بجدية كما قلت أنت منذ قليل ، نحن وجهين لعملة واحده .
قال بسخرية والابتسامة تزين شفتيه : ألم أخبرك باكي ؟ أنا نويت أن أجدد مظهري أصنع نسخة جديدة مني ، وتلك النسخة لن تتوافق معك أبدًا .
قالت بقهر : استمتع بها في السجن وليد .
ابتسم ساخرًا وهو يتوجه إلي باب المكتب : لم تعرفي إلى الآن من هو وليد الجمّال
نظرت له بكره : وأنت أيضًا لم تعرف من أنا وليد .
ابتسم هازئًا وهو يخرج من باب المكتب : ولا أريد أن أعرف .
صرخت في أثره : ستعرف عندما تذهب إلي السجن .
***
يقف ينظر إلى العمارة التي أوصلها بها ، يريد أن يراها ، يتكلم معها يريد أن يفهم سر علاقتها بوليد ويريد أن يروي ظمأه منها تنهد بقهر وذكرى مشاجرته مع جده لازالت ساخنة بعقله ، هذه المرة كان عنيفا لم تهمه دموع أمه ولا غضب جده بل انفجر كالبركان الذي ظل يخمده لمدة سبع سنوات كاملة ، أخذ قراره ليندفع إلي داخل العمارة وهو مُصر أن يجدها ويراها ، يعلم جيدًا أنها تسكن بأحد الأدوار السفلية ، فهي عندها رهاب الأدوار العليا ، ولا تستطيع أن تسكن بها ، ابتسم وهو يسمع صوت فيروز يصدر من إحدى الشقق فاتجه إليها سريعا ، يعلم أنها مغرمة بفيروز وأنها من عشاقها وقف أمام الباب وهو يشعر بالحيرة تمتلكه ماذا سيقول لها ؟ بماذا سيفسر لها وجوده؟
في وسط حيرته سمع صوتها الجميل وهي تردد مع فيروز "بيطلع عبالي أرجع أنا وياك ، أنت حلالي أرجع أنا وياك ، أنا وأنت  ملا أنت "
ابتسم بشجن وركن جبهته على الباب وهو يشعر أنها تناجيه بتلك الكلمات ، شعر بقلبها يستجدي رجوعه ولكنه يعلم جيدًا أن أفعالها ستكون شيئاً مختلفًا  ،تمتم بحنق : اللعنة على كبريائها السخيف
تقف في مطبخها ، تعد الطعام ،وهي تشدو مع أغنية فيروز الجميلة " كيفك أنت "
بصوتها المبحوح ولكنتها الفرنسية ، تشعر بالحنين والشوق يمزقها إليه ، كم تريده بجوارها ، نظرت إلي الطفل الصغير الجالس بمنتصف الصالة يلعب بألعابه المتفرقة هنا وهناك ،ويصفق بيديه عندما يفعل شيئا ممتعا
اغرورقت عيناها بالدموع ليعلو صوت فيروز بأذنيها وتردد هي معها بحنين واضح في صوتها : " بيطلع عبالي أرجع أنا و إياك
أنت حلالي ارجع أنا وياك
أنا و أنت ملا أنت "
تنهدت بحرقة وهي تكمل إعداد الطعام لطفلها الصغير وهي تبتسم بشوق ، كم تمنت أن تخبره عندما لاقته بالصدفة ولكنها لن تستطيع أن تهدم كل ما بنته بينهما في تلك السنوات الفائتة ، تمايلت بخفة وهي تعد الطاولة لتجلس هي وطفلها ليتناولا طعامهم وهي تشدو بمزاج عال وإحساس صادق :
بتذكر آخر مرة شو قلتلي
بدك ضلي بدك فيكي تفلي
زعلت بوقتا و ما حللتا
أنو أنت هيدا أنت
بترجع عراسي رغم العيال و الناس
أنت الأساسي و بحبك بالأساس
بحبك أنت ملا أنت

شعر بحنينه يجرفه لها وهو يسمعها تشدو بتلك الطريقة المحببة إلي قلبه ليضع يده على الجرس ويضغط عليه بقوة ، أتاه صوتها تتكلم مع أحد بالداخل ليشعر بالغضب يمتلك حواسه وهو يتساءل " مع من تتكلم ؟"
رن جرس الباب وهي تضع طفلها بكرسيه فقالت بحنان وهي تقبل رأسه : انتظر حبيبي لأرى من هذا الجائع الذي سيشاركنا طعامنا
اتجهت للباب وفتحته بابتسامة ودود وهي تتوقع أنها جارتها السيدة المسنة التي تأتي لتلعب مع "كريم" وتسأل عنها ، تلك السيدة الجميلة التي تشعرها بأنها والدتها فتحت الباب وهي تقول بمرح : حماتك تحبك أمي .
لتتجمد ابتسامتها وتنظر إليه بدهشة ثم تنظر إلي نفسها بارتباك وتقول بتلعثم : هشام.
نظر لها بهدوء وحاجبيه المعقودين وهي ترتدي فستان قصير وردي اللون ، خطى داخل البيت وقال بحدة : أدخلي من أمام الباب حتى لا يراك أحد .
تراجعت إلي الوراء ليهم هو بغلق الباب فتقول بقوة : لا تغلقه من فضلك ، فأنا بمفردي هنا .
نظر لها ورفع أحد حاجبيه وقال باستهزاء :حقا؟!
أغلق الباب بحركة حادة وهو يقول : وأنا زوجك أم أنك نسيت ؟!
قالت بحده : بل أنت من نسيت هشام ، أنت طليقي .
ابتسم بسخرية شديدة : لا حبيبتي ، أنا زوجك ، فأنا لم أطلقك عند المأذون بل رميت يمينًا واحدًا ورديتك بعدها بأسبوع .
نظرت له في هلع وهو يردف : أنت تذكرين بالطبع مكالمتنا الهاتفية التي توسلت لك بها أن تكفي عن تلك الحماقات وعندما صممتِ على موقفك قلت لك أني رديتك إلى عصمتي
اقترب منها وهو ينظر إلي عينيها الرمادية : ثم إذا كنت تناسيت تلك المكالمة هنادي نسيت آخر ليله لنا معا ، كانت بعدها بيومين .
ترقرقت عيناها بالدموع وهو يمسك معصمها بقوة : نسيت هنادي ، أم تناسيت كل ذلك، أنت زوجتي هنادي شئت أم أبيت ، وستعودين إلي رغمًا عنك .
ضمها إلي صدره بقوة لتصرخ به بحدة وهي تدفعه عنها : هشام ، ابتعد عني أرجوك .
تعالى صوت صراخها فجعله أكثر تصميمًا على إخضاعها إليه لينتبه على صوت بكاء طفل يشق مسامعه ،ابتعد عنها بحدة وبحث بعينيه عن ذلك الطفل الباكي ، اتسعت عيناه بذهول وهو يرى طفل كبير جالس بكرسي مخصص لأكل الأطفال يبكي بقوة ويضرب بيديه طاولة الطعام ، التفت لها بحدة ومسكها من ذراعها بقوة ، وسأل بغضب : من هذا؟
***
تقف بالمطبخ تنتظر أن تغلي المياه لتحضر كوب قهوتها الأمريكي السريع وتأخذه وتدخل إلي غرفتها وتعود إلي اعتصامها ، فهي من يوم الخطبة تعتصم بالغرفة ولا تخرج إلا للضروريات ، حتى الأكل لا تفكر به ، أعلنت صفارة الغلاية  عن انتهاءها لتصب قهوتها وتخرج من المطبخ سريعا قبل أن ترى والديها أو ليلى ، فليلى تؤنبها على حالتها تلك وتطلب منها باستمرار أن تنفض تلك الكآبة عن نفسها ، قبل أن تدخل إلي غرفتها سمعت أمها تقول بهدوء : ياسمين .
ابتلعت ريقها ، فآخر ما تريده مواجهة مع أمها وهي تشعر بذلك الضعف الشديد المتجذر بروحها ، التفتت إليها بهدوء : نعم أمي .
نظرت لها متفحصة لتقول آمرة بهدوء : تعالي أنا أريدك .
تركتها ودخلت إلي جناحها لتترك ياسمين في سخط شديد ، زفرت بضيق وتبعت أمها إلي الداخل ،
أشارت أمها الجالسة لها بأن تجلس أمامها وقالت بهدوء : ما بالك؟
نظرت لها وقالت بهدوء شديد : لا شيء .
__ أين هشام ؟ من يوم الخطبة وهو لا يأتي ولا يتصل بك ولا يقابلك .
تذكرت هشام الذي اتصل بها اليومين الماضيين مرة واحدة فقط ولم تستغرق المكالمة سوى ثلاث دقائق اطمئن عليها وأغلق الهاتف ، رفعت عيناها لأمها وقالت بسعادة اصطنعتها : أنه يهاتفني يوميا ولكنه مشغول بأمور خاصة بالعمل .
نظرت لها أمها بنظرة ثبرت داخلها وقالت بحدة هادئة : تكذبين ياسمين ، لماذا؟
ارتبكت وقالت بتلعثم : لا أكذب ماما .
صاحت السيدة إحسان : بل تكذبين ، أنا والدتك يا فتاة أشعر بك وأفهمك دون أن تتكلمي
نظرت لها ياسمين بضيق : لا أريد أن أتكلم ماما ، أليس من حقي ؟
صاحت إحسان هانم بحدة : لا ليس من حقك ، عندما أسألك عن شيء ،تجيبينني عليه دون مراوغة .
نظرت لها ياسمين وقالت بحدة هي الأخرى : ولماذا أنت تتجاهلين أسئلتي ولا تجيبينني عليها ؟
نظرت لها إحسان بقوة : الوضع مختلف ياسمين .
زمت ياسمين شفتيها بغضب وأشاحت بنظرها بعيدا وعقدت ذراعيها أمام صدرها وكأنها تعلن رفضها لتبادل الحديث ، نظرت لها إحسان هانم وفهمت ما نوته ياسمين ، فتنهدت بألم واتبعت بهدوء ولهجة أقل حدة : أتتوقعين بنيتي أني لا أشعر بك ؟
نظرت لها ياسمين بدهشة لتكمل الأخرى :أتعلمين ياسمين لم أستطع أن أنجب بعدك فولادتك كانت صعبة للغاية أدت لحدوث مشاكل عندي بالرحم فلم أستطع الإنجاب ثانية، أنت طفلتي الوحيدة ، أنت عمري كله
نظرت إلي ابنتها المندهشة من حديث أمها لتردف السيدة إحسان وهي تبتسم لها : أعلم أنني بأوقات كثيرة كنت شديدة معك أو قاسية ، ولكن الأم عندما تقسو تكون قسوتها من أجل مصلحة أبنائها ، أعلم جيدًا ما بك بنيتي ، ولا يعجبني ما أنت فيه
خفضت ياسمين بصرها لتتابع السيدة إحسان بمرارة : أعلم جيدًا عندما تعشقين من لا يهتم لأمرك
نظرت لها ياسمين بعينين متسعتين من الذهول فأكملت السيدة إحسان : لطالما تساءلت ياسمين عن سر معاملتي السيئة لليلى ، وكنت أرفض أن أجيبك اليوم أنت ناضجة بما فيه الكفاية أن تعلمي السر
نظرت لأمها متسائلة : اخبريني ماما .
نظرت السيدة إحسان لصورة زواجها التي تتوسط حائط غرفة النوم : أحببت والدك من أول يوم رأيته ، حينها كان يأتي لأبي ليساعده في دراسته ، أبي كان مبهورًا بذكاء كامل وحسن أخلاقه ، تنبأ له بمستقبل باهر ، كان يتعامل معه على أنه ابنه الذي لم ينجبه ، خليفته كما كان أبي يناديه ، وعندما عرض أبي علي أن يزوجني إياه ، شعرت بفرحة عارمة وأن السعادة آتيه لا محال ، وافقت على الزواج منه
وبالفعل كان طموح ، طموحه شرس ، وعندما كان أبناء جيله يصعدون سلم العمل ببطء ، كان هو يقفز بقوة لم يتجاوز يوما ولكنه كان يفني نفسه للعمل حتى أصبح من أصغر القضاة في ذلك الوقت ، لم يفتح لي قلبه يوما ولكنه كان مخلص دومًا .
إلي أن توفى عمك ، أصبح يتردد على بيت أخيه كثيرًا إلي أن بدأ الناس بالتهامس عن الأرملة واخو المتوفى ، وفوجئت بيوم من الأيام بماجدة تدق باب منزلي لتخبرني بأن أكف عنها زيارات سيادة المستشار ، نظرت لها بدهشة فأخبرتني بوقاحة أنه طلب منها الزواج ولكنها رفضته ، فهي كانت أمامه من بداية حياته وهي لا تريد رجل امرأة أخرى وأن ما فات بينهما لن يعود يومًا ، ولأني بحياته وهي لا تريد أن تهدم بيتي ، وأخبرتني إنها ستتزوج ، وتأخذ ليلى ويسافرون لبلد أخرى فزوجي العزيز يهددها بابنتها القاصر ، شعرت يومها بالقهر ، لم يحبني يوما من أجل ماجدة أنا حفيدة الشوربجي باشا ، يفضل علي تلك الماجدة، أتبعت بمرارة واضحة - تزوجت ماجدة وفوجئت بليلى أمامي وأباك يصدر فرمانًا أنها ستستقر معنا دائمًا وأنها ابنتنا الأخرى ، شعرت بالضيم والغبن يومها ، فأنا مطالبة أن أرعى ابنة حبيبة زوجي ، وأراه وهو يضمها ليستنشق رائحة الأخرى بها ، وأراها تكبر لتشبه والدتها وهو ينظر لها بحب دفين وأنا لا أعلم هل هو ينظر إلي ماجدة أم إلى ليلى ابنة أخيه ؟
تنهدت بألم وأغمضت عيناها : عشت بألم لا يطاق وأنا أرى عينا ماجدة ونظراتها تقفز من وجه ليلى ، كل يوم تكبر به ليلى أحبها كطفلتي ولكني لم استطع أن أنسى أنها ابنة ماجدة ، لم أستطع أن أحدد هل أحبها أم اكرهها ولكني توصلت إنني أحبها مثلك لا فارق بينكما ، فأنتما الاثنتان تربيتما معًا في حضني ، فأنا لم اقصر معها يوما ولكني لم استطيع أن أُعبر عن مشاعري كما ينبغي ، وعندما كنت أقسو عليها كان من أجلها كما كنت أقسو عليك لمصلحتك ياسمين .
نظرت إلى ياسمين لتجد دموعها أنهارًا وهي تقترب منها وتجلس أمامها على ركبتيها وتحتضن خصر والدتها وتجهش بالبكاء في حضنها ، ربتت إحسان هانم على رأسها مهدئة وقالت بهدوء وهي ترفع رأسها لتنظر إليها : أنا أحب والدك ياسمين ، فهو رغم عرضه للزواج على  امرأة أخرى لم يخونني قط ، ولم يجدد العرض لأي امرأة أخرى، رغم أن ذلك الأمر من حقه فهو من حقه أن ينجب أبناء غيرك ولكنه لم يفعلها ، لم أخبرك بتلك الأمور لتستائي من والدك أو تكرهي ليلى ، بالعكس فأنا انتظرت طويلاً حتى تفهمي ما سأخبرك به .
هزت ياسمين رأسها متفهمة لتنظر لها والدتها : هيا أخبريني عن الآخر المشغول به قلبك ، فأنا أعلم أن خطبتك لهشام كانت انتقامًا من نفسك ومن المغفل الذي لم يرى كيف أنت هائمة في حبه .
ضحكت ياسمين بخفة واحمرت وجنتاها بخجل شديد : بل يعلم أنني أحبه وهو الآخر يحبني ، ولكني قطعت علاقتي به .
نظرت لها أمها مندهشة لتتابع ياسمين :لم يتحرك أمي إلا عندما علم عن خطبتي من هشام ، لم يخبرني بحبه إلا عندما علم بأمر الخطبة ، تشاجرت معه وقلت له أنني لا أريد رؤيته مرة أخرى ، فأنا لا أريده .
ربتت والدتها على رأسها وقالت بحنان أمومي : وإذا كنت مقتنعة بما تقولينه ياسمين ، لماذا تفعلين بنفسك ما تفعلينه الآن ،لماذا معتصمة بغرفتك وضائقة بذلك الشكل ، ولماذا تظلمين هشام معك بكل ذلك ؟
عضت شفتها بخجل : سأنهي خطبتي من هشام أمي ، لن أستطيع أن استمر معه ولكني أريد بعضًا من الوقت
زفرت الأم في ضيق : حسنا ياسمين ولكن عدلي من هندامك وتعالي نتناول الفطور معًا.
هزت رأسها وتحركت لتمسكها أمها من يدها : ما تكلمنا به اليوم ياسمين لن يعلم عنه أباك شيء .
ابتسمت ياسمين : لا تقلقي ماما .
ابتسمت السيدة إحسان وقالت آمرة : هيا اذهبي وبدلي ملابسك هذه ، فأنا أشعر بأنك ستذهبين للشحاذة بتلك الملابس
ضحكت ياسمين وهي تخرج من الغرفة وتهز رأسها لتمتم : لن تتغيري ماما
***
تقف أمام الفراش تزم شفتيها بضيق وشرارات الغضب تلمع بعينيها ، تنظر إليه في قهر، نائم كالملائكة لا يشغل رأسه بشيء ، فقط نائم ، تشعر بغضب فعلي منه فهو يتلاعب بها منذ يوم الخطبة طوال اليوم يشعرها بحنانه ورقته ، ويأتي الليل لينام ، لا تفهم ماذا يريد منها ؟ تشعر بالتعب منه ومن ألاعيبه ، نعم هو لم يقترب منها منذ ذاك اليوم الذي ثار عليها به ولكنه لم يكن يتلاعب بها بتلك الطريقة .
توجهت لتفرغ غضبها بشيء آخر وتبعد فكرة أن توقظه بكوب ماء مثلج على رأسه عن عقلها ، فمظهره وهو نائم بهدوء هكذا يثير أعصابها توجهت دون وعي منها وهي تقرر ترتيب دولاب الملابس ، ولم تنتبه أنها بدأت تتحرك بعنف وتصفق الأبواب تعبيرًا عن القهر الذي بداخلها
انتفض من نومه على صوت قوي ، جعله يفتح عيناه بهدوء ليرى ماذا يحدث ؟ ابتسم بخفة وهو يراها تتحرك بعصبية شديدة والغضب واضح على محياها يعلم جيدًا أنها ضائقة منه ولكنه خائف من رد فعلها الذي يذبحه ، فهو لن يحتمل مرة أخرى بكائها الجنائزي بين ذراعيه ، لأول مرة يشعر بالخوف
ابتسم وهو يفكر " بسببك منال تنتابني مشاعر كثيرة كلها لأول مرة "
قرر أن يعلن عن استيقاظه ليقول بصوت هادئ وابتسامته تزين وجهه : صباح الخير.
نظرت له شزرا والغضب يتألق بعينيها بسبب ابتسامته التي تزين شفتيه وعيناه كالبحر الهادئ بلونها الأزرق الصافي قالت من بين أسنانها :صباح النور .
كتم ضحكته وهو يشعر بالغضب يشع من جسدها ،تبعها بعينيه وهي تدخل إلي غرفة الملابس وتخرج منها وتتجه نحو باب الغرفة ليقول بصوت هادئ : إلى أين منال ؟
وقفت وهي تحاول أن تتحكم بصوتها حتى لا يخرج غاضبا : سأنزل للأسفل وأرى أمي
اعتدل وجلس بالفراش وأشار لها بيده : هكذا .
نظرت إلي فستانها الصيفي القصير ذو الصدر المكشوف وحمالتيه الرفيعتين : لا أرى ما يمنع بأن أنزل هكذا ، أنا لن أخرج من البيت .
هز رأسه وقال بهدوء : والعاملين بالمنزل وعبد الرحمن بك الموجود دائمًا بالحديقة طبيعي أن يروك هكذا ؟
هزت رأسها بلا مبالاة : لا أرى مشكلة في ذلك
انتفض واقفا ليظهر لها جسده المتناسق ببشرته الفاتحة وهو يرتدي شورته الأسود القصير ، اقترب منها لتتصلب عضلات جسدها كله من قربه ويقول بهدوء : من فضلك بدلي ملابسك .
نظرت له متحدية وقالت بغل : لا لن أبدلها ، ملابسي تعجبني ولا أرى بها شيء لأبدلها.
جمد وجهه وقال بهدوء : لن أتكلم ثانية ، بدلي ملابسك أو دعي لي تلك المهمة.
انتفضت عائدة للوراء خطوتين لترى الابتسامة تلمع بعينيه فتصيح بقوة : ابتعد عني ، لا أريدك أن تقترب مني .
اتسعت ابتسامته ورفع يديه : لم اقترب منك منال ، إذا تريدين أن لا اقترب ، بدلي ملابسك بنفسك .
نظرت له والغضب يتطاير من عينيها ،وذهبت لتبدل ملابسها بغرفة الملابس انتهت وخرجت لتجده خارج من دورة المياه بفوطته الملتفة على خصره وقطرات المياه تتساقط من خصلات شعره الكثيفة قالت بحنق : كم مرة طلبت منك أن لا تخرج هكذا حتى لا تصاب بالبرد ؟!
اتجهت للمكيف حتى تغلقه وهي تكمل : وأن تجفف شعرك ، لن تحتمل أن تصاب بالزكام المصري يا خواجة .
انطلقت ضحكته مجلجلة وهو يتجه إلي الفراش ويجلس على حافته ليقول بهدوء : تعالي يا زوجة الخواجة .
نظرت له متسائلة عما يريده، فقال : تعالي أريد أن أطلب منك شيء ما .
اقتربت منه بهدوء ، ناولها فوطة صغيره كان يمسكها بيده : لو سمحت جففي شعري
نظرت له بتعجب فقال ببساطة : هيا ، أريد أن استمتع بتدليلك ولو مرة واحدة بحياتي
مسكت الفوطة بتردد وابتلعت ريقها وهي تتذكر كم مرة قمعت رغبتها في تحسس خصلات شعره السوداء ،بدأت بتجفيف شعره وهي تشعر بإحساس عجيب ، تمنت أن تدفن رأسه في صدرها وتمطره بالقبلات ، نفضت رأسها بهلع من تلك الأمنية العجيبة التي تسللت إليها لترمي الفوطة بحضنه وتقول بعصبية : تفضل .
همت بالتحرك لتفاجئ بيديه القويتين تحيط خصرها وتجذبها إلي حضنه نظرت إليه وهي تجلس على ساقيه ، قال بهمس : أنت غاضبة مني ، زمت شفتيها وأشاحت بنظرها بعيدا عنه فاتبع - لماذا ؟
نظرت له بحدة فابتسم بألم لمع بعينيه : هل تعتقدين منال أني لا أتعذب يوميًا وأنت أمامي ولا أستطيع الاقتراب منك ؟
احمر وجهها ونظرت له متسائلة ،أجاب بهدوء : خائف منال ، لأول مرة أشعر بالخوف، خائف أن تبكي بين ذراعي ضمها ليقربها من صدره أكثر ، و نظر إليها بحب عميق تألق بعينيه الزرقاء-  أخبريني أنك لن تبكي .
تساقطت دموعها فتنهد بألم : بكيت قبل أن ألمسك حتى
أفلتها برقة وهو يضعها على الفراش لينهض واقفا : جوابك وصل منال ، أشكرك .
نظرت له وهو يتحرك ويدخل إلي غرفة التبديل ويغلق الباب خلفه بعنف انهمرت دموعها بألم ، تريد أن تخبره أنها لن تبكي ، ولكن كيف تخبره بذلك وهي بدأت هذه المرة بالبكاء .
مسحت دموعها وقالت بقوة : لن أبكي ، لن أبكي .
***
__ بلال ، أمي تريدك .
تنهد بألم وهو ينهض من كرسي مكتب والده ، ويذهب إليها ، يعلم جيدًا أنها تريده لتسأله عن ليلى ،ولكنه لا يعلم بماذا يجيبها .
ابتسم باتساع وهو يدخل إلي غرفتها فيجدها جالسة بفراشها وواضح على وجهها التحسن عن البارحة ، تقدم باتجاهها : صباح الورد ماما
قبل جبينها ويدها واحتضنها :صباح النور حبيبي ؟ جلس بجانبها على الفراش - كيف حالك اليوم ماما ؟
نظر ت له وهي تربت على يده التي تحتضن كفها : بخير حبيبي ، طالما أنت وأختيك بخير ، فأنا بأفضل حال .
ابتسم وهو يشعر بالتحسن في حالتها النفسية والجسدية : أبشرك أمي ، ليلى ستأتي قريبا، هي تحتاج بعضًا من الوقت ولكنها وعدتني بأنها ستأتي قريبًا جدًا ، سأفاجئك وأنا أدخل وهي معي .
تهلل وجهها بالسعادة :حقًا يا بلال ؟!
هز رأسه وعيناه تلمع من الفرحة التي يراها بعيني والدته : نعم أمي .
احتضنته بحب : الله لا يحرمني منك بني .
أغمض عيناه ألمًا ، ليبتسم وهو يقبل جبينها : هيا ارتاحي قليلا ، قبل أن نذهب إلي المشفى .
هزت رأسها موافقة ، ليعدل هو من موضع الوسادات خلفها لترتاح قليلا ظل بجانبها إلي أن تأكد أنها خلدت إلي النوم ، خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه ليجد إيناس بوجهه ،وجهها عابس وعاقدة ذراعيها أمام صدرها قالت بضيق : لماذا لم تخبرني أن ليلى وافقت على القدوم إلي هنا لرؤية أمي ؟
وضع إصبعه على فمه وقال بأمر :هش ،اصمتي لا أريد أن تستيقظ أمي ، تعالي نتفاهم بالمكتب .
تبعته وهي تشعر بالغضب منه ليقول وهو يجلس : أغلقي الباب خلفك إيناس .
أغلقت الباب وذهبت تجلس أمامه وقالت بضيق : أنت تكذب أليس كذلك ؟
نظر لها بضيق : تكلمي بأسلوب مهذب إيناس من فضلك ، لا تنسي أنا الأكبر هنا .
زفرت بضيق : حسنا ، المعذرة ، ولكن هذا لا ينفي أنك كذبت على أمي .
جز على أسنانه غاضبا : لا لم أكذب ، نعم لم أتوصل مع ليلى على اتفاق بعد ولكني سأرغمها على رؤية أمي مهما حدث ، حتى وإن اضطرت أن آتي بها رغمًا عنها .
أشاحت بيدها غاضبة : اتركها ، لا نريد منها شيء
نظر لها بغضب : أيتها الحمقاء ، كيف لا نريد منها شيء ، أولاً أمي تريد رؤيتها وهذا أمر هام جدًا ، لابد أن تأتي ليلى وترى أمي حتى إن لم توافق على ما نريده منها ، لا بد أن ترى أمي ، فأنا لن أعجز في أن ألبي رغبة أمي الأخيرة
نظر لها بلين قليلا وتابع : أنسيت إيناس أمر العملية وأن ليلى الأمل الأخير لأمي .
نظرت له بضيق : لا أريدها أن تدخل إلي حياتنا بلال ، فهي جاحدة وتكره أمي .
زفر بقوة وقال بحنان : إيناس حبيبتي ، أنها فقط غاضبة من ترك أمي لها ، وغاضبة منا أيضا لأننا لم نسأل عنها كل تلك المدة الماضية ،ومعها حق .
قالت بحيرة : لم نكن نعلم بأمرها بلال .
__ هي لا تعلم ذلك ، بل ما شعرته أنها تلومنا على تركنا لها ، سأذهب إليها وأتفاهم معها ، حتى لو اضطرت أن أرغمها على سماعي .
***
اتسعت عيناه بذهول وهو يرى طفل كبير جالس بكرسي مخصص لأكل الأطفال يبكي بقوة ويضرب بيديه طاولة الطعام التفت لها بحده ليمسكها من ذراعها قويًا ويسأل بغضب : من هذا ؟
حاولت أن تتملص من قبضته القوية وأن تذهب إلي طفلها الباكي : اتركني هشام لأهدئه، اتركني .
هزها بعنف : ليس قبل أن تخبريني من هذا .
سحبت ذراعها منه بقوة مما جعلها تصرخ ألمًا لتركض إلي طفلها وتحمله من الكرسي وتحتضنه بين ذراعيها مهدئة له.. صمت الطفل بعد دقائق لتقول بتعب: أنه ابني .
نظر لها بدهشة وسأل بخفوت : ممن ؟ هل تزوجت بعدي ؟
نظرت له وقالت بحدة : كنت في فرنسا هشام ، وهناك ليس من الضروري أن أتزوج لأنجب .
اتسعت عيناه بغضب فعلي  منها ونظر لها بطريقة جعلت البرودة تسري بأوصالها و تنكمش على نفسها خائفة من ردة فعله ،قال بصوت بارد قاسي : إذن هو طفل شخص آخر .
صممت فهي لن تكذب عليه في أمر كهذا ولكنها لا تريد أن تؤكد له المعلومة أيضًا نظر لها والغضب يلمع بعينيه وقال بقسوة : إذن يا زوجتي العزيزة استعدي إلي السجن ، فأنت لا يحق لك الزواج وأنت على ذمتي ، ولا يحق لك أن تنجبي من آخر حتى لو دون زواج وأنت أيضًا زوجتي .
نظرت له بألم والخوف ارتسم على وجهها ، نظر إلى عينيها وسأل بهدوء : ما عمره؟
صمتت ونظرت إلى طفلها الذي تشاغل باللعب مع الفراشات التي تزين صدر فستانها ليتابع هو : ولماذا لا يتكلم أو يتحرك ؟ اتركيه يتحرك فهو لا يقل في العمر عن الست سنوات .
نظرت له وقالت بصوت مخنوق : أنه لا يستطيع الحركة ، فهو يجلس الآن بعد دورة علاج طبيعي كاملة تلقاها في فرنسا .
جلس بتعب وهو يقول : إذن التحاليل كانت صحيحة .
هزت رأسها بالإيجاب وهي تضم الطفل إلى صدرها ، لتتساقط دموعها وهي تقبل رأسه ، أغمض عيناه بألم ورجع رأسه إلى الوراء وهو يتأوه : لماذا لم تخبريني هنادي؟ لماذا فضلت الهرب ؟هل أنا ضعيف لذلك الحد ؟ لم تثقي بأنني سأستطيع حمايتك أنت وطفلي .
قالت بألم :لم أكن أعلم هشام ، لم أكن أعلم .
نهض ليجلس على ركبتيه أمامها وينظر إلي الطفل بحب فطري : ما اسمه ؟
نظرت إليه فهمس بحب : كريم ، أسميته كريم كما أردت .
هزت رأسها بالإيجاب ليسحب طفله من بين ذراعيها وهو يقول : حبيبي ، كيف حالك ؟
نظر له الولد قليلا ، وقال : با .
ذهل هشام بما حدث فنظر إليها ، قالت موضحة : أنه يعرفك ، فأنا أريه صورتك دائمًا.
ضمه إلي حضنه : نعم أنا بابا .
جلس وهو يضمه إلي صدره : اخبريني عن حالته .
قالت بهدوء : لديه تأخر عقلي ، فهو الآن بالسادسة وعقله لا يتجاوز السنتين
ولذلك لا يستطع الكلام ، ولديه إعاقة في الحركة ولكن الطبيب أكد لي أنه سيتحرك مع المداومة على العلاج الطبيعي ، أما طبيب التخاطب أخبرني أنه كلما تقدم في العمر لن يظهر هذا الفارق  وطبعًا مع العلاج الدائم ونظام دراسة مختلف عن الأطفال العادية ، فأنت لن تستطيع التفرقة بين تفكير شاب تجاوز الخمس وعشرون عن شاب بأول العشرينات . ولكن الفارق يظهر الآن لأنه طفل في السادسة بمهارات طفل في الثانية من عمره .
ضم الطفل إلى صدره لينظر لها بعتب : لماذا لم تخبريني ؟ لماذا تتحملين كل هذا بمفردك ؟ لا أفهم كيف تحرميني بأن اعتني بطفلي معك في ظل تلك الظروف .
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه : لم تكن لتستطيع هشام أن تقف بوجه جدك ، أنه جبار متسلط، لم تكن لتستطيع .
نظر لها بقهر ليرن جرس الباب فتنظر له بخوف ، قال آمرًا :افتحي الباب هنادي .
قامت بهدوء من مكانها لتفتح الباب وتبتسم عندما وجدت السيدة العجوز ، جارتها المسنة أمامها التي ابتسمت بدورها وسألت بقلق : سمعت جلبة منذ قليل وصوت "كريم " يبكي فجئت اطمئن عليك .
ابتسمت هنادي بتوتر : تفضلي أمي .
خطت السيدة داخل الشقة لتجد هشام أمامها فتقول بترحاب : مرحبًا بني ، أخيرًا عدت من سفرك ، حمد لله على سلامتك .
اندهش هشام ونظر إلي هنادي الواقفة خلف السيدة العجوز فأشاحت بعينيها ارتباكًا منه، نهض واقفًا وهو يحمل كريم ليصافح المرأة  :الله يسلمك سيدتي .
ابتسمت السيدة ونظرت إلي هنادي : حمد لله على سلامة زوجك يا بنيتي ، سأنصرف أنا .
قالت هنادي بتوتر : الله يسلمك أمي ، اجلسي معنا قليلا .
اتجهت السيدة إلي باب المنزل لتقول بخفوت : لا ليس اليوم ، هاتي كريم يجلس معي حتى يتسنى لك الاعتناء بزوجك قليلًا .
احمر وجه هنادي وقالت بارتباك : شكرا أمي ، سيأكل وينام أكيد .
ابتسمت السيدة وهي تغادر بالفعل : إذا أتعبك أو ضايقك ، أحضريه  إلي لا تنسي .
هزت رأسها إيجابًا : إن شاء الله أمي .
نظر لها والابتسامة تلمع بعينيه ، تقدمت باتجاهه في قوة وسحبت "كريم" من بين ذراعيه ، ليتمسك هو به : ماذا تريدي ؟
__ سأطعمه ، فأنا تأخرت في إطعامه بسببك .
ضم الولد إلي حضنه : اتركيه سأطعمه أنا ، جهزي طعامه فقط .
أعادت تسخين الطعام ووضعته أمامه ثم حملت كريم ووضعته بكرسيه وتركته لتدخل إلى غرفتها وتغلق الباب عليها ، لن تستطيع أن تجلس معه أكثر من ذلك فقلبها يصرخ بشوقها إليه ، لذلك قررت الاعتصام بغرفتها والبعد عنه .
***
طرقت الباب بهدوء  وطلت من باب الغرفة : صباح الخير .
التفتت إلي منال لتبتسم وهي تحتضنها : صباح النور .
أبعدتها عن حضنها ونظرت لها : هل كنت تبكين ؟ أنفك محمر كأنك كنتي تبكين .
هزت رأسها : أشعر بالضيق .
قالت ليلى بقهر : نعم وأنا الأخرى العفاريت تتقافز أمام عيني .
ابتسمت منال على وجه ليلى العابس : لماذا ؟
ابتسمت ليلى بتوتر : لا شيء مهم .
لمعت عينا منال وقالت بمرح طفولي : ما رأيك أن نخرج قليلا ؟ أريد أن أشتري بعضًا من الأغراض تخصني .
قالت ليلى : حسنًا ، لا مانع لدي ونمرح مع احمد وهنا قليلًا .
عبست منال : أحمد وهنا ، لا سنخرج بمفردنا .
هزت ليلى رأسها : آها ،حسنا ولكن الطفلين .
قالت بحزم : خالد سيعتني بهما .
هزت ليلى أكتافها : حسنًا ، هيا بنا .
قالت منال وهي تخرج من الغرفة : انتظري ، سآتي بحقيبتي و لن أتأخر .
هزت ليلى رأسها موافقة : حسنا ، سأنتظرك بالحديقة .
أسرعت منال لتصعد إلى غرفتها وتأخذ حقيبتها ، لفت لتخرج من الغرفة فوجدته أمامها يسد عليها طريق الخروج ، قال بهدوء : إلي أين ؟
نظرت إلي الأرض وقالت وهي تفرك كفيها : سأخرج مع ليلى أريد شراء بعض الأشياء .
__ بأمر من ستخرجين ؟
نظرت إليه بدهشة : لا افهم .
__استأذنت مِن مَنّ لتتفقي مع ليلى على الخروج ؟
نظرت له : لم أخبر أحدًا ، قررت أن أخرج وقلت لليلى .
هز رأسه وقال بحدة : وهذا يدخل ضمن أنني لست زوجك ، أليس كذلك ؟
هزت رأسها بالنفي وقالت بغباء : لا ولكني لم استأذن باسم أبدًا
صفق الباب بحدة خلفه وهو يدخل إلي الغرفة مما جعلها تنتفض وهي ترى الغضب يلمع بعينيه والسواد يكتنفهما ،ويصرخ في وجهها : أنا لست باسم ، هزت رأسها إيجابًا بخوف ، فزفر هو بضيق - آن الأوان لتتوقفي عن طريقة تفكيرك تلك منال .
هزت رأسها موافقة ليمسح وجهه بكفه ويتنفس بهدوء : هل ستأخذين الطفلين معك ؟
هزت رأسها نافية : لا سأتركهما معك .
رفع حاجبيه بتعجب : حقًا ؟! والمفترض أن أوافق أنا .
ابتسمت وهي تلمح هدوء وجهه : نعم بعد إذنك .
وضع يده بجانب أذنه : ماذا ؟ لم أسمعك .
تنحنحت لتقول بصوت عالي قليلا ودلال فطري : بعد إذنك سأخرج مع ليلى وسأترك الطفلين معك ، هلا اهتممت بهما من اجلي ؟
ابتسم وهو يراها تتدلل عليه ولأول مرة منذ أن تزوجا ، لمعت عيناه وهو يقترب منها ، وشع الخبث بهما : كم ستعطينني لأعتني بالطفلين وأنت غائبة ؟
شعرت بالتوتر من قربه منها فقالت سريعا : أي شيء .
لمعت الابتسامة على شفتيه وهمس بجانب أذنها : أنا عند طلبي منال ، ليلة واحدة فقط ، حينها إذا طلبت مني المغادرة سأغادر دون نقاش .
هزت رأسها بتفهم وهي تقول : إن شاء الله .
همت بالخروج ليقول : منال ، نسيت مفاتيح سيارتك .
وقفت والتفت إليه : لا لن أقود ، فأنا أشعر بالتعب وسأطلب من عبد الرحمن أن يوصلنا.
أسرع إليها : ما بك ؟ بم تشعرين ؟
ابتسمت لحنانه الواضح على وجهه : لا شيء ، أشعر ببعض من الدوخة ونظري ليس على ما يرام اليوم .
امسك يدها وهو يقترب منها : إذن لا داعي للخروج ، وانتظري آتي لك بالطبيب .
اتسعت ابتسامتها : لا خالد ، أنا لست متعبة إلي هذا الحد ، وقفت على أطراف أصابعها لتطبع قبلة رقيقة على خده - لن أتأخر ،سلام .
همت بالتحرك ليمسكها من يدها بقوة ،وينظر إليها متأملا وقال بصوت أجش : ماذا فعلت الآن ؟
ارتبكت من حركتها العفوية وازداد ارتباكها بسبب عيناه التي تلتهم تفاصيل وجهها الذي احتقن باللون الأحمر القاني وقالت بتلعثم : هل تضايقت ؟
نظر لها بغموض : لا طبعًا ، ولكن عندما تودع المرأة زوجها تودعه هكذا
شدها من يدها بقوة إلى حضنه ونظر إلي عينيها ليقبلها قبلة طويلة رقيقة حملت إليها شوقه وهيامه بها ، أبعدها عن حضنه وهي تنظر إليه بذهول و كل ما تريده الآن أن تغرس نفسها بين ذراعيه فهي تشعر بأنها كانت مغتربة وعادت إلى موطنها الأصلي عندما ضمها إلي صدره ، ترنحت بخفة فأمسكها من خصرها بقوة و احتضن خدها بكفه وهو يقول : هل أنت بخير حبيبتي ؟
هزت رأسها بالإيجاب ، ابتسم وهو يرى الاحمرار يزين وجنتيها وعينيها مشتعلة ببريق شيكولاتي ناعم يعرف مصدره جيدًا ، لأول مرة يرى الحب بعينيها ، الحب بدلا عن الغضب والبؤس والبكاء .اتسعت ابتسامته وهو يضمها إلى صدره : اعتني بنفسك من أجلي .
شعرت بالسعادة تضخ في أوردة جسدها لتنتقل إلي خلاياها كلها فابتسمت بحب له : حاضر .
همت بمغادرة الغرفة ليقول بهدوء : انتظري سأنزل برفقتك .احتضن كفها بيده لينزلا معًا إلي الأسفل والسعادة واضحة عليهما
***
جلست في الحديقة تنتظر منال ، نظرت إلي الظل الذي حجب نور الشمس وهي متأكدة من شخصيته ، رفعت نظرها إليه لتقول بغضب : نعم .
ابتسم بثقل : أنعم الله عليك .
تقدم وجلس بجانبها على الأريكة : لم نكمل حديثنا ، وجئت لأكمله معك ، أكمل ببرود - لا أفهم إلى الآن لما تركتني وانصرفت بتلك الطريقة .
نظرت له وقالت بحنق : تركتك للتواصل مع فاطمة هانم .
هز رأسه بتفهم وأردف بخبث : لم يكن هناك داع لذلك ، كان بإمكانك أن تجلسي معنا .
نظرت له وشرارات الغضب تلمع بعينيها :حقا ؟!
ابتسم ونظر إليها : لماذا أنت غاضبة ليلى ؟ لا أفهم سبب غضبك .
أشاحت بنظرها بعيدا عنه وقالت بحدة : وأنا أيضًا لم أفهم سبب غضبك وحدتك معي في الحديث صباحًا .
ابتسم برقة وقال وهو يقترب منها قليلا : لا تريدينني أن أغضب وأنت تتذكري شخص آخر وأنت جالسة معي .
نظرت له بارتباك ، فابتسم وهو يهمس مغيرًا لمجرى الحديث : اشتقت إليك ليلى .
احمرت وجنتاها بشدة وخفضت بصرها بعيدًا عنه وابتسمت بخجل ،فتابع متسائلا : هل اشتقت إلي ليلى أم لم آتي على بالك ؟
ابتسمت وهي تنظر بعيدا عنه : لا لم تأتي على بالي .
ابتسم بخفة : إطلاقًا ؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبه : إطلاقًا .
نظر لها ووضع يده على قلبه وتأوه بتمثيل : ستتسببين بموتي ليلى ، لن أستطيع أن أحيا بدون أن تتذكريني .
انطلقت ضحكتها بطريقة عفوية ، لينظر لها بعنين متسعتين فهو لأول مرة يسمع ضحكتها ويراها صافية بتلك الطريقة ، احتل الحب عيناه  ونظر إليها بجزل : يا الله ، كم أنت جميلة ، ارحمي قلبي قليلا ليلى ، لن احتمل فعلًا .
قفزت واقفة وهي تشعر بالخجل يحرق وجنتيها همت بالتحرك فأمسكها من يدها برقة : لا تهربي مني ليلى ، أرجوك
خلصت معصمها من يده وقالت بصوت خافت : إذن توقف عما تفعله وتقوله .
تنهد بحب : لن أعدك ولكني سأحاول .
ابتسمت بخجل : حسنا ، أنا سأخرج بعد قليل مع منال .
ابتسم باتساع : أعرف ،سأذهب معكن .
نظرت له بدهشة ليتابع : منال طلبت مني أن أكون معكم ، هل عندك مانع ؟
هزت رأسها نافية : لا ، إطلاقًا .
شد قامته : حسنًا سأذهب لأحضر السيارة ، سعيد أنني سأحظى بوقت أطول معكِ .
ابتسمت وهي تنظر إليه وهو يتحرك بثقله وفخامة كعادته لتتسع ابتسامتها وهي تفكر في ساعته التي تتألق تحت أشعة الشمس ، كم كانت غبية عندما تذكرت أمير وساعته أنها من نفس الطراز ، بل نفس اللون فأمير أخبرها بها عندما اشتراها وأخذ رأيها تتذكر كلماته بالنص : إذا لم تعجبك سأبدلها بأخرى ، يومها أثنت على اختياره وذوقه ، وأخبرته أنها ساعة ملكية الطراز .ابتسمت من التعبير إذن فهي تناسب عبد الرحمن بفخامته الملكية .
ضحكت بخفة وهي تنظر إلي منال الخارجة من باب البيت فتبتسم لها وتتوقف عن الابتسام عندما تجد برفقتها فاطمة .
اتجهت لها منال وقالت بارتباك : المعذرة ليلى فاطمة ستأتي معنا .
ابتسمت ليلى بتوتر : حسنًا ، لا توجد مشكلة
أكملت منال بتذمر : لم أكن أريدها أن تأتي معنا ولكنها ترجتني أن أخبر أمي أنها ستخرج معي ، فهي منذ أيام ملازمة البيت وتريد أن تخرج وأمي غاضبة منها ولا تسمح لها بالخروج
عقدت ليلى حاجبيها وهي متعجبة من تومي ، فجملة منال أبعد ما تكون عن شخصية فاطمة العنيدة انتبهت إلى منال وهي تكمل : وخالد طلب مني أن آخذها معي .
__ لا عليك منال ، طبيعي أن تأتي معنا .
نظرت منال لها بارتباك لتقول بصوت خافت : ليلى من فضلك اجلسي أنت في الأمام فأنا لا أريدها أن تجلس بجانب عبد الرحمن وهي ترتدي تلك التنورة القصيرة فمهما كان عبد الرحمن شاب أيضًا ، وأنا لا أريده أن
نظرت ليلى فورًا إلى فاطمة ما أن ذكرت منال ما ترتديه الأخرى، لتجدها بتنورتها الواصلة إلي منتصف ركبتيها ،احمر وجهها بشدة وقالت بحزم مقاطعة منال : لا عليك منال ، وأنت معك كل الحق
تحركت بعصبية لتركب في المقعد الأمامي وتصفق الباب بقوة دون أن تنبس بحرف واحد .
***
واقف بجانب خالد يتهامسان : لم تخبرني بما عندك عبده .
__ لم أستطيع الانفراد بك يا خالد ، لابد أن نتحدث على انفراد .
__حسنًا ، كنت أريد أن أتخلص من الحزب النسائي هذا ، لدرجة إنني طلبت من منال أن تأخذ فاطمة معها ، فتقود هي السيارة وأنت تبقى
أكمل بضيق : لكن أمي قالت بحزم أن فاطمة لن تقود سيارتها لأن بها عطل ما .
ابتسم عبد الرحمن وقال بخفة : أشعر في صوتك ببعض من الغيرة .
نظر له خالد بوعيد : لا تدفعني لأن أتخلص منك عبد الرحمن .
ابتسم عبد الرحمن بخبث لينظر له خالد بقوة وينتبها الاثنان على صوت باب السيارة الذي أغلق بقوة وليلى التي تجلس بالمقعد الأمامي ليقول خالد : لست وحدي من يشعر بالغيرة .
ابتسم عبد الرحمن باتساع وهو ينظر إلى تومي الواقفة تنظر إلى ليلى بقوة وغضب ، فهي كانت واقفة ومنتظرة أن تركب بالمقعد الأمامي لتفاجئ هي الأخرى بليلى تحتل المقعد الأمامي وتجلس به
ربت على كتف خالد بك : عندما أعود لابد أن نتحدث معا ، هز رأسه متفهما وقال بخبث - اهتم بهن جيدا ، وتأكد من وضع جوربيك .
نظر له عبد الرحمن ليتألق الخبث بعيني خالد ،ابتسم عبد الرحمن بخفة: لا تقلق عليهن، سأحميهن بحياتي إذا اضطررت لذلك .
ابتسم خالد باتساع لينادي منال قبل أن تركب إلي السيارة : منال ، تعالي .
ذهبت إليه ليقول بهدوء : لن تتأخري .
هزت رأسها بالإيجاب ليخرج لها بطاقته المصرفية ويقول بحزم :تفضلي لتأتي بكل ما تريدينه .
ضحكت بخفة : معي ما يكفيني خالد فانا لدي حسابي البنكي كان باسم ...
بترت جملتها ليقول هو في ضيق : منال .
سحبت البطاقة من بين أصابعه لتقول بسرعة : حسنًا ،هاتها .
مسك يدها بقوة : أعطيني الأخرى لا أريدك أن تستعمليها إطلاقًا .
أخرجت البطاقة من حقيبتها لتعطيها له : تفضل
رفع يدها ليقبلها برقة : لا تتأخري
أشارت له بيدها مودعة : سلام .
***
يجلس على سيارته من الأمام وينظر إلي غروب الشمس بانبهار وهي تغرب عن سماء القاهرة ، لطالما أتى بها إلي هنا لترى غروب الشمس ، وباليوم التالي كان يجد لوحة رائعة عن الغروب تزين الجاليري .
ابتسم بألم عندما تذكر مداعبتها اللطيفة له عندما يخبرها أن يصعدا إلي جبل المقطم ليشاهدا الغروب فتقول ضاحكة " أنا لست إحدى فتياتك وليد "
فيرد بمرح " لم أصعد للمقطم برفقتهن أبدًا ، ثم أنت مختلفة يا صديقتي ، لم ولن تكوني إحدى فتياتي "
تنهد بقهر " غبي وليد ، أبعدتها عنك في كل مرة نطقت بتلك الجملة لتطمئنها أنك لن تغدر بها أبدًا ، لم تستطع أن تخبرها ولو لمرة واحدة بأنك لن تكوني إحداهن لأنك ملكة قلبي أنا ، لأنك ستصبحين امرأتي أنا ... ستصبحين رفيقة دربي ... ستصبحين أما لأولادي ... حبيبة عمري "
رمى حجر كان يمسك به بين أصابعه بقوة وتمتم بقهر : جبان وليد ، كما أخبرتك هي ، أنت جبان ، ولكني لن أتخلى عن آخر أحلامي أبدًا ، أنت ياسمين من تبقى لي لأكون إنسان ، لن أفرط في فرصتي الوحيدة الباقية ، زفر ما بصدره من هواء - لابد أن أذهب إليه ليخلصني من تلك المصيبة المسماة بباكينام ، لا يوجد حل آخر أمامي .
لف وركب سيارته بعدما توصل انه سيعود إلي ما هرب منه طوال السنين الماضية لابد أن يواجه ماضيه حتى يستطيع الفوز بمستقبله .
***
يقود السيارة وهو يشعر بالسعادة تحيطه ، لم يتخيل يوما أن بعضا من أحلامه سيتحقق، وأنها ستجلس بجانبه ،كم يريد أن يذهب خارج حدود الزمن الآن ويصبحا بمفردهما ليخبرها بكل شيء ، يشرح ويفسر كل ما يشعر به تجاهها ، ويفهمها كل ما يحدث بينهما وما يحاول أن يخبرها به .
تنهد بقوة جعلت من بالسيارة ينتبهن إليه قالت منال بتعجب : ما بك عبد الرحمن ؟هل أنت متعب ؟
نظر لها في المرآة الأمامية بوجه عادي لا ينم عن أي شيء مما يعتمل بداخله : لا شيء، أفكر قليلًا .
تشاغل بالنظر إلي الطريق ، ثم نظر لها بطرف عينه ليجدها تنظر من النافذة ، فلم يستطع تبين ملامحها عاد بنظره إلي الطريق وهو يفكر " هل هي خجلة من جلوسها بجانبه ، أم غاضبة من فاطمة ونيتها المبيتة بالجلوس بجواره "
شق صوت فاطمة الصمت وهي تتحدث بعربية ركيكة : عبدو ممكن أن تقف جانبا أريد أن آتي بشيء من المتجر القادم .
هز رأسه موافقا لتصدر غمغمة منها تخبره بضيقها من صوت فاطمة الذي أتى أكثر رقة من المعتاد ، ابتسم غصبًا عنه وهو يوقف السيارة بجانب الطريق أمام المتجر التي أشارت إليه فاطمة ، قالت فاطمة بطريقة رقيقة وهي تربت على كتفه : شكرًا عبدو .
ابتسم بتوتر ورآها وهي تنزل ليسمع منال تقول بخفوت لليلى : سأذهب معها ليلى أمي أكدت علي أن لا أتركها بمفردها .
هزت رأسها موافقة لتزفر بضيق بعد نزول منال من السيارة وتصيح به غاضبة عندما شعرت بالسيارة تتحرك : ماذا تفعل ؟ انتظرهما .
تنفس بعمق وأشار إلى علامة ممنوع الوقوف وقال بهدوء : سأذهب إلي أول الشارع وأدور لأعود إليهما ، هزت رأسها بضيق فاتبع - لماذا أنت غاضبة ؟
نظرت له وقالت بضيق : لست متضايقة عبدو .
انطلقت ضحكته مجلجلة عندما نطقت اسمه بنفس الطريقة التي تناديه بها فاطمة :أحلى عبده سمعتها بحياتي .
عبست وجهها بشكل مغيظ ليضحك باستمتاع مرة أخرى ، لفت وجهها وعاودت للنظر من النافذة ، ناداها برقة : ليلى .
همهمت مجيبة عليه فقال بهدوء : لا تشغلي رأسك بها ليلى ، فهي ما زالت طفلة .
نظرت له وهي تعقد حاجبيها : من تقصد ؟
ابتسم وقال بهدوء : فاطمة ،إنها تصرفات طائشة من قبلها وأنا لا أعيرها أي أهمية.
قالت بحدة : ولماذا أشغل رأسي بتصرفات تلك الصغيرة ؟ لا أهتم بما تفعله تلك الفتاة ، ولا أهتم أيضًا بموقفك منها .
زفر بضيق : لماذا أنت محتدة علي بتلك الطريقة ؟
زمت شفتيها وقالت بغضب حقيقي هذه المرة : لأنك تشجعها على ما تفعله ولأني مغتاظة من مناداتها لك " بعبدو " .
طريقتها في لفظ الاسم ، جعلته يضحك غصبًا عنه لتشيح هي بوجهها غاضبة ، سيطر على نوبة الضحك التي انتابته وقال بصوت حمل لها المرح الذي يشعر به : لا تتضايقي ليلى ، ماذا أفعل لأرضيك وأشعرك بأني لا أشجعها على ما تفعله .
كشرت قائلة : لا دخل لي بك .
ابتسم وهمس : انظري إلى عيني وأخبريني  حقًا أنك لا تهتمين.
ابتسمت وأدارت وجهها لتنظر من النافذة ، همس بصوت أكثر رقة : ليلى .
نظرت له ليقول برقة شديدة : لا تشيحي بوجهك بعيدًا عني ، ولا تبتسمي وأنت تنظرين من النافذة فيرى ابتسامتك شخص آخر غيري ، فأنا لن أستطيع أن أتحمل أن لا أرى تقاسيم وجهك الجميلة ولن أستطيع تحمل شعور الغيرة بأن أحدًا آخر رأى ابتسامتك .
احتقنت وجنتاها بقوة وأدارت وجهها ونظرت إلي الأمام وهي تشعر أنها منفصلة عن الكون حولها، لتنتبه إلي وقوف السيارة ومنال وفاطمة اللتان تدخلان إليها وهما الاثنتان تتناقشان نقاشا حادا حول أمر ما لم تتبينه
***
وقف في نصف الصالة يتأمل الشقة الصغيرة التي تسكنها ، بعد أن انتهى من إطعامه لطفله وهو يشعر بحب شديد وخيط رفيع يربطه بذلك الطفل الذي يراه لأول مرة ، فبعد أن انتهى من إطعامه احتضنه بقوة بين ذراعيه وهو يشعر بذلك الدفء الذي انتهى من حياته ببعدها عنه احتضنه بذراعيه إلي أن غفي كريم وشعر بثقل جسده على يديه وتنفسه المنتظم وضعه على الأريكة و دثره بغطاء خفيف لبني اللون استنتج أنه يخصه في الأصل ، سرح في ذكرياتهما معا عندما وقع نظره على صورته الموضوعة بداخل إطار زجاجي وموضوعة على رف من رفوف دولاب الأطباق، توقف بعقله عند آخر ليلة لهما معًا وكيف كان يشعر بسعادة شديدة معها وكيف اتفقا أنهما سيظلان معا رغمًا عن أنف الجميع ، ليفاجئ بها غير موجودة ثاني يوم وأنها غادرت الشقة بعد أن تركها وانصرف ، وسافرت إلي فرنسا في ذات الليلة .
شعر بالغدر يومها وانكسر شيء قوي في نفسه ، وبعد أن غادر منزل والديه وتشاجر مع أمه وأخبرها بما حدث بينهما وأنه لا يستطيع أن يتخلى عن زوجته ، فهي أصبحت زوجته فعلا أغمض عينيه وهو يتذكر صفعة أمه له ودهشته فهي كانت لأول مرة تضربه منذ أن ولد ، تأنيبها الشديد له ولما فعله وأنه كيف لم يخبرها منذ أن تكلمت معه بمفردهما ، أمرته يومها بأن يذهب ليأتي بزوجته ويظلان معها ولكنه أبى وأخبرها أنه سيذهب للعيش مع زوجته وسيستقر معها ويؤسس أسرته بعيدًا عنها وعن جده .
ليعود وهو يجر أذيال الخيبة والألم والقهر ، فهنادي غادرت البلد بأكملها ورغم أنه علم بوجهتها لم يستطيع أن يذهب خلفها فهي باعته وتركته ، خدعته .
تنهد بألم وهو يتوجه إلي غرفة النوم الوحيدة الموجودة بالشقة ، يريد أن يعلم لما تركته بتلك الطريقة ، ولماذا لم تخبره بأمر حملها ، كيف استطاعت أن تفعل به ما فعلته وتبعده عن طفله كل تلك السنوات ؟
وقف أمام الباب لمدة دقيقة يضبط تنفسه ويسيطر على كل مشاعره المضطربة ، وبعد أن قرر أن يدق الباب عليها ، نظر إلي الباب بتصميم وهو يتمتم : إنها زوجتك يا أحمق، هل ستستأذن للدخول على زوجتك ؟
فتح الباب بهدوء وطل على الغرفة ليجدها فارغة ، عقد حاجبيه وهو يتساءل " أين هي؟"
تقدم داخل الغرفة إلي أن وقف في منتصفها وهو يتأملها بهدوء وتفحص ، ابتسم عندما رأى صورة حفل عقد قرانهم معلقة على الحائط فوق الفراش . نظر إلي التسريحة ليجدها مليئة بالكريمات ومرطبات البشرة والعطور ، تمتم : لن تتغيري هنادي .
اتجه إلى دولاب الملابس وفتحه ليرى ماذا به ، وكأنه بهذه الأفعال سيستطيع أن يعلم ما أصبحت عليه بعد كل هذا الوقت الطويل بعيدا عنه .
أول قسم من الدولاب كان يخص كريم ، ملابسه وأحذيته وألعابه وكل شيء خاص به"
أغلقه بهدوء وهو يبتسم ويفتح القسم الأكبر من الدولاب فيجد ملابسها بألوانها الزاهية ونعومتها ، مرر أصابعه عليها بحب لم يستطع مقاومته وغرق في رائحتها الزكية المنبعثة من ملابسها ، لينتبه على صوتها وهي تقول ساخرة : هل تبحث عن شيء بعينه ؟
التفت لها ورآها خارجة من حمام  صغير ملحق بغرفة النوم ،لاحت السخرية بعينيه : نعم ، أبحث عن زوجتي .
نظرت له بقوة وقالت بحدة : ليس لك زوجة هنا يا هشام بك .
تقدم منها في بطء والقسوة تقفز من عينيه : حقا ؟!
ارتعد جسدها وانتفضت من قسوة عينيه :ماذا تريد هشام ؟
وقف أمامها بهدوء وأحنى رأسه لها لينظر إلي عينيها : أريد أن أعلم السبب هنادي ، أريد أن أعلم لماذا تركتِني ورحلت ، لماذا نسيت كل شيء ؟ هل كانت آخر ليلة لنا معًا مجرد خدعة منك تتخلصي مني بها ، أم أحدًا ما أجبرك على أن تتركيني ؟
دمعت عيناها ليتابع : لماذا لم تخبريني بأمر حملك ؟ ولماذا لم تراسليني ولا مرة لتخبريني بأمره ؟ والأهم لماذا حافظت على ذكراي بحياتك ؟ لماذا أخبرته بي وتعاملت على أني متواجد بحياتك ؟
نظرت إليه ودموعها تسقط بكثرة : لم أكن اعلم بأمر حملي هشام ، سافرت وأنا لا أعلم أنني حامل منك ، ولم أستطع أن أخبرك فأنت لم تسأل عني ولا مرة ، منذ أن وضعت وأنا بدوامة بين المستشفيات بسبب حالة كريم الصحية
سأل بهدوء : من أين لكِ بالنقود لتعالجيه وتهتمي بأموره الصحية ؟
زاغت عيناها وارتبكت ، ابتعدت عنه وجلست على الفراش ،هز رأسه بأسى : كما توقعت .
رفعت نظرها إليه : ما الذي توقعته ؟
نظر لها باحتقار فأردفت بقوة : لم أخنك قط هشام ولا تسمح لنفسك بأن تفكر بي بتلك الطريقة
قال بقسوة : لن أفكر بتلك الطريقة ، مع أن سيادتك أوحيت بها إلي عندما سألتك عن كريم
صاحت بحده : لم أكن أريدك أن تعلم .
صرخ بها : لماذا ؟
أبعدت وجهها عنه وأجهشت في البكاء ليقترب ويجلس بجانبها : جدي أليس كذلك ؟ نظرت إليه ليسأل : هو من أجبرك على الرحيل
هزت رأسها إيجابًا لتشهق : أتى بعد مغادرتك لي وهددني بأنه سيدمرني ويدمر مستقبلك إن أتممنا الزواج ، سيحرمك من كل شيء ويغضب عليك .
سيحاربنا بكل ما أوتي من قوة ، لم أستطع أن أتخيلك وأنت بائس وحيد بدون عائلتك ، لطالما كنت محبا لهم ومقربا منهم ، عائلتك كانت الجزء الأكبر والأهم في حياتك هشام، لم أستطع أن أتخيل أن أكون السبب في حربا ستنشأ بينك وبين جدك لا أرى منها فائدة
ردد وهو ينظر إليها بذهول : لا تري منها فائدة ، وجودنا معًا لا أهمية له ، بقائنا معًا وحبي لك لا أهمية له عندك .
أحاطت وجه بكفيها : لا طبعًا ، بل حبك كل ما بقي لي هشام ، ولهذا لم أستطيع تخيل أن سيأتي علي يومًا وأرى الكره بعينيك .
أشاح بوجهه بعيدًا عنها لتمسك وجهه وتشده لها بلطف : انظر لي هشام .
نظر لها فقالت بألم : أحبك هشام ، أحبك ، ولكن لن نستطيع الاستمرار معًا .
همس : لماذا ؟
قالت من بين دموعها المنهمرة : لأن ليس مكتوب لحبنا بالاستمرار
شدها إليه ليحتضنها بقوة وهو يريد أن يروي ظمأ السنين الماضية كلها اشتدت ذراعيه حولها بقوة لدرجة جعلتها تتأوه ألمًا ليخفف قوته قليلا : آسف .
ابتعدت عن حضنه وهي تشعر بالتبعثر والتشتت في أفكارها ، دائمًا كان قادرًا على خلق سحابة أمام عقلها تمنعها عن التفكير ، سحابة وردية اللون تسبح بها وتشعر أنها معه بالجنة ، ابتسمت بتلقائية لأفكارها ، نظر لها وهي تبتسم وابتسم هو بدوره من وجنتيها المحمرتين ، ليعقد حاجبيه ويظهر الغضب على وجهه مليًا وهو يتذكرها وهي تضحك برفقة وليد ليسأل بغضب : ما علاقتك بوليد الجمّال ؟
نظرت له في دهشة ورددت : وليد الجمال !صمتت قليلا وهي تبحث عن الاسم في ذاكرتها ، هزت رأسها وهي تقول - مذيع الراديو .
قال بحنق : نعم مذيع الراديو ، ما علاقتك به ؟
نظرت له بذهول : لا علاقة لي به ، قابلته في صمتت لتقفز واقفة وتنظر إليه وتقول بغصة : قابلته في حفل خطبتك .
قال بضيق : نعم رأيتك معه وأنت تضحكين وترتكني على ساعده .
نظرت له : نعم لقد كسر كعب حذائي بسبب فهو ارتطم بي ولأزن نفسي ولا أقع أرضًا كسر كعب الحذاء ، لا شيء بيني وبينه أول مرة أراه هذا اليوم.
صمت بقهر ، تنحنحت بعد أن خيم الصمت عليهم لدقائق وهي واقفة تنظر إليه قالت بصوت هادئ نسبيًا : أرجوك هشام ، انصرف الآن .
نظر إلى عينيها الرماديتين الغائمتان بالعاطفة ، ابتسم وفتح لها ذراعيه : تعالي هنادي أنا الآخر اشتقت إليك .
هزت رأسها نافية ، فشتم بقهر وصاح قائلا : لماذا ؟
__انظر إلى بنصرك الأيمن هشام وأنت تعلم لماذا ؟
عقد حاجبيه : سأفسخ خطبتي ، لن استطيع الاستمرار معها ، ولا أعتقد أنها سترتضي بي  زوجا بعد أن تعلم أن لي ولد سنة ست سنوات .
سألت بصوت مخنوق : ألم تخبرها عني ؟
__ حاولت ولم أستطيع ، كثيرًا كنت أشعر بك أمامي وأنا أتكلم معها ولكنها أكثر قوة منك ، غير قابلة للكسر .
لمعت الغيرة بعينيها وقالت بقوة : من فضلك غادر الآن .
نهض واقفا : حسنا ، سآتي غدًا لأرى كريم وسأبدأ بالعمل على الشقة لتجهيز غرفتين  لكما .
قالت بسخرية : ومن أخبرك أني سأذهب معك .
نظر لها بقسوة :أريدك أن ترفضي هنادي ، لتعلمي من هو هشام الحقيقي ، وإذا كنتِ تحسبين أنني ضعيف ستجدي تسلط وجبروت يفوق تسلط وجبروت جدي بمراحل ، أريدك فقط أن تفكري في الرفض .
نظرت له مذهولة وهو ينصرف من أمامها مسرعا وانتفضت وهي تسمع صوت صفقة الباب القوية التي نمت عن غضبه العاتي ، تلاها صوت كريم يبكي ، فتنهدت بألم وذهبت لترى طفلها الذي استيقظ  مفزوعًا من نومه .
***
وقفت تنظر حولها يمينًا ويسارًا ، لا تعلم أين اختفت منال هي وفاطمة ، تعبت من كثرة اللف بين المتاجر ، فهي في الأساس ليست من هواة التسوق واشترت ما تريده من أغراض ومنال أيضا انتهت من التسوق ولكن فاطمة هانم تدخل جميع المتاجر وتتسوق كما كانت ترى البنات في الأفلام ،زفرت بضيق وهي تنظر حولها وأخرجت هاتفها لتتصل بمنال ابتسمت وهي ترى اسمه على قائمة الاتصالات ، فاتصلت به دون تفكير جاءها صوته الفخم : ما هذا المساء السعيد ؟ ليلتي الجميلة تتصل بنفسها ، هل أتخيل أم أنها حقيقة ؟
احمرت وجنتاها بقوة و هربت الحروف منها ليردف هو : ليلى ، هل أنت معي ؟أم الهاتف من اتصل بمفرده ؟
لم تستطع منع نفسها من الضحك ليتنهد هو براحة : إذن هذا الاتصال حقيقيًا .
قالت بصوت مبحوح : اصمت قليلا لأتذكر ما أريده .
ابتسم باتساع وصمت كما تريد لتقول بهدوء : عبد الرحمن ، هل لازلت معي ؟
قال برقة : وهل أجرؤ أن أذهب إلي أي مكان آخر ؟
انفلتت منها ضحكة هادئة منخفضة : أين أنت ؟
قال بهدوء : انظري خلفك .
لفت بحركة دائرية وشهقت شهقة خافتة عندما وجدته أمامها ،أشاحت بنظرها بعيدًا عن عينيه المتفحصة وآثرت الصمت ، قال برقة :أنا هنا ، اؤمري .
ابتسمت : تركت السيارة إذن
أكملت بتهكم مقلدة طريقة فاطمة :عبدو تعال معنا ، لا تنتظر في السيارة ، فنحن سنتأخر .
كتم ضحكته بقوة ، وقال بصوت مرح : بالفعل لقد مللت من الجلوس بالسيارة وجئت لأشرب كوبا من القهوة .
أكمل وهو ينظر إليها : هلا أتيت معي ؟
هزت رأسها موافقة ليسأل هو : أين منال وفاطمة ؟
هزت أكتافها : لا أعلم ، ضللت الطريق في ذلك الازدحام .
سار بجانبها وهو يبتسم : تعالي نشرب القهوة واتصلي بهما لنعرف أين هما .
هزت رأسها موافقة وتشاغلت بالهاتف لتتصل بمنال ، حين اندفع بعضا من الشباب يركضون خلف بعضهم ، ويمزحون بقوة معًا ، تفاجأت به يشدها من ساعدها بقوة ليوقفها بجانب الحائط ويقف قريبًا منها للغاية ، شهقت بخفة لتقول بخوف : ماذا يحدث؟
__ المعذرة ، لم أستطع تحمل فكرة أن أحد هؤلاء الشباب سيلمسك حتى لو على طريق الخطأ  .
أشاحت بنظرها بعيدا عنه ، واستمرت في السير بهدوء بجانبه:هل انتهيت من التسوق ؟
هزت رأسها إيجابًا ليقول بضحكة : أين الأكياس إذن ؟
أشارت بالأكياس التي تحملها بيدها اليسرى فضحك بمرح : ما هذا ؟ معلوماتي أن النساء تخرج من المجمعات التجارية وهن لا يستطيعون حمل الأكياس من كثرتهم .
قالت بخجل : أنا لست من هواة التسوق .
هز رأسه ووقف ليشير إليها بيده بان تتقدمه وتدخل إلي الكافية العصري الذي اختاره ليجلسا به ، تقدمت بهدوء ، سأل بخفوت : أين تريدين الجلوس ؟
هزت رأسها وكتفاها بمعنى أنها لا تدري ، ليتقدم باتجاههم نادل من الكافية ويقول بابتسامة ودود : تفضلا ، شرفتم .
أشار لهم بطاولة صغيرة تقع في الركن الأخير من المكان ليشير عبد الرحمن إليها بأن تتقدمه ويفتح لها الكرسي لتجلس أمامه ويجلس هو بدوره
أشار إلي النادل بفخامة : اثنين من اللاتيه لو سمحت .
عقدت حاجبيها فسألها : هل تفضلين شيء آخر ؟
هزت رأسها نافية : لا إطلاقًا ، ولكني متعجبة كيف عرفت أنني أحب اللاتيه .
ابتسم وغمز بعينه : شعرت بك .
ابتسمت بخجل وقالت وهي تنظر باتجاه أخر : أخبرني عن نفسك .
تنهد بقوة : لقد أخبرتك من قبل ، والدي توفيا وأنا صغير أثر حادث طائرة ، تربيت في كنف جدتي وتوفيت هي الأخرى وأنا أنتظر نتيجة الثانوية العامة ، أنا وحيد ليس لدي عائلة ، فوالدي لا أخوات لهما ، لذلك أنا ليس لدي أبناء عم أو خال ولا أحد إطلاقًا
ابتسم وهو يقول : لدي صديق وحيد ، أكثر من أخ لي .
صمت عندما اقترب النادل ليضع أكواب اللاتيه ،سألته بهدوء : كم سكرك ؟
ابتسم باتساع : ضعي إصبعك بالكوب فقط .
احمرت وجنتاها وضحكت بخفوت ، أتبع : واحدة .
بدأت بوضع أكياس السكر ليسألها هو : وأنت ؟
نظرت إليه : والدي متوفى ، وأمي لازالت على قيد الحياة .
__ لا أفهم إلي الآن ، لما لست معها ؟
قالت بألم :تركتني لعمي وأنا صغيره وتزوجت لدي منها أخ وأخت ولكني لا أعلم عنهما شيء .
عقد حاجبيه ولمعت عيناه بقسوة  ،أكملت والدموع تتجمع بعينيها : والآن تريد مني أن أذهب إليها لأراها ، وعمي ذهب بي إليها في المشفى ، ما فهمته أنها على مشارف الموت .لا أعلم ماذا أفعل؟ أريد أن أذهب لأراها ولكن كلما أتذكر أنها تركتني كل السنين الماضية ، أتراجع عن الفكرة .
تنحنح وسأل بهدوء مغيرًا للحديث ، لأنه شعر بأنها ستبكي إن نطقت بحرف أخر : أين كوبي ؟
نظرت إلي الكوبين بحيرة ، ابتسم على حيرتها ولمعت عيناه بخبث : تذوقي كل منهما وأخبريني .
مدت يديها واحتضنت الكوب لترفعه إلي شفتيها فهمس برقة : هنيئا للكوب .
ارتبكت من كلمته وقالت بتلعثم : أنه كوبك .
قبل أن تضع الكوب على الطاولة كان يحيط يديها التي تحتضن الكوب بكفيه ارتعشت كفيها بقوة وهو ينظر إليها ويقول هامسا : شكرًا ، الآن سأتذوق أحلى لاتيه سأشربه بحياتي كلها .
تلونت وجنتاها بالأحمر القاني وقالت بصوت يكاد أن لا يسمع : اتركني .
ابتسم وهو يسحب الكوب من بين يديها وعدل من وضع الكوب بين يديه: اشربي اللاتيه قبل أن يبرد.
شربت قليلا من كوبها وحاولت أن تتكلم عن أي شيء حتى تتحاشى نظراته المثبتة عليها وتجعلها تحترق خجلاً ، تنحنحت وقالت بصوت منخفض : تحب القراءة أليس كذلك ؟
هز رأسه إيجابًا وقال بخبث : شعرت بي .
ابتسمت وهزت رأسها نافية : لا ولكني استنتجت بسبب نزار .
أومأ بتفهم سألت وهي تنظر إليه : تحب نزار أليس كذلك ؟
نظر لها ووضع عيناه بعينيها : لا ، أحب ليلى .
اتسعت عيناها ليتبع هو بابتسامة جانبية : قصيدة ليلى وأحب أغنية هذه ليلتي لأم كلثوم  وأغنية الكينج التي تخص ليلى ، بالطبع تعريفها .
رمشت بعينيها بقوة وهي تحاول أن تستوعب ما قاله ، ليرن هاتفها مدويا مما جعلها تجفل وتخرج من شرنقة حديثه ، قالت بصوت مبحوح : أنها منال .
ردت عليها بهدوء وهو يطلب الحساب ، همس : أخبريها أنك عند السيارة .
أومأت برأسها ، وقالت لمنال : نعم ، أنا انتظركم عند السيارة  .
أتى النادل بالحافظة الجلدية للحساب ووضعها على الطاولة لتضع يدها عليها ،فيمسك هو يدها بيده اليسرى ويمسكها بيده الأخرى وسأل في حده : ماذا تفعلي ؟
حدة عيناه جعلتها تقول بخوف : لا شيء .
حاولت تخليص يدها من كفه وهي تشعر بالسخونة تسري بجسدها وخاصة عندما رأت أنه عدل الكوب ليشرب من مكان شفتيها الواضحتين بالكوب بسبب ملمع شفاها الوردي، شد على يدها مهدئاً ، ثم وضع النقود بالحافظة ونهض و شدها من يدها لتنهض معه ، احمرت وجنتاها وهمست بتوتر : اترك يدي يا عبد الرحمن .
انحنى ليهمس لها : سألعن نفسي إن فعلت ، اتركيها قليلا ، لن أهرب بها .
ارتعشت يدها بكفه لتقول برجاء : عبد الرحمن .
ابتسم وهو يترك يدها ليقول : حاضر ، تذكري فقط أنني طلبت منك القليل وأنت لم ترضي بأقل القليل .
أسرعت في الخروج من الكافية لتسرع بخطواتها لتجده سائر بجانبها يقول بحنق : توقفي عن الركض ، ماذا حدث لتهربي مني بهذا الشكل ؟
قالت بتوتر : لم يحدث شيء .
اقترب منها وقال : حسنًا ، لقد تخطيت البوابة ، تعالي .
سارت بجانبه بهدوء ليمد يده ويمسك كفها برقة ويقول هامسًا : أرجوك ليلى .
رمشت بعينيها ليتبع بصوت أكثر رقة : اه لو تعلمين اشتعال وجنتيك خجلا هكذا يجعلني أفقد عقلي ، نفضت يدها من يده ليقول بعتب - ليلى .
أسرعت بخطواتها قليلا فصمت على مضض وتركها تتقدمه إلي السيارة وهو يرى منال وفاطمة آتيتان من بعيد .
***
__ ما بك هناء ؟
ابتسمت وهي تراه واقف خلفها ويربت على كتفها بحنان لتمسك يده وتقول : لا شيء حبيبي ، قلقة على البنات
ضحك بهدوء : البنات ، إحداهما أما لطفلين والأخرى عروس .
انقلب وجهها عند ذكره لفاطمة وظهر القلق جليا بعينيها ، فسأل بصوت قوي :ماذا هناك هناء ؟ ماذا فعلت فاطمة ؟
قالت بتلعثم وارتباك : لا شيء ، إنها فقط مشاغبة وأنت تعلم أنها تضايقني بتلك التصرفات الطائشة .
ربت على يدها التي احتضنها بين كفيه : لا تقلقي حبيبتي ، ستتحسن أمورها إن شاء الله
شدت على يده : أنا فقط خائفة عليها ، وقلقة على منال أيضًا .
اتسعت ابتسامته : لا تخافي ، ثم لماذا قلقه على منال ؟
نظرت له بعتب : لم أكن أريدها أن تتزوج خالد وأنت تعلم ذلك جيدا ، ولكنك صممت ولا أدري إلي الآن لماذا ؟
هز رأسه بأسى : إنهما متزوجان منذ خمس سنوات هناء وأنت كلما تكلمنا تخبريني برفضك لهذه الزيجة .
كشرت : نعم ، أشعر بعدم راحة ابنتي مع خالد .
اقترب منها : أنه أفضل من باسم بكثير وكم تمنيت أن تتزوجه منال ولا تتزوج باسم رحمة الله عليه ولكنه النصيب .
قالت بخوف : أنه مخيف أحمد ، أنا أخافه فما بالك بصغيرتي .
قهقه ضاحكًا وهو يشد على يدها : أنه شخص رائع ولا دخل له في شكله ، إنها خلقة الله، ثم أين هذا المخيف بعيونه الزرقاء ووسامته .
نظرت إلى زوجها بنصف عين ليضحك : إنها تحبه ، ألم تشعري بذلك ؟
هزت رأسها بالإيجاب وتنهدت : نعم شعرت بذلك وهو يتعامل مع الطفلين بحنان زائد عن الحد وكأنه أباهما الحقيقي ، ولكني لا أعلم ما هذا الحزن الذي يسكن عيناها ؟
ربت على يدها : ستكون بخير إن شاء الله
كحت بهدوء ليقول : هناء ماذا عندك وتريدين أن تخبريني عنه ؟
ابتسمت بدلال اعتاد عليه ، وقالت : لم تخبرني عن آخر أخبار العريس المتقدم لتومي
عقد حاجبيه : عريس ، هز رأسه : آها ، أنت تقصدين شهاب .
قالت بتشجيع : نعم ، شهاب ابن اللواء محمد النجار
نظر لها بحيرة : لم أرد علي محمد للآن ولكن سأخبره برفضي .
قالت بضيق : لماذا ؟  
نظر لها بتفحص :ابنتك رافضة لفكرة الزواج وتريد أن تعود لأمريكا لتستكمل دراستها 
قالت بقوة : لن تعود إلي هناك ، ويكفيها دراسة ، لن تستفيد بها على أي حال ليس لها إلا بيتها وزوجها .
رفع حاجبيه تعجبا : ما هذا الكلام هناء ؟ أنت من تقولين ذلك .لا تفرقي إذن في التفكير عن إحدى السيدات اللواتي لم يتلقين أي نوع من التعليم ، أنت خريجة كلية الاقتصاد وحاصلة على الدكتوراه من كامبريدج ، تتكلمين بتلك الطريقة .
قالت بضيق : نعم حصلت على دكتوراه في الاقتصاد و يا ليتني ما اهتممت بدراستي على حساب مصلحة الفتيات ، فدخول فاطمة لتلك المدرسة الداخلية ،غيرها إلي إنسانه مختلفة عما أردتها أن تكون .
قال آمرًا بقوة : أخبريني ماذا يحدث هناء ؟
ارتبكت : إنها على علاقة بشاب لا نعرف عنه شيئًا .
اتسعت عيناه بقوة وقال بنبرة مخنوقة :لماذا لم تحاولي أن تتعرفي عليه وأن تخبرك عنه، كما فعلت مع منال حينما اقتربت من باسم ؟
نظرت له بخوف ، وخافت أن تخبره عن أرون وأنه أتى إلي هنا : سأفعل ، هز رأسه بضيق ، فأتبعت : ولكني أريد أن تخبر اللواء محمد أن يأتوا لزيارتنا فانا أريدها أن تتعرف على شهاب.
نظر لها بقوة لتقول بدلال : لن يحدث شيء أحمد ، إذا دعوناهم على العشاء مرة من الممكن أن تعجب به وتقتنع .
ابتسم وهو ينظر لها بحب : لن أستطيع أن أرفض لك طلب
ابتسمت وهي تربت على كفه : شكرا حبيبي
انتبها الاثنان على صوت خالد الرخيم : عمي ، المعذرة ، لم أقصد .
احمرت وجنتا السيدة هناء ليقول سيادة السفير وهو يرى خالد يعود إلي الوراء: تعالي خالد .
دخل خالد بوجه قلق ، فسأله السفير : ما بك ؟
هز رأسه : قلق فمنال لا ترد على هاتفها، وفاطمة أيضًا .
__ اتصل بعبد الرحمن .
__ليس لدي رقم هاتفه .
نهض السفير : أنه معي .
رن هاتف خالد ليقول براحة : إنها منال
خرج سريعًا  ليرد عليها ، فابتسم السفير ونظر إلي زوجته التي قالت : أنه مخيف مهما فعل .
قهقه سيادة السفير وانحنى عليها : لن تتغيري أبدًا هناء .
***
خرج مسرعا ليرد عليها بقلق وصل لها من صوته : أين أنت ؟
ابتسمت : أنا بالسيارة ، أمامنا نصف ساعة بالكثير ونكون أمامك .
تنهد براحة : قلقت عليك منال ، لماذا لم تجيبي عن اتصالاتي ؟
__ لم أسمع الهاتف بسبب الازدحام ، آسفة .
قال هامسا : اشتقت إليك .
احمرت وجنتاها ونظرت حولها :لا تقلق عبد الرحمن يقود السيارة بحذر ، سلام .
أغلقت الهاتف لتجد عبد الرحمن مبتسما فقالت بصوت مرتفع : أنت متجه إلى الفيلا.
أومأ برأسه إيجابًا لتلتفت لها ليلى : نسيت حاسوبي عندكم ، فسأنزل لأحضره ثم يوصلني إلى منزلي .
هزت رأسها وهي تبتسم لتقول فاطمة بضيق : ولماذا يوصلك إلي منزلك ؟ تستطيعي ركوب سيارة أجره .
جمد وجه ليلى لتلتفت منال إلى شقيقتها وتنظر إليها بقوة فأتبعت الأخرى بضيق : لا تنظري لي بتلك الطريقة .
جزت منال على أسنانها وقالت : اعتدلي فاطمة .
همت بالرد لتصمت عندما علا صوته الفخم : إنها أوامر سيادة السفير ، ولتعلمي السبب وراء أوامر والدك
أتبع وهو يبتسم وينظر إلي ليلى بطرف عينه : أنه يخاف على الأستاذة كما يخاف عليك أنت أو السيدة منال ومعه كل الحق  .
أشاحت بوجهها ونظرت من النافذة فاقتربت منال من ليلى : لا تضايقي ليلى ، فهي غريبة الأطوار .
ابتسمت لها ليلى : لا عليك منال ، أنا لست متضايقة .
***
واقف ينظر إلى الهاتف بذهول وهو يفكر هل جنت منال ؟ تغلق الهاتف بوجهي وأنا أخبرها عن مدى اشتياقي لها ، عقد حاجبيه وظهر الضيق على وجهه ليتمتم بقهر : حسنا منال ، سنرى لمتى أستطيع تحمل تقلبات مزاجك .
صعد بقوة فوجد أحمد أمامه وهو يتذمر ، جلس على ركبتيه : ماذا بك حبيبي ؟
قال أحمد بضيق : عبد الرحمن غير موجود وأنا أريد أن ألعب الكرة .
ابتسم خالد باتساع : العب معي .
زم احمد شفتيه بضيق : أنت لا تلعب كرة القدم دادي .
نظر له بعينين متسعتين : من قال ذلك ؟ تعال لأذيقك الهزيمة يا فتى .
ضحك أحمد بسخرية : لا سأهزمك أنا .
ركض أحمد لأسفل ليبتسم خالد ويصيح : سآتي بهنا ونتبعك إلي الحديقة .
***
وقف بالسيارة أمام الفيلا وارتجل منها ، فقالت منال سريعا : عبد الرحمن انتظر ليلى لتوصلها ولا دخل لك بالأكياس ، سيأتي سمسم الآن ليحملها .
ابتسم عبد الرحمن وهو يرى سمسم ، ذلك الفتى الأسمر الجميل وهو يأتي مسرعا ويحيه برأسه سريعًا ويحمل الأكياس ويذهب ، نظر بداخل السيارة وابتسم وهو يرى هاتفها موضوع على الكرسي الأمامي هو وحقيبتها ، تنهد وهو يفكر من الواضح أنها نستهما ونزلت لتأتي بحاسوبها الشخصي
لمحها قادمة وهي تحمل حقيبة الحاسوب ليسرع لها وهو يقول : هاتيها ، إن الحقيبة ثقيلة عليك .
ابتسمت بهدوء وأعطته إياها ، فتح الباب الخلفي و وضع الحقيبة وانتظرها تأتي وتركب بالمقعد الخلفي ، لينتبه على صوت الباب الذي أغلق عقد حاجبيه والتفت ، نظر لها مذهولًا وهي جالسة بالمقعد الأمامي ابتسم باتساع وهو يراها تتحاشى النظر إليه فتحرك بخفة وذهب ليجلس أمام المقود وهو يشعر بسعادة فعلية تغمره ، فهي اختارت أن تجلس بجانبه ، وكأنها تخبره بأنه لم يعد سائق سيادة السفير بل أصبح ذو مكانة أعلى عندها .تنحنح بعد صمت دام لفترة ليست بطويلة وقال برقة : ليلى .
التفتت إليه : نعم .
ضحك : أنعم الله عليك ، أحلى وأجمل وارق نعم .
ابتسمت بخجل فاتبع : ضعي هاتفك في حقيبتك حتى لا تنسيه ، وأجلس أنا طوال الليل العن الهاتف والسيارة لأني لا أستطيع التحدث معك .
قالت بمرح : ولماذا تريد أن تتحدث معي ؟ يكفي ما قلته اليوم .
قال بصدمة : وانتظر إلي الغد وأنا لا أعلم عنك شيء ، ولم أسمع صوتك طوال هذه الفترة ، لماذا تفعلين بي ذلك ؟ ترفقي بي ليلى .
أشاحت بوجهها ونظرت من النافذة ليناديها : ليلى ، ماذا طلبت منك ؟
ابتسمت ونظرت إليه فقال بنبرة أكثر جدية : ليلى أريد أن أتكلم معك بخصوص والدتك، عندما لاحظ تغير لون وجهها قال سريعًا - لا أدافع عنها بالطبع ولكني سأخبرك بأمر هام أعتقد أنك لم تفكرين به ، إذا حدث لها شيء لا قدر الله ، هل ستحتملين مشاعر الذنب بأنها كانت تريد رؤيتك وأنت لم تذهبي إليها ظ
أوقف السيارة جانبا عندما شعر بدموعها تتساقط ، نظر إليها :آسف لم اقصد أن أبكيك ، أرجوك توقفي عن البكاء .
مسحت دموعها ليمسك يدها التي مسحت بها دموعها ويقبلها برقة ، نظرت له وهي تكتم أنفاسها فقال برقة : اذهبي إليها واعرفي ماذا تريد ، لن تخسري شيئًا .
هزت رأسها موافقة فتنهد بارتياح وحرك السيارة ليتابع طريقه حاولت أن تسحب يدها من كفه وهي تشعر بأن حرارتها مرتفعة، فقال بصوت هامس وهو يشد على يدها مطمئنا : اتركيها أيتها البخيلة ، اتركيها من أجلي .
قالت بعتب : عبد الرحمن .
تنهد بقوة : حسنا ، سأقف بالسيارة الآن عند الكورنيش وأرمي بنفسي في النيل لترضي عني .
قالت بسرعة : بعد الشر عنك .
لف لها ونظر إليها بعينين يتألق بهما الحب فقالت بقوة : انتبه للطريق  .
نظر أمامه وتنفس بقوة وهو يسمعها تهمس : ثم أنا راضية عنك .
قال بهمس هو الآخر : أنت بالفعل تريدينني أن القي بنفسي في النيل الآن ، نظرت له متسائلة فقال بمرح - حتى أتأكد أنني لا أحلم  .
سحبت يدها من يده وفتحت النافذة لعل الهواء العليل البارد يخفض من حرارة وجهها التي تشعر بها ، ليتنهد هو و ينظر إليها بطرف عينه ، يشعر بخجلها الذي يفقده عقله أوقف السيارة بهدوء لتلتفت إليه وهو يقول : الأوقات السعيدة تنتهي سريعًا .
شكرًا ليلى على اليوم ، أنه من أجمل أيام حياتي .
ابتسمت ووجنتاها تحمر تلقائيا : أراك غدًا .
هز رأسه إيجابًا : إن شاء الله .
نزلت وأخذت حقيبتها وحقيبة الحاسوب ،قال وهو يرتجل : هل ستستطيعين حملها ؟
هزت رأسها إيجابا : شكرًا عبد الرحمن ،تصبح على خير .
اتسعت ابتسامته وهو يتابعها بنظره إلي أن دخلت إلي المصعد : وأنت من أهل الخير ، أتبع هامسا - حبيبتي .
***
يقف يلعب مع أحمد وهنا كرة السلة ليسمع صوتها وهي تنادي على سمسم ليحمل الأكياس التي أتت بها التفت لينظر إليها وهو يشعر بشوق شديد إليها اليوم ، فهو يتعذب طوال الفترة الماضية من إبعاد نفسه عنها انتبه على الكرة التي خبطت صدره وصوت أحمد المتذمر : دادي أنت لست منتبهًا معنا ، أجبرتني على لعب كرة السلة ولست منتبها أيضًا .
ضحك خالد على طريقة أحمد في التذمر وقال بمرح : أتى عبد الرحمن سيلعب معك كرة القدم كما تحب .
صاح أحمد بمرح : أين هو ؟
أتاه صوتها من خلفه : ذهب ليوصل الأستاذة ليلى وسيعود بعد قليل ولكن سيادتك لابد أن تخلد إلي النوم ، هيا اذهب أنت و"هنا" وتناولا طعامكما لتخلدا إلي النوم .
تأفف أحمد بصوت مسموع لتتحرك هنا برضا وتقف أمام خالد الذي حملها بين ذراعيه فقبلت وجنتيه : تصبح على خير دادي .
أنزلها لتذهب إليها وتقبل وجنتا منال : تصبحين على خير مامي .
نظر إلى ذلك المتمرد وقال :  أحمد .
خبط بأقدامه الكرة بضيق لتقول منال بحدة : أحمد .
زفر وانصرف ليمسك به خالد من ذراعه : غدًا العب مع عبد الرحمن كما تحب ولكن الآن التزم بأوامر والدتك
هز رأسه موافقا ليحتضنه خالد وهو يهمس له : سأشترك لك بمدرسة الكرة كما تريد
صاح بفرحة حقيقة : حقًا!
هز خالد رأسه بالإيجاب ،ليقفز احمد إلي رقبته ويتعلق بها وهو يصيح بفرح
فقال خالد بهدوء : اعتذر من والدتك واذهب لتنام .
ركض أحمد باتجاه منال واحتضنها بقوة :آسف مامي لم أقصد إغضابك ،
قبل وجنتيها : تصبحين على خير
ركض إلي الفيلا بسعادة ، ليتشاغل هو عنها بلعب كرة السلة
تجمد جسده عندما احتضنته من ظهره : بماذا أخبرته ليصيح فرحا هكذا ؟
كح بهدوء : أخبرته إنني سأشترك له بمدرسة الكرة .
هزت رأسها بتفهم وابتعدت عنه لتراه وهو يحرك الكرة بين يديه ثم يرميها بالسلة ذهبت بخفة والتقطت الكرة وحركتها بين يديها : ما رأيك لنلعب قليلاً ؟
نظر لها وقال بقوة : ألم نكتفي من اللعب منال ؟
اقتربت منه وهي تنطط الكرة على الأرض لتهمس أمام وجهه : إذا فزت لك عندي مفاجأة ، وإذا خسرت
هزت أكتافها بخيبة أمل ، عقد حاجبيه ونظر إليها بتفحص ، فقالت : هيا أنا لا أمزح  عندما وجدته لا يتحرك من مكانه رمت الكرة بالسلة والتقطتها وقالت : واحد صفر يا بيبي .
رفع حاجباه بدهشة من تغيرها المفاجئ ، وازدادت دهشته عندما ألقت الكرة مرة أخرى وقالت بسخرية : ستخسر خالد وحينها ستلوم نفسك جدًا .
تقدم باتجاهها وهي مستمرة بتنطيط الكرة بمهارة اكتشفها هو اليوم ، حاول أن يأخذها منها ولكنها ناورته وتسللت من تحت يده لتلقي بالكرة مرة ثالثة وهي تضحك بمرح جديد عليه
نظر لها بإعجاب ليتقدم منها ويسحب الكرة من بين يديها ويلقيها في السلة وهو معطيها ظهره لتشهق هي وهي ترى الكرة تمر من السلة لتسقط في الأرض ، ضمها إلي صدره وهمس بجانب أذنها : تعادل يا بيبي ، إنها كرة ثلاثية ولكن معك أنا خاسر دائمًا .
ابتسمت بدلال وهي تقول :يا خسارة ، كنت سألبي لك طلبك الأخير .
قبل أن ينتبه إلام تقصد كانت تسللت من بين يديه واختفت بداخل الفيلا ، تنهد بقوة واستمر في إلقاء الكرة بالسلة، ليقول بصوت هادئ : هل تلعب كرة السلة عبده ؟
ابتسم الآخر ، الذي وصل الآن ، وقال بهدوء : لا يا بك ، للأسف لم أتعلمها ، ولكني ألعب كرة القدم .
هز رأسه بتفهم وهو يلقى الكرة مرة أخرى : نعم أعلم ذلك فأحمد دفعني للجنون اليوم بسببك أنت وكرة القدم ، فهو يعشقها كابيه الله يرحمه .
عقد عبد الرحمن حاجبيه وآثر الصمت ، اقترب منه عبد الرحمن ليلتفت إليه خالد ويبتسم عندما رأى ابتسامته الجديدة مزينة شفتيه وقال بهدوء : أتمنى أن تكون أمضيت وقت لطيف .
ابتسم عبد الرحمن : بل كان رائعًا .
ضحك خالد وقال وهو يعطيه الكرة : سآتي لك ليلاً ، بعد أن يخلدون للنوم ، لأرى ماذا تريد ؟
هز عبد الرحمن رأسه : ليلة سعيدة يا بك .
قال خالد هامسًا : أتمنى .  
ابتسم عبد الرحمن وألقى بالكرة لتعبر من السلة ليبتسم بدهشة ويتمتم : حظ المبتدئين.
ترك الكرة مكانها وذهب إلي غرفته وهو ينتظر أن يمر وقتا كافيا ليتصل بها وينعم بدفء صوتها قبل أن يخلد إلي النوم .
***
تنهد بقوة وهو يفتح باب الغرفة ، ليعود خطوة إلي الوراء وهو ينظر بعدم فهم لما أمامه، فالشموع تزين الغرفة بشكل فوضوي جميل ورائحة الورود التي يحبها تسللت إلى أنفه فأشعرته أنه دخل إلي روضة جميلة ليس إلي غرفة نومه تقدم ببطيء إلي الداخل وهو يحاول أن يستوعب ما يراه أمامه : والأهم أن يتأكد أنها غرفتهما وأنه لم يدخل إلي غرفة أخرى .أدار عيناه بالغرفة وتمتم : إنها غرفتنا ، ولكن ماذا حدث ؟
رفع حاجبيه وهو يشعر بالغباء يسيطر عليه وأن عقله لا يستطيع التفكير الآن .فنادى بهدوء : منال ، أين أنت ؟
جلس ليخلع حذائه وقميصه وهو ينتظر أن تجيبه ،فتنهد بضيق ونهض ليذهب إلى الحمام خرج بعد فترة قصيرة وهو يلف فوطته حول خصره وشعره يتساقط منه المياه
ليبتسم وهو يتذكرها في الصباح وكيف أنبته على تصرفاته الطفولية تمتم بحب : كم أريد الاستمتاع بدلالك كما فعلت الصباح ؟
انتفض بخفة وهو يراها أمامه تتناول من يده الفوطة الصغيرة وتجفف له شعره كما فعلت في الصباح وتهمس : كل ما عليك اليوم أن تتمنى فقط .
اتسعت عيناه بذهول وابتلع ريقه وهو يرفع رأسه وينظر إليها متأملا وهو يراها لأول مرة هكذا  ، فكر " أنه يحلم ، أليس كذلك ؟"
أدار عيناه عليها مرة أخرى بقميصها الحريري الطويل أبيض اللون مكشوف الذراعين والصدر ، تحركت من أمامه لتنكشف ساقيها من فتحته الطويلة .
شدها من خصرها برقة ليجلسها بحضنه : أنت من فعلت هذا ؟
أشار إلي الشموع لتهز رأسها نافية : لا كلفت "ألين " به وأنا بالطريق .ولكني أنا من وضعت الورد .
نظر لها وقال بهدوء : تفعلين ذلك من أجل طلبي فقط ، أم ....
صمت لتنظر إليه وتقول : بماذا تشعر خالد ؟
أدار عيناه على تفاصيل وجهها الجميل بهيام وقال هامسا : لن تبكي .
اقتربت منه وقبلته على شفتيه برقة وهمست : لا
***
__ اعتذر سيدتي عن الحضور بدون موعد مسبقا ولكني اعتقدت أن سيادة المستشار موجود .
ابتسمت السيدة إحسان بمودة : لا عليك بني ، سيأتي حالا ، هل أتيت من اجله ؟
ابتسم بلال بتوتر : كنت آمل في رؤية ليلى .
اتسعت ابتسامتها ونظرت إلي ساعة الحائط : أنها على وصول .
لم تنهي جملتها وهي تسمع صوت الباب يغلق ، فقالت براحة : لقد وصلت ليلى .
نادت بصوت عالي قليلًا : ليلى ، تعالي من فضلك .
دخلت إلي البيت وهي تشعر بالسعادة تحيطها والابتسامة تزين شفتيها سمعت زوجة عمها تناديها ، فذهبت وهي تخبر نفسها " لن تسمح لأحد اليوم بأن يسرق سعادتها " ، اتجهت إلي مكان زوجة عمها وهي تقول بابتسامة : نعم عمتي .
صمتت وهي تنظر إلى الشاب الجالس برفقة زوجة عمها وسمعت صوت الأخرى وهي تقول : تعالي ليلى ، أخوك يريد رؤيتك .
نهضت السيدة إحسان ومرت بجانبها لتقول لها هامسة : استمعي إليه ليلى .
ابتسمت بتوتر وهزت رأسها إيجابًا وترددت كلمات عبد الرحمن بأذنيها ، فابتسمت بتوتر لبلال الذي نهض بدوره وتقدم منها : كيف حالك ليلى ؟
صافحته بتوتر وجلست ليجلس هو على الكرسي الأخر بجانبها ،قالت بهدوء : بخير الحمد لله ، وأنت وإيناس كيف حالكما ؟
ابتسم بحب اخوي : بخير طالما أنت بخير .
ابتلعت ريقها وقالت بصوت مخنوق : وأمي ؟
اقترب بلال منها بجلسته : تريد رؤيتك ليلى ، فهذا آخر أمل لها .
أبعدت عيناها عنه وهي تشعر بالدموع تتجمع بها : تعالي فقط واستمعي إليها ليلى .
هزت رأسها بالإيجاب ليقول بفرحة حقيقية : هل ستأتين حقا ؟
قالت بصوت مبحوح : نعم ، سآتي ولكن غدًا ، ليس اليوم .
اتسعت ابتسامته : إذن سأمر عليكِ غدا لأخذك إليها .
ابتسمت وهي ترى فرحته ظاهرة على وجهه : سأنتظرك .
__ لن تذهبي إليها ليلى .
التفتا الاثنان لسيادة المستشار الذي اتبع : لا تأتي يا فتى ، فأنها لن تذهب معك .
صاح بلال بضيق :لماذا ؟ إنها موافقة على رؤية أمي .
تجاهل مقولة بلال ونظر إليها : لن تذهبي إنها تريدك لتنقذيها من الموت ، ولذلك تذكرتك بعد كل ذلك الوقت .
***
وقف بالسيارة ليطل من النافذة وقال لأحد الحرس : افتح البوابة .
رد الشاب بسخرية :من أنت لأفتح لك الباب ؟
ابتسم بهدوء : أنت جديد في طاقم الحراسة أليس كذلك ؟
أتى شاب سريعا من خلفه اكبر منه سنًا ورتبة ليقول وهو يحي وليد : تفضل وليد باشا ، افتح البوابة للباشا .
اتسعت ابتسامة وليد وارتجل من السيارة ليصافح الشاب بقوة و حميمية : أهلاً محمد، كيف حالك ؟ ألا زلت تعمل هنا ؟
ابتسم الشاب "محمد " وصافح وليد : مرحبًا بك وليد ، أنا بخير والحمد لله ، نعم فبعد أن انتقلت إلي وزير آخر ، والدك طلبني بالاسم .
ضحك وليد بمرح : الله يعينك
__كيف حالك أنت ؟ منذ سنة تقريبا لم أرك .
تنهد وليد : كنت مشغول بالعمل قليلا ولكني سأراك الأيام القادمة سأجلس هنا لفترة وأطمع في الشاي والثرثرة ليلاً معك .
__تنور بأي وقت يا باشا .
نظر له وليد بعتب : محمد تكلمت معك في هذا الأمر من قبل .
ابتسم محمد بمرح وربت على كتفه بمودة ، سأله وليد : هل أبي بالداخل ؟
__ لا ، سيصل بعد نصف ساعة أو أقل فهو تحرك من الوزارة .
ابتسم وليد : لماذا أنت هنا إذا كان أبي لم يصل بعد ؟
__كان لدي مرور اليوم بالوزارة وحل مكاني ضابط آخر ، وعندما انتهيت أتيت إلى هنا .
ابتسم : أنت ممتاز ، لذلك أبي يطلبك بالاسم ، ألقاك غدًا .
__إن شاء الله .
ركب سيارته مرة أخرى ومر من البوابة الكبيرة ليصل إلى مدخل الفيلا ويترك السيارة وهو يصافح عم حسان البستاني ، ذلك الرجل العجوز الذي يعشقه ، قبض كفيه وتقدم باتجاه الباب ليرن الجرس وهو يشعر بالتوتر ، فُتح الباب أمامه ليجد طفلة جميلة تتمسك بالباب بقوة وتترنح خطوتين لتسقط جالسة أمامه ، نظر لها مبهورًا وانحنى ليرفعها من الأرض ، فأتاه صوت مميز وهو يقول : انتظري جنى ، ستقعين وأمك ستلومني بسببك .
احتضن الفتاه ونظر إلى الشاب الواقف أمامه وعيناه متسعتين ليشده إلى حضنه غير مراعيًا للطفلة التي بين يديه ويهتف بسعادة : وليد ، أيها الثور ، اشتقت إليك .
قهقه وليد ضاحكا وهو يبتعد عن حضنه : ابتعد أيها الغبي ، ستقتل طفلتك .
ضحك الشاب بقوة : إنها معتادة على الأمر ، فأنا احتضنها هي وولاء معًا توفيرًا للوقت
قهقه وليد ضاحكا : لن تتغير أحمد ، أليس كذلك ، صرت طبيبًا أو كبير الأطباء ستظل كما أنت .
هز أحمد رأسه بغرور : أنت تشعر بالغيرة فقط .
أومأ وليد رأسه : بالطبع ، نعم يكفي أن يكون لي طفلة رائعة كجنى .
شده أحمد من يده :ادخل تعال ، أمي ستقفز فرحًا بسبب وجودك ، اليوم عيد هنا في القصر .
صاح بقوة : ماما ، ماما ، وليد أتى .
وضع وليد يده على فمه : هش ، ألن تكبر أبدًا ؟
هز رأسه نافيا ليتبع صائحا : لولو تعالي وليد هنا .
ابتسم وليد وهو يرى فتاة حسناء هادئة الطباع تتجه ناحيتهم وهي مبتسمة لتمد له يدها مصافحة : مرحبًا وليد .
ابتسم وليد وقال مشاكسًا : من بعيد هكذا ،أين عندما كنت تأتين راكضه لأحضاني؟ أم الدكتور احمد أصبح يغار الآن .
نظر له احمد بقوة : ماذا تقول ؟
رفع وليد يديه إلي الأعلى : لا شيء ،أنا أمزح اقسم بالله .
قهقه أحمد وهو يربت على ظهره بمرح : أعلم يا أخي العزيز .
تصلب وجهه المبتسم عندما شق صوت محمل بالبرودة : يا مرحبًا بمذيعنا الغالي ، أي مصيبة ألقت بك علينا الليلة ، فبالتأكيد أتيت بإحدى مصائبك الكثيرة لأبي ليحلها .
قال أحمد بارتباك : وائل .
نظر وليد بتحدي للشاب الذي ينزل السلم ببرود وخيلاء ، وابتسم بسخرية : يا مرحبا بالباش مهندس العظيم ، كيف حالك أخي ؟
لمع الغضب بعينين وائل وقال : ما الذي حدث لك هذه المرة ؟ أم جئت تدعونا إلى زواجك .
ابتسم وليد : لا ، لم أتزوج إلى الآن ، وأعتقد أنك لم تفعل أيضًا ، ولكن فكرة الزواج هذه فكرة جيده ، ولنرى سيادة الوزير كيف سيحتفل بابنه البكر ؟
طغى الغضب بعيني وائل : أنا بكر عائلة الجمّال ، فأنت لا تحتسب وليد وهذه الثلاثة أشهر لا تحتسب .
ضحك وليد ببرود : ولكن الثلاثة أشهر التي لا تحتسب تقول أنني الأكبر وائل .
هم بالرد عليه ليقول أحمد بصوت عال : ماما ، تعالي لتري من هنا .
نظر وليد باتجاه المرأة الجميلة الآتية من اتجاه المطبخ بشوق فهرع إليها وهو يقبل رأسها ويديها ويحتضنها بشوق جارف : اشتقت إليك أمي .
احتضنته بقوة وقالت بصوت باكي : إذا كنت اشتقت إلي ، كنت أتيت ، لماذا وليد ؟
أنت مختلف مع والدك ... ما ذنبي أنا، أم أنني لا أهمك .
قبل يدها مرة أخرى ورأسها وهو يصحبها إلي غرفة المعيشة ، ليجلسها ويجلس بجانبها على الأريكة ويضع رأسه على رأسها وهو يحتضنها بذراعه : آسف أمي ، رغمًا عني ، أنت تعلمين جيدًا أهميتك بالنسبة لي .
احتضنت السيدة أنعام وجهه بكفيها : وأنا الأخرى اشتقت إليك جدًا .
ضحك وائل ساخرًا : ها قد قرت عينك ماما برؤية ولدك الغالي .
تنهد وليد بضيق ، فربتت على وجنته : لا تهتم حبيبي ، إنها ليست أول مرة تتعرف على أخيك .
التفتت إلي وائل : نعم ، فأنا كنت قلقة عليه كما أقلق عليك وأنت بالخارج .
ابتسم بسخرية ليقول أحمد بمرح : هيا أمي ، اصنعي لنا المكرونة بالبشاميل بيديك الجميلتين من أجل وليد فأنا أتدلل عليك من أسبوع ولم تبالي بي ولكن من أجل وليد ستفعلينها .
نهضت الأم واقفة : نعم سأفعلها من أجل وليد .
ضحك وليد وهو يشدها من يدها برفق : والله أمي لن تفعلي شيء الآن ،أنا لا أتناول العشاء أصلاً .
نظرت إلي وجهه : لذلك وجهك مصفر وضعيف .
كتم أحمد ضحكته وقال بمرح : لا أمي أنه يحافظ على وزنه من أجل الفتيات ، فهو نجم الفتيات الآن .
قهقه وليد ضاحكا وتلاقت عيناه بعيني وائل الذي جز على أسنانه وأشاح بوجهه بعيدًا ونهض واقفا : سأذهب أنا .
قالت الأم بنبرة آمرة : انتظر والدك ، فهو يريد رؤيتك .
زفر وائل بضيق وجلس على مضض ، سأل وليد بهدوء : أين إيمان ؟ لا أراها .
ابتسمت والدته : اليوم انتهت من امتحاناتها النهائية ، وذهبت برفقة صديقتها إلى السينما ، ستصل بعد قليل .
أنهت الأم جملتها ليأتي لهم صوت أنثوي رقيق : من الذي امتلك بينكما البي أم دبليو الحمراء التي تقف مكان سيارتي بالخارج ؟
اتسعت عيناها وهي تنظر إليه لتصرخ بقوة : وليد .
قفز واقفا ليحتضنها بين ذراعيه ويلف بها : اشتقت إليك موني .
__ وأنا الأخرى ، أيها الجبان ، اتصلت بك أنا وولاء وأحمد أكثر من مرة لتأتي إلي عيد مولد جنى ، لم ترى مكالمتنا .
تنحنح بحرج : آسف كنت أظن شيئا آخر ، ثم احترمي أني أخاك الأكبر .
ابتسمت واحتضنته مرة أخرى : كم اشتقنا إليك
بعدها عن حضنه : وأنا الآخر يا صغيرتي 
عقد حاجبيه وهو يتأملها بهدوء ليقول : تحجبتِ .
هزت رأسها بفخر : نعم ، ما رأيك ؟
ابتسم بإعجاب : قمر حبيبتي ، كبرت يا موني وأصبحت عروس جميلة .
احمرت وجنتاها بخجل ليصيح أحمد : لا يمكن أخيرًا رأيناك تخجلين كالفتيات .
قهقه وليد ضاحكا وهو يرى إيمان تقذف أحمد بإحدى الوسادات صمت الجميع وهو بالخصوص عندما رأى والده واقف أمامه ويقول : مساء الخير.
وقفوا جميعًا احتراما للرجل المهيب الذي وقف في منتصف الصالة ليتبع هو بابتسامة  : سمعت أصواتكم وأنا بالسيارة ، ما الجديد اليوم لموجة المرح تلك ؟
تجمد وجهه وهو يرى وليد واقف بجانب ابنته الصغيرة لينظر إليه بحدة ويقول : لن أفعل لك شيئًا هذه المرة وليد ، فأنا لن أخاطر باسمي من أجلك ، عد من حيث أتيت.

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن