الفصل الرابع عشر

5.6K 148 2
                                    

دخل إلي مكتبه في الصباح ليبتسم إلي سكرتيرته الخاصة التي ابتسمت بدورها ووقفت لتلقي عليه تحية الصباح: صباح الخير.
__ صباح النور أسماء، كيف حالك اليوم؟
هزت رأسها بامتنان: بخير سيدي.
اتبعته وهي تقول: مكتب الوزير عاصم الجمال اتصل بك أكثر من مرة البارحة واليوم أيضًا.
نظر إلي ساعته وعقد حاجبيه في توتر والتفت إليها: لماذا؟
هزت أكتافها بمعنى لا أعرف: مدير مكتبه لم يخبرني عن شيء، ولكنه أكد أن أبلغك أنه يريدك في أمر هام.
ظهر التوتر على وجهه ولكنه قال بهدوء: حسنًا، سأتصل أنا بهم.
هم بالدخول لتقول سريعًا: الآنسة سوزان ابنة عمة سيادتك تنتظرك بالداخل.
لف لها والدهشة مسيطرة على وجهه، لمعت عيناه بفرحة حقيقية: حسنًا أحضري لنا كوبين من القهوة من فضلك.
دخل إلي المكتب وهو يبتسم بسعادة: ما هذا الصباح السعيد والنهار النادي؟
تجمدت الابتسامة على شفتيه وهو ينظر إليها بوجهها المنتفخ وعيونها المتورمة من اثر البكاء لينتفض بقوة وهي ترتمي بحضنه وتبكي بقوة وتقول: أنجدني بلال أنا في مصيبة.
شعر بالتوتر يجتاح جسده وهي تتبع بانهيار: لن أستطيع أن أخبر أمي، ولا أعلم ماذا أفعل؟
ربت على ظهرها بحنان ممزوج بحب وقال بنبرة خافتة: اهدئي سوزي، اهدئي لأفهم ما حدث؟
دخلت أسماء المكتب حاملة كوبي القهوة لتتنحنح بخجل، انتفض بخفة واحمرت أذناه بقوة فأبعد سوزي بخجل عن صدره وقال برسمية: احضري كوبًا من عصير الليمون اسما من فضلك.
نفذت أسماء أمره على الفور لينظر لها وهي مستمرة في البكاء الحاد، تنهد بقوة ونحى مشاعره جانبًا وقال بلهجة أجبرها أن تخرج أخوية إلي حد ما: اهدئي سوزي لنتحدث، تعالي معي.
قادها إلي الأريكة العريضة الواقعة بآخر المكتب وأجلسها وجلس بعيدًا عنها قليلاً
سمع طرقات أسماء لتدخل وتضع كوب الليمون أمامه، ابتسم بمهنية وقال: لا تدخلي أحدًا من فضلك ولا أريد أية مكالمات هاتفية إلي أن أقرر غير ذلك.
هزت رأسها: أمرك سيدي.
خرجت أسماء ليلتفت بجسده كله إليها وقال وهو يناولها كوب الليمون: هيا اشربي الليمون وأخبريني عن تلك المصيبة التي تتحدثين عنها ودعينا الآن من قرار إخبار والدتك بها.
ازدرت لعابها بتوتر وأخذت منه الكوب وارتشفت بضع قطرات منه فسألها بمرح: هل رسبت في الاختبارات؟ أم اصطدمت بشخص وهو الآن طريح الفراش بإحدى المستشفيات؟
نظرت له بوجل وقالت بشفتين مرتعشتين: لا
نظر لها ليحثها على الحديث فقالت بصوت خافت: الأمر يخص وليد الجمّال.
ارتعشت يداه بقوة ورمش بعينيه أكثر من مرة وهو يريد أن يمحي التخيلات التي قفزت أمام عينيه، وسؤال واحد يتردد بأذنيه " ترى أي مصيبة جمعت صغيرته وذلك العابث غير المبالي لأي شيء".
جز على أسنانه بقوة وقال بجمود: أخبريني كل شيء سوزان،
أتبع وهو ينظر إلي عيناها بقوة: كل شيء يا ابنة عمتي.
***
تقلب في فراشه بهدوء وكسل، وفرد ذراعيه بحثا عنها وهو يبتسم بسعادة ، ليعقد حاجبيه ويفتح عينيه هاتفًا بنزق: منال، أين أنت؟
جلس وهو يبحث عنها منتظرا أن تجيب عن نداؤه ليزفر بضيق من عدم استماعها إليه، فهو كرر على مسامعها اليومين الماضين ألا تخرج من الغرفة دون أن توقظه، وعلى الرغم من تنبيه لها إلا أنها تتعمد ألا تستمع إليه.
عبث بخصلات شعره في محاولة فاشلة لترتيبه وهو يتثاءب ثم نهض من الفراش متمتما: حسنًا، منال.
***      
تنهدت بضيق وهي تبحث بعينيها عنه، فهي تشعر أنه يتحاشى مقابلتها، وحين تلتقيه يتهرب من التحدث معها.
هزت أكتافها بحزن وهي تتساءل "هل كانت تتخيل ما يحدث أم أنه حقيقي "
مشت بخطوات متمهلة إلي باب المطبخ المفتوح على الحديقة لتسمع منال تتكلم مع الدادة خضرة أطلت برأسها وهي تبتسم: صباح الخير.
التفت منال والابتسامة تشق وجهها: صباح النور ليلى، تعالي.
رفعت ليلى حاجبيها بدهشة وهي تنظر إلي منال التي ترتدي مريلة المطبخ ويديها متسخة من الدقيق، هتفت بدهشة: ماذا تفعلين؟
ابتسمت منال: اعد بعض الكعك، تعالي وساعديني، فأنا أعلم أنك طباخة ماهرة.
تقدمت ليلى إلي الداخل وهي تشمر عن ذراعيها مبتسمة: بكل سرور.
نظرت إلي المكونات: ماذا تريدين مني أن أفعل؟
هزت منال رأسها: أي شيء، سأترك لك الاختيار.
ضحكت ليلى: أريد بالفعل أن أشغل وقتي قليلًا ، وأكملت داخليًا " وتفكيري أيضًا "، أتبعت وهي تنظر إلى منال بتفحص: ولكن ما تلك الهمة، أشعر بتغير جذري فيك تلك الأيام.
احمرت وجنتا منال تلقائيا: نعم، أنا سعيدة قليلا، وعندما أكون سعيدة أحب أن أطهو بنفسي وخاصة أصناف الحلوى.
ابتسمت ليلى: أتمنى لك السعادة الدائمة، لكني لم أعلم بتلك الهواية الغريبة لديك.
ضحكت منال: لابد أن يكون لكل منا شيء مجنون يفعله وهو سعيد.
ضحكت ليلى وهي تقطع الفاكهة: انتظري ليكتمل جو السعادة
بدأت بالعبث بهاتفها لتتصاعد نغمات رقيقة منه، وضعته بجانبهما وهي تتبع: الآن تعدين الطعام وأنت تزدادين سعادة.
ابتسمت منال وعادت لتزيين الكعكة بحبات الفراولة، وصمتت كلتاهما وقد انغمستا فيما تفعلانه،
بعد قليل بدأت ليلى في الدندنة بهدوء مع إحدى الأغنيات، نظرت لها منال بدهشة وهي تسمعها تغني بصوت جميل ومنهمكة في تقطيع الفاكهة
رفعت ليلى رأسها عندما شعرت بتركيز نظرات منال عليها، وصمتت عن الغناء لتقول الأخرى سريعًا: أكملي
لمحت التردد على وجهها فأتبعت برجاء: هيا ليلى من فضلك.
ابتسمت ليلى بخجل وهي تكمل بحياء:
معاك رجعتلي ثاني حياتي ودنيتي
معاك بعيش حبيبي في الدنيا جنتي
وياك شفت بعيوني طريقي وسكتي
ماليش غيرك حبيبي معاك حاسة بأمان
وطول ما أنت معايا ما بخفش من الزمان
محتجا ليك حقيقي قرب مني كمان
تذكرته بعيونه السوداء اللامعة وابتسامته الهادئة لتعيد مرة أخرى بصوت أقوى
معاك رجعتلي ثاني حياتي ودنيتي
معاك بعيش حبيبي في الدنيا جنتي
وياك شفت بعيوني طريقي وسكتي
ماليش غيرك حبيبي معاك حاسة بأمان
وطول ما أنت معايا ما بخفش من الزمان
محتاجة ليك حقيقي قرب مني كمان
قرب مني كمان
اصالة – بين ايديك
هتفت منال بانبهار: مذهل، صوتك أكثر من رائع.
احمرت وجنتاها بقوة ومنال تتبع: لم تخبريني من قبل أن صوتك جميل أو أنك تهوين الغناء.
هزت رأسها بخجل شديد: ليس لهذه الدرجة منال.
اتسعت عينا منال بقوة: ماذا؟ إن صوتك جميل وإحساسك رائع.
انتبها على صوته الجهوري وهو يقول: بل أكثر من رائع ليلى.
***
تجلس في مكان لقائهما المرة الماضية تنظر إلي النيل بلونه الأزرق الجميل وتستمتع بأشعة الشمس الجميلة تداعب ذراعيها، ابتسمت وهي تتذكره عندما كان يسألها بهدوء: ألا تخافين من أن تحرقك أشعة الشمس؟
فترد بضحكتها المتألقة: بالعكس أنا أحبها، أشعر بأنها تمطرني بقبلاتها
فيزم شفتيه بحنق وتظهر نظره في عينيه لا تستطع إلي الآن معرفة ماهيتها؟
هزت رأسها بيأس ورددت بخفوت: تبًا لك، ألن تخرج من رأسي أبدا؟
انتبهت على صوت هشام وهو يقول: أتمنى أنك لا تسبيني بصوتك المنخفض هذا.
ابتسمت بهدوء: لا، أنا اسب شخصا آخر.
اتسعت ابتسامته وقال وهو يجلس: أعتذر عن التأخير ولكن الطريق مزدحم اليوم بطريقة غير طبيعية.
هزت رأسها بتفهم: لا عليك.
تنحنح هشام: كيف حالك؟
ابتسمت بتوتر: بخير الحمد الله، أتمنى ألا أكون شغلتك معي اليوم.
هز رأسه نافيًا: لا إطلاقًا.
صمت محاولا أن يستجمع قوته ليخبرها بما أراد مقابلتها من أجله، كح بهدوء وحاول أن يكون لطيفا فقال: أردت مقابلتي ياسمين.
ابتسمت بتوتر وشحب وجهها قليلاً، تنحنحت: نعم.
فركت يديها ببعض بتوتر ونظرت إلي مياه النيل وتعمدت ألا تنظر إليه، قالت بجدية ونبرة صوت مرتعشة بعض الشيء: اسمعني هشام.
أنصت لها وهو يشعر بغرابتها اليوم ولشعوره أيضًا بأن الحديث سيكون هامًا وغير متوقع على الإطلاق، صمتت لفترة وجيزة وأتبعت بنبرة اقل خفوتا: أنت شاب لطيف ذو مركز مرموق ومن عائلة راقية..
نظرت له وهي تقول سريعًا: لا يوجد بك أي عيب، على الإطلاق، ولكني...
صممت وهي تعض شفتيها بتوتر ركز نظره عليها وقال بشبه ابتسامة: هل تلك المقدمة لأنك تريدين فسخ الخطبة؟
نظرت له وهي تشعر بتوجس من ردة فعله وهزت رأسها ببطء إيجابًا، ثم انكمشت على نفسها بقوة وهي تشعر بأن خلايا جسدها كله متحفزة لما سيقوله ، ولكن ما أدهشها هو ابتسامته التي سطعت على محياه والتي اتبعتها ضحكة قوية
جعلت عيناها تتسع دهشة وتعجب فسالت باستنكار: لماذا تضحك؟
يريد أن يتوقف عن الضحك، ولكنه لا يستطيع لا يصدق أن الأمر سيتم بتلك البساطة، والسرعة، لا يستطيع التصديق.
أشار لها بيده أن تنتظر دقيقة عندما سمع سؤالها وقال وهو يحاول أن يسيطر على نوبة السعادة التي غمرته: آسف ياسمين، ولكن لم أتخيل أبدًا انك ستريدين فسخ الخطبة.
عقدت حاجبيها منتظره أن يكمل حديثه، كح بقوة فدفعت له بكوب الماء فشربه دفعة واحدة ثم صمت وتنهد بارتياح تنهيده طويلة ثم مد ذراعيه أمامه على الطاولة ونظر لها: هل لي أن أعلم لماذا تريدين فسخ الخطبة؟
نظرت له بتمعن ثم قالت: أخبرني أولًا عن سبب ضحكك بتلك الطريقة، ثم سأجيبك عن كل أسئلتك.
صمت ونظر هو بدورة إلي المياه الزرقاء المتألقة بأشعة الشمس الدافئة وقال بهدوء وصوت خافت إلي حد ما: لأني أردت مقابلتك لنفس الأمر.
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت: أردت أن تفسخ الخطبة أيضًا؟
هز رأسه بالإيجاب وهو يحاول ألا يبتسم، فأطلت السعادة على وجهها: حقًا هشام؟!
اتسعت ابتسامته عندما رأى سعادتها: نعم.
أتى دورها لتنطلق ضحكتها السعيدة فيضحك معها بأريحية، توقفت عن الضحك بعد فترة وجيزة ورتبت من خصلات شعرها المموج القصير، ثم تنهدت بارتياح
و نظرت إليه: لست غاضبًا مني إذًا؟
هز رأسه نافيًا ثم قال بابتسامة ودودة: إذا كنت غاضبة سأغضب طبعًا.
نظرت له وعيناها تقفز منها الأسئلة فقال بهدوء: أعتقد أني أعلم السبب وراء فسخك للخطبة ولذلك سأوفر على نفسي سماع ذلك الأمر وسأخبرك بأسبابي أنا عن فسخ الخطبة وأرجو أن تعذريني و لا تغضبي مني ياسمين.
أشارت بيديها: لا لن أغضب ولكن انتظر قليلا هل تناولت فطورك؟
هز رأسه نافيًا فاتبعت بحماس: إذًا سنتناول فطورنا معًا ولكن هذه المرة على حسابي أنا.
هم بالاعتراض فأشارت بيدها نافيه: لن تعترض، أما عن أسبابك فأنا كلي آذان صاغية، هيا تكلم كما يحلو لك.
***
نزل مسرعا وهو يبحث عنها، يريد أن يعاتبها على استمرارها في عدم استماعها إليه، قابل والدتها فابتسم: صباح الخير أمي.
__صباح النور خالد، كيف حالك اليوم؟
__بخير أمي، هل رأيت منال؟
هزت رأسها بعدم تأكيد: أعتقد أنها في الحديقة.
ابتسم باتساع: شكرًا أمي.
أسرع بخطواته قليلاً وهو متجه إلي مكانها الدائم، تناهى إلى مسامعه صوت ضحكاتها، فابتسم تلقائيًا واتجه في هدوء ناحية الصوت ليفاجئ أنها في المطبخ ، عقد حاجبيه تعجبًا وهم بالاقتراب ليجد عبد الرحمن في وجهه وهو يحتسى فنجان قهوته الصباحي المعتاد.
هز له عبد الرحمن رأسه بالتحية: صباح الخير يا بك.
ابتسم بتألق: صباح النور يا بك.
ابتسم ببرود ليتبع خالد: يا ساتر، ما بالك تلك الأيام روحك ضائقة؟
نظر له ببرود: لا شيء، أنا بخير.
هز خالد رأسه بطريقة درامية: واضح.
نظر له عبد الرحمن بضيق ثم ابتسم بسماجة: يكفي أنك طائر إلى حدود السماء.
صاح خالد: أعوذ بالله منك، لا تحسدني من فضلك.
ضحك عبد الرحمن بقوة وهو يقول: لماذا لا تكبر في وجهي أيضًا يا بك، لا أعلم كيف قضيت عمرك كله بالخارج وأنت تتصرف مثلنا تمامًا.
عقد خالد حاجبيه وسأله باستفسار: كيف أُكبر في وجهك؟
ابتسم عبد الرحمن باتساع وقال وهو يفرد يده أمام وجهه: هكذا.
هز خالد رأسه: آها، تلك الحركة، رأيت دادة خضرة وهي تفعلها من قبل.
ثم همس بخفوت: ألها علاقة بمنع الحسد؟
ضحك عبد الرحمن: نعم يعتقدون ذلك، مثل الخرزة الزرقاء وما شابه ذلك.
هز خالد رأسه بتفهم فأتبع عبد الرحمن: أنت لا تؤمن به أليس كذلك؟
نظر له بتمعن وقال بتفكير: لماذا؟ أليس مذكورًا في القرآن ؟
هز عبد الرحمن رأسه موافقًا فأتبع خالد بعدم اقتناع: ولكني حقًا لا افهمه ليس أكثر.
هم بالرد عليه ليتناهى إليهما صوتًا، تألقت عينا خالد بلمعة زرقاء صافيه: ما هذا؟
ظهر الضيق على وجه عبد الرحمن وقال بنزق: لا أعلم.
ابتسم خالد بخبث: تعالى لنرى.
جز الآخر على أسنانه: توقف خالد من فضلك.
عقد خالد حاجبيه وقال ببراءة: ماذا فعلت؟ أنا أريد أن أعلم ما هذا الصوت.
تقدم سريعًا باتجاه الباب الخارجي للمطبخ فتنهد الآخر بضيق واتبعه مجبرًا، فهو يريد أن يعلم هل هي من تشدو بتلك الطريقة أم أحدًا آخر؟
تسمر خالد أمام الباب واتسعت عيناه بحبور وهو يستمع إليها.
أما هو فوقف خلف خالد وقلبه يكاد ينفجر من الغيظ منها وهو ينظر إلي طاقم المطبخ وهم يستمعون إليها بإنصات. وقعت عيناه على عثمان بعينيه الولهة ليشعر بالدماء تقفز إلي رأسه
أفاق من حالة الغضب على صوت خالد وهو يهمس بجانبه: اهدأ.
نظر له بغضب فابتعد عنه خالد تلقائيا وهو يشعر بأن غضبه عارم تلك المرة ، انتبه خالد إلي الحوار الدائر بين منال و ليلى ليرد بصوت جهوري أراد أن ينبهما الاثنان لوجوده هو وذلك التنين الذي سيحرق المطبخ من غضبه: بل أكثر من رائع ليلى.
تجمدت الاثنتان واحمر وجه ليلى بشده عندما رأت خالد ليصفر وجهها بقوة وهي تلمح الآخر الواقف خلف خالد وأقل ما يقال عن ملامحه أنها غاضبة
ابتسم خالد باتساع وقال بهدوء: أعتقد أننا لسنا في حاجة لمدرسة الموسيقى منال، أليس كذلك؟
أتبع حديثه باقترابه من زوجته وضمها من خصرها إلي صدره بحب، أجفلت منال من حركته وهمست بخجل: خالد لسنا بمفردنا، أرجوك اتركني.
قبل رأسها من الخلف وأتبعها بقبلة أخرى على وجنتها وهو يهمس: حتى تتعلمي أن تستمعي إلي، أردت أن أصبح عليك هكذا بغرفتنا ولكني لم أجدك.
حاولت الابتعاد عنه فشدها إليه مقربا، تنحنح عبد الرحمن وقال بقوة وهو يتقدم إلي منتصف المطبخ: أشكرك يا دادة على القهوة.
وضع الكوب بقوة على الطاولة وقال بضيق: بعد إذنكم.
همست ليلى بصوت يكاد يسمع وهي تتلاشى النظر باتجاه خالد: بعد إذنكم أنا الأخرى، منال، إذا أردت مني شيئا فستجديني بغرفتي.
انصرفت مسرعة من أمامهما لتقول منال بحنق: ماذا تفعل خالد؟ أحرجتني وأحرجت ليلى أيضًا.
نظر إلى عينيها بقوة: تعلمي أن تستمعي إلي وأنا لن أحرجك هكذا. طلبت منك ألا تغادري غرفتنا إلا عندما توقظيني وأنت تعمدت أن تعصيني.
رفعت حاجبيها بتعجب وابتعدت عنه ورددت بدهشة: أعصاك.
هز رأسه موافقا وهو يستند إلي طاولة المطبخ بظهره فأكملت: لم أرد أن أعصاك ولا شيء، أردت أن أصنع لك الكعكة التي تحبها.
نظر إلى ما تفعله وابتسم وهو يراها ترص حبات الفراولة باحتراف، وتكمل بخفوت: ثم إني عندما أوقظك لا تسمح لي بمغادرة الغرفة.
اقترب منها بجسده قليلاً وهمس: إذًا تهربين مني منال.
هزت رأسها بخجل: لا، ولكني أحببت أن أصنع لك ما تحب.
همس بصوت يذيب عظامها: أنت لدي أشهى من حبات الفراولة تلك.
احمرت وجنتاها بقوة فأتبع: هل ستأتين أم تبقين هنا؟
نظرت له باستفهام: أريد أن أتناول فطوري منال، لا يصح أن أتناوله في المطبخ.
ابتسمت برقه: ماذا تريد أن تفطر وأنا سأعده لك.
نظر إلي عينيها وهز رأسه بطريقة جعلت الدماء تتزايد بوجنتيها فاتسعت ابتسامته وقال: سأنتظرك بالأعلى، وسأفطر على ذوقك اليوم.
أمسك كفها التي تمسك بها حبة الفراولة وقربها إلي فمه بهدوء وهو ينظر إليها
قضم قطعة الفراولة بتلذذ وتأوه، قائلا: هاتِ من تلك الفراولة فإنها شهية.
همس بالقرب من أذنها: ومن يديك تزداد طعامه.
تركها وانصرف وهي تشعر بأنها غارقة في بحر عينيه الزرقاء ولمعانهم الشديد ، ابتسمت بحب وهزت رأسها بسعادة لتبدأ في إعداد فطوره كما أراد.
***
خرجت من المطبخ بسرعة متجهة إلي غرفتها وهي تشعر أنها ستختنق من الخجل، و الضيق يعم قلبها من مظهر عبد الرحمن وخاصة أنه لم يتكبد عناء أن يلقي عليها تحية الصباح.
شعرت بيد تجذبها من ذراعها بقوة فشهقت وهي تراه أمامها وعيناه تلمع غضبًا واتسعت عيناها بقوة وهو يصيح بها غاضبًا: ما هذا يا أستاذه؟
هزت رأسها بتوتر وقالت بتلعثم: ماذا؟
أشار إلي حجابها المرفوع عن رقبتها بطريقة الاسبانش وأكمام قميصها المرفوعة إلي الكوع وأكمل بغضب: هذا،
ثم صاح بضيق: لماذا لا ترقصين أيضًا؟ فجمهورك مبهور بك.
تفاجأت من هجومه غير المتوقع فارتدت إلي الوراء بخوف وهي تنزل أكمام قميصها بسرعة وقالت بتردد: لماذا أنت غاضب؟
ارتجفت وهي ترى عينيه تتسع غضبًا فقالت موضحة: لم أعلم أنكما بالخارج.
صاح بسخرية: حقا؟!
أكمل من بين أسنانه: وطاقم المطبخ؟ ألم تلاحظي وجود عم صلاح السفرجي
قالت بدفاع ودهشة: عم صلاح! أنه رجل كبير في السن.
قال بانفعال: وعثمان؟
ابتسمت رغما عنها وهي ترى الغيرة تلمع بعينيه: أنه طفل صغير يا عبد الرحمن.
نظر لها قويًا وصاح: طفل، طفل، لا يا هانم أنه مراهق، كنت سأقتله بسبب. ..
قضم جملته بقوة وأطبق شفتيه، نظرت له بتلهف لتعلم ما كان سيقوله ، فقال بحنق: انسي الأمر، بعد إذنك.
نظرت له بدهشة وتملكها الغضب وهي تتذكر تحاشيه لها اليومين الماضيين ، فصاحت بغضب: انتظر من فضلك.
وقف والتفت إليها فقالت بحنق: ألم تتذكرني اليومين الماضيين؟
نظر لها باستفهام: ألم تلاحظ أنك لم تتكلم معي منذ يومين، الآن غاضب مما أفعله؟
ثم التمع الغضب بعينيها وهي تقول: لا شأن لك بي وبما أفعله.
أعادت تشمير ذراعيها وهي تنظر له بتحدي فنظر لها وقال آمرًا: توقفي.
نظرت له بغضب فقال بهدوء ساخر: هل كنت تريدين مني شيئاً ولذلك مشطت الحديقة بحثًا عني؟
نظرت له وهي مندهشة فأتبع: لم أجدك تبحثين عني يا أستاذة، فاستنتجت أنك تتهربين مني كالمعتاد.
اصفر وجهها بقوة، منع ابتسامته من الخروج وهو يراها تستعد للدفاع عن نفسها ، أشفق عليها مما يفعله معها فقال بهدوء: انسي الأمر ليلى، أنا هنا الآن، هل أردت شيئاً؟
نظرت إليه محاولة أن تفهم ما يدور برأسه وعندما شعرت أنها أمام حائط كبير قالت بتردد: نعم، لم تخبرني عن شهادتك الجامعية.
نظر لها بتفحص: لماذا تسألين عنها؟
ابتسمت بتوتر: لا شيء، كنت أريد أن أعلم فأمامي فرص عمل وكنت سأخبرك عنها.
التمعت عيناه بضحكة كتمها بداخله: لم اشتك من وظيفتي.
أتبع بهدوء: ألا تعجبك مهنتي يا أستاذة؟
هزت رأسها سريعًا: لا لم اقُل ذلك،  ولكن ألا تريد العمل بشهادتك؟
نظر لها وقال بغموض وهو ينصرف: أنا بالفعل أعمل بها.
نظرت في أثره بدهشة وفكرت " يعمل بشهادته، لم اسمع عن جامعة للسائقين "
ثم قفز الغضب إلي رأسها وهي تراه يبتعد دون أن يهتم بحديثهما
***
منذ وقت طويل صمتت عن الحديث تنظر إليه وهو يضع رأسه بين كفيه مستندًا بمرفقيه على ركبتيه، الأسى والحزن يظهران بقوة على ملامحه، لا تعلم ماذا تفعل ؟ إنها تنتظره أن يتحدث إليها، يجبيها بأي شيء ، يصرخ، يسب، يفعل أي ردة فعل غير ذلك الصمت الرهيب
تنظر إليه وقلبها يدمي من الندم، كيف أخبرته بما حدث بينها وبين وليد ؟ كيف سمحت لنفسها أن تجرحه بتلك الطريقة؟
قالت بصوت خافت: بلال
لتنتفض بقوة وهي تشهق أثر صرخته الحادة: اصمتي.
قفز واقفًا وشدها من ذراعيها بقوة ليهزها بشده: لا أريد أن أسمع صوتك إطلاقًا لا الآن ولا في أي وقت لاحق.
هزت رأسها بخنوع ودموعها تنهمر على وجنتيها ، رماها بقوة على الأريكة وقال باشمئزاز: ولا تخافي سأنقذك من تلك المصيبة التي أوقعت نفسك بها، ليس من أجلك ولكن من أجل عمتي وأبيك الراحل
أتبع بمرارة: ذلك الرجل الذي كان بجانبي دائمًا وكان أبًا بديلا لي.
أعطاها ظهره وقال بتسلط: انصرفي وسأتصل بك عندما أصل لحل.
شعر بوجودها فقال صارخًا: انصرفي.
قفزت واقفة وخرجت مسرعة تركض وهي تلعن نفسها وغبائها، الذي قادها من حفرة صغيرة إلي منحدر كبير لا تعلم كيف تصعد منه
هزت رأسها بأسى " وما أهمية الخروج سوزان؟ فأنت فقدت كل ما كان لك."
تنفس بقوة وهو يحاول أن يسيطر على غضبه، لو كان الأمر بيده لقتل وليد هذا ولكن الآن سمعة عائلته على المحك ، ضحك بسخرية وهو يفكر من الواضح أن سيادة الوزير يسعى إلي حل ينقذ سمعته وسمعة ابنه أيضًا ، ضغط زرًا أمامه وقال بجمود: أسماء، عندما يتصل مكتب الوزير عاصم الجمّال حوليه لي على الفور.
لم يهتم بسماع رد سكرتيرته الخاصة: حسنًا سنتفق يا سيادة الوزير من أجل الصالح العام لكلا العائلتين.
***
هتفت بانفعال وعيناها متسعتان بعدم تصديق: طفل في السادسة من عمره.
احتقن وجهه وكح بتوتر فأتبعت مغمغمه دون تفكير: لم أفهمك، أنت تقول أنك عقدت قرانك فقط وكنتما تجهزان لحفل الزفاف...
رفعت عيناها وسألت بعدم فهم: من أين أتى الطفل؟
نظر لها وهو يشعر بغرابة السؤال، لترفع حاجبيها وتحمر وجنتيها حرجًا وتقول بتوتر: المعذرة، تجاهل أني طرحت هذا السؤال.
ابتسم وأشاح بنظره بعيدًا عنها لتتبع محاولة تجاهل غباء سؤالها الأخير، وهي تسأله: هل بالفعل نتائج التحاليل صحيحة؟
تنحنح ونظر إليها وقال بلهجة متألمة: نعم.
رقت ملامحها وظهر الإشفاق عليها: ألا يوجد علاج له؟
ابتسم بأمل: بالطبع يوجد والطبيب طمأنني ولكنه محتاج الكثير من الوقت والمجهود.
ابتسمت بتفاؤل: سيشفى بإذن الله، لا تحزن.
المعذرة ياسمين، ظلمتك معي ولم أعاملك كما ينبغي.
طفلك أغلى من أي شيء آخر هشام ويستحق أن تقف بوجه العالم كله من أجله.
ثم أنا قررت فسخ الخطبة قبل أن أسمع أسبابك، فأنا الأخرى لا أريد أن أظلمك معي.
ابتسم بأخوية: فاجأتني اليوم رغم أني بحثت في تلك المدة القصيرة عن أية إشارة تخبرني بأنك تحبينه، ولكنك ماهرة وتخفين مشاعرك جيدًا.
نظرت له بصدمة: من هو؟
اتسعت ابتسامته وقال بمكر: وليد.
أتبع وهو يرى احمرار وجهها: لقد اكتشفت أنه يحبك منذ يوم السينما ولكني لم أستطع اكتشاف ماهية مشاعرك نحوه.
رددت بعدم تصديق: اكتشفت أنه يحبني.
عقد حاجبيه: نعم، ألم تلاحظي نظراته إليك؟ إن عينيه تخبران الجميع بعشقه لك.
احتقن وجهها بقوة وقالت بتلعثم: دعنا لا نتحدث في ذلك الأمر.
هز رأسه بهدوء فأتبعت وهي تمد له يدها بعلبة الشبكة: أتمنى لك التوفيق هشام.
نظر لها بعدم فهم: ما هذا؟
أشارت بيدها قبل أن يعترض: اسمع هشام لن أقبلها بالطبع، ولا تعترض من فضلك..
أتبعت وهي تنهض: سأنصرف الآن وأتمنى أن نصبح أصدقاء إلي الأبد دون أية ضغينة.
ابتسم بأخوية: أكيد.
صافحته بهدوء: أراك على خير، إلي اللقاء.
ابتسم بود: إلي اللقاء ياسمين.
تبعها بنظره وهي تنصرف وهو يفكر أنه قطع نصف الطريق. الآن أمامه والدته ، ولن يهمه أحدًا آخر.
دعي بهدوء أن يأتي موقفها كما يتمنى ولا تجبره على عصيانها.
***
اتسعت ابتسامته وهو يراها تدلف من باب الغرفة وتحمل صينية الفطور بين يديها قفز واقفًا وقال وهو يحمل الصينية عنها: سلمت يداك حبيبتي.
وضع الصينية بهدوء والتفت لها ليضمها إلى صدره ويقبل أناملها برقة: اشتقت إليك.
ابتسمت بخجل وقالت: أنت محتال.
نظر لها بدهشة فاتبعت: لا أستطيع تصديقك.
لمعت عيناه بقوة : حسنًا، أستطيع إثبات صحة كلامي.
انطلقت ضحكتها بقوة وهو يحملها بين ذراعيه وقالت برقة من بين ضحكتها: انتظر خالد ، تناول فطورك أولاً.
همس بأذنها وهو يضعها على الفراش ويجلس بجوارها: بالطبع سأتناول فطوري قضم أذنها برقة فانطلقت ضحكتها مرة أخرى مجلجلة، ودفعته عنها برقه: خالد، أنا الأخرى جوعانة. لم أتناول فطوري كنت أنتظر أن تستيقظ لنأكل معا.
نظر لها بغيظ فمطت شفتيها بدلال وأتبعت: ثم أنك لم تلبي أول طلب أطلبه منك. ابتسم بمكر واقترب منها: أفسدت المفاجأة. عقدت حاجبيها فاقترب منها أكثر ومال ناحيتها منحنيا عليها لتجد نفسها بين ذراعيه. ابتسم وهو ينظر إلى عينيها ، ذابت في رقة نظراته فقبلها برقة شديدة أذابت أطرافها، نظرت لما يفعله لتنتبه أنه يخرج شيئا من جارور الكومود بجانبها ابتسم وقبلها مرة أخرى: تفضلي يا حبيبتي، طيارتنا اليوم الساعة السابعة.
ابتسمت بسعادة : حقًا؟
أومأ برأسه إيجابًا فاحتضنته بمرح: شكرًا حبيبي،  لا حرمني الله منك.
ضمها إلى صدره قويًا وهو يغمض عينيه مستمتعًا بانطلاقها الذي يراه لأول مرة منذ زواجها منه ، ابتعدت عنه فجأة فابتسم بهدوء وهو يرى انطلاقها في الحديث كما كانت سابقًا، انتبه عليها وهي تقول: تعال خالد، احضر لي الحقيبة من فوق.
ابتسم ونهض ليأتي لها بما تريد، سحب الحقيبة من أعلى ليقول بتعجب: إنها ثقيلة جدًا ، هل تحتوي شيئًا؟
ضحكت وهي تفتح الحقيبة بعد أن وضعها على الأرض: أنا أرتب الحقائب داخل بعضها وأنا أخزنها حتى لا تأخذ حيزًا كبيرًا في وضعها.
نظر إليها بدهشة ولمعت عيناه بشيء من الاستيعاب وهو يسب نفسه داخليا: كيف لم يبحث في الحقائب؟ كيف لم يدر بخلده ذلك الأمر؟ نظر لها وهي تخرج إحدى الحقائب ذات الحجم المتوسط: أعتقد أن هذه ستكفينا، أخرجت منها حقيبة أصغر ووضعتها بالحقائب الكبيرة وأغلقتها- هيا أعدها إلى مكانها.
ابتسم: منال ألن تخبري أمي وفاطمه بأن طائرتنا اليوم؟
وضعت الحقيبة لتعيدها له: نعم سأخبرهم. 
__حسنًا اذهبي الآن وأخبريهم ،حتى لا نتأخر عن موعد الطائرة.
هزت رأسها موافقة وقالت وهي تتجه إلى الخروج: لا تعد الحقيبة سأعدها أنا، اجلس كالملك وتناول فطورك وآنا سأفعل كل شيء.
ابتسم وقال: حسنًا لن اعد الحقيبة ولكني لن أتناول الفطور إلى أن تأتي، هيا اذهبي حتى لا تتأخري.
تبعها بنظره حتى خرجت من الباب وأغلقته خلفها ليجلس على ركبتيه وينظر إلي الحقيبة الصغيرة التي أعادتها من الحقائب الأخرى ليفتحها وتلمع عيناه بقوة وهو يرى ضالته بها، تنفس الصعداء وهو يرى الحقيبة التي ظل يبحث عنها.
وقف سريعًا وهو يخفيها داخل رفوف ملابسه ويعيد الحقيبة الأخرى كما وضعتها من قبل  ويغلق الحقيبة الكبيرة ويعيدها بمكانها جلس أمام صينية الفطور الموضوعة وهو يفكر " إهمال منال للحقيبة بتلك الطريقة يدل على عدم معرفتها بمحتويتها، إذًا لماذا وضعتها بحقائبها؟ " تنهد بقوة " من المؤكد أنها لم تقرأ الأوراق، فقراءتها للأوراق ستغير موقفها من باسم ولكنه عاد إلى القاهرة ليجدها كما تركته" ابتسم بحب وهو يفكر بتغيرها هذه الأيام، فهي أصبحت اكثر انطلاقًا، عادت كما كانت بمرحها وإشراقها وثرثرتها . ابتسم بسخرية وعقله يزأر به " وهل ستظل هكذا عندما تعلم الحقيقة وتعلم أنك أخفيتها عنها ؟" زفر بقوة وأخذ يفكر كيف سيعطى الحقيبة لعبدالرحمن؟ انتبه على صوت غلق باب الغرفة ومنال تقول بمرح: تناولت الفطور من غيري؟
رفع عيناه لها وهز رأسه نافيًا، ليفاجئ بها وهي تجلس على رجليه: كنت سأغضب منك، لأني أريد أن أطعمك بيدي.
رمش بعينه وقال بهمس مشتعل: هل تريدي تناول الفطور فعلاً؟ ابتسمت وهزت رأسها إيجابًا: نعم ولا وقت لدينا فلدي مائة شيء على فعله قبل أن نغادر مساءا.
كشر بطفولية وهو يسأل: وأنا؟
قبلته برقه على وجنته: عندما نصل إلي الغردقة لك ما تريد.
***
سمع طرقات الباب فأجاب بفخامة وهيمنة كعادته: ادخل ممدوح. ابتسم ممدوح وهو يطل برأسه: الأستاذ بلال هنا سعادتك. أشار له ووقف بترحيب: دعه يتفضل ممدوح.
نظر إلي الشاب الوجيه الذي أطل بطلة واثقة وابتسامة هادئة: صباح الخير.
ابتسم بتقدير وتحرك من وراء مكتبه ليصافحه: صباح النور بلال، كيف حالك؟ هز رأسه بشكر: بخير حال سيدي.
أشار له بالجلوس باتجاه الأريكة: تفضل التفت إلي مدير مكتبه وقال بفخامة: آمر لنا بكوبين من القهوة من فضلك ممدوح.
__أمرك سيدي. قالها وخرج من المكتب ليغلق الباب خلفه،
التفت سيادة الوزير إلي بلال وقال: تشرفت بحضورك بني.
ابتسم بلال بهدوء: سيادتك طلبت مقابلتي.
هز الوزير رأسه موافقا: نعم. صمت قليلا وهو يبحث عن مدخل ليخبره بما يريده ليزفر بهدوء- لديك ابنة عمة اسمها سوزان أليس كذلك؟
نظر له بلال بهدوء وهز رأسه إيجابًا فأتبع الآخر: إنها ابنة السيد احمد عبدالقادر رحمة الله عليه.
تمتم بلال بنفس الهدوء: رحمة الله عليه.
__لقد سالت عنها وعلمت أنها وحيدة أبيها المتوفى وأنك المسئول عنها وعن أعمال والدها رحمه الله عليه.
قال بلال بهدوء: نعم هذا صحيح.
ابتسم سيادة الوزير بتوتر: اسمعني بني، قريبتك تقدمت بدعوى تحرش ضد ولدي، ما فهمته أنها تقدمت بها داخل الإذاعة ولكن مديرة الإذاعة قامت بتفعيل الشكوى وهي الآن أمام النيابة ،لا أعلم هل وصلها استدعاء النيابة أم لا؟!
جز بلال على أسنانه بقوة : نعم وصل.
نظر له الوزير بدهشة ليدهش أكثر من الانفعال الذي غمر وجهه الهادئ والغضب الذي تألق بعينيه فقال بهدوء: أنا أعتذر شخصيا عن إساءة وليد لها، ولكن لن يكون من الجيد أن تتعرض سمعتها لمثل تلك القضية، فأنت تعلم الصحافة ستجعل منها خبر الموسم، وخاصة لمركزي ومركز والدها المرموق.
قال بلال من بين أسنانه: أعلم سيدي.
تنهد الوزير بارتياح: حسنًا تكلم معها في التنازل عن الدعوة ولها ما تريد سأفعل كل ما تريده.
ابتسم بلال بألم وقال بهدوء وهو ينظر إلي عينيه: هي لا تريد شيئاً، والشيء الطبيعي ردًا على فعله ولدك أن اقتله.
اتسعت عينا سيادة الوزير بدهشة ليكمل بلال: ولكن هذا شيء مستحيل الحدوث تنهد بقوة وهو يتبع: ستتنازل عن الدعوة سيدي لا تقلق ولكن لا افهم كيف سينتهي الأمر.
ابتسم الوزير بتوتر: لا عليك، اترك الأمر كله لي، لن يُنشر خبر واحد أولًا أريد منها إلا أن تتنازل.
هز بلال رأسه بهدوء فقال الوزير: أعلم جيًدا أنه أمر صعب عليك تقبله، ولكني لا أعلم كيف أخفف عنك.
ابتسم بلال بمهنية: لا عليك سيدي.
قال الوزير بهدوء: كنت أتمنى أن ألقاك في ظروف أحسن من تلك، فأنت شاب ممتاز وأنا أسمع عنك منذ أيام والدك رحمة الله عليه.
ابتسم بلال بهدوء: رحمة الله عليه ، ثم نهض واقفا- أعتقد أننا توصلنا إلي ما نريد، سأنصرف الآن.
__انتظر لتشرب قهوتك.
صافحه بلال: مرة أخرى سيدي، ويكون الظرف ملائمًا للضيافة. صحبه سيادة الوزير للباب ليفاجئ كلاهما بالباب يُفتح وشاب يدخل منه.
نظر له بلال شزرًا ليبتسم سيادة الوزير بعملية: الأستاذ بلال يا وائل.
ابتسم وائل بمهنية وصافح بلال والوزير يكمل: الباشمهندس وائل ولدي الآخر.
ابتسم بلال: تشرفنا.
التفت إلي الوزير: أراك على خير سيدي.
__إن شاء الله، ولا تقلق سيحدث كل ما تريده وأكثر.
انصرف بلال فأغلق وائل الباب ونظر إلي والده الذي عاود الجلوس على مكتبه وانشغل بما أمامه من أوراق تنحنح بهدوء: أبي
__ماذا تريد؟ رمش وائل وهو يسمع نبرة الجفاء واضحة في صوت أبيه - هل لازالت غاضبًا أبي؟  ماذا تريد وائل؟ ولماذا أتيت؟
اصفر وجه وائل بشده وجلس بتوتر أمام أبيه، تلعثم قائلًا : لا تغضب أبي
رفع الوزير نظره إليه بحده وقال بجمود : تريدني ألا أغضب منك بعدما فعلته مع أخيك ازدرد وائل ريقه بصعوبة،
فتنهد سيادة الوزير وقال بهدوء شديد: لا شيء يستحق أن تحارب أخاك من أجله وائل وخاصة النساء، وكما فهمت منك أنها ليست المرأة التي تستحق أن تبكي عليها، وأن وليد كان يرتجي مصلحتك في الأساس توتر وائل في جلسته، نظر له الوزير متفحصا
وقال بهدوء: اخبرني وائل هل أنت من وراء ما يحدث لآخاك الآن؟ نظر له وائل سريعًا: ماذا يحدث له؟
نظر له والده بقوة: قضية التحرش التي ستودي بسمعة العائلة كلها.
ردد وائل في دهشة: قضية تحرش؟ لا أبي لا أعلم عن ذلك الأمر شيئا.
__ماذا حدث؟
__ زميلة له قدمت ضده شكوى تحرش جنسي ولكن مديرة الإذاعة فعّلتها وأوصلتها للنيابة بعد أن نشا خلاف بينها وبين وليد.
ضحك وائل بسخرية: إذًا اتفقن عليه.
__أنا توصلت مع الفتاه صاحبة الدعوى إلي اتفاق بالتنازل عنها وأنا سأتكفل بكل شيء وسنحلها وديًا ولكني أريد أن أعيد لأخيك كرامته أمام تلك المرأة التي هددته حتى لا تُفعّل الدعوة .
عقد وائل حاجبيه تعجبًا: من تلك الحمقاء التي تهدده وهي تعلم من هو جيدًا.
عقد الوزير حاجبيه وقال بغيظ: اسمها باكينام الصواف.
انطلقت ضحكة وائل مجلجلة ليبتلع ما تبقى منها عندما نظر له والده بقوة : المعذرة أبي ولكني لم أتوقع أن يقع وليد بين يدي باكينام، لذلك تهدده دون أن يرمش لها جفن.
قال والده بجمود: ماذا تقصد؟
ابتسم وائل بعملية: باكينام لها علاقات واسعة أبي ونفوذها قوي فهي ذات علاقات متعددة مع أشخاص مهمين في البلد ولكن لن تستطيع مجابهتك إذا وضعتها في راسك.
نظر له والده بتفحص فابتسم وائل ابتسامة ذات مغزى: اتصل بالسيد حسين أبي سيحل الأمر ويفعل ما يرضيك.
ابتسم الوزير بهدوء: هذا ما كنت سأفعله.
وقف وائل: إذًا أنت لا تحتاجني أبي، سأذهب أنا. 
__انتظر وائل.
أشار له بالجلوس: اسمع وائل أنت تجاوزت الثلاثين وأريد منك أن تبحث عن عروس لتتزوجها.
احمر وجه وائل بقوة : ماذا؟ لا أريد أن أتزوج أبي.
نظر له من بين أهدابه: لن أتكلم ثانية، توقف عما تفعله وتزوج بني، وإذا كنت تريدني أن أغفر لك ما فعلته مع أخيك، تصالح معه.
جز وائل على أسنانه فأتبع والده بهدوء شديد: هو الآخر سيتزوج. اندهش وائل وكاد ينفجر ووالده يكمل - إذا تريد رضائي عنك تزوج وتصالح مع أخيك.
هز وائل رأسه بعدم رضا وقال بخفوت: حسنًا أبي، بعد إذنك.
***
أدار نظره بحثًا عنه وزفر بضيق: أين أنت عبدالرحمن؟
التفت على ضحكته الخافتة : أتبحث عني يا بك؟
نظر له بغضب: أين أنت يا رجل؟
ابتسم عبدالرحمن: أنا هنا، أؤمر ماذا تريد مني؟
عقد حاجبيه وقال بجدية: سنسافر اليوم وسأصحب هناء هانم وفاطمة معي، وستأتي أنت وعمي غدًا، هل أبلغك أحد؟
هز عبدالرحمن رأسه بالإيجاب: نعم سيادة السفير أبلغني الآن.
نظر إلي خالد وقال باقتضاب: لا تقلق.
قال خالد بضيق: لست قلقًا، ولكني وجدت الحقيبة.
لمعت عينا عبدالرحمن بفرح: حسنًا ما الذي يضايقك؟
زفر خالد: منال لا تغادر الغرفة إطلاقًا، ولم أستطع  أن اخرج بالحقيبة من الغرفة وطبعًا لا أريد أن تراها وتسألني عنها.
هز عبدالرحمن رأسه موافقًا: حسنًا، ما العمل؟
قال خالد: سأرتب أموري وسأعود اليوم بمفردي، الحقيبة تحتوي أشياء تخص منال كنت رأيتها من قبل ولكني لم اقرأها فهي أوراق خاصة بها تركها باسم . سآتي ليلاً وأخرجها من الحقيبة وسأعطيك بقية الورق لتسلمه لرؤسائك.  كيف ستعود ؟وبم ستخبرهم؟ و كيف ستتركهم بمفردهم؟
ابتسم خالد: لا تقلق لي ترتيباتي. حسنا، سأنتظرك ليلاً. حسنا، سننصرف بعد قليل
__ تعود بالسلامة. تركه خالد وانصرف ليتمشى هو قليلًا بحديقة الفيلا ، قادته قدماه بدون وعي منه باتجاه الملحق وقف ينظر له مفكرًا أنها غادرت كاليومين الماضيين بدون أن يوصلها سمع صوتا بالداخل ليعقد حاجبيه تعجبًا وتحرك بهدوء ليرى من بالداخل؟
أطل برأسه بحذر ولفت عيناه في المكان بحثًا عن مصدر الصوت فلم يجد شيئًا، تحفزت حواسه كلها وهو يتقدم إلى الداخل بخفة دون أن يصدر منه إي صوت ، ضاقت حدقتاه وهو يبحث بقلق عن مصدر الصوت ووقف بحذر بجانب الحائط الذي يؤدي إلي الجزء الداخلي من الملحق
اتسعت عيناه وهو يحاول أن يحفر تلك الصورة بعقله ،حاول أن يحول نظره بعيدًا عنها ولكنه لم يستطع وهو يراها واقفة أمام منضدة الزينة وتبحث عن شيء ما بقلق شعرها متناثر حولها بفوضوية وحجابها موضوع على أكتافها، شرد في لون شعرها البني كسائل الشوكولاتة الذائب، لدرجة أنه شعر بمذاق الشوكولا في فمه ، لمعت عيناه ببريق غامض، لينتفض فجأة من تأملاته على شهقتها المنزعجة وحركتها السريعة في الرجوع إلي الخلف.
انتهت من ترتيب حاجيتها بعد أن أخبرتها منال بسفرهم وأنهم سيغيبون لفترة قصيرة من الوقت. رتبت أشيائها ولملمت احتياجاتها الضرورية فهي لن تعود قبل أن يعود الطفلين ومنال من سفرهم
وهي تلملم أشيائها تعثرت لترتطم بالمائدة الكبيرة التي تدرس عليها الطفلين فوقع مج النسكافيه خاصتها وانسكب ما تبقى فيه على بنطلونها ، زفرت بضيق وحاولت أن تلملم الزجاج لتجرح يدها من قطعة زجاج كبيرة
هرعت إلى دورة المياه وغسلت يدها من دمائها النازفة لكنها لم تتوقف ،فذهبت سريعًا لتبحث عن مطهر للجروح وقطن لتحاول وقف تلك الدماء المنبعثة من يدها
بحثت قليلاً في منضدة الزينة عن القطن والمطهر وهي تحاول أن توقف الدماء بضغطها على يدها و عندما وجدتهم التفتت لتجده أمامها
شهقت بقوة وتراجعت إلي الوراء وهي مصدومة من وجوده بغرفتها ، تساءلت بدهشة : ماذا تفعل هنا ؟!
توتر في وقفته: سمعت صوتا ولم يدر بخلدي أنك هنا فدخلت لأرى من هنا.
هزت رأسها بتفهم ليتحرك شعرها حول وجهها فاتسعت عيناها ووضعت حجابها كيفما اتفق معها وهي تقول بارتباك: حسنًا،
انتظرته أن يغادر لتفاجئ به وهو يقترب منها بهدوء فتراجعت بجزع: ماذا تريد ؟
خفض بصره عن وجهها ليلتفت إلى يدها والدماء التي تقطر منها، تقدم بهدوء نحوها وابتسم عندما شعر بها تتراجع وقال هامسًا: اهدئي.
أمسك يدها بهدوء وتناول القطن من يدها الأخرى وبدأ في تنظيف الجرح وتضميده بهدوء ، قال بخفوت: المعذرة، سيؤلمك قليلا.
تألمت بخفوت ليرفع نظره لها ويدور بعينيه على وجهها، رفع يدها إلي شفتيه ليقبلها بحنان جم ويقول: ألف سلامة عليك حبيبتي.
انتفضت بخفة وحاولت أن تبتعد عنه ليتمسك بيدها ويقول هامسًا: أحبك ليلى.
اتسعت عيناها بقوة وظهر بهما عدم التصديق ليكرر بصوت أجش: انتظرتك طويلًا، ليلى كنتِ أميرة أحلامي منذ وقت بعيد، إلي أن رأيتك مجسدة أمامي بكل خلجاتك وردود أفعالك ، لم أصدق نفسي بداية وكنت أظن أني أحلم ولكني تأكدت أنك حقيقية أمامي، ها أنت هنا، أحلامي كلها هنا.
قبل يدها مرة أخرى ونظر إلي عينيها بعينين تغيمان حبًا بها: تذكري دائمًا ،أنا أحبك ليلى.
ترك يدها وخرج بهدوء على العكس تمامًا مما يشعر به ، فهو يشعر بإعصار داخلي يكتنفه لا يعلم كيف فعل ما فعله وكيف قال ما قاله ولكنه لم يستطع أن يسيطر على قلبه خبط صدره بقوة وهو يلعن نفسه وقلبه ،كان يريد الانتظار إلي أن ينتهي من تلك المهمة التي أصبحت ثقيلة على قلبه، ليخبرها عنه وعن مشاعره وعن حياته، يريد أن يزيل كل الحواجز المتواجدة بينهما تنهد بضيق، فهو ليس نادمًا على ما فعله لكنه يشعر أن التوقيت سيئاً. كان يريد أن يخبرها بشكل آخر وفي توقيت مناسب وهو يشرح لها كل ما يحدث.
تقف مذهولة وتنظر في إثره غير مصدقة لما حدث ولكن أنفاسه الحارة وملمس شفتيه على يدها أجبراها على التصديق أذنيها أكدتا لها انه أخبرها بحبه لها، صرح به مرتين وليس مرة واحدة التفتت لتنظر إلي وجهها في المرآة فخجلت من حمرة خديها وخجلت أكثر لأن حجابها كان ساقطًا عن رأسها، خفضت نظرها بحياء وابتسمت بسعادة زينت وجهها بطلة جديدة عدلت حجابها سريعًا وقررت أن تغادر فورًا.
***
منذ أن ركب السيارة مع والدته وهو يتجنب أن يخبرها عن وجهتهم على الرغم من سؤالها له أكثر من مرة توقف أمام البناية وركن لتعقد حاجبيها وتنظر له: أين نحن هشام؟
ابتسم بتوتر وقال بهدوء: تفضلي أمي ، تعالي.
نزل من السيارة وتبعته بهدوء وهي تشعر بالريبة من ولدها توقف أمام شقة بالدور الأول لتقول بغضب: هل ستنتقل إلي هنا هشام وأتيت بي لتريني أين ستقيم؟ ابتسم وقال بهدوء: لا أمي، انتظري قليلاً فقط وستفهمين كل شيء.
دق جرس الباب وانتظر قليلا وابتسم وهو يراها تفتح الباب وهي تحمل كريم بين ذراعيها، ابتسم: السلام عليكم.
تخطاها إلي الداخل ثم التفت إلي أمه وقال بصوت عال قليلًا: تفضلي أمي.
نظرت هنادي سريعًا إلي الخارج لترى السيدة فوزية واقفة والذهول يعم وجهها فقالت بابتسامة ميتة: مرحبًا فوزية هانم، تفضلي.
تحركت السيدة فوزية بعدم فهم إلي الداخل فقال هشام بهدوء: اجلسي أمي وسأشرح لك كل شيء.
قالت هنادي بتوتر: سأعد أنا القهوة.
قال أمرًا بتسلط: اجلسي هنادي، لابد أن نتكلم الآن عن الأمر كله نظر إلي أمه بهدوء- هل كنت تعلمين أن جدي هدد هنادي وأرغمها على السفر إلي الخارج؟
نظرت له أمه وقالت بصوت مخنوق: لا، عندما تشاجرت معي ولملمت احتياجاتك وأخبرتني أنك ستترك البيت من أجلها اتصلت به وأنا منهارة وأخبرته بأنك ستتركني، فأخبرني ألا أقلق، ثم فوجئت بك تقول أن هنادي غادرت ، لم أكن أعلم أنه سيجبرها على السفر
نظر لها وقال بصو ت مخنوق: إذًا أخبرته حينها أنها أصبحت زوجتي فعليًا.
توترت هنادي في جلستها وفركت السيدة فوزية يديها بتوتر وقالت بصوت خفيض: نعم.
جز هشام على أسنانه بقوة وقال من بينهم: حسنًا أمي، لأريك ماذا فعل بي عمك العزيز. لقد أخاف زوجتي وأجبرها على السفر وهي تحمل طفلي بأحشائها ونتيجة هذا لي ولد في السادسة لم أكن أعلم عنه شيئا، ولولا الصدفة البحتة لكنت إلي الآن لا أعلم عن طفلي شيئًا.
أكمل وهو يصيح بغضب: طفلي المريض أمي، تحملت هنادي معه سنوات من الشقاء بمفردها بسبب تصرفاتك وتهديد جدي لها، لم تكن تريد أن تخبرني عنه أمي، تخيلي لك حفيد لا تعلمين عنه شيئاً أمي.
نظرت السيدة فوزية إلى الطفل الجالس بكرسي الأطفال وابتسمت برقة له: يشبهك تمامًا يا هشام.
التفت إليها بغضب واضح على محياه فأتبعت بتوتر: أعتذر بنيتي على مضايقاتي لك، لو علمت أن الأمر سيصل إلى ذلك الحد لما كنت أخبرت عمي عن إي شيء يخصكما.
هزت هنادي رأسها بهدوء وحاولت الابتسام ولكنها لم تستطع،
قال هشام: ستأتي هنادي لتسكن معنا أمي. وقد اتفقت اليوم مع مهندس الديكور ليجهز لنا الجناح.
ابتسمت أمه بحماس: حسنًا ما فعلت.
قالت هنادي بخفوت: ولكن هشام.
صاح بغضب: لن أسمح باعتراض إي منكما.
قالت هنادي بقوة هذه المرة: لا سأعترض. لا افهم إلي الآن لماذا تتصرف بتلك الطريقة؟ كيف سأقبل أن أعود إلي بيتك بكل هذه البساطة وأنت على وشك الزواج. ثم إن المشكلة لازالت قائمة وهي جدك. كيف سيتقبل الأمر؟
ابتسم هشام وهو يرى سبب اعتراضها والغيرة التي تلمع بعينيها: لقد فسخت خطبتي، وجدي أنا سأتصرف معه، لا علاقة لك بالأمر.
نظرت له في حنق وهو يتبع: ستأتين أنت وولدك إلي بيتي هنادي وليس لك حق الاعتراض.
قالت والدته بهدوء: ستنيرين البيت هنادي، وسيشرق بهذا الحفيد الجميل.
زمت هنادي شفتيها بحنق وقالت بتوتر: سأذهب لأعد القهوة.
ابتسم هشام وناول كريم لأمه وقال بهدوء: اجلس مع جدتك حبيبي.
ابتسمت ووضعت الطفل وأمسكت يد هشام بحنان فقال بهدوء: أنا غاضب أمي، ومن الأفضل ألا نتحدث الآن في ذلك الأمر، كلما أريده منك أن تستقبلي زوجتي وولدي في البيت.
ربتت على يده بحنان وقالت: إنه بيتك ولدي وبيت أولادك من بعدك.
هز رأسه بهدوء وتحرك باتجاه المطبخ وابتسم وهو ينظر لها تتشاجر مع الأواني والأكواب، غاضبة يعلم ذلك جيدًا فهو لم يخبرها عن زيارة والدته ولم يخبرها بخطوته في فسخ الخطبة تحدث عقله سريعًا :أنها تستحق ما يفعله معها، تستحق.
تنهد بقوة لتلتفت إليه ثم تشيح بنظرها عنه وتعود إلي ما تفعله.
اقترب منها بهدوء ووقف خلفها وتأمل شعرها المعقود على شكل كعكة صغيره، لا توجد خصلة منه منفلتة كما يحبه ، نفخ في عنقها من الوراء لتقول بغضب: هشام ابتعد عني لن أتحمل منك كلمة أخرى.
قال بسخرية: لم أتكلم أصلاً. جزت على أسنانها بغضب وهو يتبع بنبرة ساخرة - أتعلمين هنادي على معرفتي الكبيرة بك لم أتخيل أنك جبانة إلى تلك الدرجة؟
لفت إليه في حده وردت بغضب سطع في عينيها: أنا جبانة؟
أومأ برأسه إيجابًا وهو يبتسم ابتسامة منتصرة: نعم أنت خائفة من وجودك بقربي.
__لماذا أخاف من تواجدي بقربك؟
نظر لها وأدار عيناه على وجهها بهدوء لتشتعل عيناها بغضب عارم، ابتسم وهو يرى الغضب يتألق بعينيها الرماديتين فأجابت في حدة: لا لست خائفة هشام وأنت لن تستطيع إجباري على ما لا أريد. انحنى من عليائه
وقال هامسًا بأذنها: من قال أني سأجبرك؟ أنا متأكد من قدومك بمفردك لي هنادي، وأنت تعلمين ذلك جيدًا ولذلك خائفة.
نظرت له بتحدي: لا هشام لست خائفة وسنرى.
قال بابتسامة: حسنا أعدي أشيائك ستنتهي الغرف بعد أسبوعين. قالت باقتضاب: إن شاء الله.
خرج من المطبخ وهو يزفر براحة وما زاد راحته هي ابتسامة كريم وتأقلمه مع جدته
***
يجلس وهو ينظر إلي البحر ويسمع هديره كسيمفونية عذبة تشجي مسامعه ابتسم وهو يستنشق رائحة اليود المنبعثة منه والمشهورة بها عروس البحر الأبيض المتوسط واتسعت ابتسامته وهو يرى مغيب الشمس لوحة رائعة لو كانت هنا لرسمتها على عجالة كما تفعل دائمًا نظر إلي الأوراق بين يديه، وتمعن بملامحها هي ، فهو بدأ برسمها صراحة تلك المرة لم يشعر بالاكتفاء وهو ينظر إلي اللوحة القديمة بعد أن أخبرته أمه أن رباطها قُطع فقامت بتخزينها حتى لا يحدث لها أي ضرر كانت الرسمة مبهمة إلي حد ما ولا يستطيع كثيرون رؤية صورتها بها. وعندما وجدها ونظر لها لم يشعر بالارتواء منها ومن وملامحها فقرر اليوم أن يرسم لها صورة صريحة لها بمفردها وهي تبتسم ابتسامتها الخلابة تنبه من أفكاره على صوت أحمد يضحك مع ابنته وزوجته تسير خلفهما ابتسم على جنى التي وقعت كالعادة و بدأت تلعب بالرمال وتنثرها في كل اتجاه صرخت ولاء وهي تجري نحوها عندما رأتها بدأت بأكل الرمل وحملتها وهي تتجه بها إلي داخل الشاليه أشار له أحمد بالتحية فحياه برأسه فاقترب أحمد منه، وقال بهدوء: سنخرج بعد قليل هل ستأتي معنا؟
هز رأسه نافيًا فقال أحمد: على راحتك سأصحب إيمان معي.
ابتسم وليد: حسنًا سهرة سعيدة.
أكمل أحمد : إن شاء الله، سنأتي لك بالعشاء معنا.
هز رأسه مرحبًا فنظر أحمد نظره خاطفة على الأوراق وقال بمكر: سأتركك تنهي ما بدأته.
ابتسم وليد بغيظ: سخيف. ضحك أحمد وهو يبتعد عنه فنظر هو مرة أخرى إلي البحر وتنهد، ثم وضع سماعات الأيبود بأذنيه وأداره لتنساب النغمات بهدوء فيوجد أنه بدأ بهز رأسه معها وهو يكمل رسمته، انغمس فيما يفعله ولم يشعر بالوقت إلا عندما شعر بالظلام والأضواء الخافتة التي تنبعث من المصابيح الطويلة المنتشرة بالشاطئ، عاد ينظر إليها ويكمل ما كان يفعله، شعر بقلبه يخفق بقوة وهو يحدد شفتيها بالابتسامة التي دائما أذابت أطرافه صدح صوت منير بأذنيه وهو يتمعن في رسم ابتسامتها
يا حبيبتي البعد نار قلبي داب من الانتظار
والشمس تطلع كل يوم وانتى غايبه ليل نهار
انتى فين والحب فين قلبى دايب من سنين
لسه بيدور عليكى نفسى أشوفك ثانيتين
انتى مش زى الجميع بسمتك لون الربيع
ضحكتك تجرى في دمى تبعدي انا مش هبيع
أغمض عينيه مع بدأ الأغنية وهو يسترجع ضحكتها ووجودها المشرق بحياته والنغمات الهادئة تنساب في أذنيه تجعله يشعر بشوق حقيقي لها
نبض قلبى يونسك من النسيم أنا بحرسك
وانتى غايبه عن عنيا كل ثانيه بلمسك
أحنى عنقه إلي اليمين وهو يشعر برائحتها يحملها النسيم البارد إليه، رمش بعينيه وهو يراها أمامه فقال بهمس: ياسمين
ابتسمت ابتسامتها الجميلة ليشعر بروحه تعلو إلي السماء، أدار عيناه عليها بفستانها الحريري الأبيض بدون أكمام ينسدل على جسدها بإغراء وقف واقترب منها بهدوء خوفًا أن تبتعد عنه وهو يردد بصوت أثير وبسمتها تشعل النار في قلبه:
روحى طايره في جنتك .. عمرى كله في سكتك
لسه بحلم ياحبيبتى .. تونسينى بنظرتك
اتسعت ابتسامتها الجميلة فردد:
انتى مش زى الجميع .. بسمتك لون الربيع
ضحكتك تجرى في دمى .. تبعدي انا مش هبيع
طارت خصلات شعرها البنية حول وجهها بفعل الهواء العليل فلمسه ويده ترتعش بحب محموم وهو يردد بالكلمات التي تدوي بأذنيه:
نبض قلبي يونسك  .. من النسيم انا بحرسك
وانتى غايبه عن عنيا .. كل ثانيه بلمسك
شعر أنه في الجنة وهي معه تبتسم له، عيناها تلمع بحبها الذي طالما أخفته رفع يديه ليضعها على أكتافها ففوجئ بها تتلاشى من أمامه وصوت دفوف عالية تعلو بأذنيه فتجعل الصورة تتلاشى بقوة أكبر والضباب يعم رؤيته، التفت حوله بهلع وهو يردد بخوف: ياسمين، أين أنت؟ انتفض من خوفه من عدم وجودها معه ورمش بعينيه، ليفاجئ أنه بمكانه كما هو جالس على الكرسي الطويل المخصص للبحر وأن صوت الدفوف العالي هو صوت أغنية أخرى تنبعث في أذنيه.
تنفس بقوة وهو يزيح سماعات الآيبود من أذنيه ويزفر بضيق، انتبه على ضحكة ساخرة خافته آتيه من جانبه، نظر سريعًا ليجده جالسًا بالكرسي الواقع بجانب كرسيه وهو ينظر إليه وعيناه تلمع بمكر قال ساخرًا وهو يلوح له برسمته: هذه إذًا من أوقعت بك وأجبرتك على أن تحلم بها وتنادي عليها في أحلامك،
نظر إلى الرسمة بإعجاب وقال بوقاحة: تستحق أن تغرم بها يا معذب القلوب!
***
يمشي بجانبها في ساحة المطار وهو يفكر مليًا فيما سيخبرها به الآن ويبرر رجوعه إلي القاهرة انتبه لها وهي تتكلم مع أحمد و تنبهه أن ينتظر حتى تأتي الحقائب السعادة تطل من عينيها والمرح يزين وجهها ابتسم بحب لها وأدار بنظره بحثًا عنه فوجده يشير إليه فأشار إليه بقوة والأخر يتقدم نحوه سريعًا، احتضنه بقوة : مرحبًا بك جاك، اشتقت إليك.
رد الآخر بإنجليزية ذات لكنة بريطانية واضحة : وأنا الآخر اشتقت إليك خالد.
نظر إلى ما وراءه ليصيح بفرح : يا إلهي، منال لقد اشتقت إليك أنت أيضًا.
تقدمت منال باتسامه مشرقة: مرحبًا جاك، كيف حالك؟
اقترب منها فاتحًا ذراعيه أمامه ليحتضنها كالمتعارف بين أبناء بلده، ليتحرك خالد سريعًا ويقف أمامه ويمسك منال من ذراعها بقوة وهو يبتسم بغيظ لها: أنه بخير حال منال،
ابتسمت منال بتوتر وهي تنظر إليه: اشتقنا إليك جاك. ابتسم جاك ولم يعر اهتمامًا لما فعله خالد: وأنا الآخر.
أتى أحمد سريعًا وهو يرحب به وتتبعه هنا، ثم السيدة هناء وفاطمة، انشغل معه جاك وهو يرحب بهم ويندمج مع الطفلين ويحمل هنا ويتكلم مع أحمد بسرعة معتادة بينهما نظرت له وقالت بخفوت: ما بك؟ لماذا أحرجتني بتلك الطريقة؟
عقد حاجبيه وقال ببرود: أحرجتك، كنت ستحتضنيه إذًا.
قالت بتوتر: لن تكون المرة الأولى خالد. فجاك يتعامل معي بأخوة وأنت تعلم ذلك، ثم أنه اعتاد على ذلك.
التفت لها بحده: اعتاد ذلك !!
ابتسمت بتوتر وهي تلاحظ تغير ملامحه: نعم أنا أعرفه من قبل زواجي بك. تجنبت أن تذكر باسم وأن تخبره أنها لطالما رحبت بجاك بتلك الطريقة دون اعتراض الآخر.
قال بجمود: إذًا اعتادي ألا ترحبي به بتلك الطريقة مرة أخرى نهائيًا، لا هو ولا أي من أقاربك.
هزت رأسها موافقة: حسنًا، لا تكبر الأمر وابتسم قليلاً. 
__لست غاضبًا من ذلك، انا مستاء لأني سأعود في الطائرة المغادرة بعد قليل.
اتسعت عيناها وقالت بخوف: لماذا؟
قال بثبات: توجد أمور خاصة بعملي وبمكتب القاهرة لابد أن أذهب لأخلصها.
نظرت له بضيق فقال بهدوء وهو يمسك يدها: رغمًا عني منال، لا أريد أن أتركك وأنت تعلمين ذلك، ثم منذ أن أتيت إلي القاهرة ولم اذهب إلي المكتب سوى مرتين. طبيعي أن يتراكم العمل وأن يريدوني ضروريًا الآن.
تنهدت بضيق فقال: أرجوكِ لا تغضبي سآتي غدًا مع عمي.
مدت شفتيها وقالت: إذًا سافر غدًا.
ابتسم: لن أستطيع حبيبتي، أرجوك منال، لا أريد أن أغادر وأنت غاضبه.
ابتسمت ابتسامة باهته: لست غاضبة
لمس وجنتها بحب: إذًا ابتسمي بإشراق كما كنت تفعلين منذ قليل، وأنا لن أتأخر في العودة، ثم جاك سيهتم بالطفلين إلي أن أعود. ابتسمت لينتبها الاثنان على صوت فاطمة: خذني معك خالد.
نظر لها بدهشة: إلي أين؟
قالت باضطراب: سمعت أنك ستعود إلي القاهرة الآن، وآنا الأخرى أريد أن أعود معك.
سألت منال باستنكار: لماذا؟
قالت بحنق: نسيت أن آخر يوم لإنهاء أوراقي هو غدًا، وعندما نظرت الآن إلي تاريخ اليوم تذكرت، لابد أن أذهب إلي السفارة وانهي الأوراق التي تخصني هناك غدًا وخاصة أنهم أرسلوا إلي أكثر من مرة.
نظرت لها منال بريبة فقال خالد بهدوء: حسنًا، سأذهب لأرى هل توجد أماكن شاغرة على الطائرة المغادرة أم لا؟
أشار إلى جاك برأسه فاقترب الآخر منه: ستهتم بهم، أليس كذلك؟
ابتسم جاك بمهنية: لا تقلق معي آخرون أيضًا ولكنهم لن يظهروا حتى لا تسأل منال عنهم، كما طلبت.
هز رأسه بتوتر فربت جاك على ظهره: لا تقلق خالد، سأفدي زوجتك والطفلين بحياتي.
ابتسم خالد وقال: حسنًا فاطمة تريد العودة أيضًا، ذكرت شيء عن أوراقها.
__ لا يهم، سآتي لك بتذكرة إضافية الآن
نظر له خالد وقال بامتنان: شكرًا لك جاك.
ابتسم الآخر بمهنية: أنا مدان لك بالكثير خالد، انتظرني سآتي لك بالتذكرتين.
ابتسم خالد وهو يشعر بالقلق، يثق في جاك كما يثق بنفسه، فهما عشرة عمر كما يقولون، أصدقاء منذ الصغر، واقترب أكثر منه في الكبر وخاصة في حياته الأخرى التي لا يعلم أحد عنها شيئًا هو نعم الصديق ويقترب لديه من مرتبه الإخوة، يستطيع الاعتماد عليه في كل شيء ولكنه أيضًا قلق على منال والطفلين، على الرغم من طمأنة عبدالرحمن له وإخباره أن الشرطة وضعت لهم حماية مكثفة وخاصة بعد أن أخبرهم عبدالرحمن بالمعلومات التي أخبره هو بها.
زفر بقوة وحدث نفسه " لا تقلق ستكون الأمور على ما يرام بإذن الله "
***
نظر له بحنق وخطف منه الورقة بسرعة وقال بجمود: ماذا تريد وائل؟
اعتدل الآخر في جلسته ونظر إليه من بين رموشه: هل ستستطيع وليد أنت فعل لي ما أريده؟
نظر له وليد بجمود وانتظره أن يكمل فقال الآخر بسخرية: ألن تخبرني عنها؟
جز وليد على أسنانه قويا: اختصر وائل وقل ما تريده.
أكمل الآخر وكأنه لم يسمع وليد: هل هذه الفتاه التي اخبرني عنها أبي؟
اتسعت عينا وليد بقوة واثر الصمت إلى أن يفهم ما يريد منه وائل ضحك الآخر ضحكة قصيرة ساخرة: هل ارتعبت يا أخي؟ هل تظن أنه عندما يسمع أبي ما فعلته بك سيقصيني من حياته كما فعل معك؟
شعر وليد بغضب فعلي منه وأطبق شفتيه بقوة فأتبع الآخر: لم ولن يفعل ذلك وليد، سأظل أنا ولده المفضل.
قفز وليد واقفا: لقد سمعت ما يكفيني.
صاح وائل بقوة: انتظر.
وقف وليد ولم يلتفت إليه فقال وائل بهدوء: ماذا تريد لتعود من حيث أتيت وليد؟
التفت إليه وليد بهدوء وابتسم بسخرية: لماذا تريدني أن أعود من حيث أتيت، هل خائف من وجودي إلي تلك الدرجة وائل؟
رمش وائل بعينيه ،فاقترب وليد منه بهدوء: لا أنوي العودة وائل، سأظل جاثمًا على قلبك، سأتزوج وأنجب أحفادًا لوالدي،
أكمل بسخرية وهو يتحرك من أمامه: تخيل فرحة أبي بمولود ذكر من ولده البكر.
قفز وائل واقفًا: اسمع وليد ، إلى الآن لم أرد أذيتك فعلا، كنت افتعل لك المشاكل ولكني لم أؤذيك، لا تدفعني لأذيتك.
وقف وليد أمامه، رفع له رأسه ونظر له متحديًا: أرني ما أنت قادر على فعله وائل.
عاد وائل برأسه قليلاً وقال بهدوء: ما رأيك أن نتفق؟
نظر له وليد ببرود وانتظره أن يكمل، فاتبع قائلا: سأصلح ما بينك وبين والدي بشرط أن تبتعد عن حياتنا كما كنت، تنسى أنك بكر عائلة الجمال، تزوج وأنجب أطفالك بعيدًا عنا.
ابتسم وليد، ثم قهقه عاليًا: هل جننت وائل؟ لماذا علي أن أفعل ذلك؟
نظر وائل بهدوء إليه ثم خفض بصره إلى الورقة التي بيده وزم شفتيه قائلاً بهدوء: حتى لا تخسر حبيبتك، تخيل ما الذي يمكنني فعله لأجعلك تخسرها؟ إنها فرصة ذهبية لأشفي غليلي منك.
ابتسم وليد بسخرية وقال ببرود مؤلم: استرح وائل، لقد خسرتها بالفعل، دون أي تدخل منك.
انصرف من أمامه تاركًا إياه في حيرة من أمره يفكر فيما قاله، لماذا أخبره أباه بأن وليد سيتزوج إذًا، ووليد يتكلم عن خسارته لحبيبته
فكر "أنه لا يكذب " لا يستطيع أن ينكر شعوره بألم أخيه النابع من فداحة خسارته ، يريد أن يفهم وبالطبع لن يسأل وليد، سيحاول أن يعرف عن طريق أحد آخر
زم شفتيه بضيق وقرر أن يغادر قبل أن يعود أحمد ويحتك به. فهو تلاشاه اليومين الماضيين حتى لا يتحدث معه ، يعلم أن أخاه لن يصمت عما فعله المرة الماضية، وهو ليس متفرغًا لمشاجرة مع أحمد الآن ، اتجه إلى سيارته مقررًا العودة إلى القاهرة.
***
منذ أن عادت مع خالد وهي ملتزمة غرفتها، لا يوجد شيء هام عادت من أجله. فقد اخترعت كذبة أخبرتهم بها لتعود معه حتى لا تبقى مع والدتها وأختها، فهي سمعت خالد وهو يخبر منال بعودته، وإذا كان سببها في الأساس رفقة خالد فالسبب انتفى بعدم وجوده
أمسكت هاتفها ونظرت إليه، تشعر بالملل وتريد الخروج ولكن ذلك الغبي الرابض في الحديقة يمنعها من مغادرة الفيلا، بل إن ما يضايقها حقا أنه علم بالطريق المخفي الذي تتخذه مخرجًا لها بعيدًا عن البوابتين
فهي تتسلق الشجرة الكبيرة الواقعة بجانب سور الفيلا فتتخذها مخرجًا لتصل إلي السور الخارجي وتقفز من عليه ويساعدها في ذلك أن السور قصير إلي حدما، إلى جانب رشاقتها بالطبع
زفرت في ضيق ونظرت إلي قائمة الأسماء المسجلة في مكالماتها الواردة لتنظر إلي اسمه مفكرة "هل عليها أن تتصل به وتخبره بعودتها؟ "
هزت رأسها نافية للفكرة، فهو يلح عليها بالذهاب إليه وهي غير مستعدة إطلاقا لما يريده ،فمهما حدث لن تستطيع ذلك
اقشعر بدنها بقوة مما جعلها ترتعش من قدوم الفكرة إلي مخيلتها، فهي ارتعبت من اقتراب عبدالرحمن منها، ولا تحتمل فكرة اقتراب أرون منها
زفرت بضيق ورمت الهاتف بقوة على الفراش وقررت أن تدخل إلى دورة المياه لتستحم وتسترخي قليلاً حتى تستطيع النوم.
***
ينظر إلي الأوراق أمامه وهو يشعر بالحزن يعتصر قلبه، أخرج المظروف الكبير المكتوب عليه بخط أخيه " إلى زوجتي العزيزة"
نظر إليه متأملا ،يريد أن يعلم ما بداخله، ما الذي كتبه لها باسم؟ ما الذي سيخبرها به؟ وضع أنامله المرتعشة متحسسًا الظرف وهو يشعر أنه ما تبقى من توأمه يشعر بروح باسم بداخله
أغمض عينيه وهو يفكر: هل من المسموح له أن يقرأ ما به؟
هز رأسه نافيا، فهولا يريد ما يزيد من ألمه ويذكره بما كان بينهما زفر بقوة وحمله متجهًا إلي أحد أدراج ملابسه ووضعه بهدوء تحت الملابس إلي أن ينقله إلي خزانته الموجودة بالشركة.
نظر إلى باقي الأوراق ثم أغلق الحقيبة ليذهب بها إلي عبدالرحمن وقف قليلًا وأمسك هاتفه واتصل بها تلقائيا، أتاه صوتها الناعس: ما بك خالد؟ إنها المرة السادسة حبيبي في ساعتين، أنا بخير والطفلين أيضًا، أم اتصلت تسأل عن أمي؟
ابتسم: مللت مني ومن اتصالاتي !!
ضحكت بنعومة: لا حبيبي ولكني متعجبة من كثرتها، وما يزيد تعجبي حماية جاك المفرطة وطاقم الحراسة القابع أمام باب الفيلا، شعرت بأني زوجة أحد رجال الدولة المهمين.
رفع حاجباه وقال باستياء ظهر في صوته: إذًا أنت تستخفين بي وبمكانتي.
تنهدت هدوء: لا طبعًا لم أقصد ذلك ولكن لأول مرة يتناهى إلى علمي أن زوجات رجال الأعمال يعاملن بتلك الطريقة
قال بعنجهية: لتعلمي أنك متزوجة من رجل لامثيل له
ضحكت بقوة فاتبع وهو يعقد حاجبيه: تسخرين مني منال
صمتت قليلاً وقالت بهدوء: خالد هل اتصلت لتتشاجر معي أم ماذا؟
زفر بغيظ وقال: بل اتصلت لأني اشتقت إليك منال.
تثاءبت وهي تتمطى كالقطة المدللة ونظرت إلي الطرف الآخر من الفراش الخالي من وجوده وقالت بنعومة: لم يجبرك أحد على العودة.
تنهد بقوة وهو يفكر " آه لو تعلمين " قال بهمس: للأسف مجبر، وإلا لما تركتك اليوم.
ابتسمت: حسنا اتركني لأنام فأنا متعبة للغاية وحاول أنت الآخر أن تنال قسطًا من الراحة حتى لا تتأخر في العودة إلي غدًا
قال بهدوء: حسنا تصبحين على خير.
__ وأنت من أهل الخير.
تنهد بقوة وهو يتجه إلي باب الغرفة، فتحه ليتسمر وتتسع عيناه محاولاً استيعاب ما يراه أمامه
***
يجلس بالحديقة منتظرًا نزول خالد له، سمع حفيف أشجار غريب مع صوت ارتطام خافت قفز واقفا وهو ينصت إلي مصدر الصوت، تحفز جسده تلقائيًا وتحرك بخفة إلي مصدر الصوت
اتسعت حدقتاه ليتبين ما أمامه في ذلك الظلام، وكتم أنفاسه حتى لا يشعر بوجوده أحد.
وقف ملتصقا بحائط الملحق وهو ينظر إلى أولئك المتسللون إلى حديقة الفيلا من نفس الطريق الذي تتخذه فاطمة
ردد عقله " فاطمة "... إذًا هو أحد أتباع أرون،
تنبهت حواسه كلها ليعرف كم عددهم ومنهم، لم يتبين ملامحهم في ذلك الظلام وبسبب قناع الرأس الذي يرتدونه.
ظل واقفا مكانه ليتبين عددهم ثم تحرك بخفة ولف حول الملحق سريعًا ليفاجئهم من الخلف نظر جيدًا فتبين أنهم خمسة، تقدم سريعا وبخفة نمر انقض على الأخير مكممًا انفه وفمه براحة يده، ضربه بقوة في رأسه من الخلف ليسقط مغشيًا عليه سحبه بهدوء ووضعه بجانب حائط الملحق ليرفع عينيه ويجد اثنان منهما ينظران إليه.
قفز واقفا بسرعة وانقض على الأقرب إليه ولكمه بقوة ثم ضربه في حائط الملحق فسقط مغشيًا عليه
والتفت إلى الثاني سريعًا ليجده شاهرًا سكينًا في وجهه تفاداه بأعجوبة ثم تراجع بعيدًا عنه إلي الوراء، تقدم منه الآخر بقوة وحاول أن يطعنه فانحنى من تحت يده ولكمه بكوعه فأسقطه على وجهه، التفت ليفقده وعيه ولكن كان الآخر سريعا وطعنة طعنة قوية بخصره
جز على أسنانه بقوة كابتًا الألم بداخله، ليلكم غريمه بقوة إلي أن تأكد أنه فقد وعيه.
سحب الاثنين بجانب رفيقهما الثالث وبحث عن حبل قوي وأوثقهم به وكمم أفواههم
أمسك هاتفه واتصل برئيسه ليخبره بهذا الهجوم غير المتوقع .
***
خرجت من دورة المياه بعد أن دللت نفسها بحمام هادئ و مريح لأعصابها ، ارتدت إحدى منامتها الحريرية وجهزت نفسها للنوم. ووقفت بجانب فراشها لتفاجأ بالظل الآتي من نافذتها
عقدت حاجبيها وكتمت أنفاسها.. أنه ظل شخص أمام النافذة، وقبل أن تستوعب ما يحدث وجدته بداخل غرفتها هتفت بذهول: أرون؟!
فوجئ هو الآخر من وجودها ليبتسم ببرود وهو هو ينظر إليها اشتقت إليك.
ازدردت لعابها برعب وقالت بصوت تجلى به الخوف: ماذا تفعل هنا؟
اقترب منها وهمس بفحيح كالأفعى وهو يدور ببصره على جسدها: جئت من أجلك.
ارتدت إلى الوراء وسطع الرعب في عينيها: لا تقترب مني، سأصرخ.
ضحك بسخرية: ألم تخبريني أنهم مسافرون؟ لا يوجد إلا والدك العجوز. سيهتم أحد أصدقائي به، إلي أن انتهى منك.
اتسعت عيناها رعبا وارتعش جسدها بقوة: ماذا تقصد؟
ابتسم بلؤم: لم آتي من أجلك في الأساس ولكن القدر ساقك إلي وآنا أعشق أن أغتنم فرصي
اقترب منها سريعًا وقبل أن تركض أو تصرخ كان واضعًا يده على فمها مانعًا إياها من صدور أي صوت وهمس في أذنها بوقاحة: لا تصرخي فأنا لا أحب الصراخ، كوني هادئة ومطيعة، فسأفعلها على أية حال، أختارِ الطريقة الأسهل لك.
انتفضت بين ذراعيه وحاولت التملص منه دون فائدة فهو كان كالعنكبوت الذي أطبق على فريسته.
***
وضع الحقيبة خلف باب الغرفة بهدوء وتحرك بخفة خلف ذلك الدخيل ،الذي من الواضح أنه يبحث عن شيء ما. تحفز جسده وهو يفكر في احتمالين، إما أنه يبحث عن حميه أو يبحث عن الحقيبة ، وفي كلتا الحالتين فذلك الشخص يتبع أرون ويتبع ذلك التنظيم الذي أودى بحياة أخيه. اصدر صوتا واختبئ سريعًا محاولا تشتيت الآخر وإجباره على العودة من أمام غرفة حميه. وبالفعل استدار ذلك الشخص عائدًا ليعلم مصدر الصوت ليفاجئه خالد وهو يقفز أمامه راكلًا المسدس من يده ومطيحا به بعيدًا
***
تحرك بألم في الحديقة باحثًا عن الآخرين. تبقى اثنان منهم أين ذهبا؟
رفع رأسه إل السماء لينتبه إلى نافذة فاطمة المفتوحة فيركض إلى السلم الذي رآها سلفًا تصعد منه
خطى بسرعة وهو يشعر بالخوف على تلك الصغيرة أن يتعرض لها أحد أولئك المجرمين ، قفز بقوة متناسيًا جرحه ودمه النازف بغزاره وتعلق بحافة النافذة ودفع جسده إلي الصعود، جز على أسنانه واندفع إلي داخل الغرفة وهو يرى ذلك الحيوان يتحرش بالفعل بها بعد أن أوثقها بالفراش وكمم فمها، صاح بقوة وانفعاله يغلبه: اتركها.
التفت إليه الآخر ببرود ووقف أمامه وقال ساخرًا: أنت من سيمنعني؟
نظر له عبدالرحمن متحديًا واندفع في اتجاهه بقوة مشتبكا معه في عراك عنيف وقوي لم يتغلب فيه أحدهما على الآخر. فالاثنان ندان قويان إلي أن انتبه أرون إلى جرح عبدالرحمن فلكمه به مرة وركله مرة أخرى مما أفقد عبدالرحمن الاتزان وسقط على ركبتيه
ابتسم حينها أرون بسخرية وتشفي: لا تتحدى من هم أقوى منك ولا تقف في وجههم
حاول عبدالرحمن جاهدًا أن يقف على قدميه ليعاجله بركله أخرى في خصره كادت أن تسقطه على وجهه لولا أن تماسك وهو يستند على راحتيه ويحاول النهوض فجرحه الغائر وألمه المميت كانا غريمان آخران له،
ركله أرون مرة أخرى بقوة أطاحت بجسده أرضًا فأتبع الآخر بوقاحة: عقابك أن ترى ما سأفعله بها أمام عينيك، حتى تعلم قيمتك جيدًا.
اقترب منها ثانية فحاولت الصراخ بقوة، محاولتها الفاشلة في الصراخ أيقظت ما تبقى من عقله الذي كاد أن يذهب مع الألم المبرح الذي يشعر به ، وقف بكل قوته واندفع ناحيته ليسحبه من أكتافه بقوة راميًا به إلى الحائط ليصطدم به الآخر قويًا، لكمة مرتين بقوة فتصدى أرون لكماته ولكمة مرة أخرى في وجهة ومرة في خصره ، ليبتعد عبدالرحمن عنه قليلا، استغلها أرون ودفعه  قويًا بعيدًا عنه
لمعت عيناه بخبث وهو يرى اهتزاز جسد عبدالرحمن واقترابه من النافذة ليقفز ويركله بقوة في بطنه دافعًا إياه إلي خارج النافذة وينظر إليه وجسده يهوى منها ، شعر بنفسه يطير في الهواء ولا يعلم ماذا يحدث له، نظر إلى السماء وهو يشعر بأن عقله توقف عن التفكير ليرى القمر بدرًا ويبتسم بشوق وهو يرى وجهها منيرًا في دائرة البدر، ابتسم وهمس: لا إله إلا الله ليلى.

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن