واقفة تنظر من النافذة إلى أشعة الشمس الأولية التي تنبثق من بين السحب فتبدد الظلام ، كباقي الأيام الفائتة لم تنل كفايتها من النوم بسبب فاطمة ، لا تعلم ماذا حدث معها ولكن حالة شقيقتها الصغرى تمزق نياط قلبها ، فهي خائفة دائمًا ومتوترة، لا تأكل ولا تشرب ولا تنام أيضًا ، وعندما تغفو عينيها بعد جهد جهيد من منال ووالدتهما تستيقظ وهي تصرخ بشكل مرعب ،
عدلت من خصلات شعرها وهي تفكر فيما حدث ، عقلها ينبئها بأمر مرعب حدث لفاطمة ليلة عودتها مع خالد ، سألت أباها عما حدث أكثر من مرة ولكنه هو الآخر ليس بطبيعته ، والفيلا تخضع الآن لحماية مكثفة ذكرتها بتلك الأيام التي كان يعمل بها أباها كسفير سابق .
لا تعلم ماذا حدث ، حتى خالد لم تراه منذ تلك الليلة ، استيقظت في الصباح لتجد جاك يخبرها بأن عليهم العودة لأن فاطمة مريضة ، وعندما قدمت إلي البيت كانت فاطمة في حالة هستيرية لا تعلم لماذا ؟
بحثت عن خالد ، فلم تجده وعندما اتصلت به أخبرها بأنه سافر لأمر هام وضروري خاص بعمله ومن حينها مر أسبوعان اتصالاته بها قليلة تكاد لا تذكر وبكل مرة تسأله عن موعد عودته فلا يجيبها
حتى عبد الرحمن ليس موجودًا، عندما اكتشفت عدم وجوده وأخبرها أحمد أنه ليس بغرفته وأن أشياؤه اختفت وعاد العم منصور إلي العمل لديهم
سألت والدها فأخبرها أنه غادر العمل، ولم يستطرد في الحديث كعادته معها
يؤرقها والدها وحالته الصحية التي تدهورت فجأة ، والعجز الذي ظهر عليه
يشرد كثيرًا ولا يتكلم مطلقًا ، هزت رأسها بتعب وهي تشعر أن رأسها سينفجر بسبب الصداع
تمعنت بالنظر خارجا وهي تنظر إلي الضابط الصغير الذي أتى منذ قليل ليستلم نوبة حراسة جديدة ، هزت رأسها بعدم فهم والتفتت إلي شقيقتها النائمة بفعل إبرة المسكن التي أعطاها لها الطبيب النفسي الذي أتت به والدتها عندما تفاقمت حالة أختها الهستيرية .
جلست بجانبها وهي تتأمل ملامحها بحزن ، ففاطمة المشرقة دائمًا العابثة الغير مبالية لآراء أحد ، شحب وجهها وانطفأت لمعة عيناها ، شفتيها الجميلتين بلون الكرز أصبحا بلا لون بل داميتان دائمًا .
تلمست خصلات شعرها المموجة بحنان وانحنت لتقبلها على جبينها
لتنتفض فاطمة بقوة وتفتح عيناها اللتان اتسعتا رعبا وهي تنكمش على نفسها وتبتعد عن منال سريعًا .
جفلت منال وعادت برأسها إلي الوراء وهي تنظر إلي شقيقتها التي ترتجف رعبًا وتتمسك بغطاء الفراش كأنه ملاذها الوحيد
دمعت عيناها وهي تنتبه فجأة إلي الشيء الوحيد الذي لم يدر بخلدها ،
اقتربت منها بهدوء وهي تبتسم بألم وهمست : اهدئي حبيبتي ، أنه أنا .
زاغت عيناها فقالت منال بهدوء وهي تتحسس خصلات شعرها : هل تعرض لك أحدًا فاطمة ؟
ازداد ارتجافها وانتفض جسدها بقوة ، لتسقط دموع منال في صمت، وعيناها تلمع بتصميم ، قالت بصوت قوي : من هو فاطمة أخبريني ؟
هزت الأخرى رأسها نافية ، لتقول منال بحقد وهي تفكر أنه الوحيد الذي كان موجود غير خالد وأباها : عبد الرحمن .
انفجرت فاطمة في البكاء وهي تخبئ وجهها بكفيها اقتربت منها منال سريعًا وأحاطتها بذراعيها واحتضنتها بقوة : اهدئي حبيبتي ، اهدئي ،
أكملت بقوة : سأجعله يندم على ما فعله بك ،ذلك الحقير .
انتبهت أن فاطمة تهمس بصوت خفيض فأنصتت لها قالت وهي منهارة بصوت متقطع : مات منال
اتسعت عينا منال بقوة وأنصتت لشقيقتها التي أكملت : مات بسببي منال .
احتضنتها منال في محاولة لتهدئتها وهي تهدهدها بلطف ، فكرت " ستعلم ماذا حدث هنا حتى لو اضطرت أن ترغم أباها على الحديث أو تسافر إلي خالد "
***
ابتسمت وهي ترى هاتفها يضيئ باسم ياسمين ، تناولته :صباح الخير لماذا مستيقظة باكرًا جاسي .
وصلتها ضحكة ياسمين المنطلقة : لم أنم بعد ليلى ، وفكرت أن اتصل بك فأنت تستيقظين باكرًا دائمًا .
ابتسمت ليلى : لم أنم أنا الأخرى .
أتى صوت ياسمين قلقا : لماذا ليلى ؟هل ضايقك أحدًا؟
ابتسمت ليلى بألم : لا ياسمين ،ولكن أصابني الأرق.
__أخبريني عنك، كيف أحوالك ؟
__بخير الحمد لله .
__وأحوالهم معك ؟
قالت ليلى سريعًا : بلال اكثر من رائع
ابتسمت ياسمين : لا أسأل عن بلال فأنا أعلم أنه أكثر من رائع .
قلدت صوت ليلى بتهكم فضحكت ليلى ، أتبعت الاخرى : إيناس
قالت ليلى بسكون : سنعتاد على بعض مع مرور الوقت .
__ووالدتك ؟
قالت ليلى بسكون : بخير والحمد لله .
سألت ياسمين بترقب : ستسافرين غدًا أليس كذلك ؟
قالت ليلى بصوت أرادت أن يكون قويًا : نعم .
مطت ياسمين شفتيها بطفولية : لن تحضري معرضي إذن ؟
قالت ليلى بآلية : تكلمنا ياسمين أكثر من مرة لماذا تسألين الآن ثانية ؟
حسنًا حبيبتي ، ولكني لا أفهم إلي الآن ما دخلي أنا بأنك غاضبة من والدي .
قالت ليلى بهدوء : لا دخل لك بغضبي من عمي ، ولكن أخبرتك من قبل أنه الموعد الذي حدده الطبيب لأمي.
أخرجتها ببطء والغصة تسيطر عليها فقالت ياسمين بهدوء : لا أحد يجبرك ليلى ، لا تذهبي إذا كنت غير مطمئنة أو مرتاحة لإجراء تلك العملية .
ازدردت ليلى لعابها ببطء وقالت بصوت قوي : أعلم ذلك ياسمين وأنا من رغبت بذلك وخاصة أني أملها الوحيد للنجاة من الموت وإذ لا أريد أن افعلها من أجلها سأفعلها من أجله هو .
قالت ياسمين بتلقائية :بلال بك ، الحبيب الذي استولى على قلبك ومكانتنا جميعًا عندك .
ابتسمت ليلى باتساع وهي تراه يستأذن في الدخول ، اشارت له بأن يأتي وهي ترد عليها بطفوليه : نعم ، من أجله سأفعل أي شيء حتى لو طلب حياتي.
عقد بلال حاجبيه ثم ابتسم وهو يقول : ياسمين أليس كذلك ؟
هزت رأسها إيجابًا ليسحب الهاتف من يدها ويتكلم به سريعًا : ماذا تريدين أيتها المزعجة ؟ ألم تري أن الساعة لم تتجاوز السابعة ، لماذا تتصلين وتزعجينها باكرًا هكذا ؟
ردت ياسمين بغيظ طفولي : ولماذا سيادتك عندها باكرًا هكذا ؟
ضحك بعفوية : لأني مزعج أنا الآخر ، ولكني أخاها ولي مطلق الحرية في إزعاجها كما أريد .
قالت ياسمين بندية : وأنا اكثر من شقيقتها .
جلس على الفراش بأريحية : أي نعم في ذلك معك كل الحق .
أتبع بهدوء : أخبريني ما أخر تجهيزاتك للمعرض ؟ وهل تريدين شيئاً أستطيع القيام به ؟
كشرت ياسمين : أشكرك بلال ولكني مستاءة من عدم حضروكم في الغد .
__لا تغضبي أيتها الجميلة عندما نعود سآتي واشتري اللوحات المتبقية ، لا نستطيع أن نغضب ياسمينة الجميلة .
ضحكت بانطلاق : شكرًا ، شكرًا أخجلتم تواضعنا سيد بلال .
ضحك هو الآخر : إذا احتجت شيئاً لا تترددي ياسمين ، معك ليلى .
ناول الهاتف لأخته التي كانت مستمتعة بالحديث الدائر أمامها والذي أصبح شبه يومي ، فياسمين تتصل بها يوميًا وهو الآخر يأتي إليها يوميًا في ذلك الموعد ليجلس معها. أنهت الاتصال مع ياسمين لتذهب وتجلس بجانبه ابتسم وهو ينظر لها : لم تنامي اليوم أيضًا .
ابتسمت بتوتر : أصابني الأرق .
نظر لها بتمعن : لماذا ليلى ؟
نظرت له باستفهام فأتبع وهو يقترب منها ويمسك يديها بهدوء : أنا أخاك ليلى ، أخبريني بما تشعرين به ، أخبريني بما يؤرقك ، هل إيناس أغضبتك في شيء ؟
هزت رأسها نافية وهي تبتسم :لا إطلاقًا .
__إذن ما الذي يحزنك ؟ ما الذي يؤرقك ؟ أشعر بك ليلى أشعر بأنك مهزومة ، حزينة ولا أعلم السبب ، أخبريني وأنا سأفعل كل ما بوسعي لامحي نظرة الحزن تلك عن عينيك .
ابتسمت والدموع تتجمع في عينيها فأكمل وهو يجذبها إلي حضنه : كم اللوم نفسي على الأيام التي مرت عليك ولم أكن بجوارك حينها ، غضبت من أمي كثيرًا عندما أخبرتني عنك ، وازداد غضبي من أبي عندما علمت أنه كان السبب في عدم معرفتنا بوجودك .
لامست خده بحنان : لا تغضب بلال ، ما حدث قد حدث ، لا فائدة من الحديث عنه .
ابتسم بحنان : إذن أخبريني عن سبب حزنك ،من الممكن أني أستطيع أن أخفف عنك ولو قليلاً .
ابتسمت : لا شيء بلال ، متوترة لا أكثر .
تنهد بقوة :على راحتك ليلى ،ولكن تذكري دائمًا أني موجود بجانبك حتى إن لم تحتاجي لي .
ابتسمت بمرح اصطنعته : أنا ادخرك إلى أشياء أكبر من ذلك .
فرد ذراعيه وقال بحماس : اطلبي وتمنى وأنا تحت الأمر والطلب .
ضحكت : لا تخاف سأطلب وأتمنى ولكن ليس الآن .
نظر إلي الحقيبة الموضوعة على الأريكة : أرى أنك بدأت بتجهيز حقيبتك .
قالت بتوتر وهي تنظر إليها : بل انتهيت منها .
رفع حاجبيه واقترب منها : ألا تحتاجين أي شيء ؟
هزت رأسها نافية فقال : ليلى لن أعيد الحديث ، لست غريبًا حتى لا تطلبي مني ما تحتاجين إليه
ابتسمت : صدقني بلال لا أريد شيئاً .
هز رأسه وقال : أهي حقيبة واحدة ؟
__نعم .
ضحك بقوة وقال ممازحًا : لابد أن ترين حقائب إيناس التي لم تنتهي منها إلي الآن، لم يتبق أي شيء لم تؤخذه معها ، وستزداد عدد الحقائب ونحن عائدين بسبب ما ستشتريه .
رفعت ليلى حاجبيها غير مصدقة فقال مفسرًا وهو يتساءل بطريقة مضحكة : هل تريدينها ألا تتسوق من أوروبا قبل أن تعود إلي القاهرة ؟
ضحكت ليلى بقوة فاقترب منها واحتضنها بأخوية : أتمنى أن أسمع ضحكتك تلك دائما حبيبتي .
دمعت عيناها وهي تسمعه يقول حبيبتي لتتذكر الآخر ، الذي اختفى بطريقة مبهمة وتركها تتألم من فراقه الغير مفهوم .
انزعج بلال من رؤية الدموع تتألق بعينيها :هل فعلت شيء ضايقك ليلى ؟
مسحت دموعها سريعًا : لا ، ولكني تأثرت فقط ، حنانك زائد اليوم .
هم بالرد ليقاطعه صوت إيناس الواقفة بباب الغرفة : أنت هنا وأنا أبحث عنك .
التفت إليها وابتسم وأشار لها بعينيه على ليلى ، فابتسمت بثقل : صباح الخير ليلى .
ابتسمت ليلى بدفء : صباح النور إيناس ، تعالي .
__أشكرك ، بلال أريدك ان تأتي لتساعدني في غلق الحقيبة .
ابتسم بلال وهو ينهض : الحقيبة غير راضية عن محتوياتها إيناس ولذلك ترفض أن تقفل .
ضحكت ليلى فكشرت الأخرى : ظريف ،هيا تعال .
ابتسم وانحنى ليقبل جبين ليلى : خذي قسطًا من الراحة ،ونامي قليلا .
ابتسمت : إن شاء الله .
تركها وانصرف خلف شقيقته لتستلقي على الفراش بعد أن أغلقت الستائر ليعم الظلام على الغرفة
وضعت رأسها على الوسادة وحاولت أن تخلد إلي النوم بدون فائدة ، كل ليلة تندفع في رأسها الأفكار والأسئلة وتجعل النوم صعب المنال
تقلبت في فراشها دون جدوى ورغما عنها ذهبت إلي أخر يوم رأته به
وتردد صوته في أذنيها وهو يقول لها أنه يحبها ، كيف عادت سريعًا إلي البيت لتخبر ياسمين عن الأمر وهي في قمة سعادتها ، أخيرًا أخبرها صراحة أنه يحبها
دخلت إلي الشقة لتسمع أصواتًا عالية وكان عمها وزوجته يتشاجران
تمتمت بالستر من المشاجرة واقتربت لتسمع صوت زوجة عمها بوضوح وهي تقول : نعم وافقتها على فك الخطبة ، لا أريدها أن تستمر وتعيش بقية حياتها مع شخص لا تحبه .
صاح عمها بضيق : وما أدراكِ أنت ، لماذا تشجعينها على فعل أمر كذلك ؟ ألم تهتمي بحديث الناس عنها ، شابة في مقتبل عمرها تفسخ خطوبتها بعد ما يقارب الأسبوع .
قالت زوجة عمها بتهكم : دائمًا تهتم بمظهرك الاجتماعي كامل ، هذا أهم من أي شيء أخر ، أهم من صالح ابنتك .
انتفض واقفًا : إحسان ، أنت تعلمين أن ياسمين أهم عندي من أي شيء أخر ولذلك أنا مستاء مما فعلته وشجعتها أنت عليه .
وقفت ونظرت له في تحدي : أتعلم لماذا شجعتها كامل ؟لأني لا أريد أن تظلم زوجها معها ، ولا أريدها أن تظلم نفسها أيضًا ، أنا الوحيدة التي تعلم جيًدا شعور أن تحيى مع أحد قلبه مملوك لشخص أخر .
قال بحنق : ما هذه التفهات التي تقولينها ؟
صاحت بغضب : ليست تفاهات ، قضيت عمري كله معك وأنا أعلم جيًدا أنك تحب ماجدة ، ولكنها لم ترضي غرورك ولا تطلعاتك المستقبلية فلم تتزوجها ، قطعت علاقتك بأخيك ووالدتك عندما تزوج أخاك منها ، ليس بسبب أنك غير موافق على تلك الزيجة ، بل لأنك لم تحتمل أن تراها بجانب أخيك .
وعندما حانت لك أول فرصة بعد وفاة أخيك ، تقدمت للزواج منها متعللًا بليلى
و يا للهول رفضتك مرة أخرى ، ولكن تلك المرة رفضت كامل بك أصغر مستشار بمصر ، اهانتك وجرحت كرامتك ، ردت لك أساءتك لها ، وكانت صفعة قوية لك أنها ستتزوج من شخص آخر ، فحاربتها وحاربت زوجها وأمعنت في عقابها بأنك أخدت ابنتها منها ،
جلست بألم وقالت والدموع تخنقها : أخذت ابنتها لتذكرك بها كل يوم ، تنظر إليها وتتذكر حبك الوحيد ويخفق قلبك من أجلها .
قال بحنق : إحسان ، ما ذلك الهراء الذي تتكلمين عنه ؟
نظرت له وقالت بقوة : ليس هراء ، حتى أنك أزدت عقابها وأنت تعلم أن حالتها الصحية متدهورة فعندما طلبت منك أن ترى ابنتها رحبت بالفكرة وأخذت الفتاه لتراها وأنت متأكد أنها سترفض ، ثم لم تخبر ليلى عن اتصالات أخيها المستمرة وطلبه بأن يراها ، كنت تعاقبها على حبك الذي رفضته كامل .
تراجعت وهي تشعر بالصدمة تلف جسدها كله ، عقلها يحيط به الضباب ، لا تستطيع تصديق ما تقوله زوجة عمها ، لا عمها لم ولن يفعل ذلك ، تراجعت سريعًا
لتصدم بأحد الموائد الصغيرة الموضوعة بالصالة ويتناثر ما عليها ويقع مهشمًا على الأرض
التفتا الاثنان إلي مكان الصوت ليقول عمها بصدمة : ليلى .
اغرورقت عيناها بالدموع وانسابت بقوة على خديها ونظرت إليه بتساؤل عن صحة ما سمعته ، تحاشى النظر إليها فقالت بصوت مخنوق : أخبرني أن هذا الكلام غير صحيح عمي .
نظر لها وقال بحنان : اهدئي ليلى وسأفهمك كل شيء .
ابتسمت من بين دموعها وقالت بألم : إذن هو صحيح عمي ، صحيح .
واندفعت مغادرة المنزل دون أن تحدد وجهتها ، كل ما كانت تشعر به الاختناق
تشعر بالهزيمة ، فأكثر شيء حقيقي وصادق في دنيتها ، كان كاذبًا من البداية
كان وهما ، كانت تعيش في بالون وهمي كبير ، وبشكة دبوس واحدة انفجر وأصبح غير موجود .
ظلت تمشي في الشوارع إلي أن أظلمت السماء وقلة المارة ، لا تعلم ماذا تفعل ، ولا إلي أين تذهب ؟ فكرت أن تتصل بعبد الرحمن ولكنها تراجعت فمن المؤكد أنه سيطلب منها أن تذهب إلي والدتها ، زفرت بقوة وسيطرت على دموعها
أمسكت هاتفها واتصلت به ليأتي ويأخذها إلى والدتها لتسمع منها هي الأخرى
تنهدت وهي تتذكر كيف فرح بمكالمتها له وطلبها بأن يأتي إليها ، وعندما أخبرته بأنها ستذهب معه تهلل وجهه بالفرح وكاد يقفز من سعادته ، تذكرت معاملته الرقيقة معها أول أيامها في البيت بعكس إيناس التي ظهر تبرمها على وجهها منذ أول مرة رأتها بها ، أما هو فرحب بها ترحيبًا بالغًا و فعل ما بوسعه ليشعرها بالأمان كان دائمًا مراعي لها ، يطمئن عليها ويتحدث معها
وكان نعم السند لها عندما ساءت حالتها النفسية بسبب الآخر ، كم تشعر بالكره ناحيته وكم تشعر بالنقمة عليه ،
فعندما علمت بعودة منال ذهبت سريعًا لهم حتى تراه وتتكلم معه وخاصة أنها اتصلت على هاتفه أكثر من مرة لتخبره بما حدث وأنها انتقلت عند والدتها ولكن دائمًا الهاتف مغلق ، وكانت صدمتها الكبرى أنه ليس موجود ، غادر
لا أثر له وكأنه هو الآخر كان وهمًا تلاشى مع إشراق ضوء الشمس
سألت عنه سيادة السفير فأخبرها أنه لم يعد يعمل هنا ، وأن العم منصور أصبح بصحة جيدة وعاد إلي عمله ،
لم تستوعب الأمر في أوله ، ولكنها اعتادت على الصدمات ، اعتادت على وجود الأوهام بحياتها
حاولت أن تسيطر على دموعها وأن لا تبكي فكثير من الليالي بكت ، بكت بسبب كذب عمها عليها ، بكت بسبب هروب عبد الرحمن منها ، تشعر بانكسار كبير بسبب غيابه الغير مبرر لها ، تشعر بالإهانة تترسخ في أعماقها وكأنه رفضها هو الآخر ، حاولت أن تتوصل لأي معلومات عنه ولكنها لم تستطع
تركت العمل عند سيادة السفير من أجل سفرها مع والدتها بعد أن قررت أن تجري العملية .
تنهدت بقوة وشعرت بأحد يدخل الغرفة ،ليأتيها صوت والدتها :أما زلت مستيقظة ليلى ؟
استوت جالسة : لماذا أتيتي أمي ؟ الحركة سيئة عليك .
ابتسمت وجلست بجانبها : أخبرني بلال أنك ما زلت مستيقظة فأتيت لأطمئن عليك .
ابتسمت ليلى : أصابني الأرق ، سأنام الآن إن شاء الله .
نظرت لها والدتها : ألا تريدين أن تتكلمي معي فيما يضايقك ؟
__أنا بخير أمي .
سألت بتوتر : ولا تريدين أيضًا أن تتحدثي عن الماضي .
توترت ليلى وقال بصوت خفيض : ليس الآن ماما ، ليس الآن .
تنهدت والدتها بقوة وهي حزينة من الجدار الذي يغلف ابنتها قالت وهي تنهض ببطء : حسنًا ، سأتركك على راحتك ، نامي قليلاً .
تركتها وخرجت بخطوات متمهلة ، لتستلقي ليلى مرة أخرى وتعود دموعها للانسياب مرة أخرى وهي تدعو الله أن يخفف عنها الضيقة لتنعم بقليل من النوم .
***
يجلس بتعب على أحد كراسي المستشفى ، لا يعلم ماذا يفعل ؟ يشعر بالعجز من أول يوم أتى معه فعندما تخلص من الحقير الذي من الواضح أنه كان يريد قتل حماه ، سمع ضجة آتية من غرفة فاطمة ليسرع إلي هناك وهاله ما رأى "عبدالرحمن يطير أمامه من نافذة الغرفة ويتبعه ارتطام قوي ، انقض هو من الخلف على أرون وتشاجر معه بعنف ، كان له هو الغلبة في أخر الأمر ".
تناهى إلي مسامعه صوت سيارات الشرطة التي أتت ، التفت ليطمئن على فاطمة ليقفز الدم إلي رأسه ، عاد إلي أرون وكاد أن يقتله لولا أنه تحلى بقليل من العقل ، فأرون شاهد مهم ومن المؤكد سيعتمدون عليه في القضية الخاصة بأخيه وبمحاولة قتل سيادة السفير
حررها من وثقاها لتبكي بنشيج مؤلم ، مزق نياط قلبه سألها بهدوء وهو يحاول أن يرتب كلماته : هل أذاك فاطمة ؟
هزت رأسها نافية فتنفس الصعداء وضمها إلي صدره انتبه عليها وهي تقول بهستيرية : أنا السبب خالد ، أنا السبب ، لقد قتل عبدالرحمن لأنه حاول أن ينقذني منه .
قفز واقفًا وهو يتذكر عبدالرحمن في غمرة غضبه وانفعاله على ذلك الحيوان نسى عبد الرحمن
أسرع نازلا إلي الأسفل ليجد أفراد الشرطة منتشرة في الحديقة ، ورجل كبير في السن يتكلم مع حماه ، أسرع إلى مكان وقوعه ليجد سيارة إسعاف تهم بحمل عبدالرحمن إلي داخلها ، أسرع إلي الطبيب وسأله : هل هو بخير ؟
قال الطبيب سريعًا : سيكون بخير إن شاء الله .
__إذن لازال حيًا ؟
تلعثم الطبيب : إلى الآن نعم .
انتبه إلي اقتراب حميه فقال سريعًا : سأذهب معه عمي ، لن أتركه ، اهتم بفاطمة فهي متعبة .
ومن حينها وهو هنا بجانبه ينتظر أن يستيقظ ، حالته كانت خطيرة عندما وصل إلي المشفى ، وإلي الآن الأطباء غير مطمئنين بسبب حالة الغيبوبة التي لديه
الطبيب أخبره أن رأسه أول شيء اصطدم بالأرض ، وأن أغلب العظم لدية مكسر.
فعدم أخذه لأي وسيلة وقائية لجسده ، أدى إلي اصطدامه بعنف إلي الأرض .
زفر بضيق وقلق إلي أن رأى الطبيب قادم باتجاهه ويبتسم بهدوء : ألم تغادر إلى الآن ؟
هز رأسه نافيًا وقال سريعًا قبل أن يعيد عليه كلامه السابق بأن يذهب وإذا حدث له شيء سيبلغه وذلك الهراء الذي لامعنى له :كيف حاله اليوم ؟
تنحنح الطبيب بهدوء وقال بمهنية : أن مؤشراته الحيوية جيدة بها اضطراب بسيط
__هل هذا معناه أنه سيفيق ؟
نظر له الطبيب وقال بسكون : أو سيموت .
اتسعت عينا خالد فأتبع الطبيب بنبرة غير نبرته المهنية الدائمة : اسمع سيد خالد ، سيادة الرائد كما هو مريضي هو صديقي أيضًا ، وما أصعب علي أن أتوصل إلى ذلك الأمر ولكنه جائز الحدوث فأحببت أن أخبرك به .
قال خالد بهدوء : هل أستطيع الدخول له ؟
هز الطبيب رأسه موافقًا : بالطبع .
تركه وانصرف ليدلف هو إلى الداخل بهدوء ، اقترب منه ونظر إلي رأسه التي لا يظهر منها شيئًا بسبب الشاش المحيط به ،أبعد نظره عن وجهه حتى لا يزيد الضيق الذي يشعر به ،وقرر أن يتحدث معه وتخيل إذا كان مستيقظا ما الحديث الذي سيدور بينهما .
ابتسم وقال بمرح وصوت خفيض : ألن تقوم يا بك وتخبرني عن اسمك ؟ إلى الآن لا أعرفه ، وحرصت أن لا أعرفه حتى تخبرني أنت به ، انهض عبدالرحمن ، اشتقت إلي مشاكستك ورؤيتك وأنت غاضب .
تنهد بقوة : أتعلم اشتقت إلى منال ؟ وإلى الطفلين وإلي ليلى .
ابتسم بمكر وأتبع : أتخيلك الآن وأنت تنفث النيران من فمك بسبب اشتياقي لها ، ألم تشتاق إليها أنت الآخر ، ألا تريد رؤيتها ؟انهض يا رجل فمن المؤكد أنها تنتظرك وتريد أن تعلم ماذا حدث لك ؟
انتبه خالد على أنه يحرك أصابعه فقال بهدوء وهو يركز نظره على أصابع يده : أن ليلى بخير . حرك أصابعه مرة أخرى ليندفع خالد إلي الخارج ويخبر إحدى الممرضات أن عبد الرحمن يحرك أصابعه .
***
فتح باب الشقة وأفسح لها مجالاً وهو يقول لها : تفضلي هنادي .
خطت بتردد إلي داخل بيته ، ذاك البيت الذي زارته من قبل أكثر من مرة ،وكل مرة كانت تلمح لها والدته بأنها ليست زوجة ابنها التي ستسعده .
لا تعلم إلى الآن ، ما القادم ، اذهلها رد فعل فوزية هانم وتقبلها إلي الأمر وعدم معارضتها له ، تشعر بعدم الاطمئنان من ردة فعلها ولكنها لم تستطع الاعتراض ، هشام لم يعط لها أي فرصة لتعترض أو تتكلم معه أو تناقشه لا تعلم ما به هو الآخر، أصبح ديكتاتورًا لا يقبل أي اعتراض منها بل يملي عليها أوامره
انتبهت من أفكارها إلى صوته وهو يقول : هنادي ، أمي تسلم عليك .
رفعت عيناها بتوتر إليه ونقلتها إلي والدته وابتسمت بهدوء : أهلاً فوزية هانم .
ابتسمت الأخرى باتساع : أهلا ً ومرحبًا بك بنيتي ومرحبًا بحفيدنا الغالي ، نور البيت بقدومه .
ابتسمت هنادي بتوتر فقال هشام وهو يضع كريم بجانب والدته : اهتمي به أمي .
التفت إليها : تعالي لأريكي الغرف ، وإذا كان لديك أية اعتراضات عليها ، نخبر بها مهندس الديكور .
هزت رأسها موافقة وأتبعته إلي الداخل ، فتح باب يوصل إلي غرفتين بجانب بعضهما وأمامهم فسحة صغيرة موضوع بها طقم استقبال حديث
فتح أول باب وقال بحماس : تعالي هنادي .
اتبعته في ترقب لتبتسم بفرح حقيقي وهي ترى غرفة معدة للأطفال بلون الأزرق واللبني ، متكاملة بها كل شيء ، لم يغفل هشام عن شيء حتى اشترى له ألعاب جديدة ومعظم الأشياء التي أوصى بها الطبيب أخر مرة .
قلبت عيناها بالغرفة ثم قالت بهدوء : جميلة ، سلمت يداك ، ولكن أين الفراش ؟
عقد حاجبيه وأشار بهدوء إلي فراش للأطفال : ألا يعجبك هذا ؟
ابتسمت بتوتر : لا أنه جميل ولكنه لكريم .
هز رأسه لها بتفهم فصمتت قال بغباء ومرح : أين السؤال ؟
منعت نفسها من الضحك وقالت بجدية : أين الفراش الذي يخصني ؟
هز رأسه بفهم وقال : تعالي .
تبعته بهدوء ففتح الغرفة الثانية لتتسع عيناها بقوة وتزدر لعابها بتوتر وهي ترى غرفة كبيرة تشبه غرف العروسين ، على أحدث طراز ، فراش كبير ودولاب للملابس ، منضدة زينة كبيرة موضوع عليها أحدث العطور النسائية والرجالية أيضًا ، الفراش مفروش بمفرش حريري يخص عروسين جدد ، ورائحة البخور تعم الغرفة .
نظرت له بقوة : ما هذا هشام ؟
ابتسم باتساع : ماذا تري هنادي ؟
جزت على أسنانها بقوة وقالت بانفعال : ولكن كريم لم يعتد النوم في غرفة منفصلة، وأنا الأخرى لم اعتاد الابتعاد عنه .
ابتسم وهو يخلع جاكيت بدلته ويتجه إلي الدولاب ليعلقه به : اعتادي حبيبتي .
نظرت إلي ما يفعله بترقب وقالت : ماذا إن أفاق يبكي كما يفعل دائمًا ؟
ابتسم بسماجة وأشار إلي جهاز أبيض موضوع على الكومود : ستستمعين إليه عن طريق هذا .
بدأ بفك حزام بنطالونه فقالت بهلع : ماذا تفعل ؟
ابتسم باستمتاع على تعبير وجهها وقال بهدوء : ابدل ملابسي .
فقالت بانفعال : لماذا تبدلها هنا ؟
حك رأسه ممثلا عدم الفهم : لا أفهمك هنادي ، ماذا تريدي بالضبط ؟
رفعت رأسها بتصميم : لا أريد أن أشاركك الغرفة .
نظر لها من بين رموشه مفكرًا : أمم ، أكمل بهدوء : لماذا ؟ نحن زوجين على حد علمي .
__نعم ، ولكني لست مستعدة إلى
صمتت فقال بهدوء : لن أجبرك على شيء هنادي ولكني لست مستعدًا أيضًا للرد على تساؤلات أمي عن الوضع بيننا عندما تجدني خارج الغرفة التي أعددتها خصيصًا لزوجتي .
صمتت وخفضت بصرها عنه فابتسم ببرود : للأسف عليك أن تتحمليني الفترة القادمة .
أخذ ملابسه واتجه إلي باب صغير ملحق بالغرفة ، استنتجت أنه دورة المياه
سبت نفسها ولعنت غبائها ، لماذا هي خائفة ؟
لا تعلم ولكنها تشعر بخوف كبير من القادم ، تمتمت بهدوء : ربنا يستر.
***
ابتسم الطبيب وهو يراه يفتح عينيه : كيف حالك يا بطل ؟
رمش بعينيه بهدوء ونظر إليه متفحصا ليعاود الآخر : ألا تتذكرني يا كابتن ؟
كح بهدوء وقال بصوت واهن : ألا يوجد بتلك المشفى غيرك وجيه ؟
زفر وجيه بقوة ليبتسم خالد ويهمس : كيف حالك يا بك؟
نقل إليه بصره وقال بخفوت : أنت هنا، أنا بخير الحمد لله .
قال وجيه : لم يغادر منذ أن أتيت من أسبوعين .
قال بعتب : لماذا تركت زوجتك وطفليك ؟
ابتسم خالد : كنت أريد الاطمئنان عليك .
قال دكتور وجيه : حسنًا سأترككما قليلاً .
ابتسم بهدوء ليقول خالد بمرح : ألن تخبرني عن اسمك ؟
ضحك بخفة ليتأوه : ألم تعرفه إلى الآن ؟
تنفس خالد بقوة : صممت أن لا أعرفه حتى طلبت من دكتور وجيه ألا يخبرني عنه
أريد أن أعرفه منك أنت .
نظر له وقال بهدوء : الرائد أمير عبد الرحمن أسعد الخيّال ، في خدمتك .
ظهر التعجب على وجه خالد وقال بدهشة : أنت حفيد أسعد الخيّال .
هز رأسه إيجابًا : تعرفه .
قال خالد : طبعًا ومن لا يعرفه ، كل من له علاقة بسلك المخابرات يعرف أسعد الخيّال .
هم بالرد ليفاجئ بدخول شخص آخر مع وجيه وهو يقول بغضب : لا أفهم لماذا تفعل بنفسك كل هذا ؟
***
اسرع بخطواته يعبر ممرات المستشفى البيضاء برائحتها النافذة وهو يسب ويلعن وجيه في رأسه وقف قليلاً ليعلم بأي اتجاه سيسير ليجده واقف أمام أحد الأبواب ويتكلم مع إحدى الممرضات ،أسرع اليه وهو يشعر بغضب فعلي منه
ابتسم الآخر لرؤية وجهه الغاضب : وليد ، كيف حالك يا رجل ؟
نظر إلي ساعته وقال بهدوء :لم تأخذ الكثير من الوقت منذ أن أبلغتك ، كنت تقود طائرة أم سيارة
زمجر الآخر : وجيه ، أنا غاضب بما فيه الكفاية لأن أضربك الآن ، تذكرت اليوم أن تخبرني أنه مريض .
ابتسم الآخر بمهنية : أنه بخير الآن ، وطلبت منك المجيء لأنه يحتاجك الآن .
شحب وجه وليد واتسعت عيناه ليقول برعب : لماذا ماذا حدث له ؟
تنحنح وجيه : تعال معي .
اتبعه وليد بصمت ليقفا أمام الغرفة وينظر إليه بألم قال بسكون : أخبرني ما حالته تلك المرة .
همس وجيه : ألا ترى ، عظامة مكسورة ولديه ارتجاج بسيط بالمخ ،انقذنا كليته بأعجوبة،
تنهد بقوة وهو يتبع : هذه المرة غير كل مرة وليد ، كان يأتي بكسر بسيط في ذراعه، رصاصه واحدة بكتفه ، جرح في ظهره أو فخدة ، لا يستحق أن يظل في المشفى بسببه ، ولكن تلك المرة كان بين الحياة والموت ، ثم كان بغيبوبة طوال الأسبوعين الماضيين .ولم أخبرك حتى لا تأتي وتجلس مثل ذلك البك الذي لا يغادر أبدًا .
التفت وليد إلى من أشار إليه وجيه :من هذا ؟
تنهد وجيه وهو يقترب من الفراش : الأستاذ خالد ، لا أعلم عنه أي معلومات ولكنه ظل بجواره الفترة الماضية كلها و رفض المغادرة .
عقد وليد حاجبيه : هل يعرفه ؟
__أكيد فهو تذكره وتكلم معه ، ولكن فكرت أنك الأقرب إليه ولابد من حضورك .
جز على أسنانه غضبا وتحرك ليدخل إلي الغرفة وهو يصيح غاضبًا : لا أفهم لماذا تفعل بنفسك ذلك ؟
ابتسم أمير والتفت خالد بدهشه لذلك الشاب الغاضب قال الآخر بهدوء : أهدئ وليد أنا بخير .
ثم قال لوجيه ببرود : لماذا أخبرته ؟
صاح وليد غاضبًا : لماذا أخبرني ؟ أنه لم يخبرني منذ البداية أبلغني اليوم كأنه يقول لي حالة الطقس ،
نظر إلي وجيه شذرا وهو يتبع : سأحاسبه فيما بعد ولكن الآن أنا أريد أن أفهم ، هل ستستمر فيما تفعله إلي أن تودي بحياتك ؟
ابتسم أمير وقال بهدوء : لا أحد يختار ساعته وليد .
تأفف وليد بقوة فقال وجيه ببرود : لا تغضب وليد سيترك ما يفعله قريبًا ،ليس من أجلك بالطبع .
نظر له وليد بعدم فهم ليكمل الآخر بمكر: بل من أجل الحسناء التي كان يناجي باسمها وهو فاقد الوعي .
كتم خالد ضحكته وهو يرى الغضب الذي لاح على وجه أمير ،عقد أمير حاجبيه ونظر إليه بغضب ، فسال وليد سريعًا :هل هو محق ؟
قال بقوة : لا أعلم عما يتحدث .
قال وجيه بهدوء وهو يشير إلي خالد : أنه شاهد عليك وعلى ما كنت تتفوه به قبل أن تدخل إلي الغيبوبة .
نقل وليد بصره سريعًا إلي خالد الذي نهض قائلا : سآتي لك غدًا .
قال وليد سريعًا : انتظر
تقدم باتجاهه وهو يمد يده بالمصافحة :المعذرة لم يتسنى لي التعرف عليك ، وليد الجمّال .
صافحة خالد : أهلاً بك ، خالد سليمان صديق لعب... ، صديق لأمير .
__تشرفنا .
قال خالد بهدوء : أنت تقرب إلى عاصم الجمّال أليس كذلك .
هز وليد رأسه بقوة : نعم أنه أبي .
ابتسم خالد : تشرفت بمعرفتك ، فرصة سعيدة للتعارف .
__أنا أسعد ،
أتبع وهو ينظر إلي أمير : أخبرني عما يخفيه الكابتن .
ضحك خالد بهدوء : سأتركك معه ، يخبرك بكل شيء ، ألقاك غدًا أمير .
ابتسم أمير وهو يراه يغادر لينقل نظره إليهما ويرى الفضول ينبع من نظراتهما
قال ببرود : ماذا بكما ؟
قال وليد سريعًا : أريد أن اعرف من هي .
أكمل وجيه : وأنا الآخر ، لم أستطع أن أميز ما تقوله ، كنت خائف عليك وأريد أن أنقذ حياتك فلم أركز فيما تتفوه به .
قال بهدوء : لا يوجد لدي شيء لأقوله وأنت يا دكتور سأشتكيك بنقابة الأطباء لأنك تفشي أسرار مرضاك .
قال وليد بمرح : وأنا سأشهد معه .
اتسعت ابتسامة أمير فقال وجيه بحنق : أنا مخطئ بجلوسي معكما وتارك بيتي وطفلي لأطمئن عليك أمير .
ابتسم أمير : لن تخبرني عن حالتي الصحية .
تنهد وجيه : أنت بخير الحمد لله ، أعضائك ومؤشراتك الحيوية سليمة ، ولكن عظامك مكسورة ألا تشعر بها .
__بالطبع أشعر ، متى سأخرج من هنا ؟
نظر له وجيه بدهشه : تتكلم عن الخروج ، ليس قبل شهرين على الأقل ، لديك مشوار طويل مع العلاج الطبيعي أمير ،ولن أكتب لك على خروج قبل أن تتم علاجك كاملاً .
نظر له أمير بغضب فأتبع الآخر: لا تنظر لي بتلك الطريقة ، هيا أراك غدًا.
نظر إلي وليد : وأنت موعد الزيارة سينتهي بعد قليل .
قال وليد بهدوء : لن أتحرك من هنا ، إلا عندما أريد ذلك ، ولن يستطيع أحد أن يمنعني .
ضحك وجيه : هل أخذت حبوب الشجاعة ، أم قررت أن تستغل نفوذ والدك ؟
قال وليد بهدوء : الاثنين .
حسنًا ، أراكم غدًا بإذن الله .
التفت وليد اليه : لن أتركك إلي أن تخبرني عما تكلم عنه وجيه .
صمت أمير قليلاً وقال وعيناه تلمع بمكر : أولاً مبروك الخطبة .
ردد وليد بدهشه : خطبة ، اية خطبة .
نظر له أمير بتفحص : خطبتك أنت وياسمين .
احمر وجه وليد بقوة : لست أنا .
قال أمير باستنكار : ماذا ؟ تركتها تذهب لأحدًا أخر وليد .
قال وليد بتلعثم : أنه موضوع كبير ولابد أن أقصه لك تفصيلاً لكن ليس الآن .
هم بالرد عليه لتدخل الممرضة وتقول : موعد الدواء .
قفز وليد واقفًا : اسمع أمير لدي مشوار هام إلى الإذاعة سأقوم به وأعود إليك
سأبيت معك الليلة .
هز أمير رأسه موافقا فأتبع الآخر : إلى اللقاء .
اتبعه بنظره إلي أن انصرف يعلم جيدا أنه اخترع شيء ليهرب من أمامه ولا يتحدث عما يؤلمه
فكر " ما الذي حدث ليترك ياسمين تذهب من بين يديه ؟"
وأنت ماذا ستفعل لتحتفظ بها بين يديك ؟ هل ستستمع إليك ؟ أم ستبتعد عنك ؟
" اشتقت إليك ليلى كم احتاجك الآن إلي جواري ، كيف سأخبرك بكل ما لا تعلمين ؟ وكيف أستطيع مقابلتك وأنا مقيد بذلك الفراش "
انتبه إلي الممرضة وهي تقول : ستنام قليلاً بفعل الدواء .
عدلت له من وضع الفراش ليركن رأسه إلي الخلف وينظر أمامه ويبتسم وهو يراها أمامه ،حتى غفت عيناه وخلد إلي النوم .
***
دخلت إلي غرفة شقيقتها لتطمئن عليها بعد نقاش حاد نشئ بينها وبين والدها أرادت به معرفة ما حدث ولكنه لم يخبرها بشيء حاولت أن تلمح له عما استشعرت أنه سبب انهيار فاطمة ولكنه لم يلق بالاً لها ، حاولت الاتصال بخالد ولكن هاتفه مغلق فعادت لشقيقتها لتحاول أن تفهم منها أسباب انهيارها
التفتت تبحث عنها في الغرفة فلم تجدها ، شعرت بالخوف عليها ولكنها هدئت وهي تسمعها تهمس من خلفها : عاد خالد .
نظرت لها بهدوء وهي تراها خارجة من دورة المياه وتعجبت من سؤالها الذي لا تنفك أن تسأله عن عودة خالد .
هزت رأسها : لا لم يعود إلى الآن ، وحاولت الاتصال به ولكن هاتفه مغلق .
هزت الأخرى رأسها واتجهت لتجلس على فراشها فاقتربت منها منال : كيف حالك الآن تومي .
ردت سريعًا : فاطمة ، لا أريد أن أسمع ذلك الاسم ثانية .
ابتسمت منال بتوتر : على راحتك حبيبتي ، فاطمة أحلى بكثير .
رتبت على ظهرها وهي تراه تنكمش على نفسها كعادتها الأخيرة : ألن تخبريني عما حدث فاطمة ؟
قالت بقوة مفتعله : لم يحدث شيء ، أنا بخير والحمد لله ، اتركيني قليلا بمفردي من فضلك .
هزت منال رأسها بهدوء ، قبلت رأسها بحنان ، ونهضت لتغادر الغرفة .
شعرت برأسها يدور قليلا فارتكزت على الحائط ، وتحركت بهدوء إلي أن خرجت من غرفة شقيقتها ، لا تعلم ما سبب ذلك الدوار الذي يأتي لها كثيرًا هذه الأيام ولا سبب عدم رؤيتها الجيدة أيضًا ، ستذهب إلي الطبيب ولكن بعد أن تطمئن على حال شقيقتها .
رن هاتفها فابتسمت بتلقائية عندما ظهر اسمه ينير الشاشة : أهلا ً حبيبي .
جاءها صوته منهكًا هامسًا : اشتقت إليك منال .
ابتسمت بهدوء : وأنا الأخرى خالد ، متى ستعود ؟
تنهد بقوة : الليلة بإذن الله .
ابتسمت باتساع وقالت بسعادة ظهرت في صوتها : تعود سالمًا حبيبي .
ابتسم بتعب : أراك قريبًا منال .
أغلق الهاتف لينظر إلي جاك ببشرته السمراء وطوله الفارع واقف أمامه : كيف حالك اليوم خالد ؟
تنفس بقوة : أنا بخير ، أخبرني هل توصلت إلى أية معلومات عما أخبرتك عنه ؟
جلس جاك بهدوء : نعم ، ما أخبرتني به صحيح فأرون كان على علاقة بباسم ، علاقة وثيقة ، أرون الآن ذراع مهم جدًا في التنظيم ولذلك بعثوا به لاغتيال سيادة السفير والبحث عن الأوراق .
فكر خالد قليلاً وتكلم بهدوء : بالطبع علم عن موعد السفر من فاطمة وأيضًا درس مداخل ومخارج الفيلا جيدًا ، وأن لا توجد حراسة على الأبواب .
أتبع جاك : اسمع خالد ، من الجيد أنك سلمته للشرطة والتحقيقات جارية والأوراق بها معلومات كثيرة مهمة ستودي بذلك التنظيم إلي الأبد .
قال خالد بنقمة : أريد أن أعلم من الذي قتل أخي .
نظر له جاك بعدم فهم فأتبع خالد بعصبية : أعلم أنه لم يكن نعم الأخ ، ولكني أريد أن أعلم لماذا قتلوه ؟
__ اهدأ خالد
مسد جبهته بهدوء : أريد أن أنام قليلاً قبل أن أعود إلى المنزل .
__حسنًا سأتركك لتخلد إلي النوم .
قال بهمس : أشكرك على استضافتي جاك .
ابتسم جاك بعملية : على الرحب والسعة .
***
ابتسمت بسعادة وهي تتجه إلى غرفتها ، تفكر في أن تستقبله اليوم بشكل مختلف لم يعتاد عليه ، لقد اشتاقت إليه كثيرًا ، وقفت أمام المرآه لتلاحظ الإجهاد المرتسم على وجهها والتعب الظاهر على ملامحها فقررت أن تأخذ حماما منعشا وتدلل نفسها لتزيل آثار الإرهاق عنها ، اتجهت إلي خزانة ملابسها ووقفت تفكر فيما سترتديه وأي الألوان سيضفى على وجهها الإشراق ، بحثت باحتياجاتها وأخرجت إحدى الفساتين ، لونه وردي قصير بالكاد يصل إلي ركبتيها ضيق إلي حد ما ويحدد رشاقة جسدها .وضعته وذهبت لتبحث عن بقية ملابسها وحليها بعناية فائقة ، وهي تبحث بأحد الأدراج اصطدمت يدها بشيء ، نظرت له بتمعن وهي تفكر ، مضى وقت طويل لم تستخدمه ، تمتمت بخفوت :منذ أن عاد خالد .
اتسعت عيناها بقوة وعقلها يضيئ فجأة عن سبب الدوار ورؤيتها العدم جيدة والقيء المفاجئ في بعض الأيام .التفتت إلي المرآه لتنظر إلي جسدها وتحسست بطنها بشيء من الدهشة وتساءلت "هل من المعقول ما تفكر به ؟ لابد أن تتأكد أولًا قبل أي شيء أخر "
***
دخل إلى الإذاعة بخطوات متمهلة كسوله يبتسم بسعادة وثقل ، حي أكثر من العاملين بها واتجه إلي مكتبها بخطوات بطيئة طرق الباب ودلف إلي الداخل على الفور، نظر إليها وهي تلم احتياجاتها وعلى شفتيه تتألق ابتسامة متشفية منتصرة
قال ببرود عندما لم تلتفت إليه : كيف حالك باكي ؟
التفتت بحدة ونظرت إليه بغضب فاتبع : أتمنى أن تكوني بخير .
قالت بعنف واضح : ماذا تريد ؟
تقدم إلي الداخل وفتح ذراعيه وهو يبتسم : لا شيء ، أردت أن اطمئن عليك لا أكثر.
قالت من بين أسنانها : أخرج من هنا .
ابتسم ابتسامة جانبيه وجلس على طرف مكتبها : لماذا أنت غاضبة باكي ؟
اشتعل الغضب بعينيها فنظر لها من بين رموشه وقال بهدوء وهو يميل عليها: تعلمي أن لا تلعبي مع الكبار باكي .
نهض واقفا وقال بهدوء : أراك على خير.
خرج من أمامها لتجلس بعنف على مكتبها وهي تسب وتلعن ، لم تحسب خطوتها معه جيدًا ،وكانت النتائج خاسرة بالنسبة لها ، فمدير الإذاعة أخبرها أن تترك العمل وعندما تكلمت مع أحد الرجال الكبار تنصل منها ، حاولت أن تستنجد بأحد من معارفها الكثيرين ولكن لم يقف معها أحد ، وأخيرًا أحد المقربين إليها عاتبها على تحديها لابن عاصم الجمّال وكيف فكرت في ذلك ونصحها بمغادرة البلاد حتى يهدئ سيادة الوزير ويكف يده عنها
شعرت منذ أول الأمر بحدوث شيء لم تحسب حسابه ، منذ أن أخبرها الصحفي الذي أخبرته عن دعوى التحرش أنه لن يستطع النشر وأن توجد أوامر عليا بعدم الإشارة إلى الخبر حتى من بعيد .رمت نفسها بدوامة كبيرة لن تستطيع أن تتخلص منها ، وها هي ستستجيب للنصيحة تركت عملها وستسافر إلي أن تهدئ الأمور قليلاً .
***
__ليلى .
التفتت ووجدته خلفها يبتسم اليها باتساع ، عيناه تلمع بسعادة ، همس بأذنها : فيم تفكرين حبيبتي ؟
احمر وجهها بقوة وابتعدت عنه قليلاً : لا شيء .
اقترب بهدوء كعادته : لم تتذكريني إطلاقًا
ابتسمت بخجل و أدارت له ظهرها وقالت بخفوت : بل أتذكرك كل دقيقة عبد الرحمن .
انتظرت رده عليها وحينما لم يرد ، التفتت لتجده مختفي من أمامها بحثت عنه بعينيها فلم تجده ، ركضت بالحديقة تبحث عنه فلم تجده شعرت بالدوار يلفها وأنها لا تستطع أن تتنفس لتشهق بقوة عالية
نهضت جالسه من نومها وهي تتصب عرقا وقلبها يدق بعنف ،دموعها تبلل خديها وتشعر بصداع يقسم رأسها إلى نصفين حاولت أن تتوقف عن البكاء ولكنها لم تستطع بل انهمرت دموعها كسيل جارف يجرف كل ما في طريقه ، إلي الآن لا تستطع إلا البكاء ، تحاول وتحاول أن تنساه
تحاول وتحاول أن تتوقف عن البكاء عليه ، ولكن هل تبكي عليه أم تبكي على قلبها الممزق ، هل تبكي على تركه لها أم تبكي على فقدانها له ؟
نهضت بخطوات مرتعشة وقلبًا نازفًا متوجهه الي دورة المياه لتتوضأ وتصلي فأكثر ما تحتاجه الآن أن تهدئ نفسها ولا يوجد إلا الصلاة فهي التي ستغسل روحها من الضيق والغم والحزن
***
منذ أن أتت وهي معتصمة بغرفة كريم لا تخرج منها ،فهي لا تريد الاحتكاك بالسيدة فوزية ولا تريد التحدث مع هشام .نظرت إلى طفلها النائم في فراشه ، وهي تفكر "كيف ستمضي الأيام القادمة مع هشام ؟ هشام نسمة الحب الدافئة في حياتها ورياح العذاب القاسية أيضًا "
تمتمت : ما الحل الآن ؟
"سر هروبها المرة الماضية هو معرفتها الكاملة بأنها لن تستطيع الابتعاد عنه ، وها هي الآن معه .. بين يديه بل تشعر بأنفاسه الدافئة تلاحقها أينما ذهبت "
لوت عنقها وهي تتخيله وهو يفعل حركته المعتادة لمصالحتها وينفخ الهواء بقوة في عنقها ،ابتسمت ووضعت يدها ممسده عنقها بهدوء وانتفضت عندما شعرت بأصابعه تحت يدها .
ابتسم بثقل وقال هامسا : اهدئي .
توترت في وقفتها فقال وهو ينظر إلي كريم : كنت تفكرين بي .
ردت سريعًا : لا .
ابتسم بمكر ونظر لها من بين رموشه : هنادي لست حديث المعرفة بك ، أنا أعرف معنى أنفاسك .
اعطته ظهرها ووقفت تنظر إلى كريم فاقترب ووقف خلفها وبدء بهدوء يمسد لها عنقها ،همس بدفء : أشعر بأنك متعبة ، طبعًا ، تحبسين نفسك في غرفة كريم منذ أن أتيت ولم تخلدي للنوم حتى .
حاولت أن تبتعد عنه ولكنها لم تستطع ، حاولت أن تخبره بأن يبتعد عنها ولكنها لم تستطع ذلك أيضًا ، بل حاولت أن تمنع نفسها من الاستمتاع بأنفاسه وضغط أنامله على عنقها ولكنها لم تستطع ، كل ما تشعر به الآن أنها تريد الارتماء بين ذراعيه والارتواء من نبع حبه .
همس ويدها تنتقل من عنقها إلى أكتافها ،وكأن له القدرة على الدخول إلي عقلها وقراءة أفكارها : اطلبي مني أن أتوقف وأنا سأتوقف على الفور .
أغمضت عيناها فأدارها له وهمس مرة أخرى وهو يقربها منه :لا أعلم سر غضبك هنادي ولكني أريد أن نبدأ من جديد
أتبع : انظري إلي هنادي
فتحت عيناها ونظرت إليه لتجد عاطفته كلها تغمر عيناه أكمل هامسًا : دعينا نبدأ من جديد هنادي .
لا تعلم هل أشارت برأسها موافقه أم لم تشير ولكن كل ما شعرت به هو قبلته المحمومة التي قبلها بها ،شعرت بسحابته الوردية التي تغلف عقلها وتأخذها إلي عالم أخر لا تستطيع فيه التفكير ولا الشعور بالواقع .
استفاقت مرة واحدة على ابتعاده المفاجئ وهو يقول بابتسامة ساحرة : اشتقت إليك حبيبتي .
عادت إلى الوراء هي الأخرى فتقدم منها ونظر إليها :لولا أني أتيت لأخبرك أننا منتظريك على العشاء لكنت فعلت ما أتمناه وأموت شوقًا كل يوم إليه
أكمل باسمًا : ولكن أمي تنتظرنا على العشاء .
تنحنحت : ولكن هشام .
نظر لها بعتب : اسمعي نودا أنا الأخر غاضب منها ولكن ما أراه الآن أنها مرحبة بك ، أنسي ما حدث وتعاملي معها من جديد .
لاح التردد في عينيها فقال برجاء : من أجلي .
ابتسمت : حسنًا سأبدل ملابسي وآتي .
بدلت ملابسها سريعا ثم خرجت إلى غرفة الطعام وهي ترسم ابتسامة جميلة على شفتيها
جالت بنظرها باحثة عنه فابتسمت السيدة فوزية وقالت بهدوء : هشام خرج .
شعرت بالصدمة تعم حواسها فأتبعت والدته : لا أعلم من اتصل به وخرج ليقابله
هزت رأسها بتوتر فأكملت الأخرى : تعالي وتناولي الطعام معي بنيتي .
تقدمت بخطوات بطيئة وهي تشعر بثقل على قلبها ، حاولت أن تستمتع بطعم الطعام الشهي ولكن التوتر أفقدها مذاق أي شيء
وضعت شوكتها بهدوء وهمت بالنهوض وهي تستأذن السيدة فوزية بكلمات غير مترابطة
ولكن فوزية هانم قالت بهدوء : انتظري هنادي أريد أن أتحدث معك .
وقفت والتفتت إليها وحاولت ان تبتسم بثقة فأكملت الأخرى :ولكن ليس هنا .
نادت على الخادمة التي تساعدها في أمور المنزل: بدرية ، أعدي لنا كوبين من القهوة من فضلك .
نظرت لهنادي : هل تريدين شيئا أخر غير القهوة ؟
هزت برأسها نافية فقالت السيدة فوزية : هاتها في الصالون .
وقفت لتقول بهدوء : تعالي هنادي ، تفضلي أنه بيتك .
اتبعتها هنادي وهي تشعر بأن ذلك الحديث لن يعجبها على الإطلاق فهو نفسه الأسلوب القديم المتبع من تلك السيدة
أشارت لها بالجلوس: اجلسي بنيتي .
جلست هنادي وهي تنتظر أن تفهم ما تريده منها فوزية هانم وأتت بدرية بالقهوة وهي تشعر بأن الانتظار يفتك بأعصابها تكلمت أخيرًا السيدة فوزية : أغلقي الباب خلفك بدرية .
دق التوتر عقلها فقالت الأخرى ببرود : تفضلي بنيتي القهوة ، لا تريدين مني أي ضيافة أنت ببيتك .
مسكت هنادي الفنجان وبدأت في شرب القهوة بصمت لتتكلم الأخرى بهدوء : هلا أخبرتني بطبيعة العلاقة بينك وبين هشام الآن ؟َ
ارتسم الذهول على وجه هنادي وكاد فنجان القهوة أن يقع من بين يديها وتلعثمت قائلة : لا أفهم السؤال
ابتسمت فوزية هانم ببرود وقالت بضحكة مفتعلة : بلى تعلمين هنادي .
احمر وجه هنادي بقوة فأكملت الأخرى : اسمعي هنادي ، أنت زوجته ومن حقك وحقه أن تعيشا بطبيعية كأي زوجين ، وأنا طبعًا لن أعترض على شيء كهذا ولكن أريد أن أسألك ، هل ستنجبان المزيد من الأطفال حالتهم كحالة كريم ؟
زاغت عينا هنادي فأكملت الأخرى : أنت لا يرضيك ذلك ، أليس كذلك ؟
قالت هنادي بارتباك : كريم سيشفى بإذن الله .
ردت فوزية هانم سريعًا : طبعًا حبيبتي ، أنا املي بالله كبير
تنهدت بقوة وهي تتبع : ولكن لا يرضيك أن يأتي أبناء هشام كلهم مرضى ويحتاجون لعلاج طويل وفي أخر الأمر لن يصبحوا طبيعيين أبدًا .
لمعت الدموع في عيني هنادي وقالت بهدوء : والمطلوب مني الآن
ابتسمت الأم بهدوء : لا شيء ، أنت وولدك ستعيشان هنا معززان ومكرمان ، فأنت زوجة هشام وولده وهذا بيتك أنت وولدك
أكملت بنبرة منخفضة إلي حد ما : ولكن أنا أرى أن هشام من حقه أن ينجب أبناء طبيعيين كسائر الناس .
نظرت لها هنادي وعيناها تسأل عما تريده فأكملت الأخرى : أنت الوحيدة التي ستقنعينه بأن يتزوج من أخرى ويأتي بأبناء أصحاء .
***
واقفة أمام المرآه وهي تشعر بأنها طائرة إلى حدود السماء ، سماء سعادتها الأتية مع خالد ، لا تنكر أنها شعرت في بادئ الأمر بالدهشة والتعجب أن تحمل طفل بأحشائها ولكنها تأكدت ، تأكدت بأنها تحمل طفلاً سيكون رائعًا وجميلاً كأبيه
تنتظر أن يأتي لتخبره ،لا تعلم ردة فعله إلي الآن ولكن حدسها ينبئها بأنه سيطير فرحًا بالخبر السعيد ، أنهت زينتها وهي تبتسم ، وزادت ابتسامتها وهي تسمع باب الغرفة يفتح وهو بصوته الجهوري : منال أين أنت حبيبتي ؟ لقد عدت .
خرجت سريعًا من غرفة الملابس وهي تستقبله بابتسامة سعيدة وعينان تتألق فرحًا
أسرع إليها ليجذبها إلي أحضانه ويضمها بقوة فصاحت بمرح : لا تدق عظامي خالد
امطرها بقبلاته المشتاقة على رأسها ووجهها :اشتقت إليك حبيبتي .
أبعدها عنه قليلاً لينظر إليها بحب ووله : بل ما أشعر به يفوق الشوق بدرجات
ابتسمت بحب : وأنا الأخرى اشتقت إليك .
تفحصها بعيني جائعتين فاحمرت خجلاً ودفعته في صدره بلطف : هيا اذهب واستحم لتنفض عنك عناء السفر وتعالى لنتعشى سويا ،فأنا أعددت لك العشاء بنفسي
ابتسم بمكر كعادته : من المؤكد أنه اشهى عشاء سأتذوق في حياتي .
دفعته أمامها بهدوء : هيا اذهب .
ابتسم وهو يدخل إلى دورة المياه وهي ذهبت لتخرج له ملابسه ،بحثت عن المنامة الجديدة التي اشترتها له ليرتديها ، ولكنها لم تجدها بدأت في البحث عنها بجدية وهي تفكر أين وضعتها ،فكرت أن من الممكن أن يكون وضعها بأحد الأدراج خاصته فبدأت بالتفتيش عنها في أدراجه الخاصة وهي تبحث لفت نظرها ظرف كبير موضوع تحت ملابسه بعناية ، ثار فضولها لتعرف ما هذا الظرف فسحبته بهدوء واتسعت عيناها وهي تجد مكتوب عليه بوضوح " إلى زوجتي العزيزة "
هذا الخط لن تتوه عنه إطلاقًا فهو خط باسم ، إذن الظرف يخصها
سحبته وجلست بأرض غرفة الملابس وفتحته بعجاله لتقرأ ما به
مرت عيناها سريعا على الأسطر وهي لا تستوعب المكتوب أمامها
لا تفهم ما هذا ، أنها أوراق تخص باسم لماذا تركها لها ؟
عاودت قراءة المكتوب بتاني قليلا
فوجدته معلومات عنها وعن عائلتها وأبيها بشكل خاص ، رسائل من باسم لأشخاص لا تعرفهم يتحدث معهم عنها ، ويتحدث عن أبيها أيضًا
قلبت الأوراق بين يديها سريعا وهي تحاول أن تفهم ماذا يريد باسم من تركه تلك الأوراق لها ،ووصلت إلى رسائل يتكلم بها عن خالد ومعرفته بوالدها وعمله السري مع الإنتربول وأنه أصبح يشكل خطرًا عليه هو شخصيًا وأنه سيترك لندن بسببه
اتسعت عيناها " خالد يعمل مع الإنتربول "
أخر رسالة وجدتها منه لها تاريخها قبل وفاته بيومين يعتذر منها على حياته معها و يخبرها فيها أنه لم يكن نعم الزوج وأنه تزوجها لأجل أن يتقرب من والدها ولكنه مع مرور الوقت أحبها بحيث أنه رفض قتل والدها مما سبب مشاكل بينه وبين رؤساؤه وأن خالد سيكشف أمره قريبا ، فهو يعلم جيدًا أنه أتى إلى أمريكا من أجله هو ، وأخر الرسالة يخبرها بأنه أوصى خالد بأنه يهتم بها وبالطفلين من أجله وأنه ترك تلك الرسائل وأوراق أخرى تدين ذلك التنظيم الذي كان ينتمي إليه
وإذا كانوا سيقتلونه فليمت وهو مرتاح أنه أعطى لها الأوراق اللازمة للإيقاع بهم
نظرت إلى المكتوب بصدمة وهي تقرأ " أعتذر منال ، فأنا كنت خائنا لك ولأبي ولأخي ، أشعر الآن بأن مرتاح قليلاً وأرجو أن تتقبلي اعتذاراتي "
اتسعت عيناها بصدمة وذهول ونظرت إلي الأوراق وعقلها يتساءل " من هذا ؟" من الذي كتب تلك الأوراق ؟ هل هو زوجها التي قضت معه سنتين من عمرها ؟ نبض بعقلها سؤال واحد " خالد يعلم كل تلك الأسرار ولم يخبرها عنها يوما ،لم يتذكر يوما واحدًا وهي تصفعه كل يوم بأن باسم أفضل منه أن يخبرها بأن زوجها خائن وأنه لم يحبها يومًا ، أنها كانت تعيش مخدوعة وموهومة طوال الفترة الماضية عن زوج لم يكن كما تخيلته قط "
شعرت به وهو يخرج من دورة المياه فلملمت الأوراق ووضعتهم بالظرف كما كانوا ووضعت الظرف بالدرج وقفلته
__منال ، أين أنت ؟
لم تستطع النطق وهي تفكر أنه اخفى عنها كل الحقيقة وشارك في خداعها هو الآخر طوال الفترة الماضية ، نظرت له بتمعن والصدمة بداخلها تتحول لحقد ، حقد على باسم وعليه هو الآخر ، فإذا كان باسم خدعها وهو لا يحبها فهو استمر في خداعها وهو يخبرها بحبه كل يوم ولأنها لا تستطيع أن تنتقم من أخيه ، ستنتقم منه هو ، وليتحمل هو أخطاء أخيه ، وإذا كان الآخر لم يذكر لها حقيقته فهو أيضًا لم يذكر لها حقيقته ، إذًا هو وتوأمه نفس الطبع والشكل
ابتسم بهدوء وهو يجفف شعره : ماذا بك ؟ لماذا واقفة كذلك ؟
ابتسمت ببرود وقالت بقوة نبعت من داخلها : أتذكر خالد وعدك لي ؟
عقد حاجبيه مفكرًا وذهب ليمشط شعره أمام المرآه : أي وعد ؟
قالت والغل يشع من عينيها :وعدك بأن تقضي معي ليلة أشعرك بها أنك زوجي فعلا
ابتسم بهدوء : أه ، نعم ،لماذا تسألين الآن عن ذلك ؟
قالت ببرود : بالطبع تتذكر النصف الآخر من وعدك وتتذكر كم ليلة قضيتها معي وأنت تشعر بأنك زوجي فعلاً
عقد حاجبيه وهو يشعر بغرابتها فأردفت وهي تخرج من الغرفة : لقد نفذت أكثر مما أردته في وعدك لي يا خالد ، وأنت لم تنفذ ما وعدت به .
التفت إليها في حده وقال بعدم فهم : ماذا ؟
رفعت رأسها وعيناها تشع منها التصميم : أريدك أن تغادر الآن من هنا ،وتغادر حياتي إلى الأبد .
أنت تقرأ
سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول رواية " امير ليلى "
Romansاقترب منها ثانية فحاولت الصراخ بقوة، محاولتها الفاشلة في الصراخ أيقظت ما تبقى من عقله الذي كاد أن يذهب مع الألم المبرح الذي يشعر به ، وقف بكل قوته واندفع ناحيته ليسحبه من أكتافه بقوة راميًا به إلى الحائط ليصطدم به الآخر قويًا، لكمة مرتين بقوة...