الفصل الخامس والثلاثون ج٢

5.1K 117 6
                                    

واقف ينظر للسماء بحبور وهو يشعر بأن روحه تناغي النجوم فاليوم يشعر بالسلام أخيرًا يرقد بين جوانبه
تحرر معها فتحدثا كثيرًا ، وتحابا أكثر ، لمعت عيناه بألق جديد ، فتحولتا حدقتيه للون الفيروزي الغني وهو يتذكر انسيابية اعترافها بعشقها إليه في كلمات سلسة رقيقة حملت إليه. سعادته الأبدية
التفت ونظر إليها تغط بنوم عميق على جنبها الأيسر كما أوصاها الطبيب لتلمع عينيه بعشقه العارم لها فتحرك بخطوات سريعة ملهوفة
استلقى على الفراش إلى جوارها وهو يشعر بأنه مفعم بالسعادة ، بل إنه قادر على ضخها للبشرية بأجمعها ، ابتسم وهو يدور بجسده إليها ،يضمها من ظهرها إلى صدره ، يحيط بطنها المنتفخ بذراعيه ويفرد كفيه على مقدمته ، متحسسا بطنها بلهفة للطفلين بداخلها ،
تنفس بقوة وهو يدفن رأسه في خصلاتها الثائرة المتناثرة من حوله أغمض عينيه بنشوى مسكرة لعقله وهو يشم رائحة شعرها العبقة بروحها المتمردة ، لطالما كان شعرها يشبهها في تمردها .. قوتها وعنفوانها
لطالما نظر إليها وهي تأرجح شعرها بعصبية عندما تكون وصلت لذروة غضبها ، أو تعقده للخلف عندما تكون مقدمة على شيء يعلم هو جيدًا أنه لن يرضى عنه ، تلملمه بغل وهي حزينة وكأنها تعاقب نفسها على حزنها
وتنثره في شلال فيض عذب وهي سعيدة ، فتسير بخيلاء وهي تحركه بدلال مع كل خطوة تخطوها بكبرياء يجعله يذوب عشقا بها!
شدد من ضمته لها لتتأوه بخفة ففتح عينيه وهو يهمس بجانب أذنها : المعذرة حبيبتي.
ابتسمت وهي تستدير إليه : لا عليك حبيبي.
طوقت رقبته بذراعيها لتقبل شفتيه في رقة وتقول : لم أكن أحلم أليس كذلك ؟
اتسعت ابتسامته وعيناه تلمع بلون أزرق صافي اضاء حدقيته رغم العتمة من حولهما وهمس مدندنًا بصوته الرخيم : لو كان ده حلم ياريته يطول.
دوت ضحكتها مجلجلة وهي تقول من بين ضحكاتها : لا أصدق أنك تغني لحليم.
ابتسم بتساؤل وقال بهدوء وهو مستمتع بضحكاتها : لماذا؟!
قالت بضحكة ماكرة : الخواجة بنفسه يغني ولحليم أيضًا ، أترى أنه طبيعي؟!
همس بصدق : منذ أن أحببتك لم يعد أي شيء طبيعي منال.
لمعت عيناها بعشقها الصاف إليه لتعتدل مقتربة منه أكثر و تنثر قبلاتها على ذقنه . فكه .. وجنتيه .. طرف انفه لتنظر إلى عمق عينيه و تهمس مدندنه بدورها :علشان إحنا مع بعضينا ولأول مرة لوحدينا ولا حدش بيبص علينا غير فرحة قلبنا وعنينا .
ضحك بقوة وهي تضع كفها على عينيه لتغلقهما ووجنتيها تحترقان من الخجل بسبب نظراته المتأملة لها ،تنحنحت لتقول بمرح : إذا استمع إلي أحد سيرميني بالسباب لأني شوهت تلك الأغنية الجميلة.
همس بحب وهو يقبل طرف أنفها : بل صوتك رائع ولكن لا أحب أن يسمعك غيري.
ضحكت بدلال وقالت : لن يسمعني غيرك أبدًا.
تلاعب بخصلات شعرها ليتسمك بأحدهم ويلفها حول سبابته بشغف ، قبلها برقة ليهمس : كيف استطعت خداعي ؟

ضحكت برقة وقالت : لم أستطع خالد بدليل أنك كنت في قرارة نفسك متأكد من حبي لك.
تنفس بقوة وقال : لم تخبري أحدًا عن حبك لي أليس كذلك ؟!
عقدت حاجبيها بتفكير وقالت : لا لم أستطع فكبريائي كان يعمل كحائط حماية لي دائمًا كان يغلفني فيجعل ما بداخلي لا يظهر أبدًا.
أتبعت بابتسامة مرحة : ولكن هذا لا يمنع أنني خططت بعضًا من مشاعري فوق دفتري في بعض الأحيان .
كح وهو يطرد تلك الفكرة من رأسه ولكنه لم يستطع أن يصمت عنها فهمس بتساؤل وعيناه تنظر للأفق بعيدًا عنها : لا أعلم أشعر أنه كان يعلم.
اتسعت عيناها بصدمة ممزوجة بإدراكها لتهمس : لا أعتقد خالد.
زفر بقوة وقال : أتمنى أن لا يكون ما أشعر به صحيحًا.
لامست وجنته برقة فخفض بصره إليها فهمست برجاء : ألم نتفق على أن الماضي انتهى.
ابتسم باتساع وقال : نعم القادم هو ما يهمني فقط .
ابتسمت بسعادة ولكن عقلها لم يتوقف عن تذكر ذاك الدفتر المفقود
غمرها بعناق دافئ شغوف وهو ينثر قبلاته على كل انش في وجهها ..رقبتها .. كتفيها .. مقدمة صدرها وهو يهمس من بين قبلاته بغزل دافئ .. رقيق .. جريء ،
تنفست بعمق و أغمضت عينيها وهي تنحي تلك الأفكار التي لا فائدة منها ،شعرت بنفسها تنجرف إليه قويًا كعادتها معه ،عشقها إليه يسيطر عليها فيطرد كل شيء أخر ماعدا احساسها به واستجابتها إليه ، ضمته إلى صدرها أكثر ، وهي تغمر كفيها في خصلاته السوداء تشعر بنعومتها بين أناملها وهي تتنهد بشوق لوصاله مجددًا.
رفع رأسه لينظر إليها وقال : أحبك منالي.
همست من بين شفاهه : وأنا أعشقك خالدي.

***

رصت أطباق الطعام على المائدة لتعدل من وضعها كما يحب هو بتلقائية اعتادت عليها ، قربت دورق المياه الزجاجي والكوب من يده اليسرى كما يفضل وأخيرًا تنفست بعمق وهي تحمل ملاحة الطعام وتضعها بمكان أخر وهي تعلم أنه لن يراها
خرجت من الغرفة وهي تبتسم داخليًا فهي متأكدة من عدم قدرته على تناول الطعام دون احتياجه للملح ، فليأتي إليها طالبا للملح أو لا يتناول طعامه ويظل جائعًا!
دلفت إلى غرفتهما سويًا وهي تسمع صوت المياه المتدفق بالداخل راجع إلى استحمامه ، لتسرع بخطواتها وتفتح دولاب ملابسها وتخرج إحدى منامتها وتأخذ بقية احتياجها وتغادر سريعًا.
اتجهت لدورة المياه الأخرى وقررت أن تأخذ حمام دافئ ينعش حواسها ويجبر عقلها على الاستفاقة من غيبوبته التي طالت منذ فترة ليست بقصيرة
وقفت تحت دش المياه وهي تشعر بها تتدفق إلى روحها وعقلها قبل أن تغمر جسدها ، فتحت عيناها وهي تستقبل زخات المياه وحدقتيها تومض بقرارات كثيرة تخص حياتهما القادمة معًا
خرجت من دورة المياه وهي تنشف شعرها بمنشفة صغيرة ، تحرك رأسها بانسجام تام وتغلق عينيها وهي تبتسم بمرح لتشهق بخفة وهي تصطدم بصدره العريض
فتحت عينيها على الفور لتنظر  إليه باستياء وهو يقف بصمت ولم ينبهها لوجوده قبل أن ترتطم به.
رمشت بعينيها وهي تشعر بتوتر أصاب جسدها عندما وجدته يقف بثبات وينظر إليها بتفحص ولكن بعيني جامدتين خاليتين من أي تعبير ، يعقد كفيه خلف ظهره لتتذكر جده قديمًا عندما كان ينظر إليها بتلك الطريقة ثم يباشر في تقريعها بحديث طويل عما لا يعجبه بها!
ازدردت لعابها ببطء وهي تنظر له باستفهام منتظرة منه أن يتحدث ليضيق عينيه بتوعد ويقول بخفوت وهو يدور على عقبيه ويسبقها باتجاه غرفة الطعام : تعالي وتناولي الطعام معي فأنت تعلمين أنا لا أستطيع أن اؤكل بمفردي.
ابتسمت بسخرية تجلت على ملامحها وقالت : وكيف كنت تتناول طعامك الأسبوعين الماضيين يا سيادة المستشار.
توقف للحظة وابتسم بمكر وقال بلامبالاة : كنت أتناول الطعام برفقة أمي.
أتبع وهو يخطو بجدية بعيدًا عنها : على راحتك هنادي إذا كنت لا تريدين المجيء فتأكدي أنني سأتقبل قرارك.
اتسعت عيناها بذهول وهي تشعر بأن جملته تحمل في باطنها الكثير عما ظهر منها ، رمشت بعينيها سريعًا لتزم شفتيها بضيق وعيناها تلمع بحدة لونت حدقتيها الرمادية بأشعة دخانية وهي تطبق فكيها بشراسة انتابتها
دقت الأرض بكعبيها وهي تذهب خلفه لتقف عند باب الغرفة وتنظر إليه شزرًا وهو يتناول الطعام بهدوء ،
ابتسم ببرود وهو يرفع رأسه إليها ويقول بصوت هادئ متزن : هلا أتيت لي بملاحة الطعام هنادي.
منعت نفسها من التقدم باتجاهه لتقول بنبرة حادة : أنها أمامك.
عقد حاجبيه وهو يركز بنظره على المائدة ليبتسم من بين أسنانه وهو يراها بعيدة عن يديه ليس كما اعتاد فيهز رأسه بتفهم ويقول : أشكرك.
نهض واقفًا ليأتي بها ويضعها على مقربة منه ويعاود تناول طعامه ثم يقول بلا مبالاة : هل ستستمرين في الوقوف عندك أم ستاتي وتجالسيني؟
ابتسمت بسخرية وقالت : كبرت على المجالسة يا سيادة المستشار.
رفع حاجبيه والمكر يعلو هامته ليقول : نعم كبرت على المجالسة كالأطفال ولكني كالكبار فأنا أهل لها.
احتقنت أذنيها والصدمة تعتلي ملامحها لتهمس بتساؤل : ماذا تقصد هشام؟
لمع الخبث على شفتيه وقال : لا شيء يا زوجتي العزيزة.
تنفس بعمق ليقول : احسمي قرارك هنادي ، ستأتين أم ستظلين واقفة عندك بمنتصف الطريق ؟!
نظرت له بتحدي مزج دخان حدقتيها بلونهما الرمادي فطل الكبر من بينهما ليبتسم هو بخبث زين ملامحة بألق جديد تعجبت له وهي ترى الكبرياء يصبح عنوان لملامحه ، رفع حاجبه بتعبير قوي وهو يحذرها من تحديها  إليه
شعرت بالرجفة تعم أطرافها ولكنها كابرت ، و تحكمت بها حتى لا ترتجف أمامه كعصفور صغير بله ماء المطر ، فرفعت رأسها بغرور وقالت : سأخلد للنوم.
ضحك بخفة ليقول بسخرية : ألم تكتفي من النوم نودا ، أصبحت كأهل الكهف حبيبتي.
رمشت بعينيها وقالت : لا بأس من النوم فهو أفضل من أن تمضي بقية حياتك مضطهدًا مقهورًا.
ضيق نظرته فأصبحت أكثر حدة وقال : ولكن النوم لن يدرأ عنك القهر والاضطهاد يا أستاذة
لفت وأعطته ظهرها : ولكنه أفضل من تذوق المرارة بكل دقيقة تقضيها مستيقظًا.
جز على أسنانه قويًا ليقول بنبرة قوية آمرة : إذًا على راحتك ، أحلام سعيدة يا زوجتي العزيزة.
همت بالمغادرة ليتبع بهدوء : بالمناسبة..
توقفت لتنظر إليه من فوق كتفها ليردف بلامبالاة : أحببت أن أخبرك أن أمي ستأتي في الغد لتمكث معنا.
احتقنت أذنيها بقوة وقالت وهي تدور على عقبيها سريعًا لتواجهه : ماذا؟!
نهض واقفًا وهو يزيح كرسيه للخلف قليلاً ويقول : هل عندك اعتراض يا زوجتي العزيزة.
أكمل وهو يتقدم ناحيتها : لقد أتمت علاجها بالمشفى والحمد لله ،وستخرج في الغد وليس من المعقول أن تذهب لتجلس بمفردها في شقتها ،
أتبع بلوم واضح ممزوج باستهزاء نضح من كلماته : وليس من الطبيعي أيضًا أن أترك أنا زوجتي وطفلي لأذهب وأمكث معها.
رمشت بعينيها وهي تتحاشى النظر إليه وهو يكمل حديثه و ينظر إليها بحدة : فأقنعتها أن تأتي وتمكث معنا الفترة الأولى من بداية علاجها وهي وافقت.
تنفست بقوة وهي تهز رأسها بتفهم فقال : أرجو أن تحضري لها غرفة الضيوف ، سآتي لها بممرضة لتعتني بها ، وليس عليك أن تحملي هم إقامتها هنا ، تعاملي على أساس أنها ليست متواجدة معك بالبيت.
انتفضت بغضب وهي تصيح به بحدة : ماذا تقول أنت ؟ هل ترى أنني عديمة الذوق لتلك الدرجة أن أهمل والدتك وهي ببيتي.
تحكم في ابتسامته بقوة لينظر لها بلا مبالاة وهي تكمل بعد أن رفعت له حاجبها باعتداد وهي تقول : لست أنا من يفعل ذلك يا سيادة المستشار أنا أعلم بالأصول عنك ولن أفعل أبدًا ما تقوله ذاك ، حتى لو استاءت والدتك من وجودي سأتحملها من أجل..
بترت عبارتها وهي ترى الخبث ينضح من حدقتيه اللتان تموجتا ببحور العسل المصفى لتزم شفتيها بحنق وتتبع بغل : من أجل كريم فمهما حدث فهي جدته.
لم يستطع أن يمنع نفسه من الانفجار ضاحكًا وهو يرى تعبيرات وجهها الطفولية من شفتيها المضمومتان بحنق ووجنتيها اللامعتان بشرارات وردية تنم عن ضيقها الممزوج بخجلها الفطري ، الشراسة التي تلمع بحدقتيها وساعديها المعقودين أمام صدرها ، اقترب منها ليحاوطها بذراعيه ، تملصت منه بنزق وقالت : ابتعد عني من الأفضل لك.
ضحك بقوة وهو يجبرها على الاستكانة بين ذراعيه ويقول : لن أفعل ، أنه حقي.
ضربته في صدره بغل وقالت : لا ليس من حقك.
تنفس بقوة وهو يقربها منه ويقول : لا أريد المجادلة الآن هنادي ، لقد تعبت من ذاك الخلاف الذي لا ينتهي بيننا.
أكمل بعتب مؤلم لكليهما : أنت لا تتوقفين عن الهروب مني وأنا لا أتوقف عن الركض من خلفك وأنا لا أعلم ما سبب هروبك ولا ركضي إليك.
همست وهي تشعر بالدموع رغمًا عنها تتجمع بحلقها : آسفة ولكن رغمًا عني هشام.
دفن أنفه في خصلاتها الشقراء وقال : لن أتحمل مرة أخرى هنادي لقد اكتفيت من هروبك وخاصة أني لا أدفعك بعيدًا عني.
رجفت شفتيها فشعر بها ليضمها إلى صدره : اعلمي جيدًا أني أعشقك لكن كرامتي لن تتحمل هروبك مرة أخرى ، لقد فعلت الكثير من أجل أن أشعرك بالأمان معي ولكن..
بترت جملته وهي تضع كفها على شفتيه وتقول : لا يوجد لكن لن أفعلها مجددًا.
ابتسم بفرحة تألقت في عينيه وقال :حسنًا أعتقد أننا نحتاج لتوثيق ذاك الصلح.
ضحكت بخفة وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه فهمس برجاء : هيا قبل أن يؤذن الفجر.
همست سريعًا وهي تتمسك به ليبقى : ولكن أنت لم تتناول الطعام.
عقد حاجبيه لتنفرج أساريره عن ضحكة مرحة وهو يقول :لقد كانت حجة لأدفعك للحديث معي فلقد طال جفائك نودا.
ابتسمت بخجل وهي تخفض نظرها عنه لتهمس لنفسها وهي تسير بجانبه : ليست سهلة تلك المديحة أبدًا!

***

أوقف السيارة أمام فيلتهم متواريًا بها في ظل الشجرة الكبيرة القابعة على جانب البوابة الحديدية الرئيسية ، ليزفر أنفاسه بسعادة ظاهره على ملامحه ويقول بمرح : ها قد وصلنا ،
التفت إليها وهو يبتسم بمكر لمع في حدقتيه : كان وقتًا ممتعًا تامي.
ابتسمت بسعادة وقالت وهي تهز رأسها برضى : اه نعم لقد استمتعت حقًا معك رغم قصر الوقت
رفع يديه باستسلام وقال : أنتِ من صممت على العودة.
ضحكت برقة وقالت وهي تميل للخلف وتركن جسدها على باب السيارة بدلال : أنه الوقت المناسب للعودة وائل ، قبل أن ينهض أبي لصلاة الفجر ولتذهب أنت أيضًا وتأخذ قسط من الراحة قبل أن تنهض لعملك.
ابتسم بلا مبالاة وقال : لا لن أذهب للعمل غدًا.
نظرت له بتساؤل ليبتسم بمكر وهو ينظر إليها بطرف عينه : فكرت أن اؤخذ يومين إجازة لأرفه عن نفسي بهما
التفت إليها وهو يقول بهدوء : ما رأيك هل تتناولين الفطور معي غدًا؟
لمعت عينيها بشقاوة محببه إليه فأكمل : أعتقد أن أباكِ لن يرفض فنحن مخطوبان رسميًا وسنتقابل بمكان يضج بالناس.
ابتسمت وهي تأرجح شعرها بغرور اعتاد عليه لتقول وهي تمط شفتيها بلا مبالاة : أعتقد انه لن يرفض ولكن عليك استأذنه طبعًا.
اقتربت منه برقي وهمست أمام عينيه : عن نفسي لا مانع لدي ولكن لابد من موافقة أبي.
لمعت عيناه بسخرية تألقت في حدقيته وقال بنبرة تحكم بها قويًا حتى لا يصل اليها استهزائه : بالطبع علي استئذانه.
تنفست بقوة وهي تنظر للسماء التي أوشكت على تغيير لونها من الأسود القاتم إلى الأزرق الرائق وقالت : حسنًا سأتمنى لك ليلة سعيدة وأذهب أنا الأخرى للنوم.
ابتسمت برقة وقالت وهي تنحني عليه لتقبل وجنته : سويت دريمز بيبي.
اتسعت عيناه بصدمة سيطر عليها سريعًا ليبتسم بوجهها ويقول : يو تو بيبي.
كح بخفة لتنظر إليه فقال وهو يشدها من يدها المجاورة إليه قبل أن تخرج من السيارة مقربها إلى صدره ويهمس أمام عينيها بعينين متقدتين ببحور من العسل المصفى : أليس علي أن اقبلك أنا أيضًا ؟
اتسعت عيناها بادرك وقتي لما فعلته معه لتهمس وهي تحاول الابتعاد عنه والتملص من كفه التي قبضت علي ذراعها قويًا : لا ليس عليك ذلك.
ابتسم بخبث طل من عينيه وهو يحني رأسه باتجاهها وقال بجانب أذنها : لماذا ألم تقبليني من المفترض أن أرد إليك قبلتك تلك أبسط قواعد الذوق.
تملصت مرة أخرى من يده ليطبق بذراعه الأخرى على خصرها ويقربها منه لترتعد بعنف ووجها يشحب قويًا أمام عينيه ، تراجع برأسه وهو يلحظ التغير الذي طرأ عليها فهمس بخفة وهو يفتعل المرح : اهدئي تامي أنا أمزح معك.
أفلتها برقة قصدها لتتسع عينيه بصدمة وهو يرى الدموع تتلألأ بعينيها فيقول بصوت مبعثر : لم أقصد اخافتك المعذرة فاطمة.
رمشت بعينيها وهي تتحكم في دموعها قويًا وقالت : لا عليك أنا بخير.
مدت يدها إلى مقبض الباب لتفتحه فتمسك بساعدها بحنو وهو يقول بلهفة : انتظري ، لا تذهبي الآن.
رفعت رأسها وهي تزدرد لعابها ببطء تتحكم في ارتجاف جسدها وتزم شفتيها حتى لا تفضح خوفها الذي عاد إليها بسببه أتبع بصوت أبح لم تتعرف عليه معه من قبل ، نبرة جديدة عليها حملت رجاؤه الصادق : آسف تامي لم أتخيل أني سأتسبب في اخافتك.
هزت رأسها بلا مبالاة وقالت بغرور أجبرته على أن يطغى على شخصيتها : لم أخف.
اقترب منها وهو يكتنف كفها برقة ويرفعه إلى شفتيه ويقبله باعتذار حقيقي تألق في عينيه : المعذرة على حماقتي لم أستطع أن أمنع نفسي من اللهو معك ولم احسب حسابًا لأنك ستكونين حساسة بتلك الطريقة.
أدارت رأسها إليه ونظرت له بتفحص لتسأله بصوت بارد : تعمدت اخافتي يا باشمهندس ؟!
زم شفتيه ليتنفس بعمق ويقول بهدوء وهو يلوي شفتيه برفض : لا ، بالعكس كنت أتوقع أنك ستمزحين معي فأنا بالطبع لن اقبلك وخاصة أننا بالشهر الفضيل.
ولدهشته العارمة قهقهت ضاحكة إلى أن دمعت عيناها ليبتسم هو وهو يرى ضحكتها المنطلقة التي يستمع إليها لأول مرة ، لم تكن ضحكة تقليدية بل كانت مختلفة تمام الاختلاف شبيهه بصاحبتها ، ضحكة عنوانها الغرور وتحمل في طياتها الكبرياء ولكن نغمتها رقيقة أنيقة تشي برقتها الداخلية تحمل إيقاع مدلل مثلها وتنتهي بطريقة شقية خاطفة خطفت أنفاسه وهو ينظر إليها بشغف ابتلعه!
انتبه لإحساسه بها وتعمقه معها ليرمش بعينيه وهو ينظر لاحمرار خديها وألق عينيها اللتين نضحتا بسعادتها وتبدل مزاجها ، ليبتسم بتساؤل عن سبب ضحكها فقالت بمرح : هذه البلد عجيبة بطريقة لا تصدق والناس هنا أفعالهم غير متوقعة بالمرة!
عقد حاجبيه بتساؤل لاح بمقلتيه لتتبع بابتسامة ساخرة : أمركم عجيب أيها المصريون فأنتم من الممكن أن ترتكبون أشياء كثيرة تفعلونها وضميركم مرتاح ولكن تتوقفون عنها لأنه الشهر الفضيل ،
هزت رأسها بعدم فهم وهي تتبع بتعجب : حقيقة ، هذا أمر من الأمور الكثيرة التي لا أفهمها في هذه البلد.
ابتسم بخفة وقال بهدوء : ولن تفهميه.
التفتت إليه بانزعاج وضح على محياها ليتبع بسخرية ظهرت جلية في صوته : لابد أن تكوني مصرية أصيلة لتفهمين تصرفاتنا ،
جزت على أسنانها قويًا وقالت : أنا مصرية بالوارثة رغم جواز سفري الإنجليزي .
ضحك بقوة ضحكة عميقة ساخرة اشعلت حواف أذنيها ليقول من بين ضحكاته : ولذا أخبرك أنك لست بمصرية أصيلة تامي.
قالت بنزق وهي تنظر إليه بغضب تألق في عينيها فاحرق لون الشوكولا بهما وأظهر حواف الكراميل التي تبتلع حدقتيها : وما الفارق يا باشمهندس ؟
قال بسخرية عميقة وهو ينظر إليها بقوة :الفارق أنكِ لم تنشئي هنا لم تختلطي بالناس هنا ، لا تعرفين أي شيء عن طبيعتهم وأمور حياتهم
زفر بقوة وأتبع بنبرة هادئة : لم تفعلي أيًا من الأمور الأساسية التي يفعلها المصريين عزيزتي.
رفعت حاجبها باعتراض وقالت : حقًا ؟! وما تلك الأمور التي لم أفعلها لتضمن لي مصريتي من وجهة نظرك يا باشمهندس ؟!
ضحك بخفة وقال وهو ينظر لعمق عينيها : لكي تكوني مصرية أصيلة يا تامي ، لابد ان تكوني تشبعت بهواء القاهرة الممزوج بأدخنة مصانعها وركضت على كورنيش النيل وشربت من مياهه الملوثة بعوادم نفس المصانع التي ترمي مخلفاتها به.
اتسعت عيناها برعب وظهر الاشمئزاز على وجهها ليضحك ضحكة رجولية عميقة أعادت وجهها لطبيعته وهي تنظر إليه بنظره حالمة لم تنتبه إليها ، استطرد بسلاسة وهو يركن رأسه للوراء : لتكوني مصرية أصيلة لابد أن تسيري في حواري مصر القديمة وتتعرفي على الأفراد الكادحين ، لابد أن تتناولين فول لن تتذوقي مثله إلا من تلك العربة التي يدفعها عم عرفة العجوز الذي قارب على السبعين ولكنه يسعى لرزقه بأمل كبير ويقين بأن ربه سيرزقه ورضا بما سيكتب له من الرزق اليوم.
لتصبحي مصرية أصيلة يا فاطمة هانم لابد أن تركضي بحقول مصر الشاسعة وتقطفي ثمار أرضها وتأكلينها دون أن تهتمي بغسلها أولًا فشهدها يكون أطعم من العسل الأبيض الفاخر.
لتكوني مصرية أصيلة يا تامي لابد أن تستنشقي يود بحر الإسكندرية عندما تقبلين على مشارفها وتشعري بأن تلك الرائحة العميقة تتغلل بأوردتك فلا تفعلين شيئًا إلا أن تذهبين وترمين نفسك بعرض البحر وأنت بكامل ملابسك دون الاهتمام بأي شيء آخر.
لكي تكوني مصرية أصيله لابد أن تكوني واثقة أن هذا الشعب راضي قانع بما يكتبه الله له ، هذا الشعب الذي لا تفهمين معظم تصرفاته يخشى الله بداخله رغم أنه يرتكب بعضًا من الأفعال الغير صحيحة ، هذا الشعب قد ولد على فطرة الإسلام فمعظمه يفعل أشياء صحيحة دينيًا دون العلم أن هذا من أساس دينه.
أتبع بعمق وعيناه تتألق بأشعة ذهبية نافست الشمس في عز توهجها :فهم يعلمون جيدًا أن الشهر الفضيل أوله رحمة ونصفة مغفرة وآخره عتق من النار فلذا يلتزمون جيدًا أثنائه في نوع من المحاولة أن يحصلوا على المغفرة لما يرتكبونه دون قصد منهم في الأيام الأخرى.
ران الصمت عليهم عندما توقف هو عن الحديث فالتفت اليها ليرى الذهول متجسدًا على ملامحها ،ابتسم على استحياء وهو يخفض نظره بعيدًا عنها لتهمس بصوت أبح : لا أصدق أنك يا ابن الوزير من تتحدث أمامي بتلك الطريقة.
لمع الاحمرار بوجنتيه وهو يبتسم باتساع : ما به ابن الوزير ؟
رفعت حاجبها وهي تنظر له بدهشة والتساؤل يلمع بعينيها وهي تقول بنبرة متشككة وعدم التصديق يعتلي ملامحها بقوة : أتريد أن تخبرني وائل بأنك فعلت كل ذاك.
قال بتعجب : ولمَ لا ؟!
أتبع بثقة : بل أكثر منها بكثير فاطمة.
قالت وهي تشيح بيديها والاستنكار يلمع بحدقتيها : أنت ابن الوزير عاصم الجمال ، تناولت الفول من العربة وركضت على كورنيش النيل.
هزت رأسها بعدم تصديق ليستحثها على المتابعة وهو يهمس بتعجب: حسنًا.
زفرت بقوة وهي تنظر له غير قادرة على إيصال ما بداخلها له ليضحك هو بضحكته العميقة الآسرة ويتبع بنبرة ساخرة: اه فهمت ، لابد أن يكون متكبر مغرور أحمق ، يشرب المياه المعدنية ويركض بنادي الجزيرة ، يرتدي ملابسه استيراد الخارج وبالطبع لا يأكل الفول بل يتناول الجمبري المستورد من فرنسا ،
هز كتفيه بعدم معرفة وهو يتبع : لا أعلم لماذا الجمبري خاصة ما يقومون باستيراده ، رغم أن البحر الأحمر لدينا يخرج أفخر أنواع الجمبري.
ضحكت برقة فقال : ابن الوزير كما هو ابن وزير ولكنه مصري بأول الأمر وآخره تامي.
قالت بشقاوة والحماس يتقد بعينيها : إذًا سأترك لك نفسي وأريد أن أصبح مصرية أنا أيضًا ، وأول شيء أريده أن اتناول الفول من العربة.
ضحك بقوة وقال : أنها أمنية بسيطة جدًا يا فاطمة ، سأصحبك لهناك يومًا بعد انتهاء رمضان .
صاحت بحماس : يس.
أتبع بضحكة عميقة اطارت بصوابها وهو يهز رأسه بالموافقة و يقول بحماس : ولكن قبل وجبة الفول التي تشتقينها لتلك الدرجة، سأدعوك بأول أيام عيد الفطر على أكلة فسيخ ستتسبب لك بنزلة معوية
ضحك بقوة وهو يرى عيناها تتسع رعبًا وتقول بخوف فطري : لا شكرًا سحبت عرضي.
ضحكت معه بانسجام وهي تشعر بالألفة تزداد بينهم ليصدح أذان الفجر مدويًا من حولهم تنحنح بحرج وهو ينظر لها متسائلاً ويقول : ماذا ستفعلين الآن ؟ فوالدك سيخرج للصلاة قريبًا .
كحت بخفة لترفع رأسها في كبرياء رسم البسمة على شفتيه وقالت : لا شيء.
أتبعت وهي تفتح الباب : اذهب أنت وأنا سأتصرف .
قبض على كفها مرة أخرى ليقول : لا طبعًا سأذهب معك لن أتركك الآن.
زمت شفتيها لتقول بهدوء : لا وائل ليس عليك فعل ذلك فأبي عندما يغضب بتحول لشخص آخر بعيدًا تمام البعد عن الدبلوماسي المعروف.
ابتسم بخفة وقال : لا تقلقي ثم يجب علي هذا ، أنا لست صديقك ، أنا خطيبك وإذا كان هناك من يستحق اللوم فهو أنا.
أشار لها برأسه للخروج وقال : هيا أمامي ولا داعي للخوف وأنا بجوارك.
هزت رأسها بغرور وقالت : فاطمة الخشاب لا تخاف.
ضحك باستمتاع وقال : هذه هي الروح المطلوبة ، هيا بنا.

***

غمغمت بنعاس فعلي : خالد.
ابتسم بهدوء وهو ينظر إليها بعشق وهمس بجانب أذنها وهو يضعها بفراشهما : نعم حبيبتي.
رمشت بعينيها وقالت : هل أتت السابعة ؟
ابتسم بخفة وقال : لا لازال الوقت باكرًا فالفجر أذن منذ دقائق سأستحم وأذهب للصلاة ، اخلدي للنوم أنت وأنا سأوقظك للدواء لا تقلقي.
غمغمت بكلمات غير مفهومة وهي تندس بين الأغطية وتتمسك بوسادتها وتضع ذراعها تحت رأسها كعادتها وتسقط في سبات شعر به.
تنفس بعمق وهو يزيح خصلات غرتها من على جبينها مبعدها للخلف ليقبل رأسها وينهض ذاهبًا لغرفة الملابس.
أنهى حمامه ووقف يرتدي ملابسة بهدوء خيم عليه ، رش بعض قطرات من عطره المفضل ليمرر كفيه بخصلاته السوداء في طريقة عشوائية أدت إلى تصفيف شعره بطريقته المثلى ابتسم وهو يحاول أن ينحيها بعيدًا عن عقله حتى يستطيع التركيز فيما هو قادم ، لتتسع ابتسامته رغمًا عنه ، عض على شفته السفلى بقوة وهو يهمس داخليًا " أفق خالد فهم يحتاجونك بكامل تركيزك الآن"
تنفس بعمق ليضيق عينيه وهو ينظر لتلك الحقيبة القابعة في الظلام ، لا يعلم سر إتيان منال بها فهي لم تفرغها بعد ، زفر بقوة وهو يحدث نفسه : أنها قديمة أيضًا ، من الواضح أنها تحمل بعضًا من أشيائها الخاصة.
تحرك باتجاهها دون وعي منه وفضوله يصل لذروته ، ليجلس القرفصاء من أمامها ويضعها بشكل مناسب ثم يقوم بفتحها.
اتسعت عيناه بذهول وهو يرى تلك الدفاتر القديمة المزيلة باسمها من الخارج ،ابتسم وهو يقلب بهم ليجدهم يخصون دراستها الجامعية.
يعلم هو أنها تحب الاستذكار بطريقة قديمة جدًا فهي إلى الآن تفضل الورق والأقلام على جهاز الحاسوب الشخصي!
ضحك بخفة ليرمش بعينيه وهو ينظر إلى حقيبة قماشية زرقاء تستخدم في الرحلات الاستكشافية تقبع متوارية خلف تلك الأكوام من الدفاتر.
ازدرد لعابة ببطء وهو يسحبها للخارج بعدم تصديق ليتأكد عندما وضعها أمام عينيه أنها تخصه!
علا صوت الأذان الثاني من حوله ليطبق فكيه بقوة ويعاود غلق الحقيبة بعد أن أعاد ترتيبها سريعًا ليحمل حقيبته ويتحرك للخارج
يريد أن يعلم سر وجود تلك الحقيبة بأشيائها القديمة الخاصة وكيف حصلت عليها
زم شفتيه بصيق وقال بخنقة سيطرت عليه : ألا يأبى ذاك الماضي أن يموت؟!

***
ابتسم بتوتر وهو ينظر لسيادة السفير الذي ينظر إليه بتفحص أثار ضيقه ليهمس مستطرد : أعلم عمي أنه كان تصرفًا متهورًا مني ولكن أرجو المعذرة فهو لن يتكرر بإذن الله.
لوى سيادة السفير شفتيه بنزق لتهمس فاطمة بخفوت : المعذرة بابا ولكني لم أشأ أن أوقظك لأخبرك أني سأرافق وائل في تناول السحور بالخارج ، وجدته أمر طبيعي وخاصة بعد أن أعلنت خطبتنا.
هز رأسه بتفهم ليقول : حسنًا فاطمة اذهبي لغرفتك وتناولي قسطًا من النوم.
تبادلت النظرات مع وائل ليتبع أباها بأمر صارم : هيا فاطمة تحركي. .ط
قفزت واقفة وهي تنظر لوائل الذي بدا اللون الأحمر يزحف لاذنيه لتقف من خلف أباها وتبتسم له بشقاوة وتحرك شفتيها : أردت اللوم فلتحصل عليه وحدك.
كتم ابتسامته بقوة لتتبع بابتسامة لعوب : سويت دريمز بيبي.
كح بلطف ليطرد تلك السعادة التي تجبره على الشعور بها ثم نظر لها بقوة وأشاح لها برأسه أن تذهب ،انتفض بخفة عندما صاح والدها بغضب : فاطمة.
تحركت سريعًا وهي تركض للأعلى وصوت كعبيها يدقان الأرض ، مرر كفيه بوجهه ليمسح تلك الابتسامة البلهاء التي زينت شفتيه وهو يراها تركض مسرعة كطفلة صغيرة تخشى العقاب ، شعر بالتوتر يخيم عليه قويًا وهو يرى نظرات سيادة السفير الغاضبة كح بلطف وقال : أرى أنك غاضب عمي.
فقال سيادة السفير بحدة ذكرته بوالده : نعم لم أتوقع منك أن توافق طيشها يا باشمهندس.
هم بالحديث ليقول سيادة السفير آمرًا وهو يشيح له بيده أن يصمت : ليس الآن تعال معي حتى لا تفوتني الصلاة في الجامع القريب.
نهض واقفًا ليتبعه هو بدوره ، زحف التعجب على وجهه عندما توقف سيادة السفير ويساله : ألا تريد الذهاب للصلاة ؟!
ابتسم بهدوء وقال : لا عمي سأرافقك للصلاة.
قال سيادة السفير بهدوئه المعتاد : حسنًا هيا بنا.

***
أنهى صلاته في خشوع ليسمع صوته المعتاد يهمس بجانبه : حرمًا يا خواجة.
ابتسم بهدوء وقال باعتياد : جمعًا بإذن الله.
ضحك جاك بهدوء وقال : حسنًا مقبولة منك خالد.
ابتسم خالد بهدوء وهو ينظر لذلك الصليب الذي يزين صدر جاك دائمًا وقال : هل بدلتم موعد المقابلة ؟!
هز جاك رأسه بالإيجاب وقال : ذلك الأحمق الذي يراقبك توقف عن تتبعك عند ذهابك للصلاة فأنت تداوم عليها تلك الأيام في المسجد ومن الواضح أنه ضاق بذلك الأمر.
همس خالد مؤكدًا وقال : نعم خاصة صلاة الفجر فهو يكون نائمًا.
أتبع بدهشة : لا أعلم كيف يستخدمونه وهو بذلك الحمق.
ضحك جاك وقال : لا تشغل رأسك بهم ولكني علمت أن من يدير الأمر الآن ليس على دراية بكل الأمور لذا فكرت في أن تتم المقابلة بعد قليل.
أكمل وهو ينهض من جانبه : يوجد باب أخر من الاتجاه المخالف سأنتظرك بسيارتي عنده لأخذك لهم.
هز خالد راسه بالإيجاب وقال : حسنًا.
بعد خمس دقائق كان يدلف بجوار جاك الذي انطلق مسرعًا وهو يهمس : سجلك نظيف يا خواجة ،
همس متبعًا بصداقة شعت من حدقتيه العسليتين : كيف حالك خالد ؟
هز خالد رأسه بهدوء وقال : بخير والحمد لله.
صمت الآخر قليلا ليقول : والطفلين وفاطمة ؟!
ابتسم خالد رغمًا عنه ليقول بهدوء : جميعنا بخير جاك لا تقلق.
هز جاك رأسه متفهما فأتبع خالد بصوت بارد : منال تبلغك تحياتها.
ابتسم الآخر رغمًا عنه وخالد يتبع : أنا أخبرتها أن الفانوس الكبير هدية منك.
ضحك جاك بخفة وقال : حقًا ، هل أعجبها ؟!
رفع خالد رأسه بصرامة تجسدت بملامحه : نعم ولكننا تركناه ببيت السفير
التفت لينظر إليه ويقول بجمود : فأنا أتيت لها بأخر وضعته بمنزلنا الجديد.
رمش جاك بعينيه وقال : طبعًا.
أكمل بصوت هادئ : من المؤكد أنها سعدت به فكل ما تفعله أنت يسعدها خالد.
قال خالد بثقة : بالتأكيد.
توقف جاك عند مبنى غير معلوم الهوية مكون من طابقين يشبه الفيلا ولكنه ليس كذلك وقال : هيا تعال.
ارتجل خالد بهدوء وهو يتأكد من وضعه سلاحيه ليتحرك خلف جاك بخطوات واثقة ورأس مرتفع
دلف إلى المبنى ليرفع حاجبيه بتعجب وهو يرى أن المبنى من الداخل مكتظ بالحركة ، وهو يرى أولئك الشباب من حوله.
همس جاك له وهو يشير لبعض منهم بالتحية برأسه : لا تتعجب أنهم المجموعة المكلفة بمراقبتك.
دق جاك احدى الأبواب ليسمع صوت يسمح له بالدخول ففتح الباب وسمح لخالد بالمرور قبله ثم تبعه وأغلق الباب من خلفه.
ابتسم خالد وهو ينظر لذاك الرجل ذو الوقار والهيبة وهو ينهض واقفًا ويبتسم له بدوره ويمد يده ليصافحه ويقول : أخيرًا سنحت لي الفرصة بمقابلتك خالد.
قال خالد بهدوء : مرحبًا سيدي .
أشار له الرجل بالجلوس لينتبه خالد لذلك الواقف بجوار النافذة فهز له رأسه بالتحية ، تقدم الآخر منه وهو يقول : مرحبًا خالد بك.
قال خالد وهو يدير عينيه عليه : مرحبًا.
ابتسم جاك وقال وهو يجلس بالكرسي مقابلا له : السيد رؤوف
أشار لذاك الشاب الواقف من ورائه : والسيد حسام.
هز خالد رأسه بالتحية مرة أخرى ليقول حسام : وأنت أشهر من نار على علم كما نقول ، خالد بك سليمان سررت بالتعرف عليك.
قال خالد بنبرته الرخيمة : أنا الآخر سعدت بمقابلتكم.
قال السيد رؤوف بهدوء : أنت بالطبع لا تعلم سبب المقابلة
قال خالد وهو ينظر إليه وحدقتيه تتزين بلون أزرق صاف : بلى أعلم.
همس متبعًا : أمير.
تألقت عينا السيد رؤوف بالإعجاب ليقول حسام وهو يتحرك ويقف خلف رئيسه : إذًا ما سمعناه عنك كان حقيقًا.
ابتسم خالد ابتسامته الجانبية وقال بمكر شع من حدقتيه وهو ينظر لجاك : هذا يتوقف على ما سمعتموه.
ضحك السيد رؤوف بهدوء وقال : ما سمعناه كثير خالد ولكن الآن دعنا نهتم بالمستجد لدينا.
رفع خالد رأسه باهتمام والسيد رؤوف يتبع : بالفعل نحن نريد حماية أمير
عقد خالد حاجبيه وقال : ممن!
أتبع سائلاً : كيف توصلوا له ؟
تنفس جاك بعمق ليقول : من أخر شخص تتوقعه خالد!
قال والغضب يكتنف حدقيته : ولكنه مات ، لقد قتلته .
قال جاك بجدية : اه نعم هذا ما ظنناه وخاصة بعد اندلاع الحريق بالمكان ملتهم كل شيء ولكن من الواضح أن هناك من قام بإنقاذه.
أكمل جاك بهدوء : لقد عاد لينتقم من ثلاثتكم.
ارتسمت الحدة على ملامح خالد ليردد : ثلاثتنا.
اردف بتساؤل : من الثالث ؟!
قال جاك بخفوت : فاطمة.
اتسعت عيناه بغضب فعلي حول حدقتيه للأسود وقال : وما شأنه بها ؟
قال جاك بهدوء : اهدئ خالد.
قال السيد حسام وهو يربت على كتف جاك بهدوء : دعني أتولى الأمر من هنا مستر جاك.
ابتسم حسام بهدوء وقال : اعرني انتباهك يا بك

***

نظرت له بدهشة وهي تراه يدلف من الباب المؤدي للحديقة لتقول بدلال وهي تتعلق برقبته : أين كنت حبيبي ؟
ابتسم بهدوء ليضمها إلى صدره ويقبل رأسها : ذهبت لأنظم سير العمل.
أتبع وهو يدفعها للسير معه : أتمنى أن تكوني استيقظت بالموعد.
هزت رأسها بالإيجاب وقالت : نعم في الموعد تمامًا ولكن تعجبت من عدم وجودك.
ضحك بخفة وقال : كان علي انهاء بعض المعاملات بنفسي.
أتبع سائلاً وهو يرمقها بنظرته الجانبية : ما أخبار فاطمة لم تأت منذ أربعة أيام.
ضحكت بخفة وقالت وهي ترفع حاجبيها : ولن تأت اليومين القادمين أيضًا ،
نظر لها بتساؤل فأتبعت وهي تبتسم بسعادة : الباشمهندس عاد من الخارج وبالتأكيد ستنشغل معه.
ابتسم وهو يهز رأسه بتفهم لتهمس هي : ما بك أشعر بأنك مختلف عن البارحة.
ابتسم بهدوء وقال وهو يشير برأسه بدلالة لا شيء: متعب فقط لم أنم جيدًا الليلية الماضية.
برقت عينيه بلون أزرق غني لتبتسم هي بخجل وهي تلتقط تلميحه ، فأتبع وهو ينهض واقفا ويقبل رأسها : سأخلد للنوم قليلاً ، ايقظيني عندما حين موعد الفطور.
قبلت خده بشقاوة وقالت : حسنًا حبيبي نوم العافية.

***

تنفست بعمق مرة أخرى وهي تهمس لنفسها : سيكون كل شيء على ما يرام
رتبت على صدرها بهدوء وأتبعت لنفسها : فقط اهدئي.
رمشت بعينيها وهي تسمع صوت الباب من الخارج لتبتسم بتوتر ثم تلعق شفتيها وتتجه بخطوات بثت بها الثقة على قدر ما استطاعت.
شعرت بالخنقة تمتلكها وهي ترى تلك المرأة التي طالما أثارت خوفها تجلس على كرسي مدولب يدفعها هشام من الخلف وهو يرحب بها بطريقته الحانية
رسمت بسمة خفيفة على شفتيها وهي تقترب منها لتهمس بصوت أبح : مرحبًا بك أمي.
انحنت لتقبل وجنتيها برقة وقالت : حمد لله على سلامتك.
رفعت السيدة فوزية عينيها لتنظر لها بنظرات لم تفهمها هنادي ثم تهمس الأخرى بصوت شديد الخفوت : سلمك الله.
اعتدلت هنادي واقفة لتنظر لزوجها الذي أشار لها بعينيه فقالت بمرح افتعلته : كريم اشتاقك كثيرًا أمي.
قالت السيدة فوزية وعيناها تتظللان بالحزن : وأنا الأخرى اشتقت إليه.
ابتسمت هنادي بطبيعية : سآتي به لك.
أتبعت وهي تنظر لزوجها : هيا هشام اصحب ماما لغرفتها وأنا سأجلب كريم ليرحب بجدته.
ابتسم هشام بطبيعية ليقول : بالطبع سننتظركما بالداخل.
ربت على كتف والدته وقال : هيا أمي.
هزت السيدة فوزية رأسها بانكسار وقالت : هيا بني.
تابعتهما بنظراتها لتشعر بالصدمة تكتنفها وهي تحس بتلك الدمعات التي فرت من ماقيها منهمرة على خديها وهي تشعر بالحزن يعتصر قلبها على تلك السيدة التي لطالما كان كبريائها مصدر اعجاب شخصي لها.
همست بصدق تجسد بملامحها : شفاك الله وعفاك أمي
****
صاحت بحدة وهي تنتفض واقفة : ماذا ؟!
لوى شفتيه باعتراض لتتبع هي بنبرة أكثر حدة وغضب لاح على وجهها : ماذا تقول يا شقيقي العزيز ؟ أعتقد أني لم أفهم ما تخبرنا عنه ؟
أتبعت بسخرية وهي تنظر إليه بشراسة : هل سمعت ما تفوهت به حالاً أم كنت أحلم وأنا مستيقظة وعيناي مفتوحتان على وسعهما!
زفر بغضب اشتعل بمقلتيه وقال بلهجة قوية : لا داعي للسخرية إيناس ، أعتقد أننا أصبحنا كبارًا لنتجاوز أسلوب الصغار هذا ونتكلم بالعقل.
صاحت بغضب وهي تشيح بيديها : أي عقل ، هل تركت لنا عقل نفكر به وأنت تخبرنا أنك تريد أن تتزوج من ابنة السائق.
قبض فكية بقوة وهو يرفع عينيه في نظرة محذرة شرسة في نفس الوقت التي صاحت به أمها بلهجة تحذيرية وقالت : إيناس .
عقدت ساعديها أمام صدرها ورفعت نظرها لوالدتها وقالت : لن أصمت أمي ،
أعادت بصرها لشقيقها وقالت بلهجة قاطعة : لست موافقة على تلك الزيجة يا أخي العزيز فتلك الفتاة لا تناسبك.
زفر بقوة وقال بمهادنة : تلك الفتاة تربت هنا ببيتنا كنتما تلعبان سويا.
ضيقت عينيها بشراسة ورفعت رأسها بكبرياء وقالت : لم نلعب سويًا أبدًا بلال ،
حرك رأسة بعدم أمل فأتبعت بغضب : ألم تسأل نفسك مرة واحدة لم كانت تبتعد عن محيطنا وتفضل الجلوس صامتة رافضة الحديث أو اللعب معنا ؟!
رفع رأسه لها باستفهام لتقول بسخرية تجلت بحدقتيها وهي تلوى شفتيها عن ابتسامة متهكمة : لأنها كانت تعلم جيدًا مقدارها وأنها لن ترتقي إلى مستوانا الفكري أو الاجتماعي بلال
أشاحت بيديها وهي تنظر إليه بمقلتين متقدتين من الغضب : لتأتى أنت الآن وتريد أن تحملها لبيتك زوجة لك.
أردفت بانفعال : تفضل تلك الفتاة عن ابنة عمتك التي تناسبك بطريقة مثالية.
انتفض واقفًا أمامها ليصرخ بحدة : كفي عن زجها بالحديث كلما تكلمنا سويًا.
أتبع وهو يقترب منها وينظر إلى عمق عينيها : اعلمي جيدًا أن سوزان أصبحت خارج حياتي ، نحن قررنا ذلك سويًا فهو الأفضل لكلانا.
صاحت به بشدة : أعيدها إليك وتوقف عن حماقتك بلال.
احتقن وجهه غضبًا وصاح بعنف : لا أريد.
ارتدت للخلف خطوتين وكلاً منهما ينظر إلى الآخر بغضب عاصف ويلهث بحدة تشنج لها جسديهما ، أشاح بنظره بعيدًا عنها لترمش هي بعينيها وتقول :إذًا لا تشغل رأسك بموافقتي من عدمها بلال ولا تنتظر مني أن آتي معك ، فأنا سأؤازر ابنة عمتي وسأكون معها وأنت أعتقد أنك ستكتفي بوجود ليلى وأمي بجوارك.
نظر لها بعتب وقال لائمًا : ستتخلين عني من أجل ابنة عمتك إيني.
رفعت رأسها بكبرياء وقالت بشفتين مرتجفتين : بل من أجل سوء اختيارك بلال ، أنا مقتنعة أن تلك الفتاة ليست مناسبة لك ولا لعائلتنا ، أنها لا تنتمي لعالمك ولن تستطيع التأقلم معه.
لفظت أخر كلماتها لتدور على عقبيها وتغادر مسرعة إلى غرفتها ، تنهد هو بمرارة شعر بمذاقها قويًا بحلقه ،ازدرد لعابه ببطء شديد آلمه ثم التفت ينظر إلى ليلى ووالدته اللتان كنفهما الصمت ليقول بصوت خافت : هل ستأتيان معي أم ستحذوان حذو إيناس ؟
زفرت والدته بقوة وقالت : أنت تعلم أني سأكون معك دائمًا وأبدًا بني ، كل ما أفكر به فقط كيف سأبلغ عمتك أني سأذهب لأخطب لك فتاة أخرى غير ابنتها.
أطبق فكيه قويًا ليقول بصوت محشرج : لا تقلقي أمي اعتقد أن ابنتها أبلغتها أن لا مستقبل لنا سويًا.
هزت والدته رأسها بعدم رضى لتقول بتفهم : الخيرة فيما اختراه الله بلال.
عاود النظر إلى ليلى ليسألها بهمس : وأنت ليلى ؟
نظرت إلى عينيه لترى الاستجداء مرسوم بهما يتجسد على وجهه فيرجوها أن لا ترفض ، يرجوها أن تكون بجواره .. معه .. تؤازره أمام الجميع .. وأمام نفسه أيضًا .
ابتسمت وعيناها تحثه على الاطمئنان لتقول برقة : ليس لدي خلفية عن تلك الفتاة التي عادتها إيني منذ أن نطقت أنت اسمها ، ورغم أني كنت أفضل ارتباطك بسوزان إلا أني سأدعم موقفك مهما يكن بلال.
زفرة ارتياح نتجت منه وهو يقترب ويجلس بجانبها ليكتنف كفيها ويقبل رأسها بأخوة صادقة جعلت عينيها تدمعان بحنو وهي تضغط على كفيه برقه كحت بلطف لتتبع بهدوء : ولكن دعمي لك لا يمنع أن انصحك أخي ، فأنا لا أعلم هل أنت لم تفكر بذاك الأمر أم فقط تتجاهله ؟
نظر لها بعينين متسائلتين لاح بهما خوفه الدفين مما ستقوله ولكنها تجاهلت نظراته وقالت بصوت خافت : هل استطعت اقتلاع سوزان من داخلك؟
شحب وجهه لتتبع بهدوء : حبك لسوزان ولد معك بلال ، فأنتما ليسا قريبان تحابا ، لا أنتما حبيبان منذ نشأتكما الأولى ، لقد نقشت سوزان بقلبك حينما وقع بصرك عليها للمرة الأولى ، أحببتها منذ أن رأيتها

فهل ستستطيع أن تهزمها بداخلك ؟
أشاح بوجهه وهو ينظر لنقطة ما بعيدًا عنها ويزدرد لعابة قويًا فربتت ليلى على كتفه وقالت : إذا لم تستطع ذلك بلال فلا داعي لان ترتبط بأخرى تظلمها معك ،لأنك لن تستطيع أن تحبها ولو بمقدار ذرة صغيرة ، لن تنظر إليها بتلك النظرات الشغوفة التي تتابع بها ابنة عمتك والتي كنت في عز خلافكما معا عندما تطل تلمع عيناك بألق لم أراه أبدًا في حدقتيك.
أردفت بألم : لا تظلم الأخرى معك بلال ، فأنت لا ترضها لأي منا ، أليس كذلك ؟
رفع نظره لأمه التي أومأت له وهي تحثه على التفكير في حديث ليلى ليزفر بقوة ويهمس بإصرار : لن أظلمها ، وما بيني وبين سوزان انتهى للأبد.
ضغطت على كتفه برفق وقالت : حاول إصلاح الأمور بلال بدلاً من أن تهد المعبد فوق رأسك.
رفع رأسه بكبرياء وقال : لقد هد وانتهى ليلى وأنا أريد البناء من جديد فأرجو أن لا تثبطوا عزيمتي.
ابتسمت ليلى برقة وقالت : حسنا أخي سندعمك إذا أردت دعمنا.
ابتسم بامتنان لتردف هي بهدوء : ولا تشغل رأسك بايني سأتحدث معها وأنت تعلم إيناس ترضى سريعًا وتعود لقواعدها سالمة.
همس بصوت محشرج : لا لا تتحدثي معها واتركيها فابنة عمتها ستحتاج دعمها الآن.
ابتسمت ليلى بخفة وهي تنظر إليه بنظرات يعلم معناها جيدًا فأشاح برأسه بعيدًا عنها لتنهض واقفة وتقول برقة : حسنًا أخي ، عندما تحدد موعد زيارتك للعروس أبلغني من قبلها لأرتب أموري فأنت تعلم تجهيزات الزفاف تشغل كل وقتي.
هز رأسه بالموافقة لتحمل حقيبتها وتنحني وتقبل والدتها وتقول : سأذهب أنا.
عقد حاجبيه وقال سريعًا : إلى أين ؟
قالت وهي تحمل حافظة حرارية متوسطة الحجم : سأقابل أمير بالأسفل بدلاً أن يصعد إلى هنا ، فنحن مدعوان للإفطار عند ياسمين.
رمشت عينه اليسرى بطريقة متتابعة لتزفر هي بهدوء وتقول :لقد أخبرتك البارحة.
هز رأسه بتفهم وقال : اه نعم تذكرت.
تنفس بعمق ليتبع بحدة وابتسامة ساخرة : ولمَ تنزلين بمفردك ألن يصعد سيادة الرائد لاصطحابك من هنا ؟!
زمت شفتيها بضيق وقالت : بلال أنا لست راضية عن طريقتك تلك أرجوك لا تغضبني ثم أن سيادة الرائد لم يقترح علي ذلك أنا سأفعله بمفردي ،فليس من العدل أن يصعد للدور الثامن وهو صائم ليصحبني للأسفل مرة أخرى!
اتكأ بلا مبالاة وقال بسماجة : سيستقل المصعد ليلى.
زفرت بنزق تلك المرة وقالت بحدة والغضب يرتسم بوجهها : المصعد معطل بلال وأنت تعلم ذلك جيدًا.
ابتسم بسماجة فنظرت له باستهجان وهو يقول باستهزاء تلبسه : أعتقد أنه مدرب على ذلك ليلى لا تخشي عليه من صعود السلم.
تألقت عيناها بغضب وهمت بالرد لتتدخل والدتهما وهي ترمقه بحدة وتقول : دعها وشأنها بلال ولا تتدخل بينها وبين زوجها من فضلك.
قالت ليلى بضيق وهي تتجه للباب : سلام ماما.
فتحت الباب لتشهق بمفاجأة وينقلب ضيقها لسعادة وهي تراه واقف بطوله المهيب وطلته الملكية الفخمة يبتسم بهدوء كعادته وعيناه تتألق بضحكته الماكرة قال بصوت خافت : مرحبًا حبيبتي.
ابتسمت باتساع وهي تقول : تعال أمير ، لقد صعدت قبل أن أتحرك أنا من هنا.
ابتسم بخفة وقال : لمَ كنت ستنزلين بمفردك لم نتفق سويًا على ذلك.
تنهدت بقوة وهي تسمح له بالمرور من الباب ، صمتت لتدع له المجال يسلم على والدتها وأخيها ، ابتسم باتساع وهو يتجه لوالدتها وينحني مقبلاً رأسها : كيف حالك أمي ؟
ابتسمت السيدة ماجدة بود وربتت على كفه بحنان وقالت : بخير حال بني.
اعتدل واقفًا ليبتسم بهدوء ويقول : مرحبًا يا بك.
ابتسم بلال من بين أسنانه ونهض بهدوء ليصافحه ويقول بضيق لم يستطع اخفائه : أهلاً يا بك.
ردت ليلى وهي تقف بجانبه بعد أن أنهى مصافحته لبلال : أشفقت عليك من الصعود فأنا استطيع النزول بمفردي.
لمعت عيناه ببريق عسلي فياض وهو يلتفت إليها ويبتسم بمكر ورد وجنتيها ليقول بصوت طبيعي حسدته عليه : أتيت لأعطي لوالدتك الدعوات كما اتفقت معها البارحة.
هزت رأسها بتفهم ليناول هو السيدة ماجدة حقيبة أنيقة بيضاء حوافها من الذهبي نظرت لها ليلى بانبهار وقالت : أتلك الدعوات ؟!
هز رأسه بالإيجاب وقال : نعم كما انتقيتها تماما.
صفقت يديها بمرح وقالت : رائعة أمير ، لم أتخيل أن تُنفذ كما طلبتها.
ابتسم بخفة وقال وهو يغمز لها بعينه : ألم أقُل لك عليك أن تحلمي فقط حبيبتي.
تنحنح بلال بقوة ليبتسم هو من بين أسنانه ، ويتبع : حسنًا ، هيا بنا حتى لا نتأخر
قالت ليلى سريعًا : حسنًا ، فياسمين تتصل بي منذ ساعة وتصيح بي أني تأخرت عليها.
ابتسم بمكر وهمس لها بعتب : آها علمت الآن سر حماسك ، أنها ياسمين ولست أنا.
ابتسمت ووجنتيها تتوردان بحرج وقالت بهمس مشابه : لا والله كنت بالفعل مشفقة عليك من الصعود إلى هنا دون استخدام المصعد.
همس بخبث تألق في عينيه : من أجلك أفعل أي شيء ليلى.
قال بصوت هادئ وهو يلتفت لماجدة هانم وبلال : بعد اذنكم.
تحرك باتجاه الباب لتحمل ليلى الحافظة مرة أخرى فينظر لها بتعجب ويقول : ما هذا ؟!
ابتسمت بفخر وقالت : هذا محشي ورق العنب الذي طلبته أنت وأيدك وليد يوم دعوة الإفطار عند عمي
ضحك بقوة وقال : لأول مرة أرى أحدًا يذهب بطعامه ليلى.
زمت شفتيها بطفولية وقالت : أنا مخطئة لأني فكرت بتنفيذ ما طلبته.
ضحك بمرح وهو يكتنف كفها ويرفعها لشفتيه ويقبلها بسلاسة خلق عليها : بل سلمت يداك يا ليلتي.
كح بلال بصوت مرتفع وهو ينظر إليه بغضب تلك المرة لمع بعينيه فابتسم هو بهدوء وهو يواجه نظراته باستفهام ،رمقت أخيها بغضب حقيقي تلك المرة وقالت بصوت مخنوق : سلام ماما.
قال بلال بغضب حقيقي : لا تتأخرا.
هم بالرد لتصيح ليلى تلك المرة بصوت حاد بعض الشيء : سنتسحر بالخارج.
اتسعت عينا بلال برفض تجسد بملامح وجهه فأتبعت : أنا أريد ذلك إذا لم يكن لديك مانع ماما.
أتبعت وهي تستطرد شارحة وتنظر لوالدتها : أنتِ تعلمي أن بقية الشهر لن أكون متفرغة وأنا أريد أن أذهب للحسين واتسحر هناك ونصلي الفجر إذا لم يكن لدى امير مانع.
ابتسم أمير بخبث شديد تألق على محياه وقال وهو يهز كتفيه ببساطة : بالعكس كنت سأقترحها عليكم يومًا فأنا أحب القيام بتلك الطقوس مرة أو اثنين كل رمضان
ابتسمت بسعادة وقالت وهي تنظر إليه بحب لم تستطع أن تخفيه : أعلم أمير.
لمعت الذكرى بعينيه فهو بالفعل أخبرها بذلك في إحدى محادثاتهم عبر الانترنت ، لم يستطع أن يحول نظره عنها وهي تؤكد له بأنها تقصد تلك المرة لينتبها سويًا على صوت بلال الذي زفر بضيق وهو يرد على والدته التي من الواضح أنها ردت بشيء لم يعجب ذلك البلال الغاضب دائمًا
انتبه الى بلال يقول : ولكنها ستعود بعد الفجر أمي ، ماذا سيقولون الناس عنها ؟!
رمقه بتحذير واضح وهو ينظر إليه بنظرات ضائقة تلك المرة وهم بالرد لتقول السيدة ماجدة بصرامة : أنه رمضان بلال والناس تعود بالصباح ، ثم منذ متى تهتم أنت بحديث الناس بني.
نطر له أمير بتحدي ليرفع رأسه هو بتحدي مقابل في حين زفرت ليلى بقوة وهي ترفع رأسها وتقول وعيناها مثبته على أخيها : عندما يسألك أحدًا عن عودتي فجرًا بلال أخبره وأنت تنظر بعينيه أنني كنت برفقة زوجي.
اتسعت عينا بلال بصدمة في حين التفت هو ينظر إليها بصدمة مماثلة ابتسمت بشراسة أثارت دهشتهما سويًا ، دهشة ارتسمت على وجه بلال بقوة وتحولت لضحكة ماكرة بعيني أمير وهو ينظر لها بحب امتزج بخبث عينيه الفطري ويقول : هيا ليلى لقد تأخرنا بما فيه الكفاية.
قالت بلهجة قوية وهي تنظر لبلال بعدم رضى : أراك على خير أخي.
تحركا إلى خارج وهي تسير بجانبه ليبتسم ويقول عندما اقتربا من السلم : هل ضايقك بلال قبل مجيئي ؟
التفتت إليه بدهشة وقالت : كيف عرفت ؟
ابتسم بمكر وقال : من وجهك لقد كنت ضائقة عندما فتحت الباب.
أتبع بمكر : رغم أن وجهك تغير كليًا عندما رأيتني ولكني لاحظت انزعاجك ليلتي.
ابتسم بخجل وقالت : لن أستطيع أن أخفي عنك شيئًا أليس كذلك ؟
ابتسم بخفة وقال : لا أعتقد ولكن حاولي لا ضير من المحاولة حبيبتي.
****
تتحرك بعصبية في غرفتها ، تفرك كفيها ببعضهما بضيق وتجز على أسنانها بغل لم تستطع أن تتحكم به ، لا تعلم ماذا تفعل ولكنها ضائقة فهي تعلم أن والدتها وليلى ستوافقان أخيها الأحمق فيما سيفعله.
شعرت بالغصة تحكم حلقها وهي تتذكر سوزان التي استعادت عافيتها قريبًا لتفكر فيما سيحدث لها عندما تسمع ذاك الخبر المشئوم.
زفرت بقوة وقالت : لابد أن أخبرها فهي ستعلم إن عاجلاً أو آجلًا لابد أن أحثها على أن تعود له وتحاول إصلاح الأمور بينهما.
نظرت إلى هاتفها واتجهت إليه مسرعة لتتصل بابنة عمتها ، وضعت الهاتف على اذنها وهي تستمع إلى الرنين ، تأففت عندما انقطع الرنين دون إجابة من الطرف الآخر لتعاود الاتصال مرة أخرى وهي تنتظر أن تجيبها ابنة عمتها.


***
دمعت عيناها وهي تسجد بخشوع على سجادة صلاتها ، تبتهل لله أن ينزع آلام قلبها ويهديها بدلاً عنها السكينة والراحة ،
تدعو الله أن يزيح تلك الغصة التي تسيطر عليها دائمًا وأبدًا ، تبكي بنشيج خافت وهي تتمنى أن تتوقف تلك الذكريات عن التردد على عقلها ، وخاصة تلك الذكرى التي تنحرها ببطء ، تقتلها بسلاح بليد النصل فيزهق روحها رويدًا ، فتشعر بحلقها يختنق بدمائها المهدورة والتي تتكتل بداخلها فتوهن جسدها دون أن تظهر نافذة بالأفق تعلن عن اقتراب خلاصها.
اعتدلت جالسة لتنهي صلاتها وتنهض واقفة تكمل استغفارها على أصابعها بخشوع ، مسحت دموعها التي تهادت على وجنتيها ، زفرت بقوة وهي تتجه للهاتف الذي توقف عن الرنين ثم عاوده سريعًا ، ابتسمت بهدوء وهي ترى اسم إيني ،فهمست وهي تفتح الخط : أيتها المزعجة ، ألم أخبرك من قبل أن تتوقفي عن متابعة الاتصال حتى لا تفقديني تركيزي في الصلاة.
زفرت إيني بقوة وقالت بصوت مخنوق : أريدك أن تأتي لنا اليوم.
عقدت سوزان حاجبيها وقالت : ماذا حدث إيني هل والدتك بخير ؟!
زفرت ايني وقالت بنزق : نعم نعم كلهم بخير.
عقدت سوزان حاجبيها وقالت بهدوء وهي تخلع حجاب إسدال الصلاة : حسنًا ما الأمر لم تريديني أن آتى إليك ؟
قبضت إيني كفها الحرة بقوة وقالت وهي تطبق فكيها بغضب : استمعي إلي سوزان ، يجب أن تنهي الخلاف الذي نشا بينك وبين أخي الأحمق
أتبعت بثورة : لا أعلم ما حدث بينكما ولكن يجب أن تتخطياه .
تنهدت سوزان بهدوء لتقول بمهادنه وهي تعلم أن وراء غضب إيني الكامن شيء يخص ابن خالها المصون : ألم ننتهي من الحديث في ذاك الشأن إيناس وأنا أخبرتك أكثر من مائة مرة أن ما تتحدثين عنه أصبح مستحيل الحدوث.
قالت إيني : ولكن سوزي..
قاطعتها سوزان بصرامة شعت من صوتها : لا يوجد لكن إيني أنت بنفسك حضرت تلك المشاجرة بيني وبين والدتي عندما أخبرتها أن زواجي من بلال أصبح أمرًا مستحيل الحدوث ، لماذا الآن تعودين للتحدث بذاك الأمر ؟!
قالت إيني بغضب اشتعلت له مقلتيها : لأنه سيتقدم لخطبة أخرى.
اهتزت وقفتها لتعود بخطوات قليلة فتصطدم بحافة الفراش من ورائها فتجلس بتعب وتهمس بصوت أبح : حقًا ؟!
أتبعت بصوت أكثر ارتفاعًا : زواج مبارك إن شاء الله.
اتسعت عينا إيني بصدمة لتصيح بعدم تصديق : لا سوزان لا تخبريني أنك ستتركينه لتلك الأسماء.
رمشت بعينيها وهي تبتلع تلك الغصة التي تكومت بحلقها لتزفر ببطء وتقول بصوت أكثر صلابة : أسماء أو غيرها إيني لن تحدث فارقًا فأنا تركته وانتهى الأمر.
دعكت إيني جبهتها لتقول بصوت أبح : حقًا سوزان ، أنت لا تمزحين أليس كذلك ؟
هتفت بعنفوان شع من مقلتيها : لا أمزح إيني فتباركي لوالدتك عني العقبى لك حبيبتي.
جزت إيني على أسنانها بقوة وقالت : حسنًا ،على راحتك يا ابنة عمتي.
همست سوزان بحنو : لا تغضبي إيني وأعلمي أني راضية بما يكتبه الله لي ، الحمد لله على كل شيء.
رددت إيني بتلقائية : الحمد لله ولكن..
قاطعتها سوزان بهدوء : لا يوجد لكن إيني ، تقبلي الأمر حبيبتي.
تمتمت إيني بخفوت : سأحاول.
تنفست سوزان بقوة وقالت : حسنًا اهدئي إيني وكوني بجانبه فيما سيقوم به.
همست إيني بصرامة : لا لن ادعم موقفه سوزي ، فأنا لن أرضى بتلك الأسماء زوجة لأخي مهما حدث.


***
اتسعت ابتسامتها وهي تضع قرطها اللؤلؤي بأذنها وقالت بحماس : لم أصدق أبي عندما أخبرني أنك ستأتي عصرًا لتصحبني للفطور.
أتبعت بمرح : توقعت أن يفسخ الخطبة بعد ما حدث صباحًا.
جلجلت ضحكته قويًا ليقول : لا تامي لم يفعلها ، لن أنكر أنه أسمعني ما لم اتخيله يومًا ولكنه وافق عندما أخبرته أن من الطبيعي أن نتقابل كثيرًا في فترة الخطبة حتى نتعارف أكثر ونتواصل سويًا.
أتبع بعد أن زفر مطولاً : ولكن بعد أن حذرني أن لا أتبعك في تصرفاتك الطائشة.
لمعت حدقتيها بشراسة توقعها فابتسم بمكر وهو يردف : أعتقد أن أباكِ لم ينطلي عليه أنني من الحيت عليكِ للخروج لي بعد منتصف الليل.
قال بابتسامة خبيثة تألقت بحدقتيه : في الأخير هو يعرف ابنته.
قالت بفحيح غاضب وعيناها تضيق بتوعد : ماذا تقصد ؟
ابتسم بهدوء وقال : لا شيء تامي هيا لا تتأخر فأنا أنتظرك بالأسفل.
زفرت بقوة لتغلق الهاتف دون أن تضيف كلمة واحدة.
اتسعت ابتسامته وهو يتأمل خطواتها الواثقة ، تمشي بخيلاء خلق لها هي لم ير أنثى أخرى تسير بذاك الدلال الممزوج بكبرياء شع بصوت كعبيها اللذان يدقان الأرض بنغمة متتالية ذات رونق خاص بمشيتها
أخفض بصره ليزفر قويًا وهو يتمتم بالاستغفار ويهمس : توقف عن النظر لها وأتم صيامك على خير اليوم.
صافحته كعادتها وهي تلامس كفه بأطراف أناملها في طريقة يكتنفها الكبر ليبتسم هو وهو يرى الغضب يعتلى ملامحها فهمس بخفوت : الجميل غاضب إذًا ؟!
رفعت عينيها وهي تنظر له بحدة : ماذا ترى يا باشمهندس.
فتح باب السيارة ليشير إليها بالدخول ويقول : الباشمهندس سيمتنع عن الإجابة إلى أن يؤذن المغرب فهو يريد الحفاظ على صيامه.
توقفت عن الدخول وقالت وهي تنظر لعمق عينيه : ماذا تقصد ؟!
تنفس قويًا وهو يبتعد عنها خطوتين للخلف ، فنظرت له هي بدهشة وهي تتعجب من خفضه لبصره عنها ، قال : ما رأيك أن نؤجل ذلك النقاش لبعد المغرب.
ابتسمت بادراك وقالت وهي تضحك بخفة : أنت خائف أن ترتكب فعلاً يفسد عليك صيامك.
أشار لها برأسه بالإيجاب وهو يقول : جود جيرل.

ابتسمت بشقاوة وقالت : حسنًا يا باشمهندس موافقة.
ابتسم وقال : أشكرك يا خطيبتي المصون.
أغلق الباب ليصله صوتها المتقد بالإثارة : إلى أين سنذهب ؟
لمعت عيناه وقال بمكر : مفاجأة
أتبع وهو يدير السيارة : ألم نتفق على أنك ستتركين نفسك لي ؟!
هزت رأسها بالإيجاب ليقول وهو ينطلق بقوة كعادته : حسنًا سأذهب بك لمكان سيعجبك كثيرًا.
صاحت بحماس كعادتها : يس.

****
ماذا بكِ سوزان ؟
نظرت لوالدتها باستفهام فأتبعت أمها بهدوء : أشعر بأنك ساكنة على غير العادة.
ابتسمت بهدوء وقالت : لا شيء أمي ، أفكر أن أذهب للتسوق في الغد مع إيني وليلى لأنتقي فستان الحفل الخاص بزفاف ليلى.
أتبعت بترقب وهي تنظر لوالدتها بطرف عينها : ولأنتقي طقمًا آخرًا للخطبة القريبة.
عقدت والدتها حاجبيها وقالت : أية خطبة
أتبعت باستفهام : هل ستخطب إحدى صديقاتك ؟
تنفست بقوة وقالت: لا ماما بل خطبة بلال.
خيم الذهول على وجه أمها لتردد بخفوت : خطبة بلال ؟!
اتسعت عيناها بإدراك وقتي وهي تقول : هل سي
قاطعتها سوزان بهدوء : سيذهب ليخطب فتاه أخرى أمي.
احتقن وجه والدتها بالغضب لتمسك هي بيدها القريبة وتضغط عليها برجاء وتتبع : أرجوك أمي لا تغضبي ، أتوسل إليك ألا تتخذي أي ردة فعل تنشأ قطيعة بينك وبين الخالة ماجدة ،
تنهدت بعمق وقالت : أنا وبلال اتفقنا أمي على الابتعاد لم يتركني هو بل أنا من تركته ماما وعليه فله أن يستكمل حياته. 
أطبقت والدتها فكيها بقوة لتقول : وكيف لم تخبرني ماجدة ؟!
قالت سوزان بمنطقية : إيني أخبرتني قبل الفطور بوقت قصير لم يكن لديهم علم بما يريده من قبل
أردفت بهدوء : من المؤكد أن خالتي لم تشأ اخبارك حتى لا تغضبي.
رمشت والدتها بعينيها سريعًا لتكمل هي : أمي هل يهمك شيئًا آخرًا غير سعادتي.
نظرت لها والدتها بعتب وقالت : لا طبعًا.
ابتسمت هي بطبيعية : أنا سعيدة هكذا ، عندما تخبرك زوجة خالي بخطبة بلال باركي لها وتعاملي مع الوضع بطبيعية على قدر المستطاع.
نظرت لها والدتها برقة لتقول : كما تريدين حبيبتي.
أتبعت والصلابة ترتسم على وجهها : ولكن حان الوقت لتستلمي إرث والدك من الشركة.
عقدت سوزان حاجبيها لتتبع والدتها بصرامة : لا أريده أن يدير لنا أموالنا أنت أصبحت فوق السن القانوني لتديري ارثك بنفسك.
ضغطت على كف ابنتها بقوة وقالت تريدين رضائي عليك فلتذهبي إليه وتطالبين بحصتك في الشركة فأنت أولى بإدارتها عنه.

***

ابتسمت وهي تنظر لابنة عمها ترص الأطباق في غسالة الأطباق فضحكت بخفة وقالت : لم أتخيل أبدًا أن أراكِ  ياسمين وأنت تعملين بهمة هكذا.
نظرت لها ياسمين بعتب وقالت: توقفي عن السخرية مني.
اقتربت ليلى لتحتضن كتفيها بأخوة وقالت : لا اسخر منك حبيبتي بل معجبة بم أصبحت عليه.
لكزتها بخفة بمرفقها وقالت : أخبريني كيف حالك مع وليد ؟
اشتعل خديها بقوة وهي تبتسم وقالت : بخير ، نحن بخير.
أتبعت بمرح : يثير جنوني في بعض الأحيان ولكن في المجمل نحن بألف خير.
تنفست بقوة وقالت بحماس أشعل حدقتيها : لقد أقنعته أن يتوقف عن التدخين وهو تحمس للأمر وقال " سيعتاد ذاك خلال رمضان."
اتسعت ابتسامة ليلى وقالت : إن شاء الله سيقلع عنها.
غمزت لها بشقاوة وقالت : من أجل ياسمينته سيفعل أي شيء.
ضحكت ياسمين بقوة وقالت : ماذا فعل بك سيادة الرائد ليلى ، لقد تحولت يا ابنة العم لأخرى متقدة بالحماس.
تنهدت ليلى رغمًا عنها وقالت : أمير.
لتقول ياسمين بمرح : يا سيدي .
عبست ليلى بوجهها وقالت بخجل ارتسم على بملامحها : توقفي.
جلجلت ضحكة ياسمين قوية وقالت : أبدًا هيا أخبريني هل انتهى ذاك الأمر الذي كان يحول بينكما.
هزت ليلى رأسها بالإيجاب وقالت : نعم ، الحمد لله .
أتبعت : نحن الآن أكثر قربًا وتفهمًا وهو لا يدخر جهده حتى يراني سعيدة.
قالت ياسمين بابتسامة : تستحقينها حبيبتي.
كحت ليلى بلطف وقالت : ولكن كلما يقترب موعد الزفاف أشعر بالتوتر ياسمين ، وهذا يجعلني أتوقف عن تناول الطعام.
قالت ياسمين بعتب : ألم تتوقفي عن تلك العادة ليلى
أتبعت بترم : وأنا من ظننتك تتبعين حمية خاصة من أجل العرس.
هزت ليلى رأسها بالنفي وقالت : لا أستطيع التوقف عن التفكير في كل شيء.
ابتسمت ياسمين وقالت بنبرة خاصة : أيقلقك أمور الزفاف أم ما بعد الزفاف ؟
احتقن وجه ليلى قويًا لتسعل من لا شيء وتقول بحرج عاتب : ياسمين.
ضحكت ياسمين بخفة وقالت وهي تغمز بعينها : لا تقلقي جميع الأمور ستصبح على ما يرام.
رصت الحلوى بالأطباق وقالت وهي تحمل الصينية الكبيرة نوعًا ما : هيا ولا تخافي ليلى أمير قادر على مواجهة أي شيء وكل شيء.
ارتفع صوت وليد وهو يقول بمرح : كل هذا الوقت لإعداد القهوة ، هل ماكينة صنع القهوة خربت ؟
رفعت ياسمين حاجبيها بنزق وقالت : لا يا باشمهندس.
ابتسمت ليلى وهي تتبعها بهدوء لتضع ياسمين ما بيدها على الطاولة الصغيرة التي تتوسط الصالة وتقول وهي تناول أمير قدح القهوة : كنت أثرثر مع ابنة عمي هل لديك مانع ؟
ابتسم وهو يجذبها من يدها بعد أن تناول قدحه منها لتجلس بجانبه ويقول : إطلاقًا حبيبتي كنت أريد أن أعرض خدماتي في صنع القهوة إذا قبلت سموك بمساعدتي لك.
ابتسمت ليلى بخجل وهي تنظر لأمير الذي أفسح لها مجالاً في إشارة صريحة منه أن تأتي وتجلس بجانبه لتتقد وجنتيها وهي تشير برأسها رافضة ، زم شفتيه بعدم رضى وهي تجلس بالكرسي المنفرد ليقول وليد بمرح وهو يخفض عينيه : لم أقابل أحدًا في حياتي يرفض لك أمر يا سيادة الرائد.
احتقنت وجنتاها بقوة لتشتعل أُذني أمير وهو ينظر إليه بحده وقال بمكر : أصابعك ليست كبعضها وليد.
ضج وليد بالضحك وقال من بين ضحكاته : لن أغلبك أبدًا يا ابن الخيال.
نظر له بثقة وقال : حاول يا صديقي من المحتمل أن تستطع يومًا.
نظرت لهما ياسمين بعدم فهم وقالت : علام تتحدثان أنتما الاثنين ؟!
قال وليد وهو يبتسم بخفة ويجذبها من كتفيها إليه : لا عليك أنا الآخر أثرثر مع صديقي .
لكزته في صدره بمرفقها وهي تنظر له بوعيد ليبتسم أمير بخبث وهو ينظر إليه ، قالت ليلى بصوت أبح والتعجب يعلو ملامحها : كيف أصبحتما أصدقاء ؟!
تبادل الاثنان النظرات لتقول ياسمين بحماس : نعم ، لم تقص لي أبدًا وليد ، كيف أصبحت صديق لسيادة الرائد ؟
قال وليد وهو يشير له بيده : فلتقص يا صاحب الحكاية.
تنفس أمير بقوة وقال وهو يعتدل جالسًا ويمرر سبابته على حافة القدح القهوة بين يديه : لقد تشاجرنا سويًا.
قال وليد مصححًا : بل كاد أن يضربني بأول مرة رأيته في حياتي.
نظر له أمير بحدة وقال : كنت طويل اللسان وليد.
أطبق وليد فكيه بقوة وقال : بل أنت من كان متعجرفًا يا عزيزي
تبادلت ليلى وياسمين النظرات وهما تكتمان ضحكاتهما لتقول ياسمين بهدوء : اهدئا وقصا لنا الأمر.
قال وليد بغضب أشعل له وجهه : لقد قابلت ذاك الأمير في المشفى عند وجيه ، كانت أول مهمة لك تقريبًا ، أليس كذلك ؟
ابتسم أمير بهدوء وقال : نعم أول إصابة لي.
اتبع وهو ينظر اليه بمكر وقال : وأنت كنت تسببت في حادث على أول الشارع أليس كذلك ؟
قال وليد بهدوء : نعم حادث سيارة كان وجيه يقطب لي وجهي.
قالت ياسمين بتفهم : اها ، ذاك السبب في جرح حاجبك .
هز وليد رأسه وأتبع : نعم ، انتبهت أنا ووجيه على صراخ ذاك الأخ وهو يؤمر الممرضة بأن تتركه وشأنه.
ابتسم بخفة وقال : وعندما حاول وجيه السيطرة عليه وإجباره على الجلوس دفع وجيه أرضًا وهو يقول له " لا تلمسني"
تشاجرت معه حينها لنكتشف أنه مصاب بإصابة أخرى لا يريد الإفصاح عنها حتى يسمحوا له بالخروج.
شهقت ليلى بخوف لتنظر له ياسمين بعيني متسعتين من التعجب وقالت : لماذا ؟!
جمد وجه أمير وقال بلهجة جافة : كان على إتمام بعض الأمور العالقة.
تجسد الذهول على وجهها لتلتفت لزوجها الذي ابتسم بهدوء وقال وهو يهز رأسه لها بنفي : لن تفهميه مطلقًا أنه غير طبيعي بالمرة.
نظر له أمير بحدة ليقول هو ضاحكًا : لن أنسى يومها ووجيه يوبخ من رئيسه المباشر لأنه لم يفحص المريض جيدًا وكان سيتسبب بمقتله إذا خرج دون العلاج.
ضحك أمير قويًا وقال : أنه يستحقها.
أشار له وليد بالموافقة وقال : معك حق في هذا.
نظرت لهما ليلى بدهشة وقالت : لماذا ، أنه لم يفعل شيء بل أنت من احتال عليه وأوهمه أنك بخير.
التفت لها بتعجب وقال بمنطقية : لم احتال عليه هو بالفعل لم يبدي أي نية لفحصي كان ضائقًا من وجود الأخ وتعامل معي بعدم اهتمام فعلي.
أتبع وهو يريح ظهره للوراء ويجلس بفخامة كعادته : لذا كنت أريد الخروج فأنا لم أثق به كطبيب.
ضحك وليد بقوة لينظر له أمير بخبث ويقول : والسبب هذا الأخ وما كان يفعله.
التفتت ياسمين لوليد وقالت : لماذا ، ماذا كنت تفعل ؟
نظر وليد لأمير بعتب وهو يزم شفتيه بلوم فكتم الآخر ابتسامته ليقول وليد بهدوء : لا أذكر حقًا ؟
همست بنبرة ذات مغزى : وليد.
كتم أمير ضحكته لتبتسم ليلى وهي ترى وجه وليد الذي امتقع ثم همس هو من بين أسنانه : لأني شاكست زميلته الطبيبة ولم أكن أعلم أنها بحكم خطيبته.
ضحكت ليلى برقة وهي ترى عينا ياسمين اللتان اتسعتا بغضب كامن في نفسها فأتبع هو سريعًا : ياسمنيتي ذاك أمر قديم ثم هو فسخ خطبته من تلك الفتاة.
همس أمير بخبث : بل تلك الفتاة فسخت خطبتها منه بسبب سيادتك.
قال وليد بحدة : وجيه نفسه أخبرني أن لا علاقة لي بالأمر وأنها فسخت الخطبة لأمور خاصة بها.
كتم أمير ضحكته ليتجلى الخبث بعينيه فقالت ليلى بهدوء في محاولة منها لفك التوتر الذي خيم على الزوجين أمامها : ها أمير اكمل .
قال أمير بهدوء :لا شيء بعد ذلك ، مكثت في المشفى إلى أن تعافيت وأتى موعد خروجي مع نفس موعد معاودته للنظر إلى جرحه وتقابلنا لينظر كلًا منا للآخر شذرًا ولكنه أنقذني من الموت المحقق فهو لم يفكر مرتين عندما انتزعني من أمام تلك السيارة الطائشة في الخارج!
شهقت الفتاتين برعب فقال وليد بهدوء : كنت ستتفاداها أنا متأكد من ذلك.
ابتسم أمير وقال بهدوء : ولكن ذلك لم يوقفك أن تأخذ القرار وتنقذني يومها نعته بالجنون عندما وضع نفسه أمام السيارة بدلاً مني لأجذبه قويًا لنقع سويًا فوق بعضنا ولكن كلًا منا كان سليما والحمد لله ، لا أعلم كيف ظهرت تلك السيارة من العدم ولكنك أنقذتني يا صديقي.
ابتسم وليد وقال : لقد أنقذتني أنت بعدها عدة مرات أمير.
ابتسم أمير بهدوء واستطرد شارحًا : كنت أعرفه من النادي فمن لا يعرف وليد الجمال ولكني كنت لا أحبذ الاختلاط بمجموعتهم ولكني تعرفت على معدنه الحقيقي عندما أصر بأن يقلني إلى منزلي
أتبع وعيناه تتألق بلمعة خاصة : يومها صمم على المبيت عندي إلى أن يطمئن أني بخير لم أفكر في الرفض فأنا لم أشعر بتلك الاخوة من قبل ، لنصبح أصدقاء مقربين من بعدها ،
قال وليد بمرح : ليتك تقتنع أني لم أكن أملك مكانًا للمبيت ولذا قضيت ليلتي عندك.
ضحك أمير بقوة ليقول :ولن أقتنع يا صديقي.
تبادلا نظرات الصداقة الصادقة لتبتسم ليلى وتقول : صداقة العمر تبدأ بموقف واحد يظهر معدن الآخر امامك.
هز أمير رأسه وقال : فعلاً حبيبتي.
صاح وليد بمرح : اووه ،
رفع أمير نظره إليه بتحذير واضح فقال هو بتسلية : لن أضايقك اليوم موعدنا يوم الزفاف ، أنا وخالد اتفقنا سويًا أن نثير جنونك.
كتمت ليلى ضحكتها وهي ترى الوعيد يلمع بعيني أمير لتضحك ياسمين بخفة وتقول : لن أترك فرح ابنة عمي وليد فابتعد عنه من أجلي.
رقص حاجبيه بإغاظة وقال : أبدًا.
ابتسم أمير بخفة وقال : من سيهتم بك أنت وذاك الخالد من الأصل.
التفت لينظر لها بحب لمع بعينيه : لدي ما يشغلني عنكما.
احتقن وجهها بقوة ليقهقه وليد ضاحكًا وقال : في ذلك معك كل الحق يا سيادة الرائد.

***


توقف بالسيارة لتقول بدلال : ألن تأتي معي للداخل ؟!
تنفس بقوة وقال وعيناه تلمع ببريق أسرها : بل أريدك أنت أن تأتي معي.
عضت شفتها السفلى بطريقة جعلته يزدرد لعابه قويًا لتهمس برقة : إلى أين ؟
همس بدوره وهو يدير عينيه عليها بجنون خاطف : إلى عالمي.
لوت عنقها بدلال وهي تنظر إليه بشغف وهمست : اتخذت قراراك إذًا
التفت إليها بجسده كله يريح جانب رأسه على المقعد من خلفه وذراعه تستلقي بأريحيه على المقود ليهمس بصوت أجش أشعل وجنتيها ، وأسرى الحماس في أوردتها : الأهم أن تكوني أنتِ اتخذت قراراك فاطمة.
ابتسمت بغرور لمع بحدقتيها فأشعل الكراميل بهما : مبدئيًا أنا موافقة.
اقترب منها بتلقائية وقال : إذًا الأمر تعدى مرحلة رضاء الآباء.
ابتسمت بإغواء لم تقصده لكنه ترك أثرًا كبيرًا في نفسه ، همست بلغتها الأصلية ، بصوتها ذا البحة التي تثير جنونه بطريقة لم يشعر بها من قبل : أنت تعجبني ويلي ، طريقتك مختلفة وأنا أحب حماسك ، أناقتك غرورك الفطري ودلالك لي.

عض شفته السفلى بقوة وقال هامسًا خوفًا من أن صوته العالٍ يخدش ذاك الهواء المحيط بهما : وأنت تثيرين جنوني فاطمة ، أتمنى أن أحملك إلى بيتي الآن فالحياة معك لن تكون مملة أبدًا.
ابتسمت بغرور يليق بها ليتبع : إذًا لنتمم تلك الزيجة.
رفعت حاجبيها وهي تبتسم بدلال لتتبع : لابد من موافقة والدي.
اكتنف كفها الأيمن وطبع قبلة على خاتمة وقال : ذاك الخاتم هو موافقة أباك تامي ، سأتفق معه على إجراءات الزواج والأهم سأخبر وليد أن يسرع في تجهيزات الفيلا.
قال بهدوء وهو يضغط على كفها برقه : لنذهب في الغد لمكتبه ونتفق على التفاصيل التي تريدينها.
ضحكت بخفة وقالت : أنت تسبق الأمور يا باشمهندس.
هز رأسه نافيًا وقال : أبدًا .
اقترب منها لينظر لعمق عينيها ويقول : ألم نتفق للتو على أنك تريدين دخول عالمي ؟
ابتسمت بدلال وقالت : حسنًا إذا وافق أبي لا مانع لدي.
ابتعد للوراء قليلاً ليقول بجدية : سأفاتحه في عقد قراننا حتى يطمئن قلبه ولا يغضب مرة أخرى إذا تأخرنا بالخارج.
رمشت بعينيها وقالت : عقد قران أليس يكتب عند الزفاف.
ابتسم بخبث تألق بحدقيته : من الممكن أن نعقده قبل الزفاف حتى يكون الأمر شرعًا صحيحًا فيمكننا الخروج والدخول والرفقة سويًا دون أن يكون والدك قلقًا فأنت ستصبحين زوجتي فلا داع للقلق عليك وأنت معي .
شحب وجهها بتلقائية لتشبك كفيها ببعضهما بتوتر لتهمس : لا أعلم وائل ولكن أرى أنها خطوة متقدمة إلى حدٍ ما .
ضحك بقوة وقال : سنتزوج في غضون شهرين فاطمة ما الفارق أن أعقد قراني غدًا أو بعد شهرين أنه نفس الأمر عزيزتي.
نظرت له بقلق ليكتنف كفيها بيديه ويضغط عليهما بحنو ويرفعهما لشفتيه ويقبلهما برقة اذابت سلاميتها ليهمس وهو ينظر إليها : وافقي مليكتي
أتبع وهو يقبل باطن كفيها : أعدك بأنك ستستمتعين وأنتِ معي.
لثم أطراف أناملها مرة أخرى لتبتسم برضى وتهمس بدلال امتزج بكبريائها وقالت: موافقة. 
اتسعت ابتسامته لتشمل عينيه اللتان تألقتا بخبث شديد امتزج باللون العسلي بهما ليعطي حدقتيه بريق لم تره من قبل ولكنها وقعت أسيرة له!

***

طلت برأسها من الباب وهي تنظر بتوتر بعد أن اتخذت قراراها وهي تسمع ذاك الحفيف القادم من الداخل ، لتهمس بصوت مرتجف : أتريدين شيئًا أمي ؟
شعرت بسكون الأخرى لتغلق رباط روبها الستاني وتدلف إلى الغرفة بخطوات مرتجفة فتراها تحاول الاستقامة جالسه لتهمس بصوت محشرج : هل تحتاجين شيئًا أمي ؟
رمشت السيدة فوزية ثم همست بصوت خافت : أين هشام ؟!
ابتسمت هنادي وهي تقترب منها وتعدل من وضعيه جلوسها وتضع الوسادات الكبيرة خلف ظهرها قالت بلطف : أنه يستحم إذا تحتاجين شيئًا أنا هنا بدلًا عنه.
قالت السيدة فوزية بتلقائية : لا يوجد أحدًا بديلاً عن ولدي.
ابتسمت هنادي بجفاف وقالت بهدوء : طبعًا ماما بارك الله به وحماه لنا.
توترت جلسة السيدة لتهمس هنادي برقة : موعد الدواء تفضلي أمي
ناولتها كاس المياه وحبات الدواء لتنظر لها السيدة فوزية بتساؤل ولكنها هزت رأسها بقلة حيلة وتناولت دوائها لتبتسم هنادي باتساع وتقول بنبرة صادقة جعلت الصدمة ترتسم على وجه الأخرى : شفاك الله وعفاك ماما.
رفعت السيدة فوزية عينيها وهي تنظر لها بتشكك فابتسمت هنادي بوجهها بطبيعية لتقول السيدة بصوت محشرج : ليس مطلوب منك فعل ذلك.
ابتسمت هنادي بألم وقالت : أعلم.
نظرت لها فوزية هانم بتساؤل لتهمس هنادي : مهما حدث منك فأنت جدة ابني الوحيد وأم زوجي لن أعاملك بالمثل أبدًا.
نظرت لها بحنو وأتبعت : لم أشأ أن تكون تلك  الحرب بيننا بل أنت من سعيت لها ماما ، لن أنكر أنني تعبت كثيرًا وأنا في غمارها ارهقتني بها وكبلت يداي حاوطتني وهزمتني أكثر من مرة ليست مرة واحدة فقط
زفرت بقوة لتردف بصوت حاني : لكني لن أقابل ذلك بالمثل فأنت كأمي ابتسمت بألم وقالت : حدثني عقلي عندما أخبرني هشام أنك ستمكثين معنا ماذا لو كانت أمي من فعلت بي ما فعلتيه أنتِ ، لأجد قلبي يصرخ بي ويخبرني أن علي الانحناء وتقبيل رأسها فقط لتظل معي بجواري وها أنا مستعدة أن أفعلها أمي إذا كانت ستحمل رضاكِ علي وعلى هشام فإذا كنت أنا فقدت أمي لا أريده أبدًا أن يعاني ما عانيته.
دمعت عيناها لتظل حدقتيها الرمادية بظلال سوداء قاتمة وهي تقول بتعب : لقد عانيت كثيرًا مع أمي حين فقدتها ولا أريد لهشام أن يعاني مثلي فأنت بالسنبة إليه العالم أجمع.
شحب وجه فوزية هانم لتبتسم هنادي برقة وتتبع : لذا أتمنى أن تمنحيني رضاكِ ماما.
اتسعت عينا هنادي بصدمة وهي ترى دموع فوزية هانم تنهمر على خديها وهي تشير إليها بالاقتراب لتسحبها إلى حضنها وتهمس لها بخفوت من بين بكائها : سامحيني بنيتي ،سامحيني لم أكن أم صالحة معك ولا مع هشام أيضًا.
ابتسمت هنادي وهي تبكي وقالت : بل كنت رائعة كوالدة لهشام
أتبعت بصوت محشرج ممتلئ بالدموع : اكتشفت اليوم أني أعجبت بك منذ لقائنا الأول ولكن تلك النظرة التي ارتسمت بوجهك حينما رأيتني هي من كبلتني حتى لا أنجرف وأُعبر لك عن إعجابي الشديد بقوتك وصلابتك ماما لطالما أردت أم مثلك تحميني حتى من نفسي ويعلم الله أني أردتك وبقوة أن تقبلي بي ولكن..
صمتت وهي تتحاشى النظر لها لتقبل السيدة فوزية رأسها وتقول : المعذرة بنيتي لم أكن أرى جيدًا فأنت زوجة ابن مثالية.
ضغطت على كفيها بحنو وأتبعت : سامحيني هنادي حتى أقابل وجه الكريم وأنا راضية.
شهقت هنادي بألم وقالت : لا تقولي هذا الكلام ستظلين معنا تنيرين حياتنا فنحن نحتاج إليك ماما.
ربتت السيدة فوزية على وجنتها بحنو لتقول هنادي بمرح افتعلته بعد أن مسحت دموعها : ما رأيك ساعد لك حساء الخضر كما تفضلينه ولن أضع به الفاصولياء حتى تستمتعين به.
ابتسمت السيدة فوزية رغمًا عنها لتقول بصوت هادئ : ولا تنسي أن تضيفي القليل من الملح فأنت تنسين دائمًا الملح.
ضحكت هنادي بقوة وهي تنحني لتقبل رأسها وقالت : على عيني ماما.
طل عليهما من الباب لينظر إليهما بذهول تجسد بملامحه ويقول بصدمة اكتنفته : ماذا يحدث هنا ؟
اكتنفت هنادي كتفي السيدة فوزية وقالت : لا شيء سأعد حساء الخضر وجئت استعلم من ماما عن وصفتها السحرية لعمله.
عقد حاجبيه بعدم فهم لتشير إليه والدته بالاقتراب وعيناها تلمع بحنان ليجلس بجانبها من الاتجاه الأخر فتضمه لحضنها وتقبل رأسه وتهمس بهدوء : لا حرمني الله منكما.
رفع هشام نظره إلى هنادي لتبتسم له مطمئنه فيبتسم بتفهم ويقول : ولا منك ماما.

***

تنفس بقوة وهو يراقب الليل من الشرفة لتأتي من خلفه وتحتضنه برقة كعادتها ، اتسعت ابتسامته وهو يكتنف يديها بكفيه ويرفعهما ليقبلهما بلهفة حرقت أوردتها ، قبلت ظهره بقبلة طويلة صادقة حملت حبها إليه ليعقد حاجبيه بتعجب ويسحبها من ذراعها لينظر إليها ، همس وهو يتأمل ملامحها السعيدة بشغف : ما سر هذا ؟
ابتسمت بخجل وقالت : لا شيء ، أحببت أن أُعبر عن سعادتي بك .
رفعت نظرها إليه وقالت بصدق : حقيقة لم أتخيل أبدًا أن تفدي أحدًا بحياتك لكن ما فعلته مع أمير. .ط
همس مقاطعًا : ما فعلته مع أمير لا شيء بجانب ما فعله هو معي.
عقدت حاجبيها بتعجب لتقول بتفكير اعتلى ملامحها : حسنًا ، لقد حاولت أن انحي الأمر عن تفكيري ولكن أنا أشعر بأن هناك جانب من الحكاية لم تقصاه أنتما الاثنين.

تعلقت بساعده وهي تتوسل برقة : أخبرني أمير هل ما شعرت به صحيح أن السيارة كانت تقصد بالفعل دهسك.
زفر بقوة وضغط على كفها المتمسكة به ويده الأخرى على المقود ،وقال : لماذا تريدن المعرفة ليلى؟
قالت بعتب : ولماذا تريد أنت إخفاء الحقيقة عني ؟!
تنهد بقوة وقال : لا أريد إخفاء الحقيقة ولكني لا أريدك أن تتوتري قبل الزفاف. 
زمت شفتيها بعدم رضى فأتبع بهدوء : حسنا ، سأخبرك.
اتسعت ابتسامتها والتفتت إليه بكامل جسدها ليقول بهدوء :نعم كانت قاصدة ايذائي ، أتذكرين تلك الحادثة التي تخص أبي التي أخبرتك عنها ؟
هزت رأسها بالإيجاب وقالت : نعم وأنك أخذت بثأرك ممن قتلوا والدك.
هز رأسه بالموافقة وقال : لقد حدث ذلك بالصدفة فإذا لم أكن تعرضت لتلك السيارة التي كادت أن تدهسني لما كنت علمت بأمر أبي أبدًا .

زفر بقوة : لا أعلم لم أصدق انها مجرد سيارة طائشة كادت أن تصطدم به ، شعرت به مهدد وأنهم كانوا يريدون قتله ولذا صممت أن أقله بسيارتي خوفًا من أن يتعرض للاعتداء من قبل أي شخص أخر.

ابتسم بفخامة كعادته : عندما وصلنا لمنزل جدتي دعوته للدخول ليشحب وجهه وهو يسألني هل تعيش بمفردك ؟
اتسعت ابتسامته والحنو يتجسد بملامحه : لم أتوقع حينها السؤال والقلق الذي اعتلى ملامحه وهو ينظر إلي لأخبره بهدوء أني وحيد.

همس بصوته الهادئ المحبب إليها وهو يسحبها لتستلقي على صدره ويضمها إليه ليتلاعب بخصلات شعرها بين أنامله : يومها فرضت نفسي لأبيت لديه لا أعلم ما القلق الذي انتابني عليه وشحذت طاقتي كلها لأقنعه بقبول مبيتي معه لكنه لم يرفض بالعكس اتسعت ابتسامته وهو يشير بذراعيه على اتساعها أن البيت بيتي.
نظر لعمق عينيها المترقبة ليهمس بألم : وكنت على حق فلقد استيقظنا فجرًا على صوت طلقات الرصاص تدوي بأرجاء المنزل.

شهقت ليلى بعنف لدرجة أنه انحرف بسيارته قويًا ليركن بجانب الرصيف وهو ينظر لها بعتب ويقول : أخبرتك أن لا داعي لأن أقص عليك تلك القصة.

انتفض جسدها بجانبه ليكتنف كفيها وينظر إليها برقة : أن يديك مجمدتين.
همست برجاء : أكمل أمير أرجوك ، ماذا حدث بعدها ؟
نظر لها برفض لتهمس بتوسل : من أجلي أرجوك.
تنهد بقوة وهو يدعك اناملها بيديه ويقول : لقد كنت معتادًا على ذلك فأنا تلقيت العدد من التدريبات كان هذا من ضمنها ، الاستيقاظ على صوت الرصاص فوق رأسك جزء أساسي من التمرين ولكن وليد..
.
رمش بعينيه سريعًا ليتصلب جسده رغمًا عنه فتنظر إليه بحنان جارف بعد أن اعتدلت جالسة مقابلة له وهو يقول : لم أكن أعي ماذا يحدث من حولي وقفت مذهولاً والرعب يشل قدمي فلم أتحرك ، شعرت بأني ثبت بالأرض لينتزعني هو وهو يصرخ بي أن أتحرك
ابتسم بحرج : وكان صرخته أعادت لي عقلي فبدأت بالفعل أن أتحرك معه ،قادني عبر ممر ضيق لغرفة صغيرة يفتح لها باب لنصعد إلى سطح البناية ومن هناك أجبرني على الصعود على سلم الطوارئ الخاص بالبناية الملتصقة للعمارة التي تقع بها شقته لنركض للأسفل مرة أخرى ونهرب.
نظر لها بوجه شاحب وكان الذكرى تعاوده بقوة : لم أعش رعبًا في حياتي كتلك الليلية.
لمعت الدموع بعينيه لتبتسم وتقترب منه وتحتضن وجهه بكفيها وقالت : أحبك.
لمعت حدقيته ببريق خاص والدمع يندثر للخلف ويحل مكانه سعادة صافية ابتسم بمرح وقال : لو علمت أن تلك القصة ستجبرك على قولها لكنت قصصتها لك منذ زمن بعيد.
ضحكت بخجل ليهمس وهو يضمها إلى صدره : وأنا أعشقك ياسمينتي.

قال بنبرته الرخيمة الهادئة : كنت أشفق عليه فهو لم يعتد على ذلك ولكنه رافقني بصلابة لمبني المديرية حتى أخبرهم بم حدث ، حينها أصر أني أذهب وأمكث معه إلى أن أتدبر أموري.
ابتسم بامتنان : من يومها أصبحنا أكثر من أصدقاء ، لم أشعر أبدًا بوجود أخ في حياتي ليأتي وليد ويصبح أكثر من صديق .. أخ ..وشقيق أيضًا .
ضغط على كفيها وهو يشعر بارتجافها الداخلي ، ليهمس : لكن لا داعي لقلقك ليلى فأنا توقفت عن تلك المهام ، انتهيت منها.
رمشت بعينها وتساءلت بجزع : هل استقلت من وظيفتك ؟
ضحك بقوة تلك الضحكة الرجولية الآسرة ، بنغمتها الفخمة تسللت إليها لتبتسم رغم عنها وهي تنظر إليه بوله فقال : لا حبيبتي ، ترقيت لأصبح أنا من يدير المهام ليس من يقوم بها.
تنفست بعمق وهي تهز رأسها بتفهم قالت بسعادة : مبارك الترقية أمير.
احتضن ذقنها بأنامله وقال : وجهك وجه السعد علي ليلتي.
ازدانت وجنتيها بشرارات وردية تدل على خجلها لتهمس : ألن نذهب للحسين ؟
هز رأسه بالإيجاب وقال : بلى حبيبتي سنذهب ولكن الوقت لازال مبكرًا على السحور ألديك شيئًا اخر نفعله قبل الذهاب إلى هناك.
فرقعت بأصابعها وقالت : اه نعم من الجيد أني تذكرت أريد أن أذهب للشقة لأرى ما ينقصنا هناك.
أخرجت هاتفها من حقيبتها : سأتصل بايني لتوافينا إلى هناك.
عقد حاجبيه بتعجب ليقول : لماذا ؟
احتقن وجهها لينظر إليها بعتب واردف : لا تتصلي بأحد ليلى وتذكري أنك زوجتي سنذهب لنرى ما تريدين فعله ثم نذهب للحسين بناء على طلبك.
هزت رأسها سريعًا وهي تدفع بتوترها بعيدًا ليقول : متى تريدين شراء بقية احتياجاتك ؟
قالت بخفوت : ليلة العرس أنها الوحيدة الفارغة لدي.
رفع حاجبيه بدهشة وقال وهو يدير السيارة مرة أخرى وينطلق بها : كيف ألن تقيمي ليلة للحناء ؟!
قالت بابتسامة واسعة : بلى ولكننا سنقوم بها أول أيام العيد
اردفت شارحة : إيني من اقترحت أن نقيم ليلة الحناء قبل يوم الزفاف بيوم حتى لا أكون مرهقة.
رفعت حاجبيها بعدم فهم صادق وهي تقول : لا أعلم ما وجه الإرهاق في يوم الحناء ولكن ياسمين أيدتها وأنا وافقت.
ابتسم بخبث لمع بحدقتيه وقال بنبرة ماكرة : ألن ترقصي يومها ؟
احتقن وجهها خجلاً لتردد بحرج : أنا لا أجيد الرقص .
ضحك بمكر وهو ينظر إليها بطرف عينه : حسنًا تعلمي.
أشاحت ببصرها بعيدًا عنه وقالت : كف عن ذلك.
سحبها من كفها القريبة له وقال :حسنًا لا تشيحي بوجهك بعيدًا عني.
ابتسمت وهزت برأسها متفهمة ليقول : حسنًا ماذا ينقصك أيضًا وعلي أن أفعله.
تنهدت بتعب وقالت : لا أعلم ولكن..
فكرت قليلاً لتبدأ بالعد على أصابعها بالأشياء التي تريد إنجازها في الفترة المقبلة.

***

ابتسم بسعادة وهو يركن سيارته فاليوم كان رائعا وليلى اختلفت بطريقة جذريه جعلت قلبه يخفق وهي إلى جانبه بجنون صاخب ، تنفس بعمق ليضيق حدقتيه وهو يشعر بشيء يتحرك خلفه ، نظر سريعًا في مرآه السيارة الأمامية ليجد السكون يطل منها ترجل بهدوء وهو يشعر بوجود فعلي لأحدهم ، تنبهت حواسه كلها ولكنه تحرك بطبيعية أجادها وهو يغلق سيارته ويتحرك باتجاه المصعد كالعادة ، ضغط على زر استدعاء المصعد ليلمح ذاك الظل يتحرك من خلفه فتحرك بطريقة خاطفة واختفي من أمام المصعد تزامنًا مع وصول الأخير . كتم أنفاسه بمهاره وهو يراقب باب المصعد بعينين صقريتين من مخبئه ليبتسم بظفر لمع في عمق حدقتيه وهو يرى ذاك الظل يتحرك ويكشف عن شاب طويل تحرك بارتباك وهو يلتفت بحثًا عنه ضيق عيناه بوعيد وهو يتأكد من وضع سلاحه ليتحرك بسرعة البرق وهو يرى الآخر يقترب من باب المصعد وينظر من حوله مرة أخرى لينتفض بقوة وهو يشعر باندفاع جسد أمير الذي الصقه بباب المصعد من خلفه وضغط بذراعه الحديدية خلف عنقه وهو يلصق فوهة سلاحه بصدغه ويهمس بفحيح غاضب من أنت وماذا تريد ؟

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن