__ منال ، ألم تنتهي بعد؟
وقف مبهوتًا أمام ما يراه ، نظر لها سريعًا من أعلى رأسها لأخمص قدميها ،ليتأملها بدقه مرة أخرى من شعرها المرفوع إلي أعلى رأسها بتصفيفة رقيقة أحكمت بها خصلات شعرها وازدادت وجهها جمالاً ورقة ... وجهها بزينته الكاملة والكحل الأسود يحدد عيناها لينير مقلتيها البنية ويضيف غموضًا ساحرًا إليهما ...أنزل عيناه إلي فستانها الأسود الحريري ذو الصدر المكشوف والظهر العاري منسدل على جسدها برقة طبيعية كأنه يعانق جسدها الغض ...
نظرت له من خلال المرآه وقالت بهمس : هل مظهري سيئًا ؟
عمت الدهشة ملامحة ليردد : سيئًا؟!
اقترب منها ووضع يديه على كتفيها العاريين وتلاعب بحملات الفستان العريض بأصابعه الطويلة وهمس وهو يقبل عنقها برقة : مبهره منال ..مبهرة حبيبتي ، اشتعلت وجنتيها احمرارا ليردف -هل نستطيع الاعتذار عن حضور ذلك الحفل ؟
ابتسمت بهدوء وهزت رأسها نافية ليتنهد بحب ويقول بهدوء وجدية : ولكن لدينا مشكلة .
نظرت له باستفهام ليكمل : الفستان عاري منال ، لا أحبذ أن تذهبي إلى الحفل هكذا.
اتسعت ابتسامتها وتحركت لتتناول جاكيت عنابي اللون مطرز بحلي من نفس اللون ذو أكمام طويله ورقبه عالية طوله يصل إلي ما بعد صدرها ارتدته واغلقته من الأمام ببروش أنيق أسود اللون زين صدر الجاكيت لتقول بمرح : ما رأيك ؟
ابتسم وهو يرى الجاكيت الذي اخفى ظهرها وصدرها واظهر جمال عنقها : زادك جمالاً حبيبتي .
تحركت لترتدي حلق أسود اللون من نفس طراز البروش وهي تسأله : هل انتهى والدي ؟
ضحك ضحكة قصيرة : والدك منذ ساعة أعلن اعتراضه رسميًا على تأخرك وطلب من عبد الرحمن أن يوصله هو ووالدتك إلي القاعة .
ابتسمت وهي تجلس لترتدي صندلها العنابي : فاطمة ذهبت معهم
هز رأسه نافيًا وهو يعدل من ربطة عنقه : لا أنها تشعر بالتعب فأخبرتني أنها لن تأتي معنا .
عقدت حاجبيها وهي تردد : تعبت فجأة هكذا .
هز كتفيه بمعنى أنه لا يدري لتهتف هي بسخط وهي تنظر إلي فردة صندلها اليمنى وتقلبها بين يديها في امتعاض: لا أدري ماذا أصابه ؟
ذهب ليجلس أرضًا أمامها وأمسك الصندل من يدها ليضعه بقدمها وينظر إليها ، يبتسم وهو يغلق حزامه على ساقها ، حرك أصابعه بحركة حميمية سريعة بداية من ركبتها إلي أسفل ساقها لتشعر بالدماء تضخ إلي عروقها بقوة ، لتنتفض أثر قبلته الرقيقة التي طبعها على ركبتها ، قال هامسًا : إن لم تتحركي الآن ، سأفقد عقلي وصبري ، فهما يتفقان علي معًا .
قفزت واقفة ليعود الي الوراء ويستند على راحتي يديه وينظر إليها : هل لازلت مصممة على الذهاب إلي الخطبة .
ابتسمت بخجل وهزت رأسها بالإيجاب ، لينهض واقفًا وهو يتنهد بحب : حسنًا ، هيا بنا .
***
واقفة خارج القاعة وعيناها تبحث عن سيارة السفير ، فهي سمعت سيادة السفير وهو يخبر عمها أنه أتى هو وزوجته مع السائق عندما تأخرت منال ، اهتز هاتفها بيدها فأجفلت عندما رأت اسمه ينير شاشة الهاتف ، فعلى مدار الأيام الماضية تبادلت معه الرسائل ولكنه لم يهاتفها ولا مرة ولكنه الآن يفعل شعرت بالحيرة تغزوها ، والرد وعدم الرد يقفزان أمامها ليعلن قلبها تمرده وتفتح الخط وتضع الهاتف على أذنها وتظل صامتة أتى لها صوته الفخم : ماذا تفعلين بالخارج يا أستاذه، ادخلي إلي القاعة حتى لا تصابين بالبرد .
دارت مقلتيها بحثًا عنه وقالت : أين أنت ؟
قال بهدوء : في البيت ، أقصد فيلا السفير .
__كيف علمت أنني بالخارج ؟
قال بجزل : شعرت بك وأنت تقفين أمام القاعة بفستانك الكريمي المطرز بالأحجار الكريمة واللآلئ النيلية اللون .
التفتت تبحث عنه وهي تقول بحدة : عبد الرحمن ، أين أنت ؟
ابتسم ليقول بهدوء : في الفيلا ، لماذا لا تصدقيني ؟
وضعت يدها بخصرها وقالت بقوة : كيف تراني وأنت بالفيلا ؟
همس بجزل : أراك بقلبي .
ابتسمت ووجنتاها تتألق باحمرار طفيف :وقلبك هذا بنورة سحرية ترى بها الأشخاص .
همس برقة دفعت الدم إلي وجنتيها : معك أنت فقط .
اتسعت ابتسامتها لتقول بعتب : عبد الرحمن .
انطلقت ضحكته مجلجلة ، لتقول بإصرار طفولي : هل أنت هنا ؟
صمت ليسأل بترقب : لماذا ؟ أتريدين رؤيتي ؟
شعرت بخجل طغى على حواسها لتهز رأسها نافية وكأنه سيراها .
ليقول بعتب واضح : لماذا ليلى ؟ ألم تشتاقي إلي ؟
صاحت بانتصار طفولي : كيف عرفت أني هززت رأسي بالنفي ؟
انطلقت ضحكته العفوية مرة أخرى فأجبرتها على الضحك ، ليصمت الاثنان بعد هذه السعادة الصافية ، تنحنح : هذه المرة شعرت برفضك للفكرة .
سألت بخجل : كيف تصف فستاني وأنت لست هنا ؟
تنهد ،ليقول بهدوء : رأيتك عندما أوصلت سيادة السفير وزوجته ، أردف بنبرة أكثر رقة - رأيتك وأنت تقفين بجانب عمك سيادة المستشار ، وكنت أريد أن اختطفك من جواره .
احمر وجهها بشدة لتقول بصوت مبحوح : لماذا لم تأتي لأسلم عليك ؟
ضحك بسخرية : نعم فاتتني تلك الفكرة ، وعندما يسألني عمك ، من أنت بني؟
أرد بكل بساطة وأخبره : أنا السائق سيدي ، سائق سيادة السفير.
عضت شفتها بقهر وهي تشعر بالسخرية التي وصلتها من صوته لتقول بهدوء : حسنا لا أفهم ما المشكلة ، أنت ترتدي أفخر الملابس وتتحرك بفخامة وملكية وكأنك الملك نفسه ، ولك هيبة تذكرني بضابط الشرطة .
صمت وعيناه تتألق بلمعة غريبة ليغمض عيناه وهي تردف : لا أرى عيبًا بمهنتك .
سأل بغموض : أي مهنة ؟
__ مهنتك ، لا أرى عيبا في كونك سائق .
هز رأسه بخيبة أمل وتنهد ليقول بصوت غامض : هل يرتضي عمك بأن يزوجك لي ، احم أقصد لسائق مثلي ؟
اشتعل وجهها وقالت بارتباك : عبد الرحمن سأذهب الآن ،سلام .
ابتسم بخفة : في حفظ الله ليلى .
أغلقت الهاتف ونظرت إليه وهي تشعر بأن قلبها يدق كالطبول وهي تفكر "هل كان يعني ما قاله ، أم أنه مجرد حديث عابر وأنها لا يجب أن تحمل الحديث أكثر مما ينبغي " تنهدت بقوة لتنتفض وتعود إلي الوراء خطوة واحدة عندما وجدت زوجة عمها بوجهها التي قالت : بسم الله عليك يا ليلى ، ما بك بنيتي ؟
هزت رأسها نافيه : لا شيء .
__ناديت عليك أكثر من مرة لم تجيبني .
ابتلعت ليلى ريقها : المعذرة لم أستمع إليك .
نظرت لها زوجة عمها بتفحص ونقلت نظرها بينها وبين الهاتف الممسكة به لتسأل بهدوء : متى سيأتي ليراه عمك ؟
اتسعت عينا ليلى وقالت بارتباك : من هو ؟
ابتسمت زوجة عمها : من كنت تتكلمين معه على الهاتف .
ارتسم الذهول على وجه ليلى وهي ترى ابتسامة زوجة عمها ولأول مرة موجه إليها لتحمر وجنتيها بقوة من رد زوجة عمها عليها ، زاغت عيناها ، لتردف الأخرى : لن تخبريني أليس كذلك ؟
تنهدت وربتت على كتفها بحنان أمومي : أتمنى لك السعادة بنيتي .
انصرفت من أمامها لتشعر ليلى أنها كانت بحلم ، فهذا لا يمكن أن يحدث ، ما موجة السعادة التي تبحر بها إحسان هانم ، هل هي سعيدة بسبب زواج ياسمين أم بسبب أنها تتمنى الخلاص منها ولذلك ترحب بفكرة العريس المنتظر ؟!
ابتسمت وهي تفكر "هل يوجد عريس منتظر فعلاً ؟ "
اتسعت ابتسامتها وهي تفكر" بل هما في الحقيقة اثنان ، لا أعلم إلي الآن ماذا أفعل معهم."
خطت إلي داخل القاعة وهي تفكر " لن أشغل رأسي الآن ، اليوم خطبة ياسمين وأريد أن أشعر بالسعادة من أجلها ."
سألت نفسها وابتسامتها تتسع : "هل هذا ما يسعدك بالفعل ليلى ، أم دخول هذا العبد الرحمن هو ما أشاع السعادة بحياتك كلها ؟"
***
ابتسم وهو يغلق الهاتف ليرفع عيناه ويجده أمامه بضخامة جسده وبدلته الكحلية التي تظهر لون عيناه الأزرق بوضوح ابتسم بخبث : أسعد الله أيامك يا عبده ضحكتك وصلت إلي داخل الفيلا .
رفع حاجبه وهو ينظر إليه بقوة وقال بهدوء : ستتأخران هكذا عن الحفل .
اقترب منه خالد : ألا تريد الذهاب معنا ؟
هز رأسه نافيًا : سأمضي الوقت مع أحمد وهنا .
سأل خالد بخبث : لماذا ؟ هل هناك من يعرفك يا بك ؟
توتر من سؤال خالد ولكن توتره لم يظهر عليه ليقول بابتسامة : لا يا بك ولكني لم استلم دعوة للحضور .
تأتأ خالد بطريقة مسرحية ساخرة : لم تتذكرك الأستاذة أم لا تريد دعوتك ؟
نظر له محذرًا ليقول بهدوء : لا تترك الهانم تنتظر حتى لا تغضب .
شد خالد قامته وهو يبتسم له ليقول بجدية : فاطمة لن تذهب إلي الحفل ، أحببت أن أبلغك .
هز رأسه متفهما ليقول بخفوت: بخصوص فاطمة أريد أن أبلغك أمرًا هامًا ولكن عندما تعود .
نظر له خالد بتساؤل ، ليقول بهدوء : عندما تعود لنا حديث طويل ، نظر إلى ما وراء ظهر خالد ليقول بهدوء - لا أريد أن أفسد سهرتك .
التفت خالد إلي الخلف ليرى منال خارجة من باب الفيلا ، بعد أن اطمأنت على الطفلين وشقيقتها التي بالكاد تتجاذب معها الحديث بعد المشاجرة التي نشأت بينهما يوم حفل الشواء
ابتسمت باتساع : مرحبًا عبد الرحمن ، كيف حالك ؟
ابتسم عبد الرحمن ونظر إلي خالد الذي عقد حاجبيه وقال بمرح : بخير حال سيدتي، أتمنى لكما وقتًا سعيدًا .
قال بخفوت : تحرك يا بك ، انفض السحر عنك وتحرك .
تحرك خالد سريعًا ليفتح لها الباب ويغلقه عليها بعد أن استقرت بالداخل ويلتفت لينظر إليه بوعيد فيضحك الآخر بخفة ويشير إليه مودعًا .
***
خطى بخطوات بطيئة قوية واثقة إلي قاعة الحفل ليشعر بألم حاد في قلبه وهو يراها بفستانها البنفسجي الفاتح ، بتصميمه الرقيق صدره العاري مزين بشريطين من اللآلئ الفضية ، واحد أعلى الصدر والثاني أسفله ،بقصة بسيطة من تحت الصدر لينسدل بانتفاخ بسيط إلى قدميها ، صدرها العاري جعله يشعر بغضب فعليا منها ومن هذا الثور الذي سمح لها بأن ترتدي فستان كهذا ، اتسعت عيناه عندما استدارت لتتكلم مع هذا الـ هشام
ليكتشف أن الفستان يكشف عن أكثر من نصف ظهرها ، انتبه على صرخات بعضا من الفتيات ليكتشف أنه أصبح داخل القاعة ، رسم ابتسامته الودودة وصافح الفتيات بسعادة شكلية والتقط بعض الصور معهن أيضًا وهو يبتسم باتساع ليتقدم منها ببطء وهو يشعر بالألم ينتشر بجسده كله ، القهر يغزو خلايا عقله وقلبه نبضه بطيء وكأنه ينبئه أنه سيتوقف في أي لحظة ، تلاقت أعينهم ليبتسم لها ساخرًا ،شعر بقلبه ينزف وهو يراها تتمسك بذلك الدخيل ، وشعر بأنه سيفقد صوابه وهو يرى هشام يحاوط يدها بكفيه العريضتين ويقبل جبينها ، لتحمر أذناه بشده ويشعر بالدماء تغلي برأسه وهو يسمعها تناديه بحبيبي
جمد وجهه وهو يتساءل " إلي هذه الدرجة ياسمين ؟! "
نظر لها والعند يملأه ليتنحنح بقوة ويرسم ابتسامته الجميلة : مبروك يا صديقتي العزيزة .
التفتت إليه وهي تنظر بقوة لينظر إليه هشام من فوق رأسها وينهض مبتسما : وليد ، الله يبارك فيك ، العقبى لك ، أنا سعيد أنك شرفتنا بحضورك الكريم .
ابتسم بهدوء : لم أكن لأفوت فرصة أن أرى ياسمين بذلك الفستان الجميل .
نظر لها متأملًا بشرتها البيضاء ، ليعقد هشام حاجبيه وهو ينظر إليه ، ليبتسم ابتسامه صفراء ، رفع نظره إليه ليردف : أتمنى لك السعادة هشام .
ابتسم هشام بمهنية :شكرًا لك .
اقترب أحد الشباب من هشام لينشغل مع ما يريده ذلك الشاب لينحني هو عليها ويقول بسخرية لاذعه : كيف سمح لك مركز الأمان هذا بأن ترتدي فستانًا عاريًا كهذا ، أنه يكشف أكثر ما يخفي .
التمع الغضب بعينيها لتقول بحدة : لا شأن لك بما أفعله .
نظر لها وقال بهدوء : لطالما عشقت حدة عينيك ، كم تبدين جميلة ومغرية حبيبتي ، نقل نظره إلي شفتيها الشهيتين ليقول بصوت خافت رقيق - كم أتمنى أن أعيد ما فعلته بالجاليري ، فقبلتك فريدة من نوعها .
قبضت كفيها بقوة حتى لا تصفعه مرة أخرى واحتقن وجهها باللون الأحمر القاني ليهمس مرة أخرى : اهدئي حبيبتي ، حتى لا يكتشف عريسك ما تحاولي اخفاؤه .
استقام مرة أخرى لينظر إليها ويمد شفتيه بحركة مغرية ويضمها ليبعث لها قبلة طائرة ، اتسعت عينا ياسمين ولمع الارتباك بهما ،أشاحت بنظرها بعيدًا عنه ليبتسم ابتسامة ساخرة ويقول بصوت عال قليلا وهو يرى أن هشام انتهى من الحديث مع الآخر : سأنصرف أنا فموعد برنامجي اقترب، أدعو أن أصل على الموعد في ظل هذا الازدحام .
قال هشام بهدوء : انتظر قليلًا وليد حتى تحضر على الأقل تلبيس الدبل .
ابتسم وليد وهز رأسه : سأمكث قليلا فقط ، مبروك مرة أخرى .
ذهب ليجلس على إحدى الطاولات المتناثرة وهو لا يستطيع أن يبعد عيناه عنها لتعلن الموسيقى عن موعد تلبيس الدبل ، نظر لها بألم وهو يرى يدها تتزين بتلك الدبلة الماسية والخاتم ذو الحجر الألماسي ، يديها تتعانق مع كفين ذلك الضخم ، يديها التي لم يستطع أن يمسكها ولو لمرة واحدة ، ترتعش خجلاً بسبب امساكها لتلك الكفوف الضخمة التي تحاوطها لتلبسه دبلته الفضية اللامعة، في حين أنه ما كان ينال منها إلا مصافحتها له كالرجال .
نقل نظره عندما شعر بهما يتحركان ليفاجئ بهذا الدخيل يلبسها عقد الألماسي لامع بعنقها ، لم يستطع تخيل أن ذلك الدخيل لمس رقبتها ليقرر مغادرته إلي الحفل عندما أوقفها ليرقص معها الرقصة الهادئة التي تعلن عن افتتاح الحفل ويري يده الضخمة توضع بنصف ظهرها العاري
انصرف بخطوات سريعة ليخرج من باب القاعة كطلقة سريعة خرجت من فوهة مدفع ، ليصطدم بقوة بجسد رشيق ويعلو في أذنيه صوت انثوي رقيق يقول : اه .
***
أتت إلي الحفل رغما عنها ، تريد أن تؤكد له" أنها قوية وأنها مضت حياتها من بعده، أنها نسته أو تناسته ، المهم أن تقنعه أنه لم يعد يهمها ولم يعد قلبها يخفق من أجله "
وقفت عند باب القاعة لم تستطع الدخول لترفع عيناها وهي تراه يقبل جبين خطيبته وهما يرقصان بهدوء وشاعرية على الموسيقى الهادئة ،الدبلة الفضية تلمع بيده لتؤكد لها أنه أصبح ملكًا لأخرى
دمعت عيناها لتولي له ظهرها وتهم بالانصراف لتشعر أنها تطير في الهواء أثر اصطدامها صدمة قوية ، تأوهت وهي تحاول الاتزان حتى لا تقع أرضًا : اه
لتشعر بيدين قويتين تمسك بها وصوت دافئ : هل أنت بخير ؟
نظرت لمن يتكلم معها لترى شاب وسيم جذاب ينظر لها بقلق لتبتسم وتهز رأسها بقوة : نعم أنا بخير .
نظر لها باستفهام وقال بهدوء : لماذا كنت تبكين ؟
ابتعدت عنه قليلا لتقول بهدوء : عيني تؤلمني .
ابتسم بهدوء ليقول بغموض : كلنا تؤلمنا عيوننا .
ضحكت بخفة لتقول بهدوء : أرى أنك كنت مسرعا وكأن الشياطين تركض خلفك .
ابتسم : نعم فالشياطين كثيرة بالداخل .
ضحكا الاثنان بألم وقفت باعتدال لتشتم بالفرنسية وتقول بسخط : كعب حذائي كسر.
ضحك بخفة وهو يمد لها ساعده لتستند عليها وتخلع الحذاء وتنظر إليه
مما جعله يضحك بقوة لتقول بعصبية : أرجوك توقف عن الضحك ، فأنت من تسبب بهذا الأمر .
قال بنبرته الهادئة : وأنا مستعد لتكفير عن هذا الجرم الذي لا يغتفر ، تفضلي معي
لأوصلك بسيارتي الي أي مكان ، فأنا أعتقد انك لن تحضري ذلك الحفل على أي حال .
هزت رأسها لتقول : معي سيارتي ، أشكرك .
__ إذن لأوصلك إلى سيارتك .
سارا بجانب بعضهما وهي تمشي بشكل مضحك بسبب كعب حذائها المكسور وهو يحاول أن يكتم ضحكته لتقول هي بعتب : من فضلك توقف عن الضحك .
انطلقت ضحكته مجلجلة لتقول هي بهدوء : أنت تبحث عن سبب لتضحك عليه فأنا أشعر أنك حزين وضحكتك خاوية .
صمت ونظر لها بطرف عينه ليقول بهدوء وهو ينظر إلي جراج السيارات : أين سيارتك ؟
ابتسمت وأشارت إلي سيارة أنثوية الشكل : هذه سيارتي .
مد لها ساعده لتتكئ عليه ويوصلها إلي السيارة ويقول بهدوء : أنت متأكدة أن كاحلك لم يتأذى .
هزت رأسها بالإيجاب ليقول بابتسامة ودودة : سررت برؤيتك
مد يده مصافحا لها : وليد الجمّال مذيع ، راديو .
اتسعت ابتسامتها : نعم ، هذا يفسر لماذا أشعر بأن صوتك مألوف.
صافحته بود : هنادي ابو طه ، صحفية ولكن للأسف لست تبع القسم الفني .
__هل أنت مصرية ؟
عضت شفتها بقوة : نعم ولكن لكنتي الفرنسية تؤثر على مصريتي .
أدار عيناه عليها بهدوء : وشعرك الأشقر وعيناك الرمادية تبلغني أنك لست مصرية.
ابتسمت : جذوري ليست مصرية خالصة .
هز رأسه بقوة لتسأل هي : هل أنت من عائلة الجمّال ؟
نظر لها بهدوء وهز رأسه بالإيجاب لتسأل سريعًا : هل تقرب إلي الوزير عاصم الجمّال ؟
تنحنح وقال بهدوء : لماذا تسألين ؟
__أريد أن أقابله من أجل أن أجري معه حوارًا صحفيًا ولكني لا أستطيع .
ابتسم بسخرية : للأسف أنا آخر شخص يستطيع أن يؤمن لك مقابلة سيادة الوزير .
عقد حاجبية ليسأل بخفوت : أنت من صحف المعارضة ، أليس كذلك ؟
نظر له وهزت رأسها : نعم صحيفة " لو ايجيبت " المستقلة
ضحك بسخرية : لن تقابليه أبدًا ، لذلك ابحثي عن شيء آخر تفعليه .
ظهر التمرد على وجهها لتقول : لن أتركه إلا عندما أجري معه التحقيق الذي أريده.
رفع يديه مستسلما : أتمنى لك التوفيق آنستي .
نظر إليها وهو يردف : لا يوجد خاتم أو دبلة بيدك .
ضحكت : هل تغازلني يا هذا؟
هز رأسه : لا والله لم أعني ذلك ولكني لاحظت بحكم العادة .
ابتسمت : سأنصرف .
أشار لها وهي تركب سيارتها لتنطلق بها وهو يتمتم : سلام يا آنستي .
***
يشعر بالزلزال في مشاعره فبعد أن انتهى من رقصته الهادئة مع ياسمين استأذنته لأنها تريد الذهاب إلي الحمام لتعديل زينتها ، ولأنه لا يريد الاحتكاك بأحد من أقاربه ، توجه إلي الخارج وهو يشعر بأنه يريد بعضا من الهواء النقي ليتجمد عن باب القاعة وهو يراها تقف بصحبة وليد وتبتسم ابتسامتها المغرية ، وعندما استندت على ساعده شعر بأن الغضب يتأجج بداخله ، انتبه على يد تهزه بلطف ليجد أنها والدته ، التفت إليها لتقول بهدوء : ماذا تفعل ، تعال ، فعروسك جالسة بمفردها.
هز رأسه وأتبع والدته ورأسه يكاد أن ينفجر من كثرة التفكير وسؤال واحد يتردد به من أين تعرف وليد ؟ وما علاقته بها ؟ وما درجة قرابته منها لتضحك له وتبتسم بتلك الطريقة وتستند إلي ذراعه. جز على أسنانه وهو يقول بداخل نفسه :" سنرى هنادي ، سنرى .
***
__اهدئي ياسمين من فضلك ، لا أفهم ما سبب توترك هذا .
قبضت كفيها بقوة وقالت بخفوت : أشعر بالقهر ليلى ، أتى ليقهرني .
نظرت لها ليلى ونظرت حولها بارتباك لتقول بهدوء : اصمتي ، أقارب هشام والمدعوين سيستمعون إليك .
اقتربت منها وأمسكت بيديها لتهمس لها : لا نريد أن نتسبب بفضيحة ياسمين ، تذكري سمعتك وسمعة والدك أهم من وليد وما فعله .
هزت رأسها لتقول ليلى بهدوء : عدلي من زينتك وأحمر شفاهك لتخرجي إلى عريسك ، لا نريد أن نتأخر عليه .
نظرت إلي المرآة لتعدل من أحمر شفاها تذكرت ما قاله لتشعر أنها ستبكي من القهر وأنها لم تصفعه مرة أخرى على وقاحته معها ، لتنتبه من أفكارها على ليلى وهي تضغط على كتفيها وتهمس لها : لا تشغلي رأسك بأي شيء آخر الآن . فقط فكري بعمي وبك وبهشام .
هزت رأسها بالإيجاب لتعدل من أحمر شفاها بمهنية شديدة وتعدل زينتها وترسم ابتسامتها الفرحة وتخرج إلي عريسها الذي ينتظرها بالخارج
***
يجلس برفقه أحمد بغرفته ويلعب معه البلاي ستيشن ليقفز أحمد صارخًا : جول ، وينظر إليه بغرور - أنت لا تستطيع هزيمتي عبده.
ضحك عبد الرحمن ليقول بهدوء : للأسف نعم ، ولكني أستطيع هزيمتك على أرض الواقع
أحنى أحمد رأسه بتأثر وقال بسخط : نعم للأسف ، سأطلب من دادي أن يشترك لي بمدرسة لتعليم كرة القدم لأهزمك .
ابتسم عبد الرحمن لتتجمد الابتسامة على شفتيه وهو يراها تقف على باب الغرفة وتقول بهدوء : أحمد أين شقيقتك ؟
نظر له أحمد : إنها تسأل عن هنا.
رد احمد بلغة إنجليزية سريعة : تعالي تومي ،هنا نامت منذ قليل ، أنت تعلمين فهي تلتزم بقوانين أمي .
أعاد معنى الجملة لعبد الرحمن مرة أخرى بالعربية ليقول عبد الرحمن بحزم : وأنت الآخر أحمد لا بد أن تسمع الكلام ، سأذهب أنا وأنت اخلد إلي النوم ، وغدًا أعدك أن أعلمك القليل من كرة القدم.
شعر الصبي بالحماس ليهز رأسه موافقًا ويقول : حسنًا ، تصبح على خير .
ابتسم عبد الرحمن : وأنت من أهل الخير.
تركه وانصرف سريعًا من الغرفة دون أن ينظر إليها ، ليشعر بها خلفه فيلتفت لها بحده ويقول بهمس : من فضلك احترمي والدك قليلًا ، ولا تفعلي ما تفعلينه هذا .
شعرا بحركة لا يعلمان مصدرها لتدفعه هي بقوة وتتبعه إلى مكان ما دفعته وتغلق باب الغرفة خلفها ، تصلب جسده كله وهو يرى أنه أصبح بغرفتها ، عندما أضاءت المصباح وابتسمت بإغراء : ماذا ستقول الآن عبده ؟
تراجع الي الوراء وهو يراها تتقدم باتجاهه : أنت في غرفتي ، وأنا أستطيع أن أتسبب لك بفضيحة وأقول أنك حاولت أن تتحرش بي .
قفز عرق نابض في رأسه وهو ينظر إليها غير مصدق لما تفعله وأنها تفك رباط روبها الحريري ، ليقول بقوة ناهرًا إياها وبإنجليزية سليمة : توقفي عما تفعليه ، أرجوك .
نظرت له بتعجب وقالت بدهشة : أنت تتكلم الإنجليزية .
تقدمت منه أكثر ليغمض هو عيناه عن رؤية قميصها الحريري المثير لتتلمس وجهه بإعجاب : أنت جميل عبد الرحمن ، لا أعلم ماذا ينتابني عندما أراك .
رفع وجهه بعيدًا عنها حتى لا يسمح لها بتقبيله كما أرادت لتقول بسخط : مما أنت مصنوع ، قابلت رجال كثيرون كانوا يرتمون تحت قدمي لكي أعطيهم نظرة واحدة لا أفعل معهم ما أفعله معك .
نظر لها وقال بقوة : لم يكونوا رجال. .
همت بالرد عليه لتعلو دقات على باب الغرفة وصوت هنا الرقيق تقول بضعف : تومي أشعر بالتعب ، هل أنت مستيقظة ؟
نظر إليها وقال بخفوت آمرًا : افتحي لها الباب وحاولي أن تبعديها من عند الباب ثم أرسلي لي أحمد لنذهب بها إلي المشفى .
نظرت له بارتباك لتغلق نور الغرفة وتذهب لتفعل ما أمرها بها ، ليتجه هو إلى النافذة ويخرج منها
يلف ويدور بالحديقة وهو يشعر بالقلق على هنا ، لا يعلم لماذا لم ترسل له أحمد إلي الآن ، وجدها فجأة أمامه ليقول سريعًا : أين هنا ؟ ولماذا لم تفعلي ما أخبرتك به ؟
نظرت إليه بقوة لتقول ببرود كانت نوبة عادية ولم تستطع العثور على البخاخ ولكني وجدته وعندما أخذت الدواء أصبحت بخير .
نظر لها وقال بهدوء : ولماذا ترتدين ملابسك ، إذا كانت هنا بخير .
قالت بلا مبالاة : سأخرج ، هل ستمنعني من الخروج ؟
هز رأسه نافيًا ليقول :لا ولكني أنصحك بالابتعاد عن تلك الشلة ، فهم لا يناسبون وضعك الاجتماعي .
ضحكت ساخرة : وضعي الاجتماعي ، أي وضع ، إنها بلاد متخلفة على أي حال
أبي هنا ملك ولكنه هناك لا شيء.
جز على أسنانه غضبا ليقول بحدة : والدك الذي لا تشعرين بقيمته يحترمه الأمريكيون أنفسهم ويقدرونه . لكنك لا تدركين ذلك.
نظرت له بلا مبالاة وقالت ببرود : لا تهمني آرائك ، سأذهب لأرى أصدقائي على أي حال سلام .
زفر بضيق وهو ينظر إليها وهي تخرج من باب الفيلا ليقول بخفوت : غبيه .
***
خرجت من القاعة وسط أصوات الزغاريد ليوصلها هشام إلي السيارة ويقول بحنق :اعذريني ياسمين ، سأذهب لأرى جدي ، فهو يريدني بشيء ما
ابتسمت وهزت رأسها موافقة لتقول ليلى لها بهدوء : ياسمين ،سأذهب أنا مع عمي لا يصح أن آتي معكم ، فهشام أخبر الشباب أقاربه أنكما ستخرجان بمفردكما .
هزت رأسها بالموافقة أيضًا لتحتضنها ليلى وتقول بسعادة : مبروك حبيبتي.
لم تستطع الرد عليها ، لتدخل إلي السيارة وتصفق الباب بقوة جعلت السائق ينتفض
ويخفض صوت الراديو وهو يقول بتلعثم : آسف لم أنتبه إلي سيادتك فأنا أستمع إلي ذلك البرنامج منذ أن بدأ وعلى الرغم أنه اليوم لا يذيع إلا الأغاني الحزينة ، ألا أنه مبدع في اختيار الأغاني اليوم أيضًا .
ابتسمت بألم وهي متأكدة أنه يستمع إلي برنامج وليد لتقول بهدوء : وأنا أيضًا استمع إلي ذلك البرنامج منذ أن بدأوا في إذاعته ، ارفع الصوت لو سمحت سأستمع إليه معك .
ابتسم السائق صغير السن بفرح ورفع صوت الراديو كما أرادت ليصلها صوته عبر الأثير مخنوقا وكأنه كان يبكي " أعزائي المستمعين أعتذر اليوم عن موجة الأغاني الحزينة ولكني أعدكم المرة القادمة بأغاني أكثر فرحا من اليوم
والآن موعدنا مع آخر أغنية في اللقاء مع مطربنا الجميل "صابر الرباعي " و "تفتكر هقدر " الأغنية إهداء خاص مني لشخص لن يستمع إليها أبدًا ، ألقاكم على خير ، سلام .
ارتفع صوت صابر الرباعي وهو يشدو
تفتكر هقدر اسيبك تفتكر هنسى الليالي
قلبي مهما يكون حبيبك وأنت أدرى الناس بحالي
إن قدرت في يوم تسبني بردو هتكون عندي غالي
افتكر كل إلي بنا قبل ما تهد إلي بنا
افتكر لي كلمة حلوة قبل ما تضيع حبيبك
نظرت إلي الراديو في صدمة ، "هل يعنيها بتلك الأغنية ؟"
شعرت بالدموع تتجمع في عينيها لتشيح بعينيها بعيدًا وتنظر من النافذة وهي تشعر بأن قلبها يئن وروحها تزهق لتهمس لنفسها "كوني قوية ياسمين ، كوني قوية "
السؤال جاوب عليه أظلمك يا حبيبي ليه
يا حبيبي لو حبيبي إنسى كل إلي إحنا فيه
خذ عيوني شوفني بيها شوف بحبك قد أيه
السؤال جاوب عليه أظلمك يا حبيبي ليه
يا حبيبي لو حبيبي إنسى كل إلي إحنا فيه
خذ عيوني شوفني بيها شوف بحبك قد أيه
رجع بكرسيه إلي الوراء وهو يغمض عيناه بألم وذكراها لا تنفك تداهمه وتخترق حصون قوته ليشعر بألم عميق يتجذر بداخله يريد أن يبكي ، يصرخ ، يكسر أي شيء تطوله يداه ، يريد أن ينفجر ولا يعلم كيف؟
انتبه من أفكاره على صوتها الغنج وهي تقول : وليد ببذلة رسمية ؟ أن هذا سبق في حد ذاته .
فتح عيناه و اعتدل في جلسته ليبتسم لها بإرهاق : أهلاً باكينام ، كيف حالك؟
ابتسمت وهي تتقدم داخل الغرفة لتقول بهدوء : أنت هنا إذن ، توقعت عندما استمعت إلي الأغاني الحزينة وأنا آتية بسيارتي أن أحدًا غيرك من يذيع تلك الأغاني فعلى مدار سنة وأنت تذيع الأغاني الحالمة ،وتأكدت عندما لم أجد سيارتك بالجراج.
ابتسم بسخرية : كنت أمني نفسي بالحلم ولكنه ضاع ، انتهى .
حركت رأسها بغنج واضح و أرجحت شعرها بحركة مغرية : أنت حزين
هز رأسه نافيًا : لا
اقتربت أكثر منه لتجلس أمامه على طرف الطاولة : أخبرني لماذا ترتدي تلك البدلة الفخمة ؟
__كنت أحضر خطبة أحد أصدقائي .
ابتسمت باتساع : العقبى لك وليد .
ابتسم بسخرية شديدة : اه إن شاء الله ، ولك أيضًا .
ضحكت ساخرة : لا عملت على تجربة ذلك المشروع مرة واحدة وأتت فاشلة بكل المقاييس .
هز رأسه متفهمًا لتقول وهي تنحني عليه لتضع وجهها بوجهه : لماذا لا تأتي معي ؟ سأزيل عنك ذلك الضيق الذي يخيم عليك .
نظر لها ولأول مرة يشعر بالتردد في أن يأخذ قرارًا كهذا لتشده من يده بقوة : هيا ، تعال .
ابتسم وهو يخبر نفسه " لا يوجد ما تخسره وليد ، لا يوجد ."
***
يقود السيارة وهو يبتسم وينظر إليها بطرف عينه لتقول بصوت خافت حتى لا يسمعها والديها : علام تبتسم خالد ؟
نظر لها وأجابها بصوت خافت مقلدا إياها :أشعر بالسعادة فالخطبة راقت لي .
اتسعت ابتسامته لتعقد هي حاجبيها وهي تتذكر تلك الفتاة الصغيرة التي أبدت اعجابها بخالد فعليا بعد أن كادت أن تقع وأنقذها خالد من الوقوع والاحراج
فابتسمت له وكادت تحتضنه شاكرة إياه ،تخلص خالد منها برقه وذوق لتأتي بعد قليل وهي تحمل طبق الطعام وتقدمه له كوسيلة لإبداء شكرها له وعرفانها بجميله ولم تكتف بذلك بل دعته للرقص أيضًا ، فلم تشعر منال بنفسها إلا وهي تجذبه من يده وتقول لها بغيظ تحكم بها : سيرقص معي يا آنسه .
عندما لاحت الدهشة على ملامح الأخرى اتبعت وهي تصافحها بقوة كادت أن تكسر بها أصابعها : أنا زوجته .
لفت إليه وقالت بحدة ولكن بصوت خافت : أنت معجب بالأنسة الصغيرة التي تعاملت معك على أنك بطل وأنقذتها من الغرق في النيل ليس من الوقوع أمام الناس.
كتم ضحكته بصعوبة ليقول بهدوء : بل سعيد لأنني بعد مرور خمس سنوات على زواجنا ، رقصت أخيرًا مع زوجتي وحبيبة قلبي .
احمرت وجنتاها بقوة لتلتفت إلى والديها حتى تتأكد أنهما لم يستمعا إلي حديثهم لتجدهما منهمكين بحديث خاص بهم عن الحفل .
اقترب منها بكتفه ليقول بهمس : عيناك رائعتان وهما تتألقان بنار الغيرة هكذا .
احتقن وجهها لتقول باستنكار : ممن أغار ؟ من تلك الصغيرة .
اتسعت ابتسامته : كل النساء لا يشكلن فارقًا معي منال ، فأنت ملكة قلبي المتوجة .
احمر وجهها خجلاً واشاحت بنظرها بعيدا عنه لتنتبه على صوت والدها الحنون وهو يسأل : هل أعجبكما الحفل ؟
قالت برقتها المعهودة : رائع أبي ، العريس وسيم ولبق ومن الواضح أنه خفيف الظل.
التفت لها خالد ونظر لها بحده وهو يرفع حاجبه معلنًا اعتراضه على كلامها لتردف سريعا : والعروس قمر في ليلة اكتماله ، ما شاء الله عليهما سينجبان أطفالا في غاية الجمال .
قالت والدتها : وأنت خالد ؟
قال بهدوء : الحفل رائع أمي ، ولكنني أتعجب أن سيادة المستشار سمح لابنته أن ترتدي فستان عاري إلى هذا الحد ، لم أتوقع أن أجد العروس متحررة بهذا الشكل .
ابتسم سيادة السفير : الآباء لا يريدون إفساد ليالي كهذه بتلك الاعتراضات خالد .
هز رأسه بعدم اقتناع لتقول منال : أنت متزمت إذًا .
__لا ليس تزمتًا ، ولكن لم أفهم ذلك الشاب كيف لا يشعر بالغيرة وخطيبته ترتدي فستانا كهذا الفستان .
رفعت حاجبيها تعجبا لتقول بهدوء : ما علاقة الغيرة بملابسها خالد ، أم هي غيرة التملك ؟!
التفت لها بحدة : ما هذا الهراء منال ؟ أنا أحب زوجتي فأغير من ملامسة الهواء لها لا أتركها ترتدي فستان كهذا .
ابتسمت وقالت : لك وجهة نظر تستحق الاحترام .
ردد بدهشة : وجهة نظر .
قالت الأم بهدوء وهي تشعر ببدء خلاف فعلي سيؤدي للمشاجرة بينهما : انتهينا ، اتركا العروسين بحالهما ، خالد انظر إلي الطريق أمامك بني ، نريد أن نصل بأمان وسلامة .
ابتسمت منال وهي تشعر أنه يتميز غيظا من والدتها التي حرمته من متعة نقاشه معها ، لتقول بابتسامة : ها قد وصلنا .
ركن السيارة ونزل منها ليتبع منال إلى داخل الفيلا وقال بصوته الرخيم : تصبحون على خير .
اعتلى الدرجات بخفة ومنال تنظر إليه تعلم جيًدا انه ضائق منها ، ابتسمت لتقول بهدوء وهي تقبل كلا والديها :تصبحون على خير .
صعدت ونظرت إلى غرفتي الطفلين واطمأنت عليهما لتذهب وتقف أمام باب غرفتها وتتنفس بقوة وهي تدعو أن لا يكون غاضبًا ، خطت إلي داخل الغرفة
لتندهش وهي ترى الغرفة مظلمة إلا من نور ضئيل وهو يغط في نوم عميق .
***
جالسة بمنتصف فراشها متدثرة بغطاء خفيف ، تكتب على حاسوبها بسرعة كبيرة وهي مبتسمة باتساع ، تقص لأمير كم كانت الخطبة جميلة ورائعة وكم كانت ياسمين متألقة بفستانها
قرأت بهدوء : العقبى لك ليلى .
ابتسمت بخجل : و لك أنت أيضًا .
__ ألن تجيبي عن ما سألتك إياه ؟
توترت وكتبت ببطء شديد : أمير لا أفكر الآن بتلك الطريقة أنت أخ لي و صديق عزيز علي ، لا أريد خسارة صداقتك .
وقبل أن ترسل ما كتبته ، اهتز هاتفها لتجفل ثم تبتسم وهي ترى اسمه ينير شاشة الهاتف ، نظرت قليلا للهاتف لترد قائلة بمرح: الوقت متأخر ، ألم تنظر إلي ساعتك قبل أن تهاتفني ؟!
ضحك بخفوت : بل أعرف التوقيت جيدًا ولكني أردت الاطمئنان عليك ، أخبريني كيف كانت الخطبة ؟
قالت مبتسمة : جميلة كانت تنقصك ، لماذا لم تأتي لتعود بسيادة السفير ؟
__أخبرني ألا أعود وأنه سيعود مع خالد ، و أنا لم يدعني أحد للخطبة لأحضر .
تلون وجهها بالإحراج لتقول بتلعثم :المعذرة عبد الرحمن ،غضبي منك أنساني أن أعطيك دعوة لحضور الخطبة.
ابتسم : لا عليك ليلى ، أنا أطمع في حضور خطبتك أنت .
سكتت ليقول : ما يهمني الآن نبرة السعادة التي اسمعها في صوتك .
ابتسمت باتساع : أنا بالفعل سعيدة ، الخطبة كانت رائعة .
صمت قليلا ليقول برقة : لن تكون بروعتك .
تنهد وهو يردف بهمس: الحديقة تسأل عنك ليلى ، أوراق الأشجار أوصتني أن أبلغك بأنها اشتاقت إليك ، طقم البامبو الذي تجلسين عليه اشتكى لي من هجرانك له، وأنا ذبت شوقا لرؤياك .
احمر وجهها بقوة لتتسع عيناها ويدق قلبها بعنف فتغلق الخط دون سابق إنذار.
قال بهدوء : ليلى
لينظر إلي الهاتف ويجد الخط مغلقا ليضحك بقوة على ردود فعلها العجيبة عليه كتب لها رسالة وأرسلها وهو ينظر إلي الهاتف مبتسما .
تشعر بالذهول مما قاله لها ليرن هاتفها معلنا عن وصول رساله
فتحتها بأصابع مرتبكة لتبتسم وهي تقرأ " أنا لا أمزح معك ، أرجوك لا تغضبي ، أنا أخبرك بما أشعره نحوك ، أرجو أن لا تغضبي ، كلي شوق لأراك غدًا ، تصبحين على خير يا ليلتي الجميلة "
شعرت بالخجل يطغي عليها ووجها احترق بالفعل من كثر السخونة التي تشعر بها لا تصدق مقدار السعادة التي تشعر بها الآن ، أنه يحبها
تساءلت " هل يحبها فعلا ؟ "
"وانت ليلى ، بماذا تشعرين نحوه "
هزت كتفيها بعدم معرفة " لا أعلم ، أشعر بالسعادة فقط ، وأشعر بالشوق إليه ، افتقدته الأيام الماضية بمزاحة الثقيل ونبرته الحنون ، وتألق عينيه السوداوين ، فخامة حركته وغروره المحبب "
قالت بهمس : وأنا الأخرى اشتقت لرؤيتك عبد الرحمن .
تحركت لتستلقي جيدًا على الفراش لتخبط ذراعها في حاسوبها المفتوح ، اتسعت عيناها وهي ترى كلامها المكتوب الغير مرسل وكيف أمير استأذن منها وخرج بعد أن أرسل لها أكثر من مرة نداء تنبيه لم تستجب له
مسحت رسالتها التي لم ترسلها لتكتب له اعتذارًا صغيرًا وترسله وتغلق حاسوبها وتضعه جانبًا وتستلقي على يمينها وهي تنظر إلي رسالته مرة أخرى وتتذكر همسه بأنه ذاب شوقًا إلي رؤيتها لتشعر بأنها تسبح في النعيم وتغفو عيناها وعلى فمها ابتسامة رضى
***
وصلت إلي منزلها لتقول بصوت هادئ : المعذرة هشام ، أرجوك لا تغضب .
هز رأسه نافيًا : لا تعتذري ياسمين ، أعلم أنك متعبة ، ثم أن الأيام أمامنا ، لماذا نتعجل اليوم ، أنا الآخر أشعر بالتعب .
هم بالنزول معها لتقول بهدوء : لا داعي هشام ، أن تصعد معي
ابتسم : لا يجوز ياسمين ، يجب أن أصعد معك واطمئن عليك ، هيا
أوصلها إلي باب البيت واستأذن منها بلطف وهو يخبرها أنه سيتصل بها في الصباح .
دخلت بثقل وخطوات بطيئة إلي منزلها لتجد والدها أمامها يبتسم لها بحب ، ارتمت بين ذراعيه ليحتضنها ويقول بقلق : ما بك ياسمين ؟
ابتسمت بهدوء : لا شيء بابا ، أنا متعبة ليس أكثر ،ثم أشعر بشوق شديد لأن تحتضنني لأنام بين ذراعيك وأغفو كما كنت تفعل وأنا صغيرة .
ابتسم ليربت على خدها بحنان : ستظلين صغيرتي وخطيبك هذا لن يستطيع أن يمنعني من تدليلك وقتما أريد .
ابتسمت بتعب لتقبل خده : تصبح على خير بابا .
احتضنها مرة أخرى : وأنت من أهل الخير حبيبتي .
تركت أباها ودخلت إلى غرفتها وأغلقت الباب ورائها لتستند عليه بجسدها وتسقط ببطء إلي الأرض وهي تحرر دموعها من اسرها ، فتتدافع وراء بعضها وكأنها تريد الخلاص من قيود عينيها .
***
يجلس على النيل بعد أن صرف السائق ، فهو لن يغامر ويعود إلي البيت وجده لا زال مستيقظا ، لا يريد أن يتشاجر معه ، يكفيه ما قاله له بعد انتهاء حفل الخطبة وهو يخبره أنه غير راض عن تلك الزيجة ولا تلك الفتاة ، لا يفهم لماذا يتعامل معه كذلك ، لماذا يقلل دائمًا من شأنه أمام نفسه ؟
تنهد بحرقة وهو يتذكر كيف اعترض المرة الماضية على هنادي وكيف حارب هشام معتقداته البالية ، وكيف أخفى عنه وعن والدته أن هنادي تكبره بعامين ، ولكن اعتراض جده في الأساس كان على شخصيتها القوية وتحررها في التصرفات والملابس ، وعلى الرغم أن هنادي تغيرت كثيرًا من أجله لترضيه وترضي عائلته، جده ظل معترضًا إلي أن رأت أمه عقد الزواج واكتشفت أن زوجة ابنها العزيز ، ابنها الوحيد تكبره بسنتين ، فجرت البركان وأخبرت عمها الحبيب فهي الأخرى لم تكن راضية عن زواجه منها ، ولكنه أعلن العصيان عليهما
فهنادي أصبحت زوجته ولن يطلقها من أجل أي شخص والزفاف الشهر القادم قراره أغضب جده و والدته ولكنه لم يبالي بأحد ، إلي أن ظهرت نتيجة تحاليل ما قبل الزواج ، لا يعلم للآن ما الذي دفعه لأجرائها فهو عقد قرانه والأمر انتهى
ولكن التفسير المنطقي أنه كان يريد ابهار هنادي ويظهر لها أنه راقي وذو عقل متفتح ، لتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتعلن عن كارثة هدمت المعبد على رؤوسهم ، فالتحاليل أثبتت أنهما لن يستطيعا الانجاب معًا وإذا انجبا سيأتي الأطفال إما مشوهين أو متأخرين ذهنيا أو معاقين ، ولكن كلا منهما يستطيع بمفرده انجاب أطفال أصحاء معافيين من زواج آخر .
وصدر قرار جده حاسم وحازم بأنه لابد أن يطلق هنادي وانضمت والدته لجده ليشكلا جبهة قوية لم يستطع التصدي لها ، ولكن ما طعنه حقا تخلي هنادي عنه وانسحابها من حياته ببساطة ، بل استفزازها له وضغطها عليه ليطلقها كما يريد جده
نسيت كل ما حدث بينهما وكل ما خططا له وهددته بأنها ستفضحه في المحاكم وترفع عليه قضية طلاق إذا لم يطلقها طواعية وأن لا يضطرها للجوء إلي الخلع ، استجاب لرغبتها وهو يشعر بالقهر ،
قبض كفيه بشده وعيناه تلمع وهو يتذكر أنه لم يوثق اجراءات الطلاق .
ابتسم بخبث أشد وهو يشعر أنه سيملكها من جديد تمتم ببرود : "إلى أين ستهربين مني هنادي ؟ لا يوجد لك أحدًا سواي .
***
فتحت الباب ليظهر منزلًا أنيقًا على الطراز العصري لتبتسم بغنج وهي تشده من يده: تعال وليد ، تفضل .
خطي إلي داخل المنزل بتردد ليزفر ما بصدر من هواء وهو يحدث نفسه " ما بك وليد هل لا زلت تلميذ تتوتر من قربك من النساء ؟"
اتجهت إلي ميني بار موضوع في شمال الصالة الواسعة وقالت له بابتسامة : اجلس وليد ، تفضل .
جلس على أريكة واسعة مريحة لينظر إلي البيت وهو يتعجب من الترف الذي تتمتع به باكينام
ماذا ستشرب وليد؟ فودكا... تكيلا... أم نبيذ ...أعتقد أن لدي نبيذ احمر.
التفت إليها في دهشة وقال بهدوء : عصير برتقال .
رفعت حاجبيها بتعجب ليردف : أنا لا احتسي الخمر .
نطقت ملامحها بالتعجب والدهشة لتقول : عجيب ، أنت شخص عجيب!
ابتسم ابتسامة مستهترة : لماذا ؟ هل اصبحت عجيبًا لأني لا احتسي الخمر ؟
ثم أردف وهو ينظر لها ببرود : لا يوجد لدي ما أريد نسيانه لأحتسي الخمر .
نظرت له بتفحص : إذن بيره
قهقه ضاحكا : لا عصير برتقال .
هزت رأسها بعدم استيعاب : على راحتك .
أتت بعد دقيقتين تحمل صينية عليها كأسين من البرتقال لتضعهما أمامه وتجلس ملاصقة له بعد أن تحررت من الوشاح الملتف حول رقبتها والجاكيت القطني الذي كان يخفي قليلاً من فستانها العاري وهمست بجانب أُذنه : ما بك وليد ، أشعر أنك ضائق من شيء ما .
ابتسم والتفت إليها ليجد وجهها قريبًا منه حتى كاد يصطدم به نظر لها وقال بنبرة تشوبها السخرية : أحقًا تريدين معرفة ما بي وبماذا أشعر ؟
تأمل ملامح وجهها الجميل وأردف : لا أعتقد باكي ، أنت تريدين شيئاً آخر أليس كذلك ؟
ابتسمت بإغراء وقالت بلا مبالاة : لا تكن فظًا ديدو ، تعامل معي جيدًا .
تلاقت أعينهم ليدور حوار رخيص فج بينهما عنوانه الفجور ليتلمس خدها بيده ويشعر بنعومة جسدها بين ذراعيه ويتناول شفتيها بقبلة وهو يغمض عينيه ليشعر بحلاوتها فرأى ياسمين أمامه واستعاد مذاق قبلته لها ليشعر بالازدراء مما يفعل ارتد إلي الوراء متوترًا مما شعر به
نظرت إليه في تساؤل فابتسم لها بتوتر واقترب منها مجددًا وعاود الكرة ولكن تلك المرة لم يستطع أن يقترب منها فعندما اقترب أكثر وشم رائحتها شعر بغيثان فعلي وهو يتذكر رائحة ياسمين الندية
لينتفض واقفا وهو يقول بتلعثم : المعذرة باكي ، أشعر بقليل من التعب ، لن أستطيع لن أستطيع ، تناول جاكيت بدلته وهاتفه ومفاتيحه من على الطاولة وخرج سريعًا من البيت وهي تناديه بحنق : وليد ، وليد .
***
مستلقي على الحشائش في الحديقة وينظر إلي القمر يناجي الليل بحبه لها لن يستطيع كتمان الأمر عنها أكثر من ذلك ، كل خلايا جسده تصرخ بحبه لها وهيامه بها ، كم كانت جميلة اليوم بفستانها المحتشم ولونه الكريمي وخدودها المحمرة من الخجل بعد أن تكلم معها السفير بضع كلمات ، استنتج هو منها أن السفير يتكلم معها عن أمر يخصها هي ، كان سيجن من ابتسامتها السعيدة وملامحها التي ترقص فرحًا من أجل ابنة عمها ، كان يريد أن يذهب إليها ويخطفها من بين الناس كما أخبرها اليوم، ولكنه حكم عقله ونحى مشاعره فهناك أشياء أهم بكثير من قلبه ومشاعره .
تنهد بحب ليقفز منتفضا على صوتها وهي تقول : تشكو للقمر حبك لها .
نظر لها بتعجب وهي تقف أمامه ببنطالها الجينز ذو الخصر الواطي وبادي يظهر صدرها وبطنها وممسكة بالقميص الذي كانت ترتديه عندما خرجت أمامه
ليقول ببرود : كيف دخلت إلي هنا ؟ الباب الكبير مغلق والخلفي كذلك .
ابتسمت بسخرية : لدي طرقي الخاصة.
ترنحت في وقفتها لتتسع عيناه ويسألها بحده : أنت مخمورة ؟!
قالت بلا مبالاة ولسان ثقيل : أنهما كأسين شربتهما من أجل أرون .
جز على أسنانه وهو يقول لها بغضب : أيتها الغبية ، ستتسببين بفضيحة لوالدك .
اقتربت منه وهي لم تسمع ما قاله لتقول له : لماذا لا تنظر إلي ، كما تنظر لها ؟ لماذا تتألق عيناك بتلك اللمعة حينما تنظر إليها و تفكر بها ، أتعجبك تلك المتخلفة بأزيائها العجيبة وما تضعه على رأسها ، لا أفهم ماذا ترى بها بملابسها الغير متناسقة ، وغطاء رأسها العجيب .
نظر لها وقال بهدوء : أخبريني تومي ، ماذا يحدث لقالب الحلوى إذا وضع في الهواء الطلق دون غطاء أو غلاف يحميه ؟
نظرت له بدهشة وتنحنحت واعتدلت بوقفتها وقالت ببساطة : سيجذب الحشرات ويفسد بعد فترة قليلة.
__ وإذا كان مغطى بغلافه الرقيق ؟
هزت رأسها بعدم فهم لما يريد أن يصل إليه : لن يحدث له شيئًا.
أكمل لها : سيظل محتفظًا بطعمه الرائع ومذاقه الخلاب .
نظرت له وهي ترى ابتسامته تزين شفتيه ومقصده واضح من عينيه ليردف هو: هذا هو الفارق صغيرتي ، أنا أحب الحلوى المحتفظة بمذاقها .
دمعت عيناها وشعرت بالاختناق يسيطر عليها وقالت بصوت بهمس : أنا.
صمتت ليبتسم هو ويقترب منها مهدئًا : اهدئي فاطمة أعلم جيدًا أنك لا زلت صغيرة السن ...طائشة ... ولكن لا زال بداخلك هويتك العربية تتحكم بك
تنهد : ولكني أخشى أن تفقديها بسبب طيشك هذا .
نظرت له وارتمت تبكي بين ذراعيه دون سابق إنذار ليتصلب هو ويربت على رأسها : اهدئي صغيرتي ، اهدئي ، وهيا اصعدي لتنامي فالوقت تأخر جدًا .
ابتعدت عنه وهي تتمتم : آسفة عبده على كل ما فعلته معك ، أعذرني .
__تصبحين على خير .
ابتسمت واشارت له مودعه : و أنت من أهل الخير ، أحلام سعيدة .
تمايلت بخطواتها وهي تسير في اتجاه الفيلا لتنظر حولها وتربط القميص على خصرها وترتدي الشنطة بوضع مائل لتقترب من حائط الفيلا القريب من نافذة غرفتها وتقفز لتمسك بأول السلم الحديدي المثبت بالحائط ويستعملونه ليصلوا إلي سقف الفيلا ، تسلقته بيديها ورجليها إلي أن وصلت بجانب نافذتها فقفزت لتتعلق باطار النافذة وتدخل إلي غرفتها الغارقة بالظلام وتغلق الشباك لتفاجئ بالغرفة تضاء وتجد والدتها بوجهها
قالت بحدة : أين كنت فاطمة ؟
شعرت بالتوتر من وجه أمها الصارم لتقول بهدوء : مع أصدقائي ، خرجت برفقتهم قليلاً .
فوجئت بكف أمها يهوي على خدها بلطمة قوية لم تكن مؤلمة بقدر ما أوجعتها وهي تنظر إلى أمها الغاضبة وهي تقول بحدة وغضب حقيقي : لماذا كذبت وقلت إنك مريضة وها أنت بأحسن حال أمامي ، تكذبين لتذهبي وتقابلي ذلك الشاب الذي لا نعلم من هو ، وتشربين الخمر أيضًا ، لماذا أصبحت على ما أنت فيه الآن؟ ماذا حدث لك ؟ لم نقصر بحقك لا أباك ولا أنا ، لماذا تفعلين بنا ذلك ؟
امسكت شعرها وشدته بقوة وهي تسألها : أخبريني إلي أي مدى وصلت علاقتك بذلك الشاب .
أجابت فاطمة بألم وهي متفاجئة من ردة فعل أمها العنيفة : لا شيء أمي ، إننا مجرد أصدقاء .
تركتها والدتها ونظرت لها بضيق ، لتقول بصوت غاضب :خروج بمفردك مرة ثانية ممنوع ، ولن تعودي لأمريكا مرة أخرى ، أنت لا تحتاجين إلي الماجستير يكفي شهادتك التي حصلت عليها ، وأول عريس سيأتي لك سنزوجك إياه .
اتسعت عيناها بدهشة من أمها وكأنها تراها لأول مرة .. همت بالرد لتسكتها أمها بإشارة حادة قاطعة : لا نقاش فاطمة ، لا نقاش ولا تنسي أنت تحت السن القانونية فأنت لم تتجاوزي الواحد وعشرون بعد ، وقبل أن تتجاوزيها ستكونين برفقة زوجك.
غادرت الغرفة سريعًا لتترك ابنتها في حالة من الذهول وهي تفكر فيما حدث هل هي تخيلات بسبب شربها للخمر أم هي حقيقة و أمها جنت حتما؟!
تحسست خدها بهدوء لتشعر بصفعة والدتها لتتنهد وهي تلعن اليوم الذي وافقت خالد على أن تأتي إلي هنا .
***
همس برقة بجانب أذنها : صباح الخير .
انتفضت برقة لتنظر إليه وهو يتحرك ليأتي ويجلس على الاريكة إلي جوارها تحاشت النظر إلي عينيه :صباح النور .
ابتسم وهو ينظر إلي حمرة خديها وخجلها الواضح على محياها تنهد لينظر إلي الأمام ويقول بهدوء : ظننت أنك تتجنبيني اليومين الماضيين وخاصة أنك تهربت مني ولم تسمحي لي بأن أوصلك إلي بيتك .
ارتبكت قالت بتوتر : لا إطلاقًا .
نظر لها ورفع حاجبيه : حقًا ؟!
هزت رأسها بالإيجاب ليتبع : حسنًا ، سأتخلص من تلك الأفكار الهدامة واتشبث بأفكاري الجميلة البناءة وأخبر نفسي بأنك اشتقت إلي كما اشتقت أنا إليك .
تلون وجهها بالأحمر القاني لتنظر بعيدًا عنه فابتسم وقال مشاكسا : لا أمزح .
ضحكت بخفة ليقترب منها بجلوسه ويقول بخفوت : ألا تريدين دفترك ؟
نظرت له لتجد عيناه تتألقان بلمعة جذابة ، شعرت بقلبها يخفق بجنون فخفضت بصرها ليقع نظرها على ساعته الفخمة ، فتشعر بالدهشة تسيطر عليها وسألته بدون تفكير : هل هذه ساعتك ؟
ابتسم وقال بخفة : لا استعرتها من خالد بك .
نظرت له بتعجب ليضحك بقوة وهو يقول : بالطبع ساعتي ، لماذا ألا تعجبك ؟
نظرت له بتشوش وقالت : لا بالعكس أنها جميلة ولكن يوجد صديق لي اشتراها منذ فترة قريبة ، لذلك أسألك عنها.
نظر لها بحده وقال : من صديقك هذا ؟
توترت من نظرته الحادة وقالت بهدوء : صديق لي .
__نعم سمعت ذلك ، أسأل من هو ؟
قالت بغضب من أسلوبه الجاف : صديق ، أتعرف كل أصدقائي .
رفع لها حاجبه وقال بغضب : سألت عنه جاوبي .
انتفضت واقفة وهي تقول بحدة : يا سلام ، ولماذا أجيبك ؟
وقف أمامها لينظر لها بحدة : لأني سألتك عن هذا الشخص الذي تعرفين نوع ساعته وتتذكرينه عندما رأيتِ الساعة بيدي .
همت بالرد عليه ليوقفها صوت فاطمة وهي تقول بعربية ركيكة : صباح الخير .
رد عبد الرحمن دون أن ينظر إليها : صباح النور .
التفت لها وهي تبتسم بمهنية : صباح النور .
ظهرت الدهشة على ملامح ليلى وهي ترى فاطمة ببنطلون قماش واسع إلي حد ما وترتدي عليه بلوزة من الحرير بدون أكمام سألت بتوتر : أتتحدثين العربية ؟!
اتسعت ابتسامتها وهي تنظر إلي عبد الرحمن : حتى يفهمني عبده .
نقلت نظرها إليه وهي تردد : عبده
أكملت الأخرى بابتسامة مرحة : نعم ، أريد أن أتواصل معه .
نظرت له متسائلة ليقابلها بنظرات غاضبة لتردف فاطمة : ما رأيك أريدك أن تعلميني أنا الأخرى مثل أحمد وهنا .
التفتت لها وقالت ببرود : لا وقت لدي للأسف ، يمكنك متابعة الدروس الفائتة وعندما تصلي إلينا أحضري معهما الدرس ، بعد اذنك .
قال بهدوء : انتظري يا أستاذه ، لم نكمل حديثنا .
لفت له وابتسمت وقالت بغيظ : لا يوجد حديث بيننا ، فأنا لا أريد التواصل معك .
ابتسم باتساع وظهر المرح بعينيه وهو يراها تسرع إلي ملحقها الخاص وتمتم بخفوت : تغارين ليلى ، معقول !
***
تأفف بضيق وهو يحاول أن يفتح عينيه ، ويرى سبب تلك الجلبة التي تحدث بجانبه تنهد وهو يرفع رأسه ويمسك هاتفه بعد ما تأكد أنه سبب الجلبة التي تحدث فتح الخط دون أن يرى اسم المتصل ليصل له صوت أحد زملائه بالإذاعة
يقول بتوتر : أين أنت وليد ؟ باكينام تبحث عنك من يومين واليوم ثائرة بشكل غير طبيعي وتتشاجر معنا وكلفتنا بأن نبحث عنك ونأتي بك من تحت الارض .
زفر بضيق : حسنًا ، سآتي حالا ، سلام .
قام من فراشه وارتدى ملابسه بملل وهو يفكر فيما تريده السيدة باكينام لتبحث عنه بتلك الطريقة ، وصل إلي مقر الإذاعة ودخل إلي هناك بطريقته النجومية المعتادة
ابتسمت له سكرتيرة باكينام لتقول له بتوتر : تفضل ، أنها تنتظرك .
خلع نظارته الشمسية ليدخل إلي مكتبها ويقول بسخرية شديدة : ماذا حدث ؟ هل مبنى التلفزيون سينهار ، أم الحرب العالمية الثالثة ستندلع لتبحثي عني بتلك الطريقة
لفت له بكرسيها المتحرك لتنظر إليه بحدة شديدة وتقول ببرود : لا يا سيادة النجم
بل شيء يهمك أكثر ، أنت موقوف عن العمل ومحول للتحقيق .
***
يقف و ينظر إلي العمارة التي أوصلها بها ، يريد أن يراها ، يتكلم معها يريد أن يفهم سر علاقتها بوليد ويريد أن يروي ظمأه منها
تنهد بقهر وذكرى مشاجرته مع جده لا زالت ساخنة بعقله ، هذه المرة كان عنيفا لم تهمه دموع أمه ولا غضب جده بل انفجر كالبركان الذي ظل يخمده لمدة سبع سنوات كاملة ،أخذ قراره ليندفع إلي داخل العمارة وهو مصر أن يجدها ويراها ، يعلم جيدًا أنها تسكن بأحد الأدوار السفلية ، فهي عندها رهاب الأدوار العليا ، ولا تستطيع أن تسكن بها ، ابتسم وهو يسمع صوت فيروز يصدر من إحدى الشقق فاتجه إليها سريعا ، يعلم أنها مغرمة بفيروز وأنها من عشاقها
وقف أمام الباب وهو يشعر بالحيرة تمتلكه ماذا سيقول لها ؟ بماذا سيفسر لها وجوده؟
في وسط حيرته سمع صوتها الجميل وهي تردد مع فيروز "بيطلع عبالي ارجع أنا وياك ، أنت حلالي ارجع أنا وياك ، أنا وأنت ملا أنت "
ابتسم بشجن وركن جبهته على الباب وهو يشعر انها تناجيه بتلك الكلمات
شعر بقلبها يستجدي رجوعه ولكنه يعلم جيدًا أن أفعالها ستكون شيئا مختلفا
تمتم بحنق : اللعنة على كبريائها السخيف
تقف في مطبخها ، تعد الطعام ،وهي تشدو مع أغنية فيروز الجميلة "كيفك انت "
بصوتها المبحوح ولكنتها الفرنسية ، تشعر بالحنين والشوق يمزقها إليه
كم تريده بجوارها ، نظرت الي الطفل الصغير الجالس بمنتصف الصالة يلعب بألعابه المتفرقة هنا وهناك ،ويصفق بيديه عندما يفعل شيئًا ممتعا
اغرورقت عيناها بالدموع ليعلو صوت فيروز بأذنيها وتردد هي معها بحنين واضح في صوتها :" بيطلع عبالي ارجع أنا و ياك
أنت حلالي ارجع أنا و ياك
أناو أنت ملا أنت "
تنهدت بحرقة وهي تكمل إعداد الطعام لطفلها الصغير وهي تبتسم بشوق ، كم تمنت أن تخبره عندما لاقته بالصدفة ولكنها لن تستطيع أن تهدم كل ما بنته بينهما في تلك السنوات الفائتة، تمايلت بخفة وهي تعد الطاولة لتجلس هي وطفلها ليتناولا طعامهم وهي تشدو بمزاج عال واحساس صادق :
بتذكر آخر مرة شو قلتلي
بدك ضلي بدك فيكي تفلي
زعلت بوقتا و ما حللتا
أنو أنت هيدا أنت
بترجع عراسي رغم العيال والناس
إنتا الأساسي وبحبك بالأساس
بحبك أنت ملا أنت
شعر بحنينه يجرفه لها وهو يسمعها تشدو بتلك الطريقة المحببة الي قلبه ليضع يده على الجرس ويضغط عليه بقوة
اتاه صوتها تتكلم مع أحد بالداخل ليشعر بالغضب يمتلك حواسه وهو يتساءل " مع من تتكلم ؟"
رن جرس الباب وهي تضع طفلها بكرسيه فتقول بحنان وهي تقبل رأسه "انتظر حبيبي لأرى من هذا الجائع الذي سيشاركنا طعامنا "
اتجهت للباب وفتحته بابتسامة ودود وهي تتوقع أنها جارتها السيدة المسنة التي تأتي لتلعب مع "كريم" وتسأل عنها ، تلك السيدة الجميلة التي تشعرها بأنها والدتها ، فتحت الباب وهي تقول بمرح : حماتك تحبك أمي .
لتتجمد ابتسامتها وتنظر إليه بدهشة ثم تنظر إلي نفسها بارتباك وتقول بتلعثم : هشام.
أنت تقرأ
سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول رواية " امير ليلى "
Romanceاقترب منها ثانية فحاولت الصراخ بقوة، محاولتها الفاشلة في الصراخ أيقظت ما تبقى من عقله الذي كاد أن يذهب مع الألم المبرح الذي يشعر به ، وقف بكل قوته واندفع ناحيته ليسحبه من أكتافه بقوة راميًا به إلى الحائط ليصطدم به الآخر قويًا، لكمة مرتين بقوة...